دور النقد بين المربي والناشئ: سيدا للمال لا عبدا - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12410 - عددالزوار : 208984 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 167 - عددالزوار : 59566 )           »          الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 60 - عددالزوار : 758 )           »          الأعمال اليسيرة.. والأجور الكثيرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          خواطر متفرقة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          السلفية منهج الإسلام وليست دعوة تحزب وتفرق وإفساد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 35 )           »          القذف أنواعه وشروطه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          العمل التطوعي.. أسسه ومهاراته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3 - عددالزوار : 65 )           »          الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 59 - عددالزوار : 15883 )           »          الضلع أعود (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى التنمية البشرية وعلم النفس

ملتقى التنمية البشرية وعلم النفس ملتقى يختص بالتنمية البشرية والمهارات العقلية وإدارة الأعمال وتطوير الذات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 22-09-2021, 10:37 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,380
الدولة : Egypt
افتراضي دور النقد بين المربي والناشئ: سيدا للمال لا عبدا

دور النقد بين المربي والناشئ: سيدا للمال لا عبدا
د. غنية عبدالرحمن النحلاوي


مقدمة: زبالة الدنيا[1] والانكباب على الوجه:

أبحاث علماء الأمة خاصة في مجال التربية، كانت تقول للناس: هذا الحق وهذا الباطل، وتلك حقائق عامة ومنارات مرشدة، فاعملوا وأوجدوا سفنَ وأطواق النجاة.




اليوم غالبًا عليك أن تقدم حتى الأخيرة! ومع ذلك منهم من لا يفلحون في ركوبها لأسباب منها الانكباب! ولقد حذرنا سبحانه إذ قال: ﴿ أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الملك: 22]، راقبنا ونحن نسير مكبين، ثم ضع زبالة الدنيا هدفًا، وراقبنا ونحن نسير مشمرين، واقعٌ معيش .. وحصاد خاسر .. وكأني بنا نلهث وراء "الهباء المنثور"، منذ الخطأ في تحديد الأهداف وصولًا للقصور والتقصير في تصحيح كليها، الوسائل والأهداف! وأخطر المراقبين لنا هم أبناؤنا، وقديمًا كان "أهلنا" يقولون عن النقود: "زبالة الدنيا"، وجهة نظر قد تكون قاسية أو يراها البعض مبالغة .. لكنها مثل الأشعة السينية التي تظهر الجمجمة بدون الوجه والشعر الذي يُجملها, من جهة أخرى فهم كانوا كذلك يقولون: الدراهم مراهم .. ولكن انظر مِن خبراتهم وبذكاء فطري هم لم يقولوا: ترياقًا ولا بلسمًا شافيًا، ولا إكسيرَ الحياة! بل مراهم قد تُشفي الجروح السطحية، وقد تكون واقية، أو مرممة ومرطبة، ليس إلَّا!



مبادئ عامَّة في دور النقد اليوم:

يُهيمن الرأي بأن من لا يتخذ المال هدفًا رئيسًا وربما مقدسًا، هو "درويش" ساذج، ومتأخر عن حضارةٍ درَّة تاجها أن المال عصب الحياة، وهو مما يُصعِّب مهمة المربين في الرقي بالإنسان ومقاومة إرخاصه، ويبدأ تصحيح دور النقد مبكرًا في البيت بالقدوة والتوجيه، من خلال الأمثلة والخبرات اليومية، ثم في المدرسة والمجتمع المسلم الصالح، وكذلك في المسجد الذي يندب لإعادة الدور التربوي له[2]، ولأن تربية الطفل تبدأ قبل أن يولد، فهذه مبادئ عامة للمربين لكل من الآباء والأبناء، وإن خصصت الناشئة بالذكر، وأمثلة مساعدة (يعدِّلها كلٌّ بحسبه):

أولًا: أن نُذكِّر أنفسنا أن الملك بيد الله تعالى القائل: ﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [آل عمران: 26]، وهو سبحانه الذي رزقنا المال بعزته لنَملكه، وليس لنجعله يَملكنا، وكلَّفنا أن نتصرف به بمرضاته.



ومن أمانة التكليف:

أ- أن نبسط هذا المفهوم للطفل والناشئ بالأساليب التربوية المعروفة؛ كالحوار والقصة، وعلى رأسها القدوة, ونَبني عليه تصحيح خطأ شائع هو تقويم الناس وحبهم وكرههم، بناءً على قلة المال أو كثرته، فمن التربية الخاطئة ألا نهتم ببعضنا إلا بالدانق والدينار والظهير الاجتماعي.. والمؤسف أنا لو سعينا إلى غير ذلك، فإن أرضيتنا قد تغلبنا، فحتى العمل "لوجه الله تعالى" خلطه أكثرنا بالنظرة المادية الضيقة والمصلحة، وعلينا تجنيب أطفالنا تَكرار الخطأ؛ قال تعالى: ﴿ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ [الشورى: 38]، تنبهنا أن الرزق من الله "رزقناهم"، فإنفاقه بأمر الله وما يرضيه.



ب- ويلي ذلك تعليمهم أن المال يُكتسب بالعمل الحلال بأمر وتيسير خالقنا ﴿ الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾ [طه: 50].

1- لينفقه مالكه في ضرورات حياته، ويقرضه لقضاء حاجات الآخرين.

2- وهو كذلك "زينة الحياة الدنيا"

3- وأنه ينطبق عليه: الأخذ والعطاء، والربح والخسارة والكسب والوهب، وأنها أمور تناسب قدرتنا على التكليف وحمل الأمانة؛ قال تعالى: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ [البقرة: 286]، ولكن دون أن ننسى أن تلك النفس ﴿ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ﴾ [البقرة: 286]، فكل ذلك لك أو عليك، ومن هنا نصحب الطفل بلطف إلى الترغيب بالكسب الحلال والإنفاق الحلال، وإلى مفهوم أن المال مسؤولية، ولو أفرحه فلا يغلبه الفرح بجمْعه، ونرشده من آيات القرآن لحاجتنا للإيمان القوي للتعامل مع الثروة والرخاء، وأن بسط الرزق امتحان لإيماننا، لا يقل تحديًا عن الامتحان بالضيق والضراء! ولكلٍّ جعل الله ما يناسبه!



وعمومًا فمن منافع الكسب الحلال للمؤمن قلَّ أو كثُر أنه يقي من المعاصي؛ "فيستحيي العبدُ من الله أن يستعين بنعمته على معاصيه"؛ كما قال علماؤنا، وهو ما قد يقع فيه غير المؤمن!

قال يحيى بن معاذ: "مصيبتان للمرء في ماله عند موته، قيل: ما هما؟ قال:"يؤخذ منه كله، ويُسأل عنه كله".



ثانيًا: التحبيب بالعطاء بجميع أشكاله وربطه بالثواب الأجمل والأثْمَن والأَدْوَم في الآخرة، فمتاع الدنيا يزول ويخرب أو يغدو مُملًّا، والطفل يلمس ذلك بنفسه، وسيَعي بسلامة فطرته أن ما عند الله خير وأبقى، ونربط له ذلك بإدخال السرور في نفوس الآخرين - خاصة الأهل - فكما يفرح ويُسر هو بالهدية، فهم يفرحون، ولقد حفظتُ وأنا صغيرة حديثًا من كلمتين وشهِدت تطبيقه، وهو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تَهادوا تحابوا))، والخبر المدهش للناشئ أن ربح الثواب يأتيه من حيث لا يتوقع؛ فعن أبي مسعود البدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن المسلم إذا أنفَق على أهله نَفقةً وهو يَحتسِبها, كانت له صدقَة"، وأن العطاء بركة للمال؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((ما نقصت صدقةٌ من مال))[3]؛ كما نرشده لإدامة العطاء ولو بالقليل من قوله صلى الله عليه وسلم: ((أحبُّ الأعمالِ إلى الله أدومها وإن قل))؛ متفق عليه.



وتلك المفاهيم يجب أن تسبق ما يشيع بين الأهل أو في المدارس من أخذ الأطفال لدُور الأيتام أو أماكن اللجوء وجعلهم يتصدقون، وهي مبادرات جيدة، ولكنها تتحول إلى هباءٍ مستقبلًا إذا لم تتلازم مع التواضع للرزاق سبحانه، وتستند إلى أساس أخلاقي وتعبُّدي في الأخذ والعطاء في نطاق الأرحام أولًا، فيتعلم أن في هذا المال حقًّا مقطوعًا به لذوي القربى، بأمر الله تعالى وليس تفضلًا من أحدٍ على أحدٍ؛ قال تعالى: ﴿ فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الروم: 38]، إيتاء بأمره، لا حجة معه لمتجاهل: {فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} باللفظ والنص، لنعلمهم ذلك يقينًا واقتداءً بدفع ذلك الحق لأصحابه "ذوي القربى" مع المسكين وابن السبيل، طوعًا من قبل أن يُقتضى كرهًا بمرض أو خراب، أو فدية أو إفلاس، وأن "ذلك خير" لنا حين نبتغي به وجه الله، وأن من يفعله "هم المفلحون"!



وهنا يلزم تنبيه الناشئ لتوجيه النية والاحتساب، واستشعار أن الله معه في كسبه وإنفاقه، وهو العليم الخبير القائل: ﴿ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ ﴾ [البقرة: 270]؛ كما نربيه على أن خير العطاء ثوابًا هو الإنفاق من طيِّب كسبنا؛ قال تعالى: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ [آل عمران: 92]، وقال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ ﴾ [البقرة: 267]، فهي من أسمى القربات.



ثالثًا: تعليم الناشئين أنه ليس كل شيء يباع ويشترى، وألا ينخدع بجعل المال الهدف الأعظم والأول، ففي أحسن حالاته هو مجرد جزء من خمسة في الحياة، وهو أحد الضرورات الخمس وحسب، وهي: الدين والنفس والعرض والمال والعقل، بل إنه أهونها وأقلُّها شأنًا، فيستخدم لمصلحة الأجزاء الأربعة الباقية، ومن يقع في النقيض فيبيع دينه أو عقله أو عرضه لقاء المال، فسيحاسب وسيخسر كل شيء؛ لأنها لا تتجزأ ولا تُشترى، ولو ملك فيما بعدُ ملايين وذهبَ الدنيا[4]! قال تعالى فيمن يبع دينه: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ ﴾ [البقرة: 174]، ويا له من ثمن قليل أمام هول العذاب! وفي المقابل فإن إنفاقه للحفاظ على النفس والعرض والدين تجارة رابحة؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ ﴾ [فاطر: 29]، وتنبَّه أخي المربي إذ تتلوها: رباه، فلم يقل: "لم تبور"، بل قال: ﴿ لَنْ تَبُورَ ﴾: تلك آية تقول لك: استثمر هنا بما يرضي الله، وكن واثقًا بالربح الوفير!



ومثلما نتعهد طفلنا بالطعوم لتمنيعه ضد أمراض الجسم، علينا تقوية مقاومته للإغراء والخداع (التدلية بغرور)[5]، فيتعامل مع المال في النور، وليس خلسة في الظلمات، ولا يحوِّل نفسه إلى سلعة فيَفقد حريته مقابل النقود! وذلك بأن نزوِّده بالمناعة المستندة للمبادئ التي شرعها الله ولليقين بأن الإنسان هو الذي يكسب المال، ولكن المال لا ينتج إنسانًا، وأن الترويح باللهو واللعب الحلال يؤخذ بقدرٍ، فلا يطغى على حظ الروح، ويورث قسوة القلب، وإن الانشغال كليًّا بالتجارة ضُمَّ إلى اللهو؛ قال تعالى: ﴿ وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ ﴾ [الجمعة: 11].



رابعًا: تقوية العفَّة والتعفف، ونبذ الحرص والطمع؛ عـن عبدالله بن مـسعود أن النبـي صلى الله عليه وسلم كـان يدعو، فيقـول: ((اللهُـم إنـي أسْـألُكَ الهُـدى والتُّقـى، والعَـفافَ والغِنـى))؛ صحيح مسلم، "ومعنى: العَفـاف والغِنـى يَتَضَـمنُ العـفافَ عـن الخَـلقِ، وعَـدم تَعْليـق القَـلبِ بهـم، والغِـنى بالله وبرزقه، والقنـاعة بـما فيه، وحُصول مـا يَطمـئن به الـقلبُ وكفـاية"[6].



وتشتد أهمية ذلك اليوم مع صعوبته، والطفل يرى ويشتهي كل يوم الجديد والمنوع من السلع والثياب والمآكل والألعاب؛ في الأسواق والإعلانات وعند أترابه، ويطلبها، ومِن الضرورةِ إقناعه أن بوسعه الاستغناء عن معظم ذلك؛ لتدريبه على التعفف مع سَعة ذات اليد، فكيف بضيقها؟! والمؤسف أن الأم قد تزيد الأمر سوءًا، وأحيانًا يفعل الأب؛ رغبةً في تعويض ولدهما عما كانا حُرِما منه، حتى لو استدانا! والمؤسف أكثر أن الأمر قد يتفاقم في الفتوة والشباب! ورضي الله عن عمر إذ قال: "أكلما اشتهيتَ اشتريتَ"؟!



وهنا وقفة قصيرة مع أهمية الصديق، فباختلاف الإحصاءات 60-70% من أفكار الأطفال والناشئين وعاداتهم، تأتي من الأصدقاء، وما تبقى يتوزع على الأهل والجيران والأقارب والمربين، وكل ما يحيط بالطفل، فلإنجاح تربيتك الاقتصادية، اجعل ولدك قويًّا مؤثرًا بأصدقائه، أو تعهد صديقه الأثير كما تتعهده، أو اختر له صديقًا صالحًا مُصلحًا!



ويجب التنبه لانتشار تلك العيوب (الحرص والطمع) وأشباهها؛ كالأنانية والحسد، والتنافس الأعمى، ووقاية الناشئين منها، بتهذيب طباعهم، والتربية المبكرة على رفضها واستهجانها؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((واللهِ لا الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بُسطت على مَن كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتُهلككم كما أهلكتهم)).



وقد تبيَّن غلبة التهاون في إصلاحها في مرحلة الطفولة عند مَن شبُّوا يَستحلون المحرمات، ويدَّعون الإسلام، فهي عيوب يجب أن تعالج مبكرًا، بشرط النظر إلى أنفسنا أولًا - مربين وقدوةً - تحت المراقبة من مجاهرهم الفطرية البريئة، ومن أسوأها وأخطرها عيب الرغبة بالكسب دون عمل، أو بأقل جهد، وهو عيبٌ قد يتحول من رغبة طفولية إلى مقارفة محرمات مستقبلًا؛ كالربا، والقمار (الميسر)، والاختلاس، والرشا والاحتكار، وأكل مال اليتيم، أو المكروهات التي تبلغ الحرمة كالتسول إلحافًا, فالسائل تكثُّرًا "يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مُزعة لحم"؛ حديث صحيح، ويشيع اليوم التسول للكماليات، والتسوُّل المقنع بصور مخالفة للتسوُّل التقليدي، وقدم الحبيب علاجًا عمليًّا وقائيًّا لتلك الظاهرة مهما ساءت الأحوال، (حين علَّم السائل كيف يشد قدومًا ويحتطب)، كذلك قال صلى الله عليه وسلم: ((لأن يأخذ أحدكم حبله، فيأتي بحزمة الحطب على ظهره، فيَبيعها، فيكف الله بها وجهه - خيرٌ له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه))؛ البخاري.



وتربويًّا ينبغي ترسيخ هذا القانون مبكرًا: "اعمل لتكسب"، ليرقى مستقبلًا إلى مبدأ أن العمل أولًا وليس الكسب هو الذي يُجزى به المؤمن عند ربه، فالمؤمنون ﴿ لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام: 127]، والظالمون يتولى بعضهم بعضًا ﴿ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [الأنعام: 129]، فليحرص على العمل بإخلاص، وسيأتيه رزقه بإذن الله، لا يُظلم ذرةً، (علمًا أن الكسب هو للمادي والمعنوي، وللحسن والسيئ[7].



ومن تلك العيوب والمكروهات التي يتهاون فيها الناس: السرف والترف، والبخل والشح، فكلها مذمومة؛ لأنها متطرفة عن قصد السبيل في الكسب والإنفاق، وتعالج بالتوسط والتوازن بما يرضي الله, ودور القدوة فيها عظيم.



أمثلة عملية للقياس عليها (إضافة لما أوردنا) للمربي وللناشئ:

1- أمثلة عامة في الكسب: قال تعالى في الرعد: ﴿ أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ﴾ [الرعد: 33] كسبًا ماديًّا أو معنويًّا للقلب والروح، وتدبر وردِّد لنفسك: "كل نفس؟"، بلى كل نفس وأنت منهم! وأنا منهم! ليس في مكان أو زمان .. بل باتساع الجغرافية، وامتداد التاريخ، سبحان الله! هذه الكلمة وحدها ترعد لها الأبدان وترتجف القلوب؛ لندرك عظمته تعالى وقربه، وهو يراقب كسبنا بتفاصيله! ثم إن الكسب المحرم بلاؤه يعمُّ، ولا يقتصر على الكاسب، وهذه آية كريمة كأنها تقول لأحدنا: راجع مكتسباتك؛ قال تعالى: ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الروم: 41]: راجع مكتسباتك وتحرَّ، ليراجع كُلٌّ منا مكتسباته - واحدًا من الناس - أهلَ البر والبحر! وأصلح فسادها ولا تحارب المصلحين؛ من أجلك، من أجل أطفالك، من أجل بلدك، ومن أجلِ البَر والبحر والكون! وإلا فكل كاسب سيذوق وبال الفساد الذي ظهر واستشرى! غفرانك ربنا..



2- مثال تفاعلي عن أهمية النفقة:

نخبر الناشئين أنه لأهمية العطاء فُرضت الزكاة، وكانت قرينة الصلاة في آيات كثيرة، وكان منعها ردَّة عن الإسلام، ثم نكتب الآية 177من البقرة - وهي غنية بالشواهد لبحثنا ومررنا ببعضها - بسم الله الرحمن الرحيم قال تعالى: ﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 177]، نتلوها، ونسأل الناشئين: هذه الآية من الجوامع، فماذا تلاحظون بشأن أهمية النفقة؟! فيجيبون (ربما مع المساعدة)، وهذه أمثلة للإجابات (يقاس عليها)، يليها توجيهات المربي بما يشاء:

(آتى المال / آتى الزكاة): الصفة الوحيدة التي تكررت على وجهين وفصلت لشدة الأهمية هي العطاء!
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 22-09-2021, 10:38 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,380
الدولة : Egypt
افتراضي رد: دور النقد بين المربي والناشئ: سيدا للمال لا عبدا

نلاحظ أن العطاء وحده ذُكر مرتين، وجميع الأعمال الخيرة مرة مرة، ومع ذلك الآية لا تمنعنا من حب المال!

حُبه يجب ألا يمنعنا من بذله لـ" ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، والسائلين "، فنَملِكه وهو لا يَملكنا.



3- أمثلة للطغيان في الرزق:

وهي تعلُّم الطفل أن يصون النعمة؛ منها قوله عز وجل: ﴿ كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي ﴾ [طه: 81]، سبحان الله! ومن منا يطيق وعد ووعيد أن يحلَّ بنا غضب الله! وكأن الآية نزلت فينا لكثرة أكل الخبائث ومظاهر الطغيان في الرزق، وبتدبُّرِها يبرز السؤال كيف يطغى الإنسان في الرزق؟!



يتجاوز حقه في الكسب، ومن ذلك وباء الرشوة، فهل شعرت أو سمعت أن أفحش المال الحرام هو الرشا، (هكذا قال العلماء في تفسير السحت في المائدة)، ويلاه مما أصاب الأمة من بلاء الرشوة!



ويتجاوز حده في الإنفاق بالسرف والترف، (وكلاهما مذموم في كتاب الله)، فالذين مآلهم ﴿ سَمُومٍ وَحَمِيمٍ * وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ ﴾ [الواقعة: 42، 43] هم الذين ﴿ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ ﴾ [الواقعة: 45]، وكم منا أفسدهم الترف فقلبهم من أصحاب اليمين لأصحاب الشمال! يا للبلاء! كما أن السرف (وهو مادي أو معنوي) هو أسوأ السوء! والدليل أن حجارة العذاب معلمة عند ربك أنها للمسرفين؛ قال تعالى: ﴿ لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ ﴾ [الذاريات: 33، 34]، دون أن ننسى أن الله يغفر لمن تاب وأناب.



ويتجاوز على الطيبات التي سخرها المولى، فيطغى ويهلكها بمفاسد؛ منها: تلويث البيئة، ومنها تصنيع مواد ضارة أو محرمة؛ كفضلات الحضارة الصناعية...إلخ.

ومن الطغيان في الرزق إفراغ النزاهة والأمانة من مضمونها، ولو بالتعاون مع المعتدي على رزق غيره بكتم شهادة الحق!



4- مثال وبال رِق البشر للنقد: من الأساليب القرآنية والنبوية لنعلو فوق المال، وننعتق من استعباده "الترغيب والترهيب" ببيان تعاسة من يستعبده النقد ممثلًا بالدرهم والدينار، وتفاهة أن تستعبدك خميصة وفوق ذلك تتعسك؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((تعس عبدُ الدينار والدرهم، والقطيفة والخميصة، إن أُعطي رضي، وإن لم يُعط لم يَرض))؛ صحيح البخاري، وهي ليقاس عليها أي من العروض، فبينما هي مُسخَّرة لتستخدمها، وتتمتع بها وتتزيَّن، تستعبدك فتَشقى[8]!



وبالتبصر وتبصير الطفل بمآل من جعل المال إلهًا أو شبه إله، وفضَّله عن طاعة الله ﻓﻲ الحلال والحرام، وبعض الناس لا يحب إخبار الطفل بهذا؛ حتى "لا يتعقد من الدين" كما يُقال، والمهم أن يخبروا أنفسهم ويستيقنوها، ولكل منا نقاط ضَعف، فنعالجها لتَسلم القدوة، ويمكن التلطف مع الطفل السليم فطرةً من المسالك المعوجة؛ نظريًّا بالإشارة إلى مآلاتها، وعمليًّا حين امتناع القدوة عن أمر، أو تَحمُّله مشقة لإتيان أمر آخر، فيُبين للطفل السائل برفق وحكمة العلةَ والوعد الحق بالثواب والعقاب للخير والشر، مع انتقاء شاهد وتبسيطه، مثل قول أبي الدرداء رضي الله عنه: "إن كسب المال الحلال قليل، فمن كسب مالًا من غير حِله، فوضعه في غير حقه، فذلك الداء العضال، ومن كسب مالًا من غير حِله، فوضعه في حقه، فذلك يغسل الذنوب كما يغسل الماءُ التراب عن الصفا"؛ الزهد للإمام أحمد، ص113.



كما يمكن أن يرويها له بشكل قصصي أبطال محببون بدل الطوفان الذي يستهدفون له في الإعلام الفاسد من قصص تَحمل مبادئ معوجة ومشاهد راعبة، ومسوخ مشوهة!



5- أمثلة لتباين قيمة ومفعول النقد في الدارين:

أ- علِّم الطفل رواية قصة مثلًا أن ملك مال الدنيا، قد لا ينفع لشراء المحبة، (والتي لو اشتراها فتزول بزواله)، أو الصحة أو السعادة! بينما قد تنفع كلمة طيبة أو عمل صالح، فكيف ينفع للآخرة؟! فلا يصدق كل ما يقال عن المال، ومما يُذكر هنا أن الإنفاق للتأليف بين القلوب لا يجدي نفعًا إذا كان مفصولًا عن رضا ومشيئة الله تعالى؛ قال عز من قائل: ﴿ وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [الأنفال: 62، 63]

وفي المقابل فقيمة ومفعول المال تتضاعف إذا أُنفق لوجه الله تعالى وما يُرضيه.



ب- تذكَّر وعلِّمه أن النقد والذهب عملة باطلة للآخرة؛ حيث يتم التعامل بالحسنات والسيئات، كما أن القوانين الاقتصادية هناك مختلفة تمامًا, ومثال يقرع أهل الربا قرعًا؛ قال رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم: ((ما من مسلم يقرض مسلمًا قرضًا مرتين، إلا كان كصدقتها مرة))؛ صحيح, بل يكثِّر الله الصدقة؛ قال تعالى: ﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ﴾ [البقرة: 276]، وما أعجب أن يتحول القرض مرتين إلى صدقة بفضل الله تعالى، تقبض أجرها في الآخرة حسنات، مع أنه استُوفِي بالدنيا! وكأنه تعالى بعظمته اقترضه من عباده ليُوفيهم إياه في الآخرة مضاعفًا، وبالنقد المتداول هناك بالحسنات تقتني بها ما تشاء - بيوتًا ومتاعًا، ومزارعَ، بل أنهارًا وقصورًا! وكل ما تشتهيه! فما أجهلنا وأشد بخلنا على أنفسنا! وما أسوأ من يبخل حتى بالقرض الحسن، ناهيك عن الصدقات!



ومثال أعجب: قال تعالى: ﴿ فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ ﴾ [الحديد: 15]، وهو ردٌّ على من يحملون شعار: كل شيء يُشترى بالمال! وتقرعني الصيغة..، فاليوم لا يؤخذ منكم، هو خطاب لنا، لكل من يقرأ الآية، ليس تلميحًا، بل قانونًا ثابتًا وقرارًا قاطعًا جامعًا! لكنَّا مع طول الأمد وقسوة القلب، والبعد عن آيات الله - نسيناه - ذلك "اليوم" - وغفلنا عن أن فيه ﴿ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ ﴾ [آل عمران: 91], لنعد النظر، ونجعل الناشئ يتخيل الصورة تمامًا، من أحدهم وليس من مائة ولا عشرة منهم! وليس مئات السبائك، بل ملء الأرض ذهبًا، كلها لا تفدي فردًا كفَر، فكيف بالمجرم الذي أصبح ثريًّا ببيع الحقوق والدماء في دنياه! والأدهى من يفعل بدنيا غيره! يومئذ ﴿ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ﴾ [آل عمران: 91]؛ مثال ينفِّر الناشئ منهم ولو أعجبه بعضهم، ولإتمام الصورة اطرح هذا السؤال: أبُني مع مَن تحب يومئذ أن تكون؟! يأتي يومها ناس مع أنبيائهم: مجموعة مع هذا النبي ومجموعة مع ذاك، ثم مجموعة مع فرعون، وأخرى مع القصور والبنوك، وثالثة مع المجوهرات والكنوز، تقودهم في الآخرة كما كانت تقودهم في الدنيا، لا تعجب، إنهم الذين يتبعون "ما أُتْرفوا فيهِ"، فيقودهم للهلاك؛ قال تعالى: ﴿ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ﴾ [هود: 116، 117]! ولينظر أحدنا لمن يُسلم قياده!



6- أمثلة لسرقات وجرائم مالية عقوبتها مشددة: وهي تُوجَز للناشئ وتُفصَّل للكبار:

جزاء أكل مال اليتيم؛ قال تعالى: ﴿ وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا * وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا ﴾ [الفجر: 19، 20]، الحب الجم للمال قد يردي في الدارين حين يعمي عن الحق، وإن أكل التراث هو أكل النار مجازًا في الدنيا وحقيقةً في الآخرة؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ﴾ [النساء: 10]؛ لذلك كان تنظيم الإرث من أهم العقود الاقتصادية، واستغرقت عدة آيات من سورة النساء بُني عليها علم الفرائض.



عقوبة كنز الذهب والفضة، والمحصلة من أكل أموال الناس بالباطل والصد عن سبيل الله، فتُحمى في جهنم، وتُكوى بها أجساد الكانزين؛ قال تعالى: ﴿ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ ﴾ [التوبة: 35].



عقاب من يغصب الأراضي والبيوت، أو يعين على غصبها من أهلها:

قد يكون المال أرضًا، وغصبها عَنوة أو احتيالًا- قلَّت المساحة أم عظُمت - هو جُرم عظيم؛ كما في الحديث: ((أعظمُ الغُلولِ عند الله يوم القيامة ذراعُ أرض يَسرقه رجلٌ فيطوقه مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ))[9]:"يعني يُجعل طوقًا في عنقه ذلك الجزء وما تحته إلى سابع الأرض"، فهو عند الله من أعظم السُّراق وبالًا وعذابًا! وأشقاهم الساعي بالسرقة لغيره، فيبيع دينه وأمانته بدنياهم مقابل دريهمات (شهادة زور .. ترويع الساكنين وتهجيرهم .. أو قضاء مرتش)! وفي لفظ: ((من ظلم قيد شبر، خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين))، قيد شبر فقط! ويعاقب بالخسف إلى سبع أرضين كلها طوق في عنقه! فما بالك بمن يسرق قرى ومدنًا! وندرك سر شدة عقوبة هذا الجرم عندما نرى التهاون اليوم بشأنه على مستوى الأفراد والأمم: (بدعة التغيير الديمغرافي)!



وختاما[10]: لعل أكثر ضرورات اليوم هو من كماليات الأمس! وقد يحرم منه أولادنا غدًا! و"إن من الذنوب ما لا يُكفِّره إلا الهم بالأولاد"؛ كما قال ابن القيم، ونحن في عصر الهم الاقتصادي فيه من أكبرها، وتتكرر الخبرات التي تؤكد أنه برجوعنا لكتاب الله تعالى، وعندما نؤمن بالله العزيز الحميد، ونستمد عزَّتنا منه وحده في تربية أبنائنا وقدوتنا الحبيب وصحبه وصالحي الأمة، ونسأله الرزق وحده، فلا عنت في الكسب ولا ذل ولا خِذلان، بل عزة ومنعة تعيد للأمة خيريتها بإذن الله! رغم أنف من أبى! سبحانك اللهم وبحمدك.







[1] زُبالة: قُمامة البيوت وكُناستها وأوساخها وهي من العامي الفصيح.



[2] كتاب أصول التربية الإسلامية وأساليبها في البيت والمدرسة والمجتمع؛ الأستاذ عبدالرحمن النحلاوي رحمه الله، دار الفكر.



[3] حديث: (ما نقصت صدقة من مال)؛ رواه مسلم، وتمامه ((وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًّا, وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله عز وجل)).



[4] كتاب الثابت والمتغير؛ د. غنية عبدالرحمن النحلاوي، دار الفكر دمشق.



[5] من قوله تعالى: ﴿ فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ ﴾ [الأعراف: 22]: أنزلهما عن رتبة الطاعة بخداع، والغَرَر بفتحتين: الخطر، والغرور الشيطان، بينما غِرٌّ: غير مجرب، والغار الغافل، ومنه: اغتر الرجل واغتر بالشيء: خُدِع به؛ (مختار الصحاح للرازي، دار الحكمة دمشق ط 1983).



[6] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ليس الغنى عن كثرة العرض، وإنما الغنى غنى النفس))؛ (أخرجه البخاري ومسلم)، وشرح حديث: "اللهُـم إني أسْـألُكَ الهُدى والتقـى والعَـفافَ والغِنـى"؛ للإمـام السعدي رَحِمَـه الله؛ بهجة قُلـوب الأبـرار.



[7] وقد يفسر بالعمل؛ كقوله تعالى: ﴿ أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا ﴾ [البقرة: 202]، فُسِّرت: حظ وافر بما عملوا من الخيرات؛ (صفوة التفاسير ص 116/ مج أول)، وللعلماء كلام في الكسب والرزق يطول، ولعل المربي إن سُئل يبسطه للناشئين بإيجاز.



[8] قال ابن تيمية بعد ذكره الحديث: "فسماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الدرهم وعبد الدينار، وعبد القطيفة وعبد الخميصة"، وذكر ما فيه من دعاء وخبر، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش)، والنقش إخراج الشوكة، والمنقاش ما يخرج به الشوكة، "وهذه حال من إذا أصابه شر لم يخرج منه، ولم يفلح، لكونه تعس وانتكس، فلا نال المطلوب ولا خلص من المكروه، وهذه حال من عبد المال"، وانظر كتاب العبودية لابن تيمية بمقدمة الأستاذ عبدالرحمن الباني، طبعة المكتب الإسلامي 1963.



[9] بإسْنَادٍ حَسَنٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ، وفي فتح الباري: "يكلف نقل ما ظلم منها في القيامة إلى المحشر، ويكون كالطوق في عنقه".



[10] من خبرات سابقة: تصلني رسائل وتعليقات: "ليتك قلت كذا، تمنيت لو أنك وضحت كذا .. أحسست أن المقال مقطوع .. إلخ"، وقد أضطر إلى صنع جزء ثان..، وفي المقابل يصلني من شبكات النشر: ((يرجى الاختصار، هذا الزمن لا يحتمل التطويل .. هذا بحث وليس مقال!"، لذلك أعتذر للقراء، فهذا مقال وليس بحثًا، ولعله والله أعلم ليس هناك جزء ثان!



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 83.71 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 81.37 كيلو بايت... تم توفير 2.34 كيلو بايت...بمعدل (2.80%)]