قراءة في كتاب: زاد الأديب - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 13074 - عددالزوار : 345760 )           »          مكاسب الصحابة الكرام: نموذج في الكسب الحلال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 76 )           »          رسول السلام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلّم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 98 )           »          أسطورة تغيير الجنس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 113 )           »          كنز من كنوز الجنة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 108 )           »          قواعد نبوية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 26 - عددالزوار : 4762 )           »          كتاب( مناظرة بين الإسلام والنصرانية : مناقشة بين مجموعة من رجال الفكر من الديانتين ) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 186 )           »          الشاكر العليم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 146 )           »          هل هذا شذوذ أو ازدواج في التوجه؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 180 )           »          زوجي مصاب بمرض الفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 158 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى اللغة العربية و آدابها ملتقى يختص باللغة العربية الفصحى والعلوم النحوية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 27-10-2022, 10:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,112
الدولة : Egypt
افتراضي قراءة في كتاب: زاد الأديب

قراءة في كتاب: زاد الأديب


ريم زعفوري






(زاد الأديب) كتابٌ يبدأ بقول عظيم "اقرأ"، وينتهي إلى معانٍ سامية تنفتح على "عوالم حرَّة"، و"مجد دائم"، هو جمع من المقالات في القراءة والكتابة والأدب، صادفت حبًّا في أعماق الأديب المغربي (ربيع السملالي)، جمعها برفق حريص وأناة، من مجلات عربية أدبية وفكرية، قديمة وحديثة، ولسان حاله يقول: "لا يُؤمِن محبٌّ حتى يُحِبَّ لحبيبه ما يحبُّه".

ثم نسَّقها برؤية وذوق، بعث فيها الحياة من جديد جسدًا واحدًا في ثوب أدبيٍّ من حيث الأدب هو مجموعة الآثار المكتوبة التي يتجلَّى فيها العقل الإنساني بالإنشاء أو الفن الكتابي، فليس الأدب إذًا وصف ألفاظ فحسب، ولا هو حشد أفكار فحسب، بل هو الفن الذي يُحسن فيه الإنسان التعبيرَ عن حسن التفكير، والأدبُ الخالص يدلُّ على شخصية الأديب ويكشف عن صور الحياة، ويعبر عن الخواطر والمشاعر النفسية، إنه صورةٌ ناطقة لحياة الأفراد والأمم[1].

وهذه المراجعة قراءةٌ وتعاليق مسترسلة، ﺁخذٌ بعضُها بأيدي بعض؛ ربطًا للمعاني، وتأويلًا للمقاصد؛ بهدف تتبُّع منطق التأليف والتنسيق، اعتمادًا على مفاهيم مستخلَصة من النظريات المعرفية في ميدان علم النفس التربوي؛ لحضور الطابع التعليمي، بمنهجٍ في ذلك مقصود، سِيقت ضمنه المختارات بأسلوب شائق، وعرض مُعلَّل، نقتفي أثره لنتعرَّف كيف يمكن أن نجعل القارئ لا يكتفي بالمعرفة حاضرة مباشرة كما عهِد، بل يُفتِّش بين السطور عن ضالَّته معتمدًا الاستنباط والاستخراج ليكوِّن فسَيْفِسَاءه الخاصة.

"اقرأْ، فبفعل القراءة أنت موجود":
من هنا تنطلق رحلة "فصل في القراءة"، رحلة تحمل مَسْحَةَ جمالٍ لُغَوي، يعزف على أوتار التفاعل النفسي العميق، تجذب القارئَ ليدخل دائرة الترغيب والتحفيز، ويخوض غمار القراءة بعوالِمها السحرية العجائبية، وآفاقها اللامتناهية، فتضعه في مقام سيد المعرفة، وتتحرك العاطفة نحو الكتاب في قالب تَوْعوي، بتحليل موقعه لدى الشعوب على تباين ثقافاتها، وأثره فيها، مع الأمثلة والتجارب؛ مما يُعيد إلى السطح مقولةَ: "وخيرُ جليسٍ في الزمانِ كتاب"، فكرة لا انزياحَ عنها في عصر الثورة الإعلامية الذي نعيشه، دون الاستخفاف بقيمة ما توفره شبكة الإنترنت من مقالات ودراسات مهمة، رغم اختلاط المعلومة فيها إلى درجة جعلَتْها لا تتمتع بأية (رهبة معرفية) لدى مستعملها الجاد، "وعليه، فإن الفيصل الذي يُحدِّد قيمة هذا وذاك هو العين النقدية الثاقبة للباحث الذي يعرف هدفَه، والمتيقِّظ لكل الهَنَات والثغرات".

من أجلذلك؛ يبقى هذا العالَمُ أجملَ بين دفَّتَي كتاب، فلو فتح حوار مع الكتب لعرَف معنى الصحبة والصداقة، وكيف يغدو هذا الصاحب مرآة واقع، وسُلَّم نجاة، وسبيل خلاص في أحلك المحن، ويتواصل إذكاء عاطفة القارئ لنسج جسور وصل متينة نحو عشق الكتب بعد التأكد من استعداده بتوفر أسباب التركيز والشغف للمعرفة، فيطالعه مقال بعنوان (إعارة الكتب من منظور عاشق)، قصد توثيق هذه العَلاقة وتِبيان آدابها، بسوق الحجج مفصَّلةً في محطة تعليمية ترسيخية، يعي من خلالها قيمة هذا الكتاب ورفعة شأنه عند محبيه، ومَن تعمقوا في بحور الوفاء له حتى قالوا:
ألا يا مُسْتعيرَ الكُتْبِ دَعْنِي
فإنَّ إعارتي للكُتْبِ عارُ

فمحبُوبي مِن الدنيا كتابِي
وهل يا صاحِ محبوبٌ يُعارُ


وهنا يأخذ مسارُ الرحلة اتجاهًا جديدًا في الإحاطة بالموضوع؛ عبر تأملات في صروف الحياة، ليطرق البعد الثقافي للكتاب ومكانته الحضارية، وسيرًا من التاريخ عنه، فيشحذ الهمم، ويوقظ رابط الهُوِيَّة والحنين الكامن نحوها، فيا ليتنا نبقى كما كنا (أمة كتاب).

واستجابةً لِما سبق في امتداد للتعزيز الإيجابي عبر إجراء الخيار المناسب، يدفع القارئ للتفاعل بمواجهة أول سؤال: لماذا نقتني الكتب؟
فتتوضح مكانته بين مصادر المعرفة الحديثة، بمناقشة نقطة الموضوعية، وعناصر الرصانة والاحترافية العلمية، فمهما قَوِيَت جاذبية بريق الحداثة، إلا أن الشوق إلى المعرفة الصافية لا يشفيه سوى العودة إلى منابعها الأصلية بين صفحات الكتب من جهة، وإحياء القراءة في الأسرة من جهة أخرى؛ فإن بؤرة الخلل أو الصلاح والعقدة، التي إن وهنت وتراخت في الوعي بمسؤوليتها، كانت المعضلة الشاملة، فيناقش الموضوعَ باحثٌ في الدراسات الأسرية، مقدمًا منهجًا دقيقًا، بتوجيهات فعالة لمعالجة إشكالية العزوف عن القراءة، عبر آليات طريفة ناجعة تنهض بأمة (اقرأ)، ليكون واجبًا تفصيلُ القول في المطالعة وبيان أبعادها، والتصاقها التلازمي بمختلف شرائح المجتمع، على تنوع مستوياتهم العلمية؛ لِمَا لها من فضل في إثراء زادهم المعرفي، وَفْق ما ترغب فيه النفس ويميل إليه الطبع، ثم لا ننسى أننا مَن نصنع رُقيَّنا، ولو أردنا أن نعرف مقدار رُقِي بلد، فلننظر إلى عدد الكتب التي تُباع فيه،هذه الكتب تصير مع الزمن كنزًا عزيزًا على مالكها؛ حتى يؤرقه يومًا مصيرُها بعده، وتلح عليه فكرة وراثة الكتب بشجونها، ويواسي نفسه بعزاء ليس فيه سوى الإكبار لهذه الثروة، فخيرُ ميراثٍ وُرِّث كتبٌ وعلم، وخير المورِّثين مَن أَوْرَث ما يجمع ولا يفرِّق، ويبصِّر ولا يعمي، ويعطي ولا يأخذ،فيطرح السؤال: كيف تقرأ كتابًا وتستفيد منه؟

يعيد شدَّ انتباه القارئ، يحثه على الانتفاع مِن سيل المعارف بين يدَيْه، فالقراءة فنٌّ له قواعده وأسسه؛ إذ ليس كل مَن حمل كتابًا قرأ، وليس كل مَن قرأ خرج بفائدة، ما دام لا يدرك كُنْه فعل القراءة وقيمة الكلمة والفكرة متى صادفها، وكيفية التعامل معها لتنمية ملكته، ليتزوَّد عند هذه المرحلة بتوجيهات عملية تطبيقية مُعلَّلة واضحة، ذات أثر مباشر منهجًا وأسلوبًا، مع جمع لا بأس به من الإحالات إلى مراجعَ مختصَّة في الغرض، ممهدًا لعرض فوضى الأدغال الورقية، محنة قرصنة الكتاب في العالم العربي وأبعادها بين مجتمع فقير، مِن حق الناس فيه أن يقرؤوا ما لا يستطيعون شراءه، وما خلف هذا من حقوق مهدورة وتعديات صارخة.

ليكون المقالُ الختاميُّ في فصل القراءة جامعًا: (ماذا ولماذا وكيف نقرأ؟)وَفْقَ صيغة تأليفية، كأنه يقوم القارئ ويُنبِّهه ليراجع ما رسَخ عنده، ويحثه أن يستفيد قدر جهده مما كسب، ويتعرَّف موقعه وطاقاته.

في المقال كلُّ أصناف القراء، فيجد الجميع بعضًا مِن ذواتهم في عبارة هنا، أو جملة هناك، ويتبينون أُولى لبنات الوَعي التي لا يمكن الاستمرار قبل تركيزها، هو أن "الإنسان في الواقع لا بد أن يكون عضوًا نافعًا في الحياة".

ولَمَّا كانت القراءةُ هي التوءم الوسيم للكتابة، وبمنطق اللَّبِنة التي تعاضد ما جاورها حتى يرتفع البناء متماسكًا، يفتح الباب الثاني (فصل في الكتابة)، مقدمًا منذ البداية معنى أن تكون كاتبًا في وطن عربي، إلى جانبه مقال آخر بعنوان: (أنا لا أكتب، بل أتجمل!)، وفي الاثنين عرضٌ لعيِّنات تلمس الجانب المخفي من عالم الكتابة، الصوت الثاني الذي لا يصل القارئ العادي، ويبقى حبيسًا خلف أغلفة الكتب اللماعة والمقالات جيدة العرض؛ صوت المعاناة، صوت الغرور، صوت الحيف والظلم والنكران، كاتب يقولون عنه مسكين، يرمونه بنظرات الشفقة البائسة، وكاتب واهمٌ مغرور لا يكتب بل يتجمَّل، ويسألني سائل عن شروط الكتابة، وإن كانت مخصصة فقط لحمَلة الدكتوراه، فلا يكون مجال سوى لتفسير معنى هذه الألقاب الخاوية، وما يفصلها عن ميدان العمل الجاد والموهبة.

غير أن الكتابة أساسًا فنٌّ كما القراءة، ولها مفاتيحها، أما الأمثلة التي تقدم عرضها، فقد وجب هدمها والحذر من مزالقها، ثم ينطلق الغوص المعرفيُّ التأسيسي للمرة الثانية، عبر طبقات التاريخ، فتنكشف مكانة الكتابة في مدِّ جسور المعرفة والحضارة عبر زمن الوعي الإنساني، ليس ذلك فحسب، بل أضحت وسيلة للسموِّ النفسي والوجداني، ومنه خلقت لذة الكتابة، وانبعث معنىالخلود مع النصوص التي تحيا إلى الأبد، تقاوم الفناءَ بقدرتها على الوصول واختراق الزمن والمسافة، مع الاحتفاظ بقوة تأثيرها، فيلح سؤال منطقي: كيف تصبح كاتبًا نافعًا لأمَّتك؟

تأتي الإجابات عليه مفاتيحَ ذهبية تحمل حلولًا لمشاكل قد تعترض سبيل هذه الغاية وَفْقَ سيرورة وقواعد تدعم أركان البناء الآخذ بالارتفاع، فينفتح بابٌ لنقد الذات، بأسلوب محكم، وتوجيه مدعم بالأمثلة والتحفيز، فالكاتب الحق هو مَن يحمل أمانة القلم وأمانة الكلمة.

ويتقدَّم السير للنظر في (رأي حين يكتب المبدع)، هي تحدِّيات فرضها الواقع على الأديب حامل القلم، تستدعي الثبات والصبر، فكم مِن عمل مهمٍّ بُخِسَت قيمته، وكم تصبح عندها الكتابة شاقة جدًّا حين لا تُقيَّم بطريقة جيدة، وليستوعب القارئ الطموح التحدياتِ المطروحة مع الكتابة في زمن تضاؤل القراءة، وجب أن يدرك حينها أزمةً يعانيها الحقل الفكريُّ بانسلاخ الأفراد عن أحد أهم مقومات الثقافة والحضارة لَمَّا هجروا الكتاب، لولا مبايعة شرائح بالوفاء له، وهم شعلة الإيمان في الظلمات، فإن تساءلت: لماذا أكتب؟
كانت الإجابة: اكتب لهم، اكتب والكتابة أمانة، اكتب في مجال تحسنه حتى لا تضيع وتضيع، ومتى حملت القلم ضَعْ مقولة الحافظ ابن حجر نصب عينيك: "ومَن تكلم في غير فنه، أتى بهذه العجائب"، وتبقى الأخلاق هي الداعمَ الأساس للقلم والفكر؛ ما يوجب الاعتراف بفضل السابقين، وتوخي الأدب والتواضع، فأنت حسنة مِن حسناتهم، شعرت أم لم تشعر.



يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 27-10-2022, 10:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,112
الدولة : Egypt
افتراضي رد: قراءة في كتاب: زاد الأديب

قراءة في كتاب: زاد الأديب


ريم زعفوري




ويأتي في نفس السياق ردٌّ من طرف آخر: أكتب كيلا أشعر بالوحدة، موغلًا في أعماق نفسيةِ الكاتب ودقائق أفكاره، وقد انصهر في عالمه، فهو منه وفيه يبعث وينبعث، كاشفًا أسرارًا أشبه بالفتنة، فبين الكتابة والإحساس في يومنا هذا وجعٌ خانق تولده فظاعات الحاضر الدموي، خلافًا لتلك الكتابات السعيدة التي صنعَتْها المخيِّلة الفنية قديمًا زمن الصحو الهانئ، لتنساق المختارات مع لحظات الصباح الأولى، حين تداهمنا فكرةٌ ما مثيرة، تحرِّك عالم النفس وحديثها، تلك المَلَكة العبقرية الشفَّافة التي تسكن الكاتب، وضمنها تتبلور أفكاره ويعيش لحظات أيامه.

ثم كيف يختار عنوان الكتاب، ولماذا نكتب القصة القصيرة، فتعود الكتابة حياةً لها نواميسُها، بها نعبِّر عن ذواتنا وعما يدور حولنا، تكون فيها عبارة أفكار للبيع شديدة الغرابة؛ لأن الفكرة هي وليدة نبض الحياة، ونتاج تقلباتها اللصيقة بنا، لتتجاذب المقالات في نسقٍ تكاملي يستدعي مفهوم قرين الكاتب ووجهه الآخر، ذلك البعد النفسي لـ(أنا) الكاتب في مداه المبدع، وخلفياته النفسة الأدبية، وفي المخيلة العربية الجمعية القديمة، ليتقدم بعد ذلك مقامٌ تحليلي علمي طريف في مفارقة الكلام والكتابة، نقاط قد تغيب عن ذهن القارئ، لكنها جوهرية بامتياز، لتضاف إلى مصنفة المعارف الآخذة في التوسع بتنسيقيَّة منوعة، غنية المشارب.

ثم يلمع الكاتب الحالم بألوانِه المنسكبة على أرض الواقع، ناسجة سمات الجمال، ترفعه درجات عمَّن سواه لإيمانه برسالته، وتقترب عدسةُ المؤلِّف مرة أخرى تتابع أصغر خطوات هذه الفئة المثقَّفة في نعيٍ يُحدِّثنا عن نهاية الكاتب المفترض، ومعاناته ذاتًا طبيعيةً داخل مجتمعه الذي بذل أيامه لتنويره، بينما أعاد بائعو الوهم السؤال: لماذا نكتب؟ أَلِأَجْلِ تجميل الواقع وتخدير الإرادة بأحلام زائفة، أم ثَمَّة مَن التزم بتبنِّي رؤى عميقة لخير الجميع، ومَن يعاني متحملًا مسؤولية واجبِه في الإفادة والعطاء البناء؟!

صورة ذلك ما جاء في عناوين الكتب ومعاناة الكاتب معها، والجدير بالملاحظة موقع المقال، وقد ورد فيه جمع من الأعلام هم الوسيط لفك غموض الذائقة الأدبية من ميولات ومرجعيات فكرية تسكنهم، ولا يفوت القارئَ الفَطِن تسجيلُ كم المصنفات والكتب المذكورة في معرِض الحديث، وقد استوفت حقَّها من التشويق في كلمات، لتكون بعض زادِه في قادم الأيام، تنمي فيه الشعوربمعنى أنين الحرف (دموع الكاتب حبر الكتابة)، وجمالية الألم الكامن خلفه بفلسفة راقية (الأدب معاناة أو لا يكون)، ليأتي في ختام الفصل الثاني ذكرُ علماء ماتوا وهم يكتبون ويقرؤون، حاملًا لنَفَس وعظيٍّ، وعبر مَن صنف الدرر، موشًّى بسِيَرٍ لأعلام أدب وفكر، هم منارات التاريخ الإسلامي، تشد أزر القارئ وترفع همَّته ليفتح (فصل في الأدب).

وللأدب فضلٌ على كل مَن جاب بساتينَه، وذلك حاصل هذه المرة لمَن لم يعرِفْ لذَّته قبل، في وجدانه وقلبه، فصله المقال الافتتاحي: (ما فائدة الأدب؟)؛ ليستشعر القارئ تَغَلْغُلَ هذه العبارة بمختلف أبعادها داخل الحياة إشراقةً تفاؤليةً ومنهجًا سويًّا، ولسانَ صدقٍ للأولين والآخرين، يغرس حب اللغة وحفظ الهُوَيَّة وسموًّا أخلاقيًّا، هو (منحة ربانية يجود بها الله على أرباب القلوب)، وحق القول أنه للأدب معجزات أيضًا، معجزات في زماننا هذا ملموسة بآثارها، تجسدها أمثلة ووقائع مثبتة، ترغِّب القارئ وتدفعه قُدمًا للمُضِيِّ نحو طرق بعض أبواب لا مناص مِن المرور عبرها لتكتمل الصورة، رغم أن جميع الحقوق منقوضة غالبًا، أو ما يعبر عنه بـcopyright، وما يلفها من حدود دقيقة مع انعكاساتها والصخب حولها، في عَلاقة بعقليات الشعوب نفاقًا وشفافية، ثم تجربة إهداء الكتب التي تعود بالقارئ إلى زمن الثمانينيَّات، مثيرةً كيف قفزت معايير الإعلان بين الماضي والحاضر في مفارقة تعكس تقلبات الحياة وتحدياتها وضريبتها، ما ينسحب أيضًا على موضوع التواصل بين القارئ والكاتب، والتغير الحاد لضوابطها لحظة احتَوَتْها وسائل التواصل الاجتماعي.

اللافتُ هنا ذلك الكشفُ عن نفسيات البشر، وصبغة معاملاتهم الخارجة عن إطار المقبول، مع أديب ومثقف في مجتمعهم.
وبلونٍ آخر تكتب قصتي مع الأدب في حوارٍ مع أحد العمالقة، الأديب البارع الذي كان أمةً وحدَه في الكتابة النثرية (مصطفى لطفي المنفلوطي)، وقفة لا بد منها على ضفاف نهر جارٍ، نهلت منه الأجيال كلَّ الخيرات، غيَّر مسارَ كم مِن حياة، وترجمت آثاره إلى كم مِن ثقافة ولسان!

فلماذا برز هؤلاء، وذاع صِيتُ فلان، وخمل ذكر آخر؟
هي حلقة غامضة تسمَّى بالإبداع، وأمام شموخ علم هنا، وسقوط نجم هناك، لم يضئ سوى وهم يولِّد عزاءً تافهًا، يبرر الانهزامية والفشل في عمق حكاية حب غير متبادل بين أدب الشرق والغرب، وللقارئ فرصةٌ للاطلاع على المبررات المبتدعة وراء هذا الخلل الثقافي الذي يحتاج طفرة من الإبداع بين الجنون والعبقرية، مثلما ناقشه أفلاطون، وأرسطو، وهوراس، في جدل فلسفي يخوض التخييل والموروث، وهي دعوة للقارئ ليبحث ما عرض أمامه حتى لا يكون قارئًا تقليديًّا؛ إذ لا بد أن رغبته في تنويع زاده قد ضربت عروق الثبات، وأمسى كل اسم بارز مطلبًا ينشده ليتبحَّر، مطلقًا عنان روحه في ميادين الأدب.

وإلى جانبِ التوهُّج والضياء تكون العَتَمةُ القاتمة؛ لتكتملَ الصورة بعد الإبداع مع الإحباط الأدبي، وقائع مستمدة من مزاجٍ سلبيٍّ غلب على دواخلِ المثقفين وأهل الحقل الإعلامي، على شاكلة سلسلة ديمنو هادمة سقوط قطعة منها يفسد كامل اللوحة، وتتجلَّى الهواجس والمحن بطعم آخر تحكيه (مكتبة.. وأديب مكتبتي)، فيها قلب المعاناة قصد ارتقاء سُلَّم الأدب واستحقاق لقب المثقف، وكيف يبني ذاته كتابًا كتابًا وفكرة فكرة، كيف يُصبِح ذلك عناءً يَسِمُ حياته ويجتاحها ما شاء له إصراره أن يبلغ لتحصيل زاد به يخوض غمار تحدياته ويستحق صفته، لينساقَ في غفلة الأدباء على سجيَّته ذاهل الفكر لا يطلب غير الكتب والقراءة خبزه اليومي، وباختصارٍ يعشقُ معانقة العناء ويعشق العناءُ معانقته، في حين أنه هو الأكثر تأثرًا بما يجري حوله مِن أحداثٍ يعكسها عملُه الإبداعي، وبذلك يكون انهزام المثقفين انهزام الثقافة، في حال ما تركوا ما هم عليه، وأتاحوا للتحديات أن تكسرَهم لما كان عليهم أن يختاروا الصلابة والجرأة، وينعطف المؤلِّف إلى مقالة مرحة (الخمسمائة الأولى)، عن حلاوة القطاف مع حرفة الأدب، ثم أخرى عن (أدباء تفضحهم ألسنتهم)، تستوقف القارئ لِما تبثه مِن وعي شديد الأهمية إدراكه أنه له الحق في قول رأيه في النص دون تشويش أو تعمية خارج وصاية كاتبيها، أمر آخر، نحن الآن نريد النقاء داخل مضمار المنافسة الشريفة، فلا أقل من عَلاقات طيبة أو كلمة طاهرة تُدارُ بين المبدعين، وهذا موقف أخلاقيٌّ تعليمي دالٌّ لما كان زاد الأديب منذ بدايته إعلانًا: (كفانا قراءة لأسماء استوَتْ على عرش الكتابة زمنًا طويلًا، ولنعطِ فرصة لكتَّاب آخرين من النساء والرجال)! وكانت صفحاته عرضًا زاخرًا بأسماءٍ أفصحت عباراتُهم عما تأبَّطوه من أفكار فاعلة، دلت على ثقافتهم المستنيرة الساطعة من مختلف أرجاء العالم العربي، فهم وطن واحدٌ متناغم متكامل بين سطور كتاب، وليس هذا سوى استشعار بقيمة الكلمة.

والأدباء هم صناع الحضارة، وحدَهم يملكون ما به استحقُّوا شرف اللقب، فليكن القول الفصل: (ارفعوا أيديَكم عن الأدب)، ودعوه لأهله وخاصَّته يُصلحون ذات بينِهم بدرايتهم، فرأس الأدب كله حسن الفهم والتفهم، والإصغاء للمتكلم.

أما حمى نوبل، فقسم آخر من تاريخ الأدب مع العرب بأصدائه وتجاذباته المحمومة، التي أدَّت لتعرية أصل المعادن المتآكل منها والمصفَّى، ضمن دائرةٍ طغى عليها ما يشبه جنون العظمة، ورحم الله المتنبِّي، الذي كان ينام ملء جفونه عن شواردها، فليس غريبًا بعد هذا الحديث عن نزعات الانتحار عند المبدعين، ورغم غلبة الجانب القيمي المبدئي على تكوينهم وتفكيرهم، لا ننسى أن فيهم أيضًا الإنسان بكل مقوماته وعيوبه وأفضاله، ذوات تعاني قضايا مبدأ وقلب.

وهو ما يُفسِّره بإتقان مشهد انتحاري من اليابان لروائي كبير ناجح، أثبت بذلك أن وراء الأكمة ما وراءها، بروح متحفزة للمواجهة، لكن هذا ليس إلا ما يظهر من جبل الجليد السابح في البحر، أو من رأس الأهرام، وما خفي أعظم وأورم، وهي المفارقة الصادمة، رجة تغوص في غياهِب ظلمات النفس البشرية وأسرارها القاتمة مع قوانين العقل الباطن، أو نقطة القناع حسب تصنيف "جوهاري"[2]، في تمازج مُبهَم مُربِك، تكون عنده الخبرات المكبوتة محركًا قويًّا للإبداع القاتل هنا!

وقِسْ على ذلك انتحار حاوي القضية والشخص، أين تداخلت عناصر تجسده قضية، مع كونه حاوي الفرد، فأتى جس نبض قلبه ونسيج روحه الإنسان بأسلوب شائقٍ، العبرة منه أن الغموض سرُّ التفرد، واللطيف هذا النَّفَس العاطفي القوي نهاية الكتاب ومتعة الطرح، لتختم دوامة الأدب وأمواجه المتلاطمة ببطاقة توصية ذهبية: الأدب الذي نريده، الأدب الأصيل بعيدًا عن الأدب الزائف، دون الوقوع في خلط بين شعبيَّة الأدب وغوغائيَّته، نريد أدبًا قائدًا لا مَقُودًا، نريد أدبًا يبني لا يهدم، يعترف بالجميل، يتجاوز مَعاوِل الهدم والتخريب، فالتاريخ شاهدٌ على تلاشيها، مثلما حبط عمل كل دعاة التقليد، عندها فقط تُطلِق الحريَّةُ أجنحتنا نحو نغم النعيم.

وها قد انتهى قطاف الرحيق، وآن أوانٌ ليتفقَّد كلٌّ مكسبه، وما طبع عنده من أثر؛ ليستدعي فكره الثاقب، وتفاعله النشط؛ سعيًا لتقويم ما وقع في نفسه من فوائد وعِبَر إثر جولةٍ في أفنان الأدب.

اتضح بعدها مشقة العمل المنجَز، والاجتهاد الكبير في تجميعه وتنسيقه، وتأليف بعضه إلى بعض، في تسلسلٍ أشبه بنغم موسيقيٍّ مدروس الإيقاع متناغم، قصد التأثير في المتقبل لينتقلَ أثر ما عايشه بين الأوراق إلى ممارسة حياتية وعقديَّة فكرية، تنعكس على بيئته الخارجية مع ما تزوَّد به في مجالات القراءة والكتابة والأدب من دروس تكسر المنطق التلقيني المألوف؛ لتتيح لكل تشكيل الفائدة من رؤيته ومنظوره الفردي الخاص مع هذا الكتاب القادر على أخذ مكانةٍ له خاصَّةٍ بين غيره من كتب الأدب مرآة للعقل البنَّاء؛ لما طبعه من الذوق الذي هو ميزان الآثار الأدبية في التنبه والدقة والإرهاف والإصابة.


[1] انظر: تاريخ الأدب؛ حنَّا الفاخوري، ص34.

[2] جوهاري = جوزيف لوفت وهارينجتون انجهام، قدَّما طريقة حديثة: "نافذة جوهاري"، للتعرُّف على الذات وأبعادها.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع



مجموعة الشفاء على واتساب


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 68.88 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 66.75 كيلو بايت... تم توفير 2.13 كيلو بايت...بمعدل (3.09%)]