|
ملتقى اللغة العربية و آدابها ملتقى يختص باللغة العربية الفصحى والعلوم النحوية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
قراءة في كتاب: زاد الأديب
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
رد: قراءة في كتاب: زاد الأديب
قراءة في كتاب: زاد الأديب ريم زعفوري ويأتي في نفس السياق ردٌّ من طرف آخر: أكتب كيلا أشعر بالوحدة، موغلًا في أعماق نفسيةِ الكاتب ودقائق أفكاره، وقد انصهر في عالمه، فهو منه وفيه يبعث وينبعث، كاشفًا أسرارًا أشبه بالفتنة، فبين الكتابة والإحساس في يومنا هذا وجعٌ خانق تولده فظاعات الحاضر الدموي، خلافًا لتلك الكتابات السعيدة التي صنعَتْها المخيِّلة الفنية قديمًا زمن الصحو الهانئ، لتنساق المختارات مع لحظات الصباح الأولى، حين تداهمنا فكرةٌ ما مثيرة، تحرِّك عالم النفس وحديثها، تلك المَلَكة العبقرية الشفَّافة التي تسكن الكاتب، وضمنها تتبلور أفكاره ويعيش لحظات أيامه. ثم كيف يختار عنوان الكتاب، ولماذا نكتب القصة القصيرة، فتعود الكتابة حياةً لها نواميسُها، بها نعبِّر عن ذواتنا وعما يدور حولنا، تكون فيها عبارة أفكار للبيع شديدة الغرابة؛ لأن الفكرة هي وليدة نبض الحياة، ونتاج تقلباتها اللصيقة بنا، لتتجاذب المقالات في نسقٍ تكاملي يستدعي مفهوم قرين الكاتب ووجهه الآخر، ذلك البعد النفسي لـ(أنا) الكاتب في مداه المبدع، وخلفياته النفسة الأدبية، وفي المخيلة العربية الجمعية القديمة، ليتقدم بعد ذلك مقامٌ تحليلي علمي طريف في مفارقة الكلام والكتابة، نقاط قد تغيب عن ذهن القارئ، لكنها جوهرية بامتياز، لتضاف إلى مصنفة المعارف الآخذة في التوسع بتنسيقيَّة منوعة، غنية المشارب. ثم يلمع الكاتب الحالم بألوانِه المنسكبة على أرض الواقع، ناسجة سمات الجمال، ترفعه درجات عمَّن سواه لإيمانه برسالته، وتقترب عدسةُ المؤلِّف مرة أخرى تتابع أصغر خطوات هذه الفئة المثقَّفة في نعيٍ يُحدِّثنا عن نهاية الكاتب المفترض، ومعاناته ذاتًا طبيعيةً داخل مجتمعه الذي بذل أيامه لتنويره، بينما أعاد بائعو الوهم السؤال: لماذا نكتب؟ أَلِأَجْلِ تجميل الواقع وتخدير الإرادة بأحلام زائفة، أم ثَمَّة مَن التزم بتبنِّي رؤى عميقة لخير الجميع، ومَن يعاني متحملًا مسؤولية واجبِه في الإفادة والعطاء البناء؟! صورة ذلك ما جاء في عناوين الكتب ومعاناة الكاتب معها، والجدير بالملاحظة موقع المقال، وقد ورد فيه جمع من الأعلام هم الوسيط لفك غموض الذائقة الأدبية من ميولات ومرجعيات فكرية تسكنهم، ولا يفوت القارئَ الفَطِن تسجيلُ كم المصنفات والكتب المذكورة في معرِض الحديث، وقد استوفت حقَّها من التشويق في كلمات، لتكون بعض زادِه في قادم الأيام، تنمي فيه الشعوربمعنى أنين الحرف (دموع الكاتب حبر الكتابة)، وجمالية الألم الكامن خلفه بفلسفة راقية (الأدب معاناة أو لا يكون)، ليأتي في ختام الفصل الثاني ذكرُ علماء ماتوا وهم يكتبون ويقرؤون، حاملًا لنَفَس وعظيٍّ، وعبر مَن صنف الدرر، موشًّى بسِيَرٍ لأعلام أدب وفكر، هم منارات التاريخ الإسلامي، تشد أزر القارئ وترفع همَّته ليفتح (فصل في الأدب). وللأدب فضلٌ على كل مَن جاب بساتينَه، وذلك حاصل هذه المرة لمَن لم يعرِفْ لذَّته قبل، في وجدانه وقلبه، فصله المقال الافتتاحي: (ما فائدة الأدب؟)؛ ليستشعر القارئ تَغَلْغُلَ هذه العبارة بمختلف أبعادها داخل الحياة إشراقةً تفاؤليةً ومنهجًا سويًّا، ولسانَ صدقٍ للأولين والآخرين، يغرس حب اللغة وحفظ الهُوَيَّة وسموًّا أخلاقيًّا، هو (منحة ربانية يجود بها الله على أرباب القلوب)، وحق القول أنه للأدب معجزات أيضًا، معجزات في زماننا هذا ملموسة بآثارها، تجسدها أمثلة ووقائع مثبتة، ترغِّب القارئ وتدفعه قُدمًا للمُضِيِّ نحو طرق بعض أبواب لا مناص مِن المرور عبرها لتكتمل الصورة، رغم أن جميع الحقوق منقوضة غالبًا، أو ما يعبر عنه بـcopyright، وما يلفها من حدود دقيقة مع انعكاساتها والصخب حولها، في عَلاقة بعقليات الشعوب نفاقًا وشفافية، ثم تجربة إهداء الكتب التي تعود بالقارئ إلى زمن الثمانينيَّات، مثيرةً كيف قفزت معايير الإعلان بين الماضي والحاضر في مفارقة تعكس تقلبات الحياة وتحدياتها وضريبتها، ما ينسحب أيضًا على موضوع التواصل بين القارئ والكاتب، والتغير الحاد لضوابطها لحظة احتَوَتْها وسائل التواصل الاجتماعي. اللافتُ هنا ذلك الكشفُ عن نفسيات البشر، وصبغة معاملاتهم الخارجة عن إطار المقبول، مع أديب ومثقف في مجتمعهم. وبلونٍ آخر تكتب قصتي مع الأدب في حوارٍ مع أحد العمالقة، الأديب البارع الذي كان أمةً وحدَه في الكتابة النثرية (مصطفى لطفي المنفلوطي)، وقفة لا بد منها على ضفاف نهر جارٍ، نهلت منه الأجيال كلَّ الخيرات، غيَّر مسارَ كم مِن حياة، وترجمت آثاره إلى كم مِن ثقافة ولسان! فلماذا برز هؤلاء، وذاع صِيتُ فلان، وخمل ذكر آخر؟ هي حلقة غامضة تسمَّى بالإبداع، وأمام شموخ علم هنا، وسقوط نجم هناك، لم يضئ سوى وهم يولِّد عزاءً تافهًا، يبرر الانهزامية والفشل في عمق حكاية حب غير متبادل بين أدب الشرق والغرب، وللقارئ فرصةٌ للاطلاع على المبررات المبتدعة وراء هذا الخلل الثقافي الذي يحتاج طفرة من الإبداع بين الجنون والعبقرية، مثلما ناقشه أفلاطون، وأرسطو، وهوراس، في جدل فلسفي يخوض التخييل والموروث، وهي دعوة للقارئ ليبحث ما عرض أمامه حتى لا يكون قارئًا تقليديًّا؛ إذ لا بد أن رغبته في تنويع زاده قد ضربت عروق الثبات، وأمسى كل اسم بارز مطلبًا ينشده ليتبحَّر، مطلقًا عنان روحه في ميادين الأدب. وإلى جانبِ التوهُّج والضياء تكون العَتَمةُ القاتمة؛ لتكتملَ الصورة بعد الإبداع مع الإحباط الأدبي، وقائع مستمدة من مزاجٍ سلبيٍّ غلب على دواخلِ المثقفين وأهل الحقل الإعلامي، على شاكلة سلسلة ديمنو هادمة سقوط قطعة منها يفسد كامل اللوحة، وتتجلَّى الهواجس والمحن بطعم آخر تحكيه (مكتبة.. وأديب مكتبتي)، فيها قلب المعاناة قصد ارتقاء سُلَّم الأدب واستحقاق لقب المثقف، وكيف يبني ذاته كتابًا كتابًا وفكرة فكرة، كيف يُصبِح ذلك عناءً يَسِمُ حياته ويجتاحها ما شاء له إصراره أن يبلغ لتحصيل زاد به يخوض غمار تحدياته ويستحق صفته، لينساقَ في غفلة الأدباء على سجيَّته ذاهل الفكر لا يطلب غير الكتب والقراءة خبزه اليومي، وباختصارٍ يعشقُ معانقة العناء ويعشق العناءُ معانقته، في حين أنه هو الأكثر تأثرًا بما يجري حوله مِن أحداثٍ يعكسها عملُه الإبداعي، وبذلك يكون انهزام المثقفين انهزام الثقافة، في حال ما تركوا ما هم عليه، وأتاحوا للتحديات أن تكسرَهم لما كان عليهم أن يختاروا الصلابة والجرأة، وينعطف المؤلِّف إلى مقالة مرحة (الخمسمائة الأولى)، عن حلاوة القطاف مع حرفة الأدب، ثم أخرى عن (أدباء تفضحهم ألسنتهم)، تستوقف القارئ لِما تبثه مِن وعي شديد الأهمية إدراكه أنه له الحق في قول رأيه في النص دون تشويش أو تعمية خارج وصاية كاتبيها، أمر آخر، نحن الآن نريد النقاء داخل مضمار المنافسة الشريفة، فلا أقل من عَلاقات طيبة أو كلمة طاهرة تُدارُ بين المبدعين، وهذا موقف أخلاقيٌّ تعليمي دالٌّ لما كان زاد الأديب منذ بدايته إعلانًا: (كفانا قراءة لأسماء استوَتْ على عرش الكتابة زمنًا طويلًا، ولنعطِ فرصة لكتَّاب آخرين من النساء والرجال)! وكانت صفحاته عرضًا زاخرًا بأسماءٍ أفصحت عباراتُهم عما تأبَّطوه من أفكار فاعلة، دلت على ثقافتهم المستنيرة الساطعة من مختلف أرجاء العالم العربي، فهم وطن واحدٌ متناغم متكامل بين سطور كتاب، وليس هذا سوى استشعار بقيمة الكلمة. والأدباء هم صناع الحضارة، وحدَهم يملكون ما به استحقُّوا شرف اللقب، فليكن القول الفصل: (ارفعوا أيديَكم عن الأدب)، ودعوه لأهله وخاصَّته يُصلحون ذات بينِهم بدرايتهم، فرأس الأدب كله حسن الفهم والتفهم، والإصغاء للمتكلم. أما حمى نوبل، فقسم آخر من تاريخ الأدب مع العرب بأصدائه وتجاذباته المحمومة، التي أدَّت لتعرية أصل المعادن المتآكل منها والمصفَّى، ضمن دائرةٍ طغى عليها ما يشبه جنون العظمة، ورحم الله المتنبِّي، الذي كان ينام ملء جفونه عن شواردها، فليس غريبًا بعد هذا الحديث عن نزعات الانتحار عند المبدعين، ورغم غلبة الجانب القيمي المبدئي على تكوينهم وتفكيرهم، لا ننسى أن فيهم أيضًا الإنسان بكل مقوماته وعيوبه وأفضاله، ذوات تعاني قضايا مبدأ وقلب. وهو ما يُفسِّره بإتقان مشهد انتحاري من اليابان لروائي كبير ناجح، أثبت بذلك أن وراء الأكمة ما وراءها، بروح متحفزة للمواجهة، لكن هذا ليس إلا ما يظهر من جبل الجليد السابح في البحر، أو من رأس الأهرام، وما خفي أعظم وأورم، وهي المفارقة الصادمة، رجة تغوص في غياهِب ظلمات النفس البشرية وأسرارها القاتمة مع قوانين العقل الباطن، أو نقطة القناع حسب تصنيف "جوهاري"[2]، في تمازج مُبهَم مُربِك، تكون عنده الخبرات المكبوتة محركًا قويًّا للإبداع القاتل هنا! وقِسْ على ذلك انتحار حاوي القضية والشخص، أين تداخلت عناصر تجسده قضية، مع كونه حاوي الفرد، فأتى جس نبض قلبه ونسيج روحه الإنسان بأسلوب شائقٍ، العبرة منه أن الغموض سرُّ التفرد، واللطيف هذا النَّفَس العاطفي القوي نهاية الكتاب ومتعة الطرح، لتختم دوامة الأدب وأمواجه المتلاطمة ببطاقة توصية ذهبية: الأدب الذي نريده، الأدب الأصيل بعيدًا عن الأدب الزائف، دون الوقوع في خلط بين شعبيَّة الأدب وغوغائيَّته، نريد أدبًا قائدًا لا مَقُودًا، نريد أدبًا يبني لا يهدم، يعترف بالجميل، يتجاوز مَعاوِل الهدم والتخريب، فالتاريخ شاهدٌ على تلاشيها، مثلما حبط عمل كل دعاة التقليد، عندها فقط تُطلِق الحريَّةُ أجنحتنا نحو نغم النعيم. وها قد انتهى قطاف الرحيق، وآن أوانٌ ليتفقَّد كلٌّ مكسبه، وما طبع عنده من أثر؛ ليستدعي فكره الثاقب، وتفاعله النشط؛ سعيًا لتقويم ما وقع في نفسه من فوائد وعِبَر إثر جولةٍ في أفنان الأدب. اتضح بعدها مشقة العمل المنجَز، والاجتهاد الكبير في تجميعه وتنسيقه، وتأليف بعضه إلى بعض، في تسلسلٍ أشبه بنغم موسيقيٍّ مدروس الإيقاع متناغم، قصد التأثير في المتقبل لينتقلَ أثر ما عايشه بين الأوراق إلى ممارسة حياتية وعقديَّة فكرية، تنعكس على بيئته الخارجية مع ما تزوَّد به في مجالات القراءة والكتابة والأدب من دروس تكسر المنطق التلقيني المألوف؛ لتتيح لكل تشكيل الفائدة من رؤيته ومنظوره الفردي الخاص مع هذا الكتاب القادر على أخذ مكانةٍ له خاصَّةٍ بين غيره من كتب الأدب مرآة للعقل البنَّاء؛ لما طبعه من الذوق الذي هو ميزان الآثار الأدبية في التنبه والدقة والإرهاف والإصابة. [1] انظر: تاريخ الأدب؛ حنَّا الفاخوري، ص34. [2] جوهاري = جوزيف لوفت وهارينجتون انجهام، قدَّما طريقة حديثة: "نافذة جوهاري"، للتعرُّف على الذات وأبعادها.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |