سَبُّ الدَّهْرِ كُفْرٌ أَكْبَرُ مُطْلَقًا - الصفحة 2 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         معارج البيان القرآني ـــــــــــــ متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 7824 )           »          انشودة يا أهل غزة كبروا لفريق الوعد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 51 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4421 - عددالزوار : 859439 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3953 - عددالزوار : 393799 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12535 - عددالزوار : 215952 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 81 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 62 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 61 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 63 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 61 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #11  
قديم 23-10-2011, 10:56 AM
أبو موسى الموحد أبو موسى الموحد غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
مكان الإقامة: أرض الله الواسعة
الجنس :
المشاركات: 20
افتراضي رد: سَبُّ الدَّهْرِ كُفْرٌ أَكْبَرُ مُطْلَقًا

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد: أريد أن أستدرك شيئا على النص الذي كتبتُه من قبل والذي نقلته (أم اسراء). ثم سأجيب إن شاء الله عن قول من قال أن سابّ الدهر قد يكون مسلما معذورا بالجهل.

فلا شك أن من يسب الدهر فإنه لا يتبع دين الله تعالى، وقد دل عليه الحديث. ثم الظاهر أن ابن القيم رحمه الله إنما قصد أن يقول (فَسَبُّ الدَّهْرِ دَائِرٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَحَدِهِمَا)، لا (فَسَابُّ الدَّهْرِ دَائِرٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَحَدِهِمَا). وما الفرق بينهما؟ ولماذا قلت أن الظاهر أنه لم يقصد إلا أن يقول أن سب الدهر دائر بين أمرين لا بد له من أحدهما؟ الفرق بينهما أن قول (فسب الدهر دائر بين أمرين) لا ينفي أن من يسب الدهر وهو يعتقد أن الملك كله لله تعالى مشركٌ.


فإنّ من الأقوال ما هو كفر، ولكن قائله لا يتكلم به إلا لأنه يشرك بالله غيرَه، فإنه يشرك إبليس بالله تعالى لأن إبليس يأمره بالكفر وهو يطيعه. ولا شك في أن كل كافر مشرك، والدليل هو قول النبي صلى الله عليه وسلم: الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به شيئا (رواه البخاري ومسلم)

فدلّ على أن من يعبد الله ولا يشرك به شيئا فهو مسلم. وإذا ثبت هذا فإن من يصرف شيئا من العبادات لله تعالى ولكنه يقترف مكفرا من المكفرات والعياذ بالله تعالى فإنه مشرك. ومن يسب الدهر وهو يعتقد أن الملك لله تعالى وحده لا شريك فهو يصرف شيئا من العبادات لله تعالى، ولكنه ليس مسلما.

فدل على أنه يشرك بالله، لأن الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وهو ليس بمسلم. وشركه هو طاعة إبليس.قال الله تعالى:أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61)(يس)

وقال تعالى: وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22)(إبراهيم)

فالظاهر أن ابن القيم لم يقصد إلا أن يقول (فسب الدهر دائر بين أمرين)، لا (فساب الدهر دائر بين أمرين). فالحديث يدل على أن كل كافر مشرك، وإن اعقتد أن الملك كله لله تعالى، وقد أورده ابن القيم في بعض كتبه. والآيات تدل عليه كذلك. ثم لقد صرح شيخه ابن تيمية بأن كل كافر يعبد غيرَ الله لا محالة.

قال في مجموع الفتاوى (282/14):وَلِهَذَا كَانَ كُلُّ مَنْ لَمْ يَعْبُدْ اللَّهَ وَحْدَهُ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَابِدًا لِغَيْرِه يَعْبُدُ غَيْرَهُ فَيَكُونُ مُشْرِكًا وَلَيْسَ فِي بَنِي آدَمَ قِسْمٌ ثَالِثٌ بَلْ إمَّا مُوَحِّدٌ، أَوْ مُشْرِكٌ،أَوْ مَنْ خَلَطَ هَذَا بِهَذَا كَالْمُبَدِّلِينَ مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ: النَّصَارَى وَمَنْ أَشَبَهَهُمْ مِنْ الضُّلَّالِ، الْمُنْتَسِبِينَ إلَى الْإِسْلَامِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ } { إنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } { إنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ }وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {إنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ }لَمَّا قَالَ إبْلِيسُ { لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } { إلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ }قَالَ تَعَالَى { إنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ }.

فَإِبْلِيسُ لَا يُغْوِي الْمُخْلَصِينَ. وَلَا سُلْطَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ. إنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الْغَاوِينَ. وَهُمْ الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ، وَهُمْ الَّذِينَ بِهِ مُشْرِكُونَ. وَقَوْلُهُ { الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ }صِفَتَانِ لِمَوْصُوفِ وَاحِدٍ. فَكُلُّ مَنْ تَوَلَّاهُ فَهُوَ بِهِ مُشْرِكٌ، وَكُلُّ مَنْ أَشْرَكَ بِهِ فَقَدْ تَوَلَّاهُ.قَالَ تَعَالَى { أَلَمْ أَعْهَدْ إلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ } { وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ } اهـ

وسابُّ الدهر لا يكون إلا مشركا. فإن اعتقد أن الملك لله تعالى وحده لا شريك له ثم سب الدهر فإنه قد تكلم بالكفر. وسبب شركه هو طاعة إبليس الآمر بالكفر. وإن اعتقد أن الدهر شريك لله تعالى – تعالى الله علوا كبيرا – فهو مشرك لأنه يعتقد ذلك، وهو مشرك أيضا لأنه يطيع إبليس فيما أمره به من الاعتقاد، والعياذ بالله تعالى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وتكفير المسلم الموحد له شروط وموانع، نعم...ولكن الدخول في الإسلام له شروط وموانع أيضا. ومن هذه الموانع: الجهل بالتوحيد.

فمن يجهل معنى لا إله إلا الله فليس بمسلم، وإن كان ينطق بالشهادتين. قال الله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173) وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (174) (الأعراف)

وقال تعالى: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ (6) (التوبة)

وقال البغوي: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ} أَيْ:لَا يَعْلَمُونَ دِينَ اللَّهِ تَعَالَى وَتَوْحِيدَهُ فَهُمْ مُحْتَاجُونَ إِلَى سَمَاعِ كَلَامِ اللَّه اهـ

فقد سماهم الله تعالى مشركين مع أنهم جهال، فدل على أن الجهل لا يمنع من الوقوع في الشرك الأكبر. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، دَخَلَ الْجَنَّةَ (صحيح مسلم)

وأما من مات وهو لم يعلم أنه لا إله إلا اللهفقد مات على غير الإسلام. فهذا دليل آخر على أن من لم يعرف معنى لا إله إلا الله فليس بمسلم. ويدخل في هذا العموم الجاهلُ والمتأول والمقلد. ثم كل متأول ومقلد فهو جاهل، فالتأويل فرعٌ عن الجهل، والتقليد كذلك، لأن الجهل تصوّرُ الشيء على خلاف ما هو به.

وهذه الأدلة تبين أن من يعتقد أن الدهر شريك لله – تعالى الله علوا كبيرا – فليس بمسلم، كما أن من يعتقد أن الملك لله تعالى وحده لا شريك له ثم يسب الدهر فليس بمسلم. فأما الحالة الأولى فلا تحتاج إلى كثير من البيان.

وأما الحالة الثانية فإنّ من يعتقد أن الدهر لا فعْل له وأن الله تعالى وحده يقلب الليل والنهار فإنه قد سب الدهر الذي يعتقد فيه أنه لا فعل له، ومن سب صنعةً فقد سب صانعها. والحديث يدل على أن من يسب الدهر فقد آذى الله. وقد قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (57)(الأحزاب)

ثم لقد ذكرت قول ابن القيم وابن قتيبة وابن بطال في هذه المسألة، في النص الذي نقلته (أم اسراء). ومن عذر من يسب الدهر فقد عذر من يسب الله تعالى. فإن قيل أن ساب الدهر لا يكفر إلا من بعد أن يبلغه الحديثُ فيصرّ، قلتُ: إن كان لا يعلم السابّ أن سب الله تعالى من المكفرات فإنه لم يدخل في الإسلام أصلا، فهو كافر أصلي والله المستعان. فليس بمسلم، لأنه يظن أن من لم يعظم الله تعالى فإنه يتبع دين الله تعالى – مع أنه يسب ربه ولا يعظمه سبحانه وتعالى، وكفى بذلك جهلا بمعنى لا إله إلا الله.

وإن قيل أن كل من يسب الله تعالى فهو كافر، ولكن من يسب الدهر لا يكفر إلا بعد إقامة الحجة، قلتُ: لقد فرّقتَ بين أمرين لا يحل لأحد أن يفرق بينهما أبدا. فإن تقليب الليل والنهار من أفعال الله تعالى، ومن اعقتد أن الملك كله لله وأن الدهر لا فعل له فقد سب فعلا من أفعال الله تعالى.ولا معنى لهذا السب إلا (لقد أسأتَ يا ربي لما فعلتَه)،تعالى الله علوا كبيرا. وهذا كفر شديد بلا شك، والعياذ بالله من ذلك. وإنما ذكرته تنبيهًا على وبال أمر مَن يسب الدهر، وعلى أنه ليس بمسلم وإن اعتقد أن الدهر لا فعل له.

فمن خالف هذا فإني أنصحه بأن يستهدي الله تعالى كثيرا، فيسأله أن يهديه إلى تحقيق أصل الإيمان بالله تعالى، وإنّ منه الإيمانُ بأن من يسب الله تعالى ليس بملسم، سواء سبّ ذاتَ الله أو أسماءَه وصفاته أو أفعاله، تعالى الله علوا كبيرا. ثم إن قال بعد ذلك أن من يسب الدهر فقد يكون مسلما، فإني أسأله عن حجته، غيرَ شاكّ في حكم من يسب الدهر، ولكني أسأله.

ولقد عُلم أن الأدلة الشرعية هي القرآن والسنة فقط، وأن أقوال البشر ليست بأدلة شرعية. وإن قال أن ساب الدهر قد يكون معذورا لعدم قيام الدليل على أنه ليس بمعذور، قلت: قد ذكرت – ولله الحمد – بعض الأدلة على عدم عذره، فإن كان الحق معك فإنه يسهل عليك إن شاء الله أن تبين لي لماذا لا تدل عليه، وإلا فقد يقول كثير من الناس في بعض مسائل الدين أن الأدلة ليست صحيحة، ثم لا يأتون بما هو أصحّ منها وأهْدى، ولكنهم يقتصرون على أن يقولوا (ليس هذا دليلا عليه). وليس هذا بأسلوب علميّ. وبالله التوفيق، والحمد لله رب العالمين.
  #12  
قديم 26-10-2011, 02:11 AM
الصورة الرمزية أبو الشيماء
أبو الشيماء أبو الشيماء غير متصل
مراقب الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
مكان الإقامة: أينما شاء الله
الجنس :
المشاركات: 6,415
الدولة : Morocco
افتراضي رد: سَبُّ الدَّهْرِ كُفْرٌ أَكْبَرُ مُطْلَقًا

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
أهلا بالأخ الموحد
قولك
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد: أريد أن أستدرك شيئا على النص الذي كتبتُه من قبل والذي نقلته (أم اسراء). ثم سأجيب إن شاء الله عن قول من قال أن سابّ الدهر قد يكون مسلما معذورا بالجهل.
****
هل أفهم من قولك أنك صاحب الموضوع،وأن الأخت*أم إسراء* نقلته منك في منتدى آخر، ,وتسجلت هنا لكي يضيف ما نسيته؟؟؟؟؟
***
قولك..
فلا شك أن من يسب الدهر فإنه لا يتبع دين الله تعالى، وقد دل عليه الحديث. ثم الظاهر أن ابن القيم رحمه الله إنما قصد أن يقول (فَسَبُّ الدَّهْرِ دَائِرٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَحَدِهِمَا)، لا (فَسَابُّ الدَّهْرِ دَائِرٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَحَدِهِمَا). وما الفرق بينهما؟ ولماذا قلت أن الظاهر أنه لم يقصد إلا أن يقول أن سب الدهر دائر بين أمرين لا بد له من أحدهما؟ الفرق بينهما أن قول (فسب الدهر دائر بين أمرين) لا ينفي أن من يسب الدهر وهو يعتقد أن الملك كله لله تعالى مشركٌ.
****
أولا يجب أن تعلم أننا نتكلم عن أمر عظيم يتجنبه العلماء والفقهاء..
فيجب أن تدلي بالحديث الذي يثبت ما تقول مع تفسيره من أهل العلم و ألإختصاص،فكيف تحكم على بن القيم بأنه يقصد...؟؟؟
وأرى في مقالك نوع من التخبط والخلط مع الإستدلال بالآيات القرآنية في غير محلها والذي يهمك هو الوصول إلى إقناع الغير بتكفيرساب الدهر دون مراعات الشروط وانتفاء الموانع،والغريب في قولك ..

----
وتكفير المسلم الموحد له شروط وموانع، نعم...ولكن الدخول في الإسلام له شروط وموانع أيضا. ومن هذه الموانع: الجهل بالتوحيد...
---
كيف ذلك ؟؟؟؟ هل عليه أن يتعلم التوحيد قبل الدخول أم بعد الدخول؟؟؟
هنا سأقف عن سرد بقية موضوعك وأبدأ بتفيد ما ورد في مقالك.
لن أعتمد على أقوال العلماء والفقهاء، بل كتاب الله تعالى وسنة نبيه المصطفى.

وهذا جاء في القرآن، في نحو قوله جل وعلا:

{في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي}.{في أيام نحسات}: وصف الله -جل وعلا- الأيام بأنها نحسات، المقصود: في أيام نحساتٍ عليهم؛ فوصف الأيام بالنحس؛ لأنه جرى عليهم فيها ما فيه نحس عليهم.

ونحو ذلك، قوله -جل وعلا- في سورة القمر: {في يوم نحس مستمر} يوم نحس.
أو يقول: (يوم أسود، أو سنة سوداء) هذا ليس من سب الدهر؛ لأن المقصود بهذا الوصف: ما حصل فيها، كان من صفته كذا وكذا على هذا المتكلم.
وأما سبّه،، أن ينسب الفعل إليه، فيسبّ الدهر لأجل أنه فعل به ما يسوؤه: فهذا هو الذي يكون أذية لله جل وعلا.
وقول الله تعالى: {وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر}) هذه الآية ظاهرة في أنّ نسبة الأشياء إلى الدهر، هذه من خصال المشركين، أعداء التوحيد؛ فنفهم منه: أنّ خصلة الموحدين أنْ ينسبوا الأشياء إلى الله جل وعلا، ولا ينسبوا الإهلاك إلى الدهر، بل الله -جل وعلا- هو الذي يحيي ويميت.
------------
نصل الآن في المسألة المحورية وهي العذر بالجهل...

واقد الليثي قال: خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى حنين ونحن حديثو عهد بكفر، وكانوا أسلموا يوم فتح مكة، قال: فمررنا بشجرة فقلنا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، وكان للكفار سدرة يعكفون حولها ويعلقون بها أسلحتهم يدعونها ذات أنواط، فلما قلنا ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم- قال:" الله أكبر، قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى:{اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهةً قال إنكم قوم تجهلون} لتركبن سنن من كان قبلكم ". والحديث صحيح أخرج الترمذي وغيره .
- تأمل قوله " ونحن حديثو عهد بكفر " الذي يفيد عجزهم عن الإلمام بكل ما يدخل في التوحيد، وما يضاده من الشرك .. بسبب حداثة عهدهم بالكفر والإسلام معاً؛ لأن من كان حديث عهد بكفر فهو يلزمه أن يكون حديث عهد بالإسلام وعلومه .. لذلك نجد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد أقال عثرتهم ولم يكفرهم بأعيانهم، رغم أن مقولتهم شرك أكبر مناقض للتوحيد، وهو شبيه قول بني إسرائيل لموسى -عليه السلام- :{اجعل إلهاً كما لهم آلهة}، واكتفى بتعليمهم وبيان بطلان مقولتهم وأنها من الشرك ..
ولا شك أنهم لو عادوا عليه الطلب بعد أن بين لهم بطلان ما سألوه وعلموا أنه من الشرك، أو فعلوه بعدما نهو عنه وبلغهم فيه علم من النبي -صلى الله عليه وسلم- .. يكونون بذلك كفاراً بذواتهم وأعيانهم لانتفاء الجهل بالخطاب الشرعي عنهم.

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :" قال رجل لم يعمل حسنة قط لأهله، إذا مات فحرِّقوه، ثم اذروا نصفَه في البرِّ ونصفه في البحر، فوالله لئن قَدِرَ اللهُ عليه ليعذبنَّه عذاباً لا يُعذبه أحداً من العالمين، فلما مات الرجلُ فعلوا ما أمرهم، فأمر الله البرَّ فجمع ما فيه، وأمر البحر فجمع ما فيه، ثم قال: لِمَ فعلت هذا ؟ قال: من خشيتك يا رب وأنت أعلم، فغفر الله له " مسلم .

فهذا رجل جحد قدرة الله عليه إن فعل ما فعل، وشك في البعث والمعاد .. وهذا عين الكفر البواح؛ لكن الله -عز وجل- قد غفر له وعذره لجهله وخشيته من الله .. كما نص على ذلك ابن تيمية، وابن حزم، وابن القيم وغيرهم من أهل العلم

قال ابن تيمية : والحديث صريح في أن الرجل طمع أن لا يعيده إذا فعل ذلك، وأدنى هذا أن يكون شكاً في المعاد، وذلك كفر إذا قامت حجة النبوة على منكره حُكم بكفره .. ا-هـ .

وقال ابن القيم: وأما جحد ذلك جهلاً، أو تأويلاً يُعذر فيه صاحبه، فلا يكفر صاحبه به، كحديث الذي جحد قدرة الله عليه .. وهذا فقد غفر الله له ورحمه لجهله ا-هـ

فتدبّر هذا المعنى جيداً واعلم أنّ هذا الباب (باب العذر بالجهل) قد تكلّم فيه العلماء وخاض فيه المتأخرون ولا يفهمه حق الفهم إلاّ من أحاط به من جوانبه أمّا من أخذ منه بنص واحد وبنى عليه المسائل الكبار فقد جانب الصواب وخالف شرعية الخطاب.
__________________
الحمد لله الذي أمـر بالجهاد دفاعـاً عن الدين، وحرمة المسلمين، وجعله ذروة السنام، وأعظـم الإسلام، ورفعـةً لأمّـة خيـرِ الأنـام.
والصلاة والسلام على نبيّنا محمّد ، وعلى آلـه ، وصحبه أجمعيـن ، لاسيما أمّهـات المؤمنين ، والخلفاء الراشدين،الصديق الأعظم والفاروق الأفخم وذي النورين وأبو السبطين...رضي الله عنهم أجمعين.


  #13  
قديم 04-11-2011, 06:57 PM
الصورة الرمزية أم اسراء
أم اسراء أم اسراء غير متصل
قلم فضي
 
تاريخ التسجيل: Jan 2011
مكان الإقامة: اينما شاء الله
الجنس :
المشاركات: 3,066
افتراضي رد: سَبُّ الدَّهْرِ كُفْرٌ أَكْبَرُ مُطْلَقًا

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أمرنا نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام بإفشاء السلام .

قال صلى الله عليه وسلم -: ((أفلا أدلُّكم على شيءٍ إذا فَعَلْتُمُوه تَحَابَبْتُم؟ أفشوا السلام بينكم)).

بارك الله بك أخى الفاضل أبو الشيماء وليس عندى تعليق أكثرمما ذكرت .

فقط سؤال ( لأبوموسى )


وتكفير المسلم الموحد له شروط وموانع، نعم...ولكن الدخول في الإسلام له شروط وموانع أيضا. ومن هذه الموانع: الجهل بالتوحيد.

هذا من كلامك.......

فما قولك فى أسامة عندما قتل من قال أشهد أن لا إله إلا الله

قال أسامة : فلم ننزع عنه حتى قتلناه ؛ فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرناه خبره ؛ فقال : يا أسامة ، من لك بلا إله إلا الله ؟ قال : قلت : يا رسول الله ، إنه إنما قالها تعوذا بها من القتل . قال : فمن لك بها يا أسامة ؟ قال : فوالذي بعثه بالحق ما زال يرددها علي حتى لوددت أن ما مضى من إسلامي لم يكن ، وأني كنت أسلمت يومئذ ، وأني لم أقتله

هل سأله رسول الله إن كان هذا الرجل يعلم شروط وموانع الدخول فى الإسلام قبل أن يقتله أسامة .
__________________

مهما يطول ظلام الليل ويشتد لابد من أن يعقبه فجرا .
  #14  
قديم 21-11-2011, 07:10 PM
أبو موسى الموحد أبو موسى الموحد غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
مكان الإقامة: أرض الله الواسعة
الجنس :
المشاركات: 20
افتراضي رد: سَبُّ الدَّهْرِ كُفْرٌ أَكْبَرُ مُطْلَقًا

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد: أسأل الله أن يهديني وإياك أبا الشيماء. ولتعلم أني لم أستطع أن أدخل الإنترنت مدةً، فلم أستطع أن أدخله ولو مرةً واحدة، ولكني عدت الآن.


قلت: هل أفهم من قولك أنك صاحب الموضوع،وأن الأخت*أم إسراء* نقلته منك في منتدى آخر، ,وتسجلت هنا لكي يضيف ما نسيته؟؟؟؟؟


أقول: لقد نقلته أم اسراء. ثم تبين لي أن هناك ما يجب أن أستدركه على النص الأصلي، وأن بعض المتحاورين قالوا أن من يسب الدهر فقد يكون مسلما معذورا بالجهل. ولا فرق بين قولهم هذا، وبين قول من قال أن من يسب الله تعالى فهو مسلم معذور لا يكفر إلا بعد إقامة الحجة عليه. فتسجلت. وإنما الاستدراك على ما كتبته قبل هذا سببٌ من أسباب التسجل، فهي لا تنحصر فيه.


قلت: أولا يجب أن تعلم أننا نتكلم عن أمر عظيم يتجنبه العلماء والفقهاء..
فيجب أن تدلي بالحديث الذي يثبت ما تقول مع تفسيره من أهل العلم و ألإختصاص،فكيف تحكم على بن القيم بأنه يقصد...؟؟؟


أقول: أما التكفير فهو أمر عظيم، نعم... ولكني أصدق الله تعالى ونبيه صلى الله عليه وسلم، ولا أكذبهما، ولا أتردد في صدقهما والعياذ بالله، فلهذا أكفّر الذين كفّرهم الله سبحانه وتعالى ورسولُه صلى الله عليه وسلم. ولقد تكلم علماء السلف عن تكفير المعين كثيرا، لأنهم علموا أنه لا بد من التفرقة بين المسلمين وبين المشركين الذين يدّعون أنهم على دين الله تعالى. ومن قال أن الذين يشركون بالله شركا أكبر – أي المشركون - من المنتسبين إلى الإسلام هم مسلمون معذورون بالجهل فقد سوّى بين دين الله تعالى وبين دين الشرك، وهذا كفر أكبر والعياذ بالله.


وأما الاستدلال فلقد اتفق المسلمون كلهم أجمعون على أن الدليل من القرآن والسنة هو حجة في نفسه. وإذا دل الدليل الصحيح على أمر من الأمور فإنه لبرهان تامّ غيرُ ناقصٍ صالحٌ للاحتجاج به. ولقد قال الله تعالى: اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (3) (الأعراف)


ومن قال أنه لن يؤمن بالدليل الصحيح حتى يُنقل له من أقوال العلماء ما يفسره ويشرحه فقد أبدى أن شروط لا إله إلا الله لم تتوفر فيه بعدُ، فإنه لم يقبل أن يتّبع الحق مطلقا، ولكنه اشترط، فقال أنه لن يؤمن بالحق حتى ينقل له من أقوال العلماء ما يؤيّده. ولقد عُلم أن أقوال العلماء يُستدلّ لها ولا يستدل بها. ولا أنكر أن أقوالهم الصحيحة الثابتة عنهم من الأسباب التي تعين على معرفة الحق وفهمه بإذن الله تعالى، وإنما أنكر على من لا يقبل أن يتبع الحق المنزل من ربه مطلقا.


ثم لو قرأ المرءُ نصا من نصوص العلماء مبيّنا لدليلٍ من الأدلة فقال (الآن أقبله وإنما أقبله لأن العالم قد نص عليه) فإن إيمانه بهذا الدليل وبما يدل عليه باطل، لأنه يقول (لولا أني قرأت هذا النص لهذا العالم لما قبلت الإيمان بهذا الدليل وبما يدل عليه، وإن كان حقا). ولا أحسب أكثر من يدعي الإسلام أن يصرح بمثله، وإن كان منهم من يتكلم بمعناه. ثم إنني لم أقل أنك منهم، ولكني أحببت التنبيه إليه للأهمية.


وأما الحكم على ابن القيم بأنه لم يقصد إلا (فسبُّ الدهر دائر بين أمرين)، لا (فسابُّ الدهر دائر بين أمرين) فقد بيّنتُ سببَه من قبل ولله الحمد. وأنت تقول (فكيف تحكم على بن القيم بأنه يقصد...؟؟؟ )، مع أنك لم تجب عن احتجاجي على أنه إنما قصد هذا لا غيرَه. فلو كان الاحتجاج عليه غيرَ صحيح فماذا يمنعك من أن تدلني على ما هو أصح منه وأهدى؟؟ ,


وإنما قلتُ أن الظاهر أن ابن القيم قصد (فسبُّ الدهر دائر بين أمرين) لا (فسابُّ الدهر دائر بين أمرين) لأني لا أستطيع أن ينسب إليه غير ذلك، فإن الأدلة البيّنة لتدل على أن كل كافر مشرك، ومنها قول النبي صلى الله عليه وسلم: الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به شيئا (رواه البخاري ومسلم).ولقد سردتها في مشاركتي الأولى. ولقد ذكر ابن القيم هذا الحديث في بعض كتبه، وقد تبيَّن أن ابن القيم – كشيخه ابن تيمية رحمهما الله – كان عالما عاملا بعلمه (مع أن بعض الناس قد افتروا عليهما الفرية، فحرّفوا مواضع من كتبهما، وسأذكر دليلا من الأدلة عليه بعد قليل إن شاء الله).


ومن عرف أقواله في التوحيد لم يجد سبيلا إلى أن يظن به أنه لم يقل بأن كل كافر مشرك. ولا أقول أن مجرد العلم بالأدلة عليه يلزم منه فهمها، ولكنه قد تبيّن مِن أمره أنّ مثل هذا قد اتّضح له فلم يكن يشكل عليه.ثم لقد نقلت قول ابن تيمية في أن كل كافر مشرك، وابن القيم لا يخالف شيخه في مثل هذه المسائل، لأنهما يتّبعان نفس الأدلة ويفهمانها بنفس الطريقة.


قال الله تعالى: وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22) (إبراهيم)


فهذا أحد الأدلة على أن الكفار قد أشركوا إبليس بالله تعالى، فقد دل على أن الكافر مشرك لا محالة، لأنه يشرك طاعةَ إبليس بطاعة الله عزّ وجلّ. وقال ابن القيم في إغاثة اللهفان (109/1):
{كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ للإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إنى بَرِىءٌ مِنْكَ إِنِّى أَخَافَ اللهَ رَبَّ الْعَالِمينَ}
وهذا السياق لا يختص بالذى ذكرت عنه هذه القصة، بل هو عام فى كل من أطاع الشيطان فى أمره له بالكفر، لينصره ويقضى حاجته، فإنه يتبرأ منه ويسلمه كما يتبرأ من أوليائه جملة فى النار، ويقول لهم: {إِنِّى كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ} . اهـ


فهذا نصٌّ لابن القيم في أن من أطاع إبليس في الكفر فهو مشرك، فإنه يتكلم أولا عمن يطيع الشيطان في أمره بالكفر، ثم يخبرنا بأن الشيطان سيقول (إني كفرت بما أشكرتمونِ من قبل)، كما حكاه الله تعالى عنه في سورة إبراهيم، وهو بيّنٌ - بإذن الله تعالى - لمن تأمّله.




فإن كنت تقول بعد ذلك أن قولي (الظاهر أن ابن القيم إنما قصد أن سب الدهر – لا ساب الدهر – دائر بين أمرين) ليس بصحيح فلا بد من أن تبيّنه لي، لو كان الحق معك. وإن كنت تقتصر على أن تقول (فكيف تحكم على ابن القيم بأنه قصد كذا وكذا؟؟؟) فغيرُ مَرْضيّ.


قلت: وأرى في مقالك نوع من التخبط والخلط مع الإستدلال بالآيات القرآنية في غير محلها والذي يهمك هو الوصول إلى إقناع الغير بتكفيرساب الدهر دون مراعات الشروط وانتفاء الموانع،والغريب في قولك ..
----
وتكفير المسلم الموحد له شروط وموانع، نعم...ولكن الدخول في الإسلام له شروط وموانع أيضا. ومن هذه الموانع:الجهل بالتوحيد...
---
كيف ذلك ؟؟؟؟ هل عليه أن يتعلم التوحيد قبل الدخول أم بعد الدخول؟؟؟


أقول: أما دعوى التخبط والاستدلال بالآيات القرآنية في غير محلها فدعوى مجردة، وإنك لم تكن تذكر دليلا واحدا صحيحا على إدخال جاهل التوحيد في دين الإسلام في مشاركتك، وسأبينه لك في ردي هذا إن شاء الله.ولقد أقمتُ الدليل – ولله الحمد – على أن من يجهل التوحيد ليس بمسلم، وأن من يسب الدهر فقد آذى الله تعالى لا محالة. فمن لم يقرأه فبإمكانه أن يقرأه الآن إن شاء الله، وما كتبته في مشاركتي الأولى يغني عن إعادته هاهنا.


فالدليل دالٌّ على أن سبّ الدهر سبٌّ لله تعالى، وأنت لم تهدم الاستدلال عليه أصلا. وإنما استدللتَ بقول الله تعالى {في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي} على جواز وصف الأيام بأنها نحسات...وأنا لم أقل بخلافه.وإنما قلتُ أن من سب الدهر فقد آذى الله تعالى، وهذا نص الحديث.


وهناك دليل آخر على أن من يجهل التوحيد ليس بمسلم وعلى أنه لم يدخل في الإسلام بعد. وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسَةٍ، عَلَى أَنْ يُوَحَّدَ اللهُ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصِيَامِ رَمَضَانَ، وَالْحَجِّ»،فَقَالَ رَجُلٌ: الْحَجُّ، وَصِيَامُ رَمَضَانَ، قَالَ: «لَا، صِيَامُ رَمَضَانَ، وَالْحَجُّ» هَكَذَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (صحيح مسلم)


فدلّ على أن الركن الأول من أركان الإسلام الخمسة هو التوحيد. فإن قلتَ أن من لم يوحد الله فقد حقّق الركن الأول إذا قال (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وإن لم يعرف معنى لا إله إلا الله) فقد جحدت هذا الحديث والعياذ بالله.


وإن قلت (الحديث حق، ولكن من حقق التوحيد مجملا ثم وقع في الشرك الأكبر فهو مسلم عذور بالجهل) فقد جحدته كذلك. فإنّ النبي صلى الله عليه وسلم اشترط على المرء أن يوحد الله، وصرح بأن التوحيد هو الركن الأول. ومن قال (لا إله إلا الله) وعبد غير الله فإنه لا يقال له أصلا أنه موحد، ولا أنه يوحد الله تعالى، لأن التوحيد ضد الشرك، والضدان لا يجتمعان.


فإن قلت أن من لم يحقق التوحيد مجملا فليس بمسلم، وأن من حقق التوحيد مجملا ولكنه لم يحقق مفصلا فهو مسلم وإن وقع في الشرك الأكبر فإني أسألك عن الدليل على تحديده. وأعدك بأنك لن تجده أبدا إن شاء الله.


والمراد بالدليل على تحديده – الذي أفترض وجودَه فرضًا جدليًّا محضًا – فهو الدليل الذي تعرف به أن من لم يؤمن بأن الله تعالى لا شريك له في تدبير ملكه من الملائكة فليس بمسلم وإن انتسب إلى الإسلام، وأن من يدعو محمدا صلى الله عليه وسلم وهو في مكان بعيد عنه فهو مسلم معذور لأنه ينتسب إلى الإسلام، وأن من قال بأن القرآن متناقض – كقول بعض الزنادقة من قبل – فليس بمسلم وإن انتسب إلى الإسلام، وهكذا...فلو وجدتَ هذا الدليل فإنك تستطيع به إذن أن تميّز بين المنتسب إلى الإسلام المحقق للتوحيد مجملا المعذور بجهله الذي يعبد غير الله، وبين المنتسب إلى الإسلام غير المحقق للتوحيد مجملا غير المعذور بجهله الذي يعبد غير الله.وهذا الدليل – الذي أفترضه فرضا جدليّا فقط – فإنك ستعرف به تحديدَ (تحقيق التوحيد مجملا مع الوقوع في الشرك الأكبر) و(الفرق بين من يحقق التوحيد مجملا وهو يعبد غير الله، وبين من لم يحقق التوحيد مجملا وهو يعبد غير الله).


وإن تبيّن لك أنه لا يوجد أصلا فلتعلم أنه لا يوجد من (يحقق التوحيد مجملا وهو يعبد غير الله). وقال ابن عباس رضي الله عنهما:لَمَّا بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إِلَى نَحْوِ أَهْلِ اليَمَنِ قَالَ لَهُ: «إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَى أَنْ يُوَحِّدُوا اللَّهَ تَعَالَى، فَإِذَا عَرَفُوا ذَلِكَ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ، فَإِذَا صَلَّوْا، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ زَكَاةً فِي أَمْوَالِهِمْ، تُؤْخَذُ مِنْ غَنِيِّهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فَقِيرِهِمْ، فَإِذَا أَقَرُّوا بِذَلِكَ فَخُذْ مِنْهُمْ، وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِ النَّاسِ» (صحيح البخاري)
  #15  
قديم 21-11-2011, 07:13 PM
أبو موسى الموحد أبو موسى الموحد غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
مكان الإقامة: أرض الله الواسعة
الجنس :
المشاركات: 20
افتراضي رد: سَبُّ الدَّهْرِ كُفْرٌ أَكْبَرُ مُطْلَقًا

قلت: هنا سأقف عن سرد بقية موضوعك وأبدأ بتفيد ما ورد في مقالك.
لن أعتمد على أقوال العلماء والفقهاء، بل كتاب الله تعالى وسنة نبيه المصطفى.


وهذا جاء في القرآن، في نحو قوله جل وعلا:


{في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي}.
{في أيام نحسات}: وصف الله -جل وعلا- الأيام بأنها نحسات، المقصود: في أيام نحساتٍ عليهم؛ فوصف الأيام بالنحس؛ لأنه جرى عليهم فيها ما فيه نحس عليهم.
ونحو ذلك، قوله -جل وعلا- في سورة القمر: {في يوم نحس مستمر} يوم نحس.


أقول: تقول أنك لن تعتمد على أقوال العلماء والفقهاء، بل كتاب الله تعالى وسنة نبيه المصطفى. فهلاّ التزمته في كل ما كتبته. وسأنبّئك بمواضع الخلل قريبا إن شاء الله.


فإما أن تحتج بقول الله تعالى {في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي} على أن وصف الأيام بأنها نحسات ليس بسبّ للدهر.وإما أن تحتج به على أنه من سب الدهر ولكنه ليس كفرا.فإن احتججتَ به على الأولى فمُسلَّمٌ، وإن احتجتَ به على الثانية فقد نسبتَ إلى الله تعالى أنه سبّ الدهرَ، مع أنه قال عزّ وجلّ (يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ، بِيَدِي الأَمْرُ أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ)، كما في الحديث القدسي. فالأولى حق، والثانية كفر صراح بلا مراء لما فيه من اتّهام رب العزة بأنه سبحانه وتعالى سبّ الدهر سبًّا عائدًا على نفسه، وهو إبطال لوحدانيته والعياذ بالله.


قلت: أو يقول: (يوم أسود، أو سنة سوداء) هذا ليس من سب الدهر؛ لأن المقصود بهذا الوصف: ما حصل فيها، كان من صفته كذا وكذا على هذا المتكلم.


أقول: لو أن أحدا أضاف الشر إلى يوم من الأيام فإنه لا يكفر بذلك. قال الله تعالى:يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (7) وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9) إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10) فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا (11) (الإنسان)


وعَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ، قَالَ: أَتَيْنَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ مَا نَلْقَى مِنَ الحَجَّاجِ، فَقَالَ: «اصْبِرُوا، فَإِنَّهُ لاَ يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلَّا الَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ، حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ» سَمِعْتُهُ مِنْ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (صحيح البخاري)


فهذا ليس سبًّا للزمان، وإنما المراد به الإخبار عما يحدث في هذا الزمان من الشر. وأما عبارة (يوم أسود) فمن تكلم بها وهو يقصد مجرد الإخبار فلا يكفر بذلك، كما أنه لا يكفر بأن يقول أن الزمان شر. فهذه العبارات ليست سبا للدهر، وإنما تصير سبا للدهر إذا قصد المتكلم بها أن يسبه. وإنما يدل الحديث على أن (هذا الزمان شرٌّ) ليس سبا للدهر، لا على أن المرء قد يسب الدهر ثم لا يكفر.


وسبُّ الدهر مكفر بدلالة الحديث، لأن الله تعالى قال أن من يسب الدهر فقد آذاه. فهل تقول أن من يؤذي الله تعالى فقد لا يكفر؟أم تقول أن من يسب الدهر فقد لا يؤذي الله تعالى؟ فإن قلت بأن من يؤذيه فقد لا يكفر فإنك لم تقرّ إذن بأن تعظيم الله تعالى من أصل الإيمان به. وإن قلت أن من يسب الدهر فقد لا يؤذيه تعالى فقد بانَ أنك لا تؤمن بالحديث القدسي.


ولقد قال أحد الشعراء:
يا دهر ويحك ما أبقيت لي أحدا***وأنت والد سوء تأكـل الولـدا


وقال آخر:
قبحا لوجهك يا زمان كأنه *** وجه له من كل قبح برقع


والعياذ بالله تعالى. فهل هذا عندك كفرٌ في نفسه، أم لا يصير كفرا إلا بأن ينوي قائله الكفر؟


قلت: وأما سبّه،، أن ينسب الفعل إليه، فيسبّ الدهر لأجل أنه فعل به ما يسوؤه:فهذا هو الذي يكون أذية لله جل وعلا.
وقول الله تعالى: {وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحياوما يهلكنا إلا الدهر}) هذه الآية ظاهرة في أنّ نسبة الأشياء إلى الدهر، هذه من خصال المشركين، أعداء التوحيد؛ فنفهم منه: أنّ خصلة الموحدين أنْ ينسبوا الأشياء إلى الله جل وعلا، ولا ينسبوا الإهلاك إلى الدهر، بل الله -جل وعلا- هو الذي يحيي ويميت.


أقول: إن قلتَ أن سب الدهر لا يكون كفرا إلا بأن يسبه المرء من أجل أنه فعل به ما يسؤوه فقد زدت على الحديث ما ليس فيه.


قلت: نصل الآن في المسألة المحورية وهي العذر بالجهل...
واقد الليثي قال: خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى حنين ونحن حديثو عهد بكفر، وكانوا أسلموا يوم فتح مكة، قال: فمررنا بشجرة فقلنا:يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط،وكان للكفار سدرة يعكفون حولها ويعلقون بها أسلحتهم يدعونها ذات أنواط، فلما قلنا ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم- قال:"الله أكبر، قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى:{اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهةً قال إنكم قوم تجهلون} لتركبن سنن من كان قبلكم ". والحديث صحيح أخرج الترمذي وغيره .


أقول: أولا: لقد كفر بنو إسرائيل لما قالوا لموسى عليه السلام (اجعل لنا إلها كما لهم آلهة).قال الله تعالى: فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (136) وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ(137)وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138) إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(139) قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ(140) (الأعراف)




فهل تقول أن بني إسرائيل أسلموا أولا وآمنوا بأنه لا إله إلا الله وعرفوا بأن من لم يؤمن بهذا فليس بمسلم، ثم قالوا (اجعل لنا إلها كما لهم آلهة) وجهلوا أن هذه المقالة تناقض الإيمان بأنه لا إله إلا الله، وأنهم مع ذلك لم يرتدوا عن الإسلام؟ فإن كنت تقوله فعجبًا. وإن كنت تحتج بقول موسى عليه السلام (إنكم قوم تجهلون) على أنه لم يكفرهم فقد أبعدتَ النجعة. فإن إثبات الجهل لا يدل على انتفاء الكفر. ولقد قال الله تعالى: قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (64) (الزمر)
فهل تقول أن المسلم قد يقول (أريد إلها ثانيا غير الله) وأنه مع ذلك يؤمن بأنه لا إله إلا الله؟؟؟


وقال الرازي في كتابه التفسير الكبير (349/14): اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ أَنْوَاعَ نِعَمِهِ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِأَنْ أَهْلَكَ عَدُوَّهُمْ وَأَوْرَثَهُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ أَتْبَعَ ذَلِكَ بِالنِّعْمَةِ الْعُظْمَى وَهِيَ أَنْ جَاوَزَ بِهِمُ الْبَحْرَ مَعَ السَّلَامَةِ: وَلَمَّا بَيَّنَ تَعَالَى فِي سَائِرِ السُّوَرِ كَيْفَ سَيَّرَهُمْ فِي الْبَحْرِ مَعَ السَّلَامَةِ وَذَلِكَ بِأَنْ فَلَقَ الْبَحْرَ عِنْدَ ضَرْبِ مُوسَى الْبَحْرَ بِالْعَصَا وَجَعْلَهُ يَبَسًا بَيَّنَ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمَّا شَاهَدُوا قَوْمًا يَعْكُفُونَ عَلَى عِبَادَةِ أَصْنَامِهِمْ جَهِلُوا وَارْتَدُّوا وَقَالُو لِمُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَة اهـ


ولا أستدل بقوله هو على أنهم كفروا لما قالوا (اجعل لنا إلها كما لهم آلهة). ولكني أستدل عليه بقول النبي صلى الله عليه وسلم (الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به شيئا)، وبغيره من الدلائل على أن من لا يوحد الله فيشرك به غيره فليس بمسلم، وقد ذكرت لك بعضها ولله الحمد.




وأما حديث ذات أنواط فإنه لا يدل على أن المرء قد يكون مسلما موحدا مع أنه يعبد غير الله.


فَعَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا خَرَجَ إِلَى حُنَيْنٍ مَرَّ بِشَجَرَةٍ لِلْمُشْرِكِينَ يُقَالُ لَهَا: ذَاتُ أَنْوَاطٍ يُعَلِّقُونَ عَلَيْهَا أَسْلِحَتَهُمْ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سُبْحَانَ اللهِ هَذَا كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَرْكَبُنَّ سُنَّةَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ. (رواه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح).


وهذا الحديث ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنه لا يحل لأحد أن يحمله على معنى يوجب إبطالَ أحكام التوحيد العامّة، كما أنه لا يحل لأحد أن يحمل آية من الآيات على معنى يوجب إبطال التوحيد العامة. قال الله تعالى: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7) (آل عمران)




وقال ابن كثير في تفسيره (6/2): يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّ فِي الْقُرْآنِ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ، أَيْ: بَيِّنَاتٌ وَاضِحَاتُ الدَّلَالَةِ، لَا الْتِبَاسَ فِيهَا عَلَى أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ،وَمِنْهُ آيَاتٌ أُخَرُ فِيهَا اشْتِبَاهٌ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ أَوْ بَعْضِهِمْ، فَمَنْ رَدَّ مَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ إِلَى الْوَاضِحِ مِنْهُ، وَحَكَّمَ مُحْكَمَهُ عَلَى مُتَشَابِهِهِ عِنْدَهُ، فَقَدِ اهْتَدَى. وَمَنْ عَكَسَ انْعَكَسَ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي أَنزلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ}أَيْ: أصْلُه الَّذِي يَرْجِعُ إِلَيْهِ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ اهـ


وقال الشاطبي في الموافقات (8/4): إذا ثبتت قاعدة عامة أو مطلقة فلا تؤثّر فيها معارضة قضايا الأعيان



وقال في نفس الكتاب (176/3): فإذا ثبت بالاستقراء قاعدة كلية، ثم أتى النص على جزئيّ يخالف القاعدة بوجه من وجوه المخالفة؛ فلا بد من الجمع في النظر بينهما لأن الشارع لم ينص على ذلك الجزئي إلا مع الحفظ على تلك القواعد


وقال الشوكاني في فتح القدير (543/1): وَمَعَ الِاحْتِمَالِ فَلَا تَقُومُ الْحُجَّةُ بِالْمُحْتَمَلِ.


وقال في نيل الأوطار (85/1): وَالْمُحْتَمَل لَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى الْخَصْمِ. اهـ


ولقد ثبت أن من يعبد غير الله فإنه لا يدين بالإسلام، وإن نطق بالشهادتين ألف مرة، ولقد أوردت الدلائل على ذلك ولله الحمد والمنّة. فإذا ثبت هذا فإن حديث ذات أنواط يُحمل على معنى يوافق أحكام التوحيد العامة ولا يخالفها. ومن حمله على أن الذين قالوا (اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط) طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم الشرك الأكبر وأنهم – مع ذلك – لم يرتدوا فقد قال أن المرء قد مسلما عابدًا لغير الله في وقت واحد، وهذا كفرٌ بأول ما دعا كل نبي إليه.
  #16  
قديم 21-11-2011, 07:15 PM
أبو موسى الموحد أبو موسى الموحد غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
مكان الإقامة: أرض الله الواسعة
الجنس :
المشاركات: 20
افتراضي رد: سَبُّ الدَّهْرِ كُفْرٌ أَكْبَرُ مُطْلَقًا

وهناك احتمالان اثنان.


فالاحتمال الأول:أنهم طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم الشرك الأكبر فارتدوا بذلك وقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قالوا كما قال بنو إسرائيل، أي أنهم طلبوا منه الشرك الأكبر وأنهم نقضوا شهادتهم السابقة بأنه لا إله إلا الله لأنهم قالوا له (نريد إلها ثانيا غير الله تعالى) والعياذ بالله.


وقال عبد الرحمن بن حسن في فتح المجيد (138/1): قوله: " قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة " شبّه مقالتهم هذه بقول بني إسرائيل، بجامع أنّ كُلًّا طلب أن يجعل له ما يألهه ويعبده من دون الله، وإن اختلف اللفظان فالمعنى واحد، فتغيير الاسم لا يغير الحقيقة.


وقال فيه أيضا (35/1): فلا بد في الشهادتين من العلم واليقين والعمل بمدلولها، كما قال الله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ}وقوله: {إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}. أما النطق بها من غير معرفة لمعناها ولا يقين ولا عمل بما تقتضيه: من البراءة من الشرك، وإخلاص القول والعمل: قول القلب واللسان، وعمل القلب والجوارح فغيرُ نافع بالإجماع اهـ


ولقد قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قالوا مثل ما قاله بنو إسرائيل، فقد بيّن لهم أنهم تركوا دينهم الذي كانوا عليه وأنهم ارتدوا عنه لما طلبوا منه أن يجعل لهم إلها ثانيا.


والاحتمال الثاني:أنهم طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم شيئا ينوطون عليه أسلحتهم، أي يعلّقونها عليه فيبارك الله تعالى فيه ليتبركوا به. والتبرّك بالشيء الذي بارك الله فيه ليس من الشرك الأكبر في شيء كما لا يخفى. فإن قيل أنه لا يمكن أن يُفهم من هذا الحديث أنهم طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم ما دون الشرك الأكبر لإخباره بأنهم قالوا كما قال قوم موسى عليه السلام، قيل له: قد يشبَّه الشرك الأصغر بالشرك الأكبر، فإن هناك قدرا مشتركا بينهما، وإن لم يكن الشرك الأصغر كالشرك الأكبر من كل وجه، فإن أحدهما ذريعةٌ مؤدّية إلى الآخر، وتشبيه أحدهما بالآخر تغليظٌ شديد وزجرٌ أكيد.


ومما يدل على صحة تشبيه الشيء بما لا يشبهه من كل وجه قول النبي صلى الله عليه وسلم: أَمَا إِنَّكُمْ سَتُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّكُمْ، فَتَرَوْنَهُ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ(صحيح مسلم)


وقال الشاطبي في الاعتصام (189/3):فإن اتخاذ ذات أنواط يشبه اتخاذ الآلهة من دون الله، لا أنه هو بعينه اهـ


ولا شك أنهم – على هذا القول – لم يسألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم ذات أنواط لا تختلف عن ذات أنواط المشركين أصلا. وإنما سألوه – على هذا القول – أن يجعل لهم ذات أنواط تشبه ذات أنواط المشركين من وجه واحد فقط، وهذا الوجه هو أن يعلقوا عليها أسلحتهم كما أن المشركين يعلقونها على ذات الأنواط التي هي عندهم. وأنهم سألوه أن يجعل لهم ذات أنواط تختلف عن ذات أنواط المشركين كثيرا، لأن المسلم لا يأتي بشعيرة من شعائر الكفار الدينية أصلا، ولأنه يعلم أنّ طلب ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم كفرٌ أكبر. فإن طلبوا منه ما دون الشرك الأكبر فإنما طلبوا منه أن يجعل لهم ذات أنواط يبارك الله فيها ليتبركوا بها، ظانّين أنه جائزٌ أن يسألوه ذلك، وأن تكون هناك فروقا كبيرة بينها وبين ذات أنواط المشركين.


وقال محمد بن عبد الوهاب في كتاب التوحيد، في باب من تبرك بشجر أو حجر ونحوهما :
[المسألة] الثامنة: الأمر الكبير، وهو المقصود: أنه أخبر أن طلبهم كطلب بني إسرائيل لما قالوا لموسى: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً}


وقال: [المسألة] الحادية عشرة: أن الشرك فيه أكبر وأصغر، لأنهم لم يرتدوا بهذا. اهـ


فإنما طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم – على هذا القول – ما هو دون الشرك الأكبر، وإن كان ذريعة من الذرائع التي تؤدّي إليه.




قلت: - تأمل قوله " ونحن حديثو عهد بكفر " الذي يفيد عجزهم عن الإلمام بكل ما يدخل في التوحيد، وما يضاده من الشرك.. بسبب حداثة عهدهم بالكفر والإسلام معاً؛ لأن من كان حديث عهد بكفر فهو يلزمه أن يكون حديث عهد بالإسلام وعلومه .. لذلك نجد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد أقال عثرتهم ولم يكفرهم بأعيانهم، رغم أن مقولتهم شرك أكبر مناقض للتوحيد،وهو شبيه قول بني إسرائيل لموسى -عليه السلام- :{اجعل إلهاً كما لهم آلهة}،واكتفى بتعليمهم وبيان بطلان مقولتهم وأنها من الشرك ..


أقول: قد يجهل المسلم بعضَ ما يضاد كمال التوحيد، ولكنه لا يجهل ما يضاد أصله. وترك الشرك الأصغر من مكملات التوحيد، لا من أصله. ولقد أجبتُ عن باقي الاعتراضات آنفا.


قلت: ولا شك أنهم لو عادوا عليه الطلب بعد أن بين لهم بطلان ما سألوه وعلموا أنه من الشرك، أو فعلوه بعدما نهو عنه وبلغهم فيه علم من النبي -صلى الله عليه وسلم- ..يكونون بذلك كفاراً بذواتهم وأعيانهم لانتفاء الجهل بالخطاب الشرعي عنهم.


أقول: فأما قول من قال أنهم طلبوا الشرك الأكبر فلقد كانوا مسلمين – على هذا القول – ثم ارتدوا. وسأنتظر جوابك إن شاء الله عن الأدلة على أن من يجهل معنى لا إله إلا الله فليس بمسلم، وسأذكّرك الآن إن شاء الله بقول النبي صلى الله عليه وسلم: عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسَةٍ، عَلَى أَنْ يُوَحَّدَ اللهُ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصِيَامِ رَمَضَانَ، وَالْحَجِّ»، فَقَالَ رَجُلٌ: الْحَجُّ، وَصِيَامُ رَمَضَانَ، قَالَ: «لَا، صِيَامُ رَمَضَانَ، وَالْحَجُّ» هَكَذَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (رواه مسلم)


وبقوله صلى الله عليه وسلم: الإِسْلاَمُ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ، وَلاَ تُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا (رواه البخاري ومسلم)


وأما قول من قال أنهم طلبوا منه ما هو دون الشرك الأكبر فإنهم لم يكفروا – على قوله – لما سألوا النبي صلى الله عليه وسلم ما سألوه. ولو سألوه مرة أخرى من بعد أن بيّن لهم بطلانه لكفروا، لأنهم طلبوا منه – إذن – أن يجعل لهم ذات أنواط مع أنهم قد علموا أن هذا السؤال من البدع المحدثة. ومن علم أنه بدعةٌ ثم سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل له ذات أنواط فلقد سأله أن يبتدع في دين الله تعالى، ولا شك في أن السائل يكفر إذا علم أنه بدعة ثم سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يبتدع، فإنه لا يختلف اثنان من المسلمين في أنه صلى الله عليه وسلم لم يبتدع، وفي أنه إن ابتدع فقد خان الرسالة، وخائن الرسالة كافر، والعياذ بالله تعالى.


قلت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :" قال رجل لم يعمل حسنة قط لأهله، إذا مات فحرِّقوه، ثم اذروا نصفَه في البرِّ ونصفه في البحر، فوالله لئن قَدِرَ اللهُ عليه ليعذبنَّه عذاباً لا يُعذبه أحداً من العالمين، فلما مات الرجلُ فعلوا ما أمرهم، فأمر الله البرَّ فجمع ما فيه، وأمر البحر فجمع ما فيه، ثم قال: لِمَ فعلت هذا ؟ قال: من خشيتك يا رب وأنت أعلم، فغفر الله له " مسلم .


فهذا رجل جحد قدرة الله عليه إن فعل ما فعل، وشك في البعث والمعاد.. وهذا عين الكفر البواح؛ لكن الله -عز وجل- قد غفر له وعذره لجهله وخشيته من الله .. كما نص على ذلك ابن تيمية، وابن حزم، وابن القيم وغيرهم من أهل العلم


أقول: سبحان الله رب العالمين. ليس هذا بقول ابن تيمية، ولا ابن القيم، ولا ابن حزم، ولا غيرهم من العلماء، ولقد علمتُ أن المبطلين وجدوا سبيلا إلى تحريف بعض المواضع من كتبهم، فلهم من الله ما يستحقون.


قال الله تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (18) (إبراهيم)


وهذا هو مثل الذين كفروا، لا مثل الله تعالى، فإن له المثل الأعلى. ومن قال أن الله تعالى لا قدرة له على أن يعيد رجلا بعد أن يُحرّق فتشتدّ برماده الريحُ في يوم عاصف فقد شبّه ربه بالذين كفروا، الذين لا يقدرون مما كسبوا على شيء، فما له من الإيمان بوحدانيته تعالى من نصيب. وأما الموصي فإنه كان مؤمنا بالله تعالى عارفا بوحدانيته.


قال ابن عبد البر في التمهيد (40/18): رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَجُلٌ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ إِلَّا التَّوْحِيدَ وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ إِنْ صَحَّتْ رَفَعَتِ الْإِشْكَالَ فِي إِيمَانِ هَذَا الرَّجُلِ وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ فَهِيَ صَحِيحَةٌ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى وَالْأُصُولُ كُلُّهَا تَعْضُدُهَا


وقال فيه أيضا (41/18): قَوْلُهُ الْآخَرُ (خَشْيَتُكَ يَا رَبِّ)إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَاعْتِرَافٌ لَهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ


وقال أبو الوليد الباجي الأندلسي في المنتقى شرح الموطإ (33/2): فَقَالَ (مِنْ خَشْيَتِكَ يَا رَبُّ وَأَنْتَ أَعْلَمُ) وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى إيمَانِهِ وَعِلْمِهِ بِصِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّهُ أَعْلَمُ مِنْهُ بِمَقْصِدِهِ وَمُعْتَقِدِهِ. فَكَيْفَ يُظَنُّ مَعَ هَذَا أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى إعَادَتِهِ؟ اهـ
  #17  
قديم 21-11-2011, 07:19 PM
أبو موسى الموحد أبو موسى الموحد غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
مكان الإقامة: أرض الله الواسعة
الجنس :
المشاركات: 20
افتراضي رد: سَبُّ الدَّهْرِ كُفْرٌ أَكْبَرُ مُطْلَقًا

فأما الحديث فصحيحٌ بلا مرية، وأما دلالته فإنما يدل على أن الموصي كان مسلما موحدا، لا على الذي قلته أنت. ولا حجة لك في الكلام الذي نسبه الذين كفروا بربهم إلى ابن تيمية وغيره، وسأشير إلى الدليل على أنه محرف بعد قليل إن شاء الله. والحديث نفسه لا يدل على أن الموصي أنكر قدرة الله تعالى، ولا على أنه شك فيها، وذلك لأن لفظ (قَدَرَ) له ثلاثة معانٍ في اللغة.


المعنى الأول: من القدرة.فهو من معانيه في اللغة، ولكن الرجل المذكور في الحديث لم يكن يشك في قدرة الله تعالى. وقال ابن حجر في فتح الباري (523/6): وأظهر الأقوال أنه قال ذلك في حال دهشته وغلبة الخوف عليه حتى ذهب بعقله لما يقول ولم يقله قاصدا لحقيقة معناه بل في حالة كان فيها كالغافل والذاهل والناسي الذي لا يؤاخذ بما يصدر منه اهـ


المعني الثاني: من التقدير.


ولا يكفر المسلم بأن يشك في أن الله تعالى قدّر عليه أن يعذبه، فإن ذلك من علم الغيب. فهو يجوّز أن يُثيبه الله تعالى ولا يعذبه، وهو يجوّز أيضا أن يعذبه ثم يثيبه. ولا يخفى أن هذا الشك لا ينافي الإيمان بالثواب والعقاب بعد الموت. فهو يؤمن بأن لكل واحد من المكلَّفين ثوابا أو عقابا بعد الموت، لأن الإيمان به من أصل الدين – وسأذكر الأدلة عليه بعد قليل إن شاء الله - وقد ثبت أن الموصي كان موحدا.


المعنى الثالث: التضييق.قال الله تعالى: فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ ﴿15﴾ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ﴿16(الفجر)


أي: فجعل رزقه ضيِّقا.


فاللفظ له ثلاثة معانٍ في اللغة. ومن قال أن الموصي كان مسلما مع أنه أنكر قدرة الله تعالى فقد قال أنه كان مسلما مع أنه أشرك بالله شركا أكبر. وإن قلت (إنكار قدرة الله تعالى كفر، ولكن لماذا تقول أنه شرك أيضا؟)، قلت لك: من قال أن الله تعالى لا قدرة له على أن يعيده بعد أن يحُرّق فقد قال أن النار تكون أقوى من ربها في هذه الحالة، تعالى الله علوا كبيرا. وهذا شرك اعتقادي أكبر، لأن من يعتقد أن لله شريكا في ملكه مُغالبًا له فإنه قد أشركه به لا محالة.


ولقد أُلّفتْ رسالة واسعة في أن من لم يؤمن بكمال قدرة الله تعالى وعلمه فإنه لم يوحد الله تعالى، مع إقامة البراهين الجليّة عليه ثم ذكر أقوال العلماء فيه، وفي الدفاع عن العلماء الذين افترى عليهم المبطلون، وفي بيان أنهم حرفوا كتبهم صدّا عن سبيل الله وإبطالا للتوحيد، وأن العلماء بُرآء من أكاذيبهم. وهي تجيب عن اعتراضات الذين قالوا أن الموصي كان مسلما موحدا مع أنه لم يؤمن بربوبية الله تعالى التي منها كمال قدرته.


ثم أنت تقول أن الموصي قال ( فوالله لئن قَدِرَ اللهُ عليه ليعذبنَّه عذاباً لا يُعذبه أحداً من العالمين)بالكسرة - فهل تقول أن المضارع منه هو (يقدَر) - بالفتحة - أم تقول أنّ وزْنه هو (فعِل يفعِل) بالكسرتين؟؟


قلت: قال ابن تيمية : والحديث صريح في أن الرجل طمع أن لا يعيده إذا فعل ذلك، وأدنى هذا أنيكون شكاً في المعاد، وذلك كفر إذا قامت حجة النبوة على منكره حُكم بكفره.. ا-هـ .


أقول: ليس هذا بقول ابن تيمية، وإنما كتبه الناسُ بأيديهم ثم يقولون هذا من عند ابن تيمية. وصنيعُهم هو نظيرُ صنيع الذين قد خلوا من قبلهم والذين أنزل الله تعالى فيهم: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79) (البقرة)


والذين أعظموا الفريةَ على ابن تيمية فإنما يريدون تحريف معاني كتاب الله تعالى والسنة، وهم يريدون أن يتوصلوا إلى ذلك بتحريف أقوال ابن تيمية وغيره ليغرّوا المغترّين بهم. ولو أني لم أعلم دليلا على أنه محرف سوى أقواله في التوحيد وفي ربوبية الله وما يتعلق بهذه المسائل لاكتفيتُ به ولما اجترأتُ على إساءة الظن به.


ولكن هناك دليل آخر على تحريفه، والله المستعان، فستراه – كما قلته – قريبا إن شاء الله. ولقد زعموا أن ابن تيمية قال أن المرء قد يكون مسلما موحدا مع أنه لا يؤمن بالثواب والعقاب بعد الموت، كما أنهم زعموا أنه قال أيضا أن الموصي كان مسلما موحدا مع أنه أنكر قدرة الله تعالى أو شك فيها.


فأما الأدلة على أن من لم يؤمن بالثواب والعقاب بعد موته فليس بمسلم وإن لم يبلغه شيء من الأخبار بهما فمنها قول الله تعالى: قال الله تعالى: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ﴿115﴾ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ﴿116(المؤمنون)


وقال ابن القيم في التبيان في أقسام القرآن (ص 100): قال تعالى { أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون * فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم }فجعل كماله ملكه وكونه سبحانه الحق وكونه لا إله إلا هو وكونه رب العرش المستلزم لربوبيته لكل ما دونه - مبطلا لذلك الظن الباطل والحكم الكاذب وإنكار هذا الحسبان عليهم مثل إنكاره عليهم حسبانهم أنه لا يسمع سرهم ونجواهم وحسبان أنه لايراهم ولا يقدر عليهم وحسبان أن يسوي بين أوليائه وبين أعدائه في محياهم ومماتهم وغير ذلك مما هو منزه عنه تنزيهه عن سائر العيوب والنقائص وأن نسبة ذلك كنسبة ما يتعالى عنه مما لا يليق : من اتخاذ الولد والشريك ونحو ذلك مما ينكره سبحانه على من حسبه أشد الإنكار فدل على أن ذلك قبيح ممتنع نسبته إليه كما يمتنع أن ينسب إليه سائر ما ينافي كماله المقدس اهـ


وقال الله تعالى: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ ﴿38﴾ مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴿39﴾ إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ ﴿40(الدخان)


وقال الله تعالى: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ ﴿27﴾ أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ﴿28(ص)


وأما الأدلة على أن من لم يؤمن بكمال قدرة الله تعالى فلم يؤمن بأن الملك كله له وحده لا شريك له فمنها قوله تعالى:أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ ﴿77وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ﴿78قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ﴿79﴾ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ ﴿80أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ ﴿81﴾ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴿82﴾ فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴿83(يس)


فالرجل المذكور في هذه الآيات ضرب لله مثلا لما قال (مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ)، أي: شبهه بخلقه. واللهُ تعالى جعله مَن نسي أنه خلقه أولَّ مرة. لأن كل من لم يؤمن بأن لله قدرة على أن يُعيده فإنما هو كالذي لم يؤمن بأن الله خلقه أول مرة. فالله تعالى قد خلق الناس، وكل من قال أنه يعجز عن أن يخلقهم بعد ذلك مرة أخرى فإنما قال أن قدرة الله الآن ناقصة، لأنه ليس له قدرة – بزعمه – على أن يفعل ما قد قدَر عليه من قبل، تعالى الله علوا كبيرا.


وقال ابن القيم في إعلام الموقعين (110/1): فقال: {قل يحييها الذي أنشأها أول مرة} [يس: 79]فهذا جواب واستدلال قاطع، ثم أكد هذا المعنى بالإخبار بعموم علمه لجميع الخلق، فإن تعذر الإعادة عليه إنما يكون لقصور علمه أو قصور في قدرته اهـ


فمن لم يؤمن بقدرة الله تعالى على أن يعيده فإما أن ينسب إليه تعالى قصور العلم، وإما أن ينسب قصورا في قدرته، فلا يكون موحدا لأنه قد سوى المخلوقات الناقصة برب العالمين. وقد قال الله تعالى:وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (90) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ (91) وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (92) مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ (93) فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ (94) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (95) قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ (96) تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (98) وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ (99) فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (100) (الشعراء)
  #18  
قديم 21-11-2011, 07:23 PM
أبو موسى الموحد أبو موسى الموحد غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
مكان الإقامة: أرض الله الواسعة
الجنس :
المشاركات: 20
افتراضي رد: سَبُّ الدَّهْرِ كُفْرٌ أَكْبَرُ مُطْلَقًا

وأما الدليل على أن هذا الكلام ليس لابن تيمية وعلى أنه محرف فلقد ادّعى الذين كفروا أنه قال في مجموع الفتاوى (410/11)، لما تحدّث عن الموصي الذي لم يؤمن – بزعمهم – بكمال قدرة الله تعالى: لَفْظ " قَدَرَ " بِمَعْنَى ضَيَّقَ لَا أَصْلَ لَهُ فِي اللُّغَةِ اهـ

ولقد تقدّم ذكرُ آية سورة الفجر. وهي: فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ ﴿15﴾ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ﴿16(الفجر)


ولا شك في أن ابن تيمية علم أن لفظ (قَدَرَ) قد يكون بمعنى ضيّق، ومن زعم أنه قال أن هذا اللفظ بمعنى (ضَيَّقَ) لا أصل له في اللغة فإن ذلك طعنٌ عظيم فيه. ولا يقول أحد أنه أنكر ذلك، إلا من يجهل أن له أصلا في اللغة – فيكون مبتدئا غير عارف بلغة العرب – أو من يرى أن ابن تيمية نفسه كان من المبتدئين، حاشاه. وسأذكر لك قليلا من أقوال المفسرين في هذه الآية إن شاء الله، على سبيل المثال، لا الحصر.


قال البغوي في معالم التنزيل (412/8): {فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ}امْتَحَنَهُ {رَبُّهُ}بِالنِّعْمَةِ {فَأَكْرَمَهُ}بِالْمَالِ {وَنَعَّمَهُ}بِمَا وَسَّعَ عَلَيْهِ {فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ}بِمَا أَعْطَانِي.
{
وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ}بِالْفَقْرِ {فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ} قرأ أبو جعفر وَابْنُ عَامِرٍ "فَقَدَّرَ" بِتَشْدِيدِ الدَّالِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالتَّخْفِيفِ، وَهُمَا لُغَتَانِ، أَيْ ضَيَّقَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ.


وقال ابن كثير في تفسيره (398/8): يَقُولُ تَعَالَى مُنْكِرًا عَلَى الْإِنْسَانِ فِي اعْتِقَادِهِ إِذَا وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الرِّزْقِ لِيَخْتَبِرَهُ فِي ذَلِكَ، فَيَعْتَقِدُ أَنَّ ذَلِكَ مِنَ اللَّهِ إِكْرَامٌ لَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ ابْتِلَاءٌ وَامْتِحَانٌ.
كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَا يَشْعُرُونَ} [الْمُؤْمِنُونَ:55 - 56]. وَكَذَلِكَ فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ إِذَا ابْتَلَاهُ وَامْتَحَنَهُ وضَيَّق عَلَيْهِ فِي الرِّزْقِ، يَعْتَقِدُ أَنَّ ذَلِكَ مِنَ اللَّهِ إِهَانَةٌ لَهُ.


وقال ابن القيم (وهو تلميذ ابن تيمية...) في الفوائد (ص 155):قَالَ تَعَالَى فَأَمَّا الْأِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ * كَلَّا أَي: لَيْسَ كل من وسعتُ عَلَيْهِ وأكرمته وَنعمته يكون ذَلِك إِكْرَاما مني لَهُ وَلَا كل من ضيّقتُ عَلَيْهِ رزقه وابتليته يكون ذَلِك إهانة مني لَهُ اهـ

قلت: وقال ابن القيم: وأما جحد ذلك جهلاً، أو تأويلاً يُعذر فيه صاحبه، فلا يكفر صاحبه به، كحديث الذي جحد قدرة الله عليه ..وهذا فقد غفر الله له ورحمه لجهله ا-هـ

أقول: لقد أجبت عن كل هذا ولله الحمد فلا أعيده هاهنا. وهناك أقوال واضحة مبيّنة لربوبية الله وما يدخل فيها لابن تيمية وابن القيم وغيرهما. ونقْلُها – مع أدلتها – نافع بإذن الله، ولكني سأنتظر إجابتك عما كتبته أولا إن شاء الله. فإن كنتَ ممن يقبل الأدلة وممن يستدل بها لا بما هو ليس بدليل أصلا فهذا هو المطلوب. وإن كنتَ ممن لا يقبل الأدلة مطلقا بعد أن يفتري المبطلون على ابن تيمية وغيره فإنه يجب عليك أن لا تنسى أن القرآن والسنة هما الأصل، وأن من قال بخلاف ذلك فقد أشرك بالله شركا أكبر.


قلت:فتدبّر هذا المعنى جيداً واعلم أنّ هذا الباب (باب العذر بالجهل) قد تكلّم فيه العلماء وخاض فيه المتأخرون ولا يفهمه حق الفهم إلاّ من أحاط به من جوانبه أمّا من أخذ منه بنص واحد وبنى عليه المسائل الكبار فقد جانب الصواب وخالف شرعية الخطاب.


أقول: لقد اتفق علماء المسلمين من السلف والخلف قاطبةً على أن جاهل التوحيد ليس بمسلم، وإنما يخالف ذلك الذين لا يوحدون الله تعالى من الذين يحسبون أنهم مهتدون وأنهم يحسنون صنعًا. وأنا – ولله الحمد – لا آخذ بنص واحد فأحمله على غير محمله فأحمله على ما يوجب إبطال أحكام التوحيد، وهذا الوصف – للآسف – بغيري ألْيق، فأسأل الله أن يهديني وإياك ومن كان يبحث عن الحق اللهم آمين.


وقالت أم اسراء هداها الله: هل سأله رسول الله إن كان هذا الرجل يعلم شروط وموانع الدخول فى الإسلام قبل أن يقتله أسامة أقول: لقد فهم المشركون في زمان النبي صلى الله عليه وسلم معنى لا إله إلا الله، وإن لم يؤمنوا به. ولقد قبل النبيُّ صلى الله عليه وسلم إسلامَ من أسلم، فدل على أن الناس عرفوا معنى لا إله إلا الله، فلم يحتَجْ إلى أن يعلّم كل واحد منهم معناه تعليما مختصًّا به. ومن قال أنه قبل إسلامَهم مع أنهم جهلوا معنى لا إله إلا الله فقد قدح فيه وفي دعوته.


ويدلّكِ عليه قولُ الله تعالى: إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (35) وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ (36) بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ (37)(الصافات)


وقوله تعالى:أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5) وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6) مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ (7) أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ (8)(ص)


وأما المشركون في زماننا نحن – ممن ينتسب إلى الإسلام – فإنهم لا يمتنعون عن أن يقولوا لا إله إلا الله، لأنهم لا يعلمون أن هذه الكلمة العظيمة تقتضي تركَ ما هم عليه من الشرك، وهم لا يعلمون أنهم يشركون بالله أصلا، والله المستعان.


فلقد تم جوابي هذا، وأسأل الله الهداية لي ولكما ولمن أراد الحق، اللهم آمين آمين آمين، والحمد لله رب العالمين.
  #19  
قديم 22-11-2011, 04:01 PM
hadyo-sahaba hadyo-sahaba غير متصل
عضو نشيط
 
تاريخ التسجيل: Sep 2011
مكان الإقامة: tetouan
الجنس :
المشاركات: 172
الدولة : Morocco
63 63 رد: سَبُّ الدَّهْرِ كُفْرٌ أَكْبَرُ مُطْلَقًا





اللحمد لله الذي شرح صدور اهل الاسلام للهدى ونكت في قلوب اهل الطغيان فلا تعي الحكمة ابدا واشهد ان لا اله الا الله وحده لاشريك له اله احدا فردا صمدا لم يتخد صاحبة ولا ولدا واشهد ان محمدا عبده ورسوله ما اعظمه عبدا وسيدا واكرمه اصلا ومحتدا وابهره صدرا وموردا واطهره مضجعا ومولدا صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه غيوث الندى وليوث العدى صلاة وسلاما دائمين من اليوم الى ان يبعث الناس غدا

قال تعالى :
( ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول والله يكتب ما يبيتون فأعرض عنهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا ( 81 ) أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ( 82 ) وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا ( 83 ) )

قال الله عز وجل :

( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر )

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أحبتي في الله

بارك الله فيكم وفيما قدمتم أخونا أبو الشيماء من توضيح في المسألة المتعلقة بسب الدهر والأحكام المتعلقة فيها وجزاكم الله خيرا على سعة صدركم وسمحي بأن أزيد بعض التوضيح من أقوال علمائنا حتى يتبين الحق في المسألة ويزول كل إلتباس

أما أخي الكريم أبو موسى الموحد فأولا أقول لك مرحبا بك في ملتقى الشفاء عضوا جديدا بيننا و أرجوا الله أن يجعلنا و إياك وسائر إخواننا من الذين يتبعون القول ويتبعون أحسنه

أخي الفاضل إعلم رحمك الله تعالى أنه يجب أن لا نخلط بين مسألة و أخرى حتى لا تضيع الفائدة من هذا النقاش فدعنا في مسألة حكم سب دهر أولا هل حكمه الكفر مطلقا أم أن الأمر فيه تفصيل إلى أن نصل لمسألة كلمة التوحيد .
شرح كتاب التوحيد - باب من سب الدهر، فقد آذى الله
باب من سب الدهر، فقد آذى الله
باب: من سب الدهر، فقد آذى الله، وقول الله -تعالى-: ﴿وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (1)
في الصحيح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: « قال الله -تعالى-: يؤذيني ابن آدم يسب الدهر، وأنا الدهر أقلب الليل والنهار »(2) وفي رواية « لا تسبوا الدهر، فإن الله هو الدهر »(3) .
باب: من سب الدهر، فقد آذى الله.
الدهر: هو الزمان اليوم والليلة، أسابيع الأشهر، السنون، العقود، هذا هو الدهر، وهذه الأزمنة مفعولة، مفعول بها لا فاعلة، فهي لا تفعل شيئا، وإنما هي مسخرة يسخرها الله -جل جلاله- وكل يعلم أن السنين لا تأتي بشيء، وإنما الذي يفعل هو الله -جل وعلا- في هذه الأزمنة؛ ولهذا صار سب هذه السنين سبا لمن تصرف فيها، وهو الله -جل جلاله- لهذا عقد هذا الباب بما يبين أن سب الدهر ينافي كمال التوحيد، وأن سب الدهر يعود على الله -جل وعلا- بالإيذاء؛ لأنه سب لمن تصرف في هذا الدهر.

فمناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد ظاهرة، وهو أن سب الدهر من الألفاظ التي لا تجوز، والتخلص منها واجب، واستعمالها مناف لكمال التوحيد، وهذا يحصل من الجهلة كثيرا، فإنهم إذا حصل لهم في زمان شيء لا يسرهم، سبوا ذلك الزمان، ولعنوا ذلك اليوم، أو لعنوا تلك السنة، أو لعنوا ذلك الشهر، ونحو ذلك من الألفاظ الوبيلة، أو شتموا الزمان، وهذا لا شك لا يتوجه إلى الزمن؛ لأن الزمن شيء لا يفعل، وإنما يفعل فيه، وهو أذية لله، جل وعلا.
باب: "من سب الدهر" السب يكون بأشياء، والسب في أصله التنقص، أو الشتم، فيكون بتنقص الدهر، أو يكون بلعنه، أو بشتمه، أو بنسبة النقائص إليه، أو بنسبة الشر إليه، ونحو ذلك، وهذا كله من أنواع سبه، والله -جل وعلا- هو الذي يقلب الليل والنهار.
قال: "فقد آذى الله" ولفظ "آذى الله" لأجل الحديث حديث أبى هريرة قال: « يؤذيني ابن آدم؛ يسب الدهر، وأنا الدهر، أقلب الليل والنهار »(2) ففيه رعاية للفظ الحديث، سب الدهر -كما ذكرنا- محرم، وهو درجات، وأعلاه لعن الدهر؛ لأن توجه اللعن إلى الدهر أعظم أنواع المسبة، وأعظم أنواع الإيذاء، وليس من مسبة الدهر وصف السنين بالشدة، ولا وصف اليوم بالسواد، ولا وصف الأشهر بالنحس، ونحو ذلك؛ لأن هذا مقيد، وهذا جاء في القرآن في نحو قوله -جل وعلا-: ﴿فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ (4) "في أيام نحسات" وصف الله -جل وعلا- الأيام بأنها نحسات.
فالمقصود في أيام نحسات عليهم، فوصف الأيام بالنحس؛ لأنه جرى عليهم فيها ما فيه نحس عليهم، ونحو ذلك قوله -جل وعلا- في سورة القمر ﴿فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (5) يوم نحس، أو يقول: يوم أسود، أو سنة سوداء، هذا ليس من سب الدهر؛ لأن المقصود بهذا الوصف ما حصل فيها كان من صفته كذا وكذا على هذا المتكلم، وأما سبه أن ينسب الفعل إليه، فيسب الدهر لأجل أنه فعل به ما يسوءه، فهذا هو الذي يكون أذية لله، جل وعلا.
قال: وقول الله -تعالى-: ﴿وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ (1)هذه الآية ظاهرة في أن نسبة الأشياء إلى الدهر هذه من خصال المشركين أعداء التوحيد، فنفهم منه أن خصلة الموحدين أن ينسبوا الأشياء إلى الله -جل وعلا- ولا ينسبوا الإهلاك إلى الدهر، بل الله -جل وعلا- هو الذي يحيي، ويميت قال في الصحيح، عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: « قال الله -تعالى-: يؤذيني ابن آدم؛ يسب الدهر، وأنا الدهر »(6) .
قوله هنا: « وأنا الدهر »(7) لا يعني: أن الدهر من أسماء الله -جل وعلا- ولكنه رتبه على ما قبله، فقال يسب الدهر، وأنا الدهر؛ لأن حقيقة الأمر أن الدهر لا يملك شيئا، ولا يفعل شيئا، فسب الدهر سب لله؛ لأن الدهر يفعل الله -جل وعلا- فيه، الزمان ظرف للأفعال، وليس مستقلا؛ فلهذا لا يفعل، ولا يحرم، ولا يعطي، ولا يكرم، ولا يهلك، وإنما الذي يفعل هذه الأشياء مالك الملك، المتفرد بالملكوت وتدبير الأمر الذي يجير، ولا يجار عليه.
إذا فقوله: « وأنا الدهر »(7) هذا فيه نفي نسبة الأشياء إلى الدهر، وأن هذه الأشياء تنسب إلى الله -جل وعلا- فيرجع مسبة الدهر إلى مسبة الله -جل وعلا-؛ لأن الدهر لا ملك له، والله هو الفاعل قال: "أقلب الليل والنهار" والليل والنهار هما الدهر، فالله -جل وعلا- هو الذي يقلبهما، فليس لهما من الأمر شيء. نعم.

(1) سورة الجاثية: 24

(2) البخاري : تفسير القرآن (4826) , ومسلم : الألفاظ من الأدب وغيرها (2246) , وأبو داود : الأدب (5274) , وأحمد (2/238).

(3) مسلم : الألفاظ من الأدب وغيرها (2246) , وأحمد (2/395).

(4) سورة فصلت: 16

(5) سورة القمر: 19

(6) البخاري : تفسير القرآن (4826) , ومسلم : الألفاظ من الأدب وغيرها (2246) , وأبو داود : الأدب (5274) , وأحمد (2/238).

(7) البخاري : تفسير القرآن (4826) , ومسلم : الألفاظ من الأدب وغيرها (2246) , وأبو داود : الأدب (5274) , وأحمد (2/506)



الصارم المسلول على شاتم الرسول

-صلى الله عليه وسلم-

لشيخ الإسلام أحمد بن عبدالحليم ابن تيمية

و يظهر الحكم في المسألة بأن يرتب هذا السب ثلاث مراتب :
المرتبة الأولى : أن من شأن الرب بما يتدين به ليس فيه سب لدين الإسلام إلا أنه سب عند الله تعالى مثل قول النصارى في عيسى و نحو ذلك فقد قال تعالى فيما يرويه عنه رسوله : [ شتمني ابن آدم و ما ينبغي له ذلك ] ثم قال : [ أو ما شتمه إياي فقوله إني اتخذت ولدا الأحد الصمد الذي لم ألد و لم أولد ] فهذا القسم حكمه حكم سائر أنواع الكفر سميت شتما أو لم تسم و قد ذكرنا الخلاف في انتقاض العهد مثل هذا و إذا قيل بانتقاض العهد به فسقوط القتل عنه بالإسلام متوجه و هو في الجملة قول الجمهور
المرتبة الثانية : أن يذكر ما يتدين به و هو سب لدين المسلمين و طعن عليهم كقول اليهودي للمؤذن : [ كذبت ] و كرد النصراني على عمر رضي الله عنه و كما لو عاب شيئا من أحكام الله أو كتابه و نحو ذلك فهذا حكمه حكم سب الرسول في انتقاض العهد به و هذا القسم هو الذي عناه الفقهاء في نواقض العهد حيث قالوا : [ إذا ذكر الله أو كتابه أو رسوله أو دينه بسوء ] و لذلك اقتصر كثير منهم على قوله : [ أو ذكر كتاب الله و دينه أو رسوله بسوء ] و أما سقوط القتل عنه بالإسلام فهو كسب الرسول فرق بينه و بين هذا و هي طريقة القاضي و أكثر أصحابه و من قتله لما في ذلك من الجناية على الإسلام و أنه محارب لله و رسوله فإنه يقتل بكل حال و هو مقتضي أكثر الأدلة التي تقدم ذكرها
المرتبة الثالثة : أن يسبه بما لا يتدين به بل هو محرم في دينه كما هو محرم في دين الله تعالى كاللعن و التقبيح و نحو ذلك فهذا النوع لا يظهر بينه و بين سب المسلم فرق بل ربما كان فيه أشد لأنه يعتقد تحريم مثل هذا الكلام في دينه كما يعتقد المسلمون تحريمه و قد عاهدنا على أن نقيم عليه الحد فيما يعتقد تحريمه فإسلامه لم يجدد له اعتقادا لتحريمه بل هو فيه كالذمي إذا زنى أو قتل أو سرق ثم أسلم سواء ثم هو مع ذلك مما يؤذي المسلمين كسب الرسول بل هو أشد
فإذا قلنا لا تقبل توبة المسلم سب الله فأن نقول لا تقبل توبة الذمي أولى بخلاف الرسول فإنه يتدين بتقبيح من يعتقد كذبه و لا يتدين بتقبيح خالقه الذي يقر أنه خالقه و قد يكون من هذا الوجه أولى بأن لا يسقط عنه القتل ممن سب الرسول
و لهذا لم يذكر عن مالك نفسه و أحمد استثناء فيمن سب الله تعالى كما ذكر عنهما الاستثناء لمن سب الرسول و إن كان كثير من أصحابهما يرون الأمر بالعكس و إنما قصدا هذا الضرب مع السب و لهذا قرنا بين المسلم و الكافر فلابد أن يكون سبا منهما و أشبه شيء بهذا الضرب من الأفعال زناه بمسلمة فإنه محرم في دينه مضر بالمسلمين فإذا أسلم لم يسقط عن بل إما أن يقتل أو يحد حد الزنا كذلك سب الله تعالى حتى لو فرض أن هذا الكلام لا ينتقض العهد لوجب أن يقام عليه حده لأن كل أمر يعتقده محرما فإنا نقيم عليه فيه حد الله الذي شرعه في دين الإسلام و إن لم يعلم مأخذه في كتابه مع أن الأغلب على القلب أن أهل الملل كلهم يقتلون على مثل هذا الكلام كما أن حده في دين الله القتل

ألا ترى أن النبي صلى الله عليه و سلم لما أقام على الزاني منهم حد الزنا قال : [ اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه ]
و معلوم أن ذلك الزاني منهم لم يكن يسقط عنه لو أسلم فإقامة الحد على من سب الرب تبارك و تعالى سبا هو سب في دين الله و دينهم عظيم عند الله و عندهم أولى أن يحيا فيه أمر الله و يقام عليه حده
و هذا القسم قد اختلفت الفقهاء فيه على ثلاثة أقوال :
أحدها : أن الذمي يستتاب منه كما يستتاب المسلم منه هذا قول طائفة من المدينيين كما تقدم و كأن هؤلاء لم يروه نقضا للعهد لأن ناقض العهد يقتل كما يقتل المحار و لا معنى لاستتابة الكافر الأصلي المحارب و إنما رأوا حده القتل فجعلوه كالمسلم و هو يستتبون المسلم فكذلك يستتاب الذمي و على قول هؤلاء فالشبه أن استتابته من السب لاتحتاج إلى إسلامه بل تقبل توبته مع بقائه على دينه
القول الثاني : أنه لا يستتاب لكن إن أسلم لم يقتل و هذا قول ابن القاسم و غيره و هو قول الشافعي و
إحدى الروايتين عن أحمد و على طريقة القاضي لم يذكر فيه خلاف بناء على أنه قد نقض عهده فلا يحتاج قتله استتابة لكن إذا أسلم سقط عنه القتل كالحربي
القول الثالث : أنه يقتل بكل حال و هو ظاهر كلام مالك و أحمد لأن قتله وجب على جرم محرم في دين الله و في دينه فلم يسقط عنه بموجبه بالإسلام كعقوبته على الزنا و السرقة و الشرب و هذا القول هو الذي يدل عليه أكثر الأدلة المتقدم ذكرها

السب الذي ذكرنا حكمه من المسلم هو : الكلام الذي يقصد به الانتقاص و الاستخفاف و هو ما يفهم منه السب في عقول الناس على اختلاف اعتقاداتهم كالعن و التقبيح و نحوه و هو الذي دل عليه قوله تعالى : { و لا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسيبوا الله عدوا بغير علم } [ الأنعام : 108 ]
فهذا أعظم ما تفوه به الألسنة فأما ما كان سبا في الحقيقة و الحكم لكن من الناس من يعتقده دينا و يراه صوابا و حقا و يظن أن ليس فيه انتقاص و لا تعييب فهذا نوع من الكفر حكم صاحبه إما حكم المرتد المظهر للردة أو المنافق المبطن للنفاق و الكلام في الكلام الذي يكفر به صاحبه أو لا يكفر و تفصيل الاعتقادات و ما يوجب منها الكفر أو البدعة فقط أو ما اختلفت فيه من ذلك ليس هذا موضعه و إنما الغرض أن لا يدخل هذا في قسم السب الذي تكلمنا في استتابة صاحبه نفيا و إثباتا و الله أعلم

فإن سب موصوفا بوصف أو مسمى باسم و ذلك يقع على الله سبحانه أو بعض رسله خصوصا أو عموما لكن قد ظهر أنه لم يقصد ذلك : إما لاعتقاده أن الوصف أو الاسم لا يقع عليه أو لأنه و إن كان يعتقد وقوعه عليه لكن ظهر أنه لم يرده لكون الاسم في الغالب لا يقصد به ذلك بل غيره فهذا القول و شبهه حرام في الجملة يستتاب صاحبه منه إن لم يعلم أنه حرام و يعزر مع العلم تعزيزا بليغا لكن لا يكفر بذلك و لا يقتل إن كان يخاف عليه الكفر

مثال الأول : أن يسب الدهر الذي فرق بينه و بين الأحبة أو الزمان الذي أحوجه إلى الناس أو الوقت الذي أبلاه بمعاشرة من ينكد عليه و نحو ذلك مما يكثر الناس قوله نظما و نثرا فإنه إنما يقصد أن يسب من يفعل ذلك به ثم إنه يعتقد أو يقول إن فاعل ذلك هو الدهر الذي هو الزمان فيسبه و فاعل ذلك إنما هو الله سبحانه فيقع السب عليه من حيث لم يعتمده المرء و إلى هذا أشار النبي صلى الله عليه و سلم بقوله : [ لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر بيده الأمر ]
و قوله فيما يروبه عن ربه تبارك و تعالى يقول : [ يا ابن آدم تسب الدهر و أنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل و النهار ]فقد نهى رسول الله عليه الصلاة و السلام عن هذا القول و حرمه و لم يذكر كفرا و لا قتلا و القول المحرم يقتضي التعزيز و التنكيل
و مثال الثاني : أن يسب مسمى بلاسم عام يندرج فيه الأنبياء و غيرهم لكن يظهر أنه لم يقصد الأنبياء من ذلك العام مثل ما نقل الكرماني قال : سألت أحمد قلت :رجل افترى على رجل فقال : يا ابن كذا و كذا إلى آدم و حواء فعظم ذلك جدا و قال : نسأل الله العافية لقد أتى هذا عظيما و سئل عن الحد فيه فقال : لم يبلغني في هذا شيء و ذهب إلى حد واحد و ذكر هذا أبو بكر عبد العزيز أيضا فلم يجعل أحمد رضي الله عنه بهذا القول كافرا مع أن هذا اللفظ يدخل فيه نوح و إدريس و شئت و غيرهم من النبيين لأن الرجل لم يدخل آدم و حواء في عمومه و إنما جعلها غاية و حدا لمن قذفه و إلا لو كان من المقذوفين تعين قتله بلا ريب و مثل هذا العموم في مثل هذا الحال لا يكاد يقصد به صاحبه من يدخل فيه من الأنبياء فعظم الإمام أحمد ذلك لأن أحسن أحواله أن يكون قد قذف خلقا من المؤمنين و لم يوجب إلا حدا و حدا لأن الحد هنا ثبت للحي ابتداء على أصله و هو واحد و هذا قول أكثر المالكية في مثل ذلك
و قال سحنون و أصبغ و غيرهما في رجل قال له غريمة : صلى الله على النبي محمد فقال له الطالب : لا صلى الله على من صلى عليه قال سحنون : ليس هو كمن شتم رسول الله صلى الله عليه و سلم أو شتم الملائكة الذين يصلون عليه إذا كان على ما وصف من الغضب لأنه إنما شتم الناس و قال أصبغ و غيره : لا يقتل إنما شتم الناس و كذلك قال ابن أبي زيد فيمن قال
: [ لعن الله العرب و لعن الله بني إسرائيل و لعن الله بني آدم و ذكر أنه لم يرد الأنبياء و إنما أراد الظالمين منهم : إن عليه الأدب بقدر اجتهاد السلطان ]
يقول الشيخ عبد العزيز بن باز:

إن كل ما يجري في هذه الحياة هو بتقدير الله وعلمه، والله سبحانه هو الذي يصرف الليل والنهار، وهو الذي يقدر السعادة والشقاء، حسب ما تقتضيه حكمته وقد تخفى تلك الحكمة على الناس؛ لأن علمهم محدود، وعقولهم قاصرة عن إدراك تلك الحكمة الإلهية، وكل ما في الوجود مخلوق لله، خلقه بمشيئته وقدرته، وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وهو الذي يعطي ويمنع، ويخفض ويرفع، ويعز ويذل، ويغني ويفقر، ويضل ويهدي، ويسعد ويشقي، ويولي الملك من يشاء، وينزعه ممن يشاء، وقد أحسن كل شيء خلقه، وكل أفعال الخالق وأوامره ونواهيه، لها حكمة بالغة وغايات محمودة، يشكر عليها سبحانه، وإن لم يعرفها البشر لقصور إدراكهم.
وقد ورد في الصحيحين وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((يقول الله تعالى: يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار)) وفي رواية ((لا تسبوا الدهر فإني أنا الدهر)) وفي رواية ((لا يقل ابن آدم يا خيبة الدهر فإني أنا الدهر أرسل الليل والنهار فإذا شئت قبضتهما)) وقد كان العرب في الجاهلية ينسبون إليه ما يصيبهم من المصائب والمكاره، فيقولون: أصابتهم قوارع الدهر، وأبادهم الدهر، فإذا أضافوا إلى الدهر ما نالهم من الشدائد، سبوا فاعلها فكان مرجع سبها إلى الله عز وجل، إذ هو الفاعل في الحقيقة للأمور التي يصفونها، فنهوا عن سب الدهر وقد نقل هذا التفسير للحديث بهذا المعنى عن الشافعي ، وأبي عبيد ، وابن جرير ، والبغوي وغيرهم.
وأما معنى قوله: أقلب الليل والنهار يعني أن ما يجري فيهما من خير وشر بإرادة الله وتدبيره وبعلم منه تعالى وحكمة، لا يشاركه في ذلك غيره، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، فالواجب عند ذلك حمده في الحالتين، وحسن الظن به سبحانه وبحمده، والرجوع إليه بالتوبة والإنابة، قال تعالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}[1]
وقد أورد الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، بابا في كتاب التوحيد سماه: (باب من سب الدهر فقد آذى الله) أورد فيه هذا الحديث وبين أنه يشتمل على عدة مسائل:
1- النهي عن سب الدهر.
2- تسميته أذى لله.
3- التأمل في قوله: فإن الله هو الدهر.
4- أنه قد يكون ساباً ولو لم يقصده بقلبه.
وعلى هذا فإن الكاتبة - سامحها الله - أخطأت عندما نسبت القسوة إلى الدهر في عنوان قصتها؛ لأن القدر - كما سبق - لا يتصرف، وإنما الله سبحانه هو المقدر للأشياء عن حكمة بالغة، والله جل وعلا لا يوصف بالقسوة، بل هو جل وعلا رحيم بعباده، وهو أرحم بهم من الوالدة بولدها، كما ورد في الحديث الصحيح الله أرحم بعباده من الوالدة بولدها فيجب أن ننزه أقلامنا عن الوقوع في مثل هذه المزالق، امتثالا لأمر الله وأمر رسوله، وإكمالاً للتوحيد، وابتعاداً عما ينافيه أو ينافي كماله، ووسائل الإعلام - كما هو معروف - واسعة الانتشار وعظيمة التأثير على الناس، وكثرة ترديدها لمثل هذه الكلمات ينشرها بين الناس، ويجعلهم يتساهلون في استعمالها، وخاصة النشء مع ما في استعمالها من المحذور.
نسأل الله أن يهدينا إلى الصراط المستقيم، ويجنبنا زلات القلم واللسان، إنه سميع مجيب وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.




فكيف يفهم هذا مع النهي عن سب الدهر، ومتى يكون ساب الدهر آثما ومتى لا يقع في الإثم إن تكلم في الدهر؟؟!!!.


ولنا هنا أربع وقفات أساسية نبين فيها ماهو سب الدهر المنهي عنه، مستشهدا بأقوال أهل العلم بعد توضيح فكرتها.


الوقفة الأولى:
سؤال نطرح على انفسنا لماذا جاء النهي منه صلى الله عليه وسلم عن هذا الأمر؟
والجواب:لأن سب الدهر كان من عادات العرب فإذا أصابهم مكروه أو أمر سوء سبوا الدهر وذموه لأن العرب كانوا ينسبون ما كان يصيبهم من المصائب والكوارث إلى الدهر، فنهينا عن ذلك لأن الله سبحانه وتعالى هو مصرف الأمور وهو مقلب الليل والنهار، وما الدهر إلا ظرف لوقوع الحوادث فيه، وقد ورد في هذا كلام من كبار العلماء أذكر منهم أمثلة:


قال النووي في شرح مسلم: ((قال العلماء: وهو مجاز وسببه أن العرب كان شأنها أن تسب الدهر عند النوازل والحوادث والمصائب النازلة بها من موت أو هرم أو تلف مال أو غير ذلك فيقولون يا خيبة الدهر ونحو هذا من ألفاظ سب الدهر فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر" أي لا تسبوا فاعل النوازل فإنكم إذا سببتم فاعلها وقع السب على الله تعالى لأنه هو فاعلها ومنزلها. وأما الدهر الذي هو الزمان فلا فعل له بل هو مخلوق من جملة خلق الله تعالى، ومعنى "فإن الله هو الدهر" أي فاعل النوازل والحوادث وخالق الكائنات والله أعلم.انتهى))


قال الشافعي في تأويل هذا الحديث: ((والله أعلم إن العرب كان من شأنهم أن تذم الدهر وتسبه عند المصائب التي تنزل بهم من موت أو هرم أو تلف أو غير ذلك ...))


وقال البغوي ـ رحمه الله تعالى ـ في بيان معناه: ((إن العرب كان من شأنها ذم الدهر وسبه عند النوازل؛ لأنهم كانوا ينسبون إليه ما يصيبهم من المصائب والمكاره، فيقولون: أصابتهم قوارع الدهر، وأبادهم الدهر، فإذا أضافوا إلى الدهر ما نالهم من الشدائد سبوا فاعلها، فكان مرجع سبها إلى الله عز وجل إذ هو الفاعل في الحقيقة للأمور التي يصفونها، فنهوا عن سب الدهر " انتهى باختصار.))


الوقفة الثانية:
قد يوهم نص الحديث بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (فإن الله هو الدهر) بأن الدهر هو احد اسماء الله تعالى أو أن الله تعالى هو نفسه الدهر، وهذا الفهم آت من اعتماد هؤلاء على عقولهم وحسب، وعدم النظر في اقوال العلماء بالامر، وطبعا كلا الفهمين خاطأ ومردود، وينبغي أن يعلم أن الدهر ليس من أسماء الله سبحانه وتعالى على الصحيح من أقوال أهل العلم.


الوقفة الثالثة:
الله سبحانه وتعالى هو مقلب الليل والنهار، وهو مقدر الأفعال، لذلك فمن يسب الزمان قاصدا الزمان بذاته فهو واحد من اثنين.
الصنف الأول: شخص عاقل يفهم معنى الزمان، وانه مجرد ظرف تتقلب فيه الأفعال والأحوال التي قدرها الله تعالى، وبالتالي عند سبه للزمن إنما هو حقيقة يعترض على مايجري فيها ومعترض على فاعلها وهو الله تعالى وهذا منهي عنه بلا خلاف.



الصنف الثاني: من يلقبون انفسهم الدهريون او رجل مجنون يسير على سيرهم، ويعتقد ان الدهر او الزمن هو المتصرف بالأفعال، وبسبهم للزمن انما يسبون المتصرف الحقيقي، وهؤلاء خارجون عن الملا بلا خلاف، وكفرهم بواح.


وقال في هاذين المعنيين العديد من العلماء ايضا انقل لكم منهم:


وقال الإمام الخطابي في بيان المراد في قوله (أنا الدهر) معناه. "أنا صاحب الدهر ومدبر الأمور التي تنسبوها إلى الدهر فمن سب الدهر من أجل أنه فاعل هذه الأمور عاد سبه إلى ربه الذي هو فاعلها وإنما الدهر زمان جعل ظرفاً لواقع الأمور وكانت عادتهم إذا أصابهم مكروه أضافوه إلى الدهر فقالوا بؤساً للدهر وتباً للدهر". فتح الباري (10 / 196 ).


وعلى هذا يفهم الحديث ((يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر)) ـ بشكل صريح في النهي عن سب الدهر مطلقاً، سواء اعتقد أن الدهر هو الفاعل أو لم يعتقد ذلك.



وذكر ابن القيم ـ رحمه الله ـ أن سب الدهر فيه ثلاث مفاسد:
أحدها: سبه ممن ليس أهلاً للسب، فإن الدهر خلق مسخر من خلق الله منقاد لأمره متذلل لتسخيره فسابه أولى بالذم والسب منه.
الثانية: أن سبه متضمنا للشرك، فإنه سبه لظنه أنه يضر وينفع.
الثالثة: أن السب منهم وقع على من فعل هذه الأفعال .


ويضاف الرابعة : أن السب فيه اعتراض على قدر الله الكوني؛ لأنه لا يكون إلا ما يريده سبحانه وتعالى.


الوقفة الرابعة:

ماهو حكم من يلوم الزمن ولكن ليس لذات الزمن او للمتصرف فيه وهو الله تعالى، وإنما يلوم افعاله هو كعبد ويعتقد انه كان قادر ان يختار افعال غير هذه الأفعال كونه عبد مخير محاسب على افعاله، فيقول مثلا كان الأمس كئيب او تعيس، ولايقصد ان الزمن هو التعيس ولا ان الله تعالى اجرى افعال تعيسة ابدا، وإنما يقصد بكلامه انه هو كعبد قام بمجموعة من السلوكيات في الأمس ختمت له بيوم كان تعيسا بكل المقايس، ولو احسن الاختيار وضبط سلوكياته بشكل قويم كان بإمكانه الحصول على يوم أفضل، وإنما يصف اليوم الذي مر بأنه يوم تعيس كمن يصف اليوم ويقول كان يوما حارا او مشمسا أو أيام نحسات أويوم عصيب ونحوها...وهذا الكلام يقوله من قاله منتقدا نفسه ليحسن من غده.


أمثال هؤلاء لايمكن ان نقول لهم انكم أسأتم أو خرجتم عن الملا او نتهمهم بالكفر او اي شيء من هذا القبيل، وأقصى مايكن توجيهه لهم نصيحة رقيقة بحسن اختيار الألفاظ عند الكلام لان الكلام بهذا الأسلوب، قد تحوم حوله الشبهات ويفهم بشكل خاطئ، وتكلم بهذه المعاني ايضا العديد من العلماء انقل منهم كلام الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى.


سئل الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ عن حكم سب الدهر :
فأجاب قائلا:

سب الدهر ينقسم إلى ثلاثة أقسام .
القسم الأول : أن يقصد الخبر المحض دون اللوم: فهذا جائز مثل أن يقول " تعبنا من شدة حر هذا اليوم أو برده " وما أشبه ذلك لأن الأعمال بالنيات واللفظ صالح لمجرد الخبر.
القسم الثاني : أن يسب الدهر على أنه هو الفاعل كأن يقصد بسبه الدهر أن الدهر هو الذي يقلِّب الأمور إلى الخير أو الشر : فهذا شرك أكبر لأنه اعتقد أن مع الله خالقا حيث نسب الحوادث إلى غير الله .
القسم الثالث : أن يسب الدهر ويعتقد أن الفاعل هو الله ولكن يسبه لأجل هذه الأمور المكروهة: فهذا محرم لأنه مناف للصبر الواجب وليس بكفر؛ لأنه ما سب الله مباشرة، ولو سب الله مباشرة لكان كافراً . ابن عثيمين "فتاوى العقيدة " (1 / 197).


والخلاصة لا بد من التفريق بين:
1- وصف الدهر على ما يجري فيه من أحداث فيوصف بها كقوله تعالى :"هَـذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ " وقوله تعالى: " فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ " وقوله تعالى : " فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ"، وقوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم : "سنوات خداعات"


2- وبين سب الدهر باعتبار إضافة ما يجري من الأحداث له على أنها الفاعلة كقوله تعالى : ﴿وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَايُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ﴾، أو إعتراضا على الفاعل الحقيقي وهو الله سبحانه وتعالى.


وشكر موصول في الأخير لكل من أم إسراء و أبو هالة على تدخلاتهم ومشاركتهم

والله أسأل أن يرد المسلمين لدينهم ردا جميلا وأن يجعل ما قلتم وما قدمتم زادا الى حسن المصير اليه وعتادا الى يمن القدوم عليه إنه بكل جميل كفيل وهو حسبنا ونعم الوكيل

  #20  
قديم 23-11-2011, 01:01 AM
الصورة الرمزية أبو الشيماء
أبو الشيماء أبو الشيماء غير متصل
مراقب الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
مكان الإقامة: أينما شاء الله
الجنس :
المشاركات: 6,415
الدولة : Morocco
افتراضي رد: سَبُّ الدَّهْرِ كُفْرٌ أَكْبَرُ مُطْلَقًا

الحمد لله الذي أنزل القرآن رحمة للعالمين، ومناراً للسالكين، ومنهاجاً للمؤمنين، وحجة على الخلق أجمعين.
الحمد لله الذي لا يخيب من رجاه، ولا يطرد من عصاه إذا تاب مما جناه
والصلاة و السلام على خير الأنام وعلى آله و أصحابه الكرام.
أما بعد
اشكرك الأخ الكريم -هدي الصحابة-على مشاركته لنا الموضوع
أخي الكريم...الموحد
أعلم علم اليقين أن ردك واستدلالاتك هذفها وقطب رحاها هو التوحيد
واعلم اني لا أخالفك فيما ذكرت لأنه ما تفضلت به وفصلته ليس هو جوهر حوارنا.
فنحن إن شاء الله تعالى نناقش مسألة العذر بالجهل وقد فسرت مرادي مستدلا بما حدث في عهد الرسول الكريم.
لكن لما قرأت مقالك وأعدت قرائته ، علمت سبب خلافنا
أقول وبالله التوفيق.
العذر بالجهل.
المتأخرون يعذرون بالجهل في مسائل التوحيد مطلقا ، ولافرق عندهم بين المسائل الظاهرة والخفية ، ولابين الجاهل القادر على التعلم والجاهل العاجز عنه ، ولابين الجاهل العاجز عن التعلم وهو راغب فيه ، و العاجز عن التعلم المعرض عنه
.
وأما المتقدّمون فالمسائل المكفرة التي تتعلّق بأفعال المكلفين عندهم نوعان
النوع الأول : مسائل ظاهرة ، كالشرك الأكبر بجميع أنواعه ومن أظهرها دعاء غير الله ومثله سب الله تعالى أو الإستهزاء بدينه ، والمسائل المعلومة من الدين بالضرورة كوجوب الصلوات الحمس والزكاة والصيام والحج وتحريم الفواحش كالزنا والخمر .
فمن وقع في شئ من هذه الأمور فإنه عندهم كافر بعينه كفرا أكبر ويحكم عليه بناء على ظاهر حاله وهو الكفر .
ولايعذرون أحدا وقع في شئ من هذه المكفرات بالجهل إلا في ثلاث حالات
الحالة الأولى : من نشأ في بادية بعيدة عن دار الإسلام .
الحالة الثانية : من نشأ في دار كفر لاتبلغ الدعوة مثله فيها .
الحالة الثالثة : من كان حديث عهد بالإسلام-
وهذه الحالة الأخيرة أنت تخالفني فيها.
النوع الثاني : مسائل خفيّة : كإنكار بعض الصفات التي وقع فيها النزاع بين أهل السنة وغيرهم –بخلاف الصفات التي هي من لوازم الربوبية كمطلق القدرة والعلم فهذه من المسائل الظاهرة .
وكمسائل الفروع غير المشتهرة علما عند العامة ، وليست من المعلوم من الدين بالضرورة وكالمسائل التي تقع فيها الفرق المخالفة للسنة في القدر والإيمان وغيرها مما يخفى مأخذه .
فمن وقع في أفعال الكفر التي يخفى كونها كفرا في حالات مخصوصة فإنه يعذر بجهله ولايطلق عليه اسم الكفر بمجرد وقوعه فيها مالم يكن قادرا على التعلم مفرطا فيه فإنه يكفر ، وهو الذي يسمّى " كفر الإعراض "
التحذير من التكفير
المتأخرون طردوا أصلهم في عدم التفريق بين المسائل الظاهرة والخفية ، فنهوا عن تكفير الأعيان مطلقا واستشنعوه عل كل حال
وفرقوا بين الوصف والعين مطلقا ، فأطلقوا الكفر على الفعل ونهوا عن تكفير الفاعل بعينه مطلقا .
أما المتقدمون فلما تقررعندهم من الفرق بين المسائل الظاهرة والخفية فإنهم يعملون النصوص الدالة على خطر التكفير ووجوب التحذير منه = في المسائل الخفية التي يلتبس حال المكلف فيها،ويصفون الفعل فيها بالكفر ويتوقفون عن الفاعل ، وقد شددوا في تكفيره بعينه أعظم تشديد وحذروا أشد تحذير.
ضابط إقامة الحجة
المتاخرون يشترطون لقيام الحجة =تمام الفهم لها واندفاع كل شبهة عن من وقع في الكفر ، ويشترطون هذا في جميع المسائل .
أما المتقدمون : فيفرقون بين المسائل الظاهرة وغيرها .
فقيام الحجة في المسائل الظاهرة تكون عندهم ب( بلوغ القرآن ) فمن بلغه أو سمع به فقد قامت عليه الحجة كما قال تعالى {لأنذركم به ومن بلغ }.
" قصد الكفر "
المقصود ب" قصد الكفر " هنا هو : أن يفعل المكلف الكفر معتقدا أنه كفر ناويا الوقوع في الكفر .
المتأخرون اشترطوا قصد الكفر بهذا المعنى لتكفير المعيّن وجعلوا عدم قصد الكفر مانعا من تكفير الأعيان مطلقا .
أما المتقدمون فالحكم عندهم مبني على الظاهر لا القصد.
فمن وقع في شئ من المكفرات " الظاهرة " فهو كافر بعينه عندهم وإن لم يعلموا قصده بل وإن لم يكن قصده الخروج من الملة ، ولكن قصد الوقوع في الفعل .
وعليه وبناء على ما سلف ذكره أعتقد أنك تستدل بالمتقدمين وأستدل بالمتأخرين..
وكل جانب يعتقد أنه على حق استنادا إلى فقهه وسد باب الدريعة ودرء المفسدة...
والله أعلى و أعلم
__________________
الحمد لله الذي أمـر بالجهاد دفاعـاً عن الدين، وحرمة المسلمين، وجعله ذروة السنام، وأعظـم الإسلام، ورفعـةً لأمّـة خيـرِ الأنـام.
والصلاة والسلام على نبيّنا محمّد ، وعلى آلـه ، وصحبه أجمعيـن ، لاسيما أمّهـات المؤمنين ، والخلفاء الراشدين،الصديق الأعظم والفاروق الأفخم وذي النورين وأبو السبطين...رضي الله عنهم أجمعين.


موضوع مغلق


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع



 

[حجم الصفحة الأصلي: 316.94 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 310.60 كيلو بايت... تم توفير 6.33 كيلو بايت...بمعدل (2.00%)]