الهزيمة النفسية – منهج الإسلام في علاجها والوقاية منها - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         انشودة يا أهل غزة كبروا لفريق الوعد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 32 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4421 - عددالزوار : 859160 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3953 - عددالزوار : 393479 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12535 - عددالزوار : 215764 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 73 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 57 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 58 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 59 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 55 )           »          اضطراباتي النفسية دمرتني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 57 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصور والغرائب والقصص > ملتقى القصة والعبرة
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى القصة والعبرة قصص واقعية هادفة ومؤثرة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 20-12-2023, 11:04 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,061
الدولة : Egypt
افتراضي الهزيمة النفسية – منهج الإسلام في علاجها والوقاية منها

الهزيمة النفسية – منهج الإسلام في علاجها والوقاية منها


  • من أهم أسباب الهزيمة النفسية ضعف الإيمان وحب الشهوات فمن شؤم المعصية تمكين الشيطان من القلب والخروج من عصمة الله تعالى وكنفه
  • الصبر من الصفات الأساسية التي لا غنى عنها للإنسان ليبلغ حاجته ويتخطى الضغوط والعقبات
  • من أسباب الهزيمة النفسية البعد عن الدين وجهل الكثير بحقيقته وتحول العبادات إلى عادات والعقيدة إلى نظريات بدلاً من جعلها منهج حياة
  • من المهم أن يكون لدينا الثقة في وعد الله تعالى بالنصر لدينه مهما علا الباطل وانتفخ فإن الجولة في النهاية للحق والمستقبل لهذا الدين
  • النجدي: الهزيمة النفسية آفة ابتلي بها كثيرٌ منَ المسلمين في زماننا وهي واحدة منْ أهم أسباب ما تعانيه الأمّة الإسلامية اليوم من تأخّر وتراجع وضعف
  • نحن بحاجة لأن نبني جيلاً قوياً مؤمناً بقضيته مطمئناً لا يعرف اليأس طريقاً إلى نفسه ونسلحه بالعلم والإيمان ونبث فيه اليقين
  • المثالية في التوقعات والطموحات غير المتلائمة مع واقع المرحلة التي يعيشها الفرد أو الجماعة وعدم معرفة التحديات من أهم أسباب الهزيمة النفسية
  • البشائر بحمد الله كثيرة ولا يمكن الإحاطة بها أو حصر مظاهرها وإنما هي أمثلة ونماذج تحيي الأمل وتدفع اليأس فالأمة معطاءة والفأل مطلوب والخير في هذه الأمة إلى قيام الساعة
  • النجدي: يجوز للإنسان مدح النفس بما فيها منْ خيرٍ ما لم يكن كبْرًا أو إعجاباً أو فخرًا وخصُوصا إذا كان في ذلك إظهار حق أو دفع باطل أو جلب منفعة أو دفع مضرة
  • د. السلطان: علينا وقت المحن والأزمات رفع مستوى الإيمان والاهتمام بالعلم والحرص على العمل والعبادة وتقوى الله عز وجل حينها سنرى نصر الله عز وجل وهو وعد والله لا يخلف وعده
  • الهواري: الحرب النفسية من الأساليب التي استعملها الباطل قديما وما زال مستمرا فيها ولا سيما حينما يعجز عن مواجهه الحق بالحجة والبيان
  • الباطل يلجأ لأساليب غير أخلاقية ليحقق نتائج في هذه الحرب وليشوه صورة الحق ويصرف الناس عنه ومن هذه الأساليب: الكذب والبهتان والإشاعات والتلفيق
تمر النفس الإنسانية بحالات شديدة التباين خلال مسيرتها في الحياة، فبينما تشرق أحيانًا، ويملؤها الطموح، ويدفعها الأمل لتحقيق المعجزات، تدهمها أمواج اليأس في أحيان أخرى فتنهزم أمام المصائب والصعوبات والمخاوف، ولاشك أن الشعور بالهزيمة النفسية أخطر من الهزيمة العسكرية، فخطورته تكمن في كونه استعمارًا للعقول والقلوب، قبل أن يكون استعمارًا لخيرات الأرض ومقدراتها. وعلى شدة وقع الاستعمار العسكري إلا أنه في النهاية طال هذا الاستعمار أم قصر فإن مصيره الرحيل، أما الاستعمار النفسي فيتغلغل في النفوس دون أن ندرك أثره وخطره؛ ولقد حذر الله -تعالى- عباده المؤمنين من الوقوع في هذا المأزق، في قوله -جل شأنه-: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}.
وإنَّ من أخطر آثار الهزيمة النفسية على الأمة، انهزامها أمام المصائب والصعوبات والمحن، واستشعارها أنه لا فائدة، وأنَّ شيئًا مما فسد لا يمكن إصلاحه، وأن الأجدى -وقد انسكب اللبن- أن نعكف عليه باكين نادمين بدلاً من القيام والبحث عن حل، ومن خطورة الشعور بالإحباط والهزيمة النفسية أيضًا أنه يقضي على أي أمل للإصلاح مع أن الأمل لا ينقطع ما بقيت هناك حياة.
أولاً: أسباب الهزيمة النفسية
لقد كان لهذه الآفة أسبابها التي مكنتها من القلوب والنفوس، ومن هذه الأسباب أسباب تربوية وأخرى ثقافية واجتماعية، نذكرها فيما يلي: (1) ضعف الإيمان من أهم أسباب الهزيمة النفسية ضعف الإيمان وحب الشهوات، فمن شؤم المعصية تمكين الشيطان من القلب والخروج من عصمة الله -تعالى- وكنفه، قال -تعالى-: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}، ومن انهزم أمام نفسه وهواه وشيطانه انهزم أمام عدوه الظاهر من باب أولى، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «وحيث ظهر الكفار(أي انتصروا)، فإنما ذاك لذنوب المسلمين التي أوجبت نقص إيمانهم، ثم إذا تابوا بتكميل إيمانهم نصرهم الله، وإذا كان في المسلمين ضعف وكان عدوهم مستظهراً عليهم، كان ذلك لتفريطهم في أداء الواجبات باطناً وظاهراً، وإما لعدوانهم بتعدي الحدود باطناً وظاهراً». (2) ضعف اليقين بالله العزة - كما قال ربنا سبحانه وتعالى- لله ولرسوله وللمؤمنين، والنصر لمن علم أن موعود الله متحقق لا محالة، والاستعلاء إنما يكون بالإيمان، والاعتزاز إنما يكون بالانتساب إلى هذا الدين، فمن شك في موعود الله، أو ظن أن الله يخذل دينه وأهله، لا يسعه إلا أن ينهار فينهزم نفسيا، وربما انقلب فصار من حزب الخاسرين. (3) عدم الرضا بقضاء الله وقدره بين الله -تعالى- في قرآنه طبيعة هذا الفريق، فقال -سبحانه-: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ}. (4) البعد عن الدين من أسباب الهزيمة النفسية البعد عن الدين الذي هو مصدر عزة المسلمين، وجهل الكثير بحقيقته، وتحول العبادات إلى عادات، وتحول دراسة العقيدة إلى نظريات بدلاً من جعلها منهج حياة.
(5) كثرة الظلم كثرة الظلم الواقع على المسلمين في كل مكان، والتكالب عليهم من كل حدب وصوب في زمن قل فيه الناصر والمغيث؛ مما جعل اليأس والإحباط يخيم على نفوس بعضهم، وأشعرهم بالهزيمة النفسية والضعف والهوان ومرارة العجز والقهر وزوال بريق الأمل في النهضة أو المستقبل المشرق. (6) المثالية في التوقعات والطموحات المثالية في التوقعات والطموحات غير المتلائمة مع واقع المرحلة التي يعيشها الفرد أو الجماعة، وعدم معرفة حجم العقبات والصعوبات التي يمكن أن تعترض المرء للوصول إلى مبتغاه، فمن ظن أن طريق المعالي مفروش بالورود والزهور انهار مع أول محنة يتعرض لها. (7) تحقير الإنجازات وتعميم الأخطاء تحقير الإنجازات مهما كان حجمها من قبل الشخص ذاته أو من قبل الآخرين، أو تعميم الخطأ والفشل في قضية ما على سائر القضايا والأمور المشابهة، وغالبًا ما يقترن هذا السلوك بالخوف من الفشل من بداية العمل، ثم تظهر الأخطاء في أثناء العمل؛ مما تشعر الفرد بعدم الرضا والدونية، والشعور بالذنب والتشاؤم والخجل وانخفاض تقدير الذات، ويكون اهتمام الشخص منصبًا على الأخطاء. (8) العيش وسط المنهزمين والتأثر بهم العيش وسط المنهزمين والتأثر بهم؛ فالبيئة لها أثرها في توجهات الشخص، وعندما تتكرر على مسامع الشخص كلمات الإرجاف، ويسمع نغمة اليأس القاتلة ممن حوله، والتحبيط المستمر، فلا فائدة، لن يستمع إليك أحد، أنت تؤذن في خرابة، أنت تنفخ في قربة مقطوعة لن تغير الكون فلابد له أن ينهزم ولو بعد حين. (٩) تهاوي القدوات تهاوي القدوة وسقوطها، يجعل المقتدي بها يضيع في دوامة مبادئ مهتزة، فيقع في صراع نفسي، بين كره القدوات أو الاستخفاف بالمبادئ عموما، والتخلي عن العمل، وقد يسلك سبيلاً مغايراً للحق، فالعالم أو المربي أو المعلم المقتدى به محل نظر الناس ورصدهم، وكل أقواله وحركاته محفوظة متبوعة، ويسوغ لغيره ما لا يسوغ له. (١٠) الحرب الإعلامية الحرب الإعلامية التي تمارس علينا عبر وسائل متعددة من خلال الخداع والتأثير الإعلامي السلبي، وعبر استهداف الجانب النفسي بصورة أكثر من استهداف الجانب العقلي؛ بحيث تمنع الإنسان من إدراك الحقيقة، وقد تحدث القرآن الكريم عن جوانب هذه الحرب النفسية الإعلامية التي توهن قوى المسلمين المعنوية من خلال السخرية والاستهزاء والشتائم والتهم الهازلة للمسلمين والإشاعات الكاذبة، ولا سيما بالرسول -صلى الله عليه وسلم - يقول الله تعالى : {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبي عَدُوا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ}، {وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونَ}.
ثانيًا: سبل الوقاية والعلاج من الهزيمة النفسية
لقد تميز المنهج الإسلامي بوسائل عديدة وفريدة في علاج انكسار النفس أمام متاعب الحياة ومصائبها، وينبع هذا التفرّد من كون الإسلام منهجًا ربّانيا، شرعه مَن سوَّى النفس الإنسانية وأبدع أسرارها، وعلم -وحده سبحانه- مداخلها ومخارجها، ومن ذلك ما يلي: (1) زيادة المستوى الإيماني روى أبو نعيم والديلمي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَا مِنَ الْقُلُوبِ قَلْب إِلَّا وَلَهُ سَحَابَةٌ كَسَحَابَةِ الْقَمَرِ بَيْنَمَا الْقَمَرُ يُضِيءُ؛ إِذْ عَلَتْهُ سَحَابَةٌ فَأَظْلَمَ؛ فَإِذا تَجَلَّتْ عَنه أَضاء». فالقلب تعتريه من آن لآخر سحب مظلمة من أثر المعاصي والذنوب، وتضعف الإيمان فيه، ويشعر صاحب هذا القلب بالضيق والهم، فإذا انقشعت تلك السحب بالعودة والإنابة والاستقامة على دينه، يعود الإيمان مرة أخرى إلى قوته ويزداد، ويستريح صاحبه ويطمئن ويرزقه الله السداد ويوكل به ملائكته ليحفظوه بأمر الله. (2) الاستعلاء والاعتزاز بالانتماء للدين الاستعلاء والاعتزاز بالانتماء للدين دون غيره وصدق الانتماء إليه، والإيمان بأنه مصدر العزة، وأن من ابتغى العزة بغيره ذل، كما قال الله -عز وجل-: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ}، {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كنتُم مُّؤْمِنِينَ}، وهذا المنطق الذي تحدث به بكل إباء وشموخ سيدنا خبيب بن عدي - رضي الله عنه - في لحظات النهاية أمام أعدائه، فعندما أراد بنو الحارث بن عامر قتله، وخرجوا به من الحرم ليقتلوه في الحِلِّ، قال لهم خبيب: دعوني أصلي ركعتين، فتركوه فركع ركعتين فقال: والله لولا أن تحسبوا أن ما بي جزع لزدت. ثم قال: اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تبق منهم أحداً. ثم أنشأ يقول:
فلست أبالي حين أُقتل مسلماً
على أي جنب كان لله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ
يبارك على أوصال شلو ممزّع
(3) الإيمان المطلق بقدرة الله وعظمته الإيمان المطلق بأن الله هو العزيز، وأنه هو وحده واهب العزة، وأنه لا أحد يملك العزة أو يهبها سواه {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}، واليقين الكامل بأن عزة الظالمين إلى زوال، وأنهم لا يملكون دوامها فضلاً عن أن يهبوها غيرهم: {وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِّيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا (81) كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا}. (4) توطين النفس على تحمل المشاق فطريق النصر والعزة والتمكين ليس مفروشًا بالورود، لكن العاقبة للمتقين، يقول الله -تبارك وتعالى-: {وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ}، وقد جاء أسلوب الاستفهام الاستنكاري في قوله : {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}. هذه الفتنة مع الإيمان أصل ثابت وسنة جارية في ميزان الله -سبحانه-: {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}، والله يعلم حقيقة القلوب قبل الابتلاء، ولكن الابتلاء يكشف في عالم الواقع ما هو مكشوف لعلم الله، ومغيب عن علم البشر.
(5) تعويد النفس على الصبر فالصبر من الصفات الأساسية التي لا غنى عنها للإنسان ليبلغ حاجته ويتخطى الضغوط والعقبات، فإذا صبر الإنسان صارت المحنة منحة، والبلية عطية، والمكروه محبوبًا، فالله -عزوجل- ما امتحنه ليهلكه ولكن امتحنه ليختبر صبره وعبوديته، قال الله -عز وجل-: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}. (6) رفع الروح المعنوية رفع الروح المعنوية بلفت النظر إلى الجوانب الإيجابية في الفرد والأمة؛ فقد خاطب الله عباده المنكسرين نفسيًا فقال لهم: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}، فكل إنسان لديه جوانب قوة وجوانب ضعف، ولابد من لفت نظر المنكسر نفسيا إلى جوانب القوة الحقيقية فيه ليحسن توظيفها في التغلب على جوانب ضعفه، ويخاطب أيضًا بهذا المعنى المجتمع المنكسر لضعفه وقوة عدوه أو غلبة العوائق على طريق تقدمه. (7) استشعار المبشرات البشائر بحمد الله كثيرة، ولا يمكن الإحاطة بها أو حصر مظاهرها، وإنما هي أمثلة ونماذج تحيي الأمل وتدفع اليأس؛ فالأمة معطاءة، والفأل مطلوب، والخير في هذه الأمة إلى قيام الساعة، والثقة بالله هي مقدمة النصر، ولقد حرص النبي - صلى الله عليه وسلم في تربية أصحابه- أن يبشرهم ويبث التفاؤل والثقة في قلوبهم، فمن ذلك ما رواه البخاري في صحيحه عَنْ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتْ - رضي الله عنه -، قَالَ: «شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ مُتَوَسِّدُ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِل الْكَعْبَةِ، قُلْنَا لَهُ: أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَاء، أَلَا تَدْعُو اللَّهَ لَنَا؟، قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهِ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْم أَوْ عَصَبٍ وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيْتِمَّنْ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ أَوْ الذُّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ»، وقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث آخر رواه تميم الداري - رضي الله عنه - قال سمعت - صلى الله عليه وسلم -: «لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَلَا يَتْرُك اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ بِعِز عَزِيز، وَبِذُلُ ذَلِيلٍ عِزّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الإِسْلَامَ، وَذُلا يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ».
(8) الرضا بما قدره الله للعبد المصائب أمر مقدر، كتب الله لكل مخلوق حظه منها، فعن ابن عباس -رضي الله عنهما-، قال: كنت خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - يومًا، فقال: «يَا غُلامُ، إِنِّي أَعلَمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسأَلِ الله، وإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ، وَإِن اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتِ الصُّحفُ»، وعلى العبد ألا يتسخط ولا يعجز بل يسعى لتخطي تلك المصائب بنفس راضية. (9) حسن الظن بالله والتوكل عليه من المهم أن يكون لدينا الثقة في وعد الله -تعالى- بالنصر لدينه مهما علا الباطل وانتفخ وكأنه غالب، وانزوى الحق وضعف كأنه مغلوب، فإن الجولة في النهاية للحق والمستقبل لهذا الدين، قال : {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إنهم لهمُ الْمَنصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ}، وقال: {وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لهَمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا}، وليس من شأن الأحوال أن تثبت على هيئة واحدة بل من شأن المقاعد أن يتبادلها الجالسون كل حين فلا المهزوم يظل مهزومًا ولا المنتصر يظل منتصرًا، قال -تعالى-: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}.
النجدي: الهزيمة النفسية آفة ابتلي بها كثيرٌ منَ المسلمين
وعن الهزيمة النفسية قال رئيس اللجنة العلمية بجمعية إحياء التراث الإسلامي الشيخ: د. محمد الحمود النجدي: الهزيمة النفسية آفة ابتلي بها كثيرٌ منَ المسلمين في زماننا، وهي واحدة منْ أهم أسباب ما تعانيه الأمّة الإسلامية اليوم من تأخّر وتراجع وضعف، ولابدّ من معرفة أسباب المَرض وعلاجه، خطوةً على طريق العودة إلى الريادة والسيادة والقيادة في العالم. ومعنى الانهزام النفسي: هو اسْتصغار النفس وانْكسارها أمام أعدائها، من شياطين الإنس والجن، وهو أيضا: استكانة النّفس الخيّرة الصالحة وهزيمتها، أمام النّفس الأمارة بالسوء، وهو استصغار النّفس واستخذاؤها أمام شدائد الدنيا، وبريقها وزخارفها وزينتها، وهو أيضا شعور الإنسان بعدم أهليته لعمل الخير والمَعروف، وتحمل المسؤوليات الكبار.
مظاهر الانهزامية
وعن مظاهر الانهزامية التي ذكرها المُعاصرون قال الشيخ النجدي: 1- رفض أيّ مسؤوليةٍ قيادية ولو كانت جزئية، ومحاولة التخلّص مِن أي أمرٍ له تبعة ولو كان يسيراً؛ تهرباً ممّا تتطلّبه المسؤوليات من أعباء وتبعات. 2 - القعود عن العمل للدّين، من الدعوة إلى الله -تعالى-، والأمر بالمعروف والنهيّ عن المنكر، ومجاهدة الكافرين والمنافقين بدعوى تفشي الشر وانتشار المنكر واستحالة التغيير. 3 - الخُضُوع والانقياد والاسْتسلام للأهْواء، والإغْراق في زخارف الدنيا ومباهجها، والانشغال بالتنافس على حُطامها. 4 - اعتزال بعضهم للمجتمع، والانكفاء على النفس هرباً من مواجهة المنكر والباطل، واختيارًا لسبيل الراحة والدّعة عن مدافعة الظلم والظالمين. 5 - الخوف من الباطل والانقياد له مع ظُهور رُوح اليأس منْ إمكانية المجابهة والمُواجهة بحُجّة أنّ الباطل يملك كلّ شيء، وأننا لا نملكُ أيّ شيء. 6 - الانبهار الواضح بثقافات الآخَرين، والتّساهل في قبول أفكارهم، وطرائق معايشهم، بل وفي بعض الأحيان تبني أجنداتٍ تحقّق لأعداء الدّين مآربهم ومَطامعهم.
آثار مدمرة
وعن آثار الهزيمة النفسية قال الشيخ النجدي: لا شك أنّ لهذه الهزيمة النفسية أثرها المُدمّر على من أصِيبَ بها وعلى أمته؛ فالأمة المُهزومة نفسيا لا تَنتصر أبدا، فالنصرّ حليف القوة والعزيمة الصادقة، والجِدّ والمُثابرة، والمُنهزم نفسيا لا عزم ولا جدّ ولا عمل، بل ولا تطلع ولا أمل، ومن هنا كان القرآن والسّنة يُحذّران المسلمين من سلوك هذا السبيل، والوقوع في ذلك المرض الخطير، قال -تعالى-: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (آل عمران:139)، وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (محمد: 7)، وقال -تعالى-: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (المنافقون: 8)، وفي الحديث الذي رواه ابن ماجة وأحمد: قال - صلى الله عليه وسلم -: «لا يَحقِرَنَّ أحَدُكم نَفْسَه، أنْ يَرَى أمْرًا للهِ فيه مَقالٌ، فلا يَقولُ فيه، فيُقالُ له: ما منَعَكَ؟ فيقولُ: مَخافةُ النَّاسِ، فيقولُ: فإيَّايَ كُنتَ أحقَّ أنْ تَخافَ!».
جواز مدح النفس
وأضاف الشيخ النجدي: يجوز للإنسان مدح النفس بما فيها منْ خيرٍ، ما لم يكن كبْرًا أو إعجاباً أو فخرًا، وخصُوصا إذا كان في ذلك إظهار حق، أو دفع باطل، أو جلب منفعة، أو دفع مضرة، وقد ضرب يوسف نبي الله -عليه السلام- في ذلك الأمر مثلاً حين طلب التمكين على خزائن الأرض، مع تزكية نفسه بأنه {حفيظ عليم} (يوسف: 55). وقد كان من وراء ولايته خيرٌ كثير، ونفع عميم للناس، وذكر رسولنا - رضي الله عنه - عن نفسه أنه: «سيدُ ولد آدم ولا فخر»، وقال عن نفسه أيضا: «أمَا والله، إنّي لأخْشَاكم لله وأتقاكم له». رواه البخاري ومسلم، وقال الصحابي ابن مسعود - رضي الله عنه - عن نفسه: «والله الذي لا إله غيره، ما أنزلت سورة من كتاب الله، إلا وأنا أعلم أين نزلت، ولا أنزلت آية من كتاب الله، إلا أنا أعلم فيما أُنْزلت، ولو أعلمُ أحداً أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل، لركبت إليه». رواه البخاري ومسلم، قال الحافظ ابن حجر على هذا الأثر: «وفي الحديث جواز ذكر الإنسان نفسه بما فيه من الفَضيلة بقدر الحاجة، ويحمل ما وَرَد مِنْ ذمّ ذلك على من وقع ذلك منه فخراً أو إعجابا». (فتح الباري:9/51).
تربية النفس وتأديبها وتزكيتها
وبين الشيخ النجدي أن ما جاء في الشّرع مِن الأمر بهضم النَّفس، والتواضع فليس هذا بابه، وإنّما من باب تربية النفس وتأديبها وتزكيتها، وعدم تطاولها على الخَلْق، صيانة لها عن الكبْر والعجب، أمّا انكسارها واستخذاؤها أمام الباطل؛ فلم يُعرف في قرآننا وسُنّة نبينا - صلى الله عليه وسلم -، ولا عن سلفنا الأولين أبداً. فالتواضع شيء والعِزّة بالإسلام شيء، وكلاهما لا علاقة له بالهزيمة النفسية، وهذا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - رغم تواضعه، يعلنها مدوية: «نحن قومٌ أعزّنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العزّ في غيره، أذلنا الله».
السلطان: حصار شعب أبي طالب وصبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه
من جهته قال مدير إدارة الكلمة الطيبة الشيخ: د.خالد سلطان السلطان: دعوني آخذكم معي في جولة قبل 1445 عاما؛ حيث تاريخ الهجرة، وسنرجع أيضا إلى الوراء قرابة 6 سنوات أي بعد بدء دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - بسبع سنوات؛ حيث ذلك الحدث التاريخي وهو حصار النبي - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين معه في شعب أبي طالب، قال ابن القيم -رحمه الله في زاد المعاد: «لما رأت قريش أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلو والأمور تتزايد، أجمعوا أن يتعاقدوا على بني هاشم وبني المطلب وبني عبد مناف ألا يبايعوهم ولا يناكحوهم ولا يكلموهم ولا يجالسوهم حتى يسلموا إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكتبوا بذلك صحيفة وعلقوها في سقف الكعبة؛ فانحازت بنو هاشم وبنو المطلب مؤمنهم وكافرهم، إلا أبا لهب فإنه ظاهر قريشاً على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبني هاشم وبني المطلب، وحبس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن معه في شعب أبي طالب ليلة هلال المحرم سنة سبع من البعثة، وبقوا محصورين مضيقاً عليهم جدا، مقطوعاً عنهم الميرة والمادة نحو ثلاث سنين حتى بلغ بهم الجهد».
حال عظيمة من الشدة والألم
وأضاف د. السلطان: حقيقةً كانت حال عظيمة من الشدة والألم، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم -، أكثرهم تألما وابتلاءً في هذا الأمر، قال - صلى الله عليه وسلم -: «لقد أُخِفتُ في اللَّهِ وما يُخافُ أحدٌ، ولقد أوذيتُ في اللَّهِ وما يُؤذى أحدٌ، ولقد أتت عليَّ ثلاثونَ من بينِ يومٍ وليلةٍ وما لي ولبلالٍ طعامٌ يأْكلُهُ ذو كبدٍ إلاَّ شيءٌ يواريهِ إبطُ بلالٍ»، وبعد ثلاث سنوات قدر الله -عز وجل- لهم الخروج.
الشاهد من القصة
والشاهد من هذا الحدث التاريخي: سؤال مهم جدا هو: هل جلس النبي - صلى الله عليه وسلم - هو والصحابة في هذا الشعب بلا عمل وبلا أخذ بالأسباب؟ أم فقط هي الأحزان والبكاء والشعور بالألم وفقط؟! الجواب: قطعا كان هناك عمل وأخذ في الأسباب، بما يتناسب وتلك الحال العصيبة، ولقد تعلم الصحابة الكرام في أثناء تلك المحنة أعظم درس من نبيهم - صلى الله عليه وسلم -، ألا وهو الصبر على البلاء، واليقين بأن الله ناصر نبيه - صلى الله عليه وسلم .
الانتصار بالصبر واليقين
برغم الآلام التي حدثت للصحابة إلا أن خروجهم من ذلك الحصار كان بمثابة هزيمة للكفار، لماذا؟ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - انتصر عليهم بالصبر وباليقين، انتصر عليهم بالإيمان الراسخ، وانتصر عليهم بحسن الظن بالله -عز وجل-، قال الله -عز وجل-: {وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا}، فالله -عز وجل- فوت فرصة الإيذاء من الكفار على أهل الإيمان بصبرهم وتحملهم لله -عز وجل-، وكذلك بتقواهم لله -عز وجل-، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - كان يوجه الصحابة -رضوان الله عليهم-، ويعمل على تزكية نفوسهم، ونحن إذ استطعنا أن نرفع مستوى الإيمان عند الأمة في وقت الأزمات وإحياء مفهوم التقوى عندهم سيتحقق النصر بإذن الواحد الأحد.
شيخ الإسلام ابن تيمية ومواجهة التتار
وفي موقف شيخ الإسلام بن تيمية من مواجهة التتار ذلك الجيش العرمرم الشديد الذي قتل وسفك ونهب وفعل الأفاعيل في الأمة عبرة وعظة، فعندما رأى -رحمه الله- ضعف الإيمان عند الناس، وضعفا في العبادة، وضعفا في العلم، وانتشارا للبدع بينهم، سعى لتقوية الإيمان في نفوسهم بالعلم والتوجيه والنصيحة، وأصبح يعلم الناس قضية العبادات والطاعة والإقبال على الله -عز وجل-، وبدأ يرغبهم في الله -عز وجل- وفي تأييد الله -عز وجل- لهم، وأن الله -عز وجل- من أسمائه وصفاته -عز وجل- أنه الحفيظ وأنه الحافظ -سبحانه وتعالى-، وأنه القوي الذي يجب أن يُرجع إليه، فلما رجع الناس إلى ربهم وامتلأت بهم المساجد، هذا يصلي وهذا يقرأ القرآن، وهذا متصدق، وأصبحت القلوب مع الله -عز وجل- وأخذوا بالأسباب، وجهزوا أنفسهم للقتال، عندما رأى شيخ الإسلام هذا الإقبال منهم وأنهم أصبحوا بالليل رهبانا وبالنهار فرسانا، قال: نحن منصورون، قالوا له: قل إن شاء الله، قال تحقيقا لا تعليقا، أي أن الله -تعالى- محقق ذلك بمشيئته وقدرته، فشاء الله النصر، وهذا يدل على ثقة شيخ الاسلام بنصر الله -تعالى- وعلى قوة إيمانه. وهكذا علينا وقت المحن والأزمات رفع مستوى الإيمان، والاهتمام بالعلم، والحرص على العمل والعبادة، وتقوى الله -عز وجل-، حينها سنرى نصر الله -عز وجل-، وهو وعد والله -سبحانه- لا يخلف وعده، قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}.
واقعنا المعاصر
ثم سلط د. السلطان على ما حدث في واقعنا المعاصر، وقصة الشيخ جميل الرحمن في أثناء الحرب الأفغانية في ولاية (كونر)؛ حيث كان الشيخ -رحمه الله- في ظل المعارك الشرسة يعتني بالتعليم، والعبادة، وإقامة الحدود، والاعتناء بحلقات القرآن الكريم، ومحاربة البدع، فصارت ولاية كونر ولاية شرعية متكاملة، ماذا حصل في النهاية؟ حقق الله -عز وجل- لأمة الإسلام النصر، هذه الانتصارات ماهي إلا تحقيق لموعود الله -عز وجل-، ماذا قال الله -عز وجل- لمن يصبر؟ قال -تعالى-: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} وقال -تعالى-: {أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} وقال- سبحانه وتعالى-: {نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}.. هذه بشائر من الله -تعالى. وعن الهزيمة النفسية قال رئيس جمعية الدعاة الخيرية الشيخ شريف الهواري: لا شك أنَّ الحرب النفسية من الأساليب التي استعملها الباطل قديما وما زال مستمرا فيها، ولا سيما حينما يعجز عن مواجهة الحق بالحجة والبيان، والباطل يلجأ دائمًا لهذه الحرب حينما يرى أن للحق قبولا أو تأثيرا، وأن الناس تقبل عليه فيختلق مثل هذه الأمور لينفر الناس عن الحق ويثبطهم عن الارتباط به.
أساليب غير أخلاقية
وأضاف الهواري: مشهور في كتب التاريخ أن الباطل يلجأ لأساليب غير أخلاقية؛ ليحقق نتائج في هذه الحرب، وليشوه صورة الحق ويصرف الناس عنه، ومن هذه الأساليب: الكذب، والبهتان، والإشاعات، والتلفيق، والتضخيم، فيستعمل إنجازاته بشكل ضخم جدًا ليبث الهزيمة النفسية في نفوس أهل الحق، وغالبًا ما يستعمل الباطل السخرية والاستهزاء والتحقير، وهذا منهج من مناهج أهل الباطل لإحداث الهزيمة النفسية، وقد تحدث القرآن الكريم عن هذه القضية باستفاضة، فمثلا لما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يجهر بدعوته، كانت قريش تستهزئ وتسخر وتطعن وتقلل من شأنه - صلى الله عليه وسلم - لتصرف الناس عنه، ولتحدث الهزيمة النفسية في نفوس أتباعه، فقالوا عنه: ساحر، وقالوا: كاهن وشاعر ومجنون وأبتر، وقللوا من شأنه لإسقاطه وصرف الناس عنه فقالوا: {(قَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} (الزخرف: 31) فكل هذه الأساليب منهم كانت لإحداث الهزيمة النفسية للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأتباعه.
تثبيت الله للنبي - صلى الله عليه وسلم
ولقد ثبت الله -تعالى- النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال -سبحانه-: «وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ» وقال له أيضًا «إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ»، فلا تلتفت، وقص عليه القصص ومشاهد من التاريخ لتثبيت فؤاده - صلى الله عليه وسلم -: فمثلا نوح -عليه السلام- قال -تعالى-: {مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ}، وقص الله -تعالى- على نبيه - صلى الله عليه وسلم - قصة نوح -عليه السلام-، قال -تعالى-: {وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ}، وهكذا بقية الأنبياء كما حكى عنهم القرآن الكريم.
علاج القرآن الكريم للهزيمة النفسية
جاءت آيات القرآن الكريم تعالج آثار هذه الحرب النفسية التي تسعى لإلحاق الهزيمة النفسية بالمسلمين في أكثر من موطن، قال -تعالى-: {وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}، أي لا يليق بكم الهزيمة النفسية أبدًا، وقوله -تعالى-: «وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ»، وقال -تعالى-: {وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}؛ فمهما كان صعوبة الواقع والصدمة والألم والحدث فأنت فعلا ترجو مالا يرجوه من يعاديك أو من يحاربك.
معالجة النبي - صلى الله عليه وسلم - لهذه القضية
كذلك كان هناك مواقف كثيرة في السيرة النبوية مر بها النبي - صلى الله عليه وسلم -، لابد من ذكرها حتى نتعرف على طرائق الباطل في إحداث الهزيمة النفسية بأهل الحق، فالباطل يستعمل دائمًا أهل النفاق لإحداث الهزيمة النفسية في المجتمع المسلم من خلال التثبيط، كما في أحداث غزوة أحد والخندق ودور المنافقين في التعاون مع يهود في حال غدرهم في الخندق، والكلام الذي قيل بعد غزوة أحد وما وقع {لَّوْ كَانُوا عِندَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}، وقول المنافقين: علام نقاتل؟ محمد كان يعدنا كنوز كسرى والقيصر، وأحدنا لا يأمن على نفسه أن يذهب الى الغائط، تلك المعاني مهمة جدا للاستدلال على دور المنافقين في تلك المؤامرة وربط ذلك من خلال الواقع الذي نعيشه اليوم؛ فالمسلم يعلم أن كل شيء بقضاء الله وقدره كما ذكرنا {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}، لذا فالتدافع من السنن الربانية.
بناء جيل قوي لا يعرف اليأس
نحن بحاجة لأن نبني جيلاً قويا مؤمناً بقضيته مطمئناً لا يعرف اليأس طريقاً إلى نفسه، نسلحه بالعلم والإيمان ونبث فيه اليقين، ونقدم له مهارات التمكين ليكون ثابت الجنان، واثق الخطى، قادراً على أن يتجاوز المحن والصعاب التي في حياته دون أن تؤثر على نفسيته؛ ليستطيع إكمال المهمة في الاستخلاف في الأرض وتبليغ دين ربه والدفاع عن دينه وأمته، ويعمل للدنيا كأنه سيعيش أبداً وللأخرة وكأنه سيموت غداً.
د. السلطان: بالصبر والتقوى واليقين يتحقق النصر
إننا بالصبر والتقوى واليقين سوف نتمكن -بإذن الله تعالى- من تحقيق النصر؛ فالذين كانوا في هذا الشعب لمدة ثلاث سنوات وحصل لهم ما حصل، والذين واجهوا ما واجهوا من كفار قريش من عناد وشدة وطغيان وظلم، سادوا العالم بعد ذلك وقادوا الفتح الإسلامي في ربوع الأرض جميعًا؛ لأنهم حققوا منظومة النصر وهي الصبر والتقوى واليقين، والعلم النافع والعمل الصالح، إنها قضية الإيمان، وتعليم الناس العقيدة الصحيحة، فالله -عز وجل- هو مقدر الأقدار وهو القدير المقتدر -سبحانه وتعالى-، وهو القادر على كل شيء، وهو القوي الجبار المتين عندئذ سيكون الخير كل الخير لهذه الأمة.

اعداد: وائل رمضان




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 78.45 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 76.73 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (2.19%)]