نور البيان في مقاصد سور القرآن - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4412 - عددالزوار : 850058 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3942 - عددالزوار : 386243 )           »          الجوانب الأخلاقية في المعاملات التجارية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 63 )           »          حتّى يكون ابنك متميّزا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 59 )           »          كيف يستثمر الأبناء فراغ الصيف؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 57 )           »          غربة الدين في ممالك المادة والهوى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 69 )           »          أهمية الوقت والتخطيط في حياة الشاب المسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 64 )           »          الإسلام والغرب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 65 )           »          من أساليب تربية الأبناء: تعليمهم مراقبة الله تعالى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 55 )           »          همسة في أذن الآباء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 56 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 25-11-2020, 01:35 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي نور البيان في مقاصد سور القرآن

نور البيان في مقاصد سور القرآن


أحمد الجوهري عبد الجواد




مقدمة


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد، فهذا كتاب نبيل الغاية شريف المقصد، ويكفيه شرفًا تعلُّقه بكتاب الله المجيد، فهو تبيان لمقاصد سوره ومحصولها، وإيضاح لأهدافها وتوجهاتها.

والعلم بمقاصد السور ذو أهمية بالغة في فهم القرآن العظيم فهمًا صحيحًا، فبه نتعرف إلى هدف السورة ورسالتها، ونلمس المناسبات بين مقاطعها وآياتها، ونقف على الدروس والعبر التي تسوقها، وبفضله يتضح لنا من أبكار المعاني ما لم يكن ليظهر بدون معرفتها، ونتبين غاية إعجاز القرآن الكريم وبلاغته، ونتجنب الأخطاء الكبيرة التي وقع فيها كثير من النظّار حين عمدوا إلى قراءة الآيات منفصلة عن بعضها البعض، إلى غير ذلك من الفوائد التي يقف عليها القارئ لهذا الكتاب الجليل عمليًّا وتطبيقيًّا.

إنّ العلم بمقاصد سور القرآن الكريم يرسّخ الإيمان في القلب، ويبعث الثقة في النفس، ويقف المتأملَ على إحكام القرآن الكريم الذي بلغ الغاية وأشرف على النهاية، وذلك مما يبعث في المسلم الحرص على أن يحيط بشيء من المعرفة بهذا العلم العظيم، وفي هذا الكتاب الزاد الكافي لهذه المعرفة وتلك الإحاطة معًا.

وصاحب هذا الكتاب شيخنا الدكتور عبد البديع أبو هاشم من أصحاب الفهم الصافي، والبيان العالي، والذوق الرفيع، فقد أشرف في هذه الصفحات على سور القرآن الكريم سورة سورة، يوضح خلال ذلك الموضوعات الأساسية والأهداف الكبرى لكل منها، ويحط الرحل بالقارئ الكريم عند الإفادات والعظات المنتجة في الحياة، ويعالج بحنان ورفق أمراض الأمة مجتمعات وأسرًا وأفرادًا، يشخص الداء ويقدم الدواء، وقد غلف ذلك كله وبطنه بألفاظه العذبة وجمله الواضحة وعباراته الرائقة السهلة.

وأصل هذا الكتاب سلسلة لقاءات ألقاها فضيلة شيخنا على منبر مسجد عمر بن الخطاب بمصر، وقد كانت رؤيته رحمه الله تعالى هي توثيق صلة الأمة بالقرآن الكريم إيمانًا ويقينًا، والتعرف إليه تلاوة وسماعًا، وتفهّمه وتدبّره علمًا وأحكامًا، والعمل به صدقًا وإخلاصًا، وتحكيمه والتحاكم إليه في شؤونها جميعها أصولًا وفروعًا، ومن ثمّ حرص على تفسير القرآن العظيم في دروسه، مرة من الناحية التفصيليّة وأخرى من الناحية الإجماليّة، وكذا حرص على الإحاطة بأهداف القرآن مرة من ناحية موضوعاته، وأخرى من ناحية مقاصد سوره، وهذه الأخيرة هي التي بين يديك تنظر فيها الآن.

والكتاب -بعد ذلك كلّه- مليء بفوائد لا تجتمع إلا لذي رفقة طويلة مع القرآن، وخبرة كبيرة بتفاسيره على اختلاف أنواعها وألوانها، وإلمام عظيم بعلوم أخرى تفيد الدرس القرآني، وذلك كله قد حازه شيخنا الكريم وحصله، ثم أفرغ منه هنا كؤوسًا صافية فيها لذّة للشاربين، فدونك فانهل.
♦♦♦♦♦


عملي في الكتاب

قمت بعون الله وتوفيقه في الكتاب بالأمور التالية:
أشرفت على تفريغ التسجيلات، وراجعتها وتأكدت من سلامة النصّ المكتوب مقارنة بالنصّ الذي ألقاه شيخنا.

قدمت الكتاب بمقدمة عرفت فيها بأهميته وموضوعه وغايته وأهدافه وطريقته وأسلوبه.

عرفت في بداية الكتاب بشيخنا رحمه الله وبسيرته، ومن خلالها يتبين للقارئ الكريم مكانة شيخنا العلمية والدعوية، ومنزلته وصلته بكتاب الله وما كان يتمتع به من محاسن الذات وعليّ الصفات لتخلّقه بكتاب الله المجيد.

تم توثيق النصوص التي حكاها شيخنا، من كتب أهل العلم المختلفة، فالشيخ رحمه الله وإن كان متخصصًا في علم التفسير، فإنه كان موسوعيّ المعرفة، يضرب مع كل علم بسهم، وحرصت خلال ذلك على وضع الحديث بنصّه مشكولًا، من كتب السنّة، وإن كان الشيخ ذكره بمعناه، ضمانًا لسلامة الحديث.

تم تخريج الأحاديث الواردة في الكتاب على طريقة مختصرة مفيدة، فإن كان الحديث في الصحيحين أو أحدهما اقتصرت عليه، وإن كان في غيرهما بيّنت درجته معتمدًا على كلام أهل العلم الثقات.

حذفت المقدمة في أولّ كل سورة، والدعاء في آخرها، رعاية للاختصار، وإبعادًا للسأم والملال.

قمت بإصلاح بعض الكلمات التي بعدت عن اللسان العربي مراعاة للموقف، وذلك في حدود ضيّقة ودون إخلال بنصّ الكلام قدر الإمكان.

أعددت فهرسًا لموضوعات الكتاب.

سميت الكتاب باسم: "نور البيان في مقاصد سور القرآن"، وهو اسم كاشف عن موضوعه، معبّر عن طريقة مؤلفه، متضمن للاسم الذي أطلقه على اللقاءات التي تضمنته، وقد كان شيخنا رحمه الله ألقاها تحت اسم: "مقاصد سور القرآن الكريم".

وأنا سائل كلّ قارئ لهذا الكتاب وقف على شيء منه فحمده أن يدعو لمؤلفه ومحققه وجميع من عاون في إخراجه.
وأسأله العفو عن زللي فيه والسداد لخطأي، فإنّي خطّاء معتذر مستعتب.

هذا وأسأل الله تعالى أن يمنّ على هذا الكتاب بالقبول، وأن يفتح طريقه إلى القلوب، وأن يجعله في ميزان حسنات شيخنا غفر الله له، وأكرم منقلبه ورضي عنه وأرضاه، ومن كان سببًا في وصول كلماته إلى القراء الكرام.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وكتب
أبو حفص أحمد الجوهري عبد الجواد
♦♦♦♦♦



التعريف بالمؤلف
قطوف من حياة فضيلة الشيخ الدكتور عبد البديع أبو هاشم
إذا أردت أن أصف فضيلة شيخنا الدكتور عبد البديع أبو هاشم - رحمه الله تعالى - في جملةٍ واحدةٍ فسوف أقول:
كان - رحمه الله - شمسًا، والدعاةُ من حوله كواكبُ، إذا بدَت لم يبدُ منهنّ كوكبُ! ففضيلة الشيخ - عليه سحائب الرحمة - صاحبُ أثرٍ عظيمٍ في الدعوة إلى الله - تعالى - في القاهرة خاصّة، ومصر عامّة كتأثيرٍ مباشرٍ، وغيرها من بلدانِ العالمِ الإسلاميّ كتأثير غير مباشر؛ من خلال طلابه الدارسين لديه من أكاديميين وغيرهم.

ولئن كان المسجدُ " العُمَريُّ " - مسجدُ عمر بن الخطاب، - رضي الله عنه - الذي كان الشيخُ يؤدّي فيه خطبةَ الجمعة ودروسَ العلم وسائرَ أنشطة الدعوة - يقع من حيث المكان بحيّ العرب من منطقة عين شمس بالقاهرة، فإنّ أنوار هذا المسجد المباركة قد أضاءت جتباتِ المحروسة وشعّ الضوء من هذه الجنبات إلى حيث ينير الطريق أمام السالكين في كثير من بلدان العالم، ممن يرون في هذا الرجل العظيم قدوة طيّبة، ومثلًا أعلى يحتذى؛ فاختطُّوا لأنفسهم خطّته في البيان وارتضَوا طريقته في البلاغ؛ تلك الخطّة هي خطّة تفهيم القرآن، وتلك الطريقة هي العمل بذلك التفهيم حتى يحصّلوا الغاية من هذا الفهم وهي تخريج أجيال تؤمن بأنّ خلاصَ هذه الأمّة من مشكلاتها أجمع هو في الاستمساك بالكتاب الكريم والاهتداء بهدي النبيّ الأمين - صلى الله عليه وسلم-.

ويوم يحصل هذا فسيتمثّل هذا الدين واقعًا حيًّا في سموّ أخلاق أتباعه وكريم معاملاتهم وحسن سلوكياتهم.
كذلك كانت نشأة الشيخ الكريم - في بيئة القرآن - فتخرّج فيها مثالًا ونموذجًا يقتدى به في أخلاقه ومعاملاته وسلوكه، وكذلك رأى أن تكون نشأة الأجيال اللاحقة به؛ إذ هي الطريق الذي يراه إلى رفعة هذا الدين.

نشأ "عبد البديع" في حجر والده فضيلة الشيخ العلامة: "أبو هاشم محمد علي النوري" محفّظ القرآن الكريم، ومعلّم التجويد، ومقرئ القراءات العشر، ومفتش العلوم الشرعيّة بالمعاهد الأزهرية، وصاحب الصوت النّدي بالقرآن الكريم؛ وصاحب مكتبة عامرة بالتصانيف النافعة، فكانت بدايةً مبشّرةً تنبئ عن مستقبلٍ كريمٍ لـ" عبد البديع "، لا سيّما وقد رأى من أمامه نجمًا يتهادى، خرج هو الآخر من نفس الحجر، هو أخوه فضيلة الشيخ الدكتور محمد أبو هاشم النوري، أستاذ التفسير وعلوم القرآن بكلية أصول الدين - الزقازيق، في الجامعة الأزهريّة، وأنجمًا أخرى من هذه الأسرة الكريمة نشأت في رحاب القرآن؛ فحفظت ألفاظه وحروفه، وتعلّمت آدابه وحدوده، وتربّت على عبره ومواعظه، في " كتّاب القريّة"، وكان قيّم "الكتّاب" والدهم الكريم.

إذًا كانت نشأة "عبد البديع" - الذي ولد في يوم الاثنين 16 من جمادى الآخرة لسنة 1380 هـ الموافق 5 /12 /1960 م بقرية القرين من أعمال محافظة الشرقية - نشأة إسلاميّة قرآنية، يظلّلها أبوه "الشيخ المقرئ"، ويحوطها إخوته "القراء الحفظة" بالرعاية والعناية.

التحق "عبد البديع" بالتعليم وتدرّج في مراحله المختلفة، فحصل على الشهادة الابتدائية الأزهرية من جمعية المحافظة على القرآن الكريم، والابتدائية العامة عام 1972 م من مدرسة الجلاء بالقرين، ثم انتقل إلى مركز فاقوس ليلتحق بالمعهد الإعدادي الثانوي الأزهري، وأتمّ المرحلة الثانوية عام 1979 م، ومنّ الله عليه فكان الأول على القسم الأدبي، ثم انتقل إلى القاهرة والتحق بكلية أصول الدين جامعة الأزهر، وتخرج فيها عام ١٩٨٣م بتقدير عام " جيّد جدًّا مع مرتبة الشرف"، وهكذا قطع مراحل التعليم بتميّزٍ ملحوظٍ بين أقرانه، قاده إلى تميّزٍ مستمرٍّ في طريق الدعوة إلى الله.

ويتذكر "الشيخ عبد البديع" هذه المراحل الدراسيّة فيذكر أنّ أعظم أثرٍ طبعته في فؤاده وتركته في طباعه هو "أخلاق" معلّميه و "آداب" مربّيه، الذين رزقه الله بهم في أيّامه تلك، فمن أول الأستاذ "سيد" الذي درّسه في المرحلة الأولية، إلى الدكتور أحمد أبوالسعادات الذي درّسه في المرحلة الجامعيّة، ومَن بينهما من الشيوخ والمدرّسين، يتذكرهم "الشيخ" جميعًا، ويثني عليهم، ويستغفر لهم، ثمّ يجمل أفضل ما استفاده منهم في عبارة تستحقّ منّا غاية التأمّل؛ إذ يقول: "استفدت من أساتذتي هؤلاء الأخلاق، والآداب، والالتزام العمليّ".

فهو هنا يؤثر ذكر الجانب العملي والتطبيقي على الإفادة من الدروس العلمية النظرية؛ لأنه يرى الأولى هي الغاية المقصودة، وما الثانية إلا وسيلة إليها أو أداة.

إنّها القضية التي شغلت بال "فضيلة الشيخ" وفكره، وبذل لأجلها وقته وماله وجهده، قضية الأدب والسلوك، أن يتحوّل هذا الدين في حياة المؤمنين به إلى واقع.

لقد كان "الشيخ عبد البديع" -بحقّ- نموذجًا رائعًا للداعية الذي يقوم على دعوته حقّ قيامها؛ فهو عارف بغايته، ومحدد لأهدافه، ومدرك لقدراته، ومستوعب لوسائله وأدواته، وخبير بطريقه، ولهذا وصل - بشهادة الكثيرين- إلى تحقيق كثير جدًّا مما كان يأمله ويهدف إليه.
♦♦♦♦♦


عرفت "فضيلة الشيخ الدكتور عبد البديع أبو هاشم - رحمه الله -" بآثاره قبل أن أعاين شخصه الكريم؛ فحين وفدت إلى القاهرة للدراسة في الجامعة الأزهرية كان طلاب كليتي - كلية الدعوة والثقافة الإسلاميّة - يؤمّون المصلّين ويخطبون في المساجد الموجودة في محيط الجامعة، وكنت أفعل الأمر ذاته بأحد هذه المساجد، فرأيت من روّاده حرصًا دائمًا على حضور درس "الشيخ عبد البديع أبو هاشم" يوم الثلاثاء من كلّ أسبوع، ثمّ في رمضان، لا سيّما الاعتكاف، ورأيت فيهم حبًّا للشيخ - رحمه الله تعالى -، جعل ذكره بالخير على ألسنتهم كلّ ساعة وفي كلّ موقف، مما كان له الأثر الكبير في دفعي إلى زيارة الشيخ - رحمه الله -، والصلاة وراءه، والجلوس في درسه، لأرى - أنا - بعد ذلك أنّ ما يقوله هؤلاء الإخوة عن الشيخ وجهوده العظيمة في الدعوة دون واقع الشيخ بكثير، مهما بالغوا في أقوالهم وأوصافهم.

تنبئك بذلك نظرة إلى آثار الشيخ التي أسّسها وأقامها وشيّدها، في المسجد والمعهد والمكتبة والدورات... الخ المناشط الدعويّة التي لا تخطئها العين هناك، إضافةً إلى الأمور الاعتياديّة من الإمامة والخطب والدروس والفتاوى والمجلّة... الخ أعمال هذا المسجد المبارك الذى علا شأنه وارتفع، وكثرت خدماته في طريق الدعوة والهداية.

لقد رأيت رجلًا الدعوة عنده تعني الحياة، و -بشهادة أحد خواصّه، يقول: - "ربّما قصر في راحته وصحته ﻷجل الدعوة في سبيل الله عز وجل.. - ثم يقول: - فما رأيت محبًّا للدعوة مثله، حتى أذكر أنه خرج يومًا من مستشفى "المقاولون العرب" إلى أحد معاهد إعداد الدعاة قبل مروره على البيت، ناهيك أنه كان يقطع البلاد والمحافظات تلبية لدعوة درسٍ هنا أو محاضرة هناك، وكان قول الله جل وعلا: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ ﴾ [فصلت: 33] آية تمثل له أمرًا، فكنت تسمعه في قراءتها أو في تفسيرها فتشعر وكأنه يتذوقها تذوقًا غير عادي، حتى وصل به اﻷمر إلى أن كان الموت في ميدان الدعوة مطلبًا عنده وغاية يسعى لتحقيقها، رأيت ذلك بعيني في أكثر من موضع وموطن، ولله الحمد والمنّة أن وفقه الله إليها؛ مما يدل على صدقه في طلبها".

وقد بارك الله للشيخ في أعماله الكثيرة، وحفظ الجهد الذي بذله - رحمة الله عليه – بجند ٍ كرامٍ من إخوانه وطلابه الذين عاونوه عليها في حياته وقاموا عليها بعد مماته.
♦♦♦♦♦


لقد سعى "الشيخ عبد البديع أبو هاشم – رحمه الله -" على مدار ربع قرن أو يزيد بالدعوة إلى الله سعيًا حثيثًا؛ لنشر دين الله وإعلاء كلمته وبثّ الدعوة في الإخوة والعامة على سواء، وبذل في سبيل ذلك تضحيّات لا يقدرها أحد قدرها، من مال ووقت وجهد وغيره، وقد نتصوّر بعض هذا السعي إذا علمنا أن الشيخ – رحمه الله – لما توفّي قام بأعماله الدعويّة في المسجد والمعهد التابع له (9) من أفاضل العلماء، فضلا عمن يقوم مقامه من المديرين فيما كان هو يتولّى إدارته!

لقد تركت – يا شيخنا - فراغًا كبيرًا يتعاون هؤلاء جميعًا على سدّه والقيام مكانكم فيه، ولئن استطاعوا، فمن يسدّ فراغ القلوب التي تشتاق رؤيتك، وتُجتَذب كل لحظة توقًا إلى صحبتك؟!
يا رفيقَ الصِّـبا أين عهدٌ مضى؟
أين ما كان من وصْلِنا والهوى؟
ربّ ليَـلٍ على حُلْكِه قد غشى
قد دعَـونا به وأطلْنا الدُّعـا
وبكَـينا به ثم زدنـا البُكـا
وسكَـبنا معًا أدمعًا في الدجـى
ونهـارٍ على طـوله والظـما
قد صَـبرنا له ورجَـونا الجَـزا
وحفظـنا معًا سـورة الأنبيـا
وسهِـرنا على سُـنّة المصطفى
في صحيح البخـاري قلبًا وعى
وعلِمنا الهُـدى ودعَينا الـورى
وندمنا على لهـوِ عُمـرٍ مضى
يا رفيقَ الصبا كنت نعم الفتى !
كنت نبعًا صـفا ومعينًا روى
يا رفيقَ الصّبا كنتَ نعمَ الفتى !
كنتَ مرعى الهوى وملاذَ المُنىَ
ثم ضـاق الفضا حين حَقّ القضا
وهكذا من الرجال من هو فرد بأمة، ولا نزكيه على الله، نحسبه كذلك والله حسيبه، فرحمك الله ! يا من أتعبت بعدك - في بلوغ شأوك وبذل مثل جهدك - كلّ الدعاة.
♦♦♦♦♦
يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 25-11-2020, 01:36 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي رد: نور البيان في مقاصد سور القرآن

لقد كان أفضل ميزات فضيلة شيخنا أبو محمد عبد البديع أبو هاشم - رحمه الله تعالى -"بساطته"؛ فهو متواضع في مقاله، متواضع في حاله، متواضع في مطالبه، متواضع في سائر أموره.

فهو حين يتحدّث يُؤثِر استعمالَ أقرب ألفاظ اللغة العربية الفصحى، في خطبه ومحاضراته ودروسه؛ المسموعة منها والمرئيّة، حتى حين يفسّر القرآن الكريم؛ يتحدّث بأسلوب سهلٍ عذبٍ واضحٍ قريبٍ.

وهو حين يتعامل مع النّاس يفضّل المرونة وعدم الكلفة، ولا يستحضر مناصبه ولا درجاته، ولا يستعمل جاهه ولا صيته، يشهد بذلك الذين جاوروه فضلا عن جميع من عرفوه، ولهذا من رأى حال الناس في محبّته تعجّب، حتى إنّ بعضهم - بعد وفاته - لم يستطع دخول المسجد بعد غياب شيخهم عنه إلى شهور من رحيله.

وهو متواضع في مطالبه؛ ولك - عزيزي القارئ - أن تعلم بكثرة العروض التي جاءته إعارة إلى بلدان عربيّة وغيرها، وهي عروض مغرية يؤمّلها الكثيرون ويرجون من ورائها الغنى والثراء، فرفضها "فضيلة الشيخ" جميعها، واختار أن يبقى لدعوته وأسرته؛ إذ كان يرى في استمرار الدعوة وتماسك الأسرة فريضةً لا يسعه التفريط فيها، وقد قام الشيخ عليهما حق القيام، فكانت دعوته مستمرّة صاعدة تشقُّ طريقها بين الصخور وتتغلّب على العقبات – معتادةٍ وغير معتادةٍ، طبيعيةٍ وغير طبيعيةٍ-.

وكذلك استمرّ في أسرته يحوط أفرادها - بنين وبنات - بالرعاية والعناية، يربيهم على أدب القرآن الكريم وأخلاق النبي العظيم - صلى الله عليه وسلم - فكان نتاج ذلك ترابط أسريّ وتعامل إسلاميّ وسلوكٌ نبويّ في أخلاقٍ شهد لهم بها القريب والبعيد.

إنّ مظاهر الحياة التي أغرت كثيرين، أو أجبرتهم على ما لا يريدون، أو اضطر إليها غير الشيخ لأسباب قاهرة قد عافى الله الشيخَ منها، ولقد كان ذلك لبساطته المعهودة في حياته وتواضع مطالبه، حتى إنه تعامل بها مع أصهاره، فاكتفى بمقالة الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "إذا جاءكم من ترضَون دينه وخلقه فزوّجوه.. "[1]، دون تطلّع منه إلى زينةٍ أو متاعٍ.

وهكذا كان الشيخ - رحمه الله - زاهدًا حقيقيّا في الحياة الدنيا، ولا يرجو إلا الله والدارَ الآخرة جزاء من الله.
رحم الله الشيخ وجعل مثواه الفردوس.
♦♦♦♦♦


كان "الشيخ عبد البديع - رحمه الله - " صاحبَ وجهٍ مُنيرٍ، وفكْرٍ هادئٍ، وسلوكٍ قويمٍ، ومعشَرٍ طيّبٍ، ولسانٍ عفٍّ، وأدبٍ جمٍّ.
ولكم حدثت صولات وجولات - في المنطقة التي يقيم فيها الشيخ وما حولها، بل في القاهرة كلها- تولّى كبرَها بعضُ الدعاة والشيوخ، فأثارت فتنةً بل فتنًا، وعمّ بسببها البلاء، ووقعت من جرّائها الفرقة بين صفوف الإخوة، وتعطّلت لأجلها الدّعوة في المساجد، وصار الملتزمون إلى الحكايات، وتحوّلوا من العمل الجادّ إلى نقل القيل والقال والحكم على الأشخاص والجمعيّات والهيئات... إلى آخر هذه الأمراض التي تنتج عن: "التفرّغ للنظر في أعمال العاملين وتتبّع سقطات العلماء وكبوات الفرسان"، فأين كان الشيخ عبد البديع - رحمه الله تعالى - من هذه الأمور التي استغرقت (10) سنوات أو تزيد؟!

يجيب "الشاغلون": كان فضيلة الشيخ عبد البديع أبو هاشم - رحمه الله - أعقل النّاس وأفطنهم في هذه المسألة؛ فلم تشغله عن واجبه، ولم تغيّره عن خطّته، ولم تحرفه عن وجهته، فاستمرّ على عمله في التدريس والتعليم، والتربية والتأديب، يمضي إلى غايته، فلما انقشعت السحابة، وأدبرت الفتنة، وولّت كان "عبد البديع أبو هاشم" يحرز أهدافَه في العمل لدين الله، حين راوح الجميع في أماكنهم، "الشاغلون" و"المشغولون بهم" على سواء، ومنهم من أخلى مكانه في الدعوة إلى الأبد، نسأل الله أن يردّهم إلى ساحة الدعوة وعمل الخير ردًّا جميلًا.

ولم يعدِم الرجلُ العالم - في هذه الأثناء - أن ينصحَ لإخوانه الدعاة بكلماتٍ يسيرةٍ تحمل عفّةَ نفسه وأدبَ شخصه في غير تشنيعٍ أو تقريع، فلمّا لم يُسمع لقوله تحوّل إلى مدعوّيه من إخوانه وطلابه يجمعهم على فقه الكتاب العظيم وتدبّره، ويزكّي به أرواحهم وسلوكهم، وكان ركنًا آوى إليه – في ذلك الوقت - مَن كتب الله لهم النّجاة.
وإنّ في ذلك لذكرى تتجدّد فيها العظة لليوم والغد.
♦♦♦♦♦


عمل "الشيخ عبد البديع أبو هاشم" أوّل أمره مدرّسًا للغة العربية والدين بمدرسة عبد الله الشرقاوي بالقرين - شرقيّة، لمدة سنة، جاءه بعدها (1985م) التكليف من جامعة الأزهر بالعمل معيدًا في الكليّة التي تخرّج فيها "أصول الدين - القاهرة - " وحيث سلك هذا الخطّ في التدريس الجامعيّ فقد أقبل على عدّته الجامعيّة يستكملها؛ ففي عام (1986م) انتهى من الدراسات العليا - تمهيدي الماجستير- بقسم التفسير وعلوم القرآن. وفي عام (1987م) سجّل موضوعه لرسالة التخصص - الماجستير- بعنوان "الاتباع في ميزان القرآن" وحصل على درجة الماجستير عام (1989م) بتقدير امتياز.

كما حصل على درجة العالمية - الدكتوراه - عام (1993م) عن رسالته القيّمة: "أقوال أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه - في التفسير - جمع ودراسة"، بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف؛ ليصير مدرّسًا بالكليّة، فأستاذًا مساعدًا، ثم أستاذًا.

ولم تغيّر الأستاذية الجامعية "عبد البديع أبو هاشم" أبدًا، لا في اهتمامه بالدعوة وبذله لها وتضحياته في سبيلها، ولا في بساطته وتواضعه لخلق الله أجمع!
بل بقي يبذل للنّاس نداه ووقته وعلمَه، في تواضعٍ جمّ وأدبٍ رفيع.
♦♦♦♦♦


كانت دعوة الشيخ - رحمه الله تعالى - ذات مساحة عريضة جدًّا في اهتماماتها ومجالاتها، ولئن اختار الشيخ أن يكون مقرّها مسجد منطقته التي بها يقيم ويسكن، إلا أنه لم يكن يتأخر عن السفر والرحلة في الدعوة إلى محافظات مصر المختلفة، وكان يستخدم في الدعوة أيضًا وسائل عرفته الجماهير العريضة من خلالها؛ فقد شارك في العمل الإذاعي من خلال بعض برامج إذاعة القرآن الكريم، وفي العمل الصحفي ببعض المقالات الصحفية، كما شارك في بعض الحلقات التليفزيونية والقنوات الفضائية التي سجّل من خلالها حلقات برامجه الرائعة: "وقفة مع آية"، و "هنا نزلت" وغيرها، إلى جانب مشاركاته في "فتاوى النّاس".

ولا تزال أعمال الشيخ الدعويّة المتميّزة نبراسًا يضيء الطريقَ أمام الدعاة وطلاب العلم، في رحاب القرآن الكريم والسنة النبوية كـ "سلسلة مقاصد سور القرآن الكريم"، و "سلسلة التفسير المجمل"، و " سلسلة أضواء البيان "، و " سلسلة قصص قرآنية "، و " سلسلة آيات وأحاديث "، " سلسلة بناء الفرد المسلم " إلى آخر الأعمال الصوتية والمرئية في الخطب العامة.. في الفقه والعقيدة وهموم الأمة ومعايشة الواقع، وغيرها، وهي معروفة متوفّرة.

وللشيخ - نوّر الله ضريحه - مصحفٌ مرتلٌ، وهو موجودٌ في موقع طريق الإسلام وموقعه الخاص وأماكن أخرى من الشبكة العالمية، وقد رزق جمال الصوت في التلاوة مع ما منّ الله به عليه من علمٍ زاده تدبُّرًا لما يقرأ.
♦♦♦♦♦


عرفت المكتبةُ الإسلاميّةُ " الشيخَ الدكتورَ عبد البديع أبو هاشم - رحمه الله- " كاتبًا وباحثًا متميّزًا من خلال مؤلفاته: " مبادئ علوم القرآن "، و " سحر البيان في أسلوب القرآن "، و " تفسير سورة الممتحنة تحليليًّا "، و " إمتاع الجنان بعلوم القرآن "، و " من آداب الأسرة والمجتمع في القرآن الكريم من خلال سورتي النور والتحريم "، و " تفسير سورة النازعات تحليليًّا ".

وهناك كثير من أعمال الشيخ الدعويّة يصلح للجمع والنشر لو يقوم عليها بعض محبي الشيخ وطلابه، أو الغيورين على الدين، فيخرجها للناس لم يكن عملا قليلا عند الله ومحبي الشيخ وخدمة الدعوة.

و الشيخ وجهوده في مجال الدعوة بعامّة يصلح - بجدارة - أن يكون موضع دراسة أحد الباحثين في رسالة التخصص أو العالمية، يسّر الله لهذا الموضوع من يتبنّاه ليفيد من تجربته أجيال الدعوة عامّة وأهل التفسير خاصّة.

كانت للشيخ - رحمه الله - عناية بعامّة العلوم يدرّسها ويشرحها وييسّرها، ولعلّ سلسلة الكتب التى عزم على إخراجها لعامّة القرّاء عن "مبادئ العلوم"، خير دليل على ذلك؛ إذ أراد بها تسهيل تناول العلوم الإسلامية على عموم القراء، وتقريب الثقافة الإسلامية والعلوم الشرعيّة المتخصّصة إلى غير المتخصصين.

وقد أنفذ الشيخ من هذه السلسلة إلى المكتبة: كتابه الأول منها: "مبادئ علوم القرآن"، وكان انتهى من كتابين آخرين فيها، هما: "مبادئ علوم الحديث"، و "مبادئ علم التجويد"، ولعلهما لحقا بأخيهما.
♦♦♦♦♦


لقد كان لتخصّص "فضيلة الشيخ الدكتور - رحمه الله - " في التفسير - أكاديميًّا- أثرًا طبع مشاركاته الدعويّة بطابع القرآن في كل مناسبة وآن؛ في خطبه ودروسه ودوراته ومحاضراته وحلقاته الإذاعيّة والفضائية.
فالشيخ يتناول "مقاصد القرآن الكريم" على المنبر؛ سورةً سورةً، من أوله إلى آخره.

ويتناول التفسير الموضوعيّ للقرآن الكريم في "سلسلة التفسير المجمل" دروسًا؛ ليعرّف مستمعيه بما يحويه كلّ جزء من أجزاء القرآن الكريم يتلوه في صلاة التراويح في رمضان.

ويقف في برنامج "تلفازيّ" مع آيات هي من جوامع الكلم في القرآن الكريم، يهدف من ورائها إلى ترسيخ مفهوم أو تصحيح تصوّر أو بناء سلوك، في سلسلته: "وقفة مع آية".

ويقرّب علمَ أسباب النزول إلى النّاس ليعيشوا أحوال الصحابة وقت نزول القرآن الكريم ويتعرّفوا على العصر والظرف الذي نزل فيه، من خلال برنامجه: "هنا نزلت".

ويقدّم القرآن للنّاس علاجًا ربّانيًّا وشفاءً إلهيًا من خلال خطبه: " سلسلة الاستشفاء بالقرآن ".
وهكذا ارتبط الشيخ بالقرآن فأفنى – رحمه الله - عمره كلّه في خدمة كتاب الله تعليمًا وتفهيمًا وتربيةً للنّاس عليه، وكان مثالًا للدأب في ذلك، والحرص عليه بكلّ ما آتاه الله من قوّة، فكان لذلك عظيم الأثر في توثيق صلة المستمعين إليه - وهم كثر- بالقرآن الكريم حفظًا وتدبّرًا، مع الإشارة إلى كافّة العلوم من خلال إشارات القرآن الكريم المحيطة بكلّ شيء ﴿ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ﴾ [الأنعام: 38]، وكان في ذلك مفسِّرًا على طراز الأوّلين، ولا غرو فقد كان أوّل تفسير وقع له وأفاد منه في قراءته الأولية ثم في خطبه وكلماته الأولى هو " تفسير الحافظ ابن كثير"، مع ربطه مشكلات العصر بحلول القرآن، وتوقيع النصوص على الأحوال، مع تقريب للأفهام وضرب للأمثال، في منهجٍ سلفيٍّ وأسلوبٍ عصريٍّ، كان له عظيم الأثر في سامعيه، وترك بصمته فيهم.

فاللهم احشره مع الصديقين والنبيين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا، واجعله من أهلك وخاصّتك.
♦♦♦♦♦


كان "فضيلة الشيخ الدكتور" ذا مواهب متعدّدة، ومما لا يعرفه عنه كثيرون أنه ذا تجربة في الشعر، أحبه، وأنشده، وحاول قرضه، لكن على طريقة العلماء، وقد قرأت له قصيدة تفيض رقةً ولهفة إلى والديه الذين سافرا وتركاه، قالها إثر سفر والده - معارًا إلى الملكة العربية السعودية - ومعه والدته، وكان ذلك في حقبة السبعينات وللشيخ وقتئذٍ (18) سنةً فقط، وكان في الصف الثالث الثانوي، فشعر الشيخ - رحمه الله - بالوحدة وهو الذي تعوّد على الأنس بهم طوالَ حياته، لا سيّما وقد كان جميع إخوته متزوّجين إلا هو لصغر سنّه كما أسلفت، فأنشد قائلًا:
ولّيتَ مدبرًا وتركتني وحيداً
أعاني من وحدتي ما أعاني

أعيش في وجودي فريدًا
ﻻ أنيس ولا حبيب يلقاني


إلخ القصيدة، وهي كما قلت: من محاولات البداية وأيام الشباب، ولا أدري إذا كان للشيخ – رحمه الله- محاولات وقصائد أخرى أم لا؟! لا أدري.
♦♦♦♦♦


هكذا عاش فضيلة شيخنا الدكتور عبد البديع أبو هاشم – رحمه الله تعالى- مع الدعوة ولها، في رحاب القرآن الكريم وبه، فأفنى فيهما وبهما حياته، وكما قيل - بحقّ -: " من عاش على شيء مات عليه "، "مصادر الحياة - أي ما يصدره الإنسان طوال حياته- هي موارد الوفاة"، فكانت موتة الشيخ مع الدعوة كما عاش حياته مع الدعوة، ففي يوم الجمعة 26 جمادى الأولى لعام 1432 هـ الموافق 29 /4 /2011 م خطب الشيخ المفوّه الجمعةَ في مسجد من مساجد الدعوة بمحافظة "بور سعيد" ودخل في غيبوبة نقل على إثرها إلى المستشفى، ولم يفق من غيبوبته إلى الجمعة التي بعدها، وفيها توفي - رحمه الله - وكان ذلك يوم الجمعة 3 من جمادى الآخرة لعام 1432 هـ الموافق 6 /5 /2011.

ليرحل قمر من أقمار الدعوة وداعية من أهل السنّة تبكيه المنابر وروّادها، وتسأل الله فيه العِوَض، رحمه الله تعالى رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته، فلله درّه من مبارك؛ كم كان رحيمًا، وكم كان عطوفًا، وكم كان خلوقًا، وكم كان وفيًا، صاحب حال مع ربه؛ كما يشهد به المقرّبون، مجاب الدعاء عن قريب؛ حتى إنه ليصرّح بذلك لبعض خاصته – ابنه الشيخ محمد- فيقول: "ما تمنيت شيئًا على الله تعالى إلا وقد حققه لي، وأخشى أن تكون هذه طيباتي عجلت لي في حياتي الدنيا"، وكم كان رفيقًا بطلابه، حتى إنّه ليسافر إلى بعضهم في بلده أو قريبًا منها حتى لا يشق عليه، وذلك أثناء متابعة الطالب لرسالة الماجستير، أو الدكتوراه، ومن دلائل ذلك - وكفى به من دليل:- جنازته فقد كانت عزّة لدين الله، وفخرًا للدعوة، ونصرة للخير، وتتويجًا لمشواره الطويل المبارك في سبيل الله.
أودعكم بدمعات العيون
أودعكم وأنتم لي عيوني

أودعكم وفي قلبي لهيب
تجود به من الشوق شجوني

أراكم ذاهبين ولن تعودوا
أكاد أصيح إخواني خذوني

فلست أطيق عيشًا لا تراكم
به عيني وقد فارقتموني

ألا يا إخوةً في الله كنتم
على المأساة خير معين

وكنتم في طريق الشوك وردًا
يفوح شذاه عطرًا من غصون

إذا لم نلتقي في الأرض يومًا
وفرّق بيننا كأس المنون

فموعدنا غدًا في دار خلد
به يحى الحنون مع الحنونِ


اللهم اجعل قبر شيخنا عبدالبديع أبو هاشم روضة من رياض الجنة، ومدّ له في قبره مدًّا، ومتّعه بالنظر إلى وجهك الكريم أبدًا.
فيا ربي رفعتُ يدي
وكلي خاضعٌ لكمُ

ألا أدخله دارَ رضا
كَ، في الفردوس ينتظمُ



[1] رواه الترمذي (1085)، وابن ماجه (1967) وحسنه الألباني.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 99.40 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 97.00 كيلو بايت... تم توفير 2.39 كيلو بايت...بمعدل (2.41%)]