تقويم اللسانين - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         واتس اب بلس الذهبي (اخر مشاركة : whatsapp Girl - عددالردود : 2 - عددالزوار : 2638 )           »          الأمثال في القرآن ...فى ايام وليالى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 654 )           »          فقه الصيام - من كتاب المغنى-لابن قدامة المقدسى يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 923 )           »          دروس شَهْر رَمضان (ثلاثون درسا)---- تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 1087 )           »          أسرتي الرمضانية .. كيف أرعاها ؟.....تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 849 )           »          صحتك فى شهر رمضان ...........يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 834 )           »          اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي ____ يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 914 )           »          فتاوى رمضانية ***متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 564 - عددالزوار : 92789 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 11935 - عددالزوار : 190995 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 114 - عددالزوار : 56912 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها > ملتقى الإملاء

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16-02-2021, 04:21 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,607
الدولة : Egypt
افتراضي تقويم اللسانين

تقويم اللسانين (1)

د. محمد تقي الدين الهلالي

المراد باللسانين - اللسان والقلم، فإن العرب تقول: القلم أحد اللسانين. والمقصود هنا إصلاح الأخطاء التي تفاقم أمرها في هذا الزمان حتى أصبحت مألوفة عند أكثر الخاصة بَلْهَ العوام، فشوهت وجه اللسان العربي المبين، ورنقت صفو زلاله المعين، مما يسوء كل طالب علم، يحرص على حفظ لغة القرآن، وصيانتها من الإفساد والتشويه، والعبارات الجافية التي تشين جمالها، وتذهب ببهائها.

ولم يزل علماء اللغة معتنين بهذا الموضوع، باذلين جهدهم في تنظيف الإنشاء العربي من الألفاظ الدخيلة، والتعابير الثقيلة.

وقد ألف في ذلك الإمام أبو محمد القاسم بن علي الحريري كتاباً نفيساً سماهدرة الغواص في أوهام الخواص) وهو مطبوع متداول. وألف الشهاب الخفاجي كتاب (شفاء العليل في العامي والمولَّد والدخيل). وألف الشيخ إبراهيم اليازجي الناقد البصير كتاباً سماهلغة الجرائد) وألف الأديب أسعد داغر في ذلك كتاباً سماه (تذكرة الكاتب).

وقد بدا لي أن أكتب مقالات في هذا الموضوع، أداء لواجب لغة الضاد، وصوناً لجمالها من الفساد، راجياً أن ينفع الله بما أكتبه تلامذتي في الشرق والمغرب وفي أوربا، وأنا على يقين أنهم يتلقون ما أكتبه بشوق وارتياح. وكذلك رفقائي الكُتَّاب المحافظون سيستحسنون ذلك. أما الكُتَّاب الذين يكرهون التحقيق ويرخون العنان لأقلامهم بدون تبصر ولا تمييز، بين غث وسمين، وكدر ومعين، فإنهم سيستثقلون هذا الانتقاد، وقد يعدونه تكلفاً وتنطعاً، وتقييداً للحرية – بزعمهم – فلهؤلاء أقول: إني لم أكتب لكم، فما عليكم إلا أن تمروا على ما أكتب مرور الكرام، وتدعوه لغيركم الذين يقدرونه حق قدره، وهذا أوان الشروع في المقصود، وبالله أستعين، فهو نعم الناصر ونعم المعين.

1- الكاف الدخيلة الاستعمارية:
أما تسميتها دخيلة فلا إشكال فيه، لأنها لا توجد في الإنشاء العربي الذي قبل هذا الزمان. وأما تسميتها استعمارية، فلأنها دخلت في الإنشاء العربي مع دخول الاستعمار البلدان العربية، فإن جهلة المترجمين تحيروا في ترجمة كلمة تجيء في هذه اللغات قبل الحال، وهي في الإنكليزية (AS.) وفي الفرنسية (Comme) وفي الألمانية (ALS) مثال ذلك: فلان كوزير لا ينبغي له أن يتعاطى التجارة. وفلان يشتغل في الجامعة كمحاضر، وفلان مشهور ككاتب.

وهذا الاستعمال دخيل لا تعرفه العرب، ولا يستسيغه ذوق سليم، وليس له في قواعد اللغة العربية موضع، ودونك البيان. قال ابن مالك:
شبه بكاف وبها التعليل قد
يعني وزائداً لتوكيد ورد


(واستعمل اسما).

تأتي الكاف في كلام العرب لأربعة أمور:
1- التشبيه كقول المتنبي في ممدوحه:
كالبحر يقذف للقريب جواهر
جوداً، ويبعث للبعيد سحائباَ

كالشمس في كبد السماء وضوئها
يغشى البلاد مشارقاً ومغارباَ



وأركان التشبيه أربعة - المشبه - والمشبه به، وأداة التشبيه - ووجه الشبه. فالمشبه في البيتين المذكورين هو الممدوح، والمشبه به، الشمس والبحر، وأداة التشبيه، الكاف، ووجه الشبه، حصول النفع للقريب والبعيد. فالشمس على فرط بعدها من الأرض، ينتفع أهل الأرض بضوئها ودفئها، وإنضاجها للثمار إلى غير ذلك، فكذلك الممدوح يصل إحسانه إلى من كان بعيداً منه، ولا يقتصر على من كان قريباً منه.

والمشبه في البيت الأول هو الممدوح، والمشبه به هو البحر، وأداة التشبيه هي الكاف، ووجه الشبه، وصول الإحسان إلى القريب والبعيد. فالقريب يستخرج الجواهر من البحر، والبعيد ينتفع بمطر السحائب الناشئة من البحر، فكذلك الممدوح يعطي – من كان حاضراً عنده – الجوائز والصلات، ويبعث بها إلى من كان بعيداً عنه.

وبهذا تعلم أن (الكاف) الاستعمارية لا يجوز أن تكون للتشبيه البتة لعدم وجود أركانه.
2- هو التعليل: تجيء الكاف للتعليل، كقوله تعالى ﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ، وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ، وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ ﴾[سورة البقرة: 198]. أي واذكروا الله، لأنه هداكم.

3- أن تكون زائدة إذا دخلت على كلمة بمعناها، وجعل منه قوله تعالى ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [سورة الشورى: 11] فإن قلت: إن كانت زائدة لا فائدة في ذكرها، فلماذا جاءت في القرآن؟ فالجواب، أن فائدتها التوكيد، وإنما سميت زائدة، لأن الكلام يتم بدونها، كما تزاد (من) للتوكيد كقوله تعالى في ﴿ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ ﴾[سورة المائدة: 19]: فمن: هنا زيدت لتوكيد النفي، ولو حذفت لكان الكلام تاماً.

4- أن تكون اسما بمعنى مثل، كقول الشاعر:
أتنتهون ولن ينهى ذوي شطط
كالطعن يذهب فيه الزيت والفتل



الاستفهام هنا إنكاري. يقول الشاعر لأعدائه: كيف تنتهون عن ظلمكم وبغيكم، ولن ينهي ذوي الظلم شيء مثل الطعن المبيد، المهلك الذي لا يترك لهم شيئاً، لا أنفساً ولا أموالاً، فإن ذهاب الزيت والفتيلة كناية عن الهلاك التام، وهذا ينبغي أن يقال للمستعمرين، إذا كانت الرماح التي يطعن بها حاضرة، وهي في هذا الزمان القنابل المحرقة التي لا تبقي ولا تذر. فهذه معاني الكاف عند العرب، وما سواها شاذ لم يجيء في الكلام البليغ.


وإنما وقع جهلة المترجمين في هذا الاستعمال الفاسد لضعفهم في اللغتين أو إحداهما، فلا يستطيعون إدراك معنى الجملة مجتمعة ليصوغوا في اللغة الأخرى جملة تؤدي المعنى المطلوب بألفاظ جيدة الاستعمال، واقعة في مواضعها التي يقتضيها النظم الفصيح. وهذا العجز هو الذي يلجئهم إلى أن يبدلوا كل مفرد في إحدى اللغتين بمفرد آخر في اللغة الأخرى، فيجيء التركيب فاسداً معوجاً، لا تستسيغه أذواق الفصحاء في اللغة التي ينقل إليها المعنى: وستأتي في هذه المقالات، إن شاء الله، أمثلة عديدة توضح ذلك.

وليس المترجمون العرب وحدهم هم الذين يقعون في أخطاء الترجمة، بل يقع فيها كبار العلماء الأوربيين.وقد أحصيت الأخطاء الموجودة في ترجمة (جورج سيل) للقرآن الكريم بالإنكليزية، فوجدت في الجزء الأول وحده، وهو حزبان بتجزئة المغاربة ستين خطأ. و(جورج سيل) مستشرق انكليزي كبير، وقد تبعه من بعده من المترجمين في أخطائه، حتى الأستاذ محمد (مار ماديوك بكثال) المسلم الإنجليزي، رحمه الله، تبعه في أول خطأ كبير ارتكبه وقد ناظرته في ذلك مناظرة طويلة حتى اقتنع ورجع عن خطئه، وكان ذلك في ترجمة قوله تعالى في «﴿ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾»[سورة البقرة 13]. فإنهما ترجماها بما معناه (أليسوا سفهاء؟) وسبب وقوعهما في هذا الخطأ عدم التمييز بين (ألا) الاستفتاحية البسيطة، و(ألا) المركبة من همزة الاستفهام ولا النافية فإن (ألا) في قوله تعالى ﴿ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ ﴾ استفتاحية خالية من النفي، يجب أن تترجم بلفظ إنكليزي يدل على التوكيد. ومثال المركبة الذي أوردته على الأستاذ الانكليزي المذكور فاقتنع بوجود الفرق بين الكلمتين قوله تعالى ﴿ لَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [سورة الملك: 14]:
وليس كل الكُتَّاب البلغاء في العصر الحاضر، يتورطون في استعمال الكاف الاستعمارية، فإن فيهم طائفة من عليتهم، لا تشين إنشاءها بذلك الاستعمال.

2- فترة:
شاع استعمال الفترة في هذا الزمان في وقت العمل فيقولون: فترة الصباح، وفترة الظهيرة، وفترة المساء، يريدون بذلك زمان العمل. قال البيضاوي في قوله تعالى ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ ﴾ [سورة المائدة: 19 ] أي جاءكم على حين فتور من الإرسال وانقطاع من الوحي.اهـ

قال ابن منظور في لسان العربي: والفترة: ما بين كل نبيين. وفي الصحاح: ما بين كل رسولين من رسل الله عز وجل من الزمان الذي انقطعت فيه الرسالة. وفي الحديث: فترة مابين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام. اهـ

ومن ذلك تعلم أن الفترة ليست وقت العمل، بل هي ما بين عملين: فالوقت الذي لا يكون فيه عمل، هو الذي يجب أن يسمى فترة، وقد عكسه عامة الكتاب والمذيعين. ومن سوء الحظ أن أكثر الناس في هذا الزمان لا يتعلمون الإنشاء في مدارس اللغة العربية ولا في كتب اللغة العربية، وإنما يتلقونه من الإذاعات والصحف، فكل خطأ يشيع في هذين المصدرين، تنطلق به الألسنة والأقلام بدون تفكير ولا تمييز، وربما استعمله بعض كبار الأساتذة الذين يرجى منهم المحافظة على صحة الاستعمال، وجمال اللغة العربية، وتنقيتها من المولد والدخيل الذي لا حاجة إليه.

3- الخلق:
كثر استعمال الخلق في هذا الزمان بمعنى الإنشاء أو الإيجاد. يقال مثلا: يجب علينا أن نسعى لخلق نهضة ثقافية وهو استعمال فاسد، جاء من جهله المترجمين لكلمة في اللغات الأوربية مشتركة، تستعمل في إنشاء الله تعالى المخلوقات وإيجادها على غير مثال سابق، وتستعمل في تلك اللغات أيضا في معنى الإنشاء المطلق.

أما في اللغة العربية فإن الخلق بمعنى الإيجاد والإنشاء خاص بالله تعالى.ومن أسمائه سبحانه:الخالق والخلاق قال تعالى ﴿ أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [سوره النحل 17] وقال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ * وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ ﴾[سوره النحل: 19-20 ]. وقال تعالى: ﴿ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴾ [سورة الرعد: 16].

أما في هذا الزمان الذي اختلت فيه الموازين والمقاييس وصار الناس فوضى في الإنشاء العربي، فلم يبق الخلق خاصاً بالله تعالى، بل صار الناس كلهم خالقين وخلاقين.

قال في لسان العرب: خلق: الله تعالى، وتقدس الخالق والخلاق: وفي التنزيل: ﴿ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ ﴾ [سورة الحشر: 24], وفيه: ﴿ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ ﴾ [يس: 81]: وإنما قدم أول وهلة، لأنه من أسماء الله تعالى:

الأزهري: ومن صفات الله تعالى الخالق والخلاق.ولا تجوز هذه الصفة بالألف واللام لغير الله، عز وجل وهو الذي أوجد الأشياء جميعها، بعد أن لم تكن موجودة: وأصل الخلق التقدير، فهو باعتبار تقدير ما منه وجودها بالاعتبار للإيجاد على وفق التقدير:خالق:
والخلق في كلام العرب: ابتداع الشيء على مثال لم يسبق إليه.وكل شي خلقه الله فهو مبتدئه على غير مثال سبق إليه: ﴿ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأعراف: 54] اهـ:
ويطلق الخلق أيضا على التقدير قال في اللسان: وخلق الأديم يخلقه خلقا، قدره لما يريد قبل القطع، وقاسه ليقطع منه مزاد أو قربة أو خفا. قال زهير يمدح رجلا.
ولأنت تفري ما خلقت وبع
ض القوم يخلق ثم لا يفري



يقول: أنت إذا قدرت أمرا قطعته وأمضيته، وغيرك يقدر مالا يقطعه لأنه ليس بماضي العزم، وأنت مضاء على ما عزمت عليه. اهـ


أقول: وقد رأيت أهل البادية في الصحراء يدبغون جلد البعير ويقطعونه نعالا، فكلما احتاج أحدهم إلى نعلين يضع قدمه اليمنى على قطعة كبيرة من الجلد المذكور، فيأتي الشخص الذي يقطع النعلين ويخط خطا إلى جانب القدم دائراً بها، وذلك هو الخلق ثم يقطع النعل على ذلك التخطيط، وذلك القطع هو الفري، ثم يفعل ذلك بالقدم الأخرى، فتجيء النعلان على قدر القدمين بلا زيد ولا نقص: فقول الشاعر:
ولأنت تفري ما خلقت وبع
ض القوم يخلق ثم لا يفري



يريد أن ممدوحه متى عزم على شي نفذ عزمه، وغيره يعزم ويقدر، ثم لا ينفذ شيئا، لأنه خائر العزيمة، ضعيف الإرادة.


والمعنى الثالث للخلق هو الكذب. قال تعالى ﴿ إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا ﴾ [ العنكبوت: 17] أي تكذبون كذبا. وقال الشاعر:
لي حيلة فيمن ينم
وليس في الكذاب حيلة

من كان يخلق ما يقول
فحيلتي فيه قليلة



4- بينما:

لقد اعتدى عامة كتاب العصر على هذه الكلمة، فشوهوا جمالها، وسلخوها عن معناها الحقيقي، وألبسوها معنى مكذوبا، فإنهم يستعملونها في معنى (على حين) كقول بعضهم: كما أن هذه المحاولات قد اتخذت أشكالا مختلفة، بعضها اقتصادي صرف، وبعضها سياسي صرف (بينما) البعض الآخر اتخذ الشعارين معا.

فهذا الاستعمال فاسد مختلق، لا أصل له في كلام العرب، وهو أيضا من جنايات جهلة المترجمين، فإنهم ترجموا كلمه while الانكليزية فوضعوا مكانها (بينما) فظلموهما جميعا والترجمة الصحيحة لهذه الكلمة (على حين أو في حين).

أما الاستعمال الصحيح العربي لـ(بينما), فإنها تكون في صدر الكلام، ولا بد لها من جملتين كأدوات الشرط. فمن ذلك ما جاء في صحيح مسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله (ص) إذا طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر – الحديث: وكقول الشاعر:
وبينما المرء في الأحياء مغتبط
إذ هو في الرمس تعفوه الأعاصير

يبكي الغريب عليه ليس يعرفه
وذو قرابته في الحي مسرور


وشواهد ذلك في كلام العرب لا تعد ولا تحصى.

5- وتحدثوا لبعضهم البعض:
هذا أيضا استعمال فاسد ناشئ عن فقدان الملكة في اللغة العربية والصواب: وتحدث بعضهم إلى بعض، كما قال تعالى ﴿ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ ﴾ [سورة القلم: 30].

والذي أوقعهم في هذا الخطأ جهلهم بالنحو، فإن من كان عالما بالنحو في أي لغة كانت، يتخذه مصباحا، يضئ له طريق إنشائه سواء أكان كاتبا أم متكلما، فلا يضع قدمه إلا بعد أن يبصر موطئها ، أما الجاهل بالنحو، فإنه يمشي كالأعمى يضع قدمه دون أن يرى موطئها، فتزل به القدم ويسقط في حفر الأخطاء.

6- والأدهى من ذلك:
هذا الخطأ أيضا ناشئ عن الجهل بالنحو، فكل من يعرف أحكام اسم التفضيل أقل معرفة لا يقع في هذا الخطأ. قال ابن مالك في الألفية:
وأفعل التفضيل صله أبدا
تقديراً أو لفظاً بمن إن جردا



قال ابن عقيل في شرحه لألفية ابن مالك: لا يخلو أفعل التفضيل عن أحد ثلاثة أحوال.
الأول أن يكون مجردا.
الثاني: أن يكون مضافا.
الثالث: أن يكون بالألف واللام، فإن كان مجرداً، فلابد أن تتصل به (مِنْ) لفظا أو تقديرا، جارة للمفضل عليه نحو: زيد أفضل مِنْ عمرٍو، ومررت برجل أفضل من عمرو، وقد تحذف (مِنْ) ومجرورها لدلالة عليهما كقوله تعالى:﴿ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا ﴾» أي وأعز نفراً منك.

وفهم من كلامه: أن أفعل التفضيل إذا كان (بأل) أو مضافا، لا تصحبه (من) فلا تقل: زيد الأفضل من عمرو، ولا زيد أفضل الناس من عمرو اهـ.

فتبين أن قولهم: والأدهى من ذلك خطأ، لأن أفعل التفضيل إذا دخلت عليه (أل) لا تلحقه «من». ومن العجيب أن أفعل التفضيل في الإنكليزية والألمانية جار على هذا المنوال.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 16-02-2021, 04:22 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,607
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تقويم اللسانين

تقويم اللسانين (2)

د. محمد تقي الدين الهلالي







1- قاتل ضد:

هذه العبارة، وما أشبهها من المصائب الاستعمارية اللغوية التي نكبت بها اللغة العربية: والأصل في ذلك أن (قاتل) في اللغة الإنكليزية والألمانية من الأفعال اللازمة التي لا يتعدى فعلها إلى المفعول به إلا بحرف، وهو في الإنكليزية against وفي كل من الألمانية والفرنسية لفظ يقابله يتعدى به الفعل إلى مفعوله: والمترجم الجاهل هو الذي يضع مقابل كل كلمة من اللغة التي يترجمها كلمة تقابلها من اللغة التي ينقل إليها المعنى، ولم يدر أن (قاتل) في اللغة العربية فعل متعد بنفسه لا يحتاج إلى حرف. قال تعالى ﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ﴾ [البقرة: 190].



وقد شاع ذلك التعبير الفاسد، كقولهم مثلا (أمريكا تقاتل ضد فيتنام الشمالية). وإذا نظرنا في هذه الجملة بعين الناقد البصير الذي يدري ما يقول، نجدها تدل على ضد ما يريده قائلها، وتعكس مراده، لأن الضد هو العدو.



قال صاحب اللسان: الضد كل شيء ضاد شيئا ليغلبه. اهـ.



وقال عكرمة في قوله تعالى: ﴿ وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا * كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا ﴾ [ مريم:81-82]: أي أعداء.



فإذا قلنا: إن أمريكا تقاتل ضد فيتنام الشمالية، كان معناه: أن أمريكا تقاتل عدو (فيتنام الشمالية) أي تقاتل نفسها، وهذا مسخ للغة العربية، يدمي قلب كل من يحبها، ويغار عليها، ويريد لها الانتعاش، فالحياةَ، فالازدهارَ، وأن يعاد لها مجدها فتساير ركب الحضارة الإنسانية، وتكتسي حلة التقدم في مجال المدنية، وتنال الحظ الأوفر اللائق بمكانتها من التعبير عن العلوم والآداب، حتى يستغنى الناطقون بها عن تكفف اللغات الأجنبية.



2- جمع الرومي على رومان:

مما هو شائع على ألسنة الكتاب والخطباء والمعلمين والأساتذة التعبير بلفظ (الرومان)، فإذا سألناهم عن مفرده وقف حمار الشيخ في العقبة، أو أجابوا بأنه جمع رومي، وهذا جواب غير صحيح.



والحقيقة أن هذا التعبير مأخوذ من اللغات الأوربية كالإنكليزية مثلا. والألف والنون يقابلان الياء في العربية (فرومان) في هذه اللغة نسبة إلى رومة. يقال للواحد، والجمع بزيادة سين ساكنة فيه، فاستعمله جهلة المترجمين بلفظه، ولم يعلموا أن ترجمته الصحيحة في المفرد (رومي) وفي الجمع (روم). قال الله تعالى ﴿ الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ ﴾ [الروم: 1 - 4]: والعرب تطلق لفظ الروم على الاغريقيين والإيطاليين، ومن إليهم. قال ابن منظور في لسان العرب: والروم جيل معروف، وأحدهم رومي، ينتمون إلى عيصو بن إسحاق النبي عليه السلام. ورومان بالضم، اسم رجل.



قال الفارسي: رومي وروم، من باب زنجي وزنج: قال ابن سيدة: ومثله عندي فارسي، وفرس، قال: وليس بين الواحد والجمع إلا الياء المشددة كما قالوا: تمرة وتمر، ولم يكن بين الواحد والجمع إلا الهاء. اهـ



فرومان في اللغة العربية لا يدل على جيل من الناس، وإنما هو علم يسمى به الرجال، ورومان أبو قبيلة.



قال الفيروز آبادي في القاموس: ورومان (بالضم) (موضع) ورومان الرومي، وابن نعجا صحابيان، وأم رومان، أم عائشة الصديقية، والروماني (موضع) باليمامة، ورومية، «بلد» بالمدائن خرب، و(بلد) بالروم سوق الدجاج، فيه فرسخ، وسوق البر ثلاثة فراسخ، وتقف المراكب فيه على دكاكين التجار في خليج معمول من النحاس، ارتفاع سوره ثمانون ذراعا في عرض عشرين، فيما نقله ابن خرداذبه، فإن يك كاذبا فعليه كذبه. اهـ



وقد تبين بما ذكرنا أن لفظ (رومان) لا وجود له في العربية، وإنما يوجد للمفرد رومي وللجمع روم: وقد توسع الكتاب في هذا الزمان فقالوا: يوناني ويونان، فكأنهم قاسوه على رومي وروم، وزنجي وزنج: والذي في القاموس هو: واليونانيون جيل انقرضوا. اهـ



وقول الفيروز آبادي: انقرضوا، له في ذلك عذر، لأن بلاد اليونانيين في زمانه كانت ولاية من ولايات الدولة العثمانية ووجود الشعوب مرتبط باستقلال دولها، وما بالعهد من قدم.



ففي الأمس القريب، كنت أنا بنفسي، كلما سألني سائل في أوربا أو في آسيا، وحتى في إفريقية، كلما سألني سائل، من أين أنت أقول: من المغرب فيبادر بسؤال آخر، أنت من المغرب الإسباني أو من المغرب الفرنسي، أو من طنجة الدولية؟



فأقول: المغرب بلد واحد، وهو للمغاربة، فلا يريد أن يصدقني أحد، كأن المغرب خلقه الله، يوم خلق السموات والأرض مجزأ ثلاثة أجزاء، مع أن تقسيمه نشأ منذ زمان قريب، ولم يستمر إلا ثلاثا وأربعين سنة.



وأغرب من ذلك أني لما أردت التجنس بالجنسية العراقية سنة 1934 قدمت طلباً إلى الدوائر المختصة في البصرة فبقيت الأوراق تنتقل من دائرة إلى دائرة مدة شهرين، ثم بعثت إلى بغداد العاصمة، فسافرت لأتعقبها إلى بغداد، وبقيت شهرين أستنجد وأتشفع حتى وصلت الأوراق إلى يد مدير وزارة الداخلية، فأخذ جواز سفري يتأمله وأنا واقف أمامه، وإلى جانبي الأستاذ كمال الدين الطائي من كبار علماء بغداد تفضل بمرافقتي ليعينني ويشفع لي، فقال المدير: بفظاظة، ما هي جنسيتك؟ فقلت: مغربي فاستشاط غضباً وقالجنسية هتشي ماكو) يعني لا توجد جنسية هكذا، قل: فرنسي، فقلت بل هي موجودة، فانظر ما هو مكتوب على الجواز باللغة الفرنسية (أمبير شريفيان) أي الدولة الشريفية، فلم يقتنع بذلك، فقلت له: هل كنت أنت إنكليزيا قبل سنتين؟ أي قبل المعاهدة الأخيرة، فقال ليحنا كنا عثمانيين، ومن بعد صرنا عراقيين) فقلت له أناونحن دولة مغربية منذ ما يزيد على ألف سنة، منذ أسس الإمام إدريس بن عبد الله الدولة المغربية واستقلت عن الدولة العباسية) فجذبني الأستاذ كمال الدين من ثيابي وقال لي: دع هذه القضية، فسأتعقبها أنا، لأنه رأى أن القضية قد دخلت في طور خطير بالجدال مع مدير الداخلية.



فكتب ذلك المدير على أوراقي:(الطلب مرفوض)، وبذلك أحبط لي عمل أربعة أشهر، ولكن الله سبحانه وتعالى رحم ضعفي وغربتي، فسقطت تلك الوزارة، وكانت إحدى وزارات جميل المدفعي، ولم تلبث في الحكم إلا اثني عشر يوما، ولا توجد فيما أعلم وزارة عراقية تماثلها في قصر العمر.



وجاءت بعدها وزارة علي جودة الأيوبي فأعدت الطلب وحصلت على الجنسية في ثلاثة أيام بمساعدة النبيل الشهم عارف قفطان العاني، وكان صديقاً حميماً لعلي جودة الأيوبي.



وفي سنة 1341هـ حججت الحجة الأولى، ووقع خصام بيني وبين صاحب حانوت بمكة فعيَّرني، وزعم أني فرنسي، فقلت له: أنت إنكليزي، فنحن في البلية سواء، وكان في زمان الشريف حسين بن علي إذن فلا غرابة في قول صاحب القاموس: إن اليونانيين انقرضوا.



والذي يهمنا هنا هو أنه لا يقال: يوناني ويونان، وإنما يقال: يوناني ويونانيون.



ومن ذلك قولهم: ألماني وألمان والصواب: جرماني وجرمانيون، لأن البلاد التي تسمى في هذا الزمان ألمانية، كانت العرب تسميها (جرمانية) هكذا سماها ابن الفقيه البغدادي المتوفى في أواخر المائة الثالثة للهجرة في كتابه الذي سماه (كتاب البلدان) وذكر فيه جغرافية العالم: وقد ترجمته مع الأستاذ (باول كالي) باللغة الجرمانية ولفظ «ألمانية» فرنسي، فإذا أردنا أن نتساهل ونترك اللفظ العربي، ونستعير اللفظ الفرنسي وجب علينا أن نقول (ألماني وألمانيون) والأفضل لنا أن نستعمل اللفظ العربي ونحييه ونستغني به.



استطراد:

كل من يقرأ مقالاتي يعلم أن الاستطراد محبب إلى فيما أقرؤه وفيما أكتبه، لأن الاستطراد كالطعام المؤلف من ألوان متعددة، ولذلك رأيت أن أذكر تفسير أول سورة الروم تتميماً للفائدة وتلويناً للغذاء.



قال البيضاوي في تفسيره: ﴿ آلم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ ﴾ أرض العرب منهم، لأنها الأرض المعهودة عندهم، أو في أدنى أرضهم من العرب، واللام بدل من الإضافة ﴿ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ ﴾ أي من إضافة المصدر إلى المفعول. وقرئ غَلْبِهِم، وهو لغة: كالجلب والجلب ﴿ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ ﴾.



روي أن فارس غزوا الروم فوافوهم بأذرعات وبصرى، وقيل بالجزيرة، وهي أدنى أرض الروم من الفرس، فغلبوا عليهم، وبلغ الخبر مكة ففرح المشركون وشمتوا بالمسلمين وقالوا: أنتم والنصارى أهل كتاب، ونحن وفارس أميون، وقد ظهر إخواننا على إخوانكم، ولنظهرهن عليكم، فنزلت.



فقال لهم أبوبكر: لا يُقِرَّنَّ الله أعينكم، فو الله لتظهرن الروم على فارس بعد بضع سنين. فقال له أبي بن خلف: كذبت، اجعل بيننا أجلا أُنَاحِبُكَ عليه، فناحبه على عشر قلائص من كل واحد منهما، وجعلا الأجل ثلاث سنين، فأخبر أبوبكر رسول الله (ص) فقال: البضع ما بين الثلاث إلى التسع، فزايده في الخِطْرِ وماده في الأجل، فجعلاه مائة قلوص إلى تسع سنين.



ومات أُبَي من جرح رسول الله (ص) بعد قفوله من أحد.



وظهرت الروم على فارس يوم الحديبية، فأخذ أبو بكر الخِطْر من ورثة أُبَي، وجاء به إلى رسول الله (ص) فقال: تصدق به. واستدلت به الحنفية على جواز العقود الفاسدة في دار الحرب، وأجيب بأنه كان قبل تحريم القمار.



والآية من دلائل النبوة، لأنها إخبار عن الغيب: وقرئ غَلَبَت (بالفتح)، وسيغلبون (بالضم)، ومعناه: أن الروم غلبوا على ريف الشام، والمسلمون سيغلبونهم. وفي السنة التاسعة من نزولها غزاهم المسلمون، وفتحوا بعض بلادهم، وعلى هذا تكون إضافة الغلب إلى الفاعل.



توضيحات لكلام البيضاوي:

1- قوله (واللام بدل من الإضافة) يعني أن أداة التعريف في (الأرض) بدل من الضمير المضاف إليه. والتقدير: غلبت الروم في أقرب أرضهم وهي أرض العرب التي كانوا مستولين عليها، لأن أذرعات وبصرى هما من بلاد الشام، وبلاد الشام ليست ملكا للروم، وإنما استولوا عليها بالتسلط والقهر، هذا على القول بأن المراد بالأرض (بصرى وأذرعات) وأما على القول بأنها الجزيرة، فهي كذلك ليست للروم، بل هي من بلاد العرب، لأنها واقعة بين دجلة والفرات.



2- قوله (من إضافة المصدر إلى المفعول) يعني، وهم من بعد غلبة الفرس لهم سيغلبون الفرس في مدة لا تتجاوز البضع، وهو مابين ثلاث إلى تسع.



3- قوله (روي أن فارس غزوا الروم) من المعلوم أن البيضاوي، مع علمه بالنحو والصرف واللغة والفقه الشافعي والأصول، وعلم الكلام مزجي البضاعة في علم الحديث. ففي تفسيره أحاديث موضوعة يذكرها في فضائل السور. وروي بصيغة الفعل المبني للنائب لا يستعملها أهل الحديث إلا إذا كان المروي ضعيفا، فلذلك أردت أن ألم بتخريج هذا الحديث وبيان رتبته.



أما تخريجه فقد رواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي، وابن أبي حاتم، وابن جرير بطرق تختلف ألفاظها، ويتفق معناها في الجملة، ورواه كذلك سنيد بن داوود في تفسيره.



وروايته أقرب إلى ما ذكره البيضاوي.



وأما رتبته فقد قال الترمذي في بعض طرقه: حسن غريب، وفي بعضها حسن صحيح.



4- قوله (أناحبك عليه) أي أراهنك وأخاطرك. والقلوص الشابة من النوق.



5- قوله (ومات أُبي بن خلف من جرح رسول الله) (ص). قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد ج2ص 93: أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم أُبي بن خلف (يعني في غزوة أحد) على جواد له، يقال له العود، زعم عدو الله أنه يقتل رسول الله (ص) فلما اقترب منه، تناول رسول الله (ص) الحربة من الحارث بن الصمة فطعنه بها، فجاءت في ترقوته، فَكَرَّ عدو الله منهزما. فقال له المشركون: والله ما بك من بأس، فقال: والله، لو كان ما بي بذي المجاز لماتوا أجمعون.



وكان يعلف فرسه بمكة ويقول: أقتل عليه محمدا، فبلغ ذلك رسول الله (ص) فقال: بل أنا أقتله إن شاء الله تعالى، فلما طعنه، تذكر عدو الله قوله: أنا قاتله، فأيقن بأنه مقتول من ذلك الجرح، فمات منه في طريقه بسرف مرجعه إلى مكة اهـ.



6- قوله (وظهرت الروم على فارس يوم الحديبية) الخ.



الحديبية بصيغة التصغير وتخفيف الياء على الصحيح عند أهل اللغة. موضع يبعد عن مكة بنحو عشرة أميال. وقع فيه الصلح بين النبي (ص) وبين أهل مكة في ذي القعدة سنة ست للهجرة.



7- قوله (واستدلت به الحنفية على جواز العقود الفاسدة في دار الحرب) الخ. يعني أن الحنفية استدلوا بمراهنة أبي بكر الصديق مع أُبي بن خلف، وعلم النبي (ص) بذلك وإقراره عليه، وأمره أبا بكر أن يتصدق بما ربحه من الإبل، استدلوا بذلك على جواز القمار وغيره من العقود المحرمة، مع أعداء الإسلام في دار الحرب، ومنع ذلك الشافعية، وأجابوا عن الاحتجاج بفعل أبي بكر أن ذلك كان قبل أن يحرم القمار، وحينئذ لا حجة فيه على جواز القمار مع المحاربين ولا غيره من المحرمات كالربى، فلا يجوز التعامل بالربا، لا مع المسلمين ولا مع المسالمين، ولا مع المحاربين، وهذا هو الصحيح، لأن المراهنة على ما يظهر كانت في مكة قبل الهجرة. ويؤيد ذلك ما جاء في بعض روايات الحديث أن هزيمة الروم وقعت بعد المراهنة بسبع سنين.



ومن المعلوم أن آية تحريم القمار، وهي قوله تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [المائدة: 90] نزلت بالمدينة. والخمر التي حرمت مع القمار في الآية كانت حلالا عند ما قدم النبي (ص) المدينة، وكانت تشرب ويتجر فيها، ثم حرمت بعد ذلك أولا في أوقات الصلاة بقوله تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ ﴾ [النساء: 43] ثم حرمت بتة بآية المائدة.



8- قوله (والآية من دلائل النبوة) الخ. هذه معجزة باقية خالدة يستوي في إدراكها من كان في زمان النبي (ص) وشاهدها بنفسه، ومن يأتي بعد ذلك إلى يوم القيامة، لأن سورة الروم مكية، وكان المسلمون عند نزولها في غاية القلة والضعف يسخر منهم أعداؤهم ولا يأبه بهم أحد.



وقد أخبر الله سبحانه في أول هذه السورة أن الروم البيزنطيين هزمهم الفرس شر هزيمة، وكان الروم أعظم دولة في الغرب، والفرس أعظم دولة في الشرق الأدنى على الأقل، ولم تجر العادة أن دولة عظيمة تمنى بهزيمة منكرة تلم شعثها وتجمع شملها، وتعيد الكرة في بضع سنين فتهجم على الدولة التي هزمتها وتكيل لها صاعاً بصاع.



فلو قال قائل بعد هزيمة جرمانية (ألمانيا):«إن الدولة الجرمانية ستعيد الكرة على أعدائها وتهزمهم في بضع سنين»، ثم وقع الأمر طبق ما قال ذلك القائل لصدقه جميع الناس في كل ما يقول وآمنوا به، فماذا يقول المنكرون لمعجزات القرآن من غلاة أعدائه الأجانب، وأذنابهم من الأغمار، من سكان البلاد العربية والإسلامية، في هذه المعجزة الخالدة؟؟ وكم وكم من أمثالها في القرآن لمن تدبر القرآن، وسلمت عين بصيرته من غشاوة التعصب الممقوت والجهل والتهور والطيش.



9- قوله (وقرئ: غلبت (بالفتح)، وسيغلبون (بالضم) الخ.



هذه قراءة ضعيفة خارجة عن السبع، شاذة. والمعنى على هذه القراءة: غلبت الروم فارس، وسيغلبهم العرب المسلمون. وقد غزا المسلمون الروم قصاصاً منهم في السنة التاسعة من نزولها.



والقراءة الأولى هي المعتمدة.



10- قوله (وعلى هذا تكون إضافة الغلب إلى الفاعل) يعني على القراءة الشاذة، يكون المصدر مضافاَ إلى فاعله.



والتقدير:من بعد أن غلب الروم الفرس سيغلبون - بضم الياء وفتح اللام - أي يغلبهم المسلمون. وهذا آخر المقال الثاني من تقويم اللسانين. وموعدنا الجزء التالي بحول الله وقوته.




المصدر: "مجلة دعوة الحق".



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 16-02-2021, 04:23 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,607
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تقويم اللسانين

تقويم اللسانين (3)

د. محمد تقي الدين الهلالي




1- في أية مناسبة:
من الأخطاء التي شاعت وذاعت في هذا الزمان تأنيث (أي) إذا أضيفت إلى مؤنث كقولهم: يمكن أن يجيء في أية لحظة، ولم ترد أية أنباء، وهذا الاستعمال كثير يسمع في كل وقت من الإذاعات، ويقرأ في الصحف، وهو فاسد، فإن (أياً) إذا أضيفت إلى مؤنث أو مذكر أو جمع، كيفما كان، تبقى على حالها.

قال الله تعالى في سورة الانفطار ﴿ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ ﴾.

وقال تعالى في سورة المؤمن ﴿ فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ؟ ﴾ وقال تعالى في سورة الرحمن ﴿ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾.

قال الخضري في حاشيته على ابن عقيل في الكلام على الحكاية بعد تقرير حكم (أي) المحكي بها، وبيان أنها تتبع اللفظ الذي حكي بها في الإعراب والتذكير والتأنيث والإفراد والتثنية والجمع ما نصه: خرج المسؤول بها ابتداء فلا يحكى بها شيء، بل تكون بحسب العوامل، ومفردة مذكرة لا غير مثل من، وشذ قوله:
بأي كتاب أم بأية سنة
ترى حبهم عاراً عليّ وتحسب؟


وقال الصبان في حاشيته على الأشموني مثل ذلك.

وقول الخضري: ابتداء، احترز بذلك من المسؤول بها حكاية، فإنها تذكر وتؤنث، فإذا قال لك قائل: جاءني رجل تقول: أي. وإذا قال لك: جاءتني امرأة تقول: أية. فأي مسؤول بها في الحالين، إلا أنك إذا سألت بها ابتداء تلزم الإفراد والتذكير.

وإذا سألت بها حكاية تجيء على حسب المحكي.

2- نسيت أنا الآخر:
هذا خطأ شائع في البلاد العربية، يقول شخص مثلاً: نسي صديقي وعده ونسيت أنا الآخر، أو نسي هو الآخر.

فاستعمال الآخر هنا خطأ محض. والصواب: ونسيت أنا أيضا.

وهذا الاستعمال موجود في اللغة العامية المصرية بإبدال الهمزة راء، يقولون مثلا: نسيت أنا (راخر) والظاهر أن أول من ارتكب هذا الخطأ عامة الكتاب المصريين، لأنه موجود في لغتهم العامية فاستعملوه في الفصحى، وتبعهم غيرهم من عامة كتاب البلاد العربية والمتكلمين بها من غير العرب.

3- اعتناق الدين:
قال صاحب اللسان: وعانقه معانقة وعناقا: التزمه، فأدنى عنقه من عنقه. وقيل المعانقة في المودة، والاعتناق في الحرب. قال:
يطعنهم ما ارتموا، حتى إذا أطعنوا
ضارب، حتى إذا ما ضاربوا اعتنقا


وقد يجوز الافتعال في موضع المفاعلة، فإذا خصصت بالفعل واحدا دون الآخر لم تقل إلا عانقه في الحالين. قال الأزهري: وقد يجوز الاعتناق في المودة كالتعانق، وكلٌّ في كلٍّ جائز. اهـ.

فظهر أن المعانقة والاعتناق كلاهما مأخوذ من إدناء العنق من العنق، والدين ليس له عنق. ولا يعانق من دخل فيه. فالفعل هنا من جانب واحد.

والعرب لا تقول أبدا: اعتنق الإسلام، أو اعتنق النصرانية، أو اعتنق الفكرة، وإنما تقول: أسلم، وتنصّر، واعتقد كذا وكذا قال تعالى في سورة آل عمران (20) ﴿ فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ، وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا، وَإِنْ تَوَلَّوْا، فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ، وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴾.

ومثل هذه العبارات في الكتاب والسنة كثيرة جدا. ولا يوجد التعبير باعتناق الإسلام في أي موضع. لا يقال: إن اعتناق الإسلام استعارة، لأنا نقول: ليس كل استعارة مستحسنة، ولو كان التعبير بالاعتناق مستحسنا لعبر به القرآن أو السنة أو فصحاء العرب.

وقال الفيروز أبادي في القاموس: وأسلم: انقاد وصار مسلما. اهـ.

أقول: أسلم في اللغة إذ كان لازما، معناه: انقاد واستسلم وأما في اصطلاح الشريعة فمعناه: انقاد إلى ما جاء به رسول الله (ص) وقبله كله في الظاهر، فإن كان قبوله له ظاهراً وباطناً فهو مسلم حقا ومؤمن، وإن كان قد قبل ما جاء به النبي (ص) وانقاد له في الظاهر فقط فهو منافق، تجري عليه أحكام الإسلام، وهو في الحقيقة كافر. قال تعالى في سورة الحجرات (14) ﴿ قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا، قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا، وَلَكِنْ قُولُوا: أَسْلَمْنَا، وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ وإن كان هذا الفعل متعديا فمن معانيه: إخلاص التوجه إلى الله تعالى.

قال تعالى في سورة النساء (125) ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ، وَهُوَ مُحْسِنٌ، وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ﴾.

ومن معانيه: الإلقاء في الهلكة قال صاحب اللسان: قال ابن الأثير: يقال: أسلم فلان فلانا إذا ألقاه في الهلكة ولم يَحْمِه من عدوه، وهو عام في كل من أسلم إلى شيء، لكن دخله التخصيص، وغلب عليه الإلقاء في الهلكة.

ومنه الحديث: إني وهبت لخالتي غلاما فقلت لها: لا تسلميه حجاما ولا صائغا ولا قصابا، أي لا تعطيه لمن يعلمه إحدى هذه الصنائع. اهـ

أقول: والعجب من ابن منظور، كيف وقع في خطأ عامي، وهو تعديته (أعطى) إلى المفعول الثاني باللام، وهو متعد بنفسه إلى مفعولين يقال: أعطاه الله علما. قال تعالى:﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ﴾ ولكن لكل سيف نبوة، ولكل جواد كبوة، والكمال لله.

ومن أسلم المتعدي قول النبي (ص): المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، أي لا يخذله بل يحميه ويدافع عنه. والحديث رواه البخاري ومسلم من حديث عبدالله بن عمر.

وهذا التعبير أيضا من استعمار لغة الأجانب واستعبادها للغة العربية فهو في الإنكليزية (Embrace) وقال تعالى:﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ، وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا ﴾، ولم يقل: يعتنقون دين الله.

4- البساطة:
يقال: هذا شيء بسيط، وتكلم ببساطة، وهذا لا يعتقده إلا البسطاء، وذلك كله خطأ قال صاحب اللسان: ورجل بسيط: منبسط بلسانه، وقد بسط بساطة. الليث: البسيط المنبسط اللسان، والمرأة بسيط. ورجل بسيط اليدين: منبسط بالمعروف، وبسيط الوجه متهلل، وجمعها: بسط. اهـ.

أقول: فقد رأيت أن البسيط والبساطة لا يدلان على ما يريد الكتاب بهما، فإنهم يريدون بالبسيط من الناس الغر والمغفل، ويريدون بالبسيط من الأمور، السهل الهين، وذلك كله بعيد عن استعمال العرب، بل هو ضده، لأن البسيط في اللغة العربية، هو الواسع، ومن أجل ذلك سميت الأرض البسيطة لسعتها.

والبساطة كما تقدم في كلام العرب طلاقة الوجه. وأصل هذا الخطأ آت من اصطلاح الأطباء في تسميتهم الدواء الذي هو من مادة واحدة بسيطا، ويقابله: المركب الذي يتألف من أجزاء، كل جزء من مادة.

وقد استعمله الفلاسفة أيضا فقسموا الجهل إلى قسمين: جهل بسيط، وجهل مركب، فالجهل البسيط هو أن يكون الشخص جاهلا، ويعلم أنه جاهل، والجهل المركب أن يكون الشخص جاهلا، ويجهل أنه جاهل، فجهله مركب من جهلين. قال بعض الشعراء على لسان حمار الطبيب توما:
قال حمار الحكيم توما
لو أنصفوني ما كنت أُركب

لأن جهلي غدا بسيطا
وراكبي جهله مركب


ومما يحكي من أخبار هذا الطبيب أنه قرأ في كتاب (الحبة السوداء شفاء من كل داء) فقرأها خطأ (الحية السوداء شفاء من كل داء) فأخذ حية سوداء وصار يعالج بها المرضى، فكانوا يموتون من سمها.

وليس بالكاتب حاجة إلى أن يترك اللغة الفصحى ويستعمل اصطلاحا طبيا ليعبر به عما يريده إلا إذا كان باقليا من أهل العي والحصر.

وقد ارتقى الكتاب من ذلك إلى خطأ آخر، وهو استعمال التبسيط فيقولون: كتاب مبسط، يعني أنه ألف بلغة سهلة غير معقدة. ويقولون: يجب تبسيط قواعد النحو، أي تسهيلها وتيسيرها، فانتقلوا من إلى خطأ، لأن التبسيط هو التوسيع، فهو بمعنى البسط، إلا أن التبسيط فيه مبالغة كالتقتيل بمعنى القتل، أي كثرته. وفعل المضاعف إذا اشترك مع الثلاثي في معنى واحد دل الرباعي على الكثرة والمبالغة في اللغة العربية، وفي أختيها العبرانية والآرامية.

5- نكران الذات:
ومن الأخطاء التي جاءت مع الاستعمار تعبيرهم بـ (نكران الذات) عن الإيثار، وهذه العبارة ترجمة فاسدة للفظ الإنكليزي (self-denial) والتعبير العربي الصحيح عن هذا المعنى هو. الإيثار قال تعالى في سورة الحشر (9) ﴿ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ﴾ وضد الإيثار هو: الاسئثار ويسميه جهال الكتاب (أنانية) نسبة فاسدة إلى لفظ (أنا) وهو أيضا من الترجمة الفاسدة للفظ الإنكليزي (selfishness) وقد يعبرون عن هذا المعنى أيضا بحب الذات، وهو تعبير فاسد، لأن كل إنسان يحب نفسه وليس ذلك بعيب، وإنما يعاب عليه أن يبالغ في حب نفسه إلى حد الاستئثار بالطيبات، وغَمْط حقوق الناس، وكذلك لا ينبغي للإنسان أن ينكر نفسه، ولا يستطيع ذلك لو حاوله.

وكيف ينكر نفسه، وهو يعلم العلم الضروري أنه موجود؟

وإذا أنكر الإنسان نفسه، فبمن يعترف؟ وهذا كله ناشئ عن الجهل باللغة العربية، وعدم تعلمها من مصادرها الصحيحة.

6- التصدير والتوريد:
ومن الأخطاء الشائعة الذائعة استعمالهم لفظ التصدير فيما تخرجه البلاد من البضائع ليباع في خارجها فيقولون مثلاً: المغرب يصدر الفوسفاط والحوامض والسردين، فدعنا نبحث في صحة هذا التعبير قال في اللسان: وصدر كتابه جعل له صدراً، وصدره في المجلس فتصدر اهـ. والصواب في هذا أن يعبر بالإصدار.

ثم قال صاحب اللسان: وقد أصدر غيره وصدره، والأول أعلى. وفي التنزيل العزيز:﴿ حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ﴾.

قال ابن سيدة: فإما أن يكون هذا على نية التعدي، كأنه قال: حتى يصدر الرعاء إبلهم، ثم حذف المفعول. وإما أن يكون يصدرها هنا غير متعد لفظا ولا معنى، لأنهم قالوا: صدرت عن الماء: فلم يعدوه. اهـ

وقال البيضاوي في قوله تعالى في سورة القصص (23) ﴿ قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ﴾ تصرف الرعاة مواشيهم عن الماء حذراً عن مزاحمة الرجال، وحذف المفعول، لأن الغرض هو بيان ما يدل على عفتهما، ويدعوه إلى السقي لهما ثمت دونه.

وقرأ أبو عمرو وابن عامر (يصدر) أي ينصرف. اهـ

أقول: قول البيضاويتصرف الرعاة مواشيهم) يرجح الوجه الأول من الوجهين اللذين نقلهما صاحب اللسان عن ابن سيدة، وهو أن يصدر فعل متعد حذف مفعوله، لأن البلاغة تقتضي حذفه كما أشار إليها البيضاوي، لأن الغرض لا يتعلق به، وإنما المراد الدلالة على عفاف ابنتي شعيب وكراهيتهما للاختلاط بالرعاة.

وعلى قراءة يصدر الرعاء (بفتح الياء) لا يختلف المعنى، لأن الرعاء لا بد أن تكون معهم مواش، وإلا لم يكونوا رعاة، فالمواشي مفهومة من المقام، إذا قلنا: إن الفعل الثلاثي لازم، وهو الذي رجحه ابن سيدة.

ويؤيده قوله تعالى في سورة الزلزلة ﴿ يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ ﴾ قال البيضاوي في تفسيرهيصدر الناس) من مخارجهم من القبور إلى الموقف. اهـ

حاصله: أن الصدر (بفتحتين) هو الرجوع من الماء بعد وروده لشرب أو سقي ماشية أو غير ذلك. ثم استعمل في كل خارج من شيء إلى شيء آخر. وفعله ثلاثي من باب نصر، وهو فعل لازم على الأصح، فإذا دخلت عليه الهمزة صار متعدياً يقال: أورد الماشية ثم أصدرها، أي صرفها عن الماء، ثم استعمل الإصدار في كل إخراج. فالصواب أن يقال مثلا: إن المملكة المغربية تصدر الفسفاط والحوامض والسردين (بضم التاء وإسكان الصاد).


وأما التوريد: فقال في اللسان، قال أبو حنيفة: الورد نور كل شجرة وزهر كل نبتة، واحدته وردة. قال:والورد ببلاد العرب كثير ريفية وبرية وجبلية.

ووَرُد الشجر: نَوَّرَ، ووردت الشجرة إذا خرج نورها.

ثم قال: وورد الثوب: جعله ورداً. ويقال: وردت المرأة خدها إذا عالجته بصبغ القطنة المصبوغة.

ثم قال: تقول: وردت الإبل والطير هذا الماء ورداً. ثم قال: ابن سيدة: وورد الماء وغيره ورداً ووروداً. وورد عليه: أشرف عليه، دخله أو لم يدخله قال زهير:
فلما وردن الماء زرقاً جمامة
وضعن عصي الحاضر المتخيم


معناه: لما بلغن الماء أقمن عليه. ثم قال: وكل من أتى مكاناً، منهلاً أو غيره، فقد ورده.


ثم قال الجوهري: ورد فلان وروداً: حضر، وأورده غيره واستورده أي أحضره. ثم قال: وفي حديث أبي بكر: أخذ بلسانه وقال: هذا الذي أوردني الموارد أراد الموارد المهلكة. اهـ

قال البيضاوي في تفسير قوله تعالى في سورة القصص23) ﴿ وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ ﴾ وصل إليه، وهو بئر كانوا يسقون منها ﴿ وَجَدَ عَلَيْهِ ﴾: وجد فوق شفيرها ﴿ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ ﴾ جماعة كثيرة مختلفين ﴿ يَسْقُونَ ﴾ مواشيهم.

وقال تعالى في سورة هود (97-98) ﴿ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ. يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ، وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ ﴾.

قال البيضاوي:﴿ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ ﴾ أي مرشد، أو ذي رشد، وإنما هو غي محض، وضلال صريح ﴿ يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾ إلى النار كما يقدمهم في الدنيا إلى الضلال يقال: قدم: بمعنى تقدم ﴿ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ ﴾ ذكره بلفظ الماضي مبالغة في تحقيقه، ونزل النار لهم منزلة الماء، فسمى إتيانها مورداً.

ثم قال ﴿ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ ﴾ أي بئس المورد الذي وردوه، فإنه يراد لتبريد الأكباد، وتسكين العطش، والنار بالضد. والآية كالدليل على قوله ﴿ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ ﴾ فإن من كان هذه عاقبته لم يكن في أمره رشد. أو تفسير له، على أن المراد بالرشيد ما يكون مأمون العاقبة حميدها. اهـ

حاصله: أن التوريد معناه أن تخرج الشجرة وردها، وأن تصبغ المرأة خدها بلون الورد. فالصواب أن يقال في جلب البضائع من خارج البلاد: الإيراد والاستيراد. وفي إخراج البضائع منها: الإصدار.

7- التعبير بالعمل الجنسي عن المباشرة:
من العبارات الأجنبية التي تزري بمن يعبر بها، وتدل على أنه مزجى البضاعة في لغة الضاد، ترك عبارات القرآن، وهي أجمل وأبلغ، وأوجز لفظاً، وأوضح معنى، وأبعد عن التصريح بما لا يستحسن التصريح به، والتعبير بعبارة أجنبية ثقيلة مبهمة، طويلة اللفظ أعجمية، لا جرم أنه لا يعبر بها إلا من لا يعرف القرآن وبلاغته، وأسرار إعجازه، ومن لا يعرف القرآن لا يمكن أن يعرف اللغة العربية معرفة تمكنه من ناصيتها، سواء أكان مسلماً أم غير مسلم، فإن الأدباء من نصارى العرب يحرصون كل الحرص على قراءة القرآن لا ليدينوا بالإسلام بل ليتمكنوا من الفصاحة إذا تكلموا أو كتبوا باللغة العربية، ومن الفهم الصحيح إذا قرأوا ما كتب بها، وبعضهم لم يكتف بقراءة القرآن، بل حفظه عن ظهر قلب، كالشيخ ناصيف اليازجي والشيخ إبراهيم اليازجي، فلذلك جاءت تآليفها في الأدب العربي لابسة حلة من البهاء والبلاغة تسحر الألباب، نظيفة من الدخيل والمولد، والتراكيب الأعجمية الثقيلة الباردة.

وقد كان الشيخ إبراهيم اليازجي حريصاً على التعبير بعبارة القرآن كل الحرص، ولما دعاه النصارى ليرشدهم في ترجمة الأناجيل كان يختار لهم العبارات البليغة فيرفضونها تعصباً، زاعمين أنها تشبه عبارات القرآن. (انظر كتابه كشف المخبا في الرحلة إلى أوربا)، ومجلة الضياء ثمانية مجلدات، ومجلة البيان مجلد واحد، ولغة الجرائد جزء، والواسطة في أخبار مالطة جزء.

وقد عبر القرآن عن هذا المعنى بعبارات من أبلغ الكنايات وأجملها، وأدلها على المعنى، ولم يصرح قط باللفظ المخصص لهذا الحدث. قال تعالى في سورة البقرة187).﴿ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ، وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ﴾.

وقال تعالى في سورة البقرة أيضاً237) ﴿ وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ، وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً، فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ، وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾.

وقال تعالى في سورة النساء43) ﴿ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ، فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا ﴾.

فهذه ثلاثة ألفاظ، المباشرة، والمسيس، والملامسة كلها كنايات. وفي اللغة العربية كنايات أخرى لأداء هذا المعنى لا تعد ولا تحصى، فما حاجتنا إلى جلب تلك العبارة الأجنبية الركيكة الغامضة التي تمسخ الإنشاء العربي، وتخدش وجهه، وتسجل العجز عن لغة الضاد، وتصمها بما هي منه براء؟

على أن لفظ الجماع الذي يعبر به الفقهاء في كتب الفقه وفي الوثائق هو أيضا كناية.

قال في القاموس: وجماع الشيء جمعه، يقال: جماع الخباء الأخبية، أي جمعها لأن الجماع ما جمع عدداً. ثم قال: والمجامعة المباضعة، وجامعه على أمر كذا اجتمع معه. اهـ

على أن التشدد في أمر الألفاظ ينافي طباع العرب ويسيء إلى أدب اللغة العربية بل وإلى اللغة نفسها، فإن العرب تتساهل في التعبير والتلفظ، وإنما تتورع في الأقوال والأفعال التي تعد محرمة شرعاً، ولا ترى العرب أن تتأدب بأدب الكنيسة النصرانية وأتباعها الذين يقول لسان حالهم ومقالهم: افعل كل شيء، ولا تقل شيئا والعكس عند العرب هو الصواب.

فالحريري في مقاماته كان عفيف النفس، ولكنه لم يتحرج من التعبير عن المعاني والأشياء الواقعة التي لا ينفك الناس عنها. ومن يريد أن يقلد الكنيسة وأتباعها، ويستهجن مخالفتها يلزمه أن يحذف أربعة أخماس المقامات الحريرية، ويحذف قسماً كبيراً من الأدب العربي شعره ونثره، وذلك هو الخسران المبين.

وقد كان ابن عباس سائراً محرماً في طريقه إلى الحج، فأخذ ينشد بيتاً وهو:
وهن يهمسن بنا هميسا
أن تصدق الطير ننك لميساً


فقال له رجل: كيف تقول هذا، وأنت محرم بالحج، وقد قال الله تعالى:﴿ فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ﴾ فقال له ابن عباس: إنما الرفث ما كان بحضرة النساء.

أكتفي بهذا القدر وموعدنا المقال التالي بحول الله وقوته.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 16-02-2021, 04:24 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,607
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تقويم اللسانين

تقويم اللسانين (4)

د. محمد تقي الدين الهلالي




1- الحياة السياسية، والحياة الثقافية، والحياة الاقتصادية، وما أشبه ذلك من العبارات المأخوذة من اللغات الأوربية بعد ترجمتها ترجمة فاسدة قولهم: الحياة السياسية والحياة الفكرية، والحياة الاقتصادية، والحياة الزوجية، فيكون للشخص الواحد أنواع من الحياة، والحياة في كلام العرب واحدة، وهي نقيض الموت، كما في لسان العرب والقاموس وغيرهما، وتستعمل في المجاز على النحو الذي ذكره الراغب في غريب القرآن حيث قال:
الحياة تستعمل على أوجه، الأول للقوة النامية الموجودة في النبات والحيوان، ومنه قيل: نبات حي، قال عز وجل ﴿ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ﴾ وقال تعالى:﴿ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا ﴾ ﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ﴾.

الثاني: للقوة الحساسة، وبه سمي الحيوان حيواناً، قال عز وجل:﴿ وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ ﴾ وقوله تعالى:﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا ﴾ وقوله تعالى:﴿ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ فقوله: إن الذي أحياها، إشارة إلى القوة النامية. وقوله: لمحيي الموتى، إشارة إلى القوة الحساسة.

الثالث للقوة العاملة العاقلة كقوله تعالى:﴿ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ ﴾ وقول الشاعر:
لقد ناديتَ لو أسمعتَ حياً
ولكن لا حياة لمن تنادي


والرابع عبارة عن ارتفاع الغم، وبهذا النظر قال الشاعر:
ليس من مات فاستراح بميت
إنما الميت ميت الأحياء




وعلى هذا قوله عز وجل:﴿ ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم ﴾ أي هم متلذذون لما روى في الأخبار الكثيرة في أرواح الشهداء.

والخامس: الحياة الأخروية الأبدية، وذلك يتوصل إليه بالحياة التي هي العقل والعلم قال الله تعالى:﴿ اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾ وقوله ﴿ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ﴾ يعني بها الحياة الأخروية الدائمة.

والسادس: الحياة التي يوصف بها الباري، فإنه إذا قيل فيه تعالى: هو حي، فمعناه: لا يصح عليه الموت، وليس ذلك إلا لله عز وجل.

والحياة باعتبار الدنيا والآخرة ضربان: الحياة الدنيا والحياة الآخرة قال عز وجل:«فَأَمَّا مَنْ طَغَى وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا» وقال عز وجل:﴿ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ ﴾ وقال تعالى:﴿ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ ﴾ أي الأعراض الدنيوية، وقال:﴿ وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا ﴾ وقوله تعالى:﴿ وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ ﴾ أي حياة الدنيا.

وقوله عز وجل:﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى ﴾ كان يطلب أن يريه الحياة الأخروية المعراة عن شوائب الآفات الدنيوية. وقوله عز وجل:﴿ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ ﴾ أي يرتدع بالقصاص من يريد الإقدام على القتل، فيكون في ذلك حياة الناس. وقال عز وجل:﴿ وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ﴾ أي من نجاها من الهلاك. وعلى هذا يكون قوله مخبرا عن إبراهيم:﴿ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ، قَالَ: أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ﴾ أي أعفو فيكون إحياء. اهـ

فالحياة في اللغة نقيض الموت قال تعالى في سورة الملك2) ﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ قال البيضاوي: قدرهما، أو أوجد الحياة وأزالها حسبما قدره، وقدم الموت لقوله:﴿ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ﴾. اهـ

وقال تعالى في سورة النجم (44) ﴿ وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا ﴾ ومقابلة الموت بالحياة في الكتاب العزيز، جاءت في مواضع كثيرة.

ومن الاستعمال الفاسد، قولهم: فلان اعتزل الحياة السياسية. يريدون بذلك، اعتزل السياسة، فيقحمون لفظ الحياة تقليداً للغات الأجنبية، وليس في إقحامه فائدة، ولكنه يخدش وجه البلاغة العربية ويمسخها. والحاصل أن الإنسان ليس له إلا حياة واحدة، متى زالت مات، فيجب على الأديب أن ينزه كلامه عن ذلك الاستعمال، ولا يستعمل لفظ الحياة إلا في الموضع المناسب له كما جاء في كتاب الله. وفي لسان العرب، سواء أراد الحقيقة أو المجاز.

قوله إيضاح لكلام الراغب:﴿ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا ﴾ قال البيضاوي: مثل به من هداه الله سبحانه وتعالى، وأنقذه من الضلال، وجعل له نور الحجج والآيات يتأمل بها في الأشياء، فيميز بين الحق والباطل، والمحق والمبطل. اهـ

أقول: شبه الله الضالين الذي لا يهتدون إلى الحق، ولا يتمسكون به بالأموات. وأهل الهدى والاستقامة بالأحياء فالمراد بالقوة العاملة العاقلة في كلام الراغب التي تعمل عملا صالحا، وتعقل الحق وتميزه من الباطل.

قوله (وقد ناديت) البيت: يروى بعده:
ولو نارا نفخت بها أضاءت
ولكن أنت تنفخ في رماد


شبه الشاعر من يدعى إلى النجدة وعمل الخير والإحسان ولا يستجيب لذلك بالميت، فنفى عنه الحياة، وشبهه في البيت الثاني بالرماد الذي لم يبق فيه شيء من النار. وشبه من يدعوه إلى فعل الخير والإحسان بمن ينفخ في رماد، راجيا أن يوقد منه ناراً. ومثل ذلك قولهم: فلان يضرب في حديد بارد، قال الشاعر يهجو رجلا اسمه سعيد، ويصفه بالبخل:
هيهات تضرب في حديد بارد
إن كنت تطمع في نوال سعيد


والصواب أن يقال: الشؤون الاقتصادية، والشؤون السياسية، والشؤون المنزلية، والشؤون الزوجية، الخ. ويقال: اعتزل التمثيل بدلاً من قولهم: اعتزل الحياة التمثيلية، وهجر الرياضة البدنية، بدلا من قولهم: اعتزل الحياة الرياضية.

2- استعمالهم الإمكانيات بمعنى الطاقة والقدرة أو الإمكان:
وهذا اللفظ الدخيل ترجمة فاسدة للكلمة الأجنبية (Possibilities) ولا حاجة بهم إلى هذا التعبير المستعار الركيك، فإن فنون القول في لغة الضاد كثيرة طيبة لا ضيق فيها، فبدل أن يقول الشخص: ليس عندي إمكانيات للإقدام على هذا العمل، يسعه أن يقول: لا أستطيعه، لا طاقة لي به، لا يمكنني، لا سبيل إليه، إلى غير ذلك من الكلمات الطيبة العربية الخالصة الأصيلة، فإن هذا المعنى موجود منذ وجد العرب والعجم، وفي لغتهم عبارات تفي به على أحسن وجه، فما بالنا نترك جواهرنا مهملة، ونستعير أحجار الأجانب، فمتى نعيد للغتنا شبابها وأصالتها وخلوصها، إن بقينا نتكفف الأعجمين، ونعرض عن كنوزنا وتراثنا؟!

قال ابن منظور في اللسان: قال أبو منصور: ويقال: أمكنني الأمر يمكنني فهو ممكن، ولا يقال: أنا أمكنه، بمعنى أستطيعه، ويقال: لا يمكنك الصعود إلى هذا الجبل، ولا يقال أنت تمكن الصعود إليه.اهـ

أقول: ومن كتاب هذا الزمان من يقول: أمكن لي ولا يمكن لي، متوهما أن الفعل لازم فيعديه باللام، وهو خطأ.

3- أجاب على:
ومن الشائع في هذا الزمان قولهم: أجاب على سؤاله، ولا يمكنني الجواب عليه، والصواب تعدية الفعل (بعن) فيقال: أجاب عن سؤاله.

قال في اللسان: والإجابة رجع الكلام تقول: أجابه عن سؤاله. اهـ

وتجيء على بمعنى (عن) قال القحيف:
إذا رضيت علي بنو قشير
لعمر الله أعجبني رضاها


قال ابن هشام في المغنى بعد إيراده هذا البيت شاهداً على مجيء (على) بمعنى «عن»: ويحتمل أن رضي ضمن معنى: عطف. وقال الكسائي: حمل على نقيضه وهو سخط.اهـ.

وقال العيني والصبان مثل ما قال ابن هشام في تضمين (رضي) معنى عطف، أي فلذلك عدي (بعلى). والشاعر يضطر إلى مثل ذلك، وأما الناثر فله مندوحة عن استعمال النادر وهؤلاء الكتاب الذين يستعملون (على) بعد «أجاب» جاهلون بالنحو، لا يعرفون أنه يتعدى بعن، وكيفما كان الأمر، فإن هذا الاستعمال ليس من الأخطاء الفاحشة في النثر، أما في الشعر، فهو جائز لا يعاب.

4- القيم الدينية والأخلاقية:
ومن المعلوم أن القيم هنا جمع قيمة، ولا معنى لاستعمالها هنا. قال ابن منظور في اللسان: والقيمة واحدة القيم والقيمة ثمن الشيء بالتقويم.اهـ

وإذا قلنا: القيم الدينية أو القيم الأخلاقية، يكون المعنى: الأثمان الدينية، والأثمان الأخلاقية، والدين والأخلاق لا تقويم فيهما ولا بيع ولا شراء، وهذا الاستعمال أيضا مأخوذ من اللغات الأجنبية، ولا ينبغي استعماله في العربية، ولا حاجة إليه، لأن استعمال الأخلاق ومكارم الأخلاق، والتمسك بالدين، وما أشبه ذلك، يغني عنه، وليس هذا من المخترعات حتى نبحث له عن اسم، أو نترجم اللفظ الأجنبي، ونستعمله!!

5- الأسرة:
ومن ذلك تعبيرهم عن أهل البيت الواحد (بالأسرة)، وهو من استعمال جهلة المترجمين، ترجموا به لفظ (Family) الإنكليزي وأخيه الفرنسي، وكانوا يترجمون هذا اللفظ من قبل (بعائلة) فعاب ذلك عليهم النقاد، لأن العائلة في اللغة العربية هي المرأة الفقيرة قال تعالى في سورة الضحى:«وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى» أي وجدك فقيراً فأغناك. وقال تعالى في سورة التوبة (28):﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً، فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ﴾ أي إن خفتم فقراً، فانتقلوا إلى ترجمته (بأسرة) وهو انتقال من خطأ إلى خطأ آخر، والعبارة الصحيحة هي: بيت، أو أهل بيت، قال تعالى في سورة هود (73) ﴿ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ﴾ وقال تعالى في سورة الأحزاب (33) ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ فأهل البيت في آية هود: إبراهيم وسارة زوجه ومن يكون معهما على سبيل التبعية ونحوها. والمراد بأهل البيت في آية الأحزاب النبي (ص) وأزواجه وأولاده والتابعون كالموالي.

وقال تعالى في سورة الذاريات (36) ﴿ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ والمراد بالبيت هنا لوط وأهل بيته إلا امرأته، فإن الله استثناها من الناجين وجعلها من الهالكين. أما معنى الأسرة فدونك ما قاله صاحب اللسان: وأسرة الرجل: عشيرته ورهطه الأدنون، لأنه يتقوى بهم. اهـ

وقال تعالى في سورة الإنسان (28) ﴿ نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ ﴾ قال البيضاوي: أحكمنا ربط مفاصلهم بالأعصاب. اهـ

فالأسر هو إحكام الربط وقوته، ومن ذلك سميت عشيرة الرجل (أسرة) لأنه يتقوى بهم.

وقال الصبان في حاشيته على الأشموني عند قول ابن مالك في التنازع في العمل من ألفيته:
واختار عكسا غيرهم ذا أسرة

ما نصه: ضبطه الشيخ خالد بفتح الهمزة، وفسره الغزى: بالجماعة القوية، لكن في القاموس: الأسرة (بالضم): الدرع الحصينة، ومن الرجل الرهط الأدنون.اهـ

وقال ابن منظور في اللسان: وفي الحديث: زنى رجل في أسرة من الناس. الأسرة: عشيرة الرجل. وأهل بيته. اهـ

وقال في مجمع البحار: وفيه (أي في الحديث) زنى رجل في أسرة من الناس. الأسرة: عشيرة الرجل وأهل بيته، لأنه يتقوى بهم. اهـ والمراد بأهل بيته هنا هو المراد بعشيرته الأقربين، لا زوجته وأولاده فقط.

أما قولهم: أسرة المدرسة، يعنون المدير والمدرسين فيها، وأسرة تحرير الصحيفة يعنون مؤسسها والمحررين فيها.

ورئيس التحرير، فله وجه، وهو مقصود ابن مالك بقوله المتقدم: واختار عكسا غيرهم ذا أسرة أي ذا جماعة قوية، شبه المتعاونون على أمر بالأقارب، فاستعير لهم لفظ الأسرة بجامع التعاون في كل.

6- النشاطات:
ومن ذلك استعمالهم النشاطات، يريدون بها الأعمال، وهو أيضا مأخوذ من جهلة المترجمين لكلمة (Energy) الإنكليزية، وقد أولع في استعماله عامة الكتاب حتى الذين لا يعرفون شيئا من اللغات الأجنبية. ومن سوء الحظ أن أكثر الخطباء والكتاب صاروا يأخذون لغتهم من الصحف والمجلات والإذاعة، لا من الدراسة، والقرآن وكلام العرب البلغاء، كما يجب أن يفعلوا وكما كان الناس يفعلون في زمان شباب اللغة العربية، فإلى الله المشتكى.

قال ابن منظور في اللسان: النشاط ضد الكسل، يكون ذلك في الإنسان والدابة. نشط نشاطا، فهو نشيط، ونشطه هو وأنشطه، الأخيرة عن يعقوب. الليث: نشط الإنسان ينشط نشاطا، فهو نشيط طيب النفس للعمل، والنعت ناشط، وتنشط لأمر كذا. وفي حديث عبادة: بايعت رسول الله (ص) على المنشط والمكره. المنشط مفعل من النشاط، وهو الأمر الذي تنشط له وتخف إليه وتؤثر فعله، وهو مصدر بمعنى النشاط. اهـ

فقد رأيت أن معنى النشاط ليس هو المعنى الذي يقصدونه، والنشاط مصدر لا يجمع، إذ لا حاجة إلى جمعه، فإنه يدل على القليل والكثير، كما قال تعالى في سورة الفرقان (14): ﴿ لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا ﴾ فلم يقل الله تعالى: لا تدعوا ثبوراً واحداً وادعوا ثبورات كثيرة، لأن الثبور مصدر يدل على القليل والكثير، فإذا أردنا الكثرة وصفناه ولم نجمعه.

قال ابن منظور في اللسان: وفي حديث الدعاء: أعوذ بك من دعوة الثبور، هو الهلاك، وقد ثبر يثبر ثبوراً. وثبره الله أهلكه إهلاكا لا ينتعش. فمن ذلك يدعوا أهل النار: واثبوراه! فيقال لهم:«لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا» قال الفراء: الثبور مصدر، ولذلك قال ثبورا كثيرا، لان المصادر لا تجمع. ألا ترى أنك تقول: قعدت قعودا طويلا: وضربته ضربا كثيرا.اهـ

وكذلك يقال في النشاط مثلاً: هؤلاء العملة يعملون بنشاط كثير. فلا حاجة إلى جمع النشاط، ولو جمع لم يجمع على نشاطات، بل على نشط (بضمتين) كقَذَال وقٌذٌل.

7- وصف الجمع بالمفرد:
ومن ذلك وصفهم الجمع بالمفرد، فيقولون: رايات بيضاء، وإبل حمراء، والكتب الصفراء، والصواب: رايات بيض، وإبل حمر، وصحائف صفر.قال الله تعالى في سورة فاطر (27) ﴿ وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ ﴾ الجدد جمع جدة، بضم الجيم وفتح الدال، وهي الطريق في الجبل، والغربيب: شديد السواد، يقال: أسود غِربِيب (بكسر الغين والباء)، وأحمر قان، وأبيض ناصع، وأخضر حانىء، وأصفر فاقع.

وقال تعالى في سورة المرسلات (33) «كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ» ولم يقل صفراء. وقال ابن عقيل عند قول ابن مالك في الخلاصة:

(فعل لنحو أحمر وحمرا)

ما نصه: من أمثلة جمع الكثرة: فُعْل، وهو مطرد في وصف يكون المذكر منه على أفعل، والمؤنث منه على فعلاء نحو: أحمر، وحمر، وحمراء، وحُمْر.

وقال الخضري في حاشيته: قوله (فُعْل) لنحو الخ. أي بضم فسكون، لكن يجب كسر فائه في جمع ما عينه ياء، كبيض في أبيض وبيضاء.

8- الرضوخ:
ومن ذلك تعبيرهم عن الإذعان (بالرضوخ) يقولون: هدده فرضخ له، أي أذعن، وهو من الأخطاء الفاحشة، لأن معنى رضخ له، أعطاه عطاءً قليلاً.

قال ابن منظور في اللسان: ورضخ له من ماله يرضخ رضخاً: أعطاه. ويقال: رضخت له من مالي رضيخة وهو القليل والرضيخة والرضاخة: العطية. وقيل: الرضخ والرضيخة العطية المقاربة. وفي الحديث أمرت له برضخ وفي حديث عمر: أمرنا لهم برضخ. الرضخ:العطية القليلة. اهـ.

9- السابع والأخير:
هذه أيضا عبارة مأخوذة من اللغات الأجنبية تقليداً بلا علم ولا هدى، والصواب: السابع وهو الأخير، لأننا إذا قلنا: السابع والأخير دل ذلك على اثنين، لأن العطف يقتضي المغايرة.

10- لوحده وبمفرده:
ومن ذلك قولهم: ذهب لوحده، وقاتلهم بمفرده، وذلك من أفحش الخطأ وأقبحه، وأبعده عن لغة العرب الفصحاء، فالصواب أن يقال: ذهب وحده، وقاتلهم وحده، (بفتح الدال منصوب على الحال) قال ابن مالك في الألفية:
والحال إن عرف لفظا فاعتقد= تنكيره معنى كوحدك اجتهد

قال الأشموني: وَكَلَّمْتُهُ فاهُ إلى فيِ، وأرسلها العراك، وجاءوا الجماء الغفير، فوحدك وفاه، والعراك، والجماء أحوال، وهي معرفة لفظا، لكنها مؤولة بنكرة، والتقدير: اجتهد منفردا، وكلمته مشافهة، وأرسلها معتركة، وجاءوا جميعا. وإنما التزم تنكيره لئلا يتوهم كونه نعتا، لأن الغالب كونه مشتقا، وصاحبه معرفة. اهـ

قول الأشموني في تفسير (فاه إلى في) أي مشافهة، فيه نظر، لأن مشافهة مصدر، والأولى أن يقدر اسم فاعل، أي مشافهاً له.

وقوله (أرسلها معتركة) يعني أرسل الإبل معتركة، يزاحم بعضها بعضا. قال الصبان في حاشيته لو قال: معاركة كما قال ابن الخباز لكان أحسن، لأن اسم فاعل العراك معارك لا معترك. اهـ

أقول: وأحسن منهما جميعا أن يقال: معاركا بعضها بعضا، لأننا إذا قلنا: معاركة (بكسر الراء) نسبنا العراك إليها كلها، والعراك لا يقع إلا بين فريقين، ولا يقع من فريق واحد، وقال الصبان: في بيان قوله (الجماء الغفير) أي الجماعة الجماء من الجموم، وهو الكثرة، والغفير من الغفر، وهو الستر، أي ساترين لكثرتهم وجه الأرض. اهـ.

وهذا آخر هذه الحلقة وموعدنا الجزء التالي إن شاء الله.

المصدر: "مجلة دعوة الحق".


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 16-02-2021, 04:25 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,607
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تقويم اللسانين

تقويم اللسانين (5)

د. محمد تقي الدين الهلالي





كلمة أقدمها بين يدي المقال:
لم أقدم على الكتابة في هذا الموضوع حتى أيقنت أن قراء اللغة العربية وكتابها والمتكلمين بها في أشد الحاجة إليه، وأنهم يتلقونه بغاية الترحيب كما يتلقى الظمآن العذب الفرات البارد، وقد صدق ظني في ذلك، فجاءتني رسائل عديدة من الأقطار البعيدة والقريبة تصدق ما ظننت.

ولما وصلت إلى مدينة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم إلى مكة اجتمعت بوفود بيت الله من جميع أقطار العالم، وجدت قراء مقالاتي من العلماء والأساتذة والتلاميذ فوق ما كنت أقدر، ووجدت كثيرا منهم متلهفين إلى هذا الموضوع الجديد (تقويم اللسانين) فزادني ذلك نشاطا واغتباطا، وجعلت قول الحسود والقالي والمتعسف في الموضع اللائق به من الإهمال والإعراض، فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا نهتدي لولا أن هدانا الله.

1- استعمال (حيث) للتعليل:
يقال مثلاً: لم ينجح فلان في الامتحان حيث لم يكن مواظبا على حضور الدروس، والصحيح أن يقال: لأنه لم يكن مواظبا. الخ....

ومن ذلك (حيثيات الحكم المستعملة في المحاكم، إذا أراد الحاكم أن يصدر حكمه يعلله بقوله: وحيث أن المدعى عليه ثبتت براءته بشهادة الشهود، وحيث المدعي (بالكسر) لم يأت ببينة تشهد له ثم يستمر على هذا الشكل يعطف حيث على مثلها حتى يمل القارئ والسامع.

وصواب ذلك أن يقال: ولما ثبتت براءة المدعى عليه بشهادة العدول، ولم يأت المدعي (بالكسر) ببينة تثبت دعواه، ثم يعطف ما شاء بعد ذلك على هذا النمط، ثم يقول: حكمنا ببراءته بعد انتهاء تعليل الحكم.

وبيان ذلك أن (حيث) ظرف مكان يقال: اجلس حيث يليق بك أن تجلس، أي في الموضع الذي يليق بك أن تجلس فيه.

قال الراغبحيث) عبارة عن مكان مبهم يشرح بالجملة التي بعده نحو قوله تعالى ﴿ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ ﴾ ﴿ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ ﴾ اهـ

قال البيضاوي في تفسير قوله تعالى في سورة البقرة (149) ﴿ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ ﴾ ومن أي مكان خرجت للسفر ﴿ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾ إذا صليت. اهـ

وقوله تعالى: ﴿ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ﴾ أي في أي موضع كنتم من أرض الله الواسعة توجهوا بوجوهكم نحو البيت في صلاتكم.

وقال البيضاوي في قوله تعالى في سورة الأعراف (182) ﴿ وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ أي سنستدنيهم إلى الهلاك قليلا قليلا، وأصل الاستدراج الاستصعاد أو الاستنزال درجة بعد درجة ﴿ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ ما نريد بهم، وذلك أن تتواتر عليهم النعم، فيظنوا أنها لطف من الله تعالى بهم فيزدادوا بطراً وانهماكا في الغي حتى يحق عليهم كلمة العذاب اهـ

أقول: يقول الله تعالى: سنقربهم من العذاب، ونأخذهم به من الجهة التي لا يتوقعونه منها بتكثير النعم عليهم، وتأخير العذاب عنهم حتى يزدادوا بطرا وطغيانا ويغتروا، ويظنوا أن الله ما أكثر عليهم تلك النعم إلا وهو راضٍ عنهم، كما قال تعالى في سورة المؤمنين (55-56) ﴿ أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ

وقال تعالى في سورة سبأ (37) ﴿ وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا، فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا، وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ ﴾.

يعني أن كثرة الأموال والأولاد عند المرء لا تدل على أنه من المقربين عند الله، لأن ذلك قد يكون استدراجا ومكرا، والذي يدل على رضوان الله هو الإيمان والعمل الصالح، فصاحبه هو الذي يضاعف الله أجر عمله، ويكون يوم القيامة منعما في الغرفات، آمنا من عذاب الله.

وتجيء (حيث) مجرورة بالباء فلا تخرج عن سنتها، وهي الدلالة على ظرف المكان، قال شاعر يحث بني العباس على الفتك ببني أمية بعد أن أظفرهم الله عليهم:
أنزلوها بحيث أنزلها الله
بدار الهوان والإفلاس


والضمير في أنزلوها، يعود على أمية بمعنى القبيلة، أي أنزلوا بني أمية بالمكان الذي أنزلهم الله به من الذل.

وتجيء أيضا مجرورة بإلى كذلك، كقول الأدباء: إذا سمعوا بهلاك إنسان يكرهونه: إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم، وذلك إشارة إلى قول زهير بن أبي سلمى في المعلقة:
فشد ولم يفزع بيوتاً كثيرة
لدى حيث ألقت رحلها أم قشعم


فحمل حضين بن ضمضم على خصمه، ولم يخف بيوتاً كثيرة، أي لم يتعرض لها في الموضع الذي ألقت فيه رحلها أي نزلت فيه أم قشعم، وهي المنية أي الموت، أي هجم على خصمه في الموضع الذي حان فيه هلاكه، فأرداه قتيلا. وهنا جرت (حيث) بإضافة لدى إليها، وهي مبنية على الضم في اللغة الفصحى، وبعض العرب يفتحونها، وبعضهم يكسرون ثاءها.

ولا تضاف إلا إلى جملة فعلية نحو قوله تعالى في سورة الأنعام (124) ﴿ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ﴾ وقوله تعالى في سورة الطلاق (2-3) ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ أي من الجهة التي لا يظن أن الرزق يأتيه منها.

أو إلى الجملة الاسمية نحو: أقم حيث المقام طيب، واظعن حيث الظعن سهل، وحيث في ذلك مضافة إلى الجملة الفعلية أو الاسمية، وقد يحذف خبر المبتدأ في الجملة الاسمية نحو: هذا المنزل طيب من حيث الكلأ، والبعد عن طريق القوافل. أما من حيث الماء فليس بجيد، وتقدير الخبر فيهما موجود.

وقد تضاف (حيث) إلى مفرد شذوذا كقول الشاعر:
أما ترى حيث سهيل طالعا
نجم يضيء كالشهاب لامعا

(بجر سهيل).

قال العيني، وتبعه الصبان: ترى بصرية، وطالعا مفعولها، وحيث ظرف، ثم قال الصبان: وقيل: مفعولها حيث، وطالعا حال من سهيل اهـ

والقول الذي حكاه بصيغة التمريض هو الصواب الذي يستحق التصدير، أي أما ترى مكان سهيل حال كونه طالعا، وقد قلد الصبان العيني، وقلده كذلك الخضري في حاشيته على ابن عقيل، والعيني إمام محقق في علوم العربية، لا في علوم الدين، ولكنه غير معصوم، وخطؤه في هذه المسألة ظاهر.

وقيل سهيل مرفوع على الابتداء، وخبره محذوف تقديره موجود، فلا شاهد فيه، على إضافة حيث إلى المفرد. وهناك شاهد آخر على إضافتها إلى المفرد لا أريد أن أطيل بذكره.

وجزم ابن هشام في (المغني) أن حيث قد تدل على الزمان، واحتج على ذلك بقول الشاعر:
حيثما تستقم يقدر لك
الله نجاحا في غبر الأزمان


أما أئمة اللغة جعلوا استعمالها للزمان خطأ، وخصصوها بالمكان. قال في القاموسحيث) كلمة دالة على المكان كحين في الزمان، ويثلث آخره: اهـ وقد تقدم ذلك مبسوطا.

2- قولهم علماني وعقلاني خطأ، والصواب علمي وعقلي:
وجُهَّال هذا العصر يطلقون العلماني على ما بني على العلم من العقائد والأفكار المضادة للدين، فيقولون: دولة علمانية، أي لا تنتسب إلى أي دين، بل تعتمد في شؤونها على العلم، وهي جديرة بأن تسمى جهلية، لأن الدين هو المبني على العلم اليقيني، ولسنا بصدد انتقاد هذا اللفظ من حيث المعنى، فإنه ساقط، وقد تبين في مقالات: دواء الشاكين وقامع المشككين أن السواد الأعظم من العقلاء الأحرار الذين يستطيعون أن يعبروا عما يعتقدون بلا خوف، يؤمنون بالله وبالدين.

أما الشعوب المغلوبة على أمرها فلا يحكم عليها بشيء حتى تعود لها حريتها في اعتقادها. وإنما ننتقد هذه العبارة ونبين براءة اللغة العربية منها. فالنسبة إلى العلم: علمي.

قال ابن هشام في كتابه (أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك) ما نصه: باب النسب. إذا أردت النسب إلى شيء فلا بد لك من عملين في آخره: أحدهما أن تزيد عليه ياء مشددة تصير حرف إعرابه، والثاني أن تكسره فتقول في النسب إلى دمشق: دمشقي.اهـ وهكذا فعلنا في النسب إلى العلم، فقد كسرنا آخر الكلمة ليناسب الياء، وزدناه ياء مشددة. فزيادة الألف والنون في قولهم: علماني لا وجه لها، وإنما جاءت من الجهل بقاعدة النسب ولا يمكنهم أن يقولوا: إن هذه نسبة على غير قياس، لأن ما جاء من ذلك يقتصر فيه على السماع ولا يقاس عليه. قال ابن مالك في آخر النسب من ألفيته:
وغير ما أسلفته مقررا
على الذي ينقل منه اقتصرا


قال الأشموني في شرحه لألفية ابن مالك: يعني أن ما جاء من النسب مخالفا لما تقدم من الضوابط شاذ، يحفظ ولا يقاس عليه، وبعضه أشذ من بعض. فمن ذلك قولهم في النسب إلى البصرة: بصري – بكسر الباء – وإلى الدهر: دهري – بضم الدال – وإلى مرو: مروزي، وإلى الري: رازي، وإلى خراسان: خَرسي وخُرسي، وإلى جلولاء وحروراء – موضعين جلولي وحروري، وإلى البحرين: بحراني، وإلى أمية: أُموي – بفتح الهمزة – وإلى السهل: سُهلي – بضم السين - وإلى بني الحبلي – وهم حي من الأنصار منهم عبدالله بن أبي سلول المنافق، وسمي أبوهم الحبلى لعظم بطنه – حُبَلي- بضم الحاء وفتح الباء – ومنه قولهم: رقباني، وشعراني، وجماني، ولحياني، للعظيم الرقبة والشعر والجمة واللحية.

وقولهم في النسب إلى الشام واليمن وتهامة: رجل شآم ويمان وتهام، وكلها مفتوحة الأول اهـ.

قال في لسان العرب: والربي والرباني: الحَبْر، ورب العلم وقيل الرباني الذي يعبد الرب، زيدت الألف والنون للمبالغة في النسب. وقال سيبويه: زادوا ألفا ونونا في الرباني إذا أرادوا تخصيصاً بعلم الرب دون غيره، كأن معناه: صاحب علم بالرب دون غيره من العلوم.

وهو كما يقال رجل شعراني ولحياني ورقباني، إذا خص بكثرة الشعر، وطول اللحية، وغلط الرقبة، فإذا نسبوا إلى الشعر قالوا: شعري، وإلى الرقبة قالوا: رقبي، وإلى اللحية: لحيي.

والربي منسوب إلى الرب، والرباني: الموصوف بعلم الرب. ابن الأعرابي: الرباني العالم المعلم الذي يُغَذّي الناس بصغار العلم قبل كباره. وقال محمد بن علي بن الحنفية لما مات عبدالله بن عباس: اليوم مات رباني هذه الأمة.وروي عن علي أنه قال: الناس ثلاثة: علم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق.

قال ابن الأثير: هو منسوب إلى الرب بزيادة الألف والنون للمبالغة، قال: وقيل: هو من الرب، بمعنى التربية، كانوا يربون المتعلمين بصغار العلوم قبل كبارها. والرباني: العالم الراسخ في العلم والدين، أو الذي يطلب بعلمه وجه الله. وقيل: العالم: العامل المعلم. وقيل: الرباني: العالي الدرجة في العلم.

قال أبو عبيد: سمعت رجلا عالما بالكتب يقول: الربانيون: العلماء بالحلال والحرام، والأمر والنهي. قال: والأحبار: أهل المعرفة بأنباء الأمم، وبما كان ويكون. قال أبو عبيد: وأحسب الكلمة ليست بعربية، إنما هي عبرانية أو سريانية، وذلك أن أبا عبيدة زعم أن العرب لا تعرف الربانيين، قال أبو عبيد، وإنما عرفها الفقهاء وأهل العلم اهـ.

أقول: لله در أبي عبيد وأبي عبيدة فقد أصابا شاكلة الصواب. قال كروسمن Crossmann في معجمه العبراني الإنكليزي في تفسير الرباني ما معناه: هو العالم المتقي، لكن كل ما جاء في القرآن فهو عربي، سواء أكان عربياً غير مشترك، أي خاصا باللغة العربية، أم كان لفظا مشتركا بين العربية وأخواتها الساميات، أم كان لفظاً غير عربي في الأصل، ولكن العرب تكلمت به فصار عربياً بالاستعمال ككلمتي جبريل وميكائيل، فكل مابين دفتي المصحف فهو عربي، إلا أن عامة العرب لا تعرف الألفاظ العلمية، وإنما يعرفها علماؤها كورقة ابن نوفل، وأمية بن أبي الصلت.

ومن ذلك تعلم أن قولهم: علماني هو أمر عدواني على اللغة العربية، وما أشبهه من السخافات كالعقلاني والشخصاني فهو مثله، فأين المجامع العلمية في بغداد ودمشق والقاهرة؟

لماذا لا تذب عن اللغة العربية، وتسعى في تطهيرها، وإخراج القذى من طرفها، وترويق شرابها، ليكون عذباً سائغاً للشاربين.

3- كم هو جميل وكم أنا مسرور وما أشبه ذلك:
وهذا من التراكيب الأعجمية الخالصة، فإن الذي تستعمله العرب في هذا المعنى هو: ما أجمله، وأجمل به، وهما صيغتا التعجب، ولا مكان لاستعمال (كم) هنا، سواء أكانت خبرية أم استفهامية. ويحسن هنا أن أتكلم باختصار في الاستعمال الصحيح (لكم)، وإنما أترك الإطناب، لأنه يستلزم ذكر اختلاف النحويين، وذلك يشوش على كثير من القراء، ويعسر عليهم الاستفادة. وأسهل العبارات في ذلك وأجملها عبارة أبي محمد القاسم بن علي الحريري رحمه الله في المُلحة: باب كم الخبرية:
واجرر بكم ما كنت عنه مخبرا
معظما لقدره مكثرا

تقول كم مال أفادته يدي
وكم إماء ملكت وأعبد


قال الحريري في الشرح: اعلم أن (كم) اسم موضوع للعدد المبهم جنسا ومقدارا، ولها موضعان: الاستفهام والخبر المقترن بالتكثير. ولما كان العدد نوعين: أحدهما مجرور، والآخر منصوب، شبه كل واحد من موضعيها بأحد من نوعي العدد، فنصبوا ما بعدها على التمييز في الاستفهام، على ما نبينه في شرح نوع التمييز، وجروا ما بعدها بالإضافة في الأخبار.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 16-02-2021, 04:26 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,607
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تقويم اللسانين

ويجوز أن يقع الاسم الذي بعد (كم) الخبرية واحدا وجمعا، كقولك: كم عبد ملكت، وكم عبيد ملكت؟ كما أن العدد المجرور قد يكون واحدا في مثل قولك: مائة ثوب، ويكون جمعا في مثل قولك:ثلاثة أثواب، إلا أن من شرط جرها الاسم أن يكون الاسم يليها، فان فصل بينهما فاصل انتصب على التمييز كما ينتصب في الاستفهام، فتقول في الخبر: كم لي عبدا، كما تقول في الاستخبار: كم عبدا لك؟

وقال في المنصوبات: باب كم الاستفهامية:
وكم إذا جئت بها مستفهما
فانصب وقل كم كوكبا تحوي السما


قد ذكرنا في شرح باب الإضافة أن كم الخبرية يجر ما بعدها، وكم الاستفهامية ينصب ما بعدها على التمييز، تشبيها لها بالعدد المنصوب على التمييز، ولهذا جاء مفسرها واحدا ولم يجئ جمعا، كما أن المنصوب بعد العدد الذي هو الذي أحد عشر إلى تسعة وتسعين لا يكون إلا واحدا، وكم الاستفهامية قد تقع موقع المبتدأ في مثل قولك: كم عبد لك؟ فكم مبتدأ، ولك الخبر، ونصبت عبدا على التمييز. وقد تقع موقع المفعول به في مثل قولك: كم رجلا رأيت؟، وتقع موقع الجار والمجرور تارة بحرف الجر في مثل قولك: بكم دراهم بعت، وتارة بالإضافة في مثل قولك: ابن كم سنة أنت؟ اهـ.

وقد راجعت الترجمة الإنكليزية لقوله تعالى في سورة البقرة (175) ﴿ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ﴾ وترجمه قوله تعالى في سورة مريم (38) ﴿ أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا ﴾ وترجمة قوله تعالى في سورة الكهف (26) ﴿ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ ﴾، وهذه صيغ تعجب، وهي من الله تعالى للتعجب، فوجدت المترجم ترجمها كلها بأدوات الاستفهام, إذ لا يوجد في الإنكليزية صيغه تعجب، ومن هنا جاء معظم البلاء فإن لغة المستعمر الغالب استعمرت اللغة العربية كما استعمرت أهلها، فغيرت تراكيبها، وشوهت محاسنها، وتركتها جسد بلا روح، فالمفردات عربية، والتراكيب أعجمية.

4- تعبيرهم بالتمني عن الدعاء وإرادة الخير:
لم يزل المسلمون، والعرب الجاهليون قبلهم يدعون الله بالخير لمن يحبون، ويدعون بالشر على من يبغضون إلى زمان الدولة العثمانية، فإن الكلمة التي كانت تكتب قبل التوقيع في آخر الرسالة (داعيكم) يعنون الداعي لكم، ولما جاء الاستعمار، وتغلبت لغاته ترجموا اللفظ الانجليزي I wish you بقولهم: أتمنى لكم، وهي ترجمة فاسدة، لأن الفعل الإنكليزي المذكور يعبر عن الإرادة والرغبة الشديدة.

أما التمني فهو طلب المستحيل أو ما فيه عسر، والأكثر استعماله في طلب المستحيل، قاله الأشموني قالوا:ولا يستعمل التمني فيما هو واجب الوقوع. فمثال المستحيل قول الشيخ:
ألا ليت الشباب يعود يوما
فأخبره بما فعل المشيب


وقوله تعالى في سورة النساء (73) ﴿ وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ: يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ وقول الشاعر:
ليت وهل ينفع شيئا ليت
ليت شبابا بوع فاشتريت


قال الأشموني: وأما قوله تعالى ﴿ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ ﴾ مع أنه واجب، فالمراد: تمنيه قبل وقته.اهـ يعني قبل الأجل المحدود، وهو مستحيل.

وقال تعالى في سورة البقرة (96) ﴿ وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ، وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ ﴾ يعني ولتجدنهم، أي اليهود – مع زعمهم أنهم أبناء الله وأحباؤه – أحرص الناس على طول حياة، وأحرص من الذين أشركوا، وهم المجوس، فإن أحدهم يهنئ صاحبه بقولههزار نوروز مهرجان) يعني تعيش ألف سنة، وتشهد ألف عيد واحتفال ولو هنا للتمني قاله البيضاوي، وهذا أيضا من المستحيل.

قال البيضاوي في تفسير قوله تعالى في سورة النساء (32) ﴿ وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾ من الأمور الدنيوية، كالجاه والمال، فلعل عدمه خير والمقتضى للمنع كونه ذريعة إلى التحاسد والتعادي، لعدم الرضا بما قسم الله له، وأنه تشبه لحصول لشيء له من غير طلب، وهو مذموم لأن تمني ما لم يقدر له معارضة لحكمة القدر، وتمني ما قدر له بكسب بطالة وتضييع حظ، وتمني ما قدر له بغير كسب ضائع ومحال اهـ.

وروى أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم من حديث شداد ابن أوس أن النبي (ص) قال:«الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني». وقال الشاعر:
تمنوا لي الموت الذي يشعب الفتى
وكل امرئ والموت يلتقيان


وقال الآخر:
تمنى ابنتاي أن يعيش أبوهما
وهل أنا إلا من ربيعة أو مضر

فإن حان يوما أن يموت أبوكما
فلا تخمشا وجها ولا تحلقا شعر

وقولا هو المرء الذي لا خليله
أضاع ولا خان الصديق ولا غدر

إلى الحول ثم اسم السلام عليكما
ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر


وكانت المرأة في الجاهلية تلزم الحداد والبكاء على الميت سنة كاملة.وهذا كله في استعمال التمني بمعنى طلب المستحيل وإما استعماله بمعنى طلب الأمر العسير فكقول الشاعر:
ليت هنداً أنجزتنا ما تعد
وشفت أنفسنا مما نجد

واستبدت مرة واحدة
إنما العاجز من لا يستبد


قال في لسان العرب: التمني: حديث النفس بما يكون وما لا يكون، والتمني: السؤال للرب في الحوائج. وفي الحديثإذا تمنى أحدكم فليستكثر، فإنما يسأل ربه)، وفي رواية، فليكثر قال ابن الأثير: التمني تشهي حصول الأمر المرغوب فيه، وحديث النفس بما يكون وبما لا يكون. والمعنى إذا سأل الله حوائجه وفضله فليكثر، فان فضل الله كثير، وخزائنه واسعة اهـ ويجمع بين الحديث المشار إليه – على فرض ثبوته – وبين الحديث المتقدم، على أن التمني الذي في هذا الحديث هو سؤال الله، مع محاسبة النفس والعمل الصالح، فيرجع إلى الدعاء وهو المطلوب. فالصواب أن يقال مثلا:أرجو أن تكونوا بخير وعافية، وأرجو لكم سفرا سعيدا.


ويقال للمريض: أرجو لك شفاء عاجلا، أو أسأل الله لك.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 16-02-2021, 04:26 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,607
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تقويم اللسانين

تقويم اللسانين (6)

د. محمد تقي الدين الهلالي


1- قولهم: تنبأ بكذا وكذا:
يريدون أنه علم بصدق الفراسة وقوة الحدس ما سيكون في المستقبل كما قال الشاعر:
الألمعي الذي يظن بك الظن
كان قد رأى وقد سمعا


وفي الخبر: اتقوا فراسة المؤمن، فإنه ينظر بنور الله. رواه البخاري في التاريخ والترمذي عن أبي سعيد. وبعضهم يقول: تكهن بكذا وكذا، وهذا شيء لا يمكن التكهن به، وسنرى معنى تنبأ الحقيقي.

قال في اللسان: قال سيبويه: ليس أحد من العرب إلا ويقول: تنبأ مسيلمة، بالهمز، غير أنهم تركوا الهمز في النبي كما تركوه في الذرية والبرية والخابية. ثم قال: ويقال: تنبى الكذاب إذا ادّعى النبوة، وتنبى كما تنبى مسيلمة الكذاب وغيره من الدجالين المتنبين. ثم قال: وتنبأ الرجل: ادعى النبوة اهـ.

وقال شاعر أندلسي في أبي الطيب أحمد بن الحسين المتنبي يخاطب أحد أمراء الأندلس حين رآه ينشد شعر المتنبي:
تنبأ عجبا بالقريض ولو درى
بأنك تروى شعره لتألها




وقد عرفت أن معنى (تنبأ) ادعى النبوة، وهي الإنباء عن الله تعالى. وقصص المتنبئين مذكورة في العقد الفريد وغيره من كتب الأدب، والمتنبئون هم الذين ادعوا النبوة، واستعمال تنبأ بمعنى أخبر بشيء يقع في المستقبل استعمال استعماري، من استعباد اللغات الأوربية للغة العربية، فإن جهال المترجمين يترجمون الفعل الإنكليزيProphesy بقولهم: تنبأ، ويترجمون (prophecy) بالنبوة يريدون بذلك الإخبار بالشيء قبل وقوعه، والصواب أن يقال: توقع وتفرس، وحدس أنه يقع كذا وكذا.

وقال في معجم أوكسفورد في معنى (بروفيساي prophecy) يتكلم كنبي، وقال في معنى (بروفيت prophet) هو الموحى إليه المخبر عن الله فظهر لك أن الأوربيين يستعملون تنبأ بمعنى يتكلم كما يتكلم النبي، والنبي كثيرا ما يخبر بالمغيبات، فهذا الاستعمال في لغتهم شائع. وقد توهم المترجمون أن كل ما ساغ في لغتهم يسوغ في لغتنا، خصوصا ولغتهم لغة القوي القاهر، ولغتنا لغة الضعيف المغلوب على أمره.

ومعنى (بروفيت) في اللغة الإنكليزية لا يختلف عن معناه في اللغة العربية، فهو الموحى إليه المخبر عن الله تعالى، وحق لغتنا علينا أن ننظفها من كل استعمال دخيل، محافظين على جمالها ونضارتها وبهجتها. ويقال في الكلام الفصيح: صدق حدسه، وتحقق ظنه، والمخطئون يقولون: صدقت نبوته.

2- ينبغي عليه:
ومن الأخطاء الشائعة في هذا الزمان في الإذاعات والصحف قولهم: ينبغي عليه أن يفعل كذا وكذا، فيعدون ينبغي بعلى، وهذا دليل على إهمال اللغة، وطرح العناية بها جانباً وذلك شأن الأمم المخذولة المنحطة، السائرة إلى الاضمحلال. وقد رأينا أسلافنا كيف اعتنوا بلغة القرآن، وخدموها أحسن خدمة، فضبطوا مخارج حروفها وصفاتها، وتجويد النطق بها، وحققوا معاني كلماتها، وتركيب جملها، وجودة أسلوبها وبلاغتها، وتركوها لنا في غاية الكمال والجمال، فلم نكن خير خلف لخير سلف.

ومن المعلوم أن القرآن هو أول كتاب ينطق بلغة العرب الخالصة، ولا يستطيع أحد معرفة اللغة العربية، وفصاحتها وبلاغتها، وأسرارها إلا بدراسة القرآن، واتخاذه إماماً ومناراً يهتدى به في علومها، هذا بالنسبة إلى غير المسلمين الذين لا يهمهم من القرآن إلا ما فيه من فصاحة وبلاغة وأنه حجة في اللغة العربية، فكيف بالمسلمين الذين يجب عليهم – إن كانوا مسلمين حقاً – أن يتخذوا القرآن إماما وسراجاً منيراً، يتبعونه ويهتدون به في دينهم، يحلون حلاله، ويحرمون حرامه، ويتخذونه حكماً، فيه شريعتهم، ومنهاج أخلاقهم، وهدايتهم، وشفاء صدورهم، وروح أرواحهم كما قال تعالى في سورة الكهف (1-3) ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا، مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا ﴾.

قال ابن كثير: قد تقدم في أول التفسير أنه تعالى يحمد نفسه المقدسة عند فواتح الأمور وخواتمها، فإنه المحمود على كل حال، وله الحمد في الأولى والآخرة، ولهذا حمد نفسه على إنزاله كتابه العزيز على رسوله الكريم محمد صلوات الله وسلامه عليه، فإنه أعظم نعمة أنعمها على أهل الأرض، إذ أخرجهم به من الظلمات إلى النور، حيث جعله كتابا مستقيما لا اعوجاج فيه، ولا زيغ، بل يهدي إلى صراط مستقيم، واضحاً بيناً جلياً، نذيراً للكافرين، بشيراً للمؤمنين.

ولهذا قال ﴿ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا ﴾ أي لم يجعل فيه اعوجاجا، ولا زيغا ولا ميلا، بل جعله معتدلا مستقيما، ولهذا قال ﴿ قَيِّمًا ﴾ أي مستقيما ﴿ لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ ﴾ أي لمن خالفه وكذبه ولم يؤمن به، ينذر بأساً شديداً، عقوبة عاجلة في الدنيا، وآجلة في الأخرى ﴿ مِنْ لَدُنْهُ ﴾ أي من عند الله الذي لا يعذب عذابه أحد، ولا يوثق وثاقه أحد ﴿ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ أي بهذا القرآن، الذين صدقوا إيمانهم بالعمل الصالح ﴿ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا ﴾ أي مثوبة عند الله جميلة ﴿ مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا ﴾ في ثوابهم عند الله، وهو الجنة، خالدين فيه أبدا، دائما، لا زوال له ولا انقضاء اهـ.

قوله (وهو الجنة) الذي أراه أن الأجر الحسن الذي يمكث فيه المؤمنون أبداً لا يختص بنعيم الجنة، بل ينتظم سعادة الدنيا والآخرة، لأن الله وعد بذلك في غير ما آية من كتابه العزيز لقوله تعالى في سورة النحل (97) ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ، فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً، وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾. وحكمة الله تعالى وعدله يقتضيان ثواب الدارين لكل أمة صالحة، وعقاب الدارين لكل أمة فاسقة، وأدلة هذا في القرآن كثيرة.

فسبب ما يقاسيه المسلمون في هذا الزمان من الشقاء هو إهمال القرآن، وجعله وراء ظهورهم. والخطأ الذي نحن الآن بصدد إصلاحه لا يقع ويشيع إلا في أمة أهملت القرآن، لأن هذا الفعل تكرر استعماله في القرآن فجاء في ستة مواضع أحدها قوله تعالى في سورة الفرقان (17-18) ﴿ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ: أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ؟ قَالُوا: سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ، وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا ﴾.

معنى هاتين الآيتين أن الله تعالى يسأل المشركين يوم القيامة الذين كانوا يعبدون الملائكة والأنبياء والصالحين، كعيسى وأمه، وسائر من عبد من الصالحين، فيقول لهم: أأنتم أمرتم هؤلاء أن يعبدوكم، فيتبرأون منهم منزهين الله تعالى عن الشريك قائلين: سبحانك، ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء، أي لا يليق بنا أن نتخذ المشركين أولياء، أو نرضى بعملهم، ولكن متعتهم وآباءهم بالنعم، ولم تعجل لهم العذاب، فتركوا كتابك، واتبعوا أهواءهم، وكانوا في علمك هالكين، فحق عليهم العذاب.

ففعل (ينبغي) لا ينبغي أن يتعدى بعلى، وإنما ينبغي أن يتعدى باللام.

3- مع أنباء وآراء وما أشبهها من الصرف:
كل من يستمع إلى الإذاعات يعلم أن بعض المذيعين يمنعون صرف كل جمع من جموع التكسير جاء على أفعال، كأنباء وآراء، وأحزاب، والذي ورطهم في ذلك أنهم رأوا (أشياء) جمع شيء ممنوعة من الصرف فقاسوا عليها ما يشابهها في اللفظ لجهلهم.وقد اتفق النحاة على منع صرف (أشياء)، واختلفوا في تعليله اختلافاً كثيراً، لو ذكرته هنا لشوش على كثير من القراء، وأيْأَسَهُم في فهم المقصود، فأقتصر على ذكر القول الراجح، وهو قول الخليل وسيبويه.

قال صاحب اللسان: وأشياء: لفعاء عند الخليل وسيبويه اهـ وبيان ذلك أن لام الكلمة تقدمت على فائها وعينها فصارت (لفع) اتصلت بها ألف التأنيث الممدودة، فصارت (لفعاء) وهو وزن أشياء، باعتبار الهمزة الأولى آخر الكلمة في الأصل تقدم على أولها وثانيها، فلم يبق إلا المد والهمزة، وذلك ما يسمى بألف التأنيث الممدودة كما في أصدقاء وأغنياء وغيرهما من الجموع، وكما في خضراء وحمراء وصحراء وغيرهن من الأسماء المفردة.

والذي حملهم على هذا التأويل أنها جاءت ممنوعة من الصرف في القرآن، قال تعالى في سورة المائدة (101) ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ﴾.

وقال ابن حمدون على الأزهري: أشياء، جمع شيء، وأصله شياء فكرهوا اجتماع همزتين بينهما حاجز غير حصين وهو الألف فقدموا الهمزة الأولى – لام الكلمة على الفاء والعين، فصار أشياء، فهو ممنوع من الصرف لألف التأنيث الممدودة.اهـ.

أقول: علة منعه من الصرف غير معلومة يقينا، وتعليلات النحويين حدس وتخيل قلَّ ما يثبت أمام النقد، والمقصود بها ترسيخ القواعد في ذهن الطالب. أما أنباء وآراء وما أشبههما فلا معنى لمنعها من الصرف، وقد أصبح الإنشاء عند المتكلمين باللغة العربية لا يستفاد من المدرسة وقراءة كلام البلغاء، وحفظ أشعارهم، وإنما يؤخذ من الإذاعات والصحف، وذلك دليل على أن علم العرب اليوم بلغتهم ضحل، وذلك دليل على التخلف، وهم يرون الشعوب المتقدمة كبريطانيا وجرمانية وفرنسا تبذل الجهود والأموال في رفع مستوى لغاتها ونشرها في الدنيا كلها، فأين التقدم الذي يتبجح به بعضهم؟

4- التعبير عن افتتاح المدرسة ونحوها بالتدشين:
يقولون: دشن المدرسة، أو المصرف، يعنون افتتحهما باحتفال، وهذا الفعل لم أجده في شيء من معاجم اللغة التي عندي إلا في المنجد، ولا عبرة به، لأنه يخلط الدخيل بالأصيل، وفي القاموس دشن: أعطى، وتدشن أخذ، وداشان: بلد، والداشن معرب الدشن، يعنون به الثوب الجديد لم يلبس، والدار الجديدة لم تسكن اهـ.

وفي اللسان: داشن معرب من الدشن، وهو كلام عراقي، وليس من كلام أهل البادية، كأنهم يعنون به الثوب الجديد الذي لم يلبس، أو الدار الجديدة التي لم تسكن ولا استعملت اهـ.

وقول صاحب اللسان: كلام عراقي، وليس من كلام أهل البادية، يؤيده ما قرأته في معجم لعالم عراقي موصلي نسيت اسمه الآن، ضمنه الكلمات السريانية التي دخلت في اللغة العراقية، فذكر منها (دشن) الدار الجديدة، أي سكنها لأول مرة. ومن سوء الحظ أنه ليس عندي في هذا الوقت معجم سرياني، ولو كان عندي ما قدرت أن أستفيد منه لضعف بصري، وعدم وجود من يعرف اللغة السريانية هنا.

وكيفما كان الأمر فاستمال الفعل دشن وما يشاركه في الاشتقاق بمعنى افتتاح المعرض أو المدرسة ليس من كلام العرب ولا حاجة إليه والذوق السليم يكرهه.

5- جمع النية على نوايا:
ومما يحزن ويسوء كل من له غيرة على لغة القرآن أن أكثر الخطباء والكتاب يجمعون (النية) على «نوايا» وذلك دليل على إفلاسهم وجهلهم بقواعد اللغة العربية السهلة، لأن النية فعلة، بكسر فسكون، وعينها واو، بدليل: نوى ينوي، فأصلها (نوية) حكمت عليها القاعدة الصرفية الشهيرة بقلب الواو ياء وإدغامها في مثلها.والقاعدة هي قولهم: اجتمعت الياء والواو، وسبقت إحداهما بالسكون، فقلبت الواو ياء وأدغمت في الياء، وقد شبه علماء الصرف هذين الحرفين عند اجتماعهما وسبق أحدهما بالسكون بالحجر والصحفة من الخزف، أو الصيني والحجر، فالصحفة هي الواو، والحجر هو الياء، فمتى وقعت الصحفة على الحجر، وهي الواو الساكنة انكسرت الصحفة، كما في تية، ومتى وقع الحجر على الصحفة، أي سبقت الياء الواو، وهي ساكنة انكسرت الصحفة، وهي الواو، فالانكسار خاص بالواو، سواء أتقدمت أم تأخرت.


ومثال تقدم الياء على الواو (سيد) فان أصله (سيود) بدليل الفعل: يسود، حكمت عليه القاعدة المذكورة بإبدال الواو وياء وإدغام الياء فيها. وفعلة بكسر فسكون، كحِكْمة، وقِرْبة، وهي السقاء، إنما تجمع جمع تصحيح على فعلات كما في الحديث المتفق عليه (إنما الأعمال بالنيات) وتجمع جمع تكسير على فِعَل – بكسر ففتح – كحكمة وحِكَم، وقِرْبة وقِرَب، وشيمة وشيم، وذلك كثير، ولا تجمع البتة على فعائل، لأنها لفظ ثلاثي، والذي يجمع على فعائل هي الكلمات الرباعية، كبرية وبرايا، وضحية وضحايا، وفضيلة وفضائل.

وقد جمعت النية على (ني) بكسر النون وتشديد الياء، كسدرة وسدر، وهو نادر، قال النابغة الجعدي:
أنك أنت المحزون في أثر الحي
فإن تنوِ نِيّهم تقم




قال صاحب اللسان: قيل في تفسيره: ني جمع نية، وهذا نادر: قال ابن الأعرابي: قلت للمفضل: ما تقول في هذا البيت؟ قال: فيه معنيان: أحدهما يقول: قد نووا فراقك، فإن تنو كما نووا تقم فلا تطلبهم. والثاني قد نووا السفر، فإن تنو كما نووا تقم صدور الإبل في طلبهم انتهى.

أقول: والمعنى الأول هو الظاهر، وهذا البيت من بحر المنسرح.

6- هذا العمل له ما يبرره:
ومن أخطائهم قولهم: لهذا العمل ما يبرره، وكأنهم يريدون بالتبرير أن يجعل من البر وهو الإحسان. وقد بحثت فلم أجد في لسان العرب، وهو أكبر معجم عند العرب اليوم، برَّر على وزن فعَّل، كعلَّم وإنما وجدت برَّ وأبرَّ، وهذا من أخطاء المترجمين للفظ الإنكليزي Jastify والصواب أن يقال: لهذا العمل ما يسوغه، أي يجعله سائغا، فلا يعاقب فاعله ولا يلام.

7- قولهم: يعشق الصحافة ويعشق العلم:
قال في القاموس: العشق والمعشق كمقعد، عجب المحب بمحبوبه، أو إفراط الحب، ويكون في عفاف وفي دعارة، أو عمى الحس عن إدراك عيوبه، أو مرض وسواسي يجلبه إلى نفسه بتسليط فكره على استحسان بعض الصور اهـ.

قال الحافظ ابن الجوزي في كتابه تلبيس إبليس في أثناء انتقاده على بعض الصوفية استعمالهم لفظ العشق في حب الله تعالى قال: لا يعشق إلا ما ينكح. وكلام صاحب القاموس يؤيده، فإن قوله: يكون في عفاف وفي دعارة، يدل على أن العشق لا يستعمل استعمالا صحيحاً إلا في حب يتعلق بمن تمكن مباشرته، والشخص الذي تمكن مباشرته، وهو المعشوق، يكون ممتنع الوصول، فيزيد ذلك الامتناع في إذكاء نار العشق في قلب العاشق، فإن كان تقيا عفيفا صبر وامتنع عن طلب الوصال، إيثارا لما يبقى على ما يفنى، أو تجنباً للعار، وإن كان غير عفيف اندفع في طلب الوصال بدون مبالاة، وهذا هو الذي عبر عنه اللغويون بالدعارة. وكلتا الحالين لا تتفق إلا مع المعشوق الذي تمكن مباشرته.

أما الصحافة والعلم والمعرفة والرياضة وما أشبه ذلك، فالصواب أن يعبر فيها بالحب، وكذلك حب الله سبحانه وتعالى، وحب رسوله والمؤمنين، لا ينبغي أن يعبر عنه بالعشق. ويدل على ذلك أيضا قول صاحب القاموس (أو مرض وسواسي يجلبه إلى نفسه بتسليط فكره على استحسان بعض الصور) فإن من أحب الله ورسوله والعلم وأهله لا يجلب لنفسه مرضاً وسواسياً أبداً، بل يزداد عقله قوة وصحة.

وكذلك القول بأن العشق عمى الحس عن إدراك عيوب المعشوق، لا يتناسب إلا مع من تمكن مباشرته. ويروى حديث في العشق ذكره داود الأنطاكي في كتابه (تزيين الأسواق بتفصيل أشواق العشاق) ص6 هذا نصه:
عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قالمن عشق فعف، فمات دخل الجنة). زاد الخطيب عنه: فظفر، ثم أبدل قوله (دخل الجنة) بقوله «مات شهيدا»، وفي أخرى (فكتم). والحديث بسائر ما ذكر صححه مغلطاي، وأعله البيهقي والجرجاني والحاكم في التاريخ بضعف سويد وتفرده به. ورواه ابن الجوزي مرفوعا وأبو محمد بن الحسن موقوفا، وأخرج الخطيب عن عائشة رفعه أيضا.

وحاصل الأمر أما صحته أو حسنه، والجواب عن تفرد سويد المنع بوروده عن غيره، وحكايته تحديثا، وكونه قبل عماه، فلا تدليس اهـ.

والعجب من هذا الرجل الذي قضى عمره في علم الطب والفلسفة كيف تكلم على هذا الحديث كأنه من علماء الحديث، ولا غرابة في ذلك، فإن المسلمين في زمان عزهم وارتقائهم كانت لهم ثقافة جامعة عالية لا تشبهها أي ثقافة من ثقافات العصر الحاضر وإذا أردت تزداد أن علماً بذلك فعليك بمطالعة كتاب عيون الأنباء في طبقات الأطباء، لابن أبي أصيبعة، فإنك ترى أولئك الأطباء الذين ترجم لهم متبحرين متفننين في علوم كثيرة، إذا رأيت اطلاعهم في كل علم منها تقول: إنهم لا يحسنون غيره، وهذه مزية خاصة بعلماء الإسلام.

أما المثقفون في هذا العصر، فأغلبهم لا يحسن من العلوم إلا ما اختص به، ومن عجائب ما رأيت في ذلك أني كنت أتحدث في مستشفى العيون التابع لجامعة بُون بألمانيا مع رئيس المستشفى، وهو أحد العلماء العشرة الذين يتألف منهم مجلس الجامعة الأعلى، وهو الدكتور البروفيسور (شميت schmit) وكان ذلك سنة 1954م فوجدته يعتقد وجود الدولة العثمانية واستمرار سلاطينها، مع أنه بلغ الغاية في علم الطب، حتى أنه يدعى من الولايات المتحدة ليسافر إلى هناك لإجراء الأعمال الجراحية وإلقاء المحاضرات، وقد بلغ جهله بالتاريخ إلى ما رأيت.

وهذا الحديث أيضا يدل على أن العشق لا يكون إلا لمن تمكن مباشرته. ثم راجعت الجامع الصغير فوجدته ذكر حديثين في هذا الباب، أحدهما عن عائشة، ونصهمن عشق فعف، ثم مات، مات شهيدا). رواه الخطيب، وأشار إليه السيوطي بعلامة الضعف.

والثاني: عن ابن عباسمن عشق فكتم وعف فمات، فهو شهيد). رواه الخطيب، وأشار إليه السيوطي بعلامة الضعف أيضا.

وإن صدق الأنطاكي في نقله صحة الحديث عن الإمام الحافظ علاء الدين مغلطاي، فإنه حجة في علم الحديث. ويؤيد ما ذكرناه أن حب الله، ذكر في القرآن، في مواضع عديدة، ولم يعبر عنه بالعشق. وحب الرسول صلى الله عليه وسلم جاء في الحديث.

أخرج البخاري من حديث أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قاللا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين).

والأحاديث التي جاء فيها حب الله ورسوله، وحب المؤمنين بعضهم بعضا كثيرة، ولم يرد في شيء منها التعبير بالعشق.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 16-02-2021, 04:27 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,607
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تقويم اللسانين

تقويم اللسانين (7)

د. محمد تقي الدين الهلالي


1- قال عنه:

من البدع المحدثات في الكلام العربي التي شاعت وذاعت في زمان الاستعمار، وكثرة ما يترجم من اللغات الأعجمية حين ضعفت الشعوب العربية، ولم يبق لها قول إلا ما تنقله من كلام المستعمرين المتغلبين قولهم (قال عنه) أنه كذا وكذا مدحاً أو ذما، وهذا خطأ، والصواب أن يقال (قال فيه). والأدلة على هذا أكثر من أن تحصى أقتصر على قليل منها.




قال ابن منظور في مادة (ق ول) وفي حديث سعيد بن المسيب حين قيل له: ما تقول في عثمان وعلي؟ فقال: أقول فيهما ما قولني الله تعالى (59-10) ﴿ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ ﴾.



وفي حديث علي، عليه السلام: سمع امرأة تندب عمر فقال: أما والله ما قالته، ولكن قولته، أي لقنته وعُلِّمته وألقي على لسانها، يعني من جانب الإلهام، أي أنه حقيق بما قالت فيه اهـ.



الشاهد هنا في ثلاثة مواضع في قول سعيد بن المسيب: أولهما قوله (أقول فيهما ما قولني الله تعالى) والثاني في سؤال من سأله (ما تقول في عثمان وعلي؟) والثالث في خبر علي مع المرأة، وقد فسر صاحب اللسان بقوله (إنه حقيق بما قالت فيه) ومعنى حقيق هنا: جدير بما قالت فيه تلك المرأة من المدح والثناء.



ومراد سعيد بن المسيب بتلاوة الآية أنه يقول فيهما خيراً.

وبيان ذلك أن الله تعالى أثنى على المهاجرين في سورة الحشر بقوله (8) ﴿ لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا، وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ﴾. وأثنى على الأنصار بقوله (9) ﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ. وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ وأثنى على التابعين لهم بإحسان بقوله (10) ﴿ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾.



ذِكْرُ تفسير الحافظ ابن كثير لهذه الآيات باختصار:

قال ابن كثير: يقول تعالى مبينا حال الفقراء المستحقين لمال الفيء إنهم الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم، يبتغون فضلا من الله ورضوانا، أي خرجوا من ديارهم، وخالفوا قومهم ابتغاء مرضاة الله ورضوانه يَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ أي هؤلاء الذين صدَّقوا قولهم بفعلهم، وهم سادات المهاجرين. والفيء كل مال أخذه المسلمون من أعدائهم بدون قتال، كأموال بني النضير، وهي المعنية بهذه الآية.



ثم قال تعالى مادحا للأنصار، ومبينا لهم فضلهم وشرفهم وكرمهم، وعدم حسدهم، وإيثارهم مع الحاجة فقال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ ﴾ أي سكنوا دار الهجرة من المهاجرين، وآمنوا قبل كثير منهم.



قال عمر (يعني في وصيته عند موته): وأوصي الخليفة بعدي بالمهاجرين الأولين أن يعرف لهم حقهم، ويحفظ لهم كرامتهم، وأوصيه بالأنصار خيراً الذين تبوأوا الدار والإيمان من قبل، أن يقبل من محسنهم، وأن يعفو عن مسيئهم. رواه البخاري.



ثم روى عن أحمد بسنده إلى أنس قال: قال المهاجرون: يارسول الله، ما رأينا مثل قوم قدمنا عليهم أحسن مواساة في قليل، ولا أحسن بذلا في كثير، لقد كفونا المؤونة، وأشركونا في الهناء (الهنأ ما أتاك من الرزق بلا مشقة) حتى لقد خشينا أن يذهبوا بالأجر كله قال: لا ما أثنيتم عليهم ودعوتم الله لهم اهـ.



ومعناه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما آخى بين المهاجرين والأنصار صار الأخ الأنصاري يقوم بالعمل كله في أرضه ويقاسم أخاه المهاجر الغلة والثمرة. فخاف المهاجرون أن كل ما عملوه من عمل مقبول عند الله يكون أجره لإخوانهم الأنصار الذين كفوهم مؤونة العمل، وأشركوهم في الغلة والثمرة، فأخبرهم النبي (ص) أن أجرهم ثابت لهم، إن كافؤوا إخوانهم الأنصار بالثناء والشكر ودعوا الله لهم. روى أحمد والترمذي من حديث أبي سعيد أن النبي (ص) قال: من لم يشكر الناس، لم يشكر الله.



وروى البخاري بسنده إلى يحيى بن سعيد، سمع أنس بن مالك حين خرج معه إلى الوليد قال دعا النبي (ص) الأنصار أن يقطع لهم البحرين، قالوا: لا إلا أن تقطع لإخواننا من المهاجرين مثلها، قال أما لا فاصبروا حتى تلقوني فإنه سيصيبكم أثرة اهـ.



قال في مجمع البحار: وفي الحديث ستلقون بعدي أثرة - بفتحتين - اسم من آثر يوثر إيثارا، أي أعطى، أراد أنه يستأثر عليكم، فيفضل غيركم في نصيبه من الفيء. والاستئثار: الإنفراد بالشيء اهـ.



ثم قال ابن كثير: ﴿ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا ﴾ أي ولا يجدون في أنفسهم حسدا للمهاجرين فيما فضلهم الله به من المنزلة والشرف، والتقديم في الذكر والرتبة. قال الحسن البصري ﴿ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً ﴾ يعني الحسد مِمَّا أُوتُوا قال قتادة: يعني فيما أعطى إخوانهم، وكذا قال ابن زيد:

و مما يستدل به على هذا المعنى ما رواه أحمد بسنده إلى أنس قال: كنا جلوسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقاليطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة، فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته (أي تقطر) من وضوئه، قد علق نعليه بيده الشمال، فلما كان الغد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ذلك، فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى، فلما كان في اليوم الثالث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل مقالته أيضا، فطلع ذلك الرجل على مثله حاله الأولى. فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم تبعه عبدالله بن عمرو بن العاص فقال: إني لاحيت أبي (أي خاصمته) فأقسمت أني لا أدخل عليه ثلاثا، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي فعلت، قال: نعم، قال أنس: فكان عبدالله يحدث أنه بات معه تلك الثلاث الليالي، فلم يره يقوم من الليل شيئا، غير أنه إذا تعار (أي استيقظ) تقلب على فراشه، ذكر الله وكبر، حتى يقوم لصلاة الفجر، قال عبدالله: غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرا، فلما مضت الثلاث الليالي، وكدت أن أحتقر عمله، قلت ياعبدالله، لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجرة، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول لك ثلاث مرات: يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة، فطلعت أنت الثلاث المرات، فأردت أن آوي إليك، لأنظر ما عملك، فأقتدي به، فلم أرك تعمل كبير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ما هو إلا ما رأيت، فلما وليت، دعاني فقال: ما هو إلا ما رأيت، غير أني لم أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشا، ولا أحسد أحداً على خير أعطاه الله إياه، قال عبدالله: فهذه التي بلغت بك، وهي التي لا تطاق اهـ.



استفدنا من الآية والحديث الذي رواه عبد الله بن عمرو عن الرجل الأنصاري، أن العمل القليل مع سلامة الصدر من الحسد والغل والغش خير من العمل الكثير الذي ليس معه تلك السلامة، ولكن عندنا هنا إشكالا في ادعاء عبدالله بن عمرو أنه خاصم أباه فغضب عليه، واتخذ ذلك وسلة إلى أن يكون ضيفا عند الأنصاري ليراقب عمله بالليل من صلاة، وقراءة قرآن ودعاء، فهل كان ذلك جائزا أن يتذرع المرء بالكذب البحت، ليتوصل إلى خير، وهو ما يسمونه في لغة أهل هذا الزمان المأخوذة من اللغات الأجنبية: الغاية تسوغ الواسطة.



والذي نفهمه من أدلة الكتاب والسنة أن الكذب في مثل هذا لا يجوز، فهي هفوة ارتكبها هذا الصحابي الناشئ، حرصاً منه على الخير، واكتشاف الأسرار، ليعرف ما يقوم به ذلك الأنصاري من العبادة بالليل، حتى شهد له النبي صلى الله عليه وسلم أنه من أهل الجنة ثلاث مرات في ثلاثة أيام متوالية.



ثم قال ابن كثير: وقوله تعالى: وَ﴿ يُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ﴾ يعنى حاجة، أي يقدمون المحاويج على حاجة أنفسهم، ويبدأون بالناس قبلهم في حال احتياجهم إلى ذلك وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قالأفضل الصدقة جهد المقل)، وهذا المقال أعلى من حال الذين وصف الله بقوله تعالىس 8: 76) ﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ ﴾ وقوله2: 177) ﴿ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ﴾ فإن هؤلاء تصدقوا وهم يحبون ما تصدقوا به، وقد لا يكون لهم حاجة إليه ولا ضرورة به، وهؤلاء آثروا على أنفسهم مع خصاصتهم وحاجتهم إلى ما أنفقوه.



ومن هذا المقام تصدق الصديق رضي الله عنه بجميع ماله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما أبقيت لأهلك؟ فقال: أبقيت لهم الله ورسوله). وهكذا الماء الذي عرض على عكرمة وأصحابه يوم اليرموك، فكل منهم أمر بدفعه إلى صاحبه، وهو جريح مثقل أحوج ما يكون إلى الماء، فرده الآخر إلى الثالث حتى ماتوا عن آخرهم، ولم يشربه أحد منهم رضي الله عنهم وأرضاهم.



وقال البخاري بسنده إلى أبي هريرة قال: أتى رجل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، أصابني الجهد، فأرسل إلى نسائه فلم يجد عندهن شيئا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا رجل يضيف هذا الليلة، رحمه الله، فقام رجل من الأنصار فقال: أنا يا رسول الله، فذهب إلى أهله فقال لامرأته: هذا ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا تدخريه شيئا، فقالت: والله ما عندي إلا قوت الصبية، قال: فإذا أراد الصبية العشاء فنوميهم، وتعالي فاطفئي السراج، ونطوي بطوننا الليلة ففعلت، ثم غدا الرجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: لقد عجب الله عز وجل، أو ضحك من فلان وفلانة، وأنزل الله تعالى: ﴿ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ﴾ وفي رواية لمسلم تسمية هذا الأنصاري بأبي طلحة.



وقوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ أي من سلم من الشح، فقد أفلح وأنجح. روى أحمد ومسلم بالسند إلى جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم، قالإياكم والظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح، فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم، واستحلوا محارمهم).



وقوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ هؤلاء هم القسم الثالث ممن يستحق فقراؤهم من مال الفيء، وهم المهاجرون ثم الأنصار، ثم التابعون لهم بإحسان، كما قال في سورة التوبة (100) ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ﴾ فالتابعون لهم بإحسان هم المتبعون لآثارهم الحسنة، وأوصافهم الجميلة، الداعون لهم في السر والعلانية، ولهذا قال تعالى في هذه الآية الكريمة: ﴿ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ أي قائلين رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا ﴾ أي بغضا وحسدا ﴿ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾.



وما أحسن ما استنبط الإمام مالك، رحمه الله، من هذه الآية الكريمة أن الرافضي الذي يسب الصحابة ليس له في مال الفيء نصيب لعدم اتصافه بما مدح الله به هؤلاء في قولهم ﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾.



وقال ابن أبي حاتم بسنده إلى عائشة إنها قالت: أمروا أن يستغفروا لهم فسبوهم، ثم قرأت هذه الآية: ﴿ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ ﴾ الآية.



وروى البَغَوي بسنده إلى عائشة أيضا قالت، أمرتم بالاستغفار لأصحاب محمد، صلى الله عليه وسلم، فسببتموهم، سمعت نبيكم، صلى الله عليه وسلم، يقول:لا تذهب هذه الأمة حتى يلعن آخرها أولها اهـ.



قال محمد تقي الدين: وهذا ما قصده الإمامان سعيد بن المسيب ومالك، إذ فهما من الآيات الثلاث أن الله قسم المسلمين ثلاثة أقسام: المهاجرين والأنصار، والذين جاءوا من بعدهم إذا كانوا يحبونهم، ويستغفرون لهم ولا يسبونهم، فمن سبهم فلا حق له في الفيء، لأنه خارج عن الأصناف الثلاثة التي استوعبت المسلمين. فالمتبعون لهم بإحسان، كما في سورة التوبة لا يقولون فيهم إلا خيرا، ولا يتشيعون لبعضهم، ويسبون غيرهم ويبغضونهم.



قال الحافظ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي في كتابه (ميزان الاعتدال في نقد الرجال) أبان بن جبلة الكوفي أبو عبدالرحمن، ضعّفه الدار قُطْنِي وغيره. قال البخاري: مُنْكَر الحديث. ونقل ابن القطان أن البخاري قال: كل من قلت فيه منكر الحديث فلا تحل الرواية عنه.



ثم قال: اعلم أن كل من أقول فيه: مجهول، ولا أسنده إلى قائل، فإن ذلك قول أبى حاتم فيه. اهـ فقوله (أقول فيه مجهول) وقوله (فإن ذلك قول أبي حاتم فيه) مطابقان للاستعمال العربي السليم. والشواهد في هذا الكتاب وفي غيره من كتب الجرْح والتعديل، كتهذيب التهذيب، للحافظ ابن حجر، ولسان الميزان، له أكثر من أن تحصى، ولم يرد في شيء منها قال عنه أو قالوا عنه.



وإذا سأل سائل ماذا يقول النصارى في عيسى بن مريم يكون الجواب: يقولون فيه: إنه ابن الله، وإنه ثالث ثلاثة، وأنه الأقنوم الثاني، تعالى الله عن ذلك: وقال البوصيري في الهمزية في وصف امرأة أبي لهب وعداوتها للنبي (ص):



يوم جاءت غضبى تقول

أفي مثل من أحمد يقال الهجاء







تعني أفي يقال الهجاء الصادر من أحمد صلى الله عليه وسلم تعني بالهجاء سورة:تبت يدا أبي لهب فقال (في مثلي، ولم يقل عن مثلي) والقول يعدى بـ(في) في المسائل كذلك يقال: ما تقول في مسألة كذا وكذا. وقال عبدالله بن مسعود في مسألة سئل عنها: أقول فيها برأيي، فإن كان صوابا فمن الله، وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان.

وقد أكثر من ذلك ابن برى في منظومته كقوله:



القول في التعوذ المختار

وحكمه في الجهر والإسرار







كيف تستعمل قال عنه؟

فإن قلت: قد فهمنا من كلامك أن تعبير عامة الكتاب يقال عنه في موضع قال فيه خطأ، فأين تستعمل قال عنه؟ فالجواب: يستعملها المحدثون في الرواية، وقد أكثر من ذلك البخاري رحمه الله. فمن ذلك قوله في كتاب العلم من صحيحه: وقال شقيق عن عبدالله سمعت النبي (ص): وقال أبو العالية عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: وقال أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال أبو هريرة عن النبي (ص) اهـ.



فمعنى قال هنا: روى وحدث، فهذا هو الفرق بين قال فيه وقال عنه، يجب علينا أن نميز بينهما، وأن نستعمل كلاً منهما فيما يناسبه، والله الموفق.



2- الخلط والخبط في استعمال الغداء (بالمهلمة) واستعمال الغذاء (بالمعجمة):

إذا استمعت إلى الإذاعات، أو قرأت الصحف تجد أكثر المتكلمين والكتاب لا يميزون بين الغداء والغذاء، ودونك معناهما وضبطهما. فالغداء – بفتح الغين المعجمة ودال مهملة ممدودا، هو طعام الغدوة، وهي أول النهار قال الله تعالى في سورة الكهف في قصة موسى مع الخضر62) ﴿ فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا ﴾.

قال البيضاوي: ﴿ فَلَمَّا جَاوَزَا ﴾ مجمع البحرين ﴿ قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا ﴾ ما نتغدى به ﴿ لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا ﴾ قيل لم ينصب حتى جاز الموعد، فلما جاوزه وسار الليلة والغد إلى الظهر ألقى عليه الجوع والنصب اهـ.



وقال الراغب في غريب القرآنغدا) الغدوة والغداة من أول النهار، والغداء طعام يتناول في ذلك الوقت اهـ.



وقال صاحب اللسان: والغداء: الطعام بعينه، وهو خلاف العشاء. ابن سيدة: الغداء طعام الغدوة، والجمع أغدية، عن ابن الأعرابي. أبو حنيفة: الغداء رعي الإبل في أول النهار، وقد تغدت وتغدى الرجل وغديته. ورجل غديان وامرأة غديا، على فعلى، وأصلها الواو، ولكنها قلبت استحسانا، لا عن قوة علة، وغديته فتغدى اهـ.



إذا فهمت هذا علمت أن تسمية الناس اليوم للطعام الذي يؤكل بعد الظهر غداء مخالف لاستعمال العرب، لأن العرب لم يكونوا يأكلون في وقت الظهر، وليس لغتهم اسم لطعام يؤكل وقت الظهر، ولم يكونوا يأكلون بالليل، ولذلك لا يوجد في لغتهم اسم لطعام يؤكل بالليل، وإنما كان عندهم غداء وعشاء، فالغداء تقدم بيانه، والعشاء طعام العشي.



قال صاحب القاموس: والعشي بالكسر، والعشاء كسماء طعام العشي، الجمع أعشية، وعشى وتعشى أكله، وهو عشيان ومتعش، وعشاه عشواً أطعمه إياه كعشاه وأعشاه اهـ.



وفيما سوى هذين الطعامين لا يتقيد الأكل بوقت معتاد متى جاع الإنسان أكل. ومن أمثال العرب: خير النهار بواكره، وخير العشاء سوافره، والبواكر هي ساعات الإبكار، الساعات الأولى من الصبح. والسوافر ساعات العشي التي لا يزال فيها ضوء النهار موجودا قبل أن يجيء الظلام ومرادهم بذلك التبكير للأشغال والأعمال، وتعجيل العشاء قبل أن يأتي الظلام.



ولا يزال كثير من العرب عاملين بذلك إلى يومنا هذا، فإني كنت أسكن بقرية الزبير بقرب البصرة، وسكانها من أهل نجد، وهم محافظون على العادات العربية، فكنت إذا خرجت إلى المسجد لصلاة المغرب، ووقفت في الصف أشم رائحة الدسم تنبعث عن يميني وشمالي، وذلك دليل على أنهم تعشوا قبل غروب الشمس، ولكنهم لم يحافظوا على الغداء في وقته الذي كانت عليه العرب، فإنهم يفطرون في الصبح بما تيسر، ويؤخرون الغداء إلى أن يصلوا الظهر.



ولما كنت ساكناً بمدينة الرسول صلى الله عليه وسلم سنة ألف وثلاثمائة وست وأربعين وسبع وأربعين رأيت سكان المدينة كلهم يتغدون في الضحى ويتعشون بين العصر والمغرب كما كان العرب الأولون يفعلون. أما في هذه السنة فقد أقمت في المدينة ستة عشر يوما ودعاني كثير من الإخوان إلى الطعام فرأيت تلك العادة قد تبدلت، وصار سكان المدينة يأخذون بعادة أهل المدن وهي ثلاث أكلات في النهار حين يصبحون وحين يظهرون، وحين يمسون.



وقد تجنبت ذكر الوجبة التي اعتاد الكتاب التعبير بها عن كل واحدة من الأكلات الثلاث المعتادة، لأنهم يستعملونها خطأ.



قال صاحب اللسان: الوجبة: الأكلة في اليوم والليلة قال ثعلب: الوجبة: أكلة في اليوم إلى مثلها من الغد اهـ.



والأوربيون أيضا يعملون بشطر المثل العربي، وهو خير العشاء سوافره، فإنهم يأكلون عادة أعشيتهم بين الساعة السادسة والسابعة، وتكون الشمس في الصيف لا تزال مرتفعة.



ويقول علماء الصحة: إن ذلك خير من تأخير الطعام إلى أن يكون قبيل النوم، فإن النوم على امتلاء المعدة تنشأ عنه أمراض، ولا يكون النوم معه هنيئا. أما إذا تعشى الإنسان مبكرا، فانه يتحرك بعد العشاء، فلا يأتي وقت النوم حتى يتم الهضم الأول للطعام.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 16-02-2021, 04:28 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,607
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تقويم اللسانين

تقويم اللسانين (8)

د. محمد تقي الدين الهلالي



1- من الأخطاء الشائعة في هذا الزمان قولهم يستهدف كذا أو يهدف إلى كذا يريدون أنه يقصده ويتخذه هدفاً ولم تستعمله العرب بهذا المعنى، قال صاحب اللسان: الأزهري روى شمر بإسناد له أن الزبير وعمرو بن العاص، اجتمعا في الحجر فقال الزبير: أما والله لقد كنت أهدفت لي يوم بدر، ولكني أستبقيتك لمثل هذا اليوم فقال عمرو: أنت والله لقد كنت أهدفت لي وما يسرني أن لي مثلك بضرتي منك، قال شمر: قوله أهدفت لي، الإهداف الدنو منك، والاستقبال لك والانتصاب يقال أهدف لي الشيء فهو مُهْدِف وأهدف لك السحاب والشيء إذا انتصب، ثم قال: وفي حديث أبي بكر قال له ابنه عبد الرحمن لقد أهدفت لي يوم بدر، فضفت عنك، فقال أبوبكر لكنك لو أهدفت لي لم أضف عنك، أي لو لجأت إلي، لم أعدل عنك، وكان عبد الرحمن وعمرو، يوم بدر، مع المشركين وضفت عنك أي عدلت انتهى.

ومن ذلك تعلم أن استعمال العرب للإهداف والاستهداف في واد واستعمال المعاصرين لهما في واد آخر، فالعرب تقول أهدف الشيء واستهدف بمعنى قرب وانتصب وصار أمامك كالهدف الذي تتمكن من رميه إذا كان قريباً ومنتصباً أمامك، أما استعمال المعاصرين فإنه يريدون به القصد إلى الشيء ومما يزيد ذلك وضوحا، قول العلماء من ألف فقد استهدف أي نصب نفسه هدفا للمنتقدين يَرْمُونه بسهام نقدهم، وكان قبل ذلك مستوراً، وقول أبي بكر رضي الله عنه لابنه عبد الرحمن: لكنك لو أهدفت لي لم أضف عنك أي لو تمكنت من قتلك ما أبقيت عليك، دليل على قوة إيمانه وتحقيقه لقوله تعالى في سورة التوبة الآية (24) ﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ فهذه المحبوبات الثمانية، إذا لم يكن معها حب الله ورسوله تلقي صاحبها في الهلكة وإذا كان معها حب الله ورسوله، وقع التنازع بين الحبين، الصديقون والصالحون لا يبالون بهذه المحبوبات وهي المذكورة في الآية وهي: الآباء والأبناء والإخوان والأزواج والعشيرة والأموال والتجارة والمساكن الطيبة، إذا تنافت مع حب الله ورسوله، فيقدمون حب الله ورسوله عليها، ولذلك قال الصديق لابنه عبدالرحمن (لكنك لو أهدفت لي لم أضف عنك) ولا شك أن الصديق كان يحب ابنه عبد الرحمن لأن حب الولد من طبيعة البشر وغير البشر، ولكن لما التقيا في الحرب: أبوبكر ينصر الله ورسوله، وابنه عبد الرحمن كان ينصر الشرك، ويوالي أعداء الله كان أبو بكر عازماً أن يقتله، لو عرض له، وتمكن من قتله، ترجيحا لحب الله تعالى، على حب غيره، وهذه المحبوبات الثمانية، هي عقبات في سبيل الإيمان الكامل الذي يفوز صاحبه برضوان الله تعالى، ويسعد السعادة الأبدية. وكم فتنت هذه المحبوبات من الناس إذا تغلب حبها عندهم على حب الله ورسوله، والجهاد في سبيله، فخسروا، وضلوا ضلالا بعيدا.

2- ومن الأخطاء التي جاءتنا بها الترجمة الفاسدة وهي من استعمار اللغات الأجنبية لغتنا العربية قولهم، فلان يؤدي واجبه نحو الله وواجبه نحو وطنه وواجبه نحو أبنائه وما أشبه ذلك، والصواب أن يقال فلان يؤدي حقوق الله الواجبة عليه وحقوق المواطنين، وحقوق الأبناء. وهكذا يقال في الكلام الفصيح عندما يقول من أحسنت إليه، لك علي فضل، هذا من حقك عليّ، هذا واجب لك عليّ، والكلمة التي أوقعتهم ترجمتها في هذا الخطأ في اللغة الإنجليزية مثلا Toward وفي كل من اللغة الألمانية والفرنسية كلمة تؤدي معناها، وأساليب هذه اللغات ونثرها ونظمها متقارب في الغالب، كما أن نظم العربية وأخواتها كالعبرانية والسريانية متقارب. وسبب وقوع مثل هذه الأخطاء، أن المترجم يكون متمكنا من اللغة الأجنبية، ضعيفا في اللغة العربية، يترجم كلمة بكلمة والمترجم الكامل يقرأ الجملة من اللغة التي يترجمها، ويستوعب معناها في ذهنه، ثم يصوغ لها جملة فصيحة في اللغة التي يترجم بها حتى إذا قرأ القارئ العربي كتابا مترجما، لا يشعر أنه مترجم حتى يُخْبَرَ بذلك، كما نرى في ترجمة ابن المقفع لكتاب كليلة ودمنة وترجمة البنداري للشاهنامة.

3- ومن الأخطاء الشائعة استعمالهم كلمة بالرغم أو على الرغم في غير موضعها فيقولون مثلا: حضر فلان الاحتفال بالرغم من كونه مريضا، أو بالرغم من كثرة أشغاله. والآن ندرس ما قاله الأئمة في استعمال الكلمة: قال صاحب اللسان: الرغم مثلثة الراء: الكره والمرغمة مثله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (بُعِثْتُ مَرْغَمَةً للمشركين) المرغمة: الرغم أي: بعثت هوانا وذلا للمشركين. ثم قال ابن الأعرابي: الرغم: التراب، والرغم: الذل، والرغم: القسر. وفي الحديث: وَإِنْ رَغِمَ أَنْفُه أي، ذل. وفي حديث معقل بن يسار: رغم أنفي لأمر الله، أي: ذل وانقاد، وتقول فعلت ذلك على الرغم من أنفه انتهى، وهذا الاستعمال الصحيح لهذا اللفظ إذا فعلت شيئا وهناك من يكرهه تقول فعلت ذلك على رغم أنفه فإما أن يراد بذلك بقصد أن أذله، وعبر بالأنف لأن المستكبر يشمخ بأنفه، أي يرفعه عزا وتكبرا، انتهى.

فخفض الأنف وإلصاقه بالتراب، وإذلاله ضد شموخه وهو رفعه، فلذلك يعبر برغم الأنف عن الذلة والإهانة والقسر والإكراه وبشموخ الأنف عن الرفعة والتكبر. أما قوله: حضر الاحتفال برغم كثرة أشغاله. مثلا، فهو استعمال فاسد، مأخوذ من الترجمة الفاسدة لكلمة Onsefite وفي كل من الفرنسية والألمانية كلمة تشبه هذه الكلمة في المعنى، والاستعمال العربي الصحيح أن يقال فلان حضر الاحتفال مع كثرة أشغاله، أو مع كونه مريضا، وتستعمل على، في موضع مع، قال تعالى في سورة البقرة الآية (177) ﴿ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ﴾. الآية، أي أعطى المال مع حبه له، ولا يقال بالرغم من حبه له، كما يقوله من يأخذ إنشاءه من الصحف والإذاعات، وقال تعالى في سورة الرعد الآية (6) ﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ ﴾. وقد استشهد ابن هشام في المغنى بآية البقرة وآية الرعد على أن (عَلَى) فيهما للمصاحبة بمعنى مع، ولا يقال ولو في خارج القرآن وإن ربك لذو مغفرة للناس بالرغم من ظلمهم، وقد تبين معنى على، وبقي علينا أن نذكر تفسير قوله تعالى: ﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ ﴾.

فقد يتوهم متوهم أن المعنى: أن الله يغفر للناس مع استمرارهم على الظلم، ظلم بعضهم لبعض، وذلك باطل، قال الحافظ ابن كثير في تفسيره، وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم، أي أنه تعالى ذو صفح وستر للناس مع أنهم يظلمون، ويخطئون بالليل والنهار. ثم قرن هذا الحكم بأنه شديد العقاب، ليعتدل الرجاء والخوف كما قال تعالى: ﴿ فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ﴾ انتهى.

ومثل آية البقرة، قوله تعالى في سورة الإنسان، رقم (8) ﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ﴾ أي مع حبهم له ولا يقال في خارج القرآن فلان يطعم الطعام المساكين بالرغم من حبه له أو بالرغم من قلة ما عنده منه.

4- ومن الأخطاء الشائعة في هذا الزمان في الصحف والإذاعات وعلى ألسنة الناس قولهم القطاع الزراعي والقطاع الصناعي ويضيفون إلى ذلك خطأ آخر فيجمعونه على قطاعات والمصدر الأول لهذه الكلمات، هي إذاعة لندن، ومنها سمعت ما يلي: والملونون في بريطانية يشكلون قطاعا كبيرا من عمال النقل فالقطاع عندهم يطلق على جماعة من الناس، يجمعهم عمل واحد ولم تستعمل العرب القطاع بهذا المعنى البتة، وسنرى ما يقوله أئمة اللغة، فقد وجدنا القطاع بكسر القاف يجيء مفردا، ويجيء جمعا فأما المفرد فقال فيه ابن منظور: والقِطاع والقَطاع، أي بكسر القاف وفتحها صرام النخل مثل الصرام والصِّرام والصَّرام بكسر الصاد وفتحها انتهى. قال محمد تقي الدين: وهو مأخوذ من القطع لأن الصارم يقطع العثاكيل، وهي في النخل بمنزلة العناقيد في الكرم، وهو شجر العنب، وأما الجمع، فقال فيه إنه جمع قِطْع بكسر القاف وسكون الطاء وهو السهم وما تقطع من الشجر، وقطع الليل طائفة منه والبساط والطنفسة تكون تحت الراكب، وضرب من الثياب الموشاة وقطيع الغنم أيضا يجمع على قطاع إلى غير ذلك من المفردات التي تجمع على هذا المعنى والقطع والقطعة والقطيع والقطع والقطاع طائفة من الليل تكون من أوله إلى ثلثه. وقيل للفزاري: ما القطع من الليل، فقال حزمة تهورها أي قطعة تحزرها ولا ندري كم هي والقطع ظلمة آخر الليل، ومنه قوله تعالى: ﴿ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ ﴾ قال الأخفش بسواد من الليل، والصواب أن يقال بدل القطاع الزراعي، والقطاع الصناعي، القسم الزراعي والقسم الصناعي، وأن يقال بدل قولهم: الملونون في بريطانيا يشكلون قطاعا كبيرا من عمال النقل. والملونون في بريطانيا يؤلفون جماعة كبيرة من عمال النقل. والعرب تعبر بالجماعة والطائفة والفريق والجمع، ولا تعبر بالقطاع وكذلك تعبر بالأمة، قال تعالى في سورة الأحزاب رقم (13) ﴿ وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا ﴾ والطائفة هنا جماعة من المنافقين وقال تعالى في سورة الصف رقم (14) «﴿ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ ﴾» وقال تعالى في سورة آل عمران رقم (113) ﴿ لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ ﴾ وقال تعالى في سورة الأعراف رقم (30) ﴿ فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ ﴾.

5- ومن التراكيب الركيكة الفاسدة لفظا ومعنى، وهي استعمارية بلا ريب مأخوذة ترجمة حرفية من اللغات الأجنبية قولهم منحتهم السماء كذا وكذا فإسناد المنح إلى السماء فاسد عقلا ونقلا ولغة، أما عقلا فإن السماء لا تعطي ولا تمنع، وليست سببا في الإعطاء حتى يقال إن الإسناد إليها مجاز عقلي كما في قولهم أنبت الربيع البقل، وبنى الأمير المدينة، لأن السببية في هذين المثالين ظاهرة، أما قولهم منحتهم السماء فليس كذلك، والأوربيون ينسبون الأشياء إلى السماء في لغاتهم، ويدعونها ويستغيثون بها كما يفعلون مع الله تعالى، ومع المسيح وأمه، ومن العجائب التي تستنكرها عقول الموحدين وأذواقهم، أنهم إذا أصابهم فزع يهتفون قائلين: يا أم الله، ومقصودهم بذلك مريم الصديقة. فإذا قلنا لهم: إن الله لا أم له ولا أب، يشمئزون ويغضبون ولا يصلح أن يكون قولهم منحتهم مجازا عقلياً بالنسبة إلى المسلم لأن المسلم يعتقد أن السماء لا تمنح شيئاً وليست سبباً للمنح كما في بنى الأمير المدينة فإن السبب في بنائها هو الأمير لأنه أمر العملة ببنائها. والحقيقة العقلية هي إسناد الفعل أو ما في معناه إلى ما هو له في اعتقاد المتكلم كقول المؤمن: أنبت الله البقل، وأنزل الله المطر. وكقول الكافر: أنبت الربيع البقل، وأنزلت السماء المطر. فقول النصارى في عيسى وأمه، إنهما يعطيان ويمنعان! كقول الكافر: شفى الطبيب المريض!، فهو إسناد حقيقي، لأن الكافر يعتقد أن الطبيب هو الفاعل الحقيقي، والنصارى يعتقدون عيسى وأمه إلهين. والمجاز العقلي كقول المؤمن أنبت الربيع البقل، وشفى الدواء المريض لأنه يعتقد أن الله هو الذي أنبت البقل، والربيع سبب، وأن الله هو الذي شفى المريض، والدواء سبب، ومن المجاز العقلي قول الشاعر - وهو أبو النجم:

قد أصبحت أم الخيار تدعى
من أن رأت رأسي كرأس الأصلع
على ذنبا كله لم أصنع

ميز عنه قنزعا عن قنزع
جذب الليالي أبطيء أو أسرعي


والدليل على أنه مجاز قوله بعد ذلك:
أفناه قيل الله للشمس اطلعي
حتى إذا واراك أفق فارجعي


هذا الشعر من مشطور الرجز وهو لأبي النجم العجلى وأم الخيار زوجته، وكانت تعيب عليه صلع رأسه لكبر سنه وكانت ابنة عمه بدليل قوله في موضع آخر من القصيدة:
يا ابنة عما لا تلومي واهجعي
يمشي كمشي الأهدأ المكتع
لا تسمعيني منك ما لم أسمع
ألم يكن يبيض لو لم يصلع


فهي تعيب عليه شيخوخته وما يلازمها من الإحناء والإكباب فإن الأهدا هو الذي يمشي منحنيا مكبا كأنه راكع، والمكتع المتقبض: يقول يا ابنة عمي لا تلوميني على كبر سني وضعفي وصلع رأسي فإنه لو لم يصلع وبقى فيه شعره لصار أبيض بالشيب، وأنت تكرهين رؤية الشيب، كما تكرهين الصلع. فالشاهد في قوله ميز عنه قنزعا عن قنزع، جذب الليالي أي فرق شعر الرأس حتى صار قنازع مجموعة شعيرات هنا، أخرى هناك، جذب الليالي: اختلافها ذهابا ومجيئا، يعني أن سبب الصلع كثرة الليالي التي مرت عليه، حتى طعن في السن فإسناد ميز إلى جذب الليالي من المجاز العقلي، لأن الشاعر لا يعتقد أن شيخوخته هي التي جعلته أصلع وإنما هي سبب الصلع، والفاعل الحقيقي هو الله سبحانه بدليل قوله فيما بعد: - أفناه قيل الله للشمس اطلعي يعني أفني شعر رأسه قول الله للشمس اطلعي كل يوم – وقوله حتى إذا واراك أفق فارجعي، دليل قطعي على أن العرب من قديم الزمان وإن لم يشتهروا بتعاطي العلوم بل كانوا أمة أمية أكثرهم لا يكتبون ولا يقرؤون، كانوا يعرفون أن الأرض كرة وأن الشمس حين تغيب عن قوم تكون مشرقة عند قوم آخرين لأنها لم تنعدم، وإنما سترها أفق، أي جانب من الأرض، وأن الله هو الذي أمرها بذلك، كما كانوا يعلمون أن المطر ينشأ سحابا من البحر حتى إذا علا السحاب في الجو وبرد، ساقته الرياح إلى الأرض التي يريد الله أن ينزل فيها المطر فينزل المطر، بقدرة الله يدلك على ذلك قول شاعرهم:
شربن بماء البحر ثم ترفعت
متن لجج خضر لهن نئيج




قال الخضري في حاشيته على شرح الألفية لابن عقيل ما نصه: قوله شرب الخ... ضمنه معنى روين فعداه بالباء أو هي بمعنى مِن التبعيضية، واللجج من لجة بالضم، وهي معظم الماء، ونئيج: بنون فهمزة فياء فجيم، كصهيل أي صوت عال، وجملة لهن نئيج: حال من نون شربن العائد للسحاب، لزعم العرب والحكماء أنها تدنو من البحر الملح في أماكن مخصوصة منها خراطيم عظيمة كخراطيم الإبل، فتشرب من مائه بصوت مزعج ثم تصعد في الجو فيلطف ذلك الماء ويعذب بإذن الله تعالى في زمن صعودها في الهواء ثم تمطره حيث شاء الله تعالى اهـ.

حكاية الخراطيم التي ذكر للسحاب وأنها تدنو من البحر في أماكن مخصوصة فتشرب بصوت عال تدل على أن الخضري لم يفهم قول الحكماء، والذي قاله الحكماء: هو أن ماء البحار يتبخر بحرارة الشمس فيصعد في الجو بخارا فإذا بلغ أعالي الجو برد ثم نزل مطرا كما تقدم، وقول الخضري يلطف ويعذب يريد أنه يصفى من الأملاح، فيصير ماء عذبا صالحاً للشرب ولسقي الأشجار والنباتات، وقد أخبرني بعض الإخوان في الكويت أن الماء الذي يصفى في معامل التصفية، يصير عذبا كماء المطر ولكنه لا يصلح لسقي الزرع والأشجار إلا إذا مزج بماء الآبار وهذا، إن صح، يدلنا على أن السر الكامن في تصفية الله تعالى والفرق بينها وبين تصفية الإنسان بالآلة والصنعة أما العذوبة أما العذوبة فهي كماء المطر ولا فرق وقد شربت الماء المصفى بالآلات في مطار الظهران بالمملكة العربية السعودية فوجدته كما ذكرت، ولله في خلقه شؤون.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 16-02-2021, 04:29 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,607
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تقويم اللسانين

تقويم اللسانين (9)

د. محمد تقي الدين الهلالي



1- تأشيرة السفر – ومن الأخطاء الشائعة الفاضحة التعبير بالتأشيرة في جواز السفر بمعنى الإذن الذي تعطيه سفارة دولة من يريد السفر إلى بلادها، فهذا اللفظ بهذا المعنى لا أصل له في اللغة العربية، وسبب استعماله، أن بعض البلدان العربية يستعملون في لغتهم العامية أَشَّر، بفتح الهمزة وتشديد الشين مفتوحة، بمعنى أشار فيقولون يؤشر له بيده أي يشير له فاستعمل بعض جهلة الكتاب التأشيرة، بمعنى الإشارة، يريد بذلك سِمَة الدخول إلى بلاد دولة من الدول، وتبعه أمثاله في ذلك، وانتشرت هذه الكلمة عند العامة، واستعملتها الخاصة تبعاً بدون مبالاة والذين لا يعرفون اللغات الأجنبية منهم يظنون أنها مقتبسة منها وأنها شيء محتم لا بد منه، ولا غنى عنه، فيذعنون له كما يذعنون إلى غيره من الألفاظ الدخيلة والمولَّدة، وبذلك يخدش وجه اللغة العربية، وتزول محاسنها، ويقضى عليها، حتى إذا قابل العالم بها إنشاء أهل هذا الزمان بإنشاء أسلافهم يصيبه من الحيرة والدهشة مثل ما يصيبه إذا قابل هَمْعَهُم بهمعهم وأعمالهم بأعمالهم فينشد قول الشاعر:
ذهب الرجال المقتدى بفِعالهم
وبقيت في خلف كجلد الأجرب




وقول الآخر:
ذهب الرجال المقتدى بفِعالهم
والمنكرون لكل أمر مُنْكَر

وبقيت في خلَف يزكي بعضهم
بعضاً ليسكت معور عن معور


والمعور الذي بفيه خلل.


والتأشير في كلام العرب غير مهمل ولكن له معنى، غير ذلك. قال صاحب اللسان تأشير الأسنان تحزيزها وتحديد أطرافها وقد أشرت المرأة أسنانها تأشرها أشراً وأشّرتها (بتشديد الشين) حززتها: ثم مضى، إلى أن قال والتأشيرة ما تعض به الجرادة، والتأشير شوك ساقيها اهـ. المراد منه والصواب أن يقال بدل التأشيرة (السِمَة) بكسر السين وفتح الميم مخففة.

وهذا اللفظ مستعمل فعلاً في العراق يقال فلان منح سمة الدخول إلى البلاد العراقية أو المرور بها، وهو استعمال صحيح.

2- سلام حار وشكر حار، هذا مما أخذه المستعمَرون بفتح الميم، مِنَ المستعمِرين بكسرها، والسلام عند لا يوصف بالحرارة بل بالكثرة والطيب والزكاة. فيقال أزكى السلام وأطيبه ويشبه السلام عند العرب بالنسيم الذي يهب على الروض فيحمل أطيب روائحه إلى المحبوب قال بعضهم:
سلام على الأحباب في القرب والبعد
سلام كما هب النسيم على الورد




لا يقال هذا اقتباس حسن، يقتبسه الكاتب العربي من الكاتب الأوربي، لأنا نقول إن الإنشاء العربي قد بلغ أوج الكمال فلا حاجة إلى أن يقتبس من الآداب الأوربية شيئا سبقهم إليه وعلمهم إياه المسلمون، وليس هذا من المخترعات، ولا من المكتشفات التي كانت مجهولة حتى يقتبسها العرب من مخترعيها ومكتشفيها.

3- الليلة الماضية أو ليلة أمس ومن الجهل باللغة العربية تعبيرهم بالليلة الماضية أو ليلة أمس، كما تعبر بها الإذاعات ويقتدي بها المتكلمون والكتاب، والصواب أن يقال البارحة. قال صاحب اللسان: والبارحة أقرب ليلة مضت، تقول لقيته البارحة ولقيته البارحة الأولى، وقال ثعلب تقول مذ غذوت إلى أن تزول الشمس رأيت الليلة في منامي فإذا زالت، قلت رأيت البارحة من أمثال العرب ما أشبه الليلة بالبارحة! أي ما أشبه الليلة التي نحن فيها بالليلة الأولى التي قد برحت وزالت ومضت، اهـ كلام صاحب اللسان، وقد ضمن بعضهم هذا المثل فقال في ذم أصدقائه:
كل خليل كنت خاللته
لا ترك الله له واضحة

كلهم أروغ من ثعلب
ما أشبه الليلة بالبارحة



يقول أن أصدقاءه يشبه بعضهم بعضا في الخيانة والغدر ويدعو عليهم بأن لا يترك الله لأحدهم واضحة أي سنا. أقول البارحة الأولى من الليلة التي قبل البارحة وهذه العبارة لا تزال مستعملة عندنا في سجلماسة (تفلالت) وقد غير لفظها إلى أن صار هكذا (البارحة الأولى).

4- أما عن كذا وكذا، وهذا من التعابير المأخوذة من لغات المستعمرين، ولا تزال طرية يعرفها كل من يعرف اللغات الأجنبية واستعمارها للعربية، وطغيانها عليها، ومسخها لجمالها والصواب أن يقال أما ويأتي بالكلمة المقصورة مرفوعة، إن كانت عارية عن العوامل التي توجب نسبها نحو:
ولم أر كالمعروف أما مذاقه
فحلو وأما وجهه فجميل


و(أما) إن كانت في متناول عامل ينصبها فيؤتى بها منصوبة كقوله تعالى:﴿ فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ ﴾ وأما إن كانت الكلمة جارّا ومجرورا فيؤتى بها بعد أما نحو ﴿ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ﴾ وأما هؤلاء الكتاب المخطئون فإنهم جعلوا كل كلمة تأتي بعد مجرورة بِعَن، مثلا أما عن فلان فقد فعل كذا وكذا فيقحمون (عن) بدون معنى لموافقة جهلة المترجمين، ولو سألت أحدهم لماذا عبرت بهذه العبارة، لقال لك سمعت كتابا مترجمين، وخطباء ومذيعين يعبرون بها، فهل يجوز أن يكون هؤلاء كلهم مخطئين؟ ولو سألت أولئك الكتاب والخطباء لما كان جوابهم أضل من جواب مقلدهم. وهذا مضرب المثل (تمسك غريق بغريق) أي أعمى يقود أعمى. وما المانع أن يكونوا مخطئين فهل هم معصومون؟ فالمعصوم من الخطأ عند علماء هذا الشأن هو القرآن وما صح من كلام العرب الخلص إلى آخر عهد بني أمية قبل أن يفشو اللحن والخطأ، وتختل اللغة، ويرجع كذلك إلى قواعد اللغة ومن نظر في كتاب الله وكلام العرب، يتبين له لأول وهلة جهل هؤلاء المركب، فإنهم يجهلون ويجهلون أنهم جاهلون وما أكثر هذا الجهل المركب في البلدان المتأخرة التي اختلط حابلها بنابلها والتبس حقها بباطلها.

5- لم ترضخ للاستعمار:- من الأفعال الشائعة الاستعمال في الصحف والمجلات والخطب وكلام الناس والإذاعات استعمال رضخ له بمعنى خضع وهو استعمال مخترع مكذوب لا أصل له فإن الرضخ إذا تعدى بنفسه فمعناه الكسر وإذا تعدى باللام فمعناه العطاء القليل، يقال رضخ رأس الحية أي كسره ورضخ له من ماله أي أعطاه شيئا قليلا، ورضخت المرأة النوى بالمرضخة أي كسرته لتجعله خلصا للمواشي، ومن لا يزن كلامه بقسطاس مستقيم بل يأخذ إنشاءه من كلام كل من هب ودب فإنه يقع في أخطاء لا تعد ولا تحصى، ولا نتعجب من العامة إذا فعلوا ذلك وإنما نتعجب من الخاصة الذين يرجى منهم أن يسهروا على تحقيق اللغة وإصلاح الخطأ، فإذا بهم يرتكبون الأخطاء ولا يبالون وربما يغضبون إذا نبهوا ويتعصبون، وهذا مضرب المثل (بالملح يصلح ما فسد، فكيف إذا الملح فسد) فلسان حال اللغة العربية ينشدهم:
إذا رمتم قتلي وأنتم أحبتي
إذن فالأعادي واحد والحبائب


6- ومن استعمار بل استعباد اللغات الأوربية للغة القرآن تسميتهم الرجل العظيم شخصية، والرجال العظماء شخصيات (واللفظ الإنكليزي لهذه الكلمة الدخيلةpersonality للمفرد personalities للجمع، والسبب في ذلك أن جهلة المترجمين ترجموا اللفظين خطأ بذلك، فتبعتهم العامة، ثم استسلمت الخاصة للعامة، وتبعتهم بسبب الخلط والخبط والارتباك الواقع في الإنشاء العربي، بل في سائر شؤون العرب في الأزمنة المتأخرة التي اختل فيها النظام، وبقى الناس فوضى، وقد راجعت كتب اللغة على سبيل الاحتياط فلم أزدد إلا يقيناً بفساد هذا الاستعمال، والصواب أن يقال بدل الشخصية رجل عظيم أو نبيل أو سري والشخصية لفظ مؤنث ففيه طعن وذم لمن وصف به فكيف يكون تعظيما وفي لسان العرب ما نصه.

والشخيص العظيم الشخص والأنثى شخصية والاسم الشخاصة. قال ابن سيدة ولم أسمع له بفعل فأقول إن الشخاصة مصدر، أبو زيد رجل شخيص إذا كان سيدا، وقيل شخيص إذا كان ذا شخص وخلق عظيم بيِّن الشخاصة وشخُص الرجل بالضم فهو شخيص أي جسيم اهـ.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 308.86 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 302.79 كيلو بايت... تم توفير 6.07 كيلو بايت...بمعدل (1.96%)]