كتاب سيماهم في وجوهم د. عائض بن عبد الله القرني - الصفحة 2 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         ولا تبغوا الفساد في الأرض (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          تحرر من القيود (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          فن التعامـل مع الطالبات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 28 - عددالزوار : 784 )           »          العمل السياسي الديـموقراطي سيؤثر في الصرح العقائدي وفي قضية الولاء والبراء وهي قضية م (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          العمل التطوعي.. أسسه ومهاراته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 9 - عددالزوار : 131 )           »          طرائق تنمية الحواس الخمس لدى الطفل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 19 )           »          حقيقة العلاج بالطاقة بين العلم والقرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 30 )           »          الله عرفناه.. بالعقل! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          افتراءات وشبهات حول دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 7 - عددالزوار : 94 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها > ملتقى الإنشاء

ملتقى الإنشاء ملتقى يختص بتلخيص الكتب الاسلامية للحث على القراءة بصورة محببة سهلة ومختصرة بالإضافة الى عرض سير واحداث تاريخية عربية وعالمية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #11  
قديم 24-07-2009, 11:06 AM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,884
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب سيماهم في وجوهم د. عائض بن عبد الله القرني

ابن سعنة

أما الرجل السابع ، فهو : ابن سعنة يهودي تاجر .
يقول : عرفت أوصاف الرسول صلى الله عليه وسلم إلا وصفا واحدا .
قيل : ما هو ؟
قال : وجدت مكتوبا في التوراة انه إذا أغضب يزداد حلما صلى الله عليه وسلم .
هاجر صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، فرآه ابن سعنة هذا ، فرأى أوصافه الموجودة في التوراة كلها إلا صفة واحدة ؛ انك إذا أغضبته يزداد حلما .
فأتى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال : يا أبا القاسم .
قال : (( نعم )).
قال : أنا تاجر من تجار اليهود ،وأنت تحتاج مالا ، وأنا غني ، فأريد أن اسلفك شيئا من المال حتى يفتح الله عليه .
وما مرت أيام بعد أن وصل المال إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، وإلا وبهذا التاجر في المسجد قبل صلاة العصر .
فقال : يا محمد ، أعطني مالي ، إنكم مطل يا بني عبد المطلب !!
يعني : تماطلون الناس .
قال الرسول صلى الله عليه وسلم : (( أما أعطيتني المال إلى أجل ))؟
قال : لا ، أعطني مالي ، إنكم مطل يا بني عبد المطلب .
فنظر إليه عمر بن الخطاب وقال : يا رسول الله ، دعني اقطع عنق الكافر .
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : (( أحب أن تأمرني بحسن الأداء وتأمره بحن الاقتضاء )).
ثم أخذ اليهودي يرفع صوته ، فأخذ صلى الله عليه وسلم يتبسم ، وكلما رفع صوته تبسم .
فأخذه صلى الله عليه وسلم من يده ، وذهب به إلى بيته ، فأعطاه ماله وزاده .
قال : اشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ، قرأت اوصافك فرأيتها فيك غير انك إذا أغضبت ازددت حلما ، وقد رأيته اليوم (16).
قال صلى الله عليه وسلم : (( لو آمن بي عشرة من اليهود لآمن بي اليهود كلهم أو جميعهم )) (17).
وفي قصته : أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان من احلم الناس ويكفي في ذلك قوله تعالى : { وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (القلم:4)

(16) انظر : قصة إسلامه في (( الإصابة )) (2897) ، وقد صححها الحافظ.

(17) رواه مسلم.


رد مع اقتباس
  #12  
قديم 24-07-2009, 11:08 AM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,884
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب سيماهم في وجوهم د. عائض بن عبد الله القرني

عكرمة بن أبي جهل
أما آخر الأصحاب ، فهو : عكرمة بن أبي جهل
فسبحان الذي يخرج الحي من الميت ، والميت من الحي ، لقد كان أبوه فرعون هذه الأمة .
تأخر إسلامه حتى يوم الفتح .
كان مشركا آنذاك ، وقاوم مقاومة عنيفة ، لكن انهارت مقاومته أمام خالد .
فركب إلى البحر يريد أن يرمي نفسه في البحر ، ويخرج إلى إحدى الجزر ، أو أن يضيع في العالم ؛ لأنه ظن أن الرسول صلى الله عليه وسلم سوف يذبحه .
فأتت امرأته إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، وقالت : زوجي فر منك .
قال : (( خذي له الأمان )).
قيل : أعطاها صلى الله عليه وسلم كساء ، وقيل : عمامة ، وقيل : أعطاها قلنسوة ، فقال : (( خذيها وأخبريه )).
فأتت وإذا هو يتهيأ على البحر يريد أن يركب سفينة ، فأشارت إليه قائلة : الأمان ، الأمان.
قال : لا أمان ، لا أمان .
قالت : هذه عمامة محمد صلى الله عليه وسلم وقلنسوته .
فلما عاد ، ورآه صلى الله عليه وسلم مقبلا مع زوجته تبسم صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه ليس من الحكمة أن يقول : أين أنت يا فار أو يا كافر .
ولكنه صلى الله عليه وسلم قال : (( مرحبا بالراكب المهاجر )) (18)، أنت هاجرت إلى الله ورسوله .
فقال : اشهد أن لا إله إلا الله واشهد انك رسول الله ، والله يا رسول الله ، لا اترك موقفا حاربت الإسلام فيه إلا حاربت مع الإسلام فيه ، ولا نفقة أنفقتها في حرب الإسلام ، إلا أنفقت ضعفها في نصرة الإسلام .
حضر اليرموك ، رضي الله عنه و أرضاه ، فانهزم المسلمون في أول معركة .
فلما رأى الهزيمة لبس أكفانه ، واغتسل وتطيب ،وسل سيفه وكسر غمده على ركبته ، وقال : يا مسلمون ، من يبايعني على الموت؟ من يشتري الموت اليوم ؟
فبايعه أربعمائة مقاتل ، فشق بهم صفوف الروم كالسيل ، حتى وصل إلى وسط الروم ، فقاتل حتى صلاة الظهر ، ثم تناوشته الرماح والسيوف من كل جانب فوقع صريعا على الأرض .
فحملوه على الأكتاف حتى وصل إلى القائد خالد بن الوليد .
فرآه خالد فاحتضنه ؛ لأنه كان صديقا له في الجاهلية وقال : ماذا تريد يا عكرمة ؟
فأشار بلسانه يريد الماء ، لأنه لا يستطيع أن يتكلم ، فهو في آخر رمق الحياة .
فأتى خالد بماء بارد من خيمته ، فاندفع نحو عكرمة ليسقيه ، وما هي إلا لحظات حتى جيء بالحارث بن هشام ، عم عكرمة ،أخو أبي جهل ، وهو في آخر رمق ، فوضع على رجلي خالد ،فأتى بابن عكرمة ، وهو شهيد فوضع بجانبه وجي برابع .
فأتى خالد بالماء ليعطي عكرمة فأشار إلى عمه ، يقول : اسقه قبلي { وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} (الحشر: من الآية 9) .
فأعطى عمه ، فرفض أن يشرب قبل ابن عكرمة .
فدفعوا الماء للشاب الصغير ، فرفض أن يشرب قبل الرجل الرابع .
فحولوه إلى الرابع ، فقال : لا حتى يشرب عكرمة .
فعاد إلى عكرمة فوجده قد مات .
فدفعه إلى الحارث بن هشام ، فوجده قد مات .
فأعاده إلى الثالث ، فوجده قد مات
فأعاده إلى الرابع ، فوجده قد مات .
قال أهل العلم : فانتحب خالد من البكاء ، وقال : اللهم اسقهم من جنتك زعم فلان ( يعني : أحد الكفار ) أنا لا نموت إلا حبطا ( يعني : لا نموت إلا على الفرش ) لا والله ، بل نموت تحت قصف السيوف وضرب الرماح .
هذا عكرمة بن أبي جهل وهو مثل للشباب المسلم .
قيل للإمام أحمد : هل يقبل المصحف ؟
قال : كان عكرمة يقرأ القرآن ، ويبكي ، ويقبل المصحف ، ويقول : كلام ربي ، كلام ربي .
هؤلاء هم القوم الذين لا يشقى بهم جليسهم ، وأملنا في الله أن يجمعنا بهم في الجنة ؛ لنرى فيها : عمير بن وهب ، والطفيل بن عمرو ، وعمرو بن العاص ، وثمامة بن أثال ، وضمام بن ثعلبة ، وعبد الله بن سلام ، وابن سعنة ، وعكرمة بن أبي جهل .
ومن أراد أن يجتمع بهم فليفعل كفعلهم .
هم القوم إن قالوا أصابوا وإن دعوا *** أجابوا وإن أعطوا أطابوا وأجزلوا
ولا يستطيع الفاعلون كفعلهـم *** وإن حاولوا في النازلات وأجملـوا


أولئك آبائي
إنها أخبار عجيبة وجميلة ، يطرب لها القلب ، وتتشنف لها الآذان ،وتثلج بها الصدور .
أخبار علمائنا الذين جعلهم الله عز وجل كأنبياء بني إسرائيل ، ووف أقص عليكم قصصا عجيبا من أخبارهم .
الأول : تحملهم المشاق في طلب العلم.
الثاني : زهدهم في الدنيا وإعراضهم عنها .
الثالث : قولهم كلمة الحق فلا يخافون في الله لومة لائم.
الرابع : بذلهم العلم لطالبيه ونشرهم المعرفة.
الخامس : خشيتهم لله تعالى .
السادس : تواضعهم لربهم تبارك وتعالى .
إن العلم اشرف مطلوب ، وهو يوصل صاحبه إلى جنة عرضها السماوات والأرض ، أو يوصله إلى نار تلظى.
فمن الناس من طلب العلم فكان حجة عليه ، وخيبة وندامة ، فكان الحمار يحمل أسفارا ، كما قال الله عز وجل في علماء بني إسرائيل { كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً} (الجمعة: من الآية 5) وقال عالمهم الضال المجرم : { فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ } (لأعراف: من الآية 176).
قال عبد العزيز الجرجاني ، وهو أديب عجيب ، وقصيدته من أحسن القصائد ، وقد قال الناس : ما لك تعتزلنا ولا تخالطنا ولا تذهب آل السلاطين ؟ فرد عليهم بقصيدة ، قال في بعض أبياتها :
يقولون لي فيك انقباض وإنما *** رأوا رجلا عن موقف الذل أحجما
أأشقى به غرسا وأجنيه ذلـة *** إذا فاتباع الجهل قد كان أحزمـا
ولم ابتذل في مطلب العلم مهجتي *** لأخدم من لاقيت لكن لأخدمــا

آل أن يقول :
ولو أن أهل العلم صانوه صانهم *** ولو عظموه في النفوس لعظما
ولكن أهانوه فهانوا ودنســوا *** محياه بالأطماع حتى تجهمـا
قال أهل السير : كان أحد العلماء المسلمين طلب العلم ، وحفظ القرآن والحديث ، ثم أدركه الخذلان ، والعياذ بالله .
خرج يوما يصلي ، فنظر إلى بيت من البيوت في دمشق ، أو في حمص ، فرأى امرأة أطلت عليه من البيت كشمس الضحى ، وكانت نصرانية كافرة ، فوقع عشقها في قلبه ، فترك المسجد ، وعاد آل البيت ، فرالها ، فاشترطت عليه أن لا يتزوجها ، إلا إذا ارتد عن الإسلام.
{رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} (آل عمران:8)
حاول فيها ، فقالت : المهر : أن تترك الإسلام ، والمسجد ، والقران .
فتزوجها ، وارتد عن الإسلام ، فذهبت به إلى ارض النصارى.
فمر به أحد زملائه ، فوجده يرعى الخنازير !
{فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} (المائدة: من الآية 13) .
قال : يا فلان ، أين القرآن ؟ أين الحديث ؟
قال : والله ، ما أصبحت أحفظ من القرآن إلا آية واحدة .
قال : ما هي ؟
قال : قوله سبحانه وتعالى :{رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ}(الحجر:2) (19)
هذا في العلماء المخذولين ، أما علماؤنا فإليكم طرفا من أخبارهم .
أما تحملهم للمشاق : فأمر عجيب . والله سبحانه وتعالى ذكر موسى ، عليه السلام ، في القرآن ، واخبر انه ركب البحر في طلب العلم .
وبوب البخاري في كتاب العلم ( باب ) ركوب البحر في طلب العلم ، وذكر قصته ، عليه السلام ، عندما وقف خطيبا في بني إسرائيل فقالوا له : أتعلم أحداً أعلم منك في الأرض؟
قال : ما اعلم أحداً اعلم مني .
فلامه الله ، وعاتبه الله على انه ما رد العلم إلى الله .
فقال الله له :بل عبدنا بمجمع البحرين ، الخضر اعلم منك.
فسافر إليه ،وطلب منه الخير ، كما قرأتم في القرآن .
وكان صلى الله عليه وسلم يتابع قصة موسى والخضر في القرآن باشتياق ، فلما انتهت القصة ، وقال الخضر : { قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ } (الكهف: من الآية 78) قال صلى الله عليه وسلم : (( رحم الله موسى وددت انه صبر حتى يقص الله علينا من نبئهما ))(20).
وقال البخاري : وسافر جابر بن عبد الله ، رضي الله عنه ، شهرا كاملا في طلب حديث واحد .
سافر من المدينة إلى الصحابي الجليل عبد الله بن أنيس ، رضي الله عنه ، في مصر .
فلما لقيه في مصر عانقه عبدالله ، وقال له : ادخل اجلس ، حيهلا بك وسهلا .
قال : لا ، أنا خرجت لوجه الله ، ولا أفسد هجرتي ، أريد الحديث الذي سمعته من الرسول صلى الله عليه وسلم .
فأخذ الحديث ، وهو واقف ، ثم ركب ناقته وعاد !
أما سعيد بن المسيب ، فيقول عن نفسه : والله الذي لا إله إلا هو ، لقد كنت أسافر ثلاثة أيام بلياليهن في طلب حديث واحد .
ولذلك بارك الله في علمهم، وبارك في جهدهم .
كانوا يسهرون الليالي ، ولم يكن عندهم مما عندنا من الوسائل الحديثة.
فعندنا كهرباء ، وعندنا وسائل اتصال ، ومطاعم شهية ، ومراكب وطية ، وملابس حسنة .
ولكن قل التحصيل ، ونشكو حالنا آل الله الواحد الأحد .
ويذكرون عن القفال أحد علماء الشافعية انه سافر لطلب العلم ، وكان عمره أربعين سنة ، فلما مشى في الطريق ، قال له الشيطان : كيف تطلب العلم في الأربعين ؟
فرجع من الطريق ، فوجد رجلا يعمل في سانية ، وقد أثر الحبل في الصخر.
فقال القفال :
اطلب ولا تضجر من مطلب *** فآفة الطالب أن يضجرا
أما ترى الحبل بطول المدى *** على صليب الصخر قد أثرا

وقيل لعامر الشعبي :بم طلبت العلم ؟
قال : بصبر كصبر الجمال ، وببكور كبكور الغراب .
أي : بعد صلاة الفجر مباشرة.
ودخل الإمام أحمد أكثر من ثلاثين إقليما في طلب الحديث على رجله ، ليس معه إلا بقشته ، فيها الشعير والملح.
دخل خراسان بمدنها ، وسمرقند ، وبخارى ، وتركستان ، وطشقند ، والسند ، وأطراف الهند ، وأطراف أفغانستان ، على ما ينقل في سيرته ، ودخل مصر بأكثر مدنها ، والعراق ، والحجاز ، وذهب إلى الشام ، ثم دخل اليمن ، وطاف الاقاليم .
حتى قال بعضهم : لو حسبت المسافات التي سارها لكانت طوفت الدنيا .
سافر لعبد الرزاق في اليمن ، ولكنه لقيه في مكة يعتمر .
فقال صاحبه يحيى بن معين : هيا بنا ، هذا عبد الرزاق قد حضر ، نأخذ العلم منه ونعود .
قال أحمد : أنا خرجت لله ، و أريد أن يعود عبد الرازق إلى صنعاء ؛ لأذهب إليه ، ولتكون سفرتي في سبيل الله .
فلما عاد عبد الرزاق إلى صنعاء سافر إليه الإمام أحمد .
فترك ، رحمه الله ، لنا ( المسند ) الذي لو تب بالدموع ما أنصفناه .
أما الشافعي ، فقالوا : انفق ثلاثين ألف دينار في طلب العلم ، وهي ميزانية هائلة .
سكن في بداية عهده مع أمه ، وكانت أمه فقيرة ،فدخلت به في بيت ضيق ، فكان يذهب يطلب العلم ، ولا يجد أوراقا ؛ لأنها غالية الثمن ، ولم تكن متوفرة ، فكان يأخذ الجلود والرقاع ، ويأخذ العظام ، ويأخذ الصخور الملساء ، فيكتب فيها العلم ، حتى ضيق على أمه السكن فقالت: يا بني أنخرج ونترك البيت لكتبك !
ثم ذهب إلى البادية فحفظ أشعار ثلاثين شاعرا ، ثم عاد ، فقال له رجل من أهل مكنة : إني أراك نابها فصيحا ذكيا ، فاذهب إلى المدينة ، إلى عالمها ، إلى مالك بن انس فاطلب منه العلم .
فذهب فحفظ (( الموطأ )) في تسع ليالي .
الموطأ المجلد الكامل ، آثاره ، وأحاديثه ، ومرسلاته ، ومقطوعاته ، وموقوفاته حفظه في تسع ليالي .
فلما جلس عند الإمام مالك ؛ ليقرأ عليه ، قال له الإمام مالك : إني أرى عليك نورا ، فلا تفده بالمعصية .
أما عطاء بن أبي رباح فكان مولى عبد ،وكلنا عبيد الله ؛ لأن الإسلام لا يعترف بالدماء ، ولا بالأنساب ، ولا بالألقاب ، ولا بالأسر { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } (الحجرات: من الآية 13) .
كانت سيدته امرأة من مكة ، فأصيب بالشلل ، وأصيب بمرض في جسمه ، فتركته ، فمكث في الحرم ثلاثين سنة يطلب العلم ، حتى برز في العلوم .
ثلاثون نة يقول ما رفعت فراشي في الحرم .
ثلاثون سنة ليلا ونهارا يطلب العلم حتى اصبح عالم المسلمين .
أما ابن عبا ، فكان الأولى أن يقدم في هذا الباب ، ولكننا نقدمه مهما تأخر لفظا ، فإنه متقدم في الرتبة .
ابن عباس ، رضي الله عنهما ، كان يقول : ذللت طالبا فعززت مطلوبا.
العلم حرب للفت المتعالي *** كالسيل حرب للمكان العالي
ما أحسن العلم إذا تواضع المرء في طلبه .
قالوا لابن عباس : كيف حصلت على العلم ؟
قال : كنت اخرج من الظهيرة في شدة الحر ، فاذهب إلى بيوت الأنصار ، فأجد الأنصاري نائما ، فلا اطرق عليه بابه من الهيرة ، فأتوسد بردتي عند بيته ، فتلفحني الريح بالتراب ، فيستيقظ الأنصاري ، فيقول : يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أيقظتني أدخلك ؟
فيقول : أخاف أن أزعج.
قال : فطلبت العلم هكذا .
فأصبح عالم الأمة ، رضي الله عنه وأرضاه .
أما زهدهم في الدنيا وإعراضهم عنها :
فالدنيا لمن يعرفها ، ولمن يذوقها ، ولمن يستمرئها لا تساوي شيئا .
وأشرف ما تطلبه أنت في الحياة : أن تنقذ نفسك من النار{ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} (آل عمران: من الآية 185) .
قيل لأحد العلماء : كيف عرفت الدنيا ؟
قال : دلني العلم على الزهد في الدنيا .
وفي حديث حسن: ((أزهد في الدنيا يحبك الله وازهد فيما عند الناس يحبك الناس))(21)
وقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( الدنيا ملعونة ما فيها إلا كتاب الله وما والاه أو عالم أو متعلم ))(22).
وقال تعالى )مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أعمالهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ) (هود:15) )أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (هود:16)
وقال )اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) (الحديد:20)
وقال عمران بن حطان الخارجي في الدنيا ، وكان شاعرا مجيدا على بدعته :
أرى أشقياء الناس لا يسأمونها *** على أنهم فيها عراة وجوع
أراها وإن كانت تسر فإنـها *** سحابة صيف عن قليل تقشع
لما انتصر قتيبة بن مسلم في المشرق أتي بغنائم كرؤوس الأبقار من الذهب والجواهر والدرر .
فالتفت إلى الغنائم وقال لأصحابه : ما رأيكم لو عرضت هذه الأموال على أحد الناس أيردها ؟
قالوا : ما ترى أحدا يردها.
من الذي يرد الذهب ؟
من الذي يرفض المال ؟
قال قتيبة : والله ، لأرينكم قوما من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، المال عندهم مثل التراب .
فأرسل بها إلى العالم الزاهد محمد بن واسع ، وكان معه في الجيش.
فقبلها محمد !
فلما علم قتيبة قال : اللهم لا تخيب ظني فيه .
فقال قتيبة لأحد الجنود : تابع ابن واع ، وانظر أين يذهب .
فتابعه ، وقد أخذ الذهب ، فمر به فقير من الجيش ، وهو يسأل الناس من مال الله ، أعطوني .
فأعطاه كل المال .
فذهب الجندي إلى قتيبة فأخبره .
فتبسم ، وقال : لقد قلت لكم: إن هناك أناسا من أمة محمد الذهب عندهم كالتراب .
وكان علي ، رضي الله عنه ، يقول : لقد ارتحلت الآخرة مقبلة وارتحلت الدنيا مدبرة فكونوا من أبناء الآخرة ،ولا تكونوا من أبناء الدنيا ، فإن اليوم عمل ولا حساب ، وغدا حساب ولا عمل .
دخل قيس بن أبي حازم على سليمان بن عبد الملك ؛ الخليفة الأموي فقال : السلام عليك يا سليمان !
قال : الناس يقولون السلام عليك ، يا أمير المؤمنين ، وأنت تقول يا سليمان .
قال : لأني لم أبايعك بالخلافة ، فأنت بويعت بالخلافة على غير رضى مني ، فكيف اسميك أمير المؤمنين ؟
قال : ما لنا نحب الحياة ونكره الموت يا قيس ؟
قال : لأنكم عمرتم حياتكم ، وخربتم خرتكم ، فأنتم تكرهون الانتقال من العمار إلى الخراب .
قال : ما رأيك أن تصحبنا ، وأعطيك نصف ملكي ؟
قال : لا. إن الله قال {وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} (هود: من الآية 113) .
قال : ونصف الملك ؟
قال : كم تعطيني من جناح البعوضة ؟ أتعطيني نصف جناح بعوضة ؟ وقد قال صلى الله عليه وسلم : (( لو كانت الدنيا تساوي عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء ))(23) ثم خرج وتركه .
وكان سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، يطوف بالبيت فمر سليمان هذا بالموكب والوزراء والأمراء ، فلما رآه توقف فاقترب منه ، وقال : يا سالم ، ألك إلى حاجة ؟
قال : يا سليمان ، أما تستحي من الله ؟ تعرض علي المسائل في بيت الله .
فتره ، فلما خرج عرض عليه السؤال ، قال : ألك إلي حاجة؟
قال : من حوائج الدنيا أم من حوائج الآخرة ؟
قال : بل من حوائج الدنيا ، أما الآخرة فلا يملكها إلا الله .
قال : والله ، الذي لا إله إلا هو ما سالت حوائج الدنيا من الذي يملكها ، وهو الله ،فكيف اسألها منك؟
وهذا درس لنا : بان نعلم أن ما عند الله هو الباقي { مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} (النحل: من الآية 96) ، وان افضل ما يمكن أن يكنزه العبد ، هو : العبادة، والصلاح، والعلم النافع {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} (الرعد: من الآية 17) .
ودخل الوليد بن عبد الملك المدينة فأرسل أعطيات لبعض الناس ، ومنهم : سعيد بن المسيب .
فذهب الجندي إلى سعيد ، فوجده يصلي ركعتين ، فلما سلم، قال : خذ هذا العطاء .
قال : ممن هذا العطاء ؟
قال : من الوليد بن عبد الملك .
قال : يسرق أموال المسلمين ، ويعطيني العطاء ، ويحاسبني الله على عطائه ، ربما أراد غيري .
قال : لا ، أرادك أنت .
قال : اذهب إليه بالعطاء ، وله : هل يريدني أو يريد غيري ؟
فأخذ الكي ،وذهب به .
فأخذ سعيد بن المسيب حذاءه ، وخرج من طرف المسجد !!
وأما قولهم كلمة الحق : فانهم كانوا لا يخافون في الله لومة لائم.
يقول صلى الله عليه وسلم : (( افضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر )) (24).
لن هذه لا يستطيع لها إلا قلائل من أمثال سعيد بن جبير ، رحمه الله .
لقد كانت لهم ، رحمهم الله ، مواقف صلبة في قول الحق .
وكيف لا يكونون كذلك ، وسلفهم في ذلك عمر بن الخطاب الذي اقر هذا المبدأ ؟
يقف ، رضي الله عنه ، على المنبر فيقول : يا أيها الناس ، ما رأيكم لو حدت عن الطريق هكذا ؟
فقام أعرابي عنده سيف عند سارية في آخر المسجد ، فقال : يا أمير المؤمنين ، والله الذي لا إله إلا هو ، لو قلت عن الطريق هذا ، لقلنا بالسيف هكذا .
قال عمر : الحمد لله الذي جعل من رعيتي من إذا قلت عن الطريق هكذا قال بسيفه هكذا .
دخل الزهري العلامة المحدث ، رواية (( الصحيحين )) العظيم مع كثير من العلماء على هشام بن عبد الملك وكان هشام ناصبيا يبغض عليا ، رضي الله عنه .

رد مع اقتباس
  #13  
قديم 24-07-2009, 11:08 AM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,884
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب سيماهم في وجوهم د. عائض بن عبد الله القرني

فقال هشام : يا سليمان بن يسار ( أحد العلماء ) من الذي تولى كبره ؟ أي : في قوله تعالى :{وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (النور: من الآية 11) في حادثة الإفك .
قال : عبد الله بن أبي .
قال : كذبت .
فقال : يا فلان ، من الذي تولى كبره ؟
قال : عبد الله بن أبي .
قال : كذبت ، الذي تولى كبره هو علي .
فقال : يا زهري من الذي تولى كبره .
قال : عبد الله بن أبي .
قال : كذبت .
فقام الزهري ، وكان جالسا قال : كذبت أنت وأبوك وجدك ! الذي تولى كبره : عبد الله بن أبي بن سلول ، حدثني بذلك عروة عن عائشة ، ووالله لو نادى مناد من السماء أن الكذب حلال ما كذبت.
فانتفض هشام ، وقال : لعلنا هيجنا الشيخ!
وكان عبد الله بن علي العباسي سفاكا ، والغا في الدماء والأموال ، فسال وزراءه : أترون أحداً يعترض على ما فعلت ؟
قالوا : نظن الاوزاعي يعترض
فاستدعوا الاوزاعي .
قال الاوزاعي : انتظروا قليلا ، فلس أكفانه بعد أن اغتسل وتطيب ، ولبس ثيابه والأكفان من تحتها .
فدخل على عبد الله بن علي .
قال الاوزاعي : والله ، الذي نفي بيده ،لما دخلت عليه أصبح كأنه ذباب في عيني ، وكأني أتصور عرش الله بارزا للناس .
قال : فانعقد في جبينه عرق ، وفي يده خيزران ، وكانت السيوف قد اشرعت على رأس الاوزاعي .
فقال : يا اوزاعي ، ما رأيك في الدماء التي سفكناها ؟
قال : حدثنا فلان ، عن فلان، عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يحل دم المسلم إلا بإحدى ثلاث : الثيب الزاني ، والنفس بالنفس ، والتارك للجماعة )).
فغضب وقال : والأموال ؟
قال : حلالها حساب ، وحرامها عقاب .
قال : اخرج
فخرجت .
قال: ارجع .
فرجعت ، وانتظرت السيف أن يعلوني .
قال : خذ هذه الصرة ، فيها فضة وذهب .
فأخذها فوزعها على الجنود، ثم خرج !
وهكذا فعل الإمام أحمد مع المعتصم.
أما بذلهم للعلم :فهي مسالة نشكو منها .
فنحن نعيش أزمة علماء ، وأزمة دعاة ؛ لأن منهم من يقطر العلم بقطارة ، ومنهم من ينفق العلم ، وكأنه ينفق من جيبه .
العلماء كثير وكثير ن ولكن الساحة تشتكي ، فهي تريد أن ينزلوا ؛ لأن الأجيال بحاجة لهم .
كان عروة بن الزبير يتألف الناس على الحديث ، ويقول لطلابه : من يحضر منكم اليوم فله دينار .
لماذا ؟
لأنه يريد أن ينشر العلم الذي عنده ؛ لأن العلم حياة ، والعلم إذا حبس ضاع ، وإذا حب نقص فهو :
يقول تعالى :{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} (آل عمران:187) وقال سبحانه وتعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} (البقرة:159) {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (البقرة:160)

أما خشيتهم لله عز وجل :
فالله يقول في القرآن {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} (فاطر: من الآية 28) .
لأنهم تعرفوا على الله ، فهابوا ، وكل شيء تقرب منه تأمنه إلا الله كلما اقتربت منه خفته .
لذلك تجد الفاجر لا رهب الله ، فهو يضحك ، ويمزح ويعربد بكلام سيئ ، ويعصي الله ، ويفجر وليس بخائف .
والمؤمن التقي العالم بالله ، إذا عصا معصية ، أو فعل فعلة ، استغفر واستوحش ، وبقي في اضطراب ، وفزع وخوف وحزن ، وهم وغم .
ولذلك يقول ابن مسعود : إن المؤمن يرى ذنوبه كأنها جبل يريد أن يسقط عليه ، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذبا ، قال به هكذا فطار من على انفه .
قال أبو وائل : والله ، لقد رأيت جفني ابن عباس من البكاء كالشراكين الباليين .
وورد عنه انه قام ليلة في الحرم من صلاة العشاء إلى صلاة الفجر يردد قوله سبحانه وتعالى : {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً} (النساء:123)
وأبو بكر لما نزلت هذه الآية قال للرسول صلى الله عليه وسلم : كيف العمل بعد هذه الآية ؟{مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ} (النساء: من الآية 123) .
فقال صلى الله عليه وسلم : غفر الله لك ، يا أبا بكر ، ألست تهتم ؟ ألست تحزن ؟ ألست تمرض ؟
قال : بلى ، يا رسول الله.
قال : (( لا يصيب المؤمن من هم ولا نصب ولا وصب ولا مرض إلا كفر الله بها من خطاياه)) (25).
قال بعض أرباب القلوب : رب باك دمعت عيناه من البكاء ، ولكن لا ينظر إلى نظر الله إليه .
ورب ساكت ساكن ، يخاف من وقعات قدمه : أن تعطيش به في نار جهنم.
فليس المقصد البكاء ، وإنما المقصد : خشية الله الواحد الأحد { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} (فاطر: من الآية 28) .
خرج ابن المبارك الزاهد العباد الشهير ، فمر بقصر لطاهر بن حسين في خراسان .
فنظر إلى القصر ، وكان مهولا ،فدمعت عيناه ، وقال : والله لقصيدة عدي بن زيد أحب ، وأحسن عندي من هذا القصر .
عدي بن زيد شاعر جاهلي يقول :
أيها الشامت المعير بالدهر *** أأنت المبرأ الموفور
هل رأيت المنايا خلدن أمن *** ذا عليه من أين يضام مجير
أين كسرى الملوك انو شروان *** أم أين قبله سابور
وأما توضعهم لربهم تبارك وتعالى : فإن اكبر ميزة للعالم التواضع ؛ لأن العلم كالمال قد يطغى صاحبه {كَلَّا إِنَّ الْأِنْسَانَ لَيَطْغَى} (العلق:6)
{ أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى} (عبس:5)
ولذلك تجد اكبر الناس كبرا وعتوا : المثقفون بلا إيمان من فروخ العلمانية ، وفروخ النصرانية ، وفروخ الماسونية ، وأذناب الشيوعية .
فمن صفة العالم : التواضع الذي يجلب التبسم.
فهو يرحم الضعيف ، ويقف مع المسكين ، ويقود الأعمى ، ويساعد الأرملة ، ويخدم بجاهه ، ويقلمه ، وبكتبه ، وبماله ، وبوقته .
خرج ابن معود من المسجد ، فخرج تلاميذه وراءه ، فقال : عودوا إلى أماكنكم ، والله ، لو علمتم ما عندي من الذنوب لحثوتم بالتراب على رأسي .
هذا ، وهو ابن مسعود صاحب قيام الليل ، والصحابي الشهير ،الذي يقول أحد تلاميذه : نمت عنده ، فتركني ، ثم قام يتلو القرآن كأنه نحلة حتى الفجر .
يقول العلامة الأندلسي يناجي الله في الليل ببيتين فيقول :
يا من سترت مثالبي ومعايبي *** وجعلت كل الناس كالإخوان
والله لو علموا قبيح سريرتي *** لأبي السالم علي من يلقاني
لماذا يتكبر العبد ؟
لماذا لا يعود إلى تاريخه المظلم ؟
لماذا لا يتذكر سيئاته مع الواحد الأحد؟
تخيل ، لو كشف الله مخازيك ، وعرضها على الناس ، والله لا يتجملون لك ، ولا يسلمون عليك ، ولا يزورونك ، ولا يرحبون بك ، ولا يستقبلونك.
فكيف برب العباد الذي ير الخطأ منك ليل صباح ، ويغفر ويعفو ويستر ؟
دخل أحدهم على ابن تيمية ، شيخ الإسلام ، فمدحه ، وقال يا ابن تيمية أنت العالم البحر .
فغضب ابن تيمية حتى احمر وجهه وقال :
أنا المكدي وابن المكدي *** وكذا كان أبي وجدي
يقول أنا فقير ، وأبي فقير ،وجدي فقير .
وله قصيدة اسمها الفقرية يشكو فيها فقره على الله ، يقول :
أنا الفقير إلى رب السماوات *** أنا المسكين في مجموع حالاتي
وفي الحديث الصحيح : (( من تواضع لله رفعه ، ومن تكبر على الله وضعه )).
فكلما يتكبر العبد يقول الله له : اخأ فلن تعدو قدرك .
وكلما تواضع قال الله : انهض فقد رفعك الله .
إذا علم ذلك ، فإن من مما يميز علماء الإسلام علماء السنة على غيرهم ، هو : التواضع لله عز وجل {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجاهلونَ قَالُوا سَلاماً} (الفرقان:63) .
ولو ذهبت أعدد آثارهم ، وحكاياتهم في التواضع لطال المجال .
ولكن القوم فيما ظهر من أحوالهم : قد ساروا خطى قدوتهم وقدوتنا محمد صلى الله عليه وسلم ، الذي كان يضرب به المثل في التواضع ، كما علم هذا كثيرا ، حيث كان يركب الحمار ،وهو خاتم النبيين .
ويمشي مع الجارية .
ويقوم بأعماله المنزلية .
ويساعد أهله .
بل كان الداخل إلى المسجد ليسأله ، وهو لا يعرفه لا يستطيع أن يميزه من بين أصحابه ، حتى يسال عنه ؛ لأنه لا يتميز عليهم بثوب أو بجلسة أو بغير ذلك .

(18) رواه الترمذي (3736) ، والحاكم (3/242) وصححه وتعقبه الذهبي بقوله : لكنه منقطع ، وفي ثبوت الحديث بحث .

(19) وقد ذكر ابن الجوزي وغيره ، انه تاب وحسن إسلامه ، ثم أسلمت امرأته النصرانية.

(20) متفق عليه .

(21) صحيح ، رواه الترمذي ، وابن ماجه ، وصححه الألباني في الصحيحة (944).

(22) حسن ، رواه ابن ماجه (4112) ، وحسنه الألباني في المشكاة (5176).

(23) صحيح ، رواه الترمذي ، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (943).

(24) صحيح ، رواه أبو داود (4344) ، وابن ماجة (4011).

(25) صحيح ، رواه احمد ، وأصله في (( الصحيحين )) ، من حديثه ، رضي الله عنه .

رد مع اقتباس
  #14  
قديم 24-07-2009, 11:09 AM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,884
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب سيماهم في وجوهم د. عائض بن عبد الله القرني

بطل المحنة

سير الصالحين مدرسة، أسسها القرآن ،ووعتها السنة ، ومعنا في هذه الأوراق : صالح من الصالحين ، بل أمام الدنيا ، وحافظ العصر ، وأحفظ أمة محمد صلى الله عليه وسلم للحديث .
وعت الدنيا اسمه ، وحفظت القلوب رسمه ، فما هنالك فيما أظن مسلم يصلي خمس صلوات في اليوم والليلة ، إلا ويعرف هذا الإمام حتى من أعدائه من الكفار ، والمنافقين فأنهم يعرفونه إلى قيام الساعة .
هو الإمام ( أحمد بن حنبل ) أمام أهل السنة ، الواقف يوم المحنة ، الزاهد فيما سوى الله ، المتقن للحديث .
فمن هو الإمام أحمد ؟ علنا نقتدي بشيء من سيرته ، فإن لم نستطع ، فلنحبه في الله ، فإن المؤمن يحشر مع من أحب ، والمؤمن والخليل على دين خليله ، والله عز وجل يقرن الأصناف مع أصنافهم ، والأنواع مع أنواعهم والأشباه مع أشباههم.
أحب الصالحين ولست منهم *** لعلي أن أنال بهم شفاعة
واره من تجارته المعاصي *** ولو كنا سواء في البضاعة
ولد الإمام أحمد في آخر القرآن الثاني ، وعاش في بيت فقير .
مات أبوه ، وهو طفل ، فكفلته أمه الزاهدة العابدة الصائمة القائمة .
قال أحمد ، رحمه الله : فحفظتني أمي القرآن ، وعمري عشر سنوات ، فحفظ كتاب الله ، واستوعباه في صدره ، ففرت الوساوس والشياطين من صدره ، فأصبح عابدا لله .
وقال أحمد ، رحمه الله : كانت أمي تلبسني اللباس ، وتوقظني وتحمي لي الماء قبل صلاة الفجر ، وأنا ابن عشر سنوات ، ثم كانت تتخمر وتتغطى بحجابها ،وتذهب معه إلى المسجد ؛ لأن المسجد بعيد ، ولأن الطريق مظلمة .
فانظر إلى هذه المرأة الصالحة !
عاش في هذا الجو ، وعاش في هذا البيت ،وكل همه : أن يعبد الله بكلام الله ، وان يكون عبدا خالصا لله .
قال : فأعطتني متاع السفر .
أتدرون ماذا أعطته من الزاد وكم أعطته من الألوف ؟ وكم أعطته من الدراهم والدنانير ؟
لقد صنعت له ما يقارب عشرة من الأرغفة من الشعير ، ووضعتها في حقيبة من قماش معه ، ووضعت معها صرة ملح!!
وقالت : يا بني ، إن الله إذا استودع شيئا لا يضيعه أبدا ، فأستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه .
فذهب من عندها من بغداد ، من عاصمة الدنيا ، من دار السلام .
ل ماذا ذهب ؟ اذهب للسياحة كما يفعل اللاهون اللاغون اللعابون ؟
أم ذهب إلى التسكع كما يذهب السادرون المخمورون المسكورون ؟
أم ذهب إلى ضياع الأوقات والتدحرج على الثلج كما يذهب الذين رفعت عنهم أقلام التكليف ؟
لا ، بل ذهب ليبحث عن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ذهب إلى مكة والمدينة .
من زار بابك لم تبرح جوارحه *** تروي أحاديث ما أوليت من منن
فالعين عن قرة والكف عن صلة *** والقلب عن جابر والسمع عن حسن

فذهب ، رحمه الله ، وقال مضيت من بغداد على رجلي إلى مكة ، فضعت في الطريق ثلاث مرات ، فكنت كلما ضعت استغفرت الله ، ودعوت الله .
قال : فوالله ما انتهيت من كلامي ، إلا وبدلني الله تعالى على الطريق .
من هو ملجأ الخائفين ؟ انه الله .
من هو منقذ العارفين ؟ انه الله .
فكان كلما ضاع في الصحراء ، التجأ إلى الله فليس عنده علامات ، ولا بوصلات ولا خطوط صحراء ، بل هي ارض مقفرة يضيع فيها الذكي والبليد.
فضاع الإمام أحمد ، ولكن رد اتجاهه إلى الله (( أحفظ الله يحفظ )) فلما حفظ الله حفظه الله في سمعه وجوارحه ودينه ومستقبله وسمعته إلى يوم القيامة .
وحفظ الله اسمه للملايين ؛ عند مسلمي الصين واليابان والملايو والعراق والجزيرة وسوريا والجزائر ، ومسلمي أمريكا ، فلهم يسمعون بأحمد بن حنبل ؛ لأنه حفظ الله .
ثم وصل إلى مكة ، وأخذ حديث مكة ، وبعدها سافر إلى اليمن إلى صنعاء اليمن ، إلى عبد الرزاق بن همام الصنعاني يطلب الحديث ، وبينما هو في طريقه ضاع مرة رابعة ، قال : وانتهت نفقتي من الخبز إما الدراهم فما كان عندي دراهم ، فماذا افعل ؟
قال : نلت إلى قوم أهل مزارع ، يحصدون ويصرمون ، فأجرت منهم نفسي ثلاثة أيام ، يا سبحان الله ! أمام الأئمة الذي يحفظ ألف ألف حديث ، كما يقول الذهبي وابن كثير ( أي : مليون حديث ) ويؤجر نفسه من الحصادين فيحصد لهم .
ووصل بحفظ الله إلى صنعاء ، واخذ الأحاديث النبوية وكتبها .
كان يسهر الليل حتى الفجر ،ويصوم النهار حتى الغروب .
يقول ابنه عبد الله : كان أبي يصلي من غير الفرائض في اليوم والليلة ثلاثمائة ركعة.
وانظروا (( تذكرة الحفاظ )) للذهبي ، و(( سير أعلام النبلاء )) له و((البداية والنهاية)) لابن كثير ، و(( تاريخ بغداد )) ، و (( تاريخ دمشق )) فكلها متواترة على انه كان يصلي من غير الفرائض في اليوم والليلة ثلاثمائة ركعة ، وكان يسرد الصوم إلا في بعض الأيام .
ووصل إلى صنعاء ، فقدم له جوائز من السلطان ،ومن الأغنياء ، فرفض وأبى وقال : اعمل بيدي ، فاشتغل في بعض الصناعات ، فرفض وأبى وقال : اعمل بيدي ، فاشتغل في بعض الصناعات بيده حتى أعطاه الله بعض النقود ، ثم عاد إلى بغداد .
أما علمه ، رحمه الله ، فهو البحر ، وحدث عن البحر ولا حرج ، (( واتقوا الله ويعلمكم الله )) فالعلم لي بالمؤسسات ، ولا بالشهادات ، ولا بالجامعات ، العلم :تقوى الله ، العلم :طلب العلم من الحي القيوم الذي يقول لمحمد صلى الله عليه وسلم:{ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً} (طـه: من الآية 114) ويقول لسليمان {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} (الأنبياء: من الآية 79).
فالفهم من عند الله ، والعلم من عند الله ، والفقه من عند الله ، والذكاء من عند الله ، فيا من اغتر بشهادته ، أو بمستواه ، أو بمنصبه ، والله ، لن تنفعك عند الله جناح بعوضة ، العلم : أن تتعلم وتعمل ، وتعلم الناس لي إلا ، سواء عندك شهادة ، أو لم يكن هناك شهادة ، سواء تعلمت في مدرسة أو لم تتعلم .
{وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ } (البقرة: من الآية 282) ، فعلم الله الإمام أحمد ، فحفظ ألف ألف حديث ، يستحضرها كما يستحضر الفاتحة حتى كتب (( المسند)) من حفظه في أربعين ألف حديث ، فهو اكبر مسند في الدنيا ، وفي المعمورة ، وعلى البسيطة ، وبين أيدينا ، ولكن من يقرأ (( المسند ))؟ ومن يطالع (( المسند ))؟ ومن يتفقه في (( المسند))؟ أأهل الصحف اليومية والخزعبلات وأهل الملاهي والملاغي ؟ إلا من رحم الله .
وأصبح مطبوعا لنا طبعة فاخرة ، وأصبح معروضا لنا عرضا جيدا ، وأصبح محققا في الدواليب عندنا ، فوضعناه ديكورا وزينة .
فيا أمة محمد ، من يقرأ (( مسند )) أحمد ؟ إن من يقرأه سوف يجد التقوى والزهد ، والرفعة ، والخوف من الله خشية الله عز وجل .
أفت الإمام أحمد في ستين ألف مسالة ، يقال الله ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذم المنطق وذم الرأي ، وذم الفلسفة والجدل .
أما تواضعه : فمنقطع النظير ، وطالب العلم ، والمسلم ، والعالم والمسؤول ، إذا لم يكن متواضعا لله ، فلا تنظر إليه ؛ فإن الله قد مقته من فوق سبع سماوات ، وقد باء بخزي من الله ، إن لم يتب .
كان ، رحمه الله ، متواضعا جد التواضع.
قال الحفاظ : رأينا الإمام أحمد نزل إلى سوق بغداد ، فاشترى حزمة من الحطب ، وجعلها على كتفه ، فلما عرفه الناس ، ترك أهل المتاجر متاجرهم ، وأهل الدكاكين دكاكينهم ، وتوقف المارة في طرقهم ، يسلمون عليه ، ويقولون : نحمل عنك الحطب ، فهز يده ،واحمر وجهه ،ودمعت عيناه وقال : نحن قوم مساكين ، لولا ستر الله لافتضحنا ، نحن قوم مساكين لولا ستر الله لافتضحنا .
والعجيب في الإسلام: أن العبد كلما ازداد تواضعا لله ، كلما زاده الله رفعة، وكلما ارتفع كلما زاده الله حقارة ومهانة ، ومذلة جزاء وفاقا .
أتى رجل ليمدح الإمام أحمد ، فقال له الإمام أحمد : أشهد الله إني أمقتك في هذا الكلام ،والله ، لو علمت ما عندي من الذنوب والخطايا لحثوت على رأسي بالتراب ، انظر إلى الإمام ! انظر إلى العابد !
جاءه قوم فقالوا : يا أحمد ، يا ابن حنبل ،إن الله قد نشر لك الثناء الحسن ، والله أنا لنسمع الثناء عليك في كل مكان ،حتى في الثغور مع الجيش ،وهم يقاتلون العدو ، ويدعون لك وقت ما يرمون بالمنجنيق ، فدمعت عيناه ، وقال : أظن انه استدراج من الله عز وجل ، فقيل له : بل هي عاجل بشرى المؤمن .
أما زهده في الدنيا ، فقد رفعه عن كثير ممن عاش معه ، وأتته الدنيا راغمة إلى باب بيته فأباها .
طلب من أن يتولى القضاء فامتنع وقال : إن تركتموني ، وإلا فوالله لأهاجر إلى مكان لا تجدوني فيه أبدا .
كان دخله في الشهر سبعة عشر درهما فيقول : هذه تكفينا .
يقول أبناؤه : يا أبتاه، هذه لا تكفينا .
فيقول : إنما هي أيام قلائل ، وطعام دون طعام ، ولبا دون لبا حتى نلقى الله الواحد الأحد .
يقول ابنه عبد الله : بقيت حذاء أبي في رجله ثمانية عشر سنة ، كلما خرمت خصفها بيده ،وهو إمام الدنيا .
أرسل لها المتوكل ثمانية أحمال من الذهب والفضة ، حملها الوزراء على أكتافهم مع سرية من الجيش بعد المحنة ، فردها ، وقال : والله ، لا يدخل بيتي منها درهما ولا دينارا .
وأما خلقه ، فأحسن الناس خلقا ؛ لأن من يتعلم صباح مساء من القرآن ، ومن يجلس مع القرآن ، فسوف يؤثر فيه ، ولو طالت السنوات والأعوام.
والذي لا يأخذ أخلاقه من القران والسنة ، فمن أين يأخذ الأخلاق ؟ ومن أين يتعلم الآداب ؟ أمن ديكارت ، وكانت ، وغيرهم من الكفرة الذين نقلوا ثقافتهم إلينا لنتعلم منهم ؟ متى كانوا أساتذة ؟ ومتى كانوا معلمين ؟ بل هم أحقر الناس وأخبث الناس مع الناس .
إنما يتعلم من وحي السماء ؛ الذي أتى به محمد صلى الله عليه وسلم .
يقول الإمام أحمد : رحم الله أم صالح ( يعني : زوجته وقد توفيت ) صاحبتني ثلاثين سنة،والله ما اختلفت أنا وهي في كلمة واحدة .
زوجته في بيته ، صاحبته ثلاثين سنة، ما اختلف معها في كلمة واحدة .
أتاه رجل من اتباع السلطان المعتصم ، فسب الإمام أحمد أمام الناس ، وجدعه وشتمه ، وأخزاه بالكلام ، ولكن لي بمخز ، إن شاء الله .
فقال الناس : يا أبا عبد الله ، يا أحمد ، رد على هذا السفيه .
قال : لا والله ، فأين القرآن إذن ؟ يقول الله عز من قائل : { وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجاهلونَ قَالُوا سَلاماً} (الفرقان: من الآية 63) هذا هو القرآن الذي يمشي على الأرض .
كان يجلس للناس ،رحمه الله ، فيتعلمون منه وينظر إليهم ويباسطهم .
قال ابنه عبد الله : دخلت على أبي ، وهو جالس في البيت متربعا مستقبل القبلة، ودموعه تهمل على خديه ، فقالت : يا أبتاه، ما لك ؟
قال : تذكرت في هذه الغرفة موقفي في القبر وحدي لا أنيس إلا الله .
قال : فأراك متربعا لماذا لا تتكئ وتريح نفسك ؟ ( لأنه شيخ كبير ) ؟.
قال : استحي أن أجالس الله ،وأنا متكئ ، أما يقول الله : أنا جليس من ذكرني ،أنا جليس من ذكرني .
دخل عليه الأديب الكبير ثعلب فقال له الإمام أحمد : ماذا تحفظ من الأدب والشعر ؟
قال : أحفظ بيتين .
قال : ما هما ؟
قال : قول الأول .
إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل *** خلوت ولكن قل على رقيب
ولا تحسبن الله يغفل طرفــه *** ولا أن ما يخفى عليه يغيب

فوضع الكتاب من يده ، وقام وأغلق على نفسه بابا ، وبقي في الغرفة .
قال تلاميذه: والله ، لقد سمعنا بكاءه من وراء الباب ،وهو يردد البيت :
إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل *** خلوت ولكن قل علي رقيب
كانت اكبر الأماني في حياته أن يحمل السيف مجاهدا في سبيل الله .
نظر إلى قدميه وقت الوفاة فبك ، وقال : يا ليتها جاهدت في سبيل الله .
لكن والله ، لقد جاهد جهادا من أعظم الجهاد ، وبذلك علمه ، وبذل خلقه ، وبذل جاهه ، وبذل ماله، وبذل كل ما يملك في رفع لا إله إلا الله فكان إمام الدنيا بحق .
قال يحيى بن معين : والله ما رأيت أحدا كأحمد من حنبل ، والله ما أستطيع أن أكون مثله ثلاثة أيام .
وقال الإمام الشافعي ، رحمه الله : خرجت من بغداد وسكانها ألف ألف ( يعني: مليون) فوالله ، ما خلفت رجلا أتقى لله ، وأعلم بالله ، وازهد لله وأورع عن حرمات الله ،ولا أحب من الإمام أحمد بن حنبل .
رحم الله الإمام أحمد بن حنبل وأسكنه فسيح جناته وحشرنا في زمرته .

* فتنة خلق القرآن :
يقول سبحانه وتعالى {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}(العنكبوت:2 - 3) .
ويقول عز من قائل : {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أخباركُمْ} (محمد:31)
لما قرأ الفضيل بن عياض ، رحمه الله ، هذه الآية بكى ،وقال اللهم لا تبلونا فتفضحنا ، فنحن في ستر الله ، نال الله أن لا يفضحنا ، وأن لا يفتنا ، وأن يجعلنا في عافية وستر حتى نلقاه .
لكن للفتنة نتائج طيبة ،يجعلها الله للصابرين ، قال سبحانه وتعالى : {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} (السجدة:24)
فالمحنة والفتنة التي ترعض لها الإمام أحمد رواها أهل التاريخ جميعا ، وسمعت بها الدنيا شرقا وغربا ، وشمالا وجنوبا ، إلى قيام الساعة ، هي : محنة خلق القرآن ، أو الفتنة التي أورثها المأمون في الأمة والقول بخلق القرآن ، واختصارا لتعريف هذه المحنة ، فهي :
أن المأمون كان مشوبا برأي منطقي معتزلي .
يقول ابن تيمية : رحمه الله : إن الله لا يغفل عن المأمون لما أدخله من علم المنطق عند المسلمين .
والمأمون الخليفة العباسي ابن هارون الرشيد ، قال : بان القرآن مخلوق ، وكذب على الله ، فالقران كلام الله عز وجل ، والله يتكلم بما شاء متى يشاء ، لم يزل متكلما سبحانه وتعالى ، يقول عز من قائل :{ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ } (لأعراف: من الآية 54) فالأمر هنا القرآن .
فقال هذا الخليفة : بان القرآن مخلوق ، واستخدم السيف ليثبت هذه القضية في الأمة ، وقتل ما يقارب ألفا من العلماء الكبار من علماء الأمة . من زملاء الإمام أحمد ، وملأ السجون بكافة العلماء ، فبعضهم أجاب خوفا من السيف ، وبعضهم رفض وقال : لا أجيب فقتل في الحال ، ومنع التدريس في المساجد ، ومنعت الخطابة إلا للمعتزلة ، وانتشر الشر الكثير ، فنصر الله الإسلام بالإمام أحمد بن حنبل ،الذي وقف وحده ، وقال : لا والله ، القرآن كلام الله . فطلبه الخليفة .
قال الإمام أحمد : أخت من بيتي وسط الليل ، وأنا أصلي فوضع الحديد في يدي ، وفي رجلي ، حتى أن الحديد أثقل من جسمي ، ووضعت على فرس ، فكدت اسقط ثلاث مرات كل مرة أقول : اللهم أحفظني، فكان يردني الله حتى أتساوى على الفرص (( أحفظ الله يحفظك )) ، وكان الجندي الذي معه يضرب الفرس لعل الإمام أحمد يسقط على وجهه .
قال : فلما أدخلت السجن سحبت على وجهي ، فنزلت فكنت استغفر الله ، قال : فلا أدري أين القبلة ، ولا ادري أين أنا في ظلام ، وفي وحشة لا يعلمها إلا الله ، فكنت أقول : حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم .
قال : فمددت يدي ، فإذا بماء بارد ،فتوضأت منه ، وقمت أصلي إلى الفجر ، انظر إلى حفظ الله حتى في الساعات الحرجة ، لا ينسى ربه تبارك وتعالى لأنه العون .
فالزم يد بحبل الله معتصمـــــا *** فإنه الركن إن خانت أركان

قال : فلما أصبح الصباح حملت على الفرس ثانية ، وما طعمت طعاما ، وكدت اسقط من الجوع ، فأدخلت على المعتصم الخليفة الثاني ، الخليفة العكسري ، صاحب عمورية ، فلما دخلت عليه هز السيف في وجهي ، وقال: يا أحمد ، والله ،إني احبك كابني هارون فلا تعرض من دمك لنا .
فقال الإمام أحمد : ائتوني بكتاب الله ، أو بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، فدعي بالجلادين ، ودعي بجبار من الجبابرة ، وقال له : اضرب هذا الرجل ، يعني : الإمام أحمد ، فجلده مائة وستين سوطا ،حتى غشي عليه ثم استفاق .
فكان يقول : لا إله إلا الله ، حسبي الله ونعم الوكيل لأنها أطول كلمات ، ولأنها قوة هائلة ، ولأنها قوة فتاكة {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} (آل عمران: من الآية 173) .
يقول ابن عباس ، رضي الله عنهما : قالها إبراهيم فنجاه الله من النار ، وقالها محمد فنجاه الله من كيد الكفار صلى الله عليه وسلم .
ورفض أن يجيب حتى تمزق ظهره من كثرة الجلد ، فرفع على الفرس وأعيد .
وبقي في السجن ثمانية وعشرين شهرا سرد الصيام في هذه الفترة ، كما قال ابنه عبد الله فما افطر يوما واحدا .
ثم في الأخير عرض على السيف ، ورفض فلما أعجزهم ، وأكلهم وأملهم أعادوه إلى بيته ، فأنزلوه ، وهو جريح .
يقول ابنه عبد الله : دخل أبونا علينا في الليل بعد ما أطلق من السجن ، قال : فأنزلناه من على الفرس فوقع من التعب ،ومن الإعياء ، ومن الضعف والهزال ، والمرض على وجهه فبقي أياما ، ثم تولى الخلافة المتوكل ، فنصر السنة، وأتى بالمال والذهب إلى الإمام أحمد ، فبكى الإمام أحمد ، وقال : والله ، إني أخاف من فتنة النعمة أكثر من فتنة المصيبة والمحنة،فرفض ، وما أخذ شيئا وبقي على هذا الحال .
وكان يقول : يا ليتني ما عرفت الشهرة، يا ليتني في شعب من شعاب مكة ما عرفني الناس .
فلما أراد الله أن يرفع ذكره قبضه إليه في يوم من اسعد الأيام مرض تسعة أيام ،ومحص الله ما بقي عليه من خطايا ومن ذنوب ومن سيئات ، لا يخلو عنها البشر في هذه التسعة الأيام ، وفي اليوم الأخير سمع الخليفة انه مريض ، فأمرر الناس بزيارته ،فانقلبت بغداد العاصمة؛ عاصمة الدنيا ، دار السلام ،ظهرا وبطن متجه طوابير ، وفي كتائب إلى بيت الإمام أحمد ؛ لتزوره في اليوم الأخير .
فقال أبناؤه : والله ، لقد أغلقت المتاجر حول بيوتنا ، ولقد وقف الباعة من كثرة الناس ، فرفض الإمام أحمد أن يدخل عليه إلا الصبيان ، والمساكين ، فأدخلوا الأطفال عليه ، فأخذ يبكي ويقبلهم ، ويمسح على رؤوسهم ، ويدعو لهم ، ثم ادخل عليه الفقراء، فأخذ ينظر إليهم ، ويقول : اصبروا فإنها أيام قلائل ، لباس دون لباس ، وطعام دون طعام حتى نلقى الله .
وفي سكرات الموت التفت إلى طرفه بيته ، والى طرف غرفته ، وقال : لا بعد ، لا بعد ، لا بعد .
فقالوا : ما لك ؟
قال : تصور لي الشيطان ، ورأيته يعض على إصبعه .
ويقول : فتني يا أحمد ، فتني يا أحمد ، يعني : هربت مني ، فقد فتنت الناس إلا أنت ، فيقول الإمام أحمد : لا بعد ، يعني : انتظر فإني أخاف على نفسي ، فقبضه الله عز وجل .
وكانت آخر كلماته : اللهم اعف عن من ظلمني ، اللهم اعف عن من شتمني ،اللهم سامح من ضربني ، اللهم سامح من سجنني ، إلا صاحب بدعة يكيد بها دينك ، فلا تسامحه ، وقبضت روحه ، رضي الله عنه وأرضاه .
كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر *** فليس لعين لم يفض ماؤها عذر

فأمر المتوكل أن يشعوا الجنازة ، ففتحت الثكنات العسكرية لجيش الخليفة ، وبقي الناس يتوضؤون من الضحى إلى صلاة العصر ، وحملت الجنازة ، وارتفعت في الصباح من بيته ، ووصلت إلى مصلاها قريبا من ضاحية بغداد في العصر من كثرة الزحام .
شيعه كما يقول أهل العلم : مليون وثلاثمائة ألف كما أثبتت ذلك التواريخ ، وتوقف اليهود والنصارى من بيعهم ذاك اليوم ، وهبت ريح على بغداد ، حتى قال بعض الجهلة : قامت القيامة ، وخرج الجيش ، وقوامه : تسعون ألفا في مقدمة الناس ، يرتبون الصفوف ، وترددت بغداد بالبكاء من أولها لآخرها ، ووصلت جنازته حتى قال بعض أهل التاريخ : كانت تذهب الجنازة على رؤوس الناس تحمل بالأصابع ، وتعود إلى المؤخرة ، وتذهب وتأتي ، فملا وضعت ارتفع البكاء ، وقام الناس يصلون عليها {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ} (الفجر:27) {ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} (الفجر:28 - 29){وَادْخُلِي جَنَّتِي} (الفجر:30) .
دفن ، لكن ما دفن علمه ، ولا تواضعه ، ولا زهده ، ولا ذكره الحسن ؛ فقد ابقى الله له ذكرا إلى قيام الساعة .
قال ابن كثير : رآه أحد الصالحين ، فقال : ما فعل الله بك ؟ قال : ناداني ، فقال : يا عبد الله ، الحق بابي عبد الله وأبى عبد الله وأبي عبد الله .
قلت : من هم ؟
قال : الشافعي ، وسفيان الثوري ، والإمام مال . {أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} (الاحقاف:16)
رد مع اقتباس
  #15  
قديم 24-07-2009, 11:10 AM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,884
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب سيماهم في وجوهم د. عائض بن عبد الله القرني

دروس من سيرة الإمام أحمد :
الدرس الأول : من سريته ، رحمه الله ، أن الرفعة من الواحد الأحد وان من يحفظ الله يحفظه .
الدرس الثاني : أن الدنيا لا تساوي جناح بعوضة وقد خلقها وما التفت إليها منذ خلقها .
الدرس الثالث : أن العلم النافع : العلم الصحيح ، العلم القويم ، كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
الدرس الرابع : أن من أراد الرفعة ، ومن أراد المنزلة ، ومن أراد المكانة عند الله ، فعليه أن يتواضع ، وعليه أن ينزل نفسه ، وعليه أن يلغي اعتباراته ليرفعه الله .
الدرس الخامس : انك كلما سجدت لله سجدة ، رفعك بها درجة ، وهذا الإمام يصلي لله كل يوم ثلاثمائة ركعة ؛ لأن كل سجدة بدرجة عند الواحد الأحد .
الدرس السادس : أن في سير هؤلاء زكاة للقلب ، وتربية للروح وهداية إلى الواحد الأحد ، فطالعوا أخبارهم ، وتلمحوا سيرهم، وكونوا متشبهين بهم ، لعل الله أن يهدينا وإياكم سواء السبيل .

*****************************
حياة شيخ الإسلام
ابن تيمية

هو إمام عملاق ، وجهبذ قدير في هذا الدين .
وهو مجدد من المجددين ، وزاهد من الزاهدين ، وعابد من العابدين ، وعالم من العاملين بعلمهم .
هو .. ابن تيمية .
اسمه : أحمد بن عبد السلام ابن تيمية الحراني ، ولد سنة 666 هـ ، وتوفي سنة 728هـ ، ولكن قبل أن نبدأ في ترجمة الرجل ، لا بد أن أبين لكم عناصر لا بد أن تعرفوها:
العلماء هم الدعاة ، والدعاة هم العلماء ، فلا دعوة إلا بعلم ،ولا علم إلا بدعوة .
قال الله تعالى لائما بني إسرائيل ، لما توقف علماؤهم عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر {لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْأِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} (المائدة:63)
ويقول سبحانه وتعالى {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ } (آل عمران: من الآية 187).
العلم الذي لا ينشر بين الناس ،ولا ينفق منه كنز مشؤوم على صاحبه .
يقول الأندلسي أبو إسحاق يوصي ابنه لطلب العلم ،ويمدح العلم :
هو العضب المهند ليس ينبــــو *** تصيب به مضارب من ضربت
وكنز لا تخاف عليه لصــــا *** خفيف الحمل يوجد حيث كنـت
يزيد بكثرة الإنفاق منـــه *** وينقص إن به كفا شــددت

ولتهاون العلماء بالدعوة هزمت الأمة .
فما تأخرت أمة الإسلام ، ولا انهزمت أمة الإسلام إلا بسبب نكوص العلماء عن إبلاغ دعوة الله ،وعدم جلوسهم مع الأمة .
يقول الله تعالى : {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (لأعراف:175- 176) .
معنى الآية : أن مثل هذا العالم الذي ما نفع نفسه ، ولا نفع الأمة مثل الكلب ، فالكلب تجعله في الشمس أو في الظل فهو يمد لسانه أبدا .
* نشأة ابن تيمية :
ولد في بيت ملتزم ؛ بيت متقي ، بيت عابد زاهد ، يريد وجه الله ، والدار الآخرة .
ومنذ كان عمره ثمانية سنوات ، كان يمرغ وجهه في التراب مع الفجر ويقول : ( يا معلم إبراهيم علمني،ويا مفهم سليمان فهمني ).
فعلمه معلم إبراهيم ، وفهمه مفهم سليمان ،وأعطاه علما لا كالعلوم ،وأعطاه فهما لا كالإفهام .
علم وفهم اخترق بهما ما يقارب سبعة قرون ، حتى أصبح مجددا لمئات السنون ،حتى يقول مستشرق فرنسي يترجم لأبن تيمية : ( ابن تيمية وضع ألغاما في الأرض ، فجر بعضها ابن عبد الوهاب وبقي بعضها لم يفجر ).
* مؤهلاته :
أما مؤهلاته في مجال الدعوة فهي خمس مؤهلات :
1- الإخلاص ، والتجرد ،والنصيحة ،وقصد وجه الله عز وجل ، فهو يريد الدار الآخرة ، ويريد ما عند الله ، وهو دائما وأبدا ينصح غيره بأنه ينبغي الاعتناء بقوله صلى الله عليه وسلم : (( ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم ، إخلاص العمل لوجه الله ، ومناصحة ولاة الأمور ،ولزوم جماعة المسلمين فإن دعوتهم تحيد من وراءهم )).
ويقول ابن تيمية : بعض الناس يتعصب لهوى ، أو مذهب ،أو طائفة ، أو حزب ،فيجعلها هي المقصود بالدعوة ،وهذا خطأ بين ، أن المقصود بالدعوة ، هو : الله سبحانه وتعالى ، وليس الحزب ،وليست الطائفة، وليست الفرقة ، وليس الرأي الذي يدعو إليه .
ويقول أيضاً من أراد المنصب فليعلم انه لا يحصل على منصب أعلى من فرعون ،ولكن أين فرعون ؟ انه يعرض على النار غدوا وعشيا . { وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} (غافر: من الآية 46) .
وإن كنت تريد المال ، فاعلم أن قارون حصل على مال كثير ، لا تحصل عليه أنت ، خسف به الله الأرض، فماذا نفعل ؟
قال : فعليك بإخلاص العمل لوجه الله، فإن وجهه هو الباقي وما سواه فإني.
2- من مؤهلات ابن تيمية : العمل بعلمه ، وتقواه لربه تبارك وتعالى ، فعلم ليس فيه عمل ، وليس فيه خشية ، وليس فيه امتثال ، إنما هو معلومات مجردة يحفظها الإنسان في ذهنه ، ولا تنفعه أبدا ، ولا تقربه من الله سبحانه وتعالى .
فأما عمله – أي :ابن تيمية – بعلمه فله جوانب :
الأول : الزهد ،فقد كان منقطع النظير في الزهد ، فما تولى منصبا في حياته على الإطلاق .
وكان له ثوب ابيض دائم ، وله عمامة بيضاء ،وكان ربما يرتدي في البرد ثوبين .
يقال : مر في سكة من سكك دمشق ، فمر به سائل يسأله فبحث في جيوبه ، فلم يجد شيئا من الدراهم،ولا الدنانير، فاختفى وراء سور هناك ثم خلع ثوبه الأعلى وأعطاه المسكين!!
يقول صاحب (( الأعلام العلية )): تأتيه الدنيا ؛ الذهب والفضة والخيول والحواري ، إلى غير ذلك ،فينفقها في ساعتها ،ولا يدخل ولو درهما عنده .
الثاني : في الشجاعة : فقد وقف مع سلطان المغول ، لما دخل دمشق ، وحدثه بقوة وجرأة منقطعة النظير .
ولما دخل التتار بلاد المسلمين ،جمع الناس ، وقام وسل سيفه. وقال : أيها الناس ،افطروا هذا اليوم – ليتقووا على القتال – ثم تناول كوبا من الماء ، فأفطر أمام الناس ، فأفطروا ، ثم قال للسلطان : عليك أن تنزل الجيش من الثكنات للقتال ، فأنزل السلطان الجيش ، وبدأت المعركة ،وشيخ الإسلام في المقدمة .
وكان يقول : والله ، لننتصر في هذا اليوم ، فيقول تلاميذه له : قل إن شاء الله .
قال : تحقيقا لا تعليقاً.
أما مؤهلاته في عالم الأخلاق ، فان الله قد آتاه الخلق الحسن ، لولا الحدة التي تعريه ، والحدة في الرجل لقوته ،حتى يقول شاعر اليمن يمدح شيخ الإسلام .
وقاد ذهن إذا سالت قريحتـــه *** يكاد يخشى عليه من تلهبه
وقد كان عنده من الصبر الشيء العجيب
يقول ابن القيم : مات أحد أعدائه من العلماء فأتيت أبشره .
قال : فاحمر وجهه ودمعت عيناه ،وقال : تبشرني بموت مسلم ، ثم قام فقمنا معه ، حتى ذهب إلى بيت خصمه ،فعزى أهله ودعا لميتهم ، فبكى أهل بيته، وتأثروا من هذا الموقف ، بالأمس كان أبوهم ألد الأعداء لابن تيمية ، واليوم يقول ابن تيمية هذه الكلمات الطيبة . {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} (فصلت: من الآية34) .
3- المؤهل الثالث لابن تيمية في مجال دعوته : اعتصامه بالكتاب والسنة ، ومن ضمن أقواله : وعلى طالب العلم : أن يعتصم بدليل في كل مسالة ، وان يترك كل دليل ،أو كل رأي يخالف ما فهمه من كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم ، فإنه المعصوم .
ولما اعتصم بالكتاب والسنة ، رزقه الله سبحانه وتعالى تمييزا وذكاء وفهما .
ويقول : أهل السنة والجماعة وسط في الأسماء والصفات ، ووسط في الوعد والوعيد ، ووسط في الإيمان ، ووسط في القدر ، ووسط في الأمر بالمعروف ،ووسط في الفقه .
4- العامل الرابع من عوامل مؤهلاته في عالم الدعوة : صدق اللجوء وقوة التوكل .
فقد كان يذكر الله بعد صلاة الفجر دائما ، هذا غذاؤه .
ويقول: لو لم أذكر الله لخارت قواي .
ويقول لابن القيم: إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة .
ويقول : إنها لتصعب على المسالة، فاستغفر الله ألف مرة،أو اقل أو أكثر ، فيفتحها الله علي .
ولذلك أورد عنه ابن القيم في (( مدارج السالكين)) انه أن يقول : يا حي يا قيوم ،لا إله إلا أنت برحمتك ،أستغيث أربعين مرة ،أو أكثر أو اقل .
وذكر عنه الذهبي : أن عيناه كانت كأنها لسانان ناطقان من كثرة الذكر .
وقال الذهبي عنه : لو حلفت بين الركن والمقام إني ما رأيت كابن تيمية لصدقت ، ولو حلفت من الركن والمقام انه ما رأى مثل نفسه لصدقت .
وقال له تلاميذه : نراك ما يفتر لسانك من ذكر الله .
قال : قلبي كالسمكة ، إذا خرجت من الماء ماتت ، وقلبي إذا تركته من الذكر مات !
ويقول ابن القيم عنه : رأيته في السجن ،وهو ساجد يبكي ،ويقول : اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك . يرددها طويلا .
وأما صلاته ، فكان يصلي في بعض الأحيان بالناس في مسجد بني أمية في دمشق ، فكان إذا قال : ( الله أكبر ) رفع صوته حتى سمعه من في الطرقات ، فتكاد تنخلع القلوب إذا كبر .
ويروي ابن القيم في ( روضة المحبين ) ، عن تقي الدين بن شقير ،انه رأى شيخ الإسلام ابن تيمية صلى صلاة العصر في مسجد بني أمية ، ثم خرج إلى الصحراء وحده ، قال تقي الدين بن شقير وكان من تلاميذه : فخرجت وراءه ، حيث أراه ، ولا يراني ، فلما توسط الصحراء رفع طرفه إلى السماء وقال : لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ، ثم بكى ثم قال :
وأخرج من بين البيوت لعلنــــي *** أحدث عنك النفس بالسر خاليا

ولذلك يقول ابن رجب :أن من الأسباب التي حمته ومنعته من كيد الأعداء : كثرة الذكر والأوراد ؛ التي ما كان يخل بها .
5- العامل الخامس : من مؤهلات ابن تيمية ، رحمه الله ، في مجال دعوته معرفته الواسعة بحال عصره وواقع أمته .
فبعض الناس يعيش في هذا العصر ، وكأنه يعيش في القرآن الثالث ، ولكن ابن تيمية يعيش في القرن السابع ، ويعرف مشاكله ،ومتطلباته ، وماذا يريد منه أنباء العصر ، ولذلك عرف الكتاب ولسنة ،وعرف هذا الدين ثم أتى يتكلم بهما للناس بما يحتاجه العصر .
ولذلك كتبه تدل على هذا ،ويأتي على رأسها كتاب (( اقتضاء الصراط المستقيم ))، الذي سماه محمد حامد الفقي ( القنبلة الذرية) !! فهذا الكتاب ألفه ليواجه به الجاهلية التي كانت في عصره .
فمعرفته لواقعه ، وحال عصره ،أفاده بان يضع الدواء على الداء فنفعه الله في ذلك ، وقد حل كثيرا من مشكلات عصره ، وصحح كثيرا من الأخطاء التي عاشها في عصره ، وعالج كثيرا من الأمراض التي رآها في عصره، رحمه الله رحمة واسعة .
رد مع اقتباس
  #16  
قديم 24-07-2009, 11:11 AM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,884
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب سيماهم في وجوهم د. عائض بن عبد الله القرني

*وسائل دعوة ابن تيمية
هي وسيلتان :
الوسيلة الأولى : التأليف وهي على ثلاث نواحي :
الرسائل .
الردود .
والمصنفات الكبار .
فالرسائل ؛ كأن يسأل عن قضية ، فيجيب عليها رحمه الله ( الكحموية ) لأهل حماه ، ( والوسطية ) لأهل واسط ، ( والتدمرية ) لأهل تدمر ، فيرسل الرسائل إلى الناس ينفعهم بها ، ويفيدهم ، ويقودهم إلى الله عز وجل .
أما الردود ؛ كان دائما يرد الفكر والشبه التي تؤثر في أصول الدين ككتاب 0 (الصارم المسلول ) ، وسببه : أنه سمع نصرانيا يشتم الرسول صلى الله عليه وسلم ، فذهب إلى السلطان فشكى النصراني .
فأتى العوام ، فقالوا :الحق مع النصراني ، والخطأ على ابن تيمية !! فجلده السلطان في المجلس !! ولكن :
إن كان سركم ما قال حاسدنـــا *** فما لجرح إذا أرضاكم ألم

فما دام أن الجلد في سبيل الله، فأهلا به وسهلا ، فخرج غاضبا من المجلس وكتب : (الصارم المسلول على شاتم الرسول) فأبدع في هذا الكتاب. ورد فيه على اليهود والنصارى .
ومن الردود : (( الرد على الأخنائي )) ، رد عليه في (( مسالة الزيارة )) ورد على السبكي في (( مسالة الزيارة)).
ومن الردود : (( منهاج السنة )) ، رد فيه على الشيعة الرافضة .
أما المصنفات الكبار : فككتاب ( درء تعارض العقل والنقل ) ، وهذا الكتاب من يقرؤه فهو من أذكياء العالم !
يقول ابن القيم : ما طرق العالم مثل هذا الكتاب .
الوسيلة الثانية :
اللقاء مع الناس ، فقد التقى مع العلماء ،والتقى مع السلاطين ،والتقى مع عامة الناس .
فأما العلماء : فكان يلتقي معهم ، ويناظرهم ، ويباحثهم ، وهذا مستفيض من سيرته .
والتقى مع سلطان الشام ، وسلطان التتار وغيرهم .
وأما العوام : ففي دروسه في المساجد ، وفي الفتاوى ، التي ترده منهم .
********************
1- وقوف السلاطين مع خصومه .
2- جرأته وحدته التي خسر بها كثيرا ممن كادوا أن يناصروه .
3- خطورة القضايا التي عالجها ، فقد تكلم كثيرا في الأصول .
4- كثرة الخصوم وتعدد الجبهات التي واجهها( الشيعة ، الأشاعرة ،اليهود والنصارى ، الصوفية ، المقلدة ، السلاطين ... إلخ ).
5- الحبس والسجن ، ولكنه ما ازداد به إلا قوة وصلابة .
6- الجلد والتشهير ، فقد جلد ، وشهر به ، وتكلم في عرضه في كل مجلس .


ولكن في الختام ، كان نجاح منقطع النظير يحققه ابن تيمية في عالم الدعوة ، وينتهي إلى أن يعقد الإجماع من قلوب الموحدين من الأمة على انه هو رجل الساعة في فترته .
وتحيا كتبه قرونا طويلة تحيي قلوب المجتهدين والعاملين للإسلام .. ليرتفعوا رفعته .

والله اعلم ، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آهل وأصحابه أجمعين ، والحمد لله رب العالمين .

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،



وكتب
د. عائض بن عبد الله القرني
رد مع اقتباس
  #17  
قديم 24-07-2009, 11:21 PM
الصورة الرمزية قطرات الندى
قطرات الندى قطرات الندى غير متصل
مراقبة القسم العلمي والثقافي واللغات
 
تاريخ التسجيل: Oct 2005
مكان الإقامة: ღ҉§…ღ مجموعة زهرات الشفاء ღ …§҉ღ
الجنس :
المشاركات: 18,080
الدولة : Lebanon
افتراضي رد: كتاب سيماهم في وجوهم د. عائض بن عبد الله القرني

مراقبتنا الغالية
جزاك الله خيرا
على هذا الجهد الطيب...
__________________
-------




فى الشفاءنرتقى و فى الجنة..
ان شاء الله نلتقى..
ღ−ـ‗»مجموعة زهرات الشفاء«‗ـ−ღ

رد مع اقتباس
  #18  
قديم 26-07-2009, 09:25 AM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,884
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب سيماهم في وجوهم د. عائض بن عبد الله القرني

جزانا الله وإياكم اشكر مرورك مراقبتنا الغالية
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 180.30 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 175.10 كيلو بايت... تم توفير 5.21 كيلو بايت...بمعدل (2.89%)]