09-09-2019, 11:51 AM
|
|
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة :
|
|
مؤكدات الإخوة، وموجبات المحبة
مؤكدات الإخوة، وموجبات المحبة
محمد بن إبراهيم الحمد
للأخوة مؤكدات عدة منها: -
1- إفشاء السلام: فالسلام مدعاة للمحبة، ومجلبة للمودة، ومطردة للوحشة.
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أَوَلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم))(1).
2- التزاور والتعاهد والتغافر والسؤال: ويتأكد هذا المعنى مع الأصدقاء، ومن لهم حق.
قال أعرابي: "السؤال عن الصديق أحدُ السؤالين".
وقال أرسطو طاليس: "تعهَّدِ الإخوانَ بإحياء الملاطفة؛ فإن التاركَ متروك، ثم تَعَهَّدْ إخوانَ الإخوان؛ فإن إخوانَ الإخوان من الإخوان، وهم منزلة العَلَم المستَدَلِّ به على الوفاء، ثم تعهدْ أهلَ المكاشرة المتشبهين بالإخوان بالصبر عليهم؛ إما طمعاً في تحويل ذلك منهم صدقاً، وإما اتقاء كلمة فاجر وقعت في سمع مائق ذي دولة".
وقال فيلسوف: "لا تقطع أحداً إلا بعد عجز الحيلة عن استصلاحه، ولا تُتْبِعْهُ بعد القطيعة وقيعة؛ فينسد طريقه عن الرجوع إليك؛ فلعل التجارب ترده إليك، وتصلحه لك".
وقال الأحنف - رحمه الله -: "من حق الصديق أن يحتمل له ظلم الغضب، وظلم الدَّالَةِ، وظلم الهفوة".
وقال الشيخ محمد الخضر حسين - رحمه الله -:
جفا الصديق فناجيت الفؤاد بأن *** يبيت في جفوة تلقاء iiجفوته
أبى وقال أصون العهد متَّئِداً *** فَرًبَّ ودٍّ صفا من بعد iiغُبرته
عاد الصديق فأصفى ودَّه فإذا *** حديث نجواي منسوخٌ iiبرمَّته
إن تلقَ طبعاً رقيقاً فاغرسن به *** مودةً يُسْقِها من ماء iiرقَّته
3- المواساة: وذلك عند حلول المصائب والبلايا؛ فمواساة من أصيب بذلك تخفف مصابه، وتقربه ممن واساه، وتشعره بمنزلته.
وربما رجعت مودةٌ سابقةٌ بسبب مواساة حادثة.
والمواساة تكون بالمال، والجاه، والخدمة، والكلمة الطيبة، والشفاعة الحسنة وما جرى مجرى ذلك.
قال ابن عائشة: "جزعُك في مصيبة صديقك أحسن من صبرك، وصبرك في مصيبتك أحسن من جزعك".
وقال ابن مناذر: "كنت أمشي مع الخليل فانقطع شِسْعُ نعلي فخلع نعله، فقلت له: ما تصنع؟ قال: أواسيك بالحفاء".
وقال حاتم الأصم: "أربعة تُذهب الحقد بين الإخوان: المعاونة بالبدن، واللطف باللسان، والمواساة بالمال، والدعاء في الغيب".
قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: "ثلاثة لا أكافئهم: رجل بدأني بالسلام، ورجل وسع لي في المجلس، ورجل اغبرت قدماه من المشي إليَّ؛ إرادة التسليم عليَّ.
أما الرابع فلا يكافئه عني إلا الله.
قيل: من هو؟...قال: رجل نزل به أمر، فبات ليلته يفكر بمن ينزله، ثم رآني أهلاّ لحاجته فأنزلها بي".
وينسب له - رضي الله عنه - شعر في هذا المعنى يقول فيه:
إذا طارقاتُ الهمِّ ضاجعت الفتى *** وأعمل فكرَ الليلِ والليلُ عاكرُ
وباكرني في حاجة لم يجد بها *** سواي ولا من نكبة الدهر ناصرُ
فرجت بمالي همه من مقامه *** وزايله همٌّ طروقٌّ مسامرُ
وكان له فضل علي بظنه *** بي الخير إني للذي ظن شاكرُ
4- التبشير والتهنئة: فذلك مما يدخل السرور، ويئد العداوات.
قال الله - عز وجل -: (وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ) البقرة: 223.
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ وأبي موسى الأشعري - رضي الله عنهما - لما بعثهما إلى اليمن: "يسرا ولا تعسرا، بشرا ولا تنفر"(2).
ثم إن التهنئة مما يفرح المُهنأ، ويدل على سجية المهنئ، وقد تدخل في التبشير.
ولهذا جاء في حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه - رضي الله عنهم - الطويل: "قال: فآذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس بتوبة الله علينا حين صلى صلاة الفجر، فذهب الناس يبشروننا، فذهب قِبَلَ صاحبيَّ مبشرون، وركض رجل إلي فرساً، وسعى ساعٍ من أسلم قبلي، وأوفى الجبل، فكان الصوت أسرع من الفرس، فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني، فنزعت له ثوبيَّ فكسوتهما إياه ببشارته، والله ما أملك غيرهما يومئذ، واستعرت ثوبين، فلبستهما، فانطلقت أتأمَّم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتلقاني الناس فوجاً فوجاً يهنئوني بالتوبة، ويقولون: لتهنئك توبة الله عليك حتى دخلت المسجد فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس في المسجد وحوله الناس، فقام طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني، وهنأني والله ما قام رجل من المهاجرين غيره، قال: فكان كعب لا ينساها لطلحة"(3).
5- الشورى: فهي تشعر المشاوَر بقيمته، وتدل على تواضع المُشاوِر، وتقرب المتشاورين من بعض؛ لشعورهم بأن مصلحتهم واحدة.
قال الله - عز وجل - حاثاً نبيه على الشورى: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ) آل عمران: 159.
وقال مثنياً على المؤمنين: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) الشورى: 38.
6- إنزال الناس منازلهم: وقد مر شيء من ذلك فيما مضى.
فمن أعظم ما يحفظ على الناس مشاعرهم أن تحفظ لهم أقدارهم، وأن ينزلوا منازلهم؛ فللعالم حق، وللوجيه حق، وللوالد حق، وللولد حق، وللكبير حق، وللصغير حق، وللمعلم حق، وللطالب حق؛ فكل يعطى منزلته اللائقة به، فذلك له حق الإجلال والإكرام والتوقير، وذلك له حق الرحمة والرعاية والملاطفة وهكذا؛ فرعاية هذه الحقوق بلا وكس ولا شطط يحفظ على الناس كرامتهم، فلا يَشْعُر أحدٌ ببخس حقه، أو الإساءة إليه.
أخرج مسلم في مقدمة صحيحه عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: "أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ننزل الناس منازلهم" (4).
ولقد اعتنت كتب السنة بهذا المعنى، كما اعتنت بذلك كتب أدب الطلب كثيراً.
ولو ألقى القارئ نظرة في بعضها لرأى ذلك جلياً.
ومن ذلك على سبيل المثال: كتاب الجامع لأخلاق الراوي، وآداب السامع للخطيب البغدادي.
ومما عقده من أبواب في ذلك الكتاب -الباب التاسع عشر، وعنوانه:
"باب: توقير المحدث طلبة العلم، وأخذه نفسه بحسن الاحتمال لهم والحلم".
وساق جملة من الآثار تحت هذا الباب، ومن العنوانات التي جاءت تحت هذا الباب ما يلي:
- "إكرامه المشايخ وأهل المعرفة".
- "تعظيم المحدِّث الأشراف ذوي الأنساب".
- "تعظيم من كان رأساً في طائفته وكبيراً عند أهل نِحْلته".
- "إكرامه الغرباء من الطلبة وتقريبهم".
- "استقباله لهم بالترحيب".
- "تواضعه لهم".
- "تحسين خلقه معهم".
- "الرفق بمن جفا طبعه منهم".
وتحت كل عنوان ساق - رحمه الله - جملة من الآثار (5).
______________
(1) رواه مسلم 54، والترمذي 688.
(2) أخرجه البخاري (6124) ومسلم (1733).
(3) انظر قصة الثلاثة الذين خلفوا بطولها في صحيح البخاري (2757).
(4) مقدمة صحيح مسلم ص 20.
(5) انظر الجامع ص 343 - 355
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|