الهوة الهاوية: الشرك بالله - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         التوبة في القرآن الكريم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          فضل صلاة التطوع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          خطر الشذوذ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          مجازر الطحين.. إرهاصات نصر وعز وتمكين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          ليكن زماننا كله كرمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          حديث:ويَقْرَأُ فيها ما بيْنَ السِّتِّينَ إلى المِائَةِ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          وصايا نبوية مهمة للأولاد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          حديث:من رَكعَ أربعَ رَكعاتٍ قبلَ الظُّهرِ وأربعًا بعدَها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          أنوية العلمانيين، وهم يواجهون أعداءهم من أهل القبلة، وحراس العقيدة... (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          لفظ (الناس) في القرآن الكريم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 10-08-2020, 04:04 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,316
الدولة : Egypt
افتراضي الهوة الهاوية: الشرك بالله

الهوة الهاوية: الشرك بالله


أحمد الجوهري عبد الجواد





إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
عليك سلام الله ما هبت الصبا = وما لاح وَهْنًا في دجى الليل كوكبُ

أما بعد:
فيا أيها الإخوة، تحدثنا في اللقاءات السابقة عن وجوب التوحيد وفضله، وأن من حقَّقه دخَلَ الجنة بغير حساب ولا سابقة عذاب، وإذا كان الضدُّ يُظهِرُ حسنَه الضدُّ، فلا يُعرَفُ الحلو إلا بالمرِّ، ولا يعرف الجميل إلا بالقبيح، ولا يَعرِفُ قيمةَ الصحة التي تتوج رؤوس الأصحَّاء إلا الذين يعانون المرض، فبضدها تتبيَّنُ الأشياء، فتعالوا بنا أيها الإخوة لنتعرَّف إلى ضدِّ التوحيد ألا وهو الشرك، فأعيروني القلوب والأسماع، واللهَ أسأل أن يجعلنا من الموحدين، وأن يجنبنا الشرك والمشركين، وسننظم سلك هذا الموضوع الخطير في العناصر التالية:
أولاً: ما هو الشرك؟
ثانيًا: خطورة الشرك.
ثالثًا: رحلة الشرك في الأرض.
رابعًا وأخيرًا: كيف ننجو من الشرك؟

فأعيروني القلوب والأسماع أيها الإخوة، واللهَ أسأل أن يجعلَنا ممن يستمعون القول، فيتَّبعون أحسنَه.
أولاً: ما هو الشرك؟
أيها الإخوة، التوحيد هو إفراد الله تعالى بكل ما هو من خصائص ربوبيته، فلا خالق إلا هو، ولا مالك إلا هو، ولا رازق إلا هو، ولا محيي إلا هو، ولا مميتَ إلا هو، ولا مدبِّرَ ولا متصرف في شؤون الخلق إلا هو، ولا سيِّدَ للكون ولا آمر إلا هو.

والتوحيد هو إفراد الله تعالى بكلِّ ما هو من خصائص الألوهية، فلا نعبد إلا الله، ولا نطيعُ إلا الله، ولا نتقرَّبُ بشيء من العبادة إلا لله، فلا نصلي، ونصوم، ونزكي، ونسبِّح إلا لله، ولا نذبحُ ولا ننذرُ ولا نتصدق إلا لله، ولا نستجير ولا نستغيث إلا بالله.

والتوحيد أن نُنزِّه الله جل جلاله عن مشابهة المخلوقين في أسمائهم وصفاتهم؛ فليس كمثله شيء وهو السميع البصير، نؤمن بما وصف الله به نفسه، وبما وصفه به رسوله، من غير تعطيل، ولا تحريف، ولا تشبيه، ولا تأويل، فكلُّ ما دار ببالك فالله بخلاف ذلك، جل ربنا عن الشبيه والنظير وعن المثيل، لا ندَّ له، ولا كفءَ له، ولا شبيه له، ولا مثيل له، ولا صاحبة له، ولا والد له، ولا ولد له ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1 - 4]، وقال جل جلاله: ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ [طه: 5] نعم استوى كما أخبر، وما معنى استوى؟ قال الإمام الطبري في تفسيره: ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ يقول تعالى ذكره: الرحمن على عرشه ارتفع وعلا[1].

وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره: والمسلك الأسلم في ذلك طريقة السلف، إمرارُ ما جاء في ذلك من الكتاب والسنة، من غير تكييف، ولا تحريف، ولا تشبيه، ولا تعطيل، ولا تمثيل [2].

نعم ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ استوى كما أخبر، وعلى الوجه الذي أراد، وبالمعنى الذي قال، استواءً منزَّهًا عن الحلول والانتقال، فلا العرشُ يحمله، ولا الكرسي يسنده، بل العرش وحملته والكرسي وعظمته الكلُّ محمول بلطف قدرته، مقهور بجلال قبضته سبحانه وتعالى، فالاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.

قال جل جلاله: ﴿ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ﴾ [طه: 110]، وقال جل جلاله: ﴿ فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ ﴾ [النحل: 74].

هذا هو توحيد الله أيها الإخوة، وإذا كان هذا هو التوحيد فإن ضدَّ ذلك كله هو الشرك، فالشرك هو: تسوية غير الله بالله فيما هو من خصائص الله جل في علاه، سواء في ربوبيته، أم في ألوهيته، أم في أسمائه وصفاته.

والشرك ينقسم إلى قسمين: أكبر، وأصغر.
فالشرك الأكبر لا يغفره الله إلا بالتوبة منه، وهو أن يتَّخذ العبد من دون الله ندًّا يحبُّه كما يحبُّ الله، ويخافُه كما يخافُ الله، وهذا هو شرك التسوية الذي قال الله تعالى فيه حكاية عن المشركين لآلهتهم في النار: ﴿ تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [الشعراء: 97].

نعم كانت هذه التسوية في المحبة والتعظيم والعبادة، كما أنهم اتخذوهم أربابًا، يُشرِّعون لهم من دون الله عز وجل؛ فعظَّموا تشريعهم وآراءهم أعظمَ من شرائع رب العالمين؛ فلنتنبَّهْ أيها الإخوة من صرف نوع من أنواع العبادة لغير الله في الأفعال: كالركوع أو السجود، أو في الأقوال: كالدعاء والرجاء، أو في الاعتقاد: فمَن ظنَّ أن غير الله يملك رزقه، أو أجله، أو أن يعطيَه ولدًا، أو يجعل امرأته تحمل، أو يُطلِق أسيرًا، أو ينقذ غريقًا، من زعم شيئًا من هذا كله لغير الله - فقد أشرك، وصدق ربي إذ يقول: ﴿ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ﴾ [آل عمران: 154] هذا عن الشرك الأكبر.

وهناك القسم الثاني وهو الشرك الأصغر: وقد عرَّفه النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الذي أخرجه أحمد وغيره، وصححه العلامة الألباني، من حديث عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أخوفَ ما أخافُ عليكم الشرك الأصغر)) قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: ((الرياء، يقول الله يوم القيامة إذا جازى الناس بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون في الدنيا، فانظروا هل تجدون عندهم جزاء؟))[3]، فالشرك الأصغر هو الرياء.

والسؤال: ما هو الرياء؟
والجواب: الرياء هو أن يقوم العبدُ بالأعمال لا يريد بها وجه الله عز وجل، فحدُّ الرياء هو: إرادة العباد بطاعة الله عز وجل غيره، وانتبهوا أيها الإخوة؛ فإن الشرك كلَّه كبيرَه وصغيرَه خطيرٌ، وصاحبه على خطر عظيم، وهذا هو عنصرنا الثاني من عناصر اللقاء.


خطورة الشرك:
أيها الإخوة، إن الشرك هو أظلم الظلم، وأقبح القبح، وأعظم الجهل، وأكبر الكبائر؛ ففي الصحيحين من حديث أبي بكر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟)) - قالها ثلاثًا - قلنا: بلى يا رسول الله، قال: ((الإشراك بالله))[4].

وفي الصحيحين - أيضًا - من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اجتنبوا السبع الموبقات)) قالوا: يا رسول الله، وما هُنَّ؟ قال: ((الشرك بالله...))[5] ثم عدَّهنَّ، قال أهل العلم: اجتنبوا السبع الموبقات؛ أي: المُهْلِكات، وسميت بذلك لأنها سببٌ لإهلاك مرتكبِها - والعياذ بالله - وقالوا: الموبقات؛ أي: الكبائر، ولاحظ أهمية العلم بأن الشرك يجب أن يحذر ويُجتَنَبَ؛ لذا فقد بدأ به النبي صلى الله عليه وسلم الحديثَ؛ فالشرك خطره عظيم، وضرره كبير.

قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 48].

وقال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴾ [النساء: 116].

وقال سبحانه: ﴿ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ﴾ [المائدة: 72]، بل وقال الله جل وعلا عن صفوة خلقه - وهم الرسل والأنبياء -: ﴿ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام: 88].

بل وخاطَبَ حبيبَه وخليلَه وسيِّدَ أنبيائه، وإمامَ أصفيائه، وقائدَ الموحِّدين، وقدوة المحققين محمدًا صلى الله عليه وسلم بقوله: ﴿ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴾ [الزمر: 65، 66].

ومن ثَمَّ ورَدَ في صحيح البخاري من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن مات يشرك بالله شيئًا دخل النار)) قال ابن مسعود: "ومَن مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة"[6].

وفي صحيح مسلم من حديث جابر بن عبدالله أن رجلاً أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، ما المُوجِبتان؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ((مَن مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة، ومَن مات يشركُ بالله شيئًا دخل النار))[7].

وعن أبي هريرة قال: قالوا: يا رسول الله، هل نرى ربَّنا يوم القيامة؟ قال: ((هل تضارون في رؤية الشمس في الظهيرة ليست في سحابة؟)) قالوا: لا، قال: ((فهل تضارُّون في رؤية القمر ليلةَ البدر ليس في سحابة؟)) قالوا: لا.

قال: ((فوالذي نفسي بيده لا تضارُّون في رؤية ربكم، إلا كما تضارُّون في رؤية أحدهما)) قال: ((فيَلقى العبد، فيقول: أي فُلْ، ألم أكرِمْك، وأسوِّدْك، وأزوِّجْك، وأسخِّرْ لك الخيل والإبل، وأذرْك ترأس وتربع، فيقول: بلى، قال فيقول: أفظننتَ أنك ملاقيَّ؟ فيقول: لا، فيقول: فإني أنساك كما نسيتني!

ثم يَلقى الثاني، فيقول: أَيْ فُلْ، ألم أكرِمْك، وأسوِّدْك، وأزوِّجْك، وأسخِّرْ لك الخيل والإبل، وأذَرْك ترأس وتربع؟ فيقول: بلى، أي رب.
فيقول: أفظننتَ أنك ملاقيَّ؟ فيقول: لا، فيقول فإني أنساك كما نسيتَني!
ثم يلقى الثالث، فيقول له مثل ذلك، فيقول: يا رب، آمنت بك، وبكتابك، وبرسلك، وصليت، وصمت، وتصدقت، ويثني بخير ما استطاع، فيقول ها هنا إذا - قال - ثم يقال له: الآن نبعث شاهدَنا عليك، ويتفكر في نفسه مَن ذا الذى يشهد علي، فيُختَمُ على فِيه، ويقال لفَخِذه ولحمه وعظامه: انطقي، فتنطق فَخِذه، ولحمه، وعظامه بعمله؛ وذلك ليُعذَرَ من نفسه، وذلك المنافق، وذلك الذى يَسخَطُ الله عليه))[8].

موقف تصوُّرُه يُفتِّتُ الأكباد، إنه لا يفلح في ساحة القيامة ولا ينجو من عذاب الله إلا الموحدون المخلصون، والآيات والأحاديث في خطورة الشرك كثيرة جدًّا، ولا يتَّسِعُ الوقت للوقوف عليها، فحسبنا ما ذكرنا، لكن ينبغي أن ننتبَه إلى أن هذه الآيات والأحاديث عامة في الشرك كله الأكبر والأصغر، وهذا ما يجعل الأكبادَ تَتَفتَّتُ، والأعصابَ تتمزَّقُ؛ فإن هذا الوعيد العظيم، وهذا الخطر الجسيم يتنزَّل بعضُه على مَن راءى بعمله، وقصد به غيرَ وجه الله تعالى، أو عمل عملاً مما ورد تسميته شركًا، وهذا ليس فهمي ولا هو من كيسي، بل هو فهم السلف خير القرون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقد روى ابن أبي حاتم عن حذيفة بن اليمان رضى الله عنه أنه رأى رجلاً في يده خيطٌ علَّقه من الحُمَى، فقطعه، وتلا قوله تعالى: ﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾ [يوسف: 106][9].

أيها الإخوة، فإذا كان الشرك ينافي التوحيد، ويُوجِبُ دخولَ النار والخلود فيها، وحرمانَ الجنة - إذا كان شركًا أكبر - ويُحبِطُ العملَ، ويُضيعُ ثوابه - إذا كان شركًا أصغر - ولا تتحقق السعادة إلا بالسلامة منهما جميعًا - كان حقًّا على العبد أن يخاف من الشرك كلِّه أعظمَ الخوف، وأن يسعى في الفرار منه ومن طرقه ووسائله وأسبابه جميعها، كما فعل ذلك الأنبياء الأصفياء وخيار الخلق الأنقياء الأتقياء، نسأل الله تعالى العافية منه وعلى العبد أن يجتهد في تنمية الإخلاص في قلبه وتقويته وذلك بكمال التعلق بالله تألُّهًا، وإنابة، وخوفًا، ورجاء، وطمعًا، وقصدًا لمرضاته وثوابه سبحانه في كل ما يفعله العبد وما يتركه من الأمور الظاهرة والباطنة، فإن الإخلاص بطبيعته يدفع الشرك الأكبر والأصغر، ولنعلم أن كل مَن وقع منه نوع من الشرك فقد ضعف إخلاصه.

فاللهم يا منقذ الغرقى، ويا منجي الهلكى، ويا واسع المعروف، ويا عظيم الإحسان، يا منان، يا سامع كلِّ نجوى مُنَّ علينا بالتوحيد والإخلاص، والاتباع لسيد الناس صلى الله عليه وسلم.

أيها الإخوة، كان سادات الموحدين يخافون الشرك، ويتجنبونه، ويدعون الله أن يجنبهم إياه، كما قال تعالى حكاية عن خليله إبراهيم عليه السلام: ﴿ وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ ﴾ [إبراهيم: 35].

قال العلماء: ومعنى "واجنبني"؛ أي: أبعدني، واجعلني في جانب بعيد، فمع المنزلة العظيمة التي نالها إبراهيم عليه السلام عند ربه، ومع أنه قاوم الشرك، وكسر الأصنام بيده، وتعرَّض لأشدِّ الأذى في سبيل ذلك حتى أُلقِيَ في النار، مع ذلك خاف على نفسه من الوقوع في الشرك؛ لأن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن، والحي لا تُؤمَنُ عليه الفتنة، هكذا طلب إبراهيم من ربه، فهل نحن بمنجاة ومأمن من الوقوع فيما خافه إبراهيم عليه السلام؟ ولهذا قال بعض السلف لما قرأ هذه الآية ﴿ وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ ﴾ قال: "ومن يأمن البلاء بعد إبراهيم!" فإبراهيم خاف على نفسه الوقوع في الشرك لما رأى كثرة مَن وقع فيه من الناس[10]، وقال عن الأصنام كما حكى ربنا: ﴿ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ ﴾ [إبراهيم: 36].


وقد خاف النبي صلى الله عليه وسلم الشرك على سادات المهاجرين والأنصار، على أفضل هذه الأمة كما سمعنا في الحديث الذي مرَّ قريبًا:
((أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر))، فإذا كان هذا حال الأنبياء والصحابة فكيف بمن دونهم؟ كيف بنا أيها الإخوة؟ فحاذروا أن يقع أحد منكم في الشرك كبيره أو صغيره؛ فإن الأمر خطير، ألم تلاحظوا قولَ النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَن مات وهو يشرك بالله شيئًا دخل النار))؟ لاحظوا كلمة "شيئًا" فإنها - لغةً - نكرةٌ تَعمُّ الشركَ كلَّه صغيره وكبيره، وما أشرك مع الله من نبيٍ أو وليٍّ أو ملك؛ لأن الشرك لا يغفره الله أبدًا، ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ﴾ [النساء: 48]، ومَن منا يدري متى يموت؟ ومن يدري على ماذا يموت؟ فالإنسان يخاف على نفسه من سوء الخاتمة، وأن يموت وهو يشرك بالله تعالى؛ فيكون من أهل النار!
فلذلك؛ يجب على الإنسان أن يحذر من الشرك طول حياته؛ لأنه لا يدري في أي لحظة يموت، فيكون من أهل النار إذا ختم له بالشرك - حتى ولو كان من أهل التوحيد قبل ذلك وعارفًا به، ومستقيمًا عليه، لكن يجب أن يخاف من الانتكاس على عقبه - أسأل الله لي ولكم السلامة والعافية.

إنه الشرك الذي كان سببًا في كل مصيبة - ولا يزال - فما سلط علينا العدو في الأرض والعرض إلا من جرَّاء الشرك.
ويح العروبة كان الكون مسرحها
فأصبحت تتوارى في زواياه

أنى اتجهت إلى الإسلام في بلد
تجده كالطير مقصوصًا جناحاه

كم صرفتنا يد كنا نصرفها
وبات يحكمنا شعب ملكناه



ووالله ما سلطوا علينا إلا يوم تخلَّيْنا عن التوحيد، يومها دبَّ فينا الخور، وتركنا القوة والشجاعة، وجبنَّا عن مقاومة حفْنة من حُثالة الأرض، ممن كتب الله عليهم الذلة، تمكنوا منا يوم تمسكوا بعقيدتهم وتخلَّيْنا نحن عن عقيدتنا، يوم استمسكوا بحرفية النصوص - نصوص التوراة وهي المحرفة - ونادى بعض المسلمين بترك القرآن ورميه وراء الظهور، حتى قال ذلك جهرة على مسامع المسلمين ودون حياء من يسمونه بشاعر الأرض المحتلة قال: "عندما احتمينا بالنصوص جاء اللصوص": لنسأل متى استطاع المقصُّ الصهيوني والصليبي أن يقضم أطرافًا من الجسد الإسلامي؟
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 130.69 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 128.75 كيلو بايت... تم توفير 1.93 كيلو بايت...بمعدل (1.48%)]