أزمة ضعف الإيمان
د. إسماعيل عبد عباس
أزمات تعصف بالأمة - مشاكل وحلول (7)
أزمة ضعف الإيمان
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه. أما بعد: فيعاني المسلمون اليوم أزمات كثيرة ومتعاقبة، أخطرُها أزمة ضعف الإيمان، فالمجتمع المسلم بأسره على اختلاف شرائحه وتنوُّع توجهاته، يعاني خطورة هذه الظاهرة التي أضعفت الصلة والعلاقة مع الله سبحانه وتعالى، وقد تكلَّم العلماء عن أهمية زيادة الإيمان، فقالوا: القلب وعاءٌ يحفظ ما يوضع فيه، والإيمان والقسوة متغايران متزاحمان، فإذا ضعف الإيمان قوِيت القسوة، فامتلأ القلب منها فأصبح قاسيًا، وإذا زاد الإيمان ضعفت القسوة، فرقَّ القلب، فوعظ واتَّعظ، وتدبَّر وتأثَّر، فصح فيه قول الله تعالى: ﴿ وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ﴾ [المؤمنون: 60]، وقوله عزَّ وجل: ﴿ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ﴾ [الزمر: 23]، أما القلوب التي لا تتأثر بذكر الله ولا تلاوة آياته، ولا تخاف من الله عز وجل، فهي قلوب ذبلت شجرة الإيمان فيها فأصبحت قاسية، ولخطورتها فقد توعَّد الله عز وجل أصحاب القلوب القاسية، فقال: ﴿ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ ﴾ [الزمر: 22]، وقال: ﴿ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ﴾ [المائدة: 13]، وقال: ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ [الحديد: 16]، ولخطورة هذه الأزمة (ضعف الإيمان)، أحببت أن أشير إلى بعض مظاهرها؛ لأصِفَ لهذه الأزمة بعض الحلول بما يسره الله عز وجل. فمن مظاهر ضعف الإيمان: • كثرة الوقوع في المعاصي والإقبال على المنكرات. • التكاسل عن أداء العبادات وعدم التلذذ بالطاعات. • عدم التأثر بآيات القرآن والموت وشهود الجنائز. • عدم الغضب والانتصار لمحارم الله إذا انتهكت. • الغفلة عن ذكر الله عز وجل والإكثار من ذكر الدنيا. وغير ذلك من مظاهر ضعف الإيمان في القلوب. أما الحل والعلاج لهذه الظاهرة: فأرى - والله أعلم - أن ذلك يكون في أمرين: 1- إحياء الجانب الروحي. 2- تحقيق العبادة. وهما كفيلان بزيادة الإيمان، ورقة القلب، وسكون الجوارح، والابتعاد عن كلِّ ما يغضب الله سبحانه وتعالى؛ إذ لا بد لنا من نقل العبادة من الأداء إلى التحقيق؛ لتكون عبادة مؤثرة يزداد بها الإيمان، ويرقُّ بها القلب، فتَضعف الشهوات وتقل المنكرات، فيتحقق قول الله عز وجل: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [الأنفال: 2]. يتبع
وأقترح أن يكون هناك برنامج عبادي وإيماني يومي لكل مسلم يريد الارتقاء بنفسه وزيادة إيمانه، وإصلاح حاله مع الله عز وجل، وسأذكر أقل الواجب:
١ - المحافظة على الفرائض في جماعة، وإذا كان في المسجد فذلك أفضل.
٢ - المحافظة على أذكار الصباح والمساء، كل الأذكار الموجودة في حصن المسلم.
٣ - زيارة المقابر والتدبر والاتعاظ منها لتذكُّر الموت وسكراته.
٤ - المحافظة على صلاة الضحى.
٥ - الإكثار من تلاوة القرآن بتدبر وتأنٍّ، وليكن جزءًا من القرآن يوميًّا.
٦ - المحافظة على السنن الرواتب (12).
٧ - المحافظة على أذكار النوم والاستيقاظ (كل الموجود في حصن المسلم).
٨ - الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم على الأقل (١٠٠) مرة.
٩ - الاستغفار بالأسحار ما لا يقل عن (١٠٠) مرة.
١٠ - المحافظة على صلاة الليل مع الوتر (١١) ركعة.
١١ - قراءة ومطالعة كتب المواعظ والتربية الإيمانية والسلوك ما لا يقل عن ساعة يوميًّا.
١٢ - الإكثار من قول: يا حي يا قيوم، لا إله إلا أنت، برحمتك أستغيث، (الإكثار منها بين أذان الفجر والإقامة).
١٣ - محاسبة النفس دومًا، وتفتيش الأعمال ووزنها، وتذكُّر السؤال يوم القيامة.
١٤ - الإكثار من الصدقة في السر.
١٥ - التضرع والدعاء لله عز وجل بالإيمان، فقد ثبت في الحديث: ((اللهم إنا نسألك إيمانًا دائمًا)).
هذا أقل الواجب الذي ينبغي على المسلم أن يتدرج فيه؛ لزيادة إيمانه، ونقل عبادته من الأداء إلى التحقيق، فإن الصلوات الخمس تطهِّر المسلم من الذنوب: ((لو أن نهرًا بباب أحدكم يغتسل منه كلَّ يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟! ... فذلك مثل الصلوات الخمس))، وفي معنى الحديث: ((ثلاثٌ مكفِّرات لما بينهنَّ إذا اجتنبت الكبائر: الصلاة إلى الصلاة))، والأذكار والقرآن ترقِّق القلوب وتجلِّيها، وتكون حصنًا للمسلم من الشيطان، فقد ورد: ((إن القلوب لتَصدأ كما يَصدأ الحديد))، قيل: وما جلاؤها يا رسول الله؟ قال: ((تلاوة القرآن، وذكر الموت))، وورد: (مَن قال كذا لا يَقربه شيطان)، وغيرها معلومة في مكانها ليرجع المسلم إليها.
أما زيارة المقابر فهي تُزهد في الدنيا وتُرغب في الآخرة: ((ألا فزوروها فإنها تُذكركم الآخرة)).
وكتب المواعظ والسلوك تعين على التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم، والتأثر بسير الصحابة رضوان الله عليهم، والعلماء العاملين وأصحاب الصفاء من المشايخ والمربين.
كيفية تفعيل العلاج في المجتمع:
١ - أن نحرص على أنفسنا، فنكون قدوات في المجتمع يتأثر بِنَا مَن حولنا؛ لتكون سلوكياتنا دعوة لهم، لأن الناس يتأثرون بالحال أكثر من المقال، لذلك قيل: "قد لا نملك التغيير لكننا نملك التأثير".
٢ - أن نعين أهلنا على تطبيقه، وذلك بتقليل مشاهدة التلفاز، والمحاسبة اليومية بالرحمة والتشجيع لأفراد الأسرة، وحثهم على العمل، واغتنام الوقت والعمر بالعمل الصالح: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ﴾ [التحريم: 6].
٣ - الدعوة إلى أهمية الإيمان في حياة المسلم، وبيان فضله وأثره في المجتمع، وتكون الدعوة بكل الوسائل، وفي كلِّ المجالس؛ لتكون المواعظ الإيمانية فاكهة مجالسنا وثقافة مجتمعنا.
٤ - السعي لإصلاح مناهج التربية والتعليم الحِلَقيَّة والمسجدية والمدرسية والجامعية؛ لتَمزُج مع التعليم التربيةَ الإيمانية، فإن لم يمكن ذلك فنحث المدرسين والمربين ونرشدهم إلى أن يكون لهم دور إيماني وتربوي في جو الدراسة.
٥ - إصلاح الخطاب المسجدي بتطوير الخطباء وتربيتهم إيمانيًّا، وليكن لهم برنامج للخطب الإيمانية والتربوية، وترك الخطب العاطفية الانفعالية غير المنضبطة.
٦ - تفعيل دور وسائل الإعلام السُّنيَّة وإعداد البرامج الإيمانية المؤثرة ذات الطرح الجديد والأسلوب الشائق، فإن لم يمكن ذلك، فلنرشد الناس إلى قنوات إسلامية وبرامج إيمانية، لملءِ الفراغ وإصلاح البيوت.
هذا وأسأل الله عز وجل أن يرزقنا إيمانًا دائمًا وقلبًا خاشعًا، وأن يُغنينا بحلاله عن حرامه، وأن يصلحنا ويصلح بِنَا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.