البرد والشتاء والمطر: حكم وأحكام وعبر - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         شرح كتاب فضائل القرآن من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 187 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 117 - عددالزوار : 28425 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 175 - عددالزوار : 60031 )           »          خطورة الوسوسة.. وعلاجها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          إني مهاجرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          الضوابط الشرعية لعمل المرأة في المجال الطبي.. والآمال المعقودة على ذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 30 - عددالزوار : 819 )           »          صناعة الإعلام وصياغة الرأي العام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          من تستشير في مشكلاتك الزوجية؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          فن إيقاظ الطفل للذهاب إلى المدرسة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 23-10-2020, 05:09 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي البرد والشتاء والمطر: حكم وأحكام وعبر

البرد والشتاء والمطر: حكم وأحكام وعبر


الشيخ فؤاد بن يوسف أبو سعيد







إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102]

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾ [النساء: 1]

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾ [الأحزاب:70، 71]



أما بعد؛ فإن أصدق الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.

أعاذني الله وإياكم وسائر المسلمين من النار، ومن كل عمل يقرب إلى النار، اللهم آمين.



عباد الله؛ نعيش في هذه الأيام فصل الشتاء وما فيه من الرياح والبرق والرعد، والسحب والأمطار، وما فيه من برد شديد أحيانا، وحول هذا ذكر الله عز وجل في كتابه في أكثر من سورة، وفي أكثر من آية، الله يتكلم عن هذه الآيات التي هي نعمة للناس، نعمة لمن آمن، وعلى بعض الناس قد تكون نقمة، فنسأل الله من نعمه وآلائه، ونعوذ بالله من نقمه وعقابه، يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ -وهي حبيبات المطر- ﴿يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ -أي آيسين من رحمة الله قبل نزول الأمطار- ﴿فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾. [الروم: 48- 50].



فهو سبحانه إذا شاء أرسل هذه الرياح على من شاء، ومنعها ممن شاء سبحانه، بعض الناس قد يتأذى من الريح، وهي من جنود الله، يتأذى فيسبها ويلعنها، فقد ورد عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَسُبُّوا الرِّيحَ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ مَا تَكْرَهُونَ فَقُولُوا: اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ هَذِهِ الرِّيحِ، وَخَيْرِ مَا فِيهَا، وَخَيْرِ مَا أُمِرَتْ بِهِ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ هَذِهِ الرِّيحِ، وَشَرِّ مَا فِيهَا، وَشَرِّ مَا أُمِرَتْ بِهِ". [ت] [2252]



بعض الناس يتأذى من الريح؛ لأنها مزّقت حمّامه الزراعي، أو كسَّرت حمّامه الشمسي، أو عملت على انقشاع بيته الذي هو من صفيح وما شابه ذلك، فيسب ويلعن، لذلك وفي عهد النبي صلى الله عليه وسلم هاجت الريح، فقد ورد عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه قَالَ: [هَاجَتْ الرِّيحُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَسَبَّهَا رَجُلٌ]، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَسُبَّهَا، فَإِنَّهَا مَأمُورَةٌ"، ["الرِّيحُ مِنْ رَوْحِ اللهِ، فَرَوْحُ اللهِ تَأتِي بِالرَّحْمَةِ، وَتَأتِي بِالْعَذَابِ]، [فَإِذَا رَأَيْتُمْ مَا تَكْرَهُونَ فَقُولُوا: اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ هَذِهِ الرِّيحِ، وَخَيْرِ مَا فِيهَا، وَخَيْرِ مَا أُمِرَتْ بِهِ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ هَذِهِ الرِّيحِ، وَشَرِّ مَا فِيهَا، وَشَرِّ مَا أُمِرَتْ بِهِ"]، [عبد بن حميد] [167]، [ن] [10773]، [ت] [2252]، [د] [5097]، [جة] [3727]، [حم] [7407]، [21166]، انظر صحيح الجامع [7315]، الصَّحِيحَة [2756].



فالريح من روح الله، أي أنها من رحمة الله: [الرِّيحُ مِنْ رَوْحِ اللهِ فَرَوْحُ اللهِ تَأتِي بِالرَّحْمَةِ]؛ -أَيْ: بِمَعْنَى الرَّحْمَة كَمَا فِي قَوْله سبحانه وتَعَالَى: ﴿وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْم الْكَافِرُونَ﴾. أَيْ: يُرْسِلُهَا اللهُ سبحانه وتَعَالَى مِنْ رَحْمَتِه لِعِبَادِهِ. عون المعبود [11/ 133]



وعلينا عباد الله! أن نبحث عن الأدعية عند الريح حتى تناسب المقام المقال، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ رضي الله تعالى عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّم إِذَا اشْتَدَّتِ الرِّيحُ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ لَقْحًا لَا عَقِيمًا". [حب] [1008]، [ك] [7770]، [طس] [2857]، [هق] [6282]، انظر صَحِيح الْجَامِع [4670]، الصَّحِيحَة [2058].



[لَقْحًا] الريح مُلْقِحَة، -أي يا رب اجعل هذه الريح لقحا، أي- تُلْقِحُ الشجر بمرورها على التراب والماء فيكون فيها اللِّقاحُ، -وتلقح الأرض فيكون فيها الخير، وتكون فيها البركة- ويشهد على ذلك أَنه وصف ريح العذاب بالعقيم، فجعلها عقيماً. لسان العرب [2/ 579].

لأن بعض الريح التي أرسلت على أقوام كافرين تدمرهم، بأنها ريح عقيم.



ثم بعد الرياح تتكون السحب ويكون البرق والرعد مقدِّماتٍ للغيث والأمطار، قال سبحانه: ﴿هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ * وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ [الرعد: 12، 13].



عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما، قَالَ: [أَقْبَلَتْ يَهُودُ] -أي جماعة من اليهود- [إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]، -واليهود عندهم من العلوم مماَّ علَّمهم الله في توراتهم، ولكنهم كالحمار يحمل أسفارا، فيريدون أن يسألوا رسول الله عن أشياء يعلمونها هم، وهم يعلمون أنه أُمِّيٌّ؛ لم يقرأ ولم يكتب، فإذا أجاب عن أسئلتهم إذن هو صادق؛ لكنهم لا يتبعونه، وإن أتاهم بكل آية، هكذا عناد اليهود-.



فَقَالُوا: [يَا أَبَا القَاسِمِ! أَخْبِرْنَا عَنِ الرَّعْدِ مَا هُوَ؟!] قَالَ: "مَلَكٌ مِنَ المَلَائِكَةِ، مُوَكَّلٌ بِالسَّحَابِ، مَعَهُ مَخَارِيقُ مِنْ نَارٍ، يَسُوقُ بِهَا السَّحَابَ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ"، فَقَالُوا: [فَمَا هَذَا الصَّوْتُ الَّذِي نَسْمَعُ؟!] قَالَ: "زَجْرَةٌ بِالسَّحَابِ إِذَا زَجَرَهُ، حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى حَيْثُ أُمِرَ". قَالُوا: [صَدَقْتَ]. -يعني هذا العلم عندهم- فَقَالُوا: [فَأَخْبِرْنَا عَمَّا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ؟!] قَالَ: "اشْتَكَى عِرْقَ النَّسَا"، -العرق الذي يصيب الإنسان، وهو عبارة عن مرض في الجسم- "فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا يُلَائِمُهُ إِلَّا لُحُومَ الإِبِلِ وَأَلْبَانَهَا، فَلِذَلِكَ حَرَّمَهَا". قَالُوا: [صَدَقْتَ]. [ت] [3117].



ونحن عند سماعنا لصوت الرعد، وصوت الملائكة التي تزجر السحاب ماذا نقول؟ علينا أن نذكر الله سبحانه ونسبحه وأن نذكره، فهذه مناسبات مع تلك الآيات، اقتداء بسلفنا الصالح رضي الله عنهم، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما إِذَا سَمِعَ صَوْتَ الرَّعْدِ قَالَ: [سُبْحَانَ الَّذِي سَبَّحْتَ لَهُ، قَالَ] -ابن عباس-: [إِنَّ الرَّعْدَ مَلَكٌ يَنْعِقُ بِالْغَيْثِ، كَمَا يَنْعِقُ الرَّاعِي بِغَنَمِهِ]. [صَحْيح الْأَدَبِ الْمُفْرَد] [559]

الرعد اسم ملك يسوق السحاب حتى تنزل الأمطار، حيث أمر الله عز وجل.



وَعَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ رضي الله -تعالى- عنهما إِذَا سَمِعَ الرَّعْدَ تَرَكَ الْحَدِيثَ، -حديثه مع الناس، أو حديثه في الدرس أو ما شابه ذلك-، وَقَالَ: [سُبْحَانَ الَّذِي ﴿يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ﴾]، ثُمَّ يَقُولُ: [إِنَّ هَذَا لَوَعِيدٌ شَدِيدٌ لأهْلِ الأرْضِ]. [صَحْيح الْأَدَبِ الْمُفْرَد]: [560].



أي هذا الذي نسمعه، مع أننا نتمنى فيه الخير ونرجو فيه الغيث، مع ذلك وعيد شديد لأهل الأرض.

وصدق ابن الزبير رضي الله -تعالى- عنه قال سبحانه: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا -خوفا من الصواعق التي تنزل مع البرق، صاعقة تحرق، وطمعا في الغيث الذي يأتي نتيجة هذا البرق- ﴿وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ. [الروم: 24].



ثم تتكون السحب والغيوم وتنزل الأمطار، ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ﴾. [النور: 43].



وبعدها تتنزل الرحمات، وتتنزل البركات، من عند رب الأرض والسماوات، قال سبحانه: ﴿وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ﴾. [ق: 9]، ﴿وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ -هكذا يبين الله سبحانه وتعالى لنا آياته لنتذكر ونعبده وندعوه ونسبحه، ويبين لنا النبي صلى الله عليه وسلم ماذا يترتب علينا عند رؤية هذه الآيات- ﴿حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾. [الأعراف: 57].



فإذا نزل الغيث يستبشر المسلمون، ويذكرون الله سبحانه وتعالى ويدعونه، عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله تعالى عنها-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَأَى المَطَرَ، قَالَ: «اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا». [خ] [1032]، رواه البخاري ومسلم وغيرهما، صيِّبا: اجعله يصيب الأرض وينفعها، يصيبها بالبركة فتخرج بركاتها.



وَعَنْ مَكْحُولٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّم: "اطْلُبُوا إِجَابَةَ الدُّعَاءِ عِنْدَ الْتِقَاءِ الْجُيُوشِ، وَإِقَامَةِ الصَلَاةِ، وَنُزُولِ الْغَيْثِ". [الأم للشافعي] [ج1/ ص289]، انظر الصَّحِيحَة [1469].



اطْلُبُوا إِجَابَةَ الدُّعَاءِ عِنْدَ الْتِقَاءِ الْجُيُوشِ، أثناء القتال والجهاد؛ لأن الملائكة تتنزل مؤيدة للمؤمنين، وَإِقَامَةِ الصَلَاةِ عند النداء والأذان، والصلاة حتى تنتهي، من الأذان إلى نهاية الصلاة الدعاء مجاب، وَعند نُزُولِ الْغَيْثِ، فلا تنشغل بأمور أخرى هذا موضع إجابة للدعاء.



وعند نزول البركات تسيل الأودية وتسيح المياه على وجه الأرض، ويسلكه الله ينابيع في الأرض بقدرته سبحانه: ﴿أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ [الرعد: 17].



وبما أنزل الله سبحانه وتعالى من ماء السماء نطهر به أجسامنا، أو نشرب من هذه المياه التي لم تخالطها مياه أخرى، أو أملاح أو ما شابه ذلك، وتُزال بهذه المياه أيضا آثار الشيطان من صدورنا وقلوبنا؛ لأن هذا لعلَّه يكون فيه الشفاء لكثير من المرضى، أمراض عجز عنها الطب اليوم، ما في، ذهبت إلى الطبيب فلان، والطبيب فلان، ما في إجابة، أطباء نفسيين وغير نفسيين، وهو يبقى في مرضه، لذلك لو توجه إلى قطرات الماء النازلة من السماء فقرأ فيها شيئا من كتاب الله عز وجل، من سورة الفاتحة أو نحوها ثم شربها أو اغتسل بها لعل الله عز وجل يذهب به عنك رجز الشيطان، كما قال سبحانه: ﴿وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ [الأنفال: 11].



وقَالَ سبحانه وتَعَالَى: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا [الفرقان: 48]

ولا مانع من التبارك من الماء المبارك، الماء النازل من عند الله، أن تعرِّض نفسك جزءا من جسمك، أو متاعك تخرجه إلى هذا الماء ولو للحظات قليلة لتأخذ البركة من هذا الماء الذي جاء من عند الله عز وجل، فقد ثبت عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله تعالى عنه قَالَ: [أَصَابَنَا مَطَرٌ وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّم، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّم فَحَسَرَ ثَوْبَهُ عَنْهُ حَتَّى أَصَابَهُ]، فَقُلْنَا: [يَا رَسُولَ اللهِ! لِمَ صَنَعْتَ هَذَا؟!] قَالَ: "لِأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ". [د] [5100]، [م] 13- [898]، [حم] [12388].



حسر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثوبه عند نزول أول زخات من المطر، قالوا: حسر عن ساقيه أو حسر عن رأسه وصدره حتى يصل الماء إلى الجسم، بركاتٌ من السماء نازلة، لماذا يتعرض للمطر؟ لأنه حديث عهد، الآن خلق في السماء قبل لحظات، عندما تكون السحاب، لم يكن ماءا، كان سحابا ثم صار مطرا بأمر الله عز وجل، فهو حديث عهد بربه.



عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما إِذَا مَطَرَتِ السَّمَاءُ يَقُولُ: [يَا جَارِيَةُ]، -وهي الخادمة التي عنده- [أَخْرِجِي سَرْجِي، أَخْرِجِي ثِيَابِي]، وَيَقُولُ: ﴿وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا [ق: 9]. [خد] [1228].

يخرج السرج أي سرج الخيل، ويخرج متاعه من ثيابه، حتى تتعرض للبركة النازلة من السماء.



وفي الشتاء تتيسر الأحكام، فيتسامح في مياه الأمطار التي تجري في الشوارع، التي يظن أن بها نجاسة، فهو معفوٌّ عمَّا أصاب الأرجل أو الثياب، عفوٌ من الله إن شاء الله عز وجل، خصوصا من يأتي إلى المسجد فيتعذَّر عليه أن يتقيَ مثل هذه المياه التي تجري في الشوارع، تعالَ، لا ينقض لك وضوء، وثيابك طاهرة إن شاء الله.



وفي الشتاء يهجم البرد، وتنخفض شدة الحرارة، ويبرد الماء وينتشر الصقيع، فيجوز التيمم عند عدم القدرة على استخدام الماء، ويجوز المسح على الخفين، والنعلين والجوربين يوما وليلة.

وفي البرد والريح يقول المؤذن: صلوا في الرحال، كما ورد عَنْ نَافِعٍ؛ [أَنَّ ابْنَ عُمَرَ، أَذَّنَ بِالصَّلاَةِ فِي لَيْلَةٍ ذَاتِ بَرْدٍ وَرِيحٍ، ثُمَّ قَالَ] -أي بعد انتهاء الأذان-: [أَلاَ صَلُّوا فِي الرِّحَالِ]، ثُمَّ قَالَ: [إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ الـمُؤَذِّنَ إِذَا كَانَتْ لَيْلَةٌ ذَاتُ بَرْدٍ وَمَطَرٍ]، يَقُولُ: «أَلاَ صَلُّوا فِي الرِّحَالِ». [خ] [666].



وأيضا كلمة أخرى يجوز أن تقال في الأذان وهي ما ورد عَنْ نُعَيْمِ بْنِ النَّحَّامِ رضي الله عنه قَالَ: [نُودِيَ بِالصُّبْحِ فِي يَوْمٍ بَارِدٍ]، -وأين كان النعيم؟ قال- [وَأَنَا فِي مِرْطِ امْرَأَتِي]، -أي متلفع هو وزوجته في لحاف واحد، والوقت برد شديد، فلما سمع المنادي يؤذن قال:- فَقُلْتُ: [لَيْتَ الْمُنَادِيَ قَالَ: مَنْ قَعَدَ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ!] -لأن الخروج إلى المسجد والخروج في الطريق، والخروج في البرد الشديد ما في رخصة أن أصلي في البيت- فَنَادَى مُنَادِي النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلَّم فِي آخِرِ أَذَانِهِ: "وَمَنْ قَعَدَ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ". [حم] [17963]، [هق] [1734]، انظر الصَّحِيحَة [2605].



ومن قعد فلا حرج، الصحابة بشر؛ لذلك ما جاز لهم جاز لنا إن شاء الله سبحانه وتعالى.

ويجوز الجمع بين الظهر والعصر، والجمع بين المغرب والعشاء، وذلك عند نزول الأمطار وشدتها، أو شدة البرد مع شدة الرياح، فنجمع وراء الإمام، إن جمع جمعنا، وإن لم يجمع لا نجمع، فعَنْ نَافِعٍ قَالَ: [كَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما إِذَا جَمَعَ الْأُمَرَاءُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي الْمَطَرِ جَمَعَ مَعَهُمْ]. [ط] [331]، [ش] [4438]، [هق] [5345]، وصححه الألباني في الإرواء حديث: [583].



عباد الله! تنبيه من خطر يحدث للناس في هذا الوقت، فهم يستخدمون المدافئ ومواقد الفحم وإيقاد النيران، والمدافئ عن طريق الغاز أو عن طريق الكهرباء، فلذلك حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من إبقاء النار في البيت فهذا خطر، فلا تنم وعندك مثل هذه الأمور في البيت، لا من إخراجها أو فتح النوافذ حتى لا يحدث ما لا تحمد عقباه، فقد مات هنا في غزة في سنين ماضية أكثر من واحد بسبب المدافئ، أكثر من واحد أغلق على نفسه الباب، وأشعل المدفأة، التي هي من غاز أو فحم أو ما شابه ذلك، فامتصت الأكسجين فاختنق، فأصبح ميتا، رحم الله أموات المسلمين أجمعين، حذرنا من ذلك النبي صلى الله عليه وسلم؛ من أن تبقى مثل هذه النار مشتعلة عند النوم؛ من مواقد الفحم والمدافئ الغازية والكهربائية، أمرنا أن تطفأ عند النوم، فقد ورد عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، رَفَعَهُ، قَالَ: «خَمِّرُوا الآنِيَةَ"، -الآنية كلها عند النوم تخمر ولو أن تعرض عليها عودا وتقول: بسم الله- "وَأَوْكُوا الأَسْقِيَةَ"، -الأوعية التي من الجلد توكئ وتغلق أيضا- "وَأَجِيفُوا الأَبْوَابَ" -أيَّ باب عندك أغلقه حتى لا تدخل عليك الشياطين منها، فتسبب لك أذى أو مرضا أو ما شابه ذلك-، "وَاكْفِتُوا صِبْيَانَكُمْ عِنْدَ العِشَاءِ"، -يعني عند الليل وقدومه، لا تجعل الأطفال يخرجون- "فَإِنَّ لِلْجِنِّ"، وفي رواية: «فَإِنَّ لِلشَّيَاطِينِ» انْتِشَارًا وَخَطْفَةً، وَأَطْفِئُوا المَصَابِيحَ عِنْدَ الرُّقَادِ"؛ -لأن مصابيحهم كانت قديما من الزيت والفتيل- "فَإِنَّ الفُوَيْسِقَةَ" -الفأرة- "رُبَّمَا اجْتَرَّتِ الفَتِيلَةَ فَأَحْرَقَتْ أَهْلَ البَيْتِ». [خ] [3316]



هذه توجيهات نبوية حفاظا على هذه الأمة الإسلامية، حتى تكون راقية بأخلاقها وآدابها النبوية، وتكون على مستوى التقدم والرقي، في سلامة أفرادها.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.



الخطبة الآخرة

الحمد لله حمد الشاكرين الصابرين، ولا عدوان إلا على الظالمين، اللهم صل وسلم وبارك وأنعم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، وعلى من اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

أما بعد:

ملخَّصُ ما فات عن الرياح والأمطار وما شابه ذلك؛ أن الناس منهم من يسب الريح، ومنهم من يفرح وهؤلاء أكثر الناس، ونحن منهم، يفرح عند قدوم الغيوم وهبوب الرياح، نتفاءل بالأمطار والغيث، أما شأنه صلى الله عليه وسلم إذا هبت الغيوم وجاءت الرياح، فماذا كان شأنه عليه الصلاة والسلام، فلننظر إلى ما روته عَائِشَةُ رضي الله -تعالى- عنها قَالَتْ: [كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا عَصَفَتْ الرِّيحُ]، وفي رواية: [إِذَا رَأَى سَحَابًا مُقْبِلًا مِنْ أُفُقٍ مِنْ الْآفَاقِ] [فِي السَّمَاءِ، أَقْبَلَ وَأَدْبَرَ]، -لا يجلس صلى الله عليه وسلم قلِقٌ- [وَدَخَلَ وَخَرَجَ، وَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ]، [وَتَرَكَ مَا هُوَ فِيهِ] [مِنَ الْعَمَلِ] [-وَإِنْ كَانَ فِي صَلَاتِهِ- حَتَّى يَسْتَقْبِلَهُ فَيَقُولُ:] [اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا، وَخَيْرَ مَا فِيهَا، وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا، وَشَرِّ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ"]، [فَإِذَا أَمْطَرَتْ؛ سُرَّ بِهِ وَذَهَبَ عَنْهُ ذَلِكَ]، -إذا أمطرت جاءه الفرح والسرور- [وَقَالَ: "اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ صَيِّبًا هَنِيئًا"] [نَافِعًا[-مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً- وَإِنْ كَشَفَهُ اللهُ عز وجل وَلَمْ يُمْطِرْ؛ حَمِدَ اللهَ عَلَى ذَلِكَ]، [فَعَرَّفَتْهُ عَائِشَةُ ذَلِكَ]، [فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الْغَيْمَ فَرِحُوا؛ رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْمَطَرُ، وَأَرَاكَ إِذَا رَأَيْتَهُ عُرِفَ فِي وَجْهِكَ الْكَرَاهِيَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا عَائِشَةُ! مَا يُؤَمِّنُنِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَذَابٌ؟!] [لَعَلَّهُ كَمَا قَالَ قَوْمُ عَادٍ: ﴿فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا، بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ، رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾. [الأحقاف: 24]، [إِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ عَذَابًا سُلِّطَ عَلَى أُمَّتِي"]. [خ] [985، 987، 3034، 4551]، [م] 14، 15، 16- [899]، [د] [5098، 5099]، [ت] [3257، 3449]، [جة] [3889، 3890]، [س] [1523]، [حم] [21123 ، 24190، 25611]، انظر الصحيحة تحت حديث: [2757].

فكلما هبَّت الريح يخاف النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون عذابا سُلِّط على أمته.



ألا واعلموا أن كمية الأمطار واحدة في كل عام، لا يتغير منسوب الأمطار، ينزل بنسبة واحدة في كل عام، لكن ينزل المطر على بلاد أكثر من بلاد، ثبت ذلك عَنْ ابن عباس رضي الله -تعالى- عنهما قال: [مَا مِنْ عَامٍ بِأَقَلَّ مَطَرًا مِنْ عَامٍ، وَلَكِنَّ اللهَ تَعَالَى يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَة: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا * لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا * وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا﴾. [الفرقان: 48 - 50]. [هق] [6275]، [ك] [3520]، انظر الصَّحِيحَة [2461].



وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ مرة عند هؤلاء أكثر، ومرة عند هؤلاء أكثر، ونحن في الأوقات العصيبة نجد الأمطار في بلاد أخرى أغرقت الناس، وبكثرة كثيرة، فلذلك يأتي إلى بعض الناس ما لا يأتي إلى غيرهم، لكن الكمية واحدة، والله تعالى أعلم.

-وقال الألباني: ويستفاد منه أن كمية المطر في كل عام واحدة، لكنّ تصريفَه يختلف، فهو في حكم المرفوع؛ لأنه لَا يُقال من قبل الرأي والاجتهاد، ولأنه رُوي مرفوعا. والله أعلم. أ.هـ



واعلموا يا عباد الله! أن هذا البرد الذي نراه هو من فيح جهنم، نفس جهنم برد زمهرير، نسأل الله السلامة، لأن جهنم لها نفس تخرج، زفير وشهيق، ففي الزفير يخرج الحرارة في الصيف، وفي الشهيق تمتص الحرارة، كلَّها من الجوِّ، ولا يبقى إلا القليل فيبرد الناس، فقد ثبت أن أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ: رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ؛ نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ، وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، فَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الحَرِّ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ". [خ] [3260]



واعلموا عباد الله! أننا إذا متنا أصبحنا كالأرض الجرداء التي نراها الآن، فإذا جاءت الأمطار خرجت الأعشاب، واخضرت الأرض، ودبَّت فيها الحركة والحياة، فإن مِتنا؛ هناك مطر خاصٌّ، تمطر الأرض قبل يوم القيامة أربعين صباحا، حتى تصل إلى عجب الذنب من الإنسان، منه يركب الخلق يوم القيامة فيخرج الناس من قبورهم، هذا أول مطر يوم القيامة. [1].



وهذه المنغصات في دار الآلام، وهذه المنغصات في الدنيا من برد وحر وما شابه ذلك، أما في الآخرة، فأهل الجنة نسأل الله أن نكون منهم آمين يا رب العالمين ففي نعيم دائم؛ لا ينقطع ﴿لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلا زَمْهَرِيرًا، أَيْ: لَيْسَ عِنْدَهُمْ حَرّ مُزْعِجٌ، وَلَا بَرْدٌ مُؤْلِمٌ، بَلْ هِيَ مِزَاجٌ وَاحِدٌ دَائِمٌ سَرْمَدْيّ، ﴿لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلا﴾. [الكهف: 108]. تفسير ابن كثير ت سلامة [8/ 290].



فإن أردنا يا عباد الله النجاة في الدارين، والفوز بالنعيم الدائم المقيم، فعلينا باتباع هدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، امتثالا لأمر الله سبحانه وتعالى القائل: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا. [الْحَشْرِ: 7].



ألا فصلوا عليه كما أمر ربنا جل جلاله: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾. [الأحزاب: 56]. اللهم صل وسلم وبارك على محمد وعلى آل محمد، وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.



اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات يارب العالمين.

اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين.

اللهم وحد صفوفنا وألف بين قلوبنا، اللهم أزل الغل والحقد والحسد والبغضاء من صدورنا، وانصرنا على عدوك وعدونا، برحمتك يا أرحم الراحمين.

وأقم الصلاة؛ ﴿... إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾. [العنكبوت:45]





[1] ففي الحديث الصحيح: «ثُمَّ يُنْزِلُ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيَنْبُتُونَ كَمَا يَنْبُتُ البَقْلُ، لَيْسَ مِنَ الإِنْسَانِ شَيْءٌ إِلَّا يَبْلَى، إِلَّا عَظْمًا وَاحِدًا وَهُوَ عَجْبُ الذَّنَبِ، وَمِنْهُ يُرَكَّبُ الخَلْقُ يَوْمَ القِيَامَةِ». [خ] [4935].

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 84.87 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 82.93 كيلو بايت... تم توفير 1.93 كيلو بايت...بمعدل (2.28%)]