|
|
ملتقى الشعر والخواطر كل ما يخص الشعر والشعراء والابداع واحساس الكلمة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
رثاء الشعراء لأنفسهم
رثاء الشعراء لأنفسهم صدقي البيك الرثاء من أهمِّ الأغراض الشعرية التي عالَجَها الشُّعَراء من الجاهلية حتى وقتنا الحاضر، وطبيعة هذا الغَرَض مُنسَجِمة تمامًا مع العوامل المؤثِّرة في الشُّعَراء، والتي تُحَفِّزهم إلى نظْم الشعر، فالحزن على فَقْدِ عزيزٍ يُمَزِّق نِياطَ القلب، والبكاء عليه يفجِّر ذلك الحزن المكبوت. والعاطفة في الرثاء أصدق وأعمق من كثيرٍ من العواطف البشريَّة، وقد فاضَل المعرِّي بين عاطفة الحزن وبين عاطفة الفرح فقال: إِنَّ حُزْنًا فِي سَاعَةِ الحُزْنِ أَضْعَا فُ سُرُورٍ فِي سَاعَةِ المِيلاَدِ والشائع السائد لدى الشعراء أن يرثوا أقاربهم وأهليهم وأصدقاءهم وذوي الشأن من الناس، إلاَّ أنَّ نوعًا من الرثاء قلَّ الذين طرَقُوه، أو أن موتهم أعجَلَهم عنه، وطُول أمَلِهم بالحياة شغَلَهم عنه، ذاك هو رثاء النفس، فمَن أجدر برثاء الشاعر من نفسه؟! فإذا كان يَرثِي أحبابه فنفسه أحبُّ الأشياء إليه، وإذا كان يَرثِي أقاربه فهو أقرب الناس إلى نفسه... ومع ذلك فقليلٌ منهم مَن رثى نفسه، وإذا استعرضنا مَن رثوا أنفسهم قديمًا وجدناهم يُعَدُّون على أصابع اليد الواحدة، وكذلك الشعراء المعاصِرُون. فمن أبرز وأشهر هؤلاء الشُّعَراء الذين رثوا أنفسهم مالكُ بن الريب صاحب اليائية المشهورة والتي مطلعها: أَلاَ لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً بِجَنْبِ الغَضَا أُزْجِي القِلاَصَ النَّوَاجِيَا ويتحدَّث فيها عن هدايته إلى الإسلام، ومشاركته في الجهاد في سبيل الله حتى وصل إلى خراسان ومرو: أَلَمْ تَرَنِي بِعْتُ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى وَأَصْبَحْتُ فِي جَيْشِ ابْنِ عَفَّانَ غَازِيَا؟ وقد أُصِيب في إحدى المعارِك إصابة قاتلة، وأَيْقَن أنه ميت لا مَحالَة، فهاجَتْ نفسه وانطَلَق لسانه بأرقِّ شعرٍ فهو يُخاطِب صاحبيه: أَيَا صَاحِبَيْ رَحْلِي دَنَا الْمَوْتُ فَانْزِلاَ بِرَابِيَةٍ إِنِّي مُقِيمٌ لَيَالِيَا وَقُومَا إِذَا مَا اسْتَلَّ رُوحِي فَهَيِّئَا لِيَ السِّدْرَ وَالْأَكْفَانَ عِنْدَ فَنَائِيَا وَخُطَّا بِأَطْرَافِ الأَسِنَّةِ مَضْجَعِي وَرُدَّا عَلَى عَيْنَيَّ فَضْلَ رِدَائِيَا فها هو ذا على فِراش الموت، وقد فاضَتْ رُوحُه إلى بارئها، وسكب في هذا المشهد كلَّ زَخَمِه العاطفي، فيطلب من أصحابه أن يتعامَلُوا معه بما هو به جدير، فليحفروا له قبره بالرِّماح لا بالمعاوِل؛ لتكون الوسائل التي قُتِل بها والتي دُفِن بها واحدة! وإذا تذكَّر مَن يبكي عليه من الأهل فأين أهله؟ إنهم بعيدون، ومع ذلك فإذا وصلهم نعيُه تمزَّقوا حسرة عليه فهذه ابنته: تَقُولُ ابْنَتِي لَمَّا رَأَتْ طُولَ رِحْلَتِي سِفَارُكَ هَذَا تَارِكِي لاَ أَبَا لِيَا وتلك أمُّه تبكي عليه وتتردَّد على قبره تسلِّم عليه وتُنادِيه فلا يُجِيب: فَيَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ بَكَتْ أُمُّ مَالِكٍ كَمَا كُنْتُ لَوْ صَاحُوا بِنَعْيِكَ بَاكِيَا إِذَا مُتُّ فَاعْتَادِي القُبُورَ وَسَلِّمِي عَلَى الرَّمْسِ أَسْقَيْتِ السَّحَابَ الغَوَادِيَا ولأنَّ أهله جميعًا ستتفطَّر عليه أكبادهم وتتورَّم عيونهم، فهو يطلب من صاحبه أن يمنع راحلته من الوصول إلى دِيار بني مازن؛ لكيلا يحدث ذلك: وَعَطِّلْ قَلُوصِي فِي الرِّكَابِ، فَإِنَّهَا سَتَفْلُقُ أَكْبَادًا وَتُبْكِي بَواكِيَا وإذا لم يسمع بكاء أمِّه ونَحِيب ابنته وسائر قريباته لبُعْدِهن، فإنه يجد حوله مَن يبكي عليه من أعزِّ رِفاقه، فهو فارس وأقرب الأشياء إليه وأحبُّها إليه وأكثرها تعلُّقًا به وافتِقادًا له وبكاء عليه هي: تَذَكَّرْتُ مَنْ يَبْكِي عَلَيَّ فَلَمْ أَجِدْ سِوَى السَّيْفِ وَالرُّمْحِ الرُّدَيْنِيِّ بَاكِيَا وَأَشْقَرَ مَحْبُوكًا يَجُرُّ عِنَانَهُ إِلَى الْمَاءِ لَمْ يَتْرُكْ لَهُ الْمَوْتُ سَاقِيَا يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |