|
|
الملتقى العلمي والثقافي قسم يختص بكل النظريات والدراسات الاعجازية والثقافية والعلمية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
سنوات الفهم وسنوات العلم
سنوات الفهم وسنوات العلم أبو مالك العوضي إنَّ الإنسانَ لَينظرُ إلى نفسه بعد سنوات طِوَالٍ من القراءة والاطلاع والدراسة، فيَرى فرْقًا شاسعًا بَين فهْمِه الآن وفهمِه قديمًا، وبين إدراكِه الآن وإدراكِه قديمًا، وبين سَعة أفقِه وطولِ باعه في النظر الآن، وما كان قديمًا. ثم يتفَكَّر المرءُ: ماذا يُمكن أن يُحصِّل في المستقبل؟ ويقول: ◘ هل هناك مراحلُ أعلَى مِمَّا أنا فيه؟ ◘ هل مِن الممكن أن تَتغير نَظرتي للأمور كثيرًا بعدَ ذلك بعشر سنوات مثلاً؟ ◘ هل مِن الممكن أن أغيِّر قَناعاتِي التي أنا مُقتَنِع بها الآن؟ وإذا كنْتُ قد بَلَغْتُ هذا المبلَغَ مِن الفَهْم والإدراك - بَعد قراءةِ ألْف كتابٍ مثلاً، فيا تُرى مَاذا يَكون عَقْلُ مَن قَرأ عشرةَ آلافِ كتابٍ أو أكثرَ مِن ذلك؟ وهل هناك حدودٌ لا يُمكن تجاوزُها في هذا البابِ مَهما قَرأ الإنسانُ واطَّلع؟ وهل يَختلف تنوُّعُ الثَّقافاتِ في مقدارِ سَعَة الأُفق؟ بِمعنى أنَّه هل الذي يتعَمَّق تعمُّقًا شَديدًا في عِلْمٍ واحدٍ يكونُ أوسعَ مِمَّن عندَه إلمامٌ متوسِّط بعددٍ كبير مِن العلوم؟ أو أنَّ العكسَ هو الصحيح؟ وهل الاطِّلاَع على ثقافاتٍ ومعلوماتٍ بعيدةٍ كل البُعد عن التخصُّصِ يُمكن أن تُفِيد التخصُّص؛ أَعني مِن جهة اتساع المدارك، وسَعة النظر، وشحذ الملَكات، بحيث يكون الفِكر أقوى في البحث والفحص؟ قديمًا قالوا: لا يُؤخَذ الفقهُ عن لَحَّانٍ، وفَهِمَ أناسٌ هذا الكلامَ على أنَّ معناه أنَّه مِن العيبِ أن يَلحن الفقيه! وهذا فهم غير صحيح في نظري؛ وإنما المراد أنَّ الإنسان لكي يكون فهمه صحيحًا للكلام الذي يقرؤه، فلا بدَّ أن يكون على عِلم بنظام هذا الكلام وقواعده، فإذا كان كلامُه في نفسه ملحونًا دَلَّ هذا على أنه ضعيف في معرفة نظام هذا الكلام، وليس لديه تمكُّنٌ من التحدث به، فإذا كان ضعيفًا في مجرد الحديث، فكيف يمكن الوثوق في فهمه لما يقرؤه؟ يعني باختصار: إذا كنت لحَّانًا في كلامِك، فلا شكَّ أنَّك لحَّانٌ في فهمك؛ لأنك تفهم الكلام بناءً على ما رَسَخ في ذِهْنِك، فإذا كان الفسادُ في ذِهْنك مستشريًا - وهو ما يُظهِره لحنُك الفاحش - دلَّ ذلك على استشراء الفساد في فَهمك أيضًا؛ بل ربما أكثر! لأن دائرة الكلام والتعبير من لفظك أضْيقُ كثيرًا مِن دائرة فهم كلام غيرك وتعبيره. والأمر أكبر كذلك مِن مجرد اللَّحْن؛ بل أيضًا يَمتد إلى قدرتك أو الملَكة التي لديك على التعبير، فإذا كنتَ تستطيعُ أنْ تقلِّد أسلوبَ فلانٍ مِن العلماء، فهذا معناه أنَّك مِن أقدَرِ الناس على فَهْمِ مراده مِن الكلام، وإذا كنتَ لا تستطيع ذلك فبالعكس. ولهذا؛ فإنك تَنظر إلى طريقة الكاتب، فإن رأيتَ طريقتَه كطريقة الفلاسفة والمتكلمين لا يكاد يَحيد عنها، فاعْلَم أنه إنَّما بَنى معظم عِلمه مِن كلام هذه الطائفة، وإن رأيتَ طريقتَه كطريقة أهل الحديث، فالأمر كذلك، وإن رأيتَ طريقته على أسلوب الفقهاء، فقد بَنى ثقافته على كتب الفقهاء، وهكذا. وليس معنى ذلك أنه قد صار أقدرَ من غيره على استخراج الأحكام الفقهية؛ وإنما معناه أنه صار أقدرَ مِن غيره على فهم كلام الفقهاء؛ ولذلك كان الصحابة - رضي الله عنهم - أقدرَ الناس على فهم كلام النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم. ولذلك أيضًا كان أهلُ كلِّ مذهَبٍ أقدرَ الناس على فهم مراد إمامهم من كلامه. ولذلك أيضًا تَكاد تستلْقِي على قفاك ضحكًا عندما ترى تفسيرَ بعضِ المعاصرين لكلام سيبويه، أو عبدالقاهر، أو الجاحظ! وما هذا البلاء إلا من هذه المعضِلة، فهذا الكاتب المعاصِر قد بَنى كلَّ ثقافتِه أو جُلَّها على كتب الغرب وثقافتِهم، ثم جاء يحاولُ أنْ يَفهم تراثَنا بناءً على هذه العقليَّة، التي هي بعيدةٌ كلَّ البُعد عن عقليتِنا وثقافتنا. فكما لا يَفُلُّ الحديدَ إلا الحديدُ، كذلك لا يَفهم الحديثَ إلا أهلُ الحديث، ولا يفهَم الفقهَ إلا أهلُ الفقه، وهكذا. وللحديث بقيةٌ - إن شاء الله
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |