هل يعلمون الغيب؟ - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         أصول بلا تأصيل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب (مطوية) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          حديث: سُئِلَ ابنُ عُمرَ عن صومِ عرفةَ بعرفةَ ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          الرزق ليس المال فقط! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          صور رائعة من المسارعة إلى الخيرات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          قيمنا في العشر من ذي الحجة: قيمة تعظيم شعائر الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          هل مع حب لذة المعصية توبة؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          التبصر والبصيرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          الإجازة الصيفية للأبناء .. خطة لتحويل القراءة إلى متعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          وقفات مع حجة النبي صلى الله عليه وسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العام > ملتقى الحوارات والنقاشات العامة
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الحوارات والنقاشات العامة قسم يتناول النقاشات العامة الهادفة والبناءة ويعالج المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 01-03-2022, 03:10 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,878
الدولة : Egypt
افتراضي هل يعلمون الغيب؟

هل يعلمون الغيب؟


عبدالقادر بن محمد بنعمان





تَدُور عجَلة الحياة دورانًا مستمِرًّا؛ لكن دورانها ليس دورانًا مستقرًّا؛ فكثيرًا ما يفشل الإنسانُ في مشروع؛ أو يَخْسر في صفقة؛ أو يضيِّع فرصة العمر في بيعٍ أو شراء؛ أو يفوته الظَّفَرُ بشيء مرغوبٍ محبوب؛ أو يعجز عن إدراك مُراده في أمرٍ مصيريّ، أو يخفق في إنجاز شيءٍ سهل ميسور عند الغَيْر، أو قد تغيب عنه فكرةٌ صغيرة، فتكون الحائل بينه وبين النَّجاح؛ لكن الأمر الذي لا يتفطَّن له أكثر الناس هو أنَّ عجلة الحياة، وإنْ تبدَّل دورها؛ وتغيَّرَت طريقة دورانها، إلاَّ أنَّها لا توقف أبدًا.

يرى أغلَبُ النَّاس أنَّ الفشل والإخفاق في أيِّ شيء هو العقَبة الكَؤود؛ والطريق المُظْلِم المغلق؛ والجدار الحديديُّ الذي لا يمكن تجاوُزُه، ومِمَّا يَزِيدهم إيمانًا بهذا المبدأ الكاسد الفاسد: شماتةُ الحُسَّاد بهم، وسَماعهم لعبارات التَّثبيط والتوبيخ من القريب والبعيد، مِن النَّاصح ومن صاحب الحقد الشَّديد، فيَزِيدونهم بذلك غمًّا على غم؛ ﴿ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ ﴾ [النور: 40]، فيُدرك الشَّانئ مراده، ويخطئ الناصح إصابة الهدف الذي أرادَه، فيكون نتاجُ كلِّ إخفاقٍ في حياة المرء ثمرةَ حنظلٍ مُرَّة، تودي به إلى التَّقهقر والتدهور، وتفقده ثقتَه في نفسه مرَّة بعد مرة؛ وكرَّة بعد كرة، حتى إنَّ بعض أصحاب القلوب الضعيفة الحساسة يتأذَّى من عبارات القَدْح أكثر من تأَذِّيه بِمَرارة الفشل، ومنهم من يتردَّد في أذُنَيْه صدى تلك الكلمات الجارحة والخادشة حينًا بعد حين حتَّى تقضَّ مضجعه، وتجعله يعتقد أنَّ الحظ التعيس حليفُه؛ وأنَّ الفشل صاحبه ورديفُه، فلا يعود لاتِّخاذ الأسباب، ولا يستخدم ما وهبَه الله من عقلٍ ورأي، وإدراكٍ وإرادة، فيعيش في تخبُّطٍ وتردُّد بخوفه من الغيب، وأكثر من ذلك خوفه من لَمْز الناس ووَصْفِهم إيَّاه بصفاتِ الإخفاق والعيب، فطنين أذنيه دائمًا ما يخطُّ كلماتٍ جارحةً بين عينَيْه، فلا يرى أمامه إلاَّ: "أنت فاشلٌ دومًا"، و"أنت أحمق وأخْرَق"، و"لَم أركَ تفكِّر بعقلانيَّة ولو يومًا واحدًا في حياتي"، و"أمثالك لا يقدرون على فعل ذلك"، و"لِماذا أنت دائمًا تُجانب الصواب؟"، و"لا تتعدَّ قَدْرك، وتُقْحِم أنفك فيما هو لأسيادك، لا يَفْهمه الحمقى أمثالُك"، و"أصحاب الرَّأي السَّديد والحظِّ السعيد ظاهرون، ولستَ منهم، فلا تحاول مرَّة أخرى"... إلى غير ذلك من العبارات اللاذعة؛ والسُّموم اللاَّدغة التي تهزُّ الكيان، وتهدُّ الأركان.

أما العُقلاء النُّبهاء فلا يَزِيدهم نباح الحُسَّاد إلاَّ إصرارًا؛ ولا تزيدهم نكباتُ الدهر إلاَّ ثباتًا؛ فهُم يعلمون أنَّهم بشَر ناقصون، ليسوا بِمَعصومين؛ فلا معصوم بعد سيِّد الخلق وخاتم الأنبياء - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما يَعلمون أنَّ العظمة ليست في ألاَّ يَسْقط الإنسانُ أبدًا؛ ولكنَّها في أن يقوم بعد كلِّ مرة سقطَ فيها، ويُدركون أنَّ الفشل يُعلِّم الإنسانَ الطريق الصحيح للنَّجاح، وأنَّ كل تجربة فاشلةٍ غنيمةٌ يتعلَّم منها المرء أنَّ تلك التجربة الماضية فاشلةٌ فلا يعود إليها، ويوقنون أنَّ الناس لا يعلمون الغيب، ولا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًّا، ولا موتًا ولا حياةً ولا نُشورًا، وأنَّ تنَبُّؤهم لشخصٍ ما بالفشل والخسارة والعجز جهلٌ صِرْف، ليس من ورائه إلاَّ قلة عقل ودين؛ فهُم لا يعلمون الغيب.

كما أنَّ الناس مُتَفاوتون في الدَّرجات، مُختلفون في المواهب والاهتمامات؛ فمَن لا يُجيد شيئًا معيَّنًا لا بدَّ وأنه يبزُّ الأقرانَ في غيره من الأشياء؛ لذا فمن السَّفاهة وصْفُ ذلك الشخص بالفاشل فيما لا يجيده، بل الصَّواب أن يوجَّه إلى الاتِّجاه الخيريِّ الذي يُحْسِنه ويريده.

لكن هنالك درجة أفضل من السَّالفة الذِّكْر، ألاَ وهي درجة التحدِّي والتغذِّي على العقبات؛ فهناك مَن لا يَزِيده تشكيكُ الناس إلاَّ ثقةً في نفسه، ولا يزيده وصْفُهم إيَّاه بالفشل إلاَّ تمهيدًا للنَّجاح، ولا يزيده تنبُّؤهم بالخسارة إلاَّ إصرارًا على الرِّبح، وهذا دَيدنُ أصحاب الهِمَم العالية، والأنفُسِ الأبيَّة التي ترتقي ذُرَى المَجد، وتعتلي سُلَّم التألُّق؛ فهُم يَصنعون من كلِّ فشَلٍ نجاحًا، ويَجْنون من كلِّ خطأ صوابًا، يَمضون في عزمٍ وثَبات، غيرَ عابِئين بالشَّانئين والمثبِّطين، يتَّخِذون أسبابَ الوصول، ويُشاورون أصحاب الحِجا والعقول، مُوقنين أنَّ الغيب بيد الله، وأنَّه من جدَّ وجَدَ؛ ومن سار على المسار بلَغ الدَّار بكلِّ سهولة ويَسار.

فالكثير مِمَّن وصَلوا إلى القمة لم يكن أحد يتوقع وصولهم إليها، بل إنَّ منهم مَن كان يُوصَف بالغباء في المَجال الذي تألَّق فيه مستقبلاً، ومن هؤلاء الدنمركي "نيلز بور"، الذي كان يعتقد أساتذتُه أنَّه غبِيٌّ أحمق؛ ويُحكى عنه أنَّه دخل يومًا امتحان مادة الفيزياء، فكان السُّؤال الأوَّل من الامتحان كالتالي: كيف تُحدِّد ارتفاعَ ناطحة سحابٍ باستخدام الباروميتر (جهاز قياس الضَّغط الجوِّي)؟

فأجاب: "أربِطُ الباروميتر بحبلٍ طويل، وأُدلِّي الخيط من أعلى ناطحة السَّحاب حتَّى يَمسَّ الباروميتر الأرض، ثم أقيس طولَ الخيط"، لَمَّا بدأ أستاذ المادة بتصحيح الأوراق، غَضِب من إجابة "بور"؛ لأنَّه قاسَ له ارتفاع الناطحة بأسلوبٍ بدائي، ليس له علاقةٌ بالباروميتر، أو بالفيزياء، فقرَّر رُسوبَه، دون قراءة باقي إجاباته عن الأسئلة الأخرى.

تظلَّم الطالِبُ مؤكِّدًا أنَّ إجابته صحيحة، لا إشكال فيها، وحسب قوانين الجامعة؛ عُيِّن خبيرٌ للبَتِّ في القضيَّة، فأفاد تقريرُ الحكم بأنَّ إجابة الطالب صحيحة، لكنَّها لا تدلُّ على معرفته بمادة الفيزياء، وتقرَّر إعطاءُ الطالب فرصةً أخرى لإثبات معرفته العلميَّة.

طرح عليه الحكَمُ نفس السؤال شفهيًّا؛ ففكَّر الطالب قليلاً، ثم قال: "لدَيَّ إجابات كثيرة لقياس ارتفاع الناطحة، لكن لا أدري أيها أختار"، فقال الحكَمُ: "هات كلَّ ما عندك"، فقال "بور":
يُمكن إلقاء الباروميتر من أعلى ناطحة السَّحاب على الأرض، ويُقاس الزَّمن الذي يَستغرقه الباروميتر حتَّى يصل إلى الأرض، وبالتالي يمكن حسابُ ارتفاع الناطحة باستخدام قانون الجاذبيَّة الأرضية.

إذا كانت الشمسُ مشرقة، يُمكن قياس طول ظلِّ الباروميتر، وطول ظلِّ ناطحة السحاب، فنعرف ارتفاع الناطحة من قانون التَّناسب بين الطُّولين وبين الظِّلَّيْن.

إذا أردنا حلاًّ سريعًا يريح عقولَنا، فإنَّ أفضل طريقة لقياس ارتفاع النَّاطحة باستخدام الباروميتر، هي أن نقول لحارس الناطحة: "سأُعطيك هذا الباروميتر الجديد هديَّة إذا قلتَ لي كم يبلغ ارتفاعُ هذه الناطحة"!

أمَّا إذا أرَدْنا تعقيد الأمور، فسنَحْسب ارتفاعَ النَّاطحة بواسطة الفرق بين الضَّغط الجوِّي على سطح الأرض، وأعلى ناطحة السَّحاب باستخدام الباروميتر، ثم نحسب الارتفاعَ بالمعادلة التي تربط بين العلُوِّ والضَّغط الجوي.

كان الحكَمُ ينتظر الإجابة الرابعة التي تدلُّ على فَهْم الطالب لمادة الفيزياء، بينما الطالب يعتقد أنَّ الإجابة الرابعة هي أسوأ الإجابات؛ لأنَّها أصعَبُها وأكثرها تعقيدًا؛ لذا كان يظنُّ أساتذتُه أنه غبِيٌّ لا مُستقبَل له، غير أنَّ إصراره وثقته جعَلاه أنجحَ فيزيائيٍّ دنمركي؛ فهو الدنمركيُّ الوحيد الذي حصل على جائزة نوبل للفيزياء.

لذا؛ على المرء أن يثق في نفسه، وأن يجتهد في تعليمها الخير، وأن يُدرِّبَها على الاستفادة من كلِّ فشَل؛ لِيَصل بها بعد ذلك إلى درجة إتقان العمَل، وتجنُّب مواطن الخلل، كما أنَّه على اللَّبيب الأريبِ أن يُتقِن عمله لوجه الله، وابتغاء فضله وعطاياه؛ لا لأجل دنيا فانية، ودارٍ ليست بباقية؛ فيَرْبح بذلك في دنياه وأخراه، فالله اللهَ في الإتقان والإبداع في العمل، واجتناب العجز والكسَل؛ فبذلك تشمخ هامة أمَّة الإسلام؛ ويعود لها العزُّ المرام.

وقد أحسنَ القائل:
مَا دَامَ رَائِدَنَا الإِخْلاَصُ فِي العَمَلِ
لاَ بُدَّ نَبْلُغُ يَوْمًا غَايَةَ الأَمَلِ

أَمْرَانِ مَنْ يَعتَصِمْ يَوْمًا بِحَبْلِهِمَا
فَالنُّجْحُ رَائِدُهُ فِي أَيِّمَا عَمَلِ


هُمَا الثَّبَاتُ وَتَوْحِيدُ القُلُوبِ لِذَا
إِلَيْهِمَا قَدْ دَعَانَا خَاتَمُ الرُّسُلِ


والله الموفِّق، لا ربّ سواه؛ ولا مَعْبود بحقٍّ إلاَّ هو؛ له الشُّكرُ والثَّناء الحسَن.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 54.46 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 52.79 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (3.07%)]