تفسير: (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله) - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12495 - عددالزوار : 213317 )           »          أطفالنا والمواقف الدموية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          عشر همسات مع بداية العام الهجري الجديد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          وصية عمر بن الخطاب لجنوده (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          المستقبل للإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          انفروا خفافاً وثقالاً (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          أثر الهجرة في التشريع الإسلامي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          مضار التدخين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          متعة الإجازة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          التقوى وأركانها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10-07-2020, 02:03 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,873
الدولة : Egypt
افتراضي تفسير: (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله)

تفسير: (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله)
الشيخ محمد حامد الفقي



قول الله تعالى ذكره ﴿ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ ﴾ [البقرة: 79].



الويل أشد الهلاك والشقاء والعذاب والخسران والتبار، وقد جاء في القرآن الكريم عقابًا يتوعد الله به على أشد أنواع الفسوق والعصيان، وإنما استحقوا هذا الويل والهلاك والخسران؛ لأنهم ضلوا عن الدين وأضلوا، وباعوا آخرتهم بدنياهم، فذنبهم أعظم من ذنب غيرهم، فإن المعلوم أن الكذب على الغير بما يضره يعظم إثمه، فكيف بمن يكذب على الله: ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ﴾ [الصف: 7]، ويضم إلى الكذب الإضلال، ويضم إليهما حب الدنيا والاحتيال في تحصيلها، ويضم إلى ذلك أنه مهد طريقًا في الإضلال باقيًا على وجه الدهر، فلذلك عظم الله تعالى ما فعلوه، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن كذبًا عليّ ليس ككذب على أحد، فمن كذب علي متعمدًا، فليتبوأ مقعده من النار)).



وقوله "بأيديهم"؛ أي: قاصدين عامدين إلى ذلك الكتاب ووضعه وتأليفه بأنفسهم، وإن كان بإملاء على غيرهم لعجزهم عن الكتابة لعمى أو نحوه، فذلك لا يمنع أن يكون لهم الويل، وقوله: ﴿ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 79]؛ أي: بلسان المقال والقلم، أو لسان الحال.



قال تعالى في سورة آل عمران في هذا الفريق من الأحبار: ﴿ وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [آل عمران: 78]، ولي لسانهم؛ أي: تكلف النطق بالكلام؛ ليوهموا العامة أنه مما أنزله الله الذي لا يقرأ إلا مجودًا، ويقولون: هذا شرع الله وهذه كتب الشريعة وكتب الدين، أو يقولون فيه: من عمل كذا دخل الجنة، ومن عمل كذا دخل النار، أو يحكمون فيه بالحلال والحرام والواجب والمندوب، ونحو ذلك من الأحكام على أشياء لم يقل الله ولا رسله فيها بتلك الأحكام، فيتوهم الناس حين يقرؤون هذه الكتب أنها من الشريعة التي أنزلها الله، ويأخذون ما فيها على أنه الدين الذي أنزله الله، بل ويتركون لأجلها نصوص الكتاب الذي أنزله، زاعمين أن تلك النصوص قد أغلقت الأبواب دونها، وسدت السبل إليها، فلم يبق لأحد طريق إلى معرفة ما فيها من الأحكام، ولا حاجة بالناس إلى فقهها ومعرفة شرائعها بما كفوا من أقوال أصحاب هذه الكتب وفقههم وتفريعاتهم، ففي ذلك غنى لهم كل الغنى، وكفاية لهم كل الكفاية، ومن حاول ذلك الفهم ومعرفة الأحكام كانت محاولته هذه طعنًا في الأحبار السالفين واتهامًا لهم، فهو بذلك كافر زنديق، أو ملحد مارق من الدين، أو ضال زائغ عن الصراط المستقيم، فينبغي محاربته وقمعه حتى لا يتسع شره ولا ينتشر فساه، فيفتح على الناس باب معرفة الدين من أصوله ويهدي الناس إلى شرائعه وأحكامه التي تخرجهم من ظلمات التقليد الأعمى لأولئك الكهنة والأحبار، وتنقذهم من براثن أولئك الدجالين المحتكرين للدين؛ اتِّجارًا به واستغلالاً له بالثمن القليل من المال والجاه والرياسات الباطلة، وهم يخشون أشد ما يخشون أن تفلت العامة من أيديهم ويعرفون الطريق إلى ربهم واضحًا لا خفاء به، ولا حجاب عليه ولا شفعاء، وأن يعرفوا مراجع الدين، فينظروا فيها ويعرفوا الحق من أنفسهم، ويميزوا الخبيث من الخبيث من الطيب من الأقوال والأعمال والعقائد والرجال، فيفتضح أولئك الدجالون المتجرون بالدين الذين يملؤون بطونهم من السحت وأكل أموال الناس بالباطل، وبذلك كانوا يقتلون الأنبياء وكل قائم بالقسط من الناس؛ وبذلك كانوا أشد الناس عداوة لخاتم المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم ولدينه، وسنته وللحق الذي نزل به الروح الأمين على قلبه، وكانوا أحرص الناس على صرف الناس وإبعادهم عن هذا الحق وعن الرسول وسنته وهديه، والنور الذي أنزل معه بكل ما أوتوا من مكر ودهاء وسياسة في تحريف القول في العهد المأخوذ عليهم في صفاته والبشارة به، ثم في تحريف دينه بعد موته صلى الله عليه وسلم ورَدِّ كثير من الناس عنه، ثم إيقاع العداوة والبغضاء بين أتباعه، ثم في ترويج الخرافات الباطلة والعقائد الزائغة وتشتيت القلوب، وتمزيق الوحدة الإسلامية، وهكذا ما تركوا سبيلًا للكيد للإسلام إلا سلكوه في كل زمن وبكل لون؛ فويل لهم ثم ويل لهم في الدنيا والآخرة، ولمن اغتر بأباطيلهم وخُدِع بمكرهم وكيدهم.



قال أستاذنا السيد رشيد رضا رحمه الله ورضي عنه:

قال الأستاذ الإمام: من شاء أن يرى نسخة مما كان عليه أولئك اليهود، فلينظر فيما بين يديه، فإنه يراها واضحة جلية، يرى كتبًا ألِّفت في عقائد الدين وأحكامه، حرَّفوا فيها مقاصده وحوَّلوها إلى ما يغر الناس ويميتهم، ويفسد عليهم دينهم، ويقولون: هي من عند الله، وما هي من عند الله، وإنما هي صادة عن النظر في كتاب الله والاهتداء به، ولا يعمل هذا إلا أحد رجلين: رجل مارق من الدين يتعمد إفساده ويتوخى إضلال أهله، فيلبس لباس الدين ويظهر بمظهر أهل الصلاح، يخادع بذلك الناس؛ ليقبلوا ما يكتب ويقول، ورجل يتحرى التأويل ويستنبط الحيل؛ ليسهل على الناس مخالفة الشريعة ابتغاء المال والجاه، ثم ذكر الأستاذ الإمام وقائع طابق فيها بين ما كان عليه اليهود من قبل وما عليه المسلمون الآن: ذكر وقائع لطوائف ينتسبون إل الدين فسقوا فيها عن أمر ربهم، فمنهم من يتأول ويغتر بأنه يقصد نفع أمته، كما كان أحبار اليهود يفتون بأكل الربا أضعافًا مضاعفة؛ ليستغني شعب إسرائيل، ومنهم من يفعل ما يفعل عامدًا عالمًا أنه مبطل؛ ولكن تغره أماني الشفاعات والمكفرات؛ ا .هـ.



قال العلامة السموءل بن يحيى الذي كان من كبار أحبار اليهود، وأسلم وتوفي سنة 570هـ، وألف في الرد على اليهود كتاب بذل المجهود ونسخته الخطية موجودة بدار الكتب المصرية، قال فيه في إفحامهم في إنكار النسخ:

قلنا لهم: فما تقولون في فقهائكم، هل الذي اختلفوا فيه من مسائل الخلاف والمذاهب - على كثرتها لديكم - كان ثمرة اجتهاد واستدلال منقولًا بعينه؟ فهم يقولون: إن جميع ما في كتب فقهنا نقله الفقهاء عن الأحبار عن الثقات من السلف عن يوشع بن نون عن موسى الكليم عليهما السلام عن الله تعالى، فيلزمكم في هذه المسألة الواحدة التي اختلف فيها اثنان من فقهائكم أن يكون كل واحد منهما ينقل مذهبه فيها مستندًا إلى الله عز وجل، وفي ذلك من الشناعة اللازمة أن يجعلوا الله قد أمر في تلك المسالة بشيء وخلافه، فإن قالوا: إن الخلاف غير مستبعد؛ لأن الأولين كانوا بعد اختلافهم في المذهب في المسألة يرجعون بها إلى أصل واحد هو المقطوع به، قلنا: إن رجوعهم بعد الاختلاف إل الاتفاق على مذهب واحد، إما أن أحدهم رجع عما نقل أو طعن في نقله، فيلزمه السقوط عن العدالة، ولا يجوز لكم أن تعاودوا الالتفات إلى نقله، وإما أن يكون الفقهاء اجتمعوا على نسخ أحد المذهبين، أو تكون رواية أحدهما ناسخة لرواية الآخر، وما من الفقهاء إلا قد ألَّف مذهبه في مسائل كثيرة، وهذا جنون ممن لا يقر بالنسخ ولا يرى كلام أصحاب الخلاف اجتهادًا ونظرًا بل نقلًا محضًا، ثم ذكر وجوهًا أخرى في الرد على إنكارهم النسخ، ثم ذكر طرفًا من كفرهم وتبديلهم، ثم ذكر السبب في تبديلهم التوراة، وأن التوراة التي بأيديهم ليست هي التوراة التي كلم الله بها موسى باعترافهم، ثم ذكر بعض فضائحهم فيما إذا مات أخ عن زوجة وما تفعل الزوجة بأخي زوجها الميت من المخازي، ثم قال: تشديدهم الأحد على أنفسهم له سببان:

أحدهما من جانب فقهائهم، وهم الذين يدعون الحاخامات، وتفسيره: الحكماء وكانت اليهود في قديم الزمان تسمي الفقهاء بالحكماء، وكان لهم في الشام والمدائن مدارس، وكان لهم ألوف من الفقهاء، وذلك في زمن دولة السبط البابليين والفرس ودول الروم، حتى اجتمع لهم الكتابان اللذان اجتمعت فقهاؤهم على تأليفهما، وهما "المشنا والتلمود"، فأما المشنا فهو الكتاب الأصغر، ومبلغ حجمه ثمانمائة ورقة، وأما التلمود فهو الكتاب الأكبر، ومبلغ حجمه نحو نصف حمل بغل لكثرته، ولم يكن الفقهاء الذين ألفوه في عصر واحد، وإنما ألفوه في جيل بعد جيل، فلما نظر المتأخرون منهم إلى هذا التأليف، وأنه كلما مر جيل عليه زادوا فيه، وأن هذه الزيادات المتأخرة تناقض أوائل هذا التأليف، علموا أنهم إن لم يقطعوا ذلك ويمنعوا من الزيادة فيه، أدى إلى الخلل الظاهر والتناقض الفاحش، فقطعوا الزيادة فيه، وحرموا من يضيف إليه شيئًا آخر، فوقف على ذلك المقدار، وكانت أئمتهم قد حرموا عليهم في هذين الكتابين مؤاكلة الأجانب، أعني من كان من غير ملتهم، وحكروا عليهم أكل اللحمان من ذبيحة من لم يكن على دينهم؛ لأنهم - أعني علماءهم وأئمتهم - علموا أن دينهم لا يبقى عليهم في هذه الحالة، مع كونهم تحت الذل والعبودية، إلا بأن يصدوهم عن مخالطة من كان على غير ملتهم، وحرموا عليهم مناكحتهم والأكل من ذبائحهم، ولم يمكنهم المبالغة في ذلك إلا بحجة يستدعوها من أنفسهم، ويكذبون بها على الله؛ لأن التوراة إنما حرمت عليهم مناكحة غيرهم من الأمم الوثنية؛ لئلا يوافقوا أزواجهم في عبادة الأصنام والكفر بالله تعالى، وحرم عليهم في التوراة أكل ذبائح الأمم التي يذبحونها قربانًا للأصنام؛ لأنه قد سمى عليها غير اسم الله، فأما الذبائح التي لا تذبح قربانًا، فلم تنطق التوراة بتحريمها، وإنما نطقت التوراة بإباحة تناول المآكل من يدي غيرهم من الأمم في قول الله تعالى لموسى حين اجتازوا على أرض بني العيص: فإني لا أعطيك من أرضهم ولا مسلك قدم مأكولًا اعتاضوا منهم بفضة وتأكلوه، وأيضًا ما تشتروا منه بفضه وتشربوه. فقد تبين من نص الكتاب أن المأكول مباح لليهود تناوله من غيرهم من الأمم وأكله، وهم يعلمون أن بني العيص عابِدو أوثان وأصحاب كفر، فلا يكون المسلمون على كل حال دون هذه المنزلة، فينبغي أن يأكلوا من مأكولات المسلمين، وأن يجعلوا للمسلمين تفضيلًا بتوحيدهم وإيمانهم وكونهم لا يعبدون الأصنام، فموسى إنما نهاهم عن مناكحة عباد الأصنام وأكل ما يذبحونه باسمها إلى أن قال:

فلما نظر أئمتهم أن التوراة غير ناطقة بتحريم مآكل الأمم عليهم إلا عباد الأصنام، وأن التوراة قد صرحت بأن مواكلتهم ومخالطتهم لخوف استدراجهم بالمخالطة إلى مناكحتهم، إنما يكون لخوف اتباعهم والانتقال إلى أديانهم وعبادة أوثانهم، ووجدوا جميع هذا واضحًا في التوراة، اختلقوا كتابًا سموه "هلكت شحيطا" ومعناه: علم الذباحة، ووضعوا في هذا الكتاب من تشديد الأحد عليهم ما شغلوهم بما عماهم فيه من الذلة والمشقة، وذلك أنهم أمروهم أن ينفخوا الرئة حتى تمتلئ هواء ويتأملوها، فإن خر الهواء منها من ثقب حرموه، وإن كان بعض أطراف الرئة لاصقًا ببعض لم يأكلوه، وأمروا الذي يتفقد الذبيحة أن يدخل يده في بطن الذبيحة ويتأمل بأصابعه، فإن وجد القلب ملتصقًا إلى الظهر أو أحد الجانبين - ولو كان الالتصاق بعرق دقيق كالشعرة - حرموه ولم يأكلوه، وسموه طريفًا، يعنون بذلك أن تنجس فحرم أكله، وهذه التسمية هي أول التعدي منهم؛ لأنه ليس موضوعها باللغة إلا الذي يفترسه بعض الوحوش، ثم حقق معنى كلمة "طريفًا" وبين تحريفهم لها بالأدلة، ثم قال:

إن اليهود فرقتان: إحداهما عرفت أن أولئك السلف الذين ألفوا "المشنا والتلمود" هم فقهاء اليهود، وهم قوم كذابون على الله وعلى موسى النبي، أصحاب حماقات ورفاغات هائلة، من ذلك أن أكثر مسائل فقههم ومذاهبهم يختلفون فيها ويزعمون أن الفقهاء كانوا إذا اختلفوا في كل واحد من هذه المسائل يوحي الله إليهم بصوت يسمعه جمهورهم، يقول "الحق في هذه المسألة مع الفقيه فلان[1]"، فلما نظر اليهود القرَّاؤون - وهم أصحاب عانان وبنيامين - إلى هذه المحاولات الشنيعة وهذا الافتراء الفاحش والكذب البارد، انفصلوا بأنفسهم عن الفقهاء وعن كل من يقول بمقالاتهم، فكذبوهم في كل ما افتروا على الله وقالوا: بعد أن ثبت كذبهم على الله وأنه قد ادعوا النبوة، زعموا أن الله كان يوحي إليهم جميعهم في كل يوم مرات، فقد فسقوا، ولا يجوز قبول شيء منهم، فخالفوهم في سائر ما ألفوه من الأمور التي لم ينطق بها نص التوراة، وأما الترجمات التي ألفها الحاخامات - أعني الفقهاء - وسموها "هلكت شحيطا"؛ أعني: علم الذباحة، وهي من المسائل التي رتبها الفقهاء ونسبوها إلى الله عن موسى، فإن القرائين طرحوها مع غيرها وألقوها، وصاروا لا يحرمون شيئًا من الذبائح التي يتولون ذباحتها البتةَ، ولهم أيضًا فقهاء أصحاب تصانيف، إلا أنهم لا يبالغون في الكذب على الله إلى حد أن يدعوا النبوة ولا نسبوا أشياء من تفاسيرهم إلى النبوة ولا إلى الله، بل نسبوها إلى أحبارهم.



والفرقة الثانية يقال لهم الربانيون، وهم أكثر عددًا، وهم شيعة الحاخامات - الفقهاء - المفترون على الله، الذين يزعمون أن الله كان يخاطبهم في كل مسألة بالصوت الذي سموه "بث قول"، وهذه الطائفة "أشد اليهود عداوة لغيرهم؛ لأن أولئك الفقهاء المفترين على الله قد أوهموهم أن المأكولات والمشروبات، إنما تحل للناس بأن يستعملوا فيها هذا العلم الذي نسبوه إلى الله وإلى موسى، وأن سائر الأمم لا يعرفون هذا، وأنهم إنما شرفهم الله بهذا وأمثاله من الترهات التي أفسدوا بها عقولهم، وصار أحدهم ينظر إلى من ليس على ملته كما ينظر إلى سائر الحيوانات التي لا عقل لها، وينظر إلى المآكل التي تأكلها الأمم كما ينظر إلى العذرة، فهذا هو الأصل في بقاء هذه الطائفة على أديانها لشدة مباينتها لغيرها من الأمم، ولأنهم ينظرون للناس بعين النقص والازدراء إلى أبعد غاية.



وأما القراؤون فأكثرهم خرج إلى دين الإسلام أولًا فأولاً إلى أن لم يبق منهم إلا نفر يسير؛ لأنهم أقرب لقبول الإسلام لسلامتهم من محالات الفقهاء الربانيين أصحاب الافتراء الزائد على الله.



فقد تبين بهذا أن الحاخامات (الفقهاء) هم الذين شدَّدوا على هذه الطائفة دينهم، وضيقوا عليهم المعيشة والأحد، وقصدوا بذلك مبالغتهم في مضادة مذاهب الأمم التي لا يختلطون بها، فيؤدي اختلاطهم بهم إلى خروجهم عن دينهم؛ ا .هـ.



وقال العلامة ابن القيم رحمه الله في إغاثة اللهفان:

ومن تلاعب الشيطان بهم: أنهم كانوا يقتلون الأنبياء الذين لا تنال الهداية إلا على أيديهم، ويتخذون أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله تعالى، يحرمون عليهم ويحلون لهم، فيأخذون بتحريمهم وتحليلهم ولا يلتفتون هل ذلك التحليل والتحريم من عند الله تعالى أم لا، وهذا من أعظم تلاعب الشيطان بالإنسان أن يقتل ويقاتل من هداه على يديه، ويتخذ من لم تضمن عصمته ندًّا لله يحرم عليه ويحل له؛ ا .هـ.



وروى البخاري في الصحيح في باب الرجم في البلاط عن عبدالله بن عمر قال: "أُتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بيهوديين قد أحدثا جميعًا، فقال لهم: ما تجدون في كتابكم؟ قالوا: إن أحبارنا أحدثوا تحميم الوجه"؛ أي: يصب عليه ماء حار مخلوط بالرماد، أو المراد تسخيم الوجه بالفحم، "قال عبدالله بن سلام: ادعهم يا رسول الله بالتوراة، فأُتي بها، فوضع أحدهم يده على آية الرجم، وجعل يقرأ، فأمر ما قبلها وما بعدها، فقال له ابن سلام: ارفع يدك، فإذا آية الرجم تحت يده، فأمر بهما رسول الله فرجما عند البلاط"؛ ورواه أبو داود وغيره.



وقال صدر الدين قاضي القضاة علي بن أبي العز الأذرعي المتوفى سنة 792 في شرحه على العقيدة الطحاوية:

قال تعالى: ﴿ وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا ﴾ [الاسراء: 36]، وقال: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ * كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ ﴾ [الحج: 3-4]، وقال: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ * ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ ﴾ [الحج: 8-9]، وقال: ﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [القصص: 50]، وقال: ﴿ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى ﴾ [لنجم: 23]، إلى غير ذلك من الآيات الدالة على هذا المعنى، وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه، إلا أوتوا الجدل، ثم تلا: ﴿ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا ﴾ [الزخرف: 58]))؛ رواه الترمذي، وقال: حديث حسن.



وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم))؛ أخرجاه في الصحيحين، ولا شك أن من لم يسلم للرسول صلى الله عليه وسلم نقص توحيده، فإنه يقول برأيه وهوان أو يقلد ذا رأي وهوى بغير هدى من الله، فينقص توحيده بقدر خروجه عما جاء به الرسول، فإنه قد اتخذ في ذلك إلهًا غير الله، قال تعالى: ﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ﴾ [الجاثية: 23]؛ أي: عبد ما تهواه نفسه، وإنما دخل الفساد في العالم من ثلاث فرق، كما قال عبدالله بن المبارك رحمه الله:



رأيت الذنوب تميت القلوب

وقد يورث الذل إدمانها



وترك الذنوب حياة القلوب

وخير لنفسك عصيانها



وهل أفسد الدين إلا الملوك

وأحبار سوء ورهبانها؟






فالظلمة الجائرون يعترضون على الشريعة بالسياسات الجائرة ويعارضونها بها، ويقدمونها على حكم الله ورسوله، وأحباء السوء - وهم العلماء الخارجون عن الشريعة بآرائهم وأقيستهم الفاسدة، المتضمنة تحليل ما حرم الله ورسوله، وتحريم ما أباحاه، واعتبار ما ألغياه وإلغاء ما اعتبراه، وإطلاق ما قيداه وتقييد ما أطلقاه ونحو ذلك - والرهبان، وهم جهلة المتصوفة المعترضون على حقائق الإيمان والشرع بالأذواق والمواجيد والكشف الشيطاني المتضمن شرع دين لم يأذن به الله وإبطال دينه الحق، فقال الأولون: إذا تعارضت السياسة والشرع قدمنا السياسة، وقال الآخرون: إذا تعارض العقل والنقل قدمنا العقل، وقال أصحاب الذوق: إذا تعارض الكشف وظاهر الشرع قدمنا الكشف؛ ا .هـ، ونسأل الله العافية.



المصدر: مجلة الهدي النبوي - المجلد الرابع - العدد 56 - 15 شوال سنة 1359





[1] يشبه هذا ما يزعمه من يدعون العصمة لأئمتهم وشيوخهم.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 70.82 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 68.93 كيلو بايت... تم توفير 1.89 كيلو بايت...بمعدل (2.67%)]