الأربعون الخيرية - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         ولا تبغوا الفساد في الأرض (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          تحرر من القيود (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          فن التعامـل مع الطالبات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 28 - عددالزوار : 777 )           »          العمل السياسي الديـموقراطي سيؤثر في الصرح العقائدي وفي قضية الولاء والبراء وهي قضية م (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          العمل التطوعي.. أسسه ومهاراته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 9 - عددالزوار : 129 )           »          طرائق تنمية الحواس الخمس لدى الطفل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 16 )           »          حقيقة العلاج بالطاقة بين العلم والقرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 27 )           »          الله عرفناه.. بالعقل! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          افتراءات وشبهات حول دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 7 - عددالزوار : 90 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10-07-2020, 02:10 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي الأربعون الخيرية

الأربعون الخيرية (1 / 4)
أ. محمد خير رمضان يوسف




بسم الله الرحمن الرحيم


مقدِّمة:
الحمدُ للهِ الذي بيدهِ الخيرُ كلُّه، والصلاةُ والسلامُ على معلِّمِ الناسِ الخير، وعلى آلهِ وأصحابهِ أهلِ المحبَّةِ والخير، وبعد:
فقد جمعتُ في هذه الأربعينَ أحاديثَ من صحيحي البخاريِّ ومسلم، مما وردَ فيها لفظُ (الخير) تعريفًا وتنكيرًا، ولم أزدْ على هذا المصدرِ تصريفًا آخر.

وهي مختاراتٌ متنوِّعةٌ في موضوعاتٍ شتَّى، يربطُ بينها ما كان فيها لفظُ (الخير).

وابتغيتُ بذلك الخير، ولتكونَ لبنةً فيه، من بين لبناتٍ يضعُها أهلُ الإسلام، من كتابِ الله تعالى، وسنَّةِ رسولهِ صلَّى الله عليه وسلَّم.

ونقلتُ من شروحِ الأحاديثِ تفسيرَ الغريبِ الواردِ فيها، مع تعليقاتٍ وفوائدَ واستنباطاتٍ تفيدُ القارئَ إنْ شاءَ الله.

والله وليُّ التوفيق.
محمد خير يوسف
محرم 1437 هـ

(1)
خير أهل الأرض

عن جابر بنِ عبدالله رضيَ الله عنهما قال:
قالَ لنا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يومَ الحُدَيْبيَة: "أنتم خيرُ أهلِ الأرض".
وكنا ألفًا وأربعَمائة، ولو كنتُ أُبصِرُ اليومَ لأَرَيتُكم مكانَ الشجرة.
صحيح البخاري (3923) واللفظُ له، صحيح مسلم (1856).

الشجرةُ المقصودةُ هي الشجرةُ التي بايعَ الصحابةُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ تحتها على مناجزةِ قُرَيشٍ وعدمِ الفرارِ مِن المعركةِ إذا حدَثتِ الحرب، وكانت بأرضِ الحُدَيبيَة، وقد ذكرها ربُّنا في الآيةِ (18) من سورةِ الفتح: ﴿ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ﴾ [الفتح: 18]، وقطعَها عمرُ رضيَ الله عنه عندما بلغَهُ أن الناسَ يَقصدونها ويصلُّون عندها.

(2)
خير القرون
عن عبدالله [بن مسعود] رضيَ الله عنه، عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال:
"خيرُ الناسِ قرني، ثم الذين يَلُونَهم، ثم يجيءُ أقوامٌ تَسبِقُ شهادةُ أحدِهم يمينَه، ويمينُهُ شهادتَه".
صحيح البخاري (2509) واللفظُ له، صحيح مسلم (2533).
اتفقَ العلماءُ على أن خيرَ القرونِ قرنهُ صلَّى الله عليه وسلَّم، والمرادُ أصحابه.
"ثم يجيءُ أقوام...": هذا ذمٌّ لمن يشهدُ ويحلفُ مع شهادته.
ومعنَى الحديث، أنه يجمعُ بين اليمينِ والشهادة، فتارةً تَسبقُ هذه، وتارةً هذه[1].

(3)
نعيم الجنة
عن أبي هريرةَ رضيَ الله عنه، عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال:
"لَقابُ قوسٍ في الجنة، خيرٌ مما تَطلعُ عليه الشمسُ وتَغرب".
صحيح البخاري (2640).
قابَ الرجلُ: قَرُبَ. وقابُ قوس: كنايةٌ عن القرب[2].
ويعني: خيرٌ من الدنيا وما فيها[3].

(4)
الجنة والنار
عن أنسِ بنِ مالكٍ قال:
صلَّى لنا النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ثم رَقِيَ المنبر، فأشارَ بيدَيهِ قِبَلَ قِبلَةِ المسجد، ثم قال:
"لقد رأيتُ الآن، منذُ صلَّيتُ لكمُ الصلاة، الجنَّةَ والنَّار، ممثَّلتَينِ في قِبلَةِ هذا الجدار، فلم أَرَكاليومِ فيالخيرِوالشرّ". ثلاثًا.
صحيح البخاري (716) واللفظُ له، صحيح مسلم (2359). ويأني الحديثُ مطوَّلًا.
ممثَّلتين: مصوَّرتين، أو مثالُهما[4].

(5)
الاستخارة
عن جابر بنِ عبدالله رضيَ الله عنهما قال:
كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُعلِّمُنا الاستخارةَ في الأمورِ كما يُعلِّمُنا السورةَ من القرآنِ، يقول:
"إذا همَّ أحدُكم بالأمرِ فليركَعْ ركعتينِ مِن غيرِ الفريضة، ثم ليقُل: اللهمَّ إني أستَخيرُكَ بعِلمِك، وأستَقدِرُكَ بقُدرَتِك، وأسألُكَ مِن فضلِكَ العظيم، فإنك تَقدِرُ ولا أَقدِر، وتَعلَمُ ولا أَعلَم، وأنتَ علَّامُ الغيوب. اللهمَّ إنْ كنتَ تَعلَمُ أنَّ هذا الأمرَ خيرٌ لي في ديني ومَعاشي وعاقبةِ أمري، أو قال: عاجلِ أمري وآجِلهِ، فاقدُرْهُ لي، ويسِّرْهُ لي، ثم بارِكْ لي فيه، وإنْ كنتَ تَعلَمُ أنَّ هذا الأمرَ شرٌّ لي، في ديني ومَعاشي وعاقبةِ أمري، أوقال: في عاجِلِ أمري وآجِلِه، فاصرِفْهُ عنِّي، واصرِفْني عنه، واقدُرْ لي الخيرَ حيثُ كان، ثم أَرْضِني به".

قال: "ويُسَمِّي حاجتَه".
صحيح البخاري (1109).
أستخيرُكَ بعلمك: أي: أطلبُ خيركَ مستعينًا بعلمك.
وأستقدرك: أي: أطلبُ منكَ أن تجعلَ لي قدرةً عليه[5].

(6)
الهداية
عن سهلِ بن سعد، أن رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال لعليِّ بنِ أبي طالبٍ رضيَ الله عنه:
"لأنْ يَهديَ اللهُ بكَ رجلًا واحدًا، خيرٌ لكَ مِن أنْ يكونَ لكَ حُمرُ النَّعَم".
جزءٌ من حديثٍ رواهُ البخاريُّ في صحيحه (3498)، ومسلم كذلك (2406)، ولفظهما سواء.
حمرُ النَّعَم: هي الإبلُ الحمُر، وهي أنفسُ أموالِ العرب، يضربون بها المثلَ في نفاسةِ الشيء، وأنه ليس هناكَ أعظمُ منه[6].

(7)
خير الناس
عن أبي سعيد الخُدريِّ رضيَ الله عنه قال:
جاء أعرابيٌّ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: يا رسولَ الله، أيُّ الناسِ خير؟
قال: "رجلٌ جاهدَ بنفسهِ ومالِه، ورجلٌ في شِعْبٍ منَ الشِّعابِ يَعبدُ ربَّه، ويدَعُ الناسَ من شرِّه".
صحيح البخاري (6129) واللفظُ له، صحيح مسلم (1888).

قالَ الإمامُ النوويُّ رحمَهُ اللهُ تعالَى: فيه دليلٌ لمن قالَ بتفضيلِ العزلةِ على الاختلاط، وفي ذلك خلافٌ مشهور، فمذهبُ الشافعيِّ وأكثرِ العلماءِ أن الاختلاطَ أفضل، بشرطِ رجاءِ السلامةِ من الفتن، ومذهبُ طوائفَ أن الاعتزالَ أفضل، وأجابَ الجمهورُ عن هذا الحديثِ بأنه محمولٌ على الاعتزالِ في زمنِ الفتنِ والحروب، أو هو فيمن لا يَسلَمُ الناسُ منه، ولا يصبرُ عليهم، أو نحوُ ذلك من الخصوص.

وقد كانت الأنبياءُ صلواتُ الله وسلامهُ عليهم، وجماهيرُ الصحابةِ والتابعين والعلماءِ والزهادِ مختلطين، فيحصلون منافعَ الاختلاط، كشهودِ الجمعةِ والجماعةِ والجنائز، وعيادةِ المرضَى، وحِلَقِ الذِّكر، وغيرِ ذلك.

وأما الشِّعْب، فهو ما انفرجَ بين جبلين، وليس المرادُ نفسَ الشِّعبِ خصوصًا، بل المرادُ الانفرادُ والاعتزال، وذكرَ الشِّعبَ مثالًا؛ لأنه خالٍ عن الناسِ غالبًا[7].

(8)
الجهاد
عن أنس بنِ مالكٍ رضيَ الله عنه، عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال:
"لَغَدوةٌ في سبيلِ اللهِ أو رَوحة، خيرٌ من الدنيا وما فيها".
صحيح البخاري (2639)، صحيح مسلم (1881، 1883)، واللفظُ للأول.
الغَدوة: السيرُ أولَ النهارِ إلى الزوال، والرَّوحة: السيرُ من الزوالِ إلى آخرِ النهار.

ومعنَى الحديث: أن فضلَ الغدوةِ والروحةِ في سبيلِ الله وثوابهما، خيرٌ من نعيمِ الدنيا كلِّها لو ملَكها إنسانٌ وتصوَّرَ تنعُّمَهُ بها كلِّها؛ لأنه زائل، ونعيمُ الآخرةِ باق[8].

(9)
الشهيد
عن أنس بنِ مالكٍ رضيَ الله عنه، عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال:
"ما من عبدٍ يموت، له عند اللهِ خير، يَسُرُّهُ أنْ يَرجِعَ إلى الدُّنيا وأنَّ له الدُّنيا وما فيها، إلَّا الشَّهيد، لِمَا يرَى مِن فضلِ الشَّهادة، فإنَّه يَسرُّهُ أن يَرجِعَ إلى الدُّنيا فيُقتَلَ مرَّةً أخرَى".

صحيح البخاري (2642)، صحيح مسلم (1877)، واللفظُ للأول.
هذا لما يرَى من فضلِ الشهادة.
قالَ ابنُ بطّالٍ رحمَهُ الله: ليس في أعمالِ البرِّ ما تُبذَلُ فيه النفسُ غيرُ الجهاد، فلذلك عظمَ فيه الثواب[9].

(10)
التزكية
عن خارجةَ بنِ زيد بنِ ثابت، أن أمَّ العلاءِ - امرأةٌ من الأنصارِ بايعتِ النبيَّ صلى الله عليه وسلَّم -:
أنَّهُ اقتَسمَ المهاجرونَ قُرعَةً، فطارَ لنا عثمانُ بنُ مظعون، فأنزلناهُ في أبياتنا، فوجعَ وجعَهُ الذي تُوفِّيَ فيه، فلمَّا توفِّيَ وغُسِّلَ وكُفِّنَ في أثوابِه، دخلَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، فقلتُ: رحمةُ اللهِ عليكَ يا أبا السائب، فشهادتي عليك: لقد أكرمكَ الله.

فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: "وما يُدريكِ أنَّ اللهَ أكرمَه
فقلتُ: بأبي أنتَ يا رسولَ الله، فمن يُكرِمهُ الله؟
فقال: "أمَّا هو فقد جاءَهُ اليقينُ، واللهِ إني لأرجو لهُ الخير، واللهِ ما أدري، وأنا رسولُ الله، ما يُفعَلُ بي".
قالت: فواللهِ لا أُزكِّي أَحدًا بعدَهُ أبدًا.
(صحيح البخاري 1186).
طارَ لنا عثمانُ بنُ مظعون: أي: حصلَ في نصيبنا من المهاجرين.
وطيرُ كلِّ إنسانٍ نصيبه.
وكات وفاةُ ابنِ مظعونٍ رضيَ الله عنه سنةَ ثلاثٍ للهجرة. وكان من الأغنياء[10].

[1] ينظر شرح النووي على صحيح مسلم 16/ 85.

[2] لسان العرب، باب قوب.

[3] فتح الباري 6/ 14.

[4] النهاية في غريب الحديث 4/ 295.

[5] ينظر تحفة الأحوذي 2/ 483.

[6] شرح النووي على صحيح مسلم 15/ 178.

[7] شرح النووي على صحيح مسلم 13/ 34.

[8] ينظر شرح النووي على صحيح مسلم 13/ 26.

[9] فتح الباري 6/ 32.

[10] ينظر فتح الباري 9/ 311، 12/ 411.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 10-07-2020, 02:17 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأربعون الخيرية

الأربعون الخيرية (2 / 4)
أ. محمد خير رمضان يوسف





(11)
خير الآخرة
عن أنسٍ رضيَ الله عنه:
خرجَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم في غداةٍ باردة، والمهاجرون والأنصارُ يَحفرون الخندق، فقال:
"اللهمَّ إنَّ الخيرَ خيرُ الآخره ♦♦♦ فاغفِرْللأنصارِ والْمُهاجِرَه"

فأجابوا:
نحنُ الذين بايعوا محمَّدا ♦♦♦ على الجهادِ ما بَقِينا أبدا

صحيح البخاري (6775) واللفظُ له، صحيح مسلم (1805).

قال الحافظُ ابنُ حجر رحمَهُ الله: وفيه أن في إنشادِ الشعرِ تنشيطًا في العمل، وبذلكَ جرتْ عادتهم في الحرب، وأكثرُ ما يستعملون في ذلك الرجَز[1].

(12)
أبواب الجنة
عن أبي هريرةَ قال: سمعتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ يقول:
"مَن أنفقَ زَوجَينِ مِن شيءٍ من الأشياءِ في سبيلِ الله، دُعِيَ من أبوابِ - يعني الجنةَ -: يا عبدَ الله، هذا خيرٌ.

فمَن كان من أهلِ الصلاةِ دُعِيَ مِن بابِ الصلاة، ومَن كان مِن أهلِ الجهادِ دُعِيَ مِن بابِ الجهاد، ومَن كان مِن أهلِ الصدقةِ دُعِيَ مِن بابِ الصدقة، ومَن كانَ مِن أهلِ الصيامِ دُعِيَ مِن بابِ الصيامِ وبابِ الريّان".

فقالَ أبو بكر: ما على هذا الذي يُدْعَى مِن تلكَ الأبوابِ مِن ضرورة.
وقال: هل يُدْعَى منها كلِّها أحدٌ يا رسولَ الله؟
قال: "نعم، وأرجو أن تكونَ منهم يا أبا بكر".
صحيح البخاري (3466)، صحيح مسلم (1027)، واللفظُ للبخاري.
المرادُ بالزوجين: إنفاقُ شيئينِ من أيِّ صنفٍ من أصنافِ المالِ من نوعٍ واحد.
هذا خير: ليس اسمَ التفضيل، بل المعنَى: هذا خيرٌ من الخيرات، والتنوينُ فيه للتعظيم.
وفائدته: زيادةُ ترغيبِ السامعِ في طلبِ الدخولِ من ذلكَ الباب.

وقولُ أبي بكرٍ رضي الله عنه: "ما على هذا الذي يُدْعَى مِن تلكَ الأبوابِ مِن ضرورة"، (ما) هنا نافية، و(مِن) زائدة، ويعني: لا ضرورةَ على من دُعيَ من بابٍ واحدٍ من تلك الأبوابِ إنْ لم يُدْعَ من سائرها؛ لحصولِ المقصود، وهو دخولُ الجنة. وهذا نوعُ تمهيدٍ لسؤالهِ التالي.

ومعنَى الحديث: أن كلَّ عاملٍ يُدعَى من بابِ ذلك العمل.
وفي الحديثِ إشعارٌ بقلَّةِ مَن يُدعَى من تلكَ الأبوابِ كلِّها.

وفيه إشارةٌ إلى أن المرادَ ما يُتطَوَّعُ به من الأعمالِ المذكورة، لا واجباتُها؛ لكثرةِ مَن يجتمعُ له العملُ بالواجباتِ كلِّها، بخلافِ التطوعات، فقلَّ مَن يجتمعُ له العملُ بجميعِ أنواعِ التطوعات.

ثم مَن يجتمعُ له ذلك إنما يُدعَى من جميعِ الأبوابِ على سبيلِ التكريمِ له، وإلا فدخولهُ إنما يكونُ من بابٍ واحد، ولعلَّهُ بابُ العملِ الذي يكونُ أغلبَ عليه. والله أعلم[2].

(13)
مناديل سعد
عن البراءِ [بنِ عازبٍ] رضيَ الله عنه قال:
أُهديَتْ للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حُلَّةُ حرير، فجعلَ أصحابهُ يمَسُّونَها ويَعجَبون مِن لينِها، فقال:
"أتَعجَبون مِن لينِ هذه؟ لَمناديلُ سعدِ بنِ مُعاذٍ خيرٌ منها وأليَن".
صحيح البخاري (3591)، وصحيح مسلم من حديثِ أنس (2469).
خَصَّ المناديلَ بالذكرِ لكونِها تُمتَهن، فيكونُ ما فوقها أعلى منها بطريقِ الأَولَى[3].

(14)
الطعام والسلام
عن عبدالله بن عمرو رضيَ الله عنهما:
أن رجلًا سألَ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم: أيُّ الإسلامِ خيرٌ؟
قال: "تُطعِمُ الطعام، وتَقرأُ السلام، على مَن عرفتَ ومَن لم تعرف".
صحيح البخاري (12)، صحيح مسلم (39). ولفظهما سواء.
فيه الحثُّ على إطعامِ الطعامِ والجود.
وإفشاءُ السلامِ سببٌ للتحاببِ والتوادد. فالقصدُ من مشروعيتهِ تحصيلُ الألفةِ بين المسلمين[4].

(15)
خير المسلمين
عن عبدالله بن عمرو بنِ العاص قال:
إن رجلًا سألَ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: أيُّ المسلمينَ خير؟
قال: "من سَلِمَ المسلمونَ مِن لسانهِ ويده".
صحيح البخاري (6119)، صحيح مسلم (40) واللفظُ له.
معناهُ مَن لم يؤذِ مسلمًا بقولٍ ولا فعل. وخَصَّ اليدَ بالذكرِ لأن معظمَ الأفعالِ بها[5].

(16)
الحياء
عن عمرانَ بنِ حُصينٍ قال: قالَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم:
"الحياءُ خيرٌ كلُّه".
صحيح مسلم (37).

قال الحافظُ ابنُ حجر في كلامٍ نفيس: وأمّا كونهُ خيرًا كله، ولا يأتي إلا بخير، فأشكلَ حملهُ على العموم؛ لأنه قد يصدُّ صاحبَهُ عن مواجهةِ من يرتكبُ المنكرات، ويحملهُ على الإخلالِ ببعضِ الحقوق؟

والجواب: أن المرادَ بالحياءِ في هذه الأحاديثِ ما يكونُ شرعيًّا، والحياءُ الذي يَنشأُ عنه الإخلالُ بالحقوقِ ليس حياءً شرعيًّا، بل هو عجزٌ ومهانة، وإنما يُطلَقُ عليه حياء، لمشابهتهِ للحياءِ الشرعيّ. وهو خُلقٌ يَبعثُ على تركِ القبيح[6].

قلت: الذي يعنيهِ ابنُ حجر رحمَهُ الله، هو ما يفرِّقُ علماءُ النفسِ في عصرنا بين الحياءِ والخجل، فالحياءُ محمود، والخجلُ مرض، أو قد يكونُ مرضًا؛ لأنهُ قد يكفُّ صاحبَهُ عن واجباته.

قال الحافظ: ويحتملُ أن يكونَ أشيرَ إلى أن مَن كان الحياءُ مِن خُلقه، أن الخيرَ يكونُ فيه أغلب، فيضمحلُّ ما لعلهُ يقعُ منه مما ذُكر، في جنبِ ما يحصلُ له بالحياءِ من الخير، أو لكونهِ إذا صارَ عادةً وتخلَّقَ به صاحبه، يكونُ سببًا لجلبِ الخيرِ إليه، فيكونُ منه الخيرُ بالذاتِ والسبب.

وفي كلامٍ مفيدٍ أيضًا نقلَ كلامَ أبي العباسِ القرطبيِّ رحمَهُ الله قوله: الحياءُ المكتسَبُ هو الذي جعلَهُ الشارعُ من الإيمان، وهو المكلَّفُ به دون الغريزيّ، غير أن مَن كان فيه غريزةٌ منه فإنها تُعينهُ على المكتسَب، وقد يَنطبعُ بالمكتسبِ حتى يصيرَ غريزًا. قال: وكان النبيُّ صلَّى الله عليه و سلَّم قد جُمِعَ له النوعان، فكان في الغريزيِّ أشدَّ حياءً من العذراء في خِدرها، وكان في الحياءِ المكتسَبِ في الذروةِ العليا صلَّى الله عليه وسلَّم[7].

(17)
الرفق
عن جريرِ بنِ عبدالله قال: قالَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم:
"مَن يُحرَمِ الرِّفْقَ يُحرَمِ الخيرَ".
صحيح مسلم (2592).
فيه فضلُ الرفق، والحثُّ على التخلُّق، وذمُّ العنف، والرفقُ سببُ كلِّ خير.
وقال القاضي [عياض]: معناه: يتأتَّى به من الأغراض، ويسهِّلُ من المطالب، ما لا يتأتَّى بغيره[8].

(18)
أفعال البرّ
عن حَكيمِ بنِ حزامٍ قال:
قلت: يا رسولَ الله، أشياءَ كنتُ أفعلُها في الجاهلية؟
قالَ هشامُ [بنُ عُروة]: يعني أتبرَّرُ بها.
فقالَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "أسلمتَ على ما أسلفتَ لكَ مِن الخير".
قلت: فوَالله لا أدَعُ شيئًا صنعتهُ في الجاهليةِ إلا فعلتُ في الإسلامِ مثلَه.
صحيح البخاري (2107)، صحيح مسلم (123) واللفظُ له.
التبرُّر: فعلُ البِرّ، وهو الطاعة.

وقد ذهب ابنُ بطّالٍ وغيرهُ من المحقِّقين، إلى أن الحديثَ على ظاهره، وأنه إذا أسلمَ الكافرُ وماتَ على الإسلام، يُثابُ على ما فعلَهُ من الخيرِ في حالِ الكفر... وللهِ تعالَى أن يتفضَّلَ على عبادهِ بما يشاء، لا اعتراضَ لأحدٍ عليه[9].

قال الإمامُ النوويُّ رحمَهُ الله: وأما قولُ الفقهاء: لا يصحُّ من الكافرِ عبادة، ولو أسلمَ لم يعتدَّ بها، فمرادُهم أنه لا يعتدُّ له بها في أحكامِ الدنيا، وليس فيه تعرُّضٌ لثوابِ الآخرة. فإنْ أقدمَ قائلٌ على التصريحِ بأنه إذا أسلمَ لا يُثابُ عليها في الآخرة، رُدَّ قولهُ بهذه السنَّةِ الصحيحة. وقد يُعتَدُّ ببعضِ أفعالِ الكفارِ في أحكامِ الدنيا...[10].

(19)
الناس معادن
عن أبي هريرةَ رضيَ الله عنه، عن رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال:
"تَجدونَ النَّاسَ معادن، خيارُهم في الجاهليَّةِ خيارُهم في الإسلامِ إذا فَقُهوا، وتَجدونَ خيرَ النَّاسِ في هذا الشَّأنِ أشدَّهم له كراهية، وتَجدونَ شرَّ النَّاسِ ذا الوجهين، الَّذي يأتي هؤلاءِ بوجه، ويأتي هؤلاءِ بوجه".

صحيح البخاري (3304)، صحيح مسلم (2526)، واللفظُ للأول.
"وتَجدونَ خيرَ النَّاسِ في هذا الشَّأن" أي: في الولايةِ والإمرة.

وقوله: "أشدَّهم له كراهية": أي أن الدخولِ في عهدةِ الإمرة مكروه، من جهةِ تحمُّلِ المشقَّةِ فيه، وإنما تشتدُّ الكراهةُ له ممن يتَّصفُ بالعقلِ والدين، لما فيه من صعوبةِ العملِ بالعدل، وحملِ الناسِ على رفعِ الظلم، ولما يترتَّبُ عليه من مطالبةِ الله تعالَى للقائمِ به من حقوقهِ وحقوقِ عباده. ولا يخفَى خيريَّةُ مَن خافَ مَقامَ ربَّه[11].

"وتَجدونَ شرَّ النَّاسِ ذا الوجهين.." قال القرطبي: إنما كان ذو الوجهين شرَّ الناس؛ لأن حالَهُ حالُ المنافق، إذ هو متملِّقٌ بالباطلِ وبالكذب، مُدخلٌ للفسادِ بين الناس"[12].

(20)
الخيرُ أولَى ولو حلف
عن أبي موسى الأشعريِّ رضيَ الله عنه، أن رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال:
"إني واللهِ - إنْ شاءَ اللهُ - لا أحلفُ على يمينٍ فأرَى غيرَها خيرًا منها، إلا أتيتُ الذي هو خيرٌ وتحلَّلتُها".
جزءٌ من حديثٍ رواه البخاريُّ في صحيحه (2964)، ومسلم كذلك (1649).
معنَى "تحلَّلتُها": فعلتُ ما يَنقلُ المنعَ الذي يقتضيهِ إلى الإذن، فيصيرُ حلالًا. وإنما يحصلُ ذلك بالكفّارة[13].

[1] فتح الباري 7/ 395.

[2] باختصار من فتح الباري 4/ 112، 7/ 28.

[3] فتح الباري 10/ 291.

[4] ينظر تحفة الأحوذي 7/ 383، شرح النووي على صحيح مسلم 2/ 10.

[5] ينظر شرح النووي على صحيح مسلم 2/ 10.

[6] فتح الباري 10/ 522.

[7] المصدر السابق.

[8] شرح النووي على صحيح مسلم 16/ 145.

[9] ينظر شرح النووي على صحيح مسلم 2/ 140.

[10] المصدر السابق 2/ 142.

[11] فتح الباري 10/ 475.

[12] المصدر السابق 6/ 144.

[13] فتح الباري 11/ 611.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 10-07-2020, 02:18 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأربعون الخيرية

الأربعون الخيرية (3 / 4)
أ. محمد خير رمضان يوسف





(21)

الخير والشر

عن حذيفةَ بنِ اليمانِ قال:

كان الناسُ يَسألونَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عنِ الخير، وكنتُ أسألُهُ عن الشرِّ مخافةَ أن يُدرِكَني، فقلتُ:

يا رسولَ الله، إنّا كنّا في جاهليةٍ وشرّ، فجاءنا اللهُ بهذا الخير، فهل بعدَ هذا الخيرِ من شرّ؟

قال: "نعم".

قلتُ: وهل بعدَ ذلكَ الشرِّ من خير؟

قال: "نعم، وفيه دَخَنٌ".

قلتُ: وما دَخَنُه؟

قال: "قومٌ يَهْدُونَ بغيرِ هَديي، تَعرِفُ منهم وتُنكِر".

قلتُ: فهل بعدَ ذلك الخيرِ من شرّ؟

قال: "نعم، دُعاةٌ على أبوابِ جهَنَّم، مَن أجابَهم إليها قَذفوهُ فيها".

قلتُ: يا رسولَ الله، صِفْهُم لنا.

قال: "هم من جِلدَتِنا، ويتكلَّمونَ بألسِنَتِنا".

قلتُ: فما تأمرُني إنْ أدرَكني ذلك؟

قال: "تَلزَمُ جماعةَ المسلمينَ وإمامَهم".

قلتُ: فإنْ لم يكنْ لهم جماعةٌ ولا إمام؟

قال: "فاعتَزِلْ تلك الفِرَقَ كلَّها، ولو أن تَعَضَّ بأصلِ شجرة، حتى يُدرِكَكَ الموتُ وأنتَ على ذلك".

صحيح البخاري (3411) واللفظُ له، صحيح مسلم (1847).



الدخَن: كدورةٌ إلى سواد. قالوا: والمرادُ هنا أن لا تصفوَ القلوبُ بعضُها لبعض، ولا يزولَ خبثُها، ولا ترجعَ إلى ما كانت عليه من الصفاء.



قال القاضي عياض: قيل: المرادُ بالخيرِ بعد الشرِّ أيامُ عمر بنِ عبد العزيز رضيَ الله عنه.

قولهُ بعده: "تعرفُ منهم وتُنكر": المرادُ الأمرُ بعد عمر بنِ عبد العزيز رضيَ الله عنه.

قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: "ويهتدون بغيرِ هديي" الهدي: الهيئةُ والسيرةُ والطريقة.



قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: "دعاةٌ على أبوابِ جهنَّم، من أجابهم إليها قذفوهُ فيها" قال العلماء: هؤلاءِ مَن كان مِن الأمراءِ يدعو إلى بدعةٍ أو ضلال، كالخوارجِ والقرامطة.



وفي حديثِ حذيفةَ هذا: لزومُ جماعةِ المسلمين وإمامهم، ووجوبُ طاعتهِ وإنْ فسقَ وعملَ المعاصي، مِن أخذِ الأموالِ وغيرِ ذلك، فتجبُ طاعتهُ في غيرِ معصية.



وفيه معجزاتٌ لرسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وهي هذه الأمورُ التي أخبرَ بها، وقد وقعتْ كلُّها[1].



(22)

التصدق بالثلث

عن سعد بنِ أبي وقّاصٍ رضيَ الله عنه قال:

جاءنا رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَعودُني مِن وَجَعٍ اشتَدَّ بي زمَنَ حَجَّةِ الوَداعِ، فقلت: بلغَ بي ما ترَى، وأنا ذو مال، ولا يَرِثُني إلا ابنةٌ لي، أفأتصدَّقُ بثلُثَي مالي؟

قال: "لا".

قلت: بالشَّطر؟

قال: "لا".

قلت: الثُّلُث؟

قال: "الثُّلثُ كثير، أنْ تَدَعَ ورَثتَكَ أغنياء، خيرٌ مِن أنْ تَذرَهُم عالةً يَتكفَّفونَ الناس، ولن تُنفِقَ نفقةً تبتَغي بها وجهَ اللَّه، إلا أُجِرْتَ عليها، حتى ما تَجعَلُ في فِي امرأتِك".

صحيح البخاري (5344)، صحيح مسلم (1628)، واللفظُ للأول.



يتكفَّفون: يسألون الناسَ في أكفِّهم.

قالَ الإمامُ النووي: في هذا الحديثِ مراعاةُ العدلِ بين الورثةِ والوصية، قال أصحابنا [الشافعيةُ] وغيرُهم من العلماء: إن كانت الورثةُ أغنياءَ استحبَّ أن يوصيَ بالثلثِ تبرُّعًا، وإن كانوا فقراءَ استحبَّ أن ينقصَ من الثلث.



وفيه حثٌّ على صلةِ الأرحام، والإحسانِ إلى الأقارب، والشفقةِ على الورثة، وأنَّ صلةَ القريبِ الأقربِ والإحسانَ إليه أفضلُ من الأبعد.



وفيه استحبابُ الإنفاقِ في وجوهِ الخير.

وفيه أن الأعمالَ بالنيّات، وأنه إنما يُثابُ على عملهِ بنيَّته.

وفيه أن الإنفاقَ على العيالِ يُثابُ عليه إذا قصدَ به وجهَ الله تعالى.

وفيه أن المباحَ إذا قُصِدَ به وجهُ الله تعالى صارَ طاعة، ويُثابُ عليه[2].



(23)

خير اليدين

عن حَكيم بنِ حزامٍ رضيَ الله عنه، عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال:

"اليدُ العُليا خيرٌ من اليدِ السُّفلَى، وابدأْ بمن تَعول، وخيرُ الصدقةِ عن ظهرِ غِنًى، ومن يَستعفِفْ يُعِفَّهُ الله ، ومن يَستَغْنِ يُغْنِهِ اللهُ".



صحيح البخاري (1361) واللفظُ له، صحيح مسلم (1034).



اليدُ العليا هي المنفقة، والسفلى هي السائلة.

والمرادُ بالعلوِّ علوُّ الفضلِ والمجدِ ونيلُ الثواب.

ومن يستعفف: أي يمتنعْ عن السؤال.

يعفُّهُ الله: أي أنه يجازيهِ على استعفافهِ بصيانةِ وجهه، ودفعِ فاقته.

ومن يَستغن: أي باللهِ عمَّن سواه.

يُغنه: أي يعطيهِ ما يَستغني به عن السؤال، ويخلقُ في قلبهِ الغنَى، فإن الغنَى غنَى النفس.



وفي الحديثِ الحثُّ على الإنفاقِ في وجوهِ الطاعات، والحضُّ على الاستغناءِ عن الناس، والتعفُّفِ عن سؤالهم بالصبرِ والتوكلِ على الله، وانتظارِ ما يرزقهُ الله[3].



(24)

المفاضلة بين الغني والفقير



عن سهل [بن سعد الساعديِّ قال]:

مرَّ رجلٌ على رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: "ما تقولون في هذا

قالوا: حريٌّ إنْ خَطبَ أنْ يُنكَح، وإن شَفَعَ أنْ يُشَفَّع، وإنْ قالَ أن يُستَمَع.

قال: ثم سكتَ، فمرَّ رجلٌ من فقراءِ المسلمين فقال: "ما تقولون في هذا

قالوا: حريٌّ إنْ خطبَ أنْ لا يُنكَح، وإنْ شَفَعَ أنْ لا يُشَفَّع، وإنْ قال أنْ لا يُسْتمَع.

فقال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: "هذا خيرٌ مِن ملءِ الأرضِ مثلَ هذا".

صحيح البخاري (4803).



أي: هذا الفقيرُ خيرٌ من ملءِ الأرضِ مثلَ هذا الغني.



قال الحافظُ ابنُ حجر: أُطلِقَ تفضيلُ الفقيرِ المذكورِ على الغنيِّ المذكور، ولا يلزمُ من ذلكَ تفضيلُ كلِّ غنيٍّ على كلِّ فقير[4].



(25)

الصبر خير من المال

عن أبي سعيد الخُدريِّ رضيَ الله عنه:

أَنَّ ناسًا من الأنصارِ سألوا رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فأعطاهم، ثم سألوهُ فأعطاهم، حتى إذا نَفِدَ ما عندهُ قال:

"ما يكنْ عندي مِن خيرٍ فلن أدَّخرَهُ عنكم، ومَن يستعفِفْ يُعِفَّهُ اللهُ، ومَن يَستَغنِ يُغنِهِ اللهُ، ومَن يَصبِرْ يُصبِّرْهُ اللهُ، وما أُعطِيَ أحدٌ من عطاءٍ خيرٌ وأوسعُ من الصَّبر".



صحيح البخاري (1400)، صحيح مسلم (1053)، واللفظُ له.



سبقَ شرحُ بعضِ ألفاظِ الحديث، وذكرُ فوائدَ له.

ومن يتصبَّر: أي يعالجْ نفسَهُ على تركِ السؤال، ويصبرْ إلى أن يحصلَ له الرزق.



وقوله "يصبِّرْهُ الله" أي: فإنه يقوِّيه، ويمكِّنه من نفسهِ حتى تنقادَ له ويُذعِنَ لتحمُّلِ الشدَّة، فعند ذلك يكونُ الله معه، فيُظفِرَهُ بمطلوبه.



وإنما جُعِلَ الصبرُ خيرَ العطاء؛ لأنه حبسُ النفسِ عن فعلِ ما تحبُّه، وإلزامُها بفعلِ ما تكرهُ في العاجل، مما لو فعلَهُ أو تركَهُ لتأذَّى به في الآجل[5].



(26)

العمل خير من المذلَّة

عن أبي هريرةَ رضيَ الله عنه، أن رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال:

"والذي نَفسي بيده، لأنْ يأخُذَ أحدُكم حَبلَهُ، فيَحتَطِبَ على ظهرِه، خيرٌ له مِن أنْ يأتيَ رجلًا فيَسألَه، أعطاهُ أو مَنعَه".



صحيح البخاري (1401).



يحتطب: يجمعُ الحطَب.

على ظهره: أي حاملاً على ظهره. فيتصدَّقُ منه ويستغني به.

"خيرٌ": أي: ما يَلحقهُ من مشقَّةِ الغدوّ، والاحتطاب، ثم التصدُّق، والاستغناءِ به، خيرٌ من ذُلِّ السؤال[6].



(27)

الصدقة وما يقوم مقامها

عن سعيدِ بنِ أبي بُردة، عن أبيه، عن جدِّه، عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال:

"على كلِّ مسلمٍ صدقة".

قيل: أرأيتَ إنْ لم يَجد؟

قال: "يَعتَمِلُ بيديهِ فيَنفَعُ نفسَهُ ويتصدَّق".

قال: قيل: أرأيتَ إنْ لم يستطع؟

قال: "يُعِينُ ذا الحاجةِ الملهوفَ".

قال: قيلَ له: أرأيتَ إنْ لم يستطع؟

قال: "يأمرُ بالمعروفِ أو الخير".

قال: أرأيتَ إنْ لم يفعل؟

قال: "يُمسِكُ عن الشرّ، فإنها صدقة".



صحيح مسلم (1008).



نقلَ السيوطيُّ عن الإمامِ النوويِّ قولَ العلماء: المرادُ صدقةُ نَدبٍ وترغيب، لا إيجابٍ وإلزام[7].

والملهوفُ عند أهلِ اللغةِ يُطلَقُ على المتحسِّر، وعلى المضطرّ، وعلى المظلوم.



"تُمسِكُ عن الشرِّ فإنها صدقة": معناهُ صدقةٌ على نفسه، كما في غيرِ هذه الرواية. والمرادُ أنه إذا أمسكَ عن الشرِّ لله تعالَى، كان له أجرٌ على ذلك، كما أن للمتصدِّقِ بالمالِ أجرًا[8].



(28)

الخير لا يأتي بالشر

عن أبي سعيدٍ الخُدريّ، أن رجلًا سأل:

أوَيأتي الخيرُ بالشرِّ يا رسولَ الله؟

فقال: "إنه لا يأتي الخيرُ بالشرّ".

وبطريقٍ أخرى قولهُ عليه الصلاةُ والسلام: "لا يأتي الخيرُ إلا بالخير" ثلاثًا.



جزءٌ من حديثٍ مع اختصارِ الخبر، رواه الشيخان، البخاري (1396)، ومسلم (1052)، واللفظُ للأخير.



قال الحافظُ ابنُ حجر وهو يربطُ الحديثَ بما قبله: يؤخَذُ منه أن الرزقَ ولو كثرَ فهو من جملةِ الخير، إنما يَعرضُ له الشرُّ بعارضِ البخلِ به عمَّن يستحقُّه، والإسرافِ في إنفاقهِ فيما لم يشرع، وأن كلَّ شيءٍ قضَى الله أن يكونَ خيرًا فلا يكونُ شرًّا، وبالعكس، ولكن يُخشَى على من رُزِقَ الخيرَ أن يَعرضَ له في تصرُّفهِ فيه ما يجلبُ له الشرّ[9].



(29)

الثناء على العمل الحسن

عن أبي ذرٍّ قال:

قيلَ لرسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: أرأيتَ الرجلَ يَعمَلُ العملَ مِن الخيرِ ويَحمَدُهُ الناسُ عليه؟

قال: "تلكَ عاجلُ بُشرَى المؤمن".

صحيح مسلم (2642).



أوردَ فيه الإمامُ النوويُّ قولَ العلماء: معناه: هذه البشرَى المعجَّلةُ له بالخير، وهي دليلٌ على رضاءِ الله تعالَى عنه ومحبَّتهِ له فيحبِّبهُ إلى الخلق... ثم يوضَعُ له القبولُ في الأرض. هذا كلُّهُ إذا حمدَهُ الناسُ من غيرِ تعرُّضٍ منه لحمدهم، وإلا فالتعرُّضُ مذموم.



قلت: يبدو أن مقصودَ الإمامِ النوويِّ هو أن المرءَ لا يذهبُ إلى الناسِ ويطلبُ منهم الثناءَ عليه، لكنَّ أفعالَهُ وأخلاقَهُ ومعاملتَهُ هي التي تجلبُ له هذا الحمدَ والثناء[10].



(30)

ذكرُ الله والتقرب إليه

عن أبي هريرةَ رضيَ الله عنه قال: قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم:

"يقولُ اللهُ تعالَى: أنا عندَ ظنِّ عبدي بي، وأنا معه إذا ذكَرَني، فإنْ ذكَرَني في نفسِهِ ذكرتهُ في نفسي، وإنْ ذكَرَني في ملأٍ ذكرتهُ في ملأٍ خيرٍ منهم، وإنْ تقرَّبَ إليَّ شبرًا تقرَّبتُ إليه ذراعًا، وإنْ تقرَّبَ إليَّ ذراعًا تقرَّبتُ إليه باعًا، وإنْ أتاني يمشي أتيتهُ هَرولة".



صحيح البخاري (6970)، صحيح مسلم (2675)، واللفظُ للأول.



"أنا عند ظنِّ عبدي بي": المرادُ به الرجاءُ وتأميلُ العفو.

"وإنْ ذكَرَني في ملأٍ ذكرتُه في ملأٍ خيرٍ منهم ": الذاكرون غالبًا يكونون طائفةً لا نبيَّ فيهم، فإذا ذكرَهُ الله تعالَى في خلائقَ من الملائكةِ كانوا خيرًا من تلك الطائفة.

الباع: قدرُ مدِّ اليدين[11].





[1] شرح النووي على صحيح مسلم 12/ 236 مع شيء من الاختصار.




[2] مختصر من شرح النووي على صحيح مسلم 11 / 77.




[3] مستفاد من شرح النووي على صحيح مسلم 7 / 124، 125، وفتح الباري 11 / 304.





[4] فتح الباري 9/ 136.




[5] باختصار من فتح الباري 11 / 304.




[6] تحفة الأحوذي 3/ 288، مع شيء من التصرف.




[7] شرح السيوطي لسنن النسائي 5/ 64.




[8] شرح النووي على صحيح مسلم 3/ 81 باختصار.




[9] فتح الباري 11/ 246.




[10] شرح النووي على صحيح مسلم 16/ 189.




[11] فتح الباري 13/ 514، شرح النووي على صحيح مسلم 17/ 2، 3.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 10-07-2020, 02:19 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأربعون الخيرية

الأربعون الخيرية (4 / 4)
أ. محمد خير رمضان يوسف















(31)



الخير في الخيل



عن عروةَ البارقيِّ رضيَ الله عنه، عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال:



"الخيلُ معقودٌ في نواصيها الخيرُ: الأجرُ والمغنم، إلى يومِ القيامة".







صحيح البخاري (2951) واللفظُ له، صحيح مسلم (1873).







"معقودٌ في نواصيها" أي: ملازمٌ لها كأنه معقودٌ فيها... والمرادُ أنها أسبابٌ لحصولِ الخيرِ لصاحبها، فاعتُبِرَ ذاكَ كأنهُ عقدٌ للخيرِ فيها. ثم لَمّا كان الوجهُ هو الأشرف، ولا يُتصَوَّرُ العقدُ في الوجهِ إلا في الناصية، اعتُبِرَ ذاكَ عقدًا له في الناصية[1].







وفي الحديثِ بيانُ أن الخيلَ إنما تكونُ في نواصيها الخيرُ والبركة إذا كان اتخاذُها في الطاعة، أو في الأمورِ المباحة، وإلا فهي مذمومة.



والمغنمُ المقترنُ بالأجرِ إنما يكونُ من الخيلِ بالجهاد[2].







(32)



من الطب النبوي



عن جابر بنِ عبدالله قال: سمعتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ يقول:



"إِنْ كانَ في شيءٍ مِن أدويتِكُم خير، ففي شَربةِ عسل، أو شَرطةِ مِحجَم، أو لَذْعةٍ مِن نار، وما أحبُّ أن أَكتوي".







صحيح البخاري (5375)، صحيح مسلم (2205)، واللفظُ للأول.







هذا من بديع الطبِّ عند أهلهِ كما ذكر النووي، فهو إشارةٌ إلى جميعِ ضروبِ المعافاة.



"شَرطةُ محجم" هي الحجامة، والمرادُ بالمحجمِ هنا الحديدةُ التي يُشرَطُ بها موضعُ الحجامةِ ليَخرُجَ الدم.



"لذعةٌ من نار": الخفيفُ من حرقِ النار.



وقولهُ صلَّى الله عليه وسلَّم: "وما أحبُّ أن أَكتوي": إشارةٌ إلى تأخيرِ العلاجِ بالكيّ حتى يضطرَّ إليه، لما في استعمالِ (استعجالِ) الألمِ الشديدِ في دفعِ ألمٍ قد يكونُ أضعفَ من ألمِ الكيّ[3].







(33)



خروج النساء إلى صلاة العيد



عن أُمِّ عطيَّةَ قالت:



أمرَنا رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّمَ أن نُخرجَهنَّ في الفِطرِ والأضحَى، العواتقَ والحُيَّضَ وذواتِ الخدور. فأمّا الحُيَّضُ فيَعتَزلْنَ الصلاة، ويَشهَدْنَ الخيرَ ودعوةَ المسلمين.



قلت: يا رسولَ الله، إحدانا لا يكونُ لها جِلباب؟



قال: "لِتُلْبِسْها أختُها من جلبابِها".







صحيح البخاري (318)، صحيح مسلم (890)، واللفظُ له.







العواتقُ جمعُ عاتق، وهي من بلغتِ الحُلم، أو قاربت، أو استحقَّتِ التزويج، أو هي الكريمةُ على أهلها.



والخدورُ جمعُ خِدْر، وهو البيتُ أو الستر. وقالَ السيوطي: هو سترٌ في ناحيةِ البيتِ تقعدُ البكرُ وراءه.



وفي الحديثِ أن من شأنِ العواتقِ والمخدَّراتِ عدمُ البروزِ إلا فيما أُذِنَ لهنَّ فيه.



وفيه استحبابُ إعدادِ الجلبابِ للمرأة، ومشروعيةُ عاريَّةِ الثياب.



وفيه استحبابُ خروجِ النساءِ إلى شهودِ العيدين، سواءٌ كنَّ شوابَّ أم لا، وذواتِ هيآتٍ أم لا[4].







(34)



فضيلة الصلاة في المسجد النبوي



عن أبي هريرةَ رضيَ الله عنه، أن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال:



"صلاةٌ في مسجدي هذا خيرٌ مِن ألفِ صلاةٍ فيما سواه، إلّا المسجدَ الحرام".







صحيح البخاري (1133)، صحيح مسلم (1394)، واللفظُ للبخاري.







روى الإمامُ أحمد في مسنده (15306) وغيرُه حديثَ جابر بنِ عبدالله المرفوع: "صلاةٌ في مسجدي هذا أفضلُ مِن ألفِ صلاةٍ فيما سواه، إلّا المسجدَ الحرام، وصلاةٌ في المسجدِ الحرامِ أفضلُ من مائةِ ألفِ صلاةٍ فيما سواه"[5].







واستدلَّ بهذا الحديثِ على تفضيلِ مكةَ على المدينة؛ لأن الأمكنةَ تَشرفُ بفضلِ العبادةِ فيها على غيرها، مما تكونُ العبادةُ فيه مرجوحة. وهو قولُ الجمهور[6].







(35)



صفوف الرجال والنساء



عن أبي هريرةَ قال: قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلم:



"خيرُ صفوفِ الرجالِ أوَّلُها، وشرُّها آخرُها، وخيرُ صفوفِ النساءِ آخرُها، وشرُّها أوَّلُها".







صحيح مسلم (440).







قال الإمامُ النوويُّ رحمَهُ الله تعالَى: وأما إذا صلَّين متميِّزات لا مع الرجال، فهنَّ كالرجال، خيرُ صفوفهنَّ أولها، وشرُّها آخرها.



والمرادُ بشرِّ الصفوفِ في الرجالِ والنساءِ أقلُّها ثوابًا وفضلًا، وأبعدُها من مطلوبِ الشرع، وخيرُها بعكسه.



وإنما فُضِّلَ آخرُ صفوفِ النساءِ الحاضراتِ مع الرجالِ لبعدهنِّ من مخالطةِ الرجالِ ورؤيتهم، وتعلُّقِ القلبِ بهم عند رؤيةِ حركاتهم وسماعِ كلامهم ونحوِ ذلك. وذُمَّ أولُ صفوفهنَّ لعكسِ ذلك. والله أعلم[7].







(36)



خير ما يكون للجنازة



عن أبي هريرةَ قال: سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّمَ يقول:



"أسرِعوا بالجنازة، فإنْ كانتْ صالحةً قرَّبتموها إلى الخير، وإنْ كانتْ غيرَ ذلكَ كانَ شرًّا تَضعونَهُ عن رقابكم".







صحيح البخاري (1252)، صحيح مسلم (944) واللفظُ له.







أسرعوا بالجنازة: أي بحملها إلى قبرها.



وعن الشافعي والجمهور: المرادُ بالإسراعِ ما فوق سجيَّةِ المشي المعتاد. ويُكرَهُ الإسراعُ الشديد.







قال الحافظُ ابنُ حجر: والحاصلُ أنه يستحبُّ الإسراع، لكنْ بحيثُ لا ينتهي إلى شدَّةٍ يُخافُ معها حدوثُ مفسدةٍ بالميت، أو مشقَّةٍ على الحاملِ أو المشيِّع؛ لئلّا ينافي المقصودَ من النظافةِ وإدخالِ المشقَّةِ على المسلم[8].







(37)



المباح والمذموم من الشِّعر



عن ابنِ عمرَ رضيَ الله عنهما، عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال:



"لأنْ يمتلئَ جوفُ أحدِكُم قيحًا، خيرٌ له مِن أنْ يَمتَلئَ شعرًا".







صحيح البخاري (5802) واللفظُ له، صحيح مسلم (2257).







الصوابُ أن المرادَ أن يكونَ الشعرُ غالبًا عليه، مستوليًا عليه، بحيثُ يَشغلهُ عن القرآنِ وغيرهِ من العلومِ الشرعيةِ وذكرِ الله تعالَى، وهذا مذمومٌ من أيِّ شعرٍ كان، فأما إذا كان القرآنُ والحديثُ وغيرهما من العلومِ الشرعيةِ هو الغالبَ عليه، فلا يضرُّ حفظُ اليسيرِ من الشعرِ مع هذا؛ لأن جوفَهُ ليس ممتلئًا شعرًا. والله أعلم.







واستدلَّ بعضُ العلماءِ بهذا الحديثِ على كراهةِ الشعرِ مطلقًا، قليلهِ وكثيره، وإن كان لا فُحشَ فيه...







وقال العلماءُ كافَّة: هو مباحٌ ما لم يكنْ فيه فُحشٌ ونحوه. قالوا: وهو كلامٌ حسنهُ حسن، وقبيحهُ قبيح. وهذا هو الصواب. فقد سمعَ النبيُّ صلَّى الله عليه و سلَّم الشعر، واستنشده، وأمرَ به حسَّانَ في هجاءِ المشركين، وأنشدَهُ أصحابُهُ بحضرتهِ في الأسفارِ وغيرها، وأنشدَهُ الخلفاءُ وأئمةُ الصحابةِ وفضلاءُ السلف، ولم يُنكرْهُ أحدٌ منهم على إطلاقه، وإنما أنكروا المذمومَ منه، وهو الفُحش ونحوه. ذكرهُ النووي[9].







(38)



خير المال في الفتن



عن أبي سعيد الخُدريِّ رضيَ الله عنه قال: قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم:



"يوشكُ أن يكونَ خيرُ مالِ الرجلِ غنمٌ يَتْبَعُ بها شَعَفَ الجبالِ ومواقعَ القَطْر، يفرُّ بدينهِ من الفتن".







صحيح البخاري (3124).







يوشِك: يَقرب.



شعَفُ الجبال: رؤوسُ الجبال.



مواقعُ القَطر: بطونُ الأودية.



وخُصَّا بالذكرِ لأنهما مظانُّ المرعَى.



هذا ما ذكرَهُ الحافظُ ابنُ حجر. وقال في عون المعبود: مواقعُ القَطر: أي مواضعُ المطرِ وآثاره، من النباتِ وأوراقِ الشجر، يريدُ بها المرعَى من الصحراءِ والجبال.



يفرُّ بدينه: أي بسببِ دينه. ويعني صيانةً لدينه.



قال السندي: وفيه أنه يجوزُ العزلة، بل هي أفضلُ أيامَ الفتن[10].







(39)



خطر الفتن



عن أبي هريرةَ رضيَ الله عنه قال: قالَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم:



"ستكونُ فِتَن، القاعدُ فيها خيرٌ مِن القائم، والقائمُ فيها خيرٌ مِن الماشي، والماشي فيها خيرٌ مِن الساعي، ومَن يُشرِفْ لها تَسْتَشْرِفْهُ، ومَن وجدَ مَلجأً أو مَعاذًا فَلْيَعُذْ به".







صحيح البخاري (3406)، صحيح مسلم (2886)، واللفظُ للبخاري.







الإشرافُ للشيءِ هو التطلُّعُ إليه والتعرُّضُ له.



"ومَن وجدَ مَلجأً": أي عاصمًا وموضعًا يلتجئُ إليه ويعتزل.



"فَلْيَعُذْ به": أي فليعتزل.



قال الإمامُ النوويُّ رحمَهُ الله تعالَى: وأما قولهُ صلَّى الله عليه وسلَّم: "القاعدُ فيها خيرٌ مِن القائم" إلى آخره، فمعناهُ بيانُ عظيمِ خطرها، والحثُّ على تجنُّبها، والهربُ منها، ومن التشبُّثِ في شيء، وأن شرَّها وفتنتَها يكونُ على حسبِ التعلُّقِ بها[11].







(40)



الإيمان ولو كان قليلاً



عن أنس بنِ مالك، أن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال:



"يَخرجُ من النَّارِ مَن قال: لا إلهَ إلَّا اللَّهُ وكانَ في قلبهِ منَ الخيرِ ما يَزنُ شَعيرة، ثمَّ يَخرجُ منَ النَّارِ مَن قال: لا إلهَ إلَّا اللَّهُ وكانَ في قلبِهِ منَ الخيرِ ما يزنُ بُرَّةً،ثمَّ يَخرجُ منَ النَّارِ مَن قال: لا إلهَ إلَّا اللَّهُ وكانَ في قلبهِ منَ الخيرِ ما يزنُ ذَرَّة".







صحيح البخاري (6975)، صحيح مسلم (193)، واللفظُ للأخير.







البُرَّة: حبَّةُ القمح.



قال الحافظُ ابنُ حجر: ومقتضاهُ أن وزنَ البُرَّةِ دونَ وزنِ الشعيرة؛ لأنه قدَّمَ الشعيرةَ وتلاها بالبُرَّة، ثم الذرَّة. وكذلك هو في بعضِ البلاد.



ومعنَى الذرَّةِ قيل: هي أقلُّ الأشياءِ الموزونة، وقيل: هي الهباءُ الذي يَظهرُ في شعاعِ الشمسِ مثلَ رؤوسِ الإبر[12].











المراجع:[13]







تحفة الأحوذي/ المباركفوري.- بيروت: دار الكتب العلمية [التراث].







حاشية السندي على سنن النسائي/ بعناية عبدالفتاح أبو غدة.- ط2.- حلب: مكتب المطبوعات الإسلامية، 1406 هـ [التراث].







شرح السيوطي لسنن النسائي/ بعناية عبدالفتاح أبو غدة.- ط2.- حلب: مكتب المطبوعات الإسلامية، 1406 هـ [التراث].







شرح النووي على صحيح مسلم.- ط2.- بيروت: دار إحياء التراث، 1392 هـ [التراث].







صحيح البخاري/ تحقيق مصطفى ديب البغا.- ط3.- بيروت؛ دمشق.







صحيح مسلم.- بيروت: دار ابن حزم، 1416هـ.







عون المعبود شرح سنن أبي داود/ محمد شمس الحق العظيم آبادي.- ط2.- بيروت: دار الكتب العلمية، 1415 هـ [التراث].







فتح الباري: شرح صحيح البخاري/ ابن حجر العسقلاني.- بيروت: دار المعرفة، 1379هـ [التراث].







لسان العرب/ محمد بن مكرم بن منظور.- بيروت: دار صادر [التراث].







مسند أحمد بن حنبل.- القاهرة: مؤسسة قرطبة [التراث].







النهاية في غريب الحديث والأثر/ ابن الأثير؛ تحقيق طاهر أحمد الزاوي، محمود الطناحي.- بيروت: دار الفكر، 1399هـ [التراث].







[1] حاشية السندي على سنن النسائي 6 / 221.



[2] ينظر تحفة الأحوذي 5 / 217، 282.



[3] شرح النووي على صحيح مسلم 14/ 193، 197، فتح الباري 10 / 141.



[4] فتح الباري 1 / 423، 2 / 470، حاشية السندي على سنن النسائي 3 / 180، شرح السيوطي على سنن النسائي 1 / 194.



[5] ذكر الإمام النووي أن إسناده حسن (شرح النووي على صحيح مسلم 9/ 164)، وقال الشيخ شعيب: إسناده صحيح على شرط البخاري.



[6] قاله ابن حجر في فتح الباري 3/ 67.



[7] شرح النووي على صحيح مسلم 4/ 159.



[8] فتح الباري 3/ 184، عون المعبود 3/ 326.



[9] شرح النووي على صحيح مسلم 15/ 14 مع شيء من الاختصار.



[10] فتح الباري 1/ 69، عون المعبود 11/ 234، حاشية السندي على سنن النسائي 8/ 124.



[11] شرح النووي على صحيح مسلم 18/ 9.



[12] فتح الباري 1/ 104.



[13] المراجع التي وضع في آخرها لفظ [التراث] هكذا بين معقوفتين، هي للأقراص المدمجة التي أصدرها مركز التراث للبرمجيات في الأردن .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 183.16 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 179.85 كيلو بايت... تم توفير 3.31 كيلو بايت...بمعدل (1.81%)]