عون البصير على فتح القدير - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         همسة في آذان الشباب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          من آداب الدعاء... إثبـــات الحمـــد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          واحة الفرقان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 13 - عددالزوار : 3015 )           »          الاستعمار وأساليبه في تمكين الاستشراق الحلقة الرابعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 17 - عددالزوار : 609 )           »          قواعد عقاب الطفل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          العمل التطوعي.. أسسه ومهاراته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 45 )           »          الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 55 - عددالزوار : 15795 )           »          توجيهات منهجية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          القاعدة الأوفى في الأسماء الحسنى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11-01-2021, 12:52 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,333
الدولة : Egypt
افتراضي عون البصير على فتح القدير

عون البصير على فتح القدير (1)


أ. محمد خير رمضان يوسف






عون البصير على فتح القدير (1)

الجزء الأول

(سورة الفاتحة، وسورة البقرة 1 - 141)



مقدمة

الحمدُ لله العليِّ القدير، والصلاةُ والسلامُ على البشيرِ النذير، وعلى آلهِ وصحبهِ وكلِّ محبٍّ ونصير، ممن تبعهم وحملَ رايةَ هذا الدينِ الكبير. وبعد:
فإن "فتح القدير الجامع بيني فنَّي الرواية والدراية من علم التفسير" تفسيرٌ مشهور، وخاصةً في جزيرةِ العرب. وتأتي شهرتهُ من قيمتهِ العلميةِ أولًا، ثم من شهرةِ مولِّفهِ رحمَهُ الله، العلّامةِ محمد بن علي الشوكاني (ت 1250 هـ)، الفقيه المجتهد، قاضي صنعاءَ وحاكمها. وكان على مذهبِ الزيديةِ ثم تركه، فنبذَ التعصبَ والتقليد، ونظرَ في الأدلة، واهتدَى بالكتابِ والسنة، وجدَّ واجتهد، وصنَّفَ نحو (280) كتابًا ورسالة، من بينها هذا التفسير العظيم.

وقد جمعَ فيه بين (المأثور) و(الرأي)، الذي عبَّرَ عنه في العنوانِ الشارحِ له بالروايةِ والدراية. ويكونُ المجالُ بذلك مفسوحًا وواسعًا في النظرِ والنقل.
وهو أشبهُ ما يكونُ بتفسير "المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز"، المعروفِ بتفسيرِ ابن عطية، الذي استدركتُ عليه أيضًا، وأوردتُ ميزاتهِ في مقدمةِ المستدرك.

والشوكاني رحمَهُ الله يقسمُ السورةَ إلى مجموعةِ آيات، ويوردُ رأيَهُ أو اختيارَهُ أولًا في تفسيرِ كلِّ مجموعة، تفسيرًا تحليليًّا، وهو (الدراية)، وفي نهايتها يذكرُ الأقوالَ والآثارَ في تفسيرها أو تفسيرِ بعضها، وقد يكونُ تفسيرًا متعددًا، مقارنًا، وهو (الرواية).

وهو مثلُ غيرهِ من المفسرين يتركُ بعضَ الألفاظِ أو الآياتِ بدونِ تفسير، سهوًا أو عمدًا، وقد يشيرُ إلى سابقِ تفسيرها أو لا يشير، وقد يكونُ فسَّرها أو شِبْهَها أو لم يفسرها لسببٍ ما:
كأنْ تكونَ واضحة.
وقد يفسرها لغويًّا أو نحويًّا بما لا يوحي بتفسيرها.
أو يفسِّرُ الآيةَ بالألفاظِ الواردةِ فيها نفسها.
وقد يفسِّرُ منها لفظًا واحدًا، ولا أشيرُ إلى ذلك عند الاستدراكِ عليه.
وشغلتْ أواخرُ الآياتِ قسمًا كبيرًا مما لم يفسِّره.

واعتبرتُ كلَّ ما يؤدِّي إلى توضيحِ معنى الآيةِ تفسيرًا. ويتبيَّنُ هذا من خلالِ ما يوردهُ المؤلفُ من الشواهدِ والآثار، من القرآن نفسه، ومن الأحاديثِ الشريفة، ومن أقوالِ أهلِ العلمِ والحكمةِ عمومًا، وحتى أسبابِ النزول.
وإذا لم يجدِ القارئ تفسيرَ آيةٍ أو لفظةٍ في مكانها، فليبحثْ عنها في آخرِ مجموعةِ الآياتِ المقسَّمة، التي يوردُ أقوالَ وآثارَ العلماء فيها، فقد يفسِّرُ الآيةَ أو اللفظَ أكثرَ من مرة، وفي أماكنَ متفرقة.

المنهج:
والمنهجُ الذي اتبعتهُ في الاستدراكِ على تفسيرهِ رحمهُ الله، هو كالنهجِ الذي اتبعتهُ في المستدركاتِ السابقةِ تقريبًا (ابن كثير، والبغوي، وابن عطية)، وهو تفسيرُ كلِّ ما لم يتضحْ للقارئ أنه فُسِّر، من الأمورِ التي ذكرتها سابقًا.
ولم أبحثْ في الحروفِ المقطَّعة، والمتشابهاتِ من الآيات.
ولم أتتبَّعْ ما أوجزَ من تفسير، والأفضلُ توضيحهُ أكثر.
واستثنيتُ - كذلك - ما كان تفسيرهُ واضحًا، ولو لم يتتبَّعِ المؤلفُ ألفاظه.

وقد لا أوردُ التفسيرَ كلَّهُ من المرجعِ إذا كان مطوَّلاً، بل أكتفي بما تتوضَّحُ به الألفاظُ أو الآيات، وقد أشيرُ عند ذلك إلى أنه مختصرٌ، أو منتخبٌ من مصدره.
وأُورِدُ تفسيرَ آيةٍ أو لفظٍ مما فسَّرهُ المؤلفُ من مشابهٍ له في موضعٍ آخر، فإنْ لم أجدهُ طلبتهُ في تفاسيرَ أخرى ذكرتها للقارئ. ولم أتقصَّ هذا، فتفسيرُ الألفاظِ والآياتِ في سياقها قد يعطيها مدلولًا إضافيًّا غيرَهُ فيما سبق، فالتكرارُ له فائدةٌ وميزة.

والتفسيرانِ الأساسيانِ لهذا العملِ هما: تفسيرُ الإمامِ الطبري (جامع البيان في تفسير القرآن)، وتفسيرُ الحافظِ ابنِ كثير (تفسير القرآن العظيم)، وهذا ما يشكِّلُ جلَّ هذا التفسير.
كما استعنتُ بتفسيرِ الإمامِ البغويِّ رحمَهُ الله، وبتفسيرِ ابن عطية، وتفسيرِ القاضي البيضاوي (أنوار التنزيل وأسرار التأويل) فهو تفسيرٌ مشهور، وتفسيرِ النسفي (مدارك التنزيل وحقائق التأويل) لشمولهِ وسهولته، واستفدتُ من تفسيرِ (روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني) للآلوسي، فهو لا يكادُ يتركُ لفظًا دونَ بيانه، ويدخلُ في الأمورِ المستعصيةِ فيوردُ وجوهها ويحلُّها، كما استعنتُ بـ (الواضح في التفسير) لمعدِّ هذا الكتاب، وقد استفدتهُ من التفاسير السابقةِ وغيرها. واستعنتُ بتفاسيرَ أخرى، ولم أكثر.

وغالبُ ما كنت أنسخه من تفاسير مخزنة، وإذا شككتُ في خطأ قارنت.
وأضعُ المصدرَ في آخرِ تفسيرِ كلِّ آية.
وموضعُ الاستشهادِ هو مكانُ تفسيرِ الآياتِ في التفاسيرِ نفسها، واستغنيتُ بذلك عن ذكرِ أرقامِ الأجزاءِ والصفحاتِ في الهوامش.
ولم أوردِ الأقوالَ والآثارَ والخلافات.
وجمعتُ بين المأثورِ والرأي في هذا المستدركِ كما هو شأنُ التفسيرِ المستدركِ عليه.

وراعيتُ جاهدًا التوفيقَ بين التفاسيرِ القديمةِ التي أنقلُ منها، وبين ما أقدِّمهُ لجيلٍ معاصرٍ بما يناسبهُ وما يفهمهُ ويستفيدُ منه.
ولم أُدخِلْ في هذا التفسيرِ أمورًا محدَثة، ولا علومًا مساندةً للتفسير، فالأساسُ في هذا هو الأصل.
وأوردُ الآيةَ أو جزءًا منها، يسبقها رقمها، وأضعُ خطًّا تحت الكلمةِ أو الكلماتِ والجُمَلِ التي لم تفسَّرْ فيها.
فإذا لم تفسَّرِ الآيةُ كلُّها أبقيتُها بدونِ خطّ.
وقد لا أشيرُ إلى كلمةٍ فسَّرها في آيةٍ طويلةٍ كما ذكرت، فأفسِّرُها كلَّها مع الكلمة.
وفسِّرَ كثيرٌ من الآياتِ وهي تبدو سهلةً للقارئ، ولكنَّ تفسيرها يُظهِرُ له ما لم يدركهُ من أسرارها.

وأنبِّهُ إلى أن معظمَ ما وردَ هنا هو تفسيرٌ لجزءٍ أو ألفاظٍ أو جملةٍ من الآية، فلا يصلحُ إلا مع متابعةِ الأصل، يعني أن هذا التفسيرَ مكمِّلٌ لتفسيرِ "فتح القدير"، وليس مستقلاً بذاته، فقد أفسِّرُ لفظةً في آيةٍ تكونُ مرتبطةً بما قبلها وما بعدها فسَّرها المؤلف. والأفضلُ أن يطبعَ معه، بهامشه. وقد أذنتُ بذلك لمن شاء، مع إثباتِ هذه المقدِّمة، وعدمِ الزيادةِ أو النقصِ في الكتاب، إلا ما كان من الرسمِ العثماني للآياتِ الكريمة.

واعتمدتُ في هذا الاستدراكِ على طبعةِ دار الكلم الطيب (ط2، دمشق، بيروت، 1419 هـ). ولم يصدر محققًا حتى حينه.
والحمدُ لله الذي يسَّرَ وأعان، والشكرُ له سبحانه.
محمد خير رمضان يوسف



بسم الله الرحمن الرحيم
الجزء الأول
سورة الفاتحة
3- ﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾.
ذكرَ أنه تقدَّمَ تفسيرهما. ويعني عند تفسيرِ البسملة، وقد قالَ هناك: اسمانِ مشتقان من الرحمةِ على طريقِ المبالغة، ورحمانُ أشدُّ مبالغةً من رحيم. وفي كلامِ ابنِ جريرٍ ما يُفهَمُ حكايةُ الاتفاقِ على هذا، ولذلك قالوا: رحمانُ الدنيا والآخرة، ورحيمُ الدنيا. وقد تقررَ أن زيادةَ البناءِ تدلُّ على زيادةِ المعنى.

سورة البقرة
20- ﴿ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾.
﴿ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ أي: بصوتِ الرعد، ﴿ وَأَبْصَارِهِمْ بوميضِ البرق. وقيل: أي: لذهبَ بأسماعهم وأبصارهم الظاهرةِ كما أذهبَ أسماعَهم وأبصارَهم الباطنة.
﴿ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ أي: هو الفاعلُ لما يشاء، لا منازعَ له فيه. (الخازن).

21-﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ.
لعلكم تتقون بعبـادتِكم ربَّكم الذي خـلقكم، وطاعتِكم إيّاه فـيـما أمركم به ونهاكم عنه، وإفرادِكم له العبـادة؛ لتتقوا سخطَهُ وغضبَهُ أنْ يحلَّ علـيكم، وتكونوا من المتقـين الذين رضيَ عنهم ربُّهم.
وكان مـجاهدٌ يقولُ فـي تأويـلِ قوله:
﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ : تطيعون. (الطبري)


29-﴿ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.
وعلمهُ محيطٌ بجميعِ ما خَلق، لا يَخفى عليه شيء. (الواضح في التفسير).

33-﴿ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ .
﴿ قَالَ اللهُ تعالى: ﴿ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ يا ملائكتي ﴿ إِنِّيۤ أَعْلَمُ غَيْبَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ : ما كان منهما وما يكون؛ لأنه قد قالَ لهم: ﴿ إِنِّيۤ أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ . (البغوي).

37-﴿ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيم .
إن اللهَ جلَّ ثناؤهُ هو التوابُ علـى من تابَ إلـيه من عبـادهِ المذنبـين من ذنوبه، التاركُ مجازاتهِ بإنابتهِ إلى طاعتهِ بعد معصيتهِ بما سلفَ من ذنبه. ﴿ الرَّحِيمُ : المتفضِّلُ عليه مع التوبةِ بالرحمة. ورحمتهُ إيَّاهُ إقالةُ عثرته، وصَفحهُ عن عقوبةِ جُرمه. (الطبري، باختصار).

39-﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ .
﴿ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يعني جحدوا، ﴿ وَكَذَّبُواْ بِآيَـٰتِنَآ : بالقرآن، ﴿ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ يومَ القيامة، ﴿ هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ : لا يخرجون منها، ولا يموتون فيها. (البغوي).

41- ﴿ وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ .
قالَ رحمهُ الله: الكلامُ فيه كالكلامِ في قولهِ تعالى: ﴿ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ .
يعني في الآيةِ السابقة (40)، وقد قالَ هناك: الرهبُ والرهبة: الخوف، ويتضمنُ الأمرُ به معنى التهديد، وتقديمُ معمولِ الفعلِ يفيدُ الاختصاص.
وقالَ النسفيُّ في تفسيره: أي اعبدوا على رجاءِ أن تتَّقوا فتَنجوا بسببهِ من العذاب.

53- ﴿ وَإِذْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ .
لكي تهتدوا بتدبُّرِ الكتاب، والتفكُّرِ في الآيات. (البيضاوي).

54- ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ .

﴿ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ : لقد ارتكبتُم جُرْماً عظيماً ومَعصيةً كبيرةً عندما اتَّخذتمُ العجلَ ربًّا دونَ الله.
﴿ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ : ... فإنَّهُ أنسبُ عقوبةٍ لنفوسِكمُ السيِّئة، وقلوبِكمُ القاسية، وطبيعتِكمُ المنحرفة، وعسَى أنْ يكونَ هذا توبةً لجُرمِكم الشنيع، وتذكرةً مؤلمةً لكم لئلاّ تعودوا إلى مثلِه. ثمَّ أدركتْكُم رحمتهُ فتابَ عليكم، فهو يقبلُ التوبةَ الصادقةَ من عبادِه، رحمةً بهم. (الواضح).

56- ﴿ ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ .
فعلنا بكم ذلك لتشكروني على ما أولـيتُكم من نعمتي علـيكم بإحيائي إياكم، استبقاءً مني لكم لتراجعوا التوبةَ من عظيـمِ ذنبكم، بعد إحلالـي العقوبةَ بكم بـالصاعقةِ التي أحللتُها بكم، فأماتتكم بعظيـمِ خطئكم الذي كان منكم فيما بـينكم وبـين ربكم. (الطبري).

57- ﴿ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ .
كلوا من مشتهياتِ رزقنا الذي رزقناكموه. (الطبري).

58- ﴿ وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ .
أي: إذا فعلتم ما أمرناكم، غفرنا لكم الخطيئات (ابن كثير)، بسجودكم ودعائكم. (البيضاوي).

59- ﴿ فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ .
﴿ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ : الذين فعلوا ما لـم يكنْ لهم فعله. (الطبري).
﴿ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ قال: قد تقدمَ تفسيره. ويعني كلمة (الفَاسِقِينَ)، الواردة في الآيةِ (26) من السورة، حيثُ أوردَ أقوالًا لأهلِ العلمِ فيها. وقد قالَ الإمامُ البغوي: ﴿ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ : يعصون ويخرجون من أمرِ الله تعالى.

61- ﴿ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُون .

قالَ رحمهُ الله: "وقد تقدمَ تفسيرُ الغضب".
لكنْ لم تردْ هذه الكلمةُ في الآياتِ السابقة.
قالَ الإمامُ الطبري: أي: قد صارَ علـيهم من اللهِ غضب، ووجبَ علـيهم منه سخط. (الطبري).
﴿ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُون : واستحقُّوا السُّخْطَ والغضبَ من اللهِ بما فعلوهُ مِن آثامٍ كبيرةٍ وذنوبٍ عِظام، من كفرِهم بآياتِ اللهِ وحُجَجهِ البيِّنة، واستكبارِهم عن اتِّباعِ الحقّ، وإهانتِهم وقتلِهم أفضلَ الخلقِ أجمعين: أنبياءَ اللهِ ورُسُلَه؛ فهذا جزاءُ مَن عصَى الخالقَ واعتدَى على خَلقه. (الواضح).

62- ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُون .
من صدقَ وأقرَّ بـالبعثِ بعد المماتِ يومَ القـيامة، وعملَ صالحًا فأطاعَ الله، فلهم ثوابُ عملهم الصالحِ عند ربِّهم. ولا خوفٌ علـيهم فيما قدموا علـيه من أهوالِ القـيامة، ولا هم يحزنون علـى ما خلَّفوا وراءهم من الدنـيا وعيشها عند معاينتهم ما أعدَّ الله لهم من الثوابِ والنعيمِ المقيمِ عنده. (الطبري، باختصار).

63- ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ .
قال: تقدَّمَ تفسيرُ الميثاق. ويعني في الآيةِ (27) من السورة، وقد قالَ هناك: الميثاق: العهدُ المؤكدُ باليمين، مفعالٌ من الوثاقة، وهي الشدَّةُ في العقدِ والربط، والجمع: المواثيق، والمياثيق.

66- ﴿ فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِين .
للمؤمنين من أمةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، فلا يفعلون مثلَ فعلهم. (البغوي).

73- ﴿ وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ .
لتعقلوا وتفهموا أنه محقٌّ صادق، فتؤمنوا به وتتَّبعوه. (تفسير الطبري).

84- ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ ﴾.
قالَ في الآيةِ (27) من السورة: الميثاق: العهدُ المؤكدُ باليمين.

85- ﴿ ثُمَّ أَنتُمْ هَـؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُون .
﴿ تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ : فصارَ يَقتلُ بعضُكم بعضًا، ففريقٌ مع الأوسِ وفريقٌ مع الخزرج. كما تُخرِجون بعضَكم من بيوتِ بعض، وتَنهبون ما فيها من المالِ والمتاعِ وتأخذون سباياهُم. (الواضح).
﴿ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ : ذكرَ أنه تقدَّمَ تفسيره، ويعني في الآيةِ (74) من السورة، وقد قالَ هناك: من التهديدِ وتشديدِ الوعيدِ ما لا يخفَى، فإن الله عزَّ وجلَّ إذا كان عالماً بما يعملونه، مطَّلعاً عليه، غيرَ غافلٍ عنه، كان لمجازاتهم بالمرصاد.

86- ﴿ أُولَـئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآَخِرَةِ .
ذكرَ أنه تقدَّمَ تفسيره. ولم يوجدْ بلفظه.
وقد قالَ الإمامُ الطبريُّ رحمهُ الله: أخبرَ جلَّ ثناؤهُ أن هؤلاء الذين اشتروا رئاسةَ الحياةِ الدنيا علـى الضعفـاءِ وأهلِ الجهلِ والغبـاءِ من أهلِ ملَّتهم، وابتاعوا المآكلَ الخسيسةَ الرديئةَ فـيها بالإيمانِ الذي كان يكونُ لهم به في الآخرةِ لو كانوا أتَوا به مكانَ الكفرِ الخـلودُ في الجنان.
وإنما وصفهم الله جلَّ ثناؤهُ بأنهم اشتروا الحياةَ الدنـيا بـالآخرة، لأنهم رضوا بالدنيا بكفرهم بـالله فـيها عوضًا من نعيـمِ الآخرةِ الذي أعدَّهُ اللهُ للمؤمنـين، فجعلَ حظوظَهم مِن نعيـمِ الآخرةِ بكفرهم باللهِ ثمنًا لِـما ابتاعوهُ به مِن خسيسِ الدنـيا. (الطبري).

91- ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ نُؤْمِنُ بِمَآ أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَاءهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَهُمْ .
﴿ وَهُوَ الْحَقُّ يعني القرآن، ﴿ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَهُمْ يعني التوراة؛ لأن كتبَ الله تعالى يصدِّقُ بعضُها بعضاً. (النكت والعيون للماوردي).

93- ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ .
ذكرَ أن تقدمَ تفسيرُ أخذ الميثاق والطور. وقد قالَ في الآيةِ (27) من السورة: الميثاق: العهدُ المؤكدُ باليمين. وأكمله في الآيةِ (63) بقوله: والمراد: أنه أخذَ سبحانهُ عليهم الميثاقَ بأن يعملوا بما شرعَهُ لهم في التوراة، وبما هو أعمُّ من ذلك، أو أخصّ.
والطور: اسمُ الجبلِ الذي كلَّمَ الله عليه موسى عليه السلام، وأنزلَ عليه التوراةَ فيه. وقيل: هو اسمٌ لكلِّ جبلٍ بالسريانية.
وقد ذكرَ كثيرٌ من المفسرين أن موسى لما جاءَ بني إسرائيلَ من عند الله بالألواحِ قالَ لهم: خذوها والتزموها. فقالوا: لا، إلا أن يكلِّمَنا الله بها كما كلَّمك. فصُعِقوا، ثم أُحيوا، فقال لهم: خذوها والتزموها، فقالوا: لا. فأمرَ الله الملائكةَ فاقتلعتْ جبلاً من جبالِ فلسطين، طولهُ فرسخٌ في مثله، وكذلك كان عسكرهم، فجعلَ عليهم مثلَ الظُّلَّة، وأُتُوا ببحرٍ من خلفهم، ونارٍ من قبلِ وجوههم، وقيلَ لهم: خذوها، وعليكم الميثاقُ أن لا تضيِّعوها، وإلا سقطَ عليكم الجبل. فسجدوا توبةً لله، وأخذوا التوراةَ بالميثاق...
وقالَ في تتمةِ تفسيرِ الآية: وقوله: ﴿ خُذُواْ أي: وقلنا لهم: ﴿ خُذُواْ مَا ءاتَيْنَـٰكُم بِقُوَّةٍ والقوَّة: الجدُّ والاجتهاد.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 11-01-2021, 12:52 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,333
الدولة : Egypt
افتراضي رد: عون البصير على فتح القدير


97- ﴿ قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ .
﴿ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ : يعني بذلك مصدِّقاً لما سلفَ من كتبِ الله أمامه، ونزلتْ علـى رسلهِ الذين كانوا قبلَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم. وتصديقهُ إيّاها موافقةُ معانـيهِ معانـيها في الأمرِ بـاتِّبـاعِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم.
﴿ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ : يعنـي بقولهِ جلَّ ثناؤه: ﴿ وَهُدًى : ودليلٌ وبرهان. وإنما سمّاهُ الله جلَّ ثناؤهُ «هُدًى» لاهتداءِ المؤمنِ به، واهتداؤهُ به اتخاذهُ إيّاهُ هادياً يتبعه، وقائداً ينقادُ لأمره ونهيه، وحلالهِ وحرامه. والهادي من كلِّ شيءٍ ما تقدَّمَ أمامه، ومن ذلك قـيـلَ لأوائلِ الخيـل: هَوَادِيها، وهو ما تقدَّمَ أمامها، وكذلك قيلَ للعنق: الهادي، لتقدُّمها أمامَ سائرِ الجسد.
وأما البُشرى فإنها البِشارة. أخبرَ اللهُ عبـادَهُ المؤمنين جلَّ ثناؤهُ أن القرآنَ لهم بُشرى منه؛ لأنه أعلمَهم بما أعدَّ لهم من الكرامةِ عندهُ في جناته، وما هم إليه صائرون في معادِهم من ثوابه، وذلك هو البُشرى التي بشَّرَ اللهُ بها المؤمنـين في كتابه؛ لأن البِشارةَ في كلامِ العربِ هي إعلامُ الرجلِ بما لم يكنْ به عالماً مما يسرُّهُ من الخيرِ قبلَ أن يسمعَهُ من غيره، أو يعلمَهُ من قبلِ غيره. (الطبري).

99- ﴿ وَلَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلاَّ الْفَاسِقُون .
قال: تقدَّمَ تفسيره. ويعني في الآية (26) من السورة، وقد أوردَ فيه أقوالًا لأهلِ العلم، منها قولُ القرطبي: والفسقُ في عرفِ الاستعمالِ الشرعي: الخروجُ من طاعةِ الله عزَّ وجلّ، فقد يقعُ على من خرجَ بكفر، وعلى من خرجَ بعصيان. انتهى. وهذا هو أنسبُ بالمعنى اللغوي، ولا وجهَ لقصرهِ على بعضِ الخارجين دونَ بعض.

100-﴿ أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُون .
تفسيرُ الآية: أوَكلَّما عاهدَ اليهودُ على الالتزامِ بأمرٍ نَكلَ فريقٌ منهم ورفضَ العهدَ؟ وهذا دأبُهم حتَّى خانُوا العهدَ الذي أبرموهُ مع الرسولِ صلى الله عليه وسلم عندَ مَقدَمهِ إلى المدينة ... بل أكثرهم لا يؤمنونَ بالرسولِ المبعوثِ إليهم وإلى الناسِ كافَّة، الذي يجدونَ صفتَهُ في كتبِهم، وقد أُمِروا باتِّباعهِ ومناصرتِه. (الواضح).

101- ﴿ وَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ .
﴿ وَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُولٌ : الضميرُ لبني إسرائيلَ لا لعلمائهم فقط، والرسولُ محمدٌ صلى الله عليه وسلم، والتنكيرُ للتفخيم، وقيل: عيسى عليه السلام.
﴿ مُصَدّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ أي: من التوراة، من حيثُ إنه صلى الله عليه وسلم جاءَ على الوصفِ الذي ذكرَ فيها، أو أخبرَ بأنها كلامُ الله تعالى المنزلُ على نبيِّهِ موسى عليه السلام، أو صدَّقَ ما فيها من قواعدِ التوحيدِ وأصولِ الدين، وأخبارِ الأممِ والمواعظِ والحكم، أو أظهرَ ما سألوهُ عنه من غوامضها. وحملَ بعضهم (ما) على العموم؛ لتشملَ جميعَ الكتبِ الإلهيةِ التي نزلت قبل. (روح المعاني).
﴿ نَبَذَ فَرِيقٌ : يعني بذلك أنهم جحدوهُ ورفضوه، بعد أن كانوا به مقرِّين؛ حسداً منهم له وبغياً علـيه. وقوله: ﴿ مِنَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ : وهم علـماءُ الـيهود، الذين أعطاهم الله العلمَ بـالتوراةِ وما فـيها. (الطبري).

102- ﴿ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُون .

فإذا أتاهُما مَن يريدُ تعلُّمَ السحرِ قالا لهم: إنَّما نحن هنا فتنةٌ وابتلاء، فلا تَعملوا بالسِّحر، فإنَّ من اعتقدَ إباحتَهَ أو جوازَ العملِ به كَفر، فيتعلَّمون مِن علمِ السِّحرِ ما هو مذموم، مِن شرٍّ وأذًى، فيفرِّقون بين الزوجين، مع ما جعلَ اللهُ بينهما من محبَّةٍ ورحمة. وهم لا يتمكَّنونَ من الضررِ بأحدٍ إلاّ إذا قدَّرَ اللهُ وخلَّى بين السَّحرةِ وما أرادوا، فإذا شاءَ سلَّطهم على المسحور، وإذا لم يَشأ لم يسلِّطهم، فلا يستطيعون مضرَّةَ أحدٍ إلا بإذنِ الله.
وهكذا صاروا يتعلَّمون ما يضرُّهم في دينِهم ولا ينفعُهم؛ لأنَّهم يقصدون به الشرّ. وقد علمَ اليهودُ الذين استبدلوا السحرَ بالإيمانِ ومتابعةِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم أنَّهم ليسَ لهم نصيبٌ عندَ اللهِ في الآخرة، فبئستِ التجارةُ تجارتُهم. (الواضح).

103- ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ .
﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ ءامَنُواْ بالرسولِ والكتاب، ﴿ وَٱتَّقَوْاْ بتركِ المعاصي، كنبذِ كتابِ اللهِ واتباعِ السحر، ﴿ لَمَثُوبَةٌ مّنْ عِندِ ٱللَّهِ خَيْرٌ : لأُثيبوا مثوبةً من عندِ الله خيراً مما شرَوا به أنفسهم، ﴿ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ أن ثوابَ الله خيرٌ مما هم فيه، وقد علموا، لكنه جهَّلَهم لتركِ التدبر، أو العملِ بالعلم. (البيضاوي، باختصار).

104- ﴿ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ .
وللكافرين بي وبرسولي عذابٌ أليم، يعني بقولهِ "الأليم": الموجع. (الطبري).

105- ﴿ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ .
يقول: ذو فضلٍ يتفضَّلُ به على مَن أحبَّ وشاءَ مِن خـلقه. ثم وصفَ فضلَهُ بـالعِظَم، فقال: فضلهُ عظيـمٌ لأنه غيرُ مشبَّهٍ في عِظَمِ موقعهِ ممَّن أفضلَهُ علـيه أفضالَ خـلقه، ولا يقاربهُ في جلالةِ خطرهِ ولا يدانيه. (الطبري).

107- ﴿ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ .
وليسَ للمؤمنين وليٌّ يقوِّيهِم ويَهديهم، ولا نصيرٌ يؤيِّدُهم وينصرُهم إلاّ الله، فكونوا على حذرٍ مِن تشكيكِ أعدائكم، واحذَروا أَضاليلَهُم وخُدَعَهُم. (الواضح).

109- ﴿ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾.
إنَّ اللهَ على كلِّ ما يشاءُ بالذين وصفتُ لكم أمرَهم مِن أهلِ الكتابِ وغيرهم قديرٌ، إنْ شاءَ الانتقامَ منهم بعنادِهم ربَّهم، وإنْ شاءَ هداهم لما هداكم اللهُ له مِن الإيمان، لا يتعذَّر عليه شيءٌ أراده، ولا يتعذَّر علـيه أمرٌ شاءَ قضاءه؛ لأنَّ له الخـلقَ والأمر. (الطبري).

110- ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
إقامةُ الصلاة: أداؤها بحدودها وفروضها، وإيتاءُ الزكاة: إعطاؤها بطيبِ نفسٍ على ما فُرضت ووَجبت.
﴿ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ ﴾: ومهما تعملوا من عملٍ صالحٍ في أيامِ حياتكم، فتقدِّموهُ قبلَ وفاتكم، ذُخرًا لأنفسِكم في معادِكم،تجدوا ثوابَهُ عند ربِّكم يومَ القيامة، فيجازيكم به. والخير: هو العملُ الذي يرضاهُ الله.
﴿ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾: هذا خبرٌ من اللهِ جلَّ ثناؤهُ للذين خاطبهم بهذه الآياتِ مِن المؤمنين، أنهم مهما فعلوا مِن خيرٍ وشرٍّ، سِرًّا وعلانية، فهو به بصير، لا يخفَى عليه منه شيء، فيجزيهم بـالإحسانِ جزاءه، وبـالإساءةِ مثلها.
وهذا الكلامُ وإنْ كان خرجَ مخرجَ الخبر، فإن فيه وعدًا ووعيدا، وأمرًا وزجرًا، وذلكَ أنه أعلمَ القومَ أنه بصيرٌ بجميعِ أعمالهم، ليجدُّوا في طاعته، إذ كان ذلكَ مذخورًا لهم عندهُ حتـى يُثـيبَهم علـيه. (الطبري، باختصار).

112- ﴿ بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ .
﴿ وَهُوَ مُحْسِنٌ أي: اتبعَ فيه الرسولَ صلى الله عليه وسلم، فإن للعملِ المتقبلِ شرطين، أحدهما: أن يكونَ صواباً خالصاً لله وحده، والآخر: أن يكونَ صواباً موافقاً للشريعة، فمتى كان خالصاً، ولم يكنْ صواباً، لم يتقبل...
﴿ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ : ضمنَ لهم تعالَى على ذلك تحصيلَ الأجور، وآمنهم ممّا يخافونَهُ من المحذور، فلا ﴿ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ فيما يستقبلونه، ﴿ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ على ما مضَى ممّا يتركونه. (ابن كثير، باختصار).

114- ﴿ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيم ﴾.
ولهم على معصيتِهم وكفرهم بربِّهم وسعيهم في الأرضِ فساداً عذابُ جهنم. (الطبري).

118- ﴿ قَدْ بَيَّنَّا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ .
قد بيَّنا العلاماتِ التي مِن أجلها غضبَ اللهُ على اليهود، وجعلَ منهم القِردةَ والخنازير، وأعدَّ لهم العذابَ الـمُهين في معادِهم, والتي من أجلها أخزَى الله النصارَى في الدنيا, وأعدَّ لهم الخزيَ والعذابَ الأليمَ في الآخرة... (الطبري).

121- ﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَـئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمن يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُون .
﴿ وَمن يَكْفُرْ بِهِ أي: الكتاب؛ بسببِ التحريفِ والكفرِ بما يصدِّقه. واحتمالاتُ نظيرِ هذا الضميرِ مقولةٌ فيه أيضاً. ﴿ فَأُوْلَٰـئِكَ هُمُ ٱلْخَـٰسِرُونَ : من جهةِ أنهم اشترَوا الكفرَ بالإيمان، وقيل: بتجارتهم التي كانوا يعملونها، بأخذِ الرشا على التحريف. (روح المعاني).


122- ﴿ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ
فسَّرَهُ في الآيةِ (47) من السورةِ نفسها، وقد قالَ بعدَ كلام: ... فغايتهُ أن يكونوا مفضَّلين على أهلِ عصور، لا على أهلِ كلِّ عصر، فلا يستلزمُ ذلك تفضيلَهم على أهلِ العصرِ الذين فيهم نبيُّنا صلى الله عليه وسلم، ولا على ما بعدَهُ من العصور.

123- ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ .
تفسيرها: واحذَروا حسابَ ذلكَ اليوم، الذي لا تَقضي نفسٌ عن نفسٍ شيئاً منَ الحقوقِ والجزاء، ولا يُقبَلُ منها فديةٌ، ولا يُفيدُها واسطةُ أحد، ولا يُنتَصَرُ لهم فيُمنَعُوا مِن العذاب. (الواضح).

126- ﴿ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِير .
أي: المرجعُ يصيرُ إليه. (البغوي).

127- ﴿ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ .
أي: ويقولان: ربَّنا تقبَّلْ منّا بناءَنا، ﴿ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ﴾ لدعائنا، ﴿ ٱلْعَلِيمُ ﴾ بنيَّاتِنا. (البغوي).

128- ﴿ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ
إنكَ أنت العائدُ على عبـادِكَ بالفضل، والمتفضِّلُ عليهم بالعفوِ والغفران، الرحيمُ بهم، المستنقذُ من تشاءُ منهم برحمتِكَ من هلكته، المنجي من تريدُ نجاتَهُ منهم برأفتِكَ من سخطك. (الطبري).

129- ﴿ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيم ﴾.
المصيبُ مواقعَ الفعل، المـُحكِمُ لها. (ابن عطية).

130- ﴿ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِين ﴾.
يعني مع الأنبياءِ في الجنة. (البغوي).

133- ﴿ قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ .
قالَ بنوهُ له: نعبدُ معبودكَ الذي تعبده، ومعبودَ آبائك... (الطبري).

134- ﴿ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ﴾.
﴿ تِلْكَ أُمَّةٌ ﴾: إشارةٌ إلى الأمةِ المذكورة، التي هي إبراهيمُ ويعقوبُ وبنوهما الموحِّدون، ﴿ قَدْ خَلَتْ ﴾: مضت. (النسفي).

136- ﴿ قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ
تفسيرُ الآية: قولوا جميعاً أيُّها المؤمنون: آمنَّا بالله، وبما أُنزِلَ إلى إبراهيم، وإسماعيلَ، وإسحاقَ، ويعقوبَ، والأسباطِ، وموسَى، وعيسَى، وسائرِ الأنبياءِ عليهمُ الصلاةُ والسلام، من الكتبِ السماويَّة، والآياتِ البيِّنات، والمعجزاتِ الباهرات، ولا نفرِّقُ بينهم كدأْبِ اليهودِ والنصارَى، الذين آمنوا ببعضٍ وكفروا ببعض، ونسلِّمُ أمرَنا جميعاً إلى الله، مخلِصين له ومُذعِنين. (الواضح).

137- ﴿ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيم ﴾.
﴿ السَّمِيعُ ﴾ لقولِ كلِّ قائل، ﴿ الْعَلِيم ﴾ بما يجبُ أن ينفذَ في عباده. (ابن عطية).

138- ﴿ صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ ﴾.
اتَّبِعوا ملَّةَ إبراهيم، صبغةَ الله التي هي أحسنُ الصبغ، فإنها هي الحنيفيةُ المسلمة، ودَعوا الشركَ بالله والضلالَ عن محبةِ هداه.
﴿ وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ ﴾: يعني ملَّةَ الخاضعينَ لله، المستكينينَ له، في اتِّباعِنا ملَّةَ إبراهيمَ ودينونتِنا له بذلك، غيرَ مستكبرينَ في اتَّباعِ أمرهِ والإقرارِ برسالةِ رسله، كما استكبرتِ اليهودُ والنصارى، فكفروا بمحمدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم؛ استكبارًا وبغيًا وحسدًا. (الطبري).

141- ﴿ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾.
قالَ رحمَهُ الله: وكرَّرَ قولَهُ سبحانه: ﴿ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ﴾ إلى آخرِ الآية؛ لتضمُّنِها معنى التهديدِ والتخويف، الذي هو المقصودُ في هذا المقام.

وقالَ في آخره: عن قتادةَ والربيعِ في قوله: ﴿ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ﴾ قال: يعني إبراهيمَ وإسماعيلَ وإسحاقَ ويعقوبَ والأسباط.
وقد فسَّرَ ما بقيَ منها في الآيةَ (134) من السورة، بقوله: بيانٌ لحالِ تلك الأمة، وحالِ المخاطَبين بأن لكلٍّ من الفريقين كسبه، لا ينفعهُ كسبُ غيره، ولا ينالهُ منه شيء، ولا يضرُّهُ ذنبُ غيره. وفيه الردُّ على من يتكلُ على عملِ سلفه، ويروِّحُ نفسَهُ بالأمانيِّ الباطلة، ومنه ما وردَ في الحديث: "مَن بطَّأ به عملهُ لم يُسرعْ به نسبُه" [رواه مسلم وغيره]، والمراد: أنكم لا تنتفعون بحسناتهم، ولا تؤاخَذون بسيئاتهم، ولا تُسألون عن أعمالهم، كما لا يُسألَون عن أعمالكم، ومثله: ﴿ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ﴾ [سورة الزمر: 7].



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 11-01-2021, 12:53 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,333
الدولة : Egypt
افتراضي رد: عون البصير على فتح القدير

عون البصير على فتح القدير (2)




أ. محمد خير رمضان يوسف






الجزء الثاني


(سورة البقرة 142 - 252)




142- ﴿ قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾.

وهو ما ترتضيهِ الحكمة، وتقتضيهِ المصلحة، من التوجهِ إلى بيتِ المقدسِ تارة، والكعبةِ أخرى. (البيضاوي).



143- ﴿ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيم ﴾.

﴿ رَّحِيمٌ ﴾ لا يضيعُ أجورهم. والرأفةُ أشدُّ من الرحمة، وجمعَ بينهما كما في ﴿ الرَّحْمـنِ الرَّحِيم ﴾. (النسفي).



144- ﴿ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُون ﴾.

﴿ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ﴾:معناهُ تحبُّها وتَقرُّ بها عينُك. (ابن عطية).

﴿ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُون ﴾ قال: تقدَّمَ تفسيرها. وقد قالَ في تفسيرها في الآية (140) من السورةِ نفسها: وعيدٌ شديد، وتهديدٌ ليس عليه مزيد، وإعلامٌ بأن الله سبحانهُ لا يتركُ عقوبتَهم على هذا الظلمِ القبيح، والذنبِ الفظيع.



148- ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾.

يعني أن اللهَ تعالى على جمعِكم بعدَ مماتِكم مِن قبوركم مِن حيثُ كنتم، وعلى غيرِ ذلكَ ممّا يشاءُ قدير، فبادروا خروجَ أنفسِكم بالصالحاتِ مِن الأعمالِ قبلَ مماتِكم، ليومِ بعثِكم وحشرِكم. (الطبري).



149- ﴿ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾.

هذا أمرٌ فيهِ تأكيد، فحيثُما خرجتَ وأينَما كنتَ أيُّها الرسول، توجَّهْ في صلاتِكَ نحوَ المسجدِ الحرام، فإنَّهُ القِبلةُ الخالصةُ التي رَضِيَها اللهُ لكم، وهوَ الثابتُ الموافِقُ للحكمة، وليسَ اللهُ بغافلٍ عنِ امتثالِكم وطاعتِكم، ولسوفَ يُجازيكم بذلك أحسنَ جزاء. (الواضح).



151- ﴿ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ﴾.

الزموا أيها العرب طاعتي، وتوجَّهوا إلى القبلةِ التي أمرتُكم بالتوجُّهِ إليها، لتنقطعَ حجَّةُ اليهودِ عنكم، فلا تكونُ لهم عليكم حجَّة، ولأتمَّ نعمتي عليكم وتهتدوا، كما ابتدأتُكم بنعمتي فأرسلتُ فيكم رسولاً إليكم منكم، وذلك الرسولُ الذي أرسلهُ إليهم منهم محمدٌ صلى الله عليه وسلم.

وأما قوله: ﴿ يَتْلُو عَلَـيْكُمْ آيَاتِنَا ﴾ فإنه يعني آياتِ القرآن، وبقوله: ﴿ وَيُزَكِّيكُمْ ﴾: ويطهِّركم من دنسِ الذنوب، ﴿ وَيُعَلِّـمُكُمُ الْكِتَابَ ﴾ وهو الفرقان، يعني أنه يعلِّمُهم أحكامَه، ويعني بالحكمة: السننَ والفقهَ في الدين.

وأما قوله: ﴿ وَيُعَلِّـمُكُمْ مَا لَـمْ تَكُونُوا تَعْلَـمُونَ ﴾ فإنه يعني: ويعلِّمُكم من أخبارِ الأنبياء، وقصصِ الأممِ الخالية، والخبرِ عمّا هو حادثٌ وكائنٌ من الأمورِ التي لم تكنِ العربُ تعلَمُها، فعَلِموها من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. فأخبرهم جلَّ ثناؤهُ أن ذلك كلَّهُ إنما يُدركونهُ برسولهِ صلى الله عليه وسلم. (الطبري، باختصار).



153- ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِين ﴾.

لم يبيِّنْ معنى الصبر. لكن قالَ في الآيةِ (155): الصبرُ أصلهُ الحبس.

وقد قالَ الفخرُ الرازي في تفسيره: هو قهرُ النفسِ على احتمالِ المكارهِ في ذاتِ الله تعالى، وتوطينُها على تحمُّلِ المشاقِّ وتجنبِ الجزع، ومَن حملَ نفسَهُ وقلبَهُ على هذا التذليلِ سهلَ عليه فعلُ الطاعاتِ وتحمُّلُ مشاقِّ العبادات، وتجنبُ المحظورات.



155- ﴿ وَبَشِّرِ الصَّابِرِين ﴾.

قالَ رحمَهُ الله: تقدَّمَ معنى البشارة. وقد قالَ في الآيةِ (25) من السورة: التبشير: الإخبارُ بما يظهرُ أثرهُ على البشَرة، وهي الجلدةُ الظاهرة، من البِشرِ والسرور.

وقد قالَ الإمامُ الطبريُّ في تفسيره: يا محمد، بشِّرِ الصابرين على امتحاني بما أمتحنُهم به، والحافظين أنفسَهم عن التقدمِ علـى نهيـي عمّا أنهاهم عنه، والآخذين أنفسَهم بأداءِ ما أكلِّفهم من فرائضي، مع ابتلائي إيّاهم بما ابتليتُهم به، القائلين إذا أصابتهم مصيبة: ﴿ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعون ﴾. فأمرَهُ الله تعالى ذكرهُ بأن يخصَّ بالبشارةِ على ما يمتحنُهم به من الشدائدِ أهلَ الصبرِ الذين وصفَ الله صفتَهم. وأصلُ التبشير: إخبارُ الرجلِ الرجلَ الخبرَ يَسرُّهُ أو يَسوؤه، لم يَسبقهُ به إلـيه غيره.



158- ﴿ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيم ﴾.

أي: يُثيبُ على القليلِ بالكثير، عليمٌ بقدرِ الجزاء، فلا يبخسُ أحداً ثوابَه، و﴿ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَـٰعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً ﴾ [سورة النساء: 40]. (ابن كثير).



160- ﴿ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾.

﴿ وَأَنَا ٱلتَّوَّابُ ﴾: الرجَّاعُ بقلوبِ عبادي المنصرفةِ عني إليّ، ﴿ ٱلرَّحِيمُ ﴾ بهم بعد إقبالهم عليّ. (البغوي).



162- ﴿ خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ ﴾.

أي: لا ينقصُ عمَّا هم فيه. (ابن كثير).



165- ﴿ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ﴾.

معناه: لرأوا وأيقَنوا أن القوةَ لله جميعاً. (البغوي).



167- ﴿ كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ﴾.

الحسرة: أعلَى درجاتِ الندامةِ والهمِّ بما فات، وهي مشتقةٌ من الشيءِ الحسير، الذي قد انقطعَ وذهبتْ قوته.. (ابن عطية).



170- ﴿ أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ ﴾.

يعني آباءَ هؤلاءِ الكفـارِ الذين مضَوا على كفرهم بالله العظيـم، لا يعقلون شيئاً من دينِ الله وفرائضهِ وأمرهِ ونهيه، فيُتَّبعون على ما سلكوا من الطريق، ويؤتَمُّ بهم في أفعالهم، ولا يَهتدونَ لرشدٍ فيَهتدي بهم غيرُهم، ويَقتدي بهم مَن طلبَ الدينَ وأرادَ الحقَّ والصواب.

يقولُ تعالى ذكرهُ لهؤلاء الكفـار: فكيف أيها الناسُ تتبعون ما وجدتُم عليه آبـاءكم فتَتركون ما يأمركم به ربُّكم وآبـاؤكم لا يعقلون من أمرِ الله شيئاً، ولا هم مُصيبون حقًّا ولا مدركون رشداً؟ وإنما يتَّبِعُ الـمُتَّبِعُ ذا المعرفةِ بـالشيءِ المستعملِ له في نفسه، فأما الجاهلُ فلا يتَّبِعهُ فيما هو به جاهلٌ إلا مَن لا عقلَ له ولا تميـيز. (الطبري).





171- ﴿ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ﴾.

قالَ رحمَهُ الله: تقدَّمَ تفسيرُ ذلك. ويعني قولَهُ تعالَى في الآيةِ (18) من السورةِ نفسها: ﴿ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُون ﴾. وقد قالَ هناك: الصمم: الانسداد، يقال: قناةٌ صمّاء: إذا لم تكنْ مجوَّفة، وصممتُ القارورة: إذا سددتُها، وفلانٌ أصمّ: إذا انسدَّتْ خروقُ مسامعه. والأبكم: الذي لا ينطقُ ولا يفهم، فإذا فهمَ فهو الأخرس. وقيل: الأخرسُ والأبكمُ واحد. والعمَى: ذهابُ البصر.

وقالَ ابنُ كثير في آخرِ الآية ﴿ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ أي: لا يعقلونَ شيئًا ولا يفهمونه.



174- ﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾.

قالَ في معنى العذابِ الأليم، في الآيةِ (10) من السورةِ نفسِها: الأليمُ: المؤلم، أي: الموجع.



175- ﴿ أُولَـئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ ﴾.

قالَ رحمَهُ الله: تقدَّمَ تحقيقُ معناه. ويعني الآيةَ (16) من السورة: ﴿ أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِين ﴾. وقد فصَّلَ القولَ في الجملةِ الأولى من الآية، ونقلَ الآثارَ في ذلك.

وقالَ ابنُ كثيرٍ رحمَهُ الله في تفسيرِ ما لم يفسره: أي: اعتاضوا عن الهدى، وهو نشرُ ما في كتبهم من صفةِ الرسول، وذكرُ مبعثه، والبشارةُ به من كتبِ الأنبياء، واتباعهُ وتصديقه، استبدلوا عن ذلك واعتاضوا عنه الضلالة، وهو تكذيبه، والكفرُ به، وكتمانُ صفاتهِ في كتبهم. ﴿ وَٱلْعَذَابَ بِٱلْمَغْفِرَةِ ﴾ أي: اعتاضوا عن المغفرةِ بالعذاب، وهو ما تعاطَوهُ من أسبابهِ المذكورة.



177- ﴿ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾.

لأنهم اتقَوا المحارم، وفعلوا الطاعات. (ابن كثير).



180- ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ ﴾.

قالَ: تقدَّمَ معناهُ قريبًا. ويعني في الآية (178) من السورة: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ﴾، وقد قالَ هناك: معناهُ فُرض، وأُثبت...



181- ﴿ إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيم ﴾.

﴿ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ ﴾ لما أوصَى به الموصِي، ﴿ عَلِيمٌ ﴾ بتبديلِ المبدِّل، أو سميعٌ لوصيِّته، عليمٌ بنيَّته. (البغوي).



182- ﴿ فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾.

﴿ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ﴾:... فلا حرجَ على من حضرَهُ فسمعَ ذلك منه أن يُصلحَ بينه وبين ورثته، بأن يأمرَهُ بـالعدلِ في وصيته، وأن ينهاهم عن منعهِ مما أذنَ الله له فـيه وأبـاحَهُ له.

﴿ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾: واللهُ غفورٌ رحيمٌ للموصي فيما كان حدَّثَ به نفسَهُ مِن الجنَفِ والإثم، إذا تركَ أنْ يأثمَ ويجنفَ في وصيته، فتجاوزَ له عمّا كان حدَّث به نفسَهُ من الجَور، إذ لم يُـمْضِ ذلك، رحيـمٌ بـالمصلحِ بين الموصي وبين مَن أرادَ أن يَحيفَ عليه لغيره، أو يأثمَ فيه له. (الطبري، بشيء من الاختصار).



184- ﴿ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾.

﴿ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ ما في الصومِ من الفضيلةِ وبراءةِ الذمَّة. وجوابهُ محذوف، دلَّ عليه ما قبله، أي: اخترتموه. وقيل: معناه: إن كنتم من أهلِ العلمِ والتدبرِ علمتُم أن الصومَ خيرٌ لكم من ذلك. (البيضاوي).



185- ﴿ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون ﴾.

ذكرَ أنه تقدَّمَ تفسيرهما.

والأُولَى في الآيةِ التي تسبقها، وفيها بيان معانٍ لغوية. قالَ البغويُّ رحمَهُ الله: ﴿ فَعِدَّةٌ ﴾ أي: فأُفطر، فعِدَّة، ﴿ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾ أي: فعليه عِدَّة. والعددُ والعِدَّةُ واحد. ﴿ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾ أي: غيرِ أيامِ مرضهِ وسفره.

﴿ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون ﴾. فسَّرهُ في الآيتين (52) و(56) من السورة، بما يناسبُ السياقَ من أحوالِ بني إسرائيل.

قالَ ابنُ كثيرٍ رحمَهُ الله: أي: إذا قمتم بما أمركم الله من طاعته، بأداءِ فرائضه، وتركِ محارمه، وحفظِ حدوده، فلعلكم أن تكونوا من الشاكرين بذلك.



187- ﴿ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُون ﴾.

أي: كما بيَّنَ هذه الحدودَ يُبَيِّنُ جميعَ الأحكامِ لتتَّقوا مجاوزتها. (القرطبي).



189- ﴿ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾.

قالَ رحمَهُ الله: تقدَّمَ تفسيرُ التقوى والفلاح.

﴿ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى ﴾ قالَ الطبري: ولكنَّ البرَّ من اتَّقَى الله فخافه، وتجنَّبَ محارمه، وأطاعَهُ بأداءِ فرائضهِ التي أمرَهُ بها.

﴿ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ غدًا إذا وقفتم بين يديه، فيجزيكم بأعمالِكم على التمامِ والكمال. (ابن كثير).



190- ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ .

﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ الذين يجاوزونَ حدوده، فـيستحلُّونَ ما حرَّمَهُ اللهُ علـيهم، مِن قتلِ هؤلاءِ الذين حرَّمَ قتلَهم، مِن نساءِ المشركينَ وذراريهم. (الطبري).



191- ﴿ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْوَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ

﴿ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ ﴾أي: واقتلوا – أيها المؤمنون – الذين يقاتلونكم من المشركين، في أيِّ مكانٍ تمكَّنتم من قتلِهم، وأبصرتم مقاتلَهم. (تفسير الطبري، باختصار).

﴿ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ: فإن اللهَ جعلَ ثوابَ الكافرينَ علـى كفرهم وأعمالهم السيئةِ القتلَ في الدنـيا والخزيَ الطويلَ في الآخرة. (الطبري).

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 11-01-2021, 12:53 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,333
الدولة : Egypt
افتراضي رد: عون البصير على فتح القدير



192- ﴿ فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيم .

أي: غفورٌ لما سلف، رحيمٌ بالعباد. (البغوي).



194- ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ .

﴿ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ في الانتصارِ لأنفسكم، وتركِ الاعتداءِ بما لم يرخصْ لكم فيه، ﴿ وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ بالنصرِ والعون. (روح المعاني).



195- ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾.

إنَّ اللهَ يريدُ الخيرَ بالمحسنين. (الواضح).



196- ﴿ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ﴾.

قالَ رحمَهُ الله: "تقدَّمَ الخلافُ في معناها".

وهو موجودٌ في أولِ الآية، كما أوردَ آثارًا في ذلك بآخرها.



199- ﴿ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾.

واستغفِروا اللهَ لذنوبكم، فإنه غفورٌ لها حينئذٍ، تفضُّلاً منه علـيكم، رحيـمٌ بكم. (الطبري).



203- ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾.

﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ فمجازيكم هو بأعمالِكم، المحسنَ منكم بإحسانه، والمسيءَ بإساءته، وموفٍ كلَّ نفسٍ منكم ما عملت، وأنتم لا تُظلَمون. (الطبري).



206- ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ ﴾.

أي: إذا وُعِظَ هذا الفاجرُ في مقالهِ وفعاله، وقيل له: اتقِ الله، وانزعْ عن قولِكَ وفعلك، وارجعْ إلى الحق... (ابن كثير).



208- ﴿ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾.

قالَ مطرِّف: أغشُّ عبادِ اللهِ لعبيدِ اللهِ الشيطانُ. (ابن كثير).



210- ﴿ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ﴾.

وإلى اللهِ يؤولُ القضاءُ بين خَلقهِ يومَ القيامةِ والحكمُ بينهم في أمورهم التي جرتْ في الدنيا، مِن ظلمِ بعضهم بعضًا، واعتداءِ المعتدي منهم حدودَ الله، وخلافِ أمره، وإحسانِ المحسنِ منهم، وطاعتهِ إيّاهُ فيما أمرَهُ به، فيفصلُ بين المتظالمين، ويجازي أهلَ الإحسانِ بالإحسان، وأهلَ الإساءةِ بما رأى، ويتفضَّلُ على مَن لم يكنْ منهم كافرًا فـيعفو... (الطبري).



213- ﴿ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾.

﴿ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ ﴾: ليبشِّروهم بالجزاءِ الحسنِ إنْ هم أطاعوا وثَبتوا على الحقّ، وليخوِّفوهم من العقابِ الشديدِ إنْ هم خالَفوا وعصَوا.

﴿ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾: واللهُ يَهدي مَن يشاءُ مِن خَلْقهِ إلى الطريقِ المستقيم، ممَّن يَعلَمُ فيهمُ الرغبةَ في اتِّباعِ الهُدَى وتقبُّلِ الحقّ. وهو الهادي إلى سواءِ السبيل. (الواضح).



214- ﴿ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾.

وإنَّ نصرَ اللهِ قريبٌ ممَّن صبرَ على مُكابدةِ المـَشاقّ، وجاهدَ حقَّ الجهاد، فكانَ أهلاً للنَّصر، وإنَّ مع العُسرِ يُسراً وتوفيقاً، ونَصراً وفرَجاً. (الواضح).



215- ﴿ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾.

قالَ رحمَهُ الله: تقدَّمَ الكلامُ في الأقربين واليتامَى والمساكين وابنِ السبيل. ويعني في الآيةِ (177) من السورة: ﴿ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ ﴾.

وقد قالَ هناك: قدَّمَ ﴿ ذَوِي الْقُرْبَى ﴾ لكونِ دفعِ المالِ إليهم صدقةً وصلةً إذا كانوا فقراء، وهكذا اليتامَى الفقراءُ أولَى بالصدقةِ من الفقراءِ الذين ليسوا بيتامَى، لعدمِ قدرتهم على الكسب. والمسكين: الساكنُ إلى ما في أيدي الناس، لكونهِ لا يجد شيئاً. وابنُ السبيل: المسافرُ المنقطع، وجُعِلَ ابناً للسبيلِ لملازمتهِ له. ا. هـ.

وما تُنفِقوا مِن أموالٍ على هؤلاءِ المـُحتاجين، وما تَفعلوا مِن الطَّاعاتِ والقُرُبات، يَعلَمْها الله، وسيَحفظُها لكم، ويُجازيكم عليها أفضلَ الجزاء. (الواضح).



216- ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾.

﴿ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ ذلك، فبادروا إلى ما يأمركم به؛ لأنه لا يأمركم إلا بما علم فيه خيراً لكم، وانتهوا عمّا نهاكم عنه؛ لأنه لا ينهاكم إلا عمّا هو شرٌّ لكم. (روح المعاني).



217- ﴿ وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾.

قال: تقدَّمَ الكلامُ في معنى الخلود. وقد مرَّ بلفظهِ في الآيةِ (39) ولم يفسره، وقالَ في الآيةِ (25): خالدون: يعني لا يموتون.



218- ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ

أُولئكَ يطمعونَ أنْ يرحمهم اللهُ فيُدخلهم جنَّتَهُ بفضلِ رحمتهِ إيّاهم، واللهُ ساترُ ذنوبِ عبـادهِ بعفوهِ عنها، متفضِّلٌ علـيهم بـالرحمة. (الطبري).



221- ﴿ وَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ

فكذلك أبيِّنُ لكم في سائرِ كتابي الذي أنزلتهُ على نبيِّي محمدٍ صلى الله عليه وسلم آياتي وحُجَجي وأوضِّحُها لكم، لتتفكروا في وعدي ووعيدي، وثوابي وعقابي، فتختاروا طاعتي التي تنالون بها ثوابي في الدارِ الآخرة، والفوزَ بنعيمِ الأبد، على القليلِ من اللذَّاتِ واليسيرِ من الشهوات، بركوبِ معصيتي في الدنيا الفانية، التي من ركبَها كان معادهُ إليّ، ومصيرهُ إلى ما لا قِبَلَ له به من عقابي وعذابي (الطبري).



223- ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ ﴾.

قال: مبالغةٌ في التحذير.

وقالَ الآلوسي رحمَهُ الله: ﴿ وَٱعْلَمُواْ أَنَّكُم مُّلَـٰقُوهُ ﴾ بالبعثِ فيجازيكم بأعمالكم، فتزوَّدوا ما ينفعكم. (روح المعاني).



228- ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيم ﴾.

أي: عزيزٌ في انتقامهِ ممن عصاهُ وخالفَ أمره، حكيمٌ في أمرهِ وشرعهِ وقدَره. (ابن كثير).



231- ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾.

﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ أي: فيما تأتونَ وما تذَرون، ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾: فلا يخفَى عليه شيءٌ مِن أمورِكم السريَّةِ والجهرية، وسيُجازيكم على ذلك. (ابن كثير).



232- ﴿ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ﴾.

أي: هذا الذي نهيناكم عنه، مِن منعِ الوَلايا أنْ يتزوَّجنَ أزواجهنَّ إذا تراضَوا بينهم بالمعروف، يأتمرُ به ويتَّعظُ به وينفعلُ له ﴿ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ ﴾ أيها الناسُ ﴿ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ﴾ أي: يؤمنُ بشرعِ الله، ويخافُ وعيدَ اللهِ وعذابَهُ في الدارِ الآخرةِ وما فيها من الجزاء (ابن كثير).



233- ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾.

وخافوا اللهَ فـيـما فرضَ لبعضِكم علـى بعضٍ من الحقوق، وفـيما ألزمَ نساءكم لرجالِكم، ورجالَكم لنسائكم، وفـيما أوجبَ علـيكم لأولادكم، فـاحذروهُ أنْ تخالفوهُ فتعتدوا في ذلك، وفي غيرهِ مِن فرائضهِ وحقوقهِ حدودَه، فتستوجبوا بذلكَ عقوبته، واعلموا أن اللهَ بما تعملونَ مِن الأعمالِ أيها الناس، سرِّها وعلانـيتِها، وخفـيِّها وظاهرها، وخيرِها وشرِّها، بصيرٌ، يراهُ ويعلـَمه، فلا يخفَى علـيه شيء، ولا يغيبُ عنه منه شيء، فهو يُحصي ذلكَ كلَّهُ علـيكم، حتى يجازيَكم بخيرِ ذلكَ وشرِّه. (الطبري).



234- ﴿ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾.

﴿ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾: واللهُ بما تعملونَ أيها الأولـياء، في أمرِ مَن أنتـم وليُّهُ مِن نسائكم، مِن عضلِهنَّ وإنكاحِهنّ ممَّن أردنَ نكاحَهُ بـالمعروف، ولغيرِ ذلكَ مِن أموركم وأمورهم، خبـير، يعني ذو خبرةٍ وعلـم، لا يخفَى علـيه منهُ شيء. (الطبري).



235- ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ﴾.

يعني أنه ذو سترٍ لذنوبِ عبـادهِ وتغطيةٍ علـيها، فـيما تكنُّه نفوسُ الرجال، مِن خِطبةِ الـمعتدَّات وذكرهم إيّاهنَّ في حالِ عِدَدِهنّ، وفي غيرِ ذلكَ مِن خطاياهم... (الطبري).



236- ﴿ وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ ﴾.

المرادُ بالمحسنين مَن شأنُهم الإحسانُ، أو الذين يُحسنونَ إلى أنفسِهم، بالمسارعةِ إلى الامتثال، أو إلى المطلَّقاتِ بالتمتيع (روح المعاني).



237- ﴿ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾.

وأنْ تعفوا أيها الناسُ بعضُكم عمّا وجبَ له قِبَلَ صاحبهِ من الصَّداقِ قَبلَ الافتراقِ عند الطلاق، أقربُ له إلى تقوَى الله. (الطبري).



240- ﴿ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾.

أي: واللهُ عزيزٌ في انتقامهِ ممَّن خالفَ أمرَهُ ونهيه، وتعدَّى حدودَهُ مِن الرجالِ والنساء... (الطبري).



241- ﴿ وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِين ﴾.

تفسيرُ الآية: وتُعطَى المطلَّقاتُ حقَّهُنَّ من المتعة، يعني من المال، كلٌّ بما يقدرُ عليهِ ممّا يوافقُ حالَهُ وكرمَهُ ومعاليَ أخلاقه، لتبقَى الأخوَّةُ الإسلاميَّةُ قائمة، ولئلّا تنقلبَ الأمورُ إلى عداوةٍ وبغضاء. وهو ما يعرفهُ الذين يخشَون ربَّهم فيما يأتون وما يذَرون. (الواضح).



243- ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ ﴾.

فلم يشكروا نعمتَهُ في جميعِ هذا، بل استبدُّوا، وظنوا أن حولَهم وسعيَهم يُنجيهم. وهذه الآيةُ تحذيرٌ لسائرِ الناسِ من مثلِ هذا الفعل، أي: فيجبُ أن يشكرَ الناسُ فضلَ الله في إيجادهِ لهم، ورزقهِ إياهم، وهدايتهِ بالأوامرِ والنواهي، فيكونُ منهم الجريُ إلى امتثالها، لا طلبُ الخروجِ عنها. وتخصيصهُ تعالى الأكثرَ دلالةً على الأقلِّ الشاكر. (ابن عطية).



244- ﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾.

يعني تعالى ذكره بذلك: ﴿ وَقَاتِلُواْ ﴾ أيها المؤمنون ﴿ فِى سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ يعني في دينهِ الذي هداكم له، لا في طاعةِ الشيطان، أعداءِ دينِكم، الصادِّين عن سبيلِ ربِّكم، ولا تجبنوا عن لقائهم، ولا تقعدوا عن حربهم، فإن بيدي حياتُكم وموتُكم، ولا يمنعنَّ أحدَكم من لقائهم وقتالهم حذرُ الموتِ وخوفُ المنيَّةِ على نفسهِ بقتالهم. ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾: واعلموا أن اللهَ سميعٌ لقولهم، وعليمٌ بهم وبغيرهم، وبما هم عليه مقيمونَ مِن الإيمانِ والكفر، والطاعةِ والمعصية، محيطٌ بذلكَ كلِّه، حتى أجازيَ كلاًّ بعمله، إنْ خيرًا فخيرًا، وإنْ شرًّا فشرًّا. (الطبري، باختصار).



246- ﴿ قَالُواْ وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِين ﴾.

﴿ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ ﴾: وأيُّ شيءٍ يمنعُنا أن نقاتلَ في سبيلِ الله عدوَّنا وعدوَّ الله؟

﴿ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقِتَالُ ﴾ يقول: فلمّا فُرِضَ عليهم قتالُ عدوِّهم والجهادُ في سبيله.

﴿ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِين ﴾: والله ذو علمٍ بمن ظلمَ منهم نفسَه، فأخلفَ اللهَ ما وعدَهُ من نفسه، وخالفَ أمرَ ربِّه فيما سألَهُ ابتداءً أن يوجبَهُ عليه. (الطبري).



248- ﴿ وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين ﴾.

ويَحمِلُ هذا التابوتَ ملائكةُ اللهِ وتَضعهُ عندَ طالوت.

وفي ذلكَ آيةٌ عظيمةٌ لكم وعبرة، تدلُّ على مُلكهِ عليكم، إنْ كنتم مصدِّقين بذلك. (الواضح).



249- ﴿ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِين ﴾.

قالوا: لا قدرةَ لنا على محاربتِهم؛ لكثرتِهم، فقالَ لهم علماؤهم والخُلَّصُ منهم، المؤمنون بلقاءِ اللهِ وحُسنِ ثوابِه: إنَّ جماعةً قليلةً، مؤمنةً في عقيدتِها وعزمِها وتوكُّلِها، تستمدُّ قوَّتَها من اللهِ ووعدهِ بالنَّصرِ والجزاءِ، ستَغلِبُ فئةً كبيرةً عدوَّةً لا تعتمدُ سِوى على قوَّتِها الظاهرة، بإذنِ اللهِ وتيسيرِه، فلا تُغني كثرتُهم مع خِذلانِ اللهِ لهم، ولا تَضرُّ قلَّةُ الفئةِ المؤمنةِ مع تأييدهِ ونصرهِ لهم، وإنَّ اللهَ سيثبِّتُ الفئةَ الصابرةَ ويَنصُرها، ويُمِدُّها بالمعونةِ والتوفيق، فتقدَّموا ولا تتوانَوا.

والمؤمنون مختلفونَ في قوَّةِ اليقينِ وقوَّةِ الإرادة. (الواضح).




250- ﴿ وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا ﴾.

يعنـي أن طالوتَ وأصحابَهُ قالوا: ﴿ رَبَّنا أفْرغْ عَلَـيْنا صَبْراً ﴾ يعني: أنزلْ علـينا صبراً. (الطبري).

﴿ قَالُواْ ﴾ جميعاً بعدَ أن قويتْ قلوبُ الضعفاء، متضرِّعين إلى الله تعالى، متبرِّئين من الحولِ والقوة: ﴿ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا ﴾ أي: صُبَّ ذلك علينا ووفِّقنا له. والمرادُ به حبسُ النفسِ للقتال. (روح المعاني).



251- ﴿ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ .

أي: مَنٍّ عليهم، ورحمةٍ بهم، يدفعُ عنهم ببعضهم بعضًا، وله الحكمُ والحكمة، والحجَّةُ على خَلقهِ في جميعِ أفعالهِ وأقواله. (ابن كثير).




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 11-01-2021, 12:55 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,333
الدولة : Egypt
افتراضي رد: عون البصير على فتح القدير

عون البصير على فتح القدير (3)




أ. محمد خير رمضان يوسف



الجزء الثالث

(سورة البقرة من الآية 255 حتى آخرها، سورة آل عمران 1 – 92)


255- ﴿لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء﴾.
﴿لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ﴾:إخبارٌ بأن الجميعَ عبيدهُ وفي ملكه، وتحت قهرهِ وسلطانه، كقوله: ﴿إِن كُلُّ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ إِلاَّ آتِى ٱلرَّحْمَـٰنِ عَبْداً . لَّقَدْ أَحْصَـٰهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً . وَكُلُّهُمْ ءَاتِيهِ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ فَرْداً﴾ [سورة مريم: 93 – 95]. (ابن كثير).
﴿وَلاَ يُحِيطُونَ﴾ قال: تقدَّم معنَى الإحاطة. ولعله يعني عند تفسيرِ الآيةِ (19) من السورة: ﴿واللّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِين﴾، فقال: والإحاطة: الأخذُ من جميعِ الجهات، حتى لا تفوتَ المحاطَ به بوجهٍ من الوجوه.
وقالَ الآلوسي رحمَهُ الله: الإحاطةُ بالشيءِ علماً: علمُهُ كما هو على الحقيقة، والمعنى: لا يعلمُ أحدٌ من هؤلاءِ كنهَ شيءٍ ما من معلوماتهِ تعالى ﴿إِلاَّ بِمَا شَاء﴾ أنْ يعلَم. (روح المعاني).

256- ﴿وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾.
والله سميعٌ إيمانَ المؤمنِ بالله وحده، الكافرِ بالطاغوت، عند إقرارهِ بوحدانيةِ الله وتبرُّئهِ من الأندادِ والأوثانِ التي تُعبَدُ من دونِ الله.
عليمٌ بما عزمَ عليه من توحيدِ الله وإخلاصِ ربوبيتهِ قلبَهُ، وما انطوَى عليه - من البراءة من الآلهةِ والأصنامِ والطواغيت - ضميرهُ، وبغيرِ ذلك مما أخفتْهُ نفسُ كلِّ أحدٍ مِن خَلقه، لا ينكتمُ عنه سرٌّ ولا يخفَى عليه أمر، حتى يجازيَ كلاً يومَ القيامةِ بما نطقَ به لسانهُ وأضمرتْهُ نفسه، إنْ خيراً فخيراً، وإنْ شرًّا فشرًّا (الطبري).

257- ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾.
حكمَ عليهم بالخلودِ في النارِ لكفرهم. (ابن عطية).

258- ﴿وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾.
قالَ رحمَهُ الله: تذييلٌ مقررٌ لمضمونِ الجملةِ التي قبله.
وأوردَ في آخرهِ قولَ السدِّي: ﴿وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ إلى الإيمان.
وقالَ ابنُ كثيرٍ رحمَهُ الله: أي: لا يُلهمُهم حجَّةً ولا برهانًا، بل ﴿حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾ [سورة الشورى: 16].

260- ﴿ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيم﴾.
﴿ثُمَّ ادْعُهُنَّ﴾: أمرَهُ الله عزَّ وجلَّ أن يدعوَهنَّ، فدعاهنَّ كما أمرَهُ الله عزَّ وجلّ.
﴿وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيم﴾ أي: عزيزٌ لا يَغلبهُ شيء، ولا يمتنعُ منه شيء، وما شاءَ كان بلا ممانع؛ لأنه العظيمُ القاهرُ لكلِّ شيء، حكيمٌ في أقوالهِ وأفعاله، وشرعهِ وقدَره. (ابن كثير).

261- ﴿مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيم﴾.
﴿يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ﴾: ينفقون أموالهم على أنفسهم في جهادِ أعداءِ الله بأنفسهم وأموالهم.
﴿وَاللهُ وَاسِعٌ﴾ أن يزيدَ من يشاءُ من خـَلقهِ المنفقـين في سبـيـله، علـى أضعافِ السبعمائةِ التي وعدَهُ أن يزيده، ﴿عَلِيمٌ﴾ مَن يستـحقُّ منهم الزيادة. (الطبري).

262- ﴿الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنًّا وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ﴾.
﴿الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ﴾ قالَ رحمَهُ الله: هذه الجملةُ متضمنةٌ لبيانِ كيفيةِ الإنفاقِ الذي تقدَّم.
وقالَ الإمامُ الطبري رحمَهُ الله في بيانها: يعني تعالى ذكره بذلك: المعطي مالَهُ المجاهدين في سبيلِ الله معونةً لهم على جهادِ أعداءِ الله. يقولُ تعالى ذكره: الذين يُعينون المجاهدين في سيبلِ الله بالإنفاقِ عليهم، وفي حمولاتهم، وغيرِ ذلك من مؤنهم.
﴿لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ﴾:لهم ثوابهم وجزاؤهم علـى نفقتهم التي أنفقوها في سبيلِ الله، ثم لم يُتبِعونها منًّا ولا أذى. (الطبري).

263- ﴿قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى﴾.
هذا إخبارٌ جزمٌ من الله تعالى أن القولَ المعروفَ - وهو الدعاءُ والتأنيسُ والترجيةُ بما عند الله - خيرٌ من صدقةٍ هي في ظاهرها صدقة، وفي باطنها لا شيء؛ لأن ذلك القولَ المعروفَ فيه أجر، وهذه لا أجرَ فيها. (ابن عطية).

264- ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى﴾: أيُّها المؤمِنون، لا تجعلوا صدقاتِكم تَذهبُ هباء، وذلكَ عندما تُتْبِعونَها بالمنِّ والأذَى، فإنَّ هذا الغلطَ منكم يُذهِبُ ثوابَ ما تصدَّقتم به.
﴿وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾: واللهُ لا يَهدِي الكافرين إلى الخيرِ والرُّشد، وهم لم يَطلبوا الهدايةَ والرشادَ من الله.
وفيهِ تعريضٌ بأنَّ كلاًّ من الرياءِ والمَنِّ والأذَى مِن خصائصِ الكفّار، فلا بدَّ للمؤمنينَ مِن أن يَتجنَّبوها (الواضح).

266- ﴿أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاء فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُون﴾.
﴿تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ﴾: قالَ في مثلها، في الآيةِ (25) من السورة: والجنات: البساتين، وإنما سمِّيت جناتٍ لأنها تجنُّ مَن فيها، أي: تسترهُ بشجرها، وهو: اسمٌ لدارِ الثوابِ كلِّها، وهي مشتملةٌ على جناتٍ كثيرة. والأنهارُ جمعُ نهر، وهو: المجرَى الواسع، فوق الجدولِ ودون البحر، والمراد: الماءُ الذي يجري فيها. وأُسنِدَ الجريُ إليها مجازاً، والجاري حقيقةً هو الماء، كما في قولهِ تعالى: ﴿وَٱسْئَلِ ٱلْقَرْيَةَ﴾ [سورة يوسف: 82] أي: أهلَها، وكما قالَ الشاعر:
ونبئتُ أن النّارَ بعدكَ أُوقِدَتْ *** واستبَّ بعدَكَ يا كُليبُ المْجلِسُ
والضميرُ في قوله: ﴿مِن تَحْتِهَا﴾ عائدٌ إلى الجنات؛ لاشتمالها على الأشجار، أي: من تحتِ أشجارها. ا. هـ.
﴿وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاء﴾: يعني أن صاحبَ الجنةِ أصابَه الكِبَر، ﴿وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ﴾: صغارٌ أطفـال.
﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُون﴾: كما بـيَّنَ لكم ربُّكم تبـاركَ وتعالَى أمرَ النفقةِ في سبـيـله، وكيف وجَّهها، وما لكم وما لـيسَ لكم فعلهُ فـيها، كذلكَ يبـيِّنُ لكم الآياتِ سوَى ذلك، فـيعرِّفُكم أحكامَها، وحلالَها وحرامَها، ويوضِّحُ لكم حُجَجَها، إنعامًا منه بذلك علـيكم، ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ﴾ يقول: لتتفكَّروا بعقولِكم فتتدبَّروا وتعتبروا بحججِ اللهِ فيها، وتعملوا بما فـيها من أحكامِها، فتطيعوا الله به. (الطبري).

267- ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ حَمِيد﴾.
﴿وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ﴾ عن صدقاتكم، ﴿حَمِيدٌ﴾: محمودٌ في أفعاله. (البغوي).

268- ﴿وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾.
عليمٌ بنفقاتِكم وصدقاتِكم التـي تُنفقونَ وتَصدَّقون بها، يُحصيها لكم حتـى يجازيَكم بها عند مقدمِكم علـيه في آخرتِكم. (الطبري).

269- ﴿يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَاب﴾.
يعني بذلك جلَّ ثناؤه: يؤتي اللهُ إصابةَ الصوابِ في القولِ والفعلِ مَن يشاء، ومَن يؤتهِ اللهُ ذلكَ فقد آتاهُ خيراً كثيراً.
﴿وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَاب﴾: يعني بذلك جلَّ ثناؤه: وما يتعظُ بما وَعظَ به ربُّهُ في هذه الآياتِ التي وَعظ فيها المنفقين أموالَهم بما وَعظَ به غيرَهم فيها وفي غيرها من آي كتابه، فيذكرُ وعدَهُ ووعيدَهُ فيها، فينزجرُ عمّا زجرَهُ عنه ربُّه، ويطيعهُ فيما أمرَهُ به، ﴿إِلاَّ أُولُوا أَلالْبَابِ﴾ يعني: إلا أولو العقول، الذين عقلوا عن الله عزَّ وجلَّ أمرَهُ ونهيَه. فأخبرَ جلَّ ثناؤهُ أن المواعظَ غيرُ نافعةٍ إلا أولي الحِجا والحلوم، وأن الذكرَى غيرُ ناهيةٍ إلا أهلَ النُّهَى والعقول. (الطبري).

270- ﴿وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِّن نَّذْرٍ﴾.
يعني بالنذر: ما أوجبَهُ المرءُ على نفسه، تبرُّراً في طاعةِ الله وتقرُّباً به إليه، من صدقةٍ أو عملِ خير. (الطبري).

271- ﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾.
أي: لا يخفَى عليه مِن ذلكَ شيء، وسيجزيكم عليه. (ابن كثير).

272- ﴿وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ﴾.
لا تنقصونَ من ثوابِ أعمالِكم شيئًا. (البغوي).

273- ﴿وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيم﴾.
وعدٌ محض، أي: يعلمهُ ويُحصيه، ليجازيَ عليه ويُثيب. (ابن عطية).

274- ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾.
﴿فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ﴾ أي: يومَ القيامة، على ما فعلوا من الإنفاقِ في الطاعات.
﴿وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ بيَّنها الشوكاني رحمهُ الله في الآية (38) من السورة: ﴿فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾، قال: ﴿فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾ يعني في الآخرة، ﴿وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ يعني لا يحزنون للموت.

276- ﴿وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيم﴾.
متمادٍ في الإثمِ فيما نهاهُ عنه، من أكلِ الربا والحرامِ وغيرِ ذلك من معاصيه، لا ينزجرُ عن ذلك، ولا يرعوي عنه، ولا يتَّعظُ بموعظةِ ربِّهِ التي وعظَهُ بها في تنزيلهِ وآي كتابه. (الطبري).

277- ﴿إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾.
ذكرَ أنه تقدَّمَ تفسيرها. يعني متفرقة.
وتفسيرها: إنَّ الذينَ آمنوا وأتْبَعُوا إيمانَهم بالأعمالِ الصالحة، فأطاعوا ربَّهم، وشكروا لهُ نِعَمَهُ عليهم، ورَضُوا بما قَسَمَ لهم من الحلال، وأحسَنوا إلى خَلْقه، وداوموا على صلواتِهم، وأعطَوا زكاةَ أموالِهم للفقراءِ والمحتاجين، لهم جميعاً الجزاءُ العظيمُ عند ربِّهم، ولا خوفٌ عليهم يومَ الحساب، في مقابلِ التخبُّطِ والهلعِ الذي يُصيبُ المـُرابي، ولا هم يَحزنونَ على ما فاتَهم منَ الدُّنيا، فهم في مكانٍ أجلّ، ونعيمٍ أعظم، وسعادةٍ لا تُوصَفُ ولا تُقارَنُ بما في الدنيا. (الواضح).

281- ﴿ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾.
﴿وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ﴾ بنقصِ ثوابٍ وتضعيفِ عقاب. (البيضاوي).

282- ﴿وَلاَ تَسْأَمُوْاْ أَن تَكْتُبُوْهُ صَغِيرًا أَو كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللّهِ وَأَقْومُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُواْ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم﴾.
﴿إِلَى أَجَلِهِ﴾:إلى أجَلِ الحقّ، فإن الكتابَ أحصَى للأجل والمال.
﴿وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم﴾: يعني مِن أعمالِكم وغيرها، يُحصيها علـيكم لـيجازيَكم بها. (الطبري).

283- ﴿وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾.
عليمٌ بما تعملونَ في شهادتكم، مِن إقامتِها والقيامِ بها، أو كتمانكم إيّاها عند حاجةِ مَن استشهدكم إليها، وبغيرِ ذلك من سرائرِ أعمالكم وعلانيتها عليمٌ، يُحصيهِ عليكم ليجزيَكم بذلك كلِّهِ جزاءَكم، إمّا خيرًا وإمّا شرًّا، على قدرِ استحقاقِكم (الطبري).

284- ﴿لِّلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير﴾.
﴿لِّلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ﴾ قال: تقدَّمَ تفسيره. ولعله يعني الآيةَ (116) من السورة: ﴿بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾. وقد قالَ هناك: ردٌّ على القائلين بأنه اتخذَ ولداً، أي: بل هو مالكٌ لما في السماواتِ والأرض، وهؤلاء القائلون داخلون تحتَ ملكه..
﴿فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير﴾: فـيعرِّفُ مؤمنَكم تفضُّلَهُ بعفوهِ عنه ومغفرتهِ له، فـيغفرهُ له، ويعذِّب منافقَكم على الشكِّ الذي انطوتْ عليه نفسهُ في وحدانيةِ خالقهِ ونبوَّةِ أنبـيائه. واللهُ عزَّ وجلَّ على العفوِ عمّا أخفتهُ نفسُ هذا المؤمنِ من الهمَّةِ بالخطيئة، وعلى عقابِ هذا الكافرِ على ما أخفتهُ نفسهُ من الشكِّ في توحيدِ الله عزَّ وجلَّ ونبوَّةِ أنبيائه، ومجازاةِ كلِّ واحدٍ منهما على ما كان منه، وعلى غيرِ ذلك من الأمور، قادرٌ. (الطبري).

سورة آل عمران

2- ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ
ذكرَ أنه تقدَّمَ تفسيرُ ﴿الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾، ويعني في تفسيرِ آيةِ الكرسي (الآية 255 من سورة البقرة)، قالَ هناك رحمهُ الله:﴿الْحَيُّ﴾: الباقي، و﴿الْقَيُّومُ﴾: القائمُ على كلِّ نفسٍ بما كسبت. وأوردَ أقوالًا أخرى في معناهما.

4- ﴿مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ﴾.
بـيانًا للناسِ من الله، فيما اختلفوا فـيه، من توحيدِ الله، وتصديقِ رُسله، ومفـيداً يا محمدُ أنك نبيِّي ورسولي، وفي غيرِ ذلك من شرائعِ دينِ الله. (الطبري).

6- ﴿هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
أي: هو الذي خلق، وهو المستحقُّ للإلهيةِ وحدَهُ لا شريكَ له، وله العزَّةُ التي لا تُرام، والحِكمةُ والإحكام. (ابن كثير).

8- ﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾.
﴿رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا﴾: يعني أنهم يقولون رغبةً منهم إلى ربِّهم، في أن يَصرفَ عنهم ما ابتلَـى به الذين زاغتْ قلوبُهم، من اتِّبـاعِ متشابهِ آي القرآنِ ابتغاءَ الفتنةَ وابتغاءَ تأويـله، الذي لا يعلمهُ غيرُ الله، يا ربَّنا لا تجعلنا مثلَ هؤلاء الذين زاغتْ قلوبُهم عن الحقِّ فصدُّوا عن سبيلك.
﴿إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾: إنكَ أنتَ المـُعطي عبادكَ التوفيقَ والسداد، للثباتِ على دينك، وتصديقِ كتابِكَ ورسُلِك (الطبري).

9- ﴿رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ.
قال: تقدَّمَ تفسيرُ الريب. وقد فسَّرَهُ في الآيةِ الثانيةِ من السورةِ بما يناسبُ الآية: ﴿ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ﴾ فقال: أي: لا مبدِّلَ له. ثم نقلَ من الطبريِّ رحمَهُ الله آثارًا في ذلك، تفيدُ بأن الريبَ معناهُ الشكّ.

11- ﴿فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ
يهلكون ويعذَّبون كما جرَى لآلِ فرعونَ ومَن قبلَهم من المكذِّبين للرسلِ فيما جاؤوا به من آياتِ الله وحُجَجه، ﴿وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ﴾ أي: شديدُ الأخذ، أليمُ العذاب، لا يمتنعُ منه أحد، ولا يفوتهُ شيء، بل هو الفعَّال لما يريد، الذي قد غلبَ كلَّ شيء، وذَلَّ له كلُّ شي، لا إلهَ غيره، ولا ربَّ سواه. (ابن كثير).

12- ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ.
الحشر: الجمعُ والإحضار، وقوله ﴿وَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾ يعني جهنم، هذا ظاهرُ الآية، وقال مجاهد: المعنى: بئسَ ما مهَّدوا لأنفسهم، فكأن المعنى: وبئسَ فعلُهم الذي أدَّاهم إلى جهنم. (ابن عطية).

13- ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لَّأُوْلِي الأَبْصَار﴾.
لمن له بصيرةٌ وفهمٌ يَهتدي به إلى حكمةِ الله وأفعاله، وقدرهِ الجاري بنصرِ عبادهِ المؤمنين في هذه الحياةِ الدنيا، ويومَ يقومُ الأشهاد. (ابن كثير).

14- ﴿وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآب﴾.
أي: المرجعُ الحسَن. (روح المعاني).

15- ﴿لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾.
إنَّهُ مِن نصيبِ عبادِ اللهِ المتَّقين، الذين آمنوا باللهِ وقاموا بالأعمالِ الصَّالحة.
فهؤلاءِ لهم عند ربِّهم جنانٌ جميلة، واسعةٌ رائعة، تجري من تحتِها جداولُ المياهِ والأنهارُ العذبة، ومنها ما يجري بالعسلِ واللبنِ وأنواعِ الأشرِبة، وفيها ما لم يرَهُ الإنسانُ وما لم يسمعْ به، مع حياةٍ دائمةٍ هنيئة، لا نَغْصَ فيها ولا انقطاع.
ولهم فيها أزواجٌ مطهَّراتٌ من الأذَى الذي يعتري نساءَ الدنيا، وحورٌ عِينٌ جميلاتٌ محبَّباتٌ إلى النُّفوس، وفوقَ كلِّ ذلكَ رضوانُ الله، فلا سخَطَ عليهم بعدَهُ أبداً.
واللهُ بصيرٌ بأعمالِ عبادهِ ونيّاتِهم وتوجُّهاتِهم في الدنيا، خبيرٌ بميولِهم ونوازعِهم، وهو يعطي كلاًّ بحسبِ ما عملَ واجتهدَ وأخلَص. (الواضح).

16- ﴿رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾.
إننا صدَّقنا بكَ وبنبـيِّك، وما جاءَ به من عندك، فـاسترْ علـينا بعفوِكَ عنها، وتركِكَ عقوبتَنا علـيها، وادفعْ عنا عذابكَ إيّانا بـالنارِ أن تعذِّبَنا بها.
وإنما معنَى ذلك: لا تعذِّبْنا يا ربَّنا بـالنار.
وإنما خصُّوا المسألةَ بأن يقيَهم عذابَ النار، لأن من زُحزِحَ يومئذٍ عن النارِ فقد فـازَ بـالنجاةِ من عذابِ النارِ وحُسنِ مآبه. (الطبري، باختصار).

17- ﴿الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَار﴾.
الإنفاقُ معناهُ في سبيلِ اللهِ ومظانِّ الأجر، كالصلةِ للرحمِ وغيرها، ولا يختصُّ هذا الإنفاقُ بالزكاةِ المفروضة. (ابن عطية).

18- ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾.
يعنـي بالعزيز: الذي لا يمتنعُ عليه شيءٌ أراده، ولا ينتصرُ منه أحدٌ عاقبَهُ أو انتقمَ منه.
الحكيمُ في تدبيره، فلا يدخـلهُ خـلَل. (الطبري).

20- ﴿فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ﴾.
﴿وَمَنِ اتَّبَعَنِ﴾:يعني: وأسلـمَ من اتَّبعني أيضاً وجهَهُ لله معي.
﴿فَإِنْ أَسْلَمُواْ﴾:فإن انقادوا لإفرادِ الوحدانـيةِ لله، وإخلاصِ العبـادةِ والألوهةِ له. (الطبري).
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 11-01-2021, 12:55 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,333
الدولة : Egypt
افتراضي رد: عون البصير على فتح القدير


21- ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾.
إنَّ الذين كفروا بدينِ اللهِ وما أنزلَهُ من آياتٍ بيِّناتٍ، فآثروا الكفرَ على الإيمان، وارتكبوا المآثمَ بتكذيبِهم رسلَه، وخالفوهم استكباراً وعناداً، ولم يكتفوا بهذا، بل قتلوا بعضَ أنبياءِ اللهِ الكرام، ولا جريمةَ لهم في ذلك سوى دعوتِهم إلى الحقّ! ثم شهروا السُّيوفَ ضدَّ من يأمرُهم بالعدلِ واتِّباعِ الصِّراطِ المستقيم، وينهاهُم عن المنكرِ والبغي والجهالة، مادامَ ذلكَ لا يوافقُ أهواءَهم وضلالاتِهم، تكبُّراً واستعلاءً على الحقِّ والهدَى. إذاً فبشِّرهم بذلَّةٍ وصَغار، وعذابٍ قريبٍ ينالُهم. (الواضح).

22- ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾.
وما لهؤلاءِ القومِ من ناصرٍ ينصرُهم من اللهِ إذا هو انتقمَ منهم بما سلفَ من إجرامِهم واجترائهم علـيه فـيستنقذهم منه (الطبري).

23- ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوْتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ﴾.
أي: ليفصلَ الحقَّ من الباطلِ بين الذين أوتوا - وهم اليهود - وبين الداعي لهم - وهو النبيُّ صلى الله عليه وسلم - في أمرِ إبراهيمَ عليه السلام، أو في حكمِ الرجم، أو في شأنِ الإسلام، أو بين مَن أسلمَ منهم ومن لم يُسلم، حيثُ وقعَ بينهم اختلافٌ في الدينِ الحقّ... (روح المعاني).

26- ﴿إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.
... لأنكَ على كلِّ شيءٍ قديرٌ دونَ سائرِ خَلقك، ودونَ مَن اتَّخذهُ المشركونَ من أهلِ الكتابِ والأميينَ من العربِ إلهًا وربًّا يعبدونَهُ من دونك، كالمسيح، والأندادِ التي اتَّخذها الأميونَ ربًّا (الطبري، باختصار).

29- ﴿وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.
واللهُ قديرٌ علـى معاجلتِكم بالعقوبةِ علـى موالاتِكم إيّاهم، ومظاهرتِكموهم علـى المؤمنـين، وعلـى ما يشاءُ مِن الأمورِ كلِّها، لا يتعذَّر عليه شيءٌ أراده، ولا يمتنعُ علـيه شيءٌ طلبه. (الطبري).

30- ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا﴾.
يعني يومَ القيامةِ يُحضَرُ للعبدِ جميعُ أعماله، من خيرٍ ومن شرّ، كما قالَ تعالى: ﴿يُنَبَّأُ ٱلإِنسَانُ يَوْمَئِذِ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ﴾ [سورة القيامة: 13]، فما رأى من أعمالهِ حسناً سرَّهُ ذلك وأفرحه، وما رأى من قبيحٍ ساءَهُ وغاظه... (ابن كثير).

31- ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
﴿يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ﴾: أكثرُ المتأخرين على أن مثلَ ذلك جوابُ شرطٍ مقدَّر، أي: إنْ تتبعوني يحببكم، أي: يقرِّبكم. رواهُ ابن أبـي حاتم عن سفيان بن عُيينة. وقيل: يرضَ عنكم. ﴿وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾ أي: يتجاوزْ لكم عنها، ﴿وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ أي: لمن تحبَّبَ إليه بطاعته، وتقرَّبَ إليه باتِّباعِ نبيِّهِ صلَّى الله عليه وسلَّم. (روح المعاني، باختصار).

32- ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾.
أي: تخالَفوا عن أمره. (ابن كثير).

33- ﴿إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِين﴾.
ذكرَ أنه تقدَّمَ تفسيره. وقد قالَ في الآيةِ الثانيةِ من سورةِ الفاتحة: ﴿الْعَالَمِين﴾: جمعُ العالم، وهو: كلُّ موجودٍ سوى اللهِ تعالى. قالَهُ قتادة.

34- ﴿ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
﴿وَاللَّهُ سَمِيعٌ﴾ لأقوالِ العباد، ﴿عَلِيمٌ﴾ بأفعالهم وما تكنُّهُ صدورهم، فيصطفي من يشاءُ منهم. (روح المعاني).

35- ﴿إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيم﴾.
قالَ الإمامُ الطبري في معنى النذرِ في الآيةِ (270) من سورةِ البقرة: ما أوجبَهُ المرءُ على نفسه، تبرُّراً في طاعةِ الله وتقرُّباً به إليه، من صدقةٍ أو عملِ خير.
﴿إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ﴾ لسائرِ المسموعات، فتسمعُ دعائي، ﴿ٱلْعَلِيمُ﴾ بما كان ويكون، فتعلمُ نيتي. (روح المعاني).

37- ﴿إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَاب﴾.
قوله: ﴿بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ أي: بغيرِ تقدير؛ لكثرته، أو من غيرِ مسألةٍ سألها، على سبيلٍ يناسبُ حصولها، وهذا كقوله: ﴿وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ﴾ [سورة الطلاق: 3]. (مفاتيح الغيب).

38- ﴿إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ
أي: سامعه، وقيل: مجيبه. (البغوي).

39- ﴿فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ﴾.
وهو قائمٌ يصلي في محرابِ عبادته، ومحلُّ خلوته، ومجلسُ مناجاته وصلاته. (ابن كثير).

44- ﴿ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ﴾.
أي: من أخبارِ الغيب (البغوي)، والغيب: ما غابَ عن مداركِ الإنسان. (ابن عطية).

45- ﴿إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِين﴾.
﴿قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ﴾: ... فقالوا لها: إنَّ اللهَ يبشِّرُكِ بولدٍ تَلِدينَهُ بأمرٍ من اللهِ وكلمةٍ منه، هي "كُنْ"، فيكون. (الواضح).
﴿وَمِنَ الْمُقَرَّبِين﴾: يعني أنه ممن يقرِّبهُ اللهُ يومَ القيامةِ فيُسكِنهُ في جوارهِ ويُدنيهِ منه (الطبري).

47- ﴿قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ
أي: هكذا أمرُ اللهِ عظيم، لا يُعجِزهُ شيء.
وصرَّحَ هاهنا بقوله: ﴿يَخْلُقُ، ولم يقل: "يفعل" كما في قصةِ زكريا، بل نصَّ هاهنا على أنه يخلق، لئلاّ يُبقي لمبطلٍ شبهة.. (ابن كثير).

49- ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ
يعني بذلك جلَّ ثناؤه: إن في خلقي من الطينِ الطيرَ بإذنِ الله، وفي إبرائي الأكمهَ والأبرص، وإحيائي الموتَى، وإنبائي إيّاكم بما تأكلون وما تدَّخرون في بـيوتكم، ابتداءً من غيرِ حسابٍ وتنـجيـم، ولا كهانةٍ وعرافة؛ لعبرةً لكم، ومتفكَّرًا تتفكَّرونَ في ذلك، فتعتبرونَ به أني مُـِحقٌّ في قولي لكم: إني رسولٌ مِن ربِّكم إلـيكم، وتعلمونَ به أني فيما أدعوكم إلـيه مِن أمرِ اللهِ ونهيهِ صادق، ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ يعني: إنْ كنتـم مصدِّقينَ حُجَجَ اللهِ وآياته، مقرِّينَ بتوحيدهِ ونبـيِّهِ موسى، والتوراةِ التي جاءَكم بها. (الطبري).

50- ﴿وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ.
﴿وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ: وأُرسِلتُ إليكم لأُصَدِّقَ ما في التوراةِ، وأُحييَ ما بها مِن أحكام..
﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ: فالتزِموا طاعةَ اللهِ واجتنِبوا معصيتَه، وأطيعوني فيما آمرُكم بهِ وأنهاكم عنه. (الواضح).

51- ﴿إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ.
واللهُ ربِّي وربُّكم، فكِلانا نخضعُ لهُ بالعبوديَّة والطَّاعة، فاثبُتوا على عبادتهِ وطاعتِه، فإنَّهُ الطريقُ الصَّحيحُ الذي يُقيمُ عليه المؤمنون المتَّقون. (الواضح).

56-﴿فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ
وما لهم مِن عذابِ اللهِ مانع، ولا عن أليمِ عقابهِ لهم دافعٌ بقوَّةٍ ولا شفـاعة، لأنه العزيزُ ذو الانتقام. (الطبري).

57- ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ.
وأمّا مَن آمنَ باللهِ ورسلِه، وأتْبَعَ إيمانَهُ بالعملِ الصالحِ كما يَفعلُ المؤمنون، فسوفَ يعطيهم اللهُ ثوابَ أعمالِهم كاملاً، في الدُّنيا بالنَّصرِ والظفَر، وفي الآخرةِ بالنَّعيمِ المقيم. واللهُ يَبغُضُ الكافرين الذين يؤثِرونَ الغَيَّ والضَّلالَ على الإيمانِ والهُدَى، ولن يَرحمَهم. (الواضح).

58- ﴿ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيم.
أي: هذا الذي قصصنا عليكَ يا محمدُ في أمرِ عيسى ومبدأ ميلادهِ وكيفيةِ أمره، وهو مما قالَهُ تعالى، وأوحاهُ إليك، ونزَّلَهُ عليكَ من اللوحِ المحفوظ، فلا مريةَ فيه ولا شكَ، كما قال تعالى في سورةِ مريم: ﴿ذٰلِكَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ ٱلْحَقِّ ٱلَّذِى فِيهِ يَمْتُرُونَ . مَا كَانَ للَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَـٰنَهُ إِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ. [الآيتان 34، 35]. (ابن كثير).

60- ﴿الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُن مِّن الْمُمْتَرِين.
هم الشاكُّون، والمرية: الشكّ، ونهيُ النبيِّ عليه السلامُ في عبارةٍ اقتضت ذمَّ الممترين، وهذا يدلُّ على أن المرادَ بالامتراءِ غيره. ولو قيل: "فلا تكنْ ممترياً" لكانت هذه الدلالةُ أقل، ولو قيل: "فلا تمترِ" لكانت أقلّ. ونهيُ النبيِّ عليه السلامُ عن الامتراءِ مع بُعدهِ عنه، على جهةِ التثبيتِ والدوامِ على حاله. (ابن عطية).

61- ﴿ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِين.
الابتهال: الالتعان، يقال: عليه بهلةُ الله، أي لعنته، ﴿فَنَجْعَل لَّعْنَتَ ٱللَّهِ عَلَى ٱلْكَـٰذِبِينَ منّا ومنكم في أمرِ عيسى. (البغوي).

62- ﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
... والنبأ ﴿ٱلْحَقُّ﴾ فـاعلـمْ ذلك، واعلـمْ أنه لـيسَ للخـلقِ معبودٌ يستوجبُ علـيهم العبـادةَ بملكهِ إياهم إلا معبودكَ الذي تعبده (الخطابُ لرسولنا صلى الله عليه وسلم).
ويعنـي بقوله ﴿العَزِيزُ﴾: العزيزُ في انتقامهِ ممَّن عصاه، وخالفَ أمره، وادَّعى معه إلهًا غيره، أو عبدَ ربًّـا سواه. ﴿الـحَكِيـمُ﴾ في تدبـيره، لا يدخـلُ ما دبَّرهُ وهْن، ولا يلحقهُ خـلَل (الطبري).

63- ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ﴾.
﴿فَإِنْ تَوَلَّوْاْ﴾ أي: عن هذا إلى غيره، ﴿فَإِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِٱلْمُفْسِدِينَ﴾ أي: مَن عدلَ عن الحقِّ إلى الباطل، فهو المفسد، والله عليمٌ به، وسيجزيهِ على ذلك شرَّ الجزاء، وهو القادرُ الذي لا يفوتهُ شيء، سبحانهُ وبحمده، ونعوذُ به من حلولِ نقمته. (ابن كثير).

64- ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا.
﴿أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا: لا وثنًا، ولا صنمًا، ولا صليبًا، ولا طاغوتًا، ولا نارًا، ولا شيئًا. بل نُفردُ العبادةَ للهِ وحدَهُ لا شريكَ له. وهذه دعوةُ جميعِ الرسل. (ابن كثير).

66- ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾.
وأنتم لا تعلـمون من ذلك إلا ما عاينتُم فشاهدتُم، أو أدركتُم علمَهُ بـالإخبـارِ والسماع. (الطبري).

67- ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾.
ذكرَ أنه تقدَّمَ تفسيرُ الحنيف، ويعني في الآية (135) من سورة البقرة، وقد قالَ هناك: الحنيف: المائلُ عن الأديانِ الباطلةِ إلى دينِ الحق. ا.هـ.
وتفسيرُ الآية: والحقُّ أنَّ إبراهيمَ ما كانَ يهوديًّا ولا نصرانيًّا، ولكنَّهُ كانَ مسلماً، مائلاً عن كلِّ ملَّةٍ إلى الإسلام، وما كانَ مشركاً مثلَكم. (الواضح).

68- ﴿وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ.
واللهُ ناصرُ المؤمنـينَ بمـحمدٍ المصدِّقينَ له في نبوَّته، وفيما جاءَهم به مِن عندهِ على مَن خالفَهم مِن أهلِ الـمِلَل والأديان. (الطبري).

69- ﴿وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ.
قالَ ابنُ كثير: وهم لا يشعرون أنهم ممكورٌ بهم.
وقالَ ابنُ عطية: ثم أعلمَ أنهم لا يشعرون أنهم لا يصلون إلى إضلالكم.

71- ﴿يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُون.
﴿وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ أن محمَّداً صلَّى الله عليه وسلم ودينَهُ حقّ. (البغوي).

73- ﴿قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ.
... يعطيهِ مَن يشاءُ مِن خَلقه، واللهُ ذو سَعةٍ بفضلهِ على من يشاءُ أنْ يتفضَّلَ عليه، ذو علمٍ بمن هو منهم للفضلِ أهل. (الطبري، باختصار).

74- ﴿يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾.
يقول: ذو فضلٍ يتفضَّلُ به علـى من أحبَّ وشاءَ مِن خـلقه. ثم وصفَ فضلَهُ بـالعِظَم، فقال: فضلهُ عظيـمٌ لأنه غيرُ مشبَّهٍ في عِظَمِ موقعهِ مـمَّن أفضلَهُ علـيه أفضالَ خـلقه، ولا يقاربهُ في جلالةِ خطرهِ ولا يدانـيه (الطبري).

75- ﴿وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُون.
ذمٌّ لبني إسرائيلَ بأنهم يكذبون على الله تعالى في غيرِ ما شيء، وهم علماءُ بمواضعِ الصدقِ لو قصدوها، ومن أخطرِ ذلك أمرُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم. هذا قولُ جماعةٍ من المتأولين.
ورُوي عن السدِّي وابن جريج وغيرهما، أن طائفةً من أهلِ الكتابِ ادَّعتْ أن في التوراةِ إحلالَ اللهِ لهم أموالَ الأميين كذباً منها، وهي عالمةٌ بكذبها في ذلك. قالا: والإشارةُ بهذه الآيةِ إلى ذلك الكذبِ المخصوصِ في هذا الفصل. (ابن عطية).

76- ﴿بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ.
أي: ولكنْ مَن أوفَى ﴿بِعَهْدِهِ أي: بعهدِ الله الذي عهدَ إليه في التوراة، من الإِيمانِ بمحمدٍ صلَّى الله عليه وسلم والقرآنِ وأداءِ الأمانة. وقيل: الهاءُ في (عهدهِ) راجعةٌ إلى الموفي. ﴿وَٱتَّقَى الكفرَ والخيانةَ ونقضَ العهدِ. (البغوي).

77- ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ.
﴿ثَمَنًا قَلِيلًا:الأعواضُ النزرةُ أو الرشا، ووصفَ ذلك بالقلةِ لقلَّتهِ في جنبِ ما يفوتُهم من الثواب، ويحصلُ لهم من العقاب. (منتخب من روح المعاني).
﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ:أي: مؤلمٌ موجع. والظاهرُ أن ذلك في القيامة، إلا أنه لم يقيَّدْ به اكتفاءً بالأول. وقيل: إنه في الدنيا، بالإهانةِ وضربِ الجزية، بناءً على أن الآيةَ في اليهود. (روح المعاني).

78- ﴿وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾.
يعني: لتظنوا أن الذي يحرِّفونَهُ بكلامِهم من كتابِ الله وتنزيله، وما ذلكَ الذي لووا به ألسنتَهم فحرَّفوهُ وأحدَثوهُ مِن كتابِ الله. ويزعمون أن ما لووا به ألسنتَهم من التحريفِ والكذبِ والبـاطلِ فألحقوهُ في كتابِ اللهِ مِن عندِ الله، وما هو من عندِ الله، ولكنهُ مما أحدَثوهُ من قِبَلِ أنفسهم، افتراءً على الله. فهم يتعمدون قيلَ الكذب علـى الله، والشهادةِ عليه بالباطل، والإلحاقِ بكتابِ الله ما لـيس منه، طلبـًا للرياسةِ والخسيسِ من حطامِ الدنـيا. (الطبري، باختصار).

79- ﴿مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ.
لا ينبغي لإنسانٍ أنزلَ اللهُ عليهِ الكتابَ الناطقَ بالحقّ، الذي فيه أمرٌ بتوحيدِ اللهِ وإخلاصِ العبادةِ له، وآتاهُ عقلاً وفهماً، وأوحَى إليهِ وجعلَهُ نبيًّا، ثمَّ يقولُ هذا الإنسان، وهو بشَرٌ مِن عبادِ الله: كونوا أيُّها الناسُ عباداً لي لا عبادا ًلله، أو أشرِكوني بالعِبادةِ معه. فهذا لا يَصلُحُ لنبيٍّ قولُه، ولا لأحدٍ من الناس، فإنَّ العبادةَ ليست للعباد، وإنَّما هي لخالقِ العبادِ وحدَه.(الواضح).

80- ﴿وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.
قالَ جلَّ ثناؤهُ نافياً عن نبيِّهِ صلى الله عليه وسلم أن يأمرَ عبـادَهُ بذلك: أيأمرُكم بـالكفرِ أيها الناسُ نبيُّكم بجحودِ وحدانيةِ الله ﴿بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾؟ يعني: بعدَ إذ أنتم له منقادون بالطاعة، متذلِّلون له بـالعبودية، أي إن ذلك غيرُ كائنٍ منه أبداً. (الطبري).

81- ﴿لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ﴾.
... وذلك لأنه تعالى أوجبَ الإيمانَ به أولاً، ثم الاشتغالَ بنصرتهِ ثانياً. (مفاتيح الغيب).

83- ﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾.
أي: يومَ المعاد، فيجازي كلاً بعمله. (ابن كثير).

84- ﴿قُلْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ﴾.
قلْ أنتَ أيُّها الرسولُ ومَن معكَ مِن المؤمنين: آمنّا باللهِ وحدَه، وبالقرآنِ الذي أنزلَهُ علينا، وبما أنزلَهُ على أنبيائه: إبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، والأسباطِ، وهم بطونٌ مِن أولادِ يعقوبَ عليهِ السلام، مِن صُحُفٍ ووحي، وما أوتيَهُ موسَى، وهو التوراة، وما أوتيَهُ عيسَى، وهو الإنجيل، وما أوتيَ كلُّ الأنبياءِ مِن ربِّهم مِن كتبٍ ومعجِزات. (الواضح).

85- ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ﴾.
ومَن يطلبْ دينًا غيرَ دينِ الإسلامِ ليَدِينَ به، فلن يَقبلَ الله منه. (الطبري).

87- ﴿أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ.
قال: تقدَّمَ تفسيرُ اللعن. وقد بيَّنَ معناهُ في الآيةِ (87) من سورةِ البقرة، فقالَ ما مختصره: أصلُ اللعنِ في كلامِ العرب: الطرد، والإبعاد. والمعنى: أبعدَهم الله من رحمته.
وتفسيرها: هؤلاءِ الذين كفروا بعدَ إيمانهم، وبعدَ أن شهدوا أن الرسولَ حقّ، ثوابُهم مِن عملهم الذي عملوهُ أنْ حلَّ بهم مِن اللهِ الإقصاءُ والبعد، ومِن الملائكةِ والناس - إلا ممّا يسوؤهم مِن العقاب - ﴿أَجْمَعِينَ: يعني مِن جميعِهم، لا بعضِ مَن سمّاهُ جلَّ ثناؤهُ مِن الملائكةِ والناس. (الطبري).


90- ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ
أي: الخارجون عن المنهجِ الحقِّ إلى طريقِ الغيّ. (ابن كثير).

91- ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾.
... فإنَّ لهم عذاباً شديداً مُوجِعاً، ولن يكونَ هناكَ مَن يُعينُهُ لدفعِ العذابِ عنه أو تخفيفِه. (الواضح).

92- ﴿لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيم﴾.
أي: يعلمهُ ويجازي به. (البغوي).



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 11-01-2021, 12:56 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,333
الدولة : Egypt
افتراضي رد: عون البصير على فتح القدير

عون البصير على فتح القدير (4)




أ. محمد خير رمضان يوسف



الجزء الرابع

(سورة آل عمران 93 حتى آخر السورة، سورة النساء 1 - 23)


94- ﴿ فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ .
فمَن كذبَ علـى اللهِ منّا ومنكم. (الطبري).

95- ﴿ قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ .
قالَ رحمَهُ الله: تقدَّمَ بيانُ معنى الحنيف. ويعني في الآية (135) من سورة البقرة، وقد قالَ هناك: الحنيف: المائلُ عن الأديانِ الباطلةِ إلى دينِ الحق. ا.هـ.
وتفسيرُ الآية: قلْ لهم يا نبيَّ الله: لقد صدقَ اللهُ فيما أخبرَ بهِ وشرَعهُ في القرآنِ العظيم، فاتَّبِعوا ملَّةَ إبراهيم، المائلةَ عن كلِّ شرك، الداعيةَ إلى التوحيدِ الخالص، كما بيَّنها اللهُ في القرآن، وما كان منَ المشركين، فلِمَ يُشركُ أهلُ الكتابِ الذينَ يدَّعونَ أنَّهم ورثةُ إبراهيمَ عليهِ السلام؟ (الواضح).

97- ﴿ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ .
يعني الذي لما ارتفعَ البناءُ استعانَ به على رفعِ القواعدِ منه والجدران، حيثُ كان يقفُ عليه، ويناولهُ ولدهُ إسماعيل. وقد كان ملتصقاً بجدارِ البيت، حتى أخَّرَهُ عمر بنُ الخطاب رضيَ الله عنه في إمارتهِ إلى ناحيةِ الشرقِ بحيثُ يتمكنُ الطوافُ منه، ولا يشوِّشون على المصلين عندهُ بعد الطواف؛ لأن الله تعالى قد أمرنا بالصلاةِ عنده، حيثُ قال: ﴿ وَٱتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَٰهِيمَ مُصَلًّى [سورة البقرة: 125]. (ابن كثير).

98- ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ ﴾.
لماذا تكفرونَ بالحُجَجِ القويَّة، والبراهينِ الجليَّةِ التي يُنزِلُها الله؟ واللهُ شاهدٌ على صنيعِكم بما تخالفونَ بهِ ما نزلَ منَ الحقّ، وتعاندونَ الرَّسولَ وتحاربونَ رسالتَه. (الواضح).

99- ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾.
قالَ في تفسيرِ مثلها في الآية (140) من سورةِ البقرة: وعيدٌ شديد، وتهديدٌ ليس عليه مزيد، وإعلامٌ بأن الله سبحانهُ لا يتركُ عقوبتَهم على هذا الظلمِ القبيح، والذنبِ الفظيع.

103- ﴿ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًاوَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ.
﴿ فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ ﴾: فألَّفَ الله بـالإسلامِ بـين قلوبكم.
﴿ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ يعني جلَّ ثناؤهُ بقوله: ﴿ كَذَلِكَ ﴾: كما بيَّنَ لكم ربُّكم في هذه الآياتِ - أيها المؤمنونَ من الأوسِ والخزرج - مِن غلِّ اليهودِ الذي يُضمِرونهُ لكم، وغشِّهم لكم، وأمرهِ إياكم بما أمركم به فيها، ونهيهِ لكم عمّا نهاكم عنه، والحالِ التي كنتم عليها في جاهلـيتِكم، والتي صرتُم إليها في إسلامكم، يعرِّفكم في كلِّ ذلك مواقعَ نعمهِ قِبَلكم، وصنائعَهُ لديكم، فكذلك يبـيِّنُ سائرَ حججهِ لكم في تنزيله، وعلى لسانِ رسولهِ صلى الله عليه وسلم، لتهتدوا إلـى سبـيـلِ الرشاد، وتسلكوها فلا تضلُّوا عنها. (تفسير الطبري).

104- ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ .
﴿ أُمَّةٌ ﴾: الأمة: الجماعةُ التي تُأَمّ، أي: تُقصَدُ لأمرٍ ما، وتُطلَقُ على أتباعِ الأنبياء؛ لاجتماعهم على مقصدٍ واحد، وعلى القدوة، ومنه: ﴿ إِنَّ إِبْرٰهِيمَ كَانَ أُمَّةً ﴾ [سورة النحل: 120]، وعلى الدينِ والملَّة، ومنه: ﴿ إِنَّا وَجَدْنَا ءابَاءنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ ﴾ [سورة الزخرف: 22]، وعلى الزمان، ومنه: ﴿ وَٱدَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ ﴾ [سورة يوسف: 54]، إلى غير ذلك من معانيها.
﴿ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾: الكاملون في الفلاح. (روح المعاني).

105- ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ .
﴿ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا : ... تفرَّقوا مِن أهلِ الكتاب، واختلفوا في دينِ اللهِ وأمرهِ ونهيه.
﴿ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ : ولهؤلاءِ الذين تفرَّقوا واختلفوا مِن أهلِ الكتاب، مِن بعدِ ما جاءَهم: عذابٌ مِن عندِ اللهِ عظيـم. (الطبري).

106- ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ﴾.
أجحدتُم توحيدَ الله وعهدَهُ وميثاقَهُ الذي واثقتموهُ علـيه، بأن لا تشركوا به شيئاً، وتُخـلصوا له العبادةَ ﴿ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ﴾ يعني: بعد تصديقكم به، ﴿ فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ﴾ يقول: بما كنتم تجحدونَ في الدنيا ما كان اللهُ قد أخذَ ميثاقَكم بـالإقرارِ به والتصديق. (الطبري).

107- ﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُون ﴾.
ماكثون فيها أبداً، لا يبغون عنها حِوَلاً. (ابن كثير).

108- ﴿ تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ.
الإشارةُ بـ﴿ تِلْكَ إلى هذه الآياتِ المتقدمة، المتضمنةِ تعذيبَ الكفارِ وتنعيمَ المؤمنين. (ابن عطية).

110- ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾.
تأمرونَ الناسَ بالخير، وتَنشرونَ الحقَّ والعدل، وتحثُّون على الفضائلِ والآدابِ الحسنة، وتَنهونَهم عن المنكراتِ والفواحشِ والأخلاقِ المسترذَلة. (الواضح).

112- ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ﴾.
يكفرونَ بالحُجَجِ والمعجزاتِ وهم يرونَها عياناً، وزادوا على ذلكَ جريمةً لا يرتكبُها إلاّ أكبرُ مُجرِمي البشرِ وأشقاهُم، وهي قتلُ الأنبياء، أصفَى البشَرِ وأنقاهُم سَريرة، وأحسنُهم خُلُقاً، وأعظمُهم قَدْراً، قَتلوهُم بدونِ أيِّ مبرِّر، وبدونِ أيِّ حقّ، بل هكذا سوَّلتْ لهم نفوسُهم السيِّئةُ وقلوبُهم السَّوداء؛ عناداً وتكبُّراً وحسداً. (الواضح).

114- ﴿ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ ﴾.
أي: يبادرون إلى فعلِ الخيراتِ والطاعاتِ خوفَ الفواتِ بالموتِ مثلًا، أو يعملون الأعمالَ الصالحةَ راغبين فيها. (روح المعاني).

116- ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ.
لن يُفيدَهم شيءٌ ممّا جمعوهُ مِن أموال، وشيَّدوهُ من قصور، ولن يستطيعَ أولادُهم وذرارِيهم أنْ يَمنعوا عنهم بأسَ اللهِ وعذابَه، ويكونُ مصيرَهم النارُ المحرِقة، التي تأتي على وجوهِهم وأفئدتِهم في يومِ القيامة، خالدين فيها أبداً. (الواضح).

119- ﴿ وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ ﴾.
﴿ وَإِذَا خَلَوْاْ ﴾ وكان بعضُهم مع بعض. (البغوي).

120- ﴿ إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيط ﴾.
إن الله بما يعملُ هؤلاء الكفـارُ في عبادهِ وبلاده، من الفسادِ والصدِّ عن سبيله، والعداوةِ لأهلِ دينه، وغيرِ ذلك من معاصي الله، محيطٌ بجميعه، حافظٌ له، لا يعزبُ عنه شيءٌ منه، حتى يوفيَهم جزاءهم علـى ذلك كلِّه، ويذيقَهم عقوبته علـيه. (الطبري).

121- ﴿ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾.
سميعٌ لِـما تقولون، عليمٌ بضمائركم. (ابن كثير).

122- ﴿ إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾.
عن ابنِ إسحاق: ﴿ وَٱللَّهُ وَلِيُّهُمَا ﴾: أي الدافعُ عنهما ما همّا به من فشلهما، وذلك أنه إنما كان ذلك منهما عن ضعفٍ ووهنٍ أصابهما من غيرِ شكٍّ أصابهما في دينهما، فتولَّى دفعَ ذلك عنهما برحمتهِ وعائدته، حتى سلِمَتا من وهنهما وضعفهما، ولحقتا بنبـيِّهما صلَّى الله عليه وسلَّم.
يقول: ﴿ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ ﴾ أي: من كان به ضعفٌ من المؤمنـين أو وهنٌ فلـيتوكَّلْ علـيّ، ولـيستعنْ بي، أُعِنْهُ علـى أمره، وأدفعْ عنه، حتى أبلغَ به وأقوِّيَهُ على نـيَّته. (الطبري).

123- ﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾.
فاتَّقوا اللهَ باجتنابِ معاصيه، والصبرِ على طاعته، لعلكم تقومونَ بشكرِ ما أنعمَ به عليكم مِن النصرِ القريب؛ بسببِ تقواكم إيّاه. (روح المعاني، باختصار).

124- ﴿ إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِين ﴾.
قرأ ابنُ عامر وحده: "منَزَّلين" بفتحِ النونِ والزاي مشدَّدة، وقرأ الباقون: "منْزَلين" بسكونِ النونِ وفتحِ الزاي مخفَّفة، وقرأ ابن أبي عبلة: "منَزِّلين" بفتحِ النونِ وكسرِ الزاي مشدَّدة، معناها: يُنزِّلون النصر. وحكى النحاسُ قراءةً ولم يَنسبها: "منْزِلين" بسكونِ النونِ وكسرِ الزاي خفيفة، وفسَّرها بأنهم يُنزِلون النصر. (ابن عطية).

125- ﴿ بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَـذَا ﴾.
يعني: تصبروا على عدوِّكم، وتتقوني وتطيعوا أمري. (ابن كثير).

126- ﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾.
﴿ الْعَزِيزِ ﴾ إشارةٌ إلى كمالِ قدرته، و﴿ الْحَكِيمِ ﴾ إشارةٌ إلى كمالِ علمه، فلا يخفَى عليه حاجاتُ العباد، ولا يعجزُ عن إجابةِ الدعوات، وكلُّ من كان كذلك لم يتوقَّعِ النصرَ إلا من رحمته، ولا الإعانةَ إلا من فضلهِ وكرمه. (التفسير الكبير للرازي).

127- ﴿ لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُواْ خَآئِبِين ﴾.
أي: ليُهلك. (ابن كثير).

128- ﴿ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ ﴾.
أي: قد استـحقُّوا ذلك بمعصيتِهم إيّاي. (الطبري).

130- ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾.
واتَّقوا اللهَ أيها المؤمنونَ في أمرِ الربا فلا تأكلوه، وفي غيرهِ ممّا أمرَكم به، أو نهاكم عنه، وأطيعوهُ فيه لعلكم تفلحون، يقول: لتنجحوا؛ فتنجوا مِن عقابه، وتُدركوا ما رغَّبكم فـيه مِن ثوابه، والخلودِ في جنانه. (الطبري).

133- ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ
يعني: إنَّ الجنةَ التي عرضُها كعرضِ السماواتِ والأرَضين السبع، أعدَّها الله ﴿ لِلْمُتَّقِينَ : الذين اتَّقوا الله، فأطاعوهُ فيما أمرَهم ونهاهُم، فلم يتعدَّوا حدودَه، ولم يقصِّروا في واجبِ حقِّهِ علـيهم فـيضيَّعوه. (الطبري).

134- ﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ
والذينَ أنفقوا، وكظَموا غيظَهم، وعفَوا، فهُم مُحسِنون، واللهُ يحبُّ المحسِنين، الذين يَنشرونَ الودَّ والسَّماحةَ والبِشْرَ بين الناس. (الواضح).

136- ﴿ أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ ﴾.
يعني تعالى ذكرهُ بقوله: ﴿ أُولَئِكَ ﴾: الذين ذكرَ أنه أعدَّ لهم الجنةَ التي عرضُها السماواتُ والأرضُ من المتقين، ووصفَهم به، ثم قال: هؤلاء الذين هذه صفتهم ﴿ جَزَآؤُهُمْ ﴾: يعني ثوابَهم من أعمالهم التي وصفَهم تعالى ذكرهُ أنهم عملوها، ﴿ مَّغْفِرَةٌ مّن رَّبِّهِمْ ﴾ يقول: عفوٌ لهم من الله عن عقوبتِهم علـى ما سلفَ من ذنوبهم، ولهم علـى ما أطاعوا الله فيه من أعمالهم بالحسنِ منها جنات، وهي البساتين، ﴿ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ ﴾ يقول: تجري خلالَ أشجارها الأنهار، وفي أسافلها، جزاءً لهم على صالحِ أعمالهم، ﴿ خَـٰلِدِينَ فِيهَا ﴾ يعني دائمي المقامِ في هذه الجناتِ التي وصفها. (الطبري).

140- ﴿ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾.
يعنـي به: الذين ظلموا أنفسَهم بمعصيتِهم ربَّهم. (الطبري).

146- ﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ﴾.
واللهُ يحبُّ هؤلاء وأمثالَهم من الصابرينَ لأمرهِ وطاعته، وطاعةِ رسوله، في جهادِ عدوِّه، لا مَن فشلَ ففرَّ عن عدوِّه، ولا مَن انقلبَ على عقبـيهِ فذلَّ لعدوِّهِ لِأَنْ قُتِلَ نبـيُّه أو مات، ولا مَن دخـلَهُ وهنٌ عن عدوِّهِ وضعفٌ لفقدِ نبـيِّه (الطبري).

147- ﴿ وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾.
وانصرنا علـى الذين جحدوا وحدانـيتكَ ونبوَّةَ نبـيِّك (الطبري).

148- ﴿ فَآَتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ
أي: هم محسنون والله يحبُّهم. (النسفي).

150- ﴿ بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ ﴾.
﴿ وَهُوَ خَيْرُ النّاصرِين ﴾، لا مَن فررتـُم إليه ِمن الـيهودِ وأهلِ الكفرِ بـالله، فبـالله ِالذي هو ناصرُكم ومولاكم فـاعتصِموا، وإيّاهُ فـاستنصِروا، دونَ غيرهِ ممَّن يبغيكم الغوائلَ ويرصدُكم بـالمكاره. (الطبري).
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 11-01-2021, 12:56 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,333
الدولة : Egypt
افتراضي رد: عون البصير على فتح القدير


151- ﴿ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِين ﴾.
﴿ وَمَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ ﴾ يعني: ومرجعُهم الذي يرجعون إلـيه يومَ القيامةِ النارُ، ﴿ وَبِئْسَ مَثْوَىٰ ٱلظَّـٰلِمِينَ ﴾ يقول: وبئسَ مقامُ الظالمين الذين ظلموا أنفسَهم بـاكتسابهم ما أوجبَ لها عقابَ الله النار. (الطبري).

152- ﴿ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِين ﴾.
﴿ لِيَبْتَلِيَكُمْ ﴾:ليختبركم، فيتميزَ المنافقُ منكم من المخـلصِ الصادقِ في إيمانهِ منكم.
﴿ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِين ﴾: والله ذو طَولٍ على أهلِ الإيمانِ به وبرسوله، بعفوهِ لهم عن كثـيرِ ما يستوجبونَ به العقوبةَ علـيه من ذنوبهم، فإنْ عاقبَهم على بعضِ ذلك، فذو إحسانٍ إليهم بجميـلِ أياديهِ عندهم. (الطبري).

153- ﴿ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾.
يعني جلَّ ثناؤه: واللهُ بالذي تعملون - أيها المؤمنون، من إصعادكم في الوادي هربًا مِن عدوِّكم، وانهزامِكم منهم، وتركِكم نبـيَّكم وهو يدعوكم في أُخراكم، وحزنِكم علـى ما فـاتَكم مِن عدوِّكم، وما أصابَكم في أنفسِهم - ذو خبرةٍ وعلـم، وهو مُحصٍ ذلك كلَّه علـيكم، حتى يجازيَكم به، المحسنَ منكم بإحسانه، والمسيءَ بإساءته، أو يعفوَ عنه (الطبري).

154- ﴿ وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور ﴾.
قالَ رحمَهُ الله: وليمحِّصَ ما في قلوبِكم من وساوسِ الشيطان. ا.هـ.
وقالَ ابنُ كثيرٍ في معناها: ... ويُظهِرَ أمرَ المؤمنِ من المنافقِ للناسِ في الأقوالِ والأفعال، ﴿ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ : أي بما يختلجُ في الصدورِ من السرائرِ والضمائر.

155- ﴿ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ
أي: يغفرُ الذنب، ويحلُمُ عن خَلقه، ويتجاوزُ عنهم. (ابن كثير).

156- ﴿ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾.
أي: وعلمهُ وبصرهُ نافذٌ في جميعِ خلقه، لا يخفَى عليه مِن أمورِهم شيء .(ابن كثير).

159- ﴿ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾.
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ عليه، الواثقينَ به، المنقطعينَ إليه، فينصرهم ويرشدُهم إلى ما هو خيرٌ لهم، كما تقتضيهِ المحبَّة. (روح المعاني).

160- ﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾.
يعني لما ثبتَ أن الأمرَ كلَّهُ بيدِ الله، وأنه لا رادَّ لقضائه، ولا دافعَ لحكمه، وجبَ أن لا يتوكَّلَ المؤمنُ إلا عليه. وقوله: ﴿ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ ﴾ يفيدُ الحصر، أي: على الله فليتوكَّلِ المؤمنون، لا على غيره. (التفسير الكبير للرازي).

161- ﴿ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾.
يقول: لا يُفعَلُ بهم إلا الذي ينبغي أن يُفعَلَ بهم، من غيرِ أن يُعتدَى علـيهم فـيُنقَصوا عمَّا استـحقُّوه. (تفسير الطبري).

162- ﴿ أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾.
فاستحقَّ بذلك سكنَى جهنم، وبئسَ المصيرُ الذي يصيرُ إلـيه ويؤوبُ إليه. (الطبري، باختصار).

163- ﴿ هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ﴾.
أي: وسيُوفيهم إيّاها، لا يظلمُهم خيرًا، ولا يزيدهم شرًّا، بل يُجازي كلاًّ بعمله. (ابن كثير).

164- ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ ﴾.
﴿ مَنَّ في هذه الآيةِ معناه: تطوَّلَ وتفضَّل. (ابن عطية).

165- ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾.
إنَّ اللهَ علـى جميعِ ما أرادَ بخـلقه، مِن عفوٍ وعقوبة، وتفضُّلٍ وانتقام، قدير، يعني ذو قدرة. (الطبري).

167- ﴿ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ .
واللهُ أعلمُ بما يُخفونَهُ مِن كفرٍ ونفاق، وما يَغْمِرُ قلوبَهم مِن شرٍّ وفساد. (الواضح).

168- ﴿ الَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْوَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِين ﴾.
﴿ الَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ ﴾ قال: تقدَّمَ معنى ﴿ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ ﴾، وهو في الآيةِ (156) من السورة: ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ ﴾، فقال: ﴿ وَقَالُواْ لإِخْوٰنِهِمْ ﴾ في النفاق، أو في النسب، أي: قالوا لأجلهم. ا.هـ.
والقائلون هذا هم المنافقون، قالوا ذلك لإخوانهم في النفاق.
﴿ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ ﴾: ... إن كنتم أيها المنافقون صادقين في قيلكم: لو أطاعنا إخوانُنا في تركِ الجهادِ في سبـيلِ الله مع محمدٍ صلى الله عليه وسلم وقتالهم أبا سفـيان ومن معه من قريشٍ ما قُتلوا هنالك بـالسيف، ولكانوا أحياءً بقعودهم معكم وتخلُّفِهم عن محمدٍ صلى الله عليه وسلم وشهودِ جهادِ أعداءِ الله معه... (الطبري).

170- ﴿ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾.
بيَّنها الشوكاني رحمهُ الله في الآية (38) من سورةِ البقرة: ﴿ فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾، قال: ﴿ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ﴾ يعني في الآخرة، ﴿ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ يعني لا يحزنون للموت.

172- ﴿ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾.
قال: تقدَّمَ تفسيرُ (القرح). وهي في الآيةِ (140) من السورة، فقال: القرحُ بالضمِّ والفتح: الجرح، وهما لغتان فيه، قالَهُ الكسائيُّ والأخفش. وقالَ الفرّاء: هو: بالفتح: الجرح، وبالضمّ: ألمه. ا.هـ.
﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ ﴾ بطاعةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وإجابتهِ إلى الغزو، ﴿ وَاتَّقَوْا ﴾ معصيته، ﴿ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾. (البغوي).

173- ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ ﴾.
فخافوهم واحذروهم، فإنه لا طاقةَ لكم بهم. (البغوي).

176- ﴿ وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا ﴾.
المسارعةُ في الكفرِ هي المبادرةُ إلى أقوالهِ وأفعاله، والجدُّ في ذلك. (ابن عطية).

177- ﴿ إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾.
﴿ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا ﴾ قالَ رحمَهُ الله: "معناهُ كالأول، وهو للتأكيدِ لما تقدَّمه". ويعني في الآيةِ التي تسبقها، وقد قال: المعنى: أن كفرَهم لا ينقصُ من ملكِ الله سبحانهُ شيئاً، وقيل: المراد: لن يضرُّوا أولياءه، ويحتملُ أن يُراد: لن يضرُّوا دينَهُ الذي شرعَهُ لعباده، و﴿ شَيْئًا ﴾ منصوبٌ على المصدرية: أي: شيئاً من الضرر، وقيل: منصوبٌ بنزعِ الخافض: أي: بشيء. ا.هـ.
وتفسيرها عند الإمامِ الطبري مع ما بقيَ من الآية: لن يضرّوا الله بكفرهم وارتدادهم عن إيمانهم شيئاً، بل إنما يضرُّون بذلك أنفسَهم بإيجابهم بذلك لها من عقابِ الله ما لا قِبلَ لها به.

178- ﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾.
﴿ نُمْلِي لَهُمْ ﴾ يعني بالإملاء: الإطالةَ في العمرِ والإنساءَ في الأجل.
﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾: ولهؤلاءِ الذين كفروا بـاللهِ ورسولهِ فـي الآخرةِ عقوبةٌ لهم مهينةٌ مذلَّة. (الطبري).

179- ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾.
﴿ مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ ﴾ يخصُّ من يشاءُ من عبادهِ بالرسالة، ثم يكلِّفُ الباقين طاعةَ هؤلاءِ الرسل. (مفاتيح الغيب).
﴿ وَتَتَّقُوا ﴾ ربَّكم بطاعتهِ فيما أمرَكم به نبـيُّكم محمدٌ صلى الله عليه وسلم، وفيما نهاكم عنه. (الطبري).

180- ﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾.
﴿ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ ﴾: أي: لا يحسبنَّ البخيلُ أن جمعَهُ المالَ ينفعه، بل هو مضرَّةٌ عليه في دينه، وربما كان في دنياه.
﴿ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ أي: بنيَّاتكم وضمائركم. (ابن كثير).

181- ﴿ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ﴾.
وردَ مثلهُ في الآيةِ (21) من السورة، قالَ ابن كثير رحمَهُ الله في تفسيرهِ هناك: ... ومع هذا قَتلوا مَن قَتلوا من النبيِّين حين بلَّغوهم عن الله شرعَه، بغيرِ سببٍ ولا جريمةٍ منهم إليهم، إلا لكونهم دعَوهم إلى الحقّ.


183- ﴿ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾.
﴿ بِٱلْبَيّنَـاتِ ﴾ أي: المعجزاتِ الواضحة، والحججِ الدالةِ على صدقِهم، وصحةِ رسالتهم، وحقيةِ قولهم، كما كنتم تقترحون عليهم وتطلبون منهم، ﴿ وَبِٱلَّذِى قُلْتُمْ ﴾ بعينه، وهو القربانُ الذي تأكلهُ النار، ﴿ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ ﴾ أي: فما لكم لم تؤمنوا بهم حتى اجترأتم على قتلهم، مع أنهم جاؤوا بما قلتُم مع معجزاتٍ أُخَر، ﴿ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ ﴾ أي: فيما يدلُّ عليه كلامُكم، من أنكم تؤمنون لرسولٍ يأتيكم بما اقترحتموه. (روح المعاني).

184- ﴿ فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ ﴾.
فإنهم إنْ فعلوا ذلكَ بكَ فكذَّبوك، كذَبوا على الله، فقد كذَّبتْ أسلافُهم مِن رسلِ اللهِ قبلك. (الطبري).

185- ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ ﴾.
أي: نازلٌ بها لا محالة، فكأنها ذائقته. وهو وعدٌ ووعيدٌ للمصدِّقِ والمكذِّب. (روح المعاني).

186- ﴿ وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُور ﴾.
يقول: وإنْ تصبروا لأمرِ الله الذي أمرَكم به فيهم وفي غيرهم من طاعته، ﴿ وَتَتَّقُواْ ﴾، يقول: وتتقوا الله فيما أمركم ونهاكم، فتعملوا في ذلك بطاعته. (الطبري).

188- ﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾.
ولهم عذابٌ في الآخرةِ أيضاً مؤلم، مع الذي لهم في الدنـيا معجَّل. (الطبري).

189- ﴿ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .
يعني مِن إهلاكِ قائلِ ذلك، وتعجيـلِ عقوبتهِ لهم، وغيرِ ذلكَ مِن الأمور. (الطبري).

192- ﴿ رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ﴾.
أي: يومَ القيامةِ لا مُجيرَ لهم منك، ولا محيدَ لهم عمّا أردتَ بهم. (ابن كثير).

193- ﴿ رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا.
إلى التصديق بك، والإقرار بوحدانيتك، واتبـاعِ رسولِك وطاعته، فيما أَمرَنا به، ونهانا عنه، مما جاءَ به من عندك. (الطبري).

195- ﴿ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴾.
﴿ لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ ﴾ يعنـي: لأمحونَّها عنهم، ولأتفضَّلنَّ علـيهم بعفوي ورحمتي، ولأغفرنَّها لهم، ولأدخـلنَّهم جناتٍ تجري مِن تحتها الأنهار. (الطبري).
﴿ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴾ قالَ المؤلفُ في الآيةِ (25) من سورةِ البقرة: الجنات: البساتين. والضميرُ في قوله: ﴿ مِن تَحْتِهَا ﴾ عائدٌ إلى الجنات؛ لاشتمالها على الأشجار، أي: من تحتِ أشجارها. (باختصار).

198- ﴿ لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴾.
وفي مقابِلهم المؤمنون، الذينَ سمعوا نداءَ الإيمانِ فآمنوا وثبتُوا، وعزمُوا على الأعمالِ الصَّالحةِ والتزَموا، فجازاهمُ اللهُ جنَّاتٍ واسعات، تجري في خلالها الأنهارُ المتنوِّعة.. (الواضح).

199- ﴿ وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ .
﴿ خَـٰشِعِينَ للَّهِ أي: خاضعين له سبحانه، وقالَ ابن زيد: خائفين متذلِّلين، وقالَ الحسن: الخشوع: الخوفُ اللازمُ للقلبِ من الله تعالى.
﴿ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾: كنايةٌ عن كمالِ علمهِ تعالى بمقاديرِ الأجورِ ومراتبِ الاستحقاق، وأنه يوفيها كلَّ عامل، على ما ينبغي وقدرِ ما ينبغي. (روح المعاني، باختصار).

سورة النساء
1- ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء .
﴿ اتَّقُوا رَبَّكُمُ ﴾: احذروا أيها الناسُ ربَّكم في أنْ تُخالِفوهُ فيما أمركم، وفيما نهاكم، فيحلَّ بكم مِن عقوبتهِ ما لا قِبَل لكم به.
﴿ وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء ﴾:يعني ونشرَ منهما، يعني من آدمَ وحوّاء، ﴿ رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً ﴾ قد رآهم.. (الطبري).

7- ﴿ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ
أي: من قلـيـلِ ما خـلَّفَ بعدَهُ وكثـيره. (الطبري).

11- ﴿ يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيمًا ﴾.
﴿ يُوصِيكُمُ اللّهُ ﴾: يتضمَّنُ الفرضَ والوجوب، كما تتضمَّنهُ لفظةُ (أمرَ) كيف تصرَّفت. ا.هـ. ووردَ في أواخرِ الآية: معنى ﴿ يُوصِيكُمُ ﴾: يفرضُ عليكم. (ابن عطية).
﴿ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ ﴾: أي: هذا الذي ذكرناهُ من تفصيلِ الميراث، وإعطاءِ بعضِ الورثةِ أكثرَ من بعض، هو فرضٌ من الله، حكمَ به وقضاه. (ابن كثير).

12- ﴿ وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ ﴾.
﴿ وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ ﴾: ولكم أيها الرجالُ نصفُ ما تركَ أزواجُكم إذا متنَ من غيرِ ولد. (ابن كثير).

﴿ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ﴾: قالَ رحمَهُ الله: "الكلامُ فيه كما تقدَّم". ويعني في الآيةِ السابقة، وقد قال: اختُلفَ في وجهِ تقديمِ الوصيةِ على الدَّين، مع كونهِ مقدَّماً عليها بالإجماع، فقيل: المقصودُ تقديمُ الأمرين على الميراثِ من غيرِ قصدٍ إلى الترتيبِ بينهما.
وقيل: لما كانت الوصيةُ أقلَّ لزوماً من الدَّينِ قُدِّمت اهتماماً بها.
وقيل: قُدِّمت لكثرةِ وقوعها فصارتْ كالأمرِ اللازمِ لكلِّ ميت.

وقيل: قُدِّمت لكونها حظَّ المساكينِ والفقراء، وأُخِّرَ الدَّينُ لكونهِ حظَّ غريمٍ يطلبهُ بقوةٍ وسلطان.
وقيل: لما كانت الوصيةُ ناشئةً من جهةِ الميتِ قدِّمت، بخلافِ الدَّين، فإنه ثابتٌ مؤدّى، ذُكرَ أو لم يُذكر.
وقيل: قُدِّمت لكونها تشبهُ الميراث، في كونها مأخوذةً من غيرِ عوض، فربما يشقُّ على الورثةِ إخراجُها، بخلافِ الدَّين، فإن نفوسَهم مطمئنةٌ بأدائه. ا.هـ.

﴿ وَاللّهُ عَلِـيـمٌ ﴾ يقول: ذو علمٍ بمصالحِ خَـلقهِ ومضارِّهم، ومَن يستحقُّ أن يُعطَى مِن أقربـاءِ مَن ماتَ منكم وأنسبـائهِ من ميراثه، ومَن يُحرَمُ ذلك منهم، ومبلغِ ما يستـحقُّ به كلُّ مَن استحقَّ منهم قسمًا، وغيرِ ذلك من أمورِ عبـادهِ ومصالحِهم.
﴿ حَلِـيـمٌ ﴾ يقول: ذو حِلـمٍ علـى خـلقه، وذو أناةٍ في تركهِ معاجلتَهم بـالعقوبةِ على ظلـمِ بعضِهم بعضًا، في إعطائهم الميراثَ لأهلِ الجَلدِ والقوَّةِ من ولدِ الميتِ وأهلِ الغناءِ والبأسِ منهم، دونَ أهلِ الضعفِ والعجزِ مِن صغارِ ولدهِ وإناثِهم (الطبري).

13- ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾.
يُسكنهُ بساتـينَ تجري مِن تحتِ غروسِها وأشجارِها الأنهار، بـاقينَ فيها أبدًا، لا يموتونَ فيها ولا يفنون، ولا يخرجونَ منها، وذلكَ الفَلَحُ العظيـم (الطبري، باختصار).

14- ﴿ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾.
﴿ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ في العملِ بما أمراهُ به مِن قسمةِ المواريث، وغيرِ ذلكَ مِن فرائضِ الله، مخالفًا أمرَهما إلى ما نهياهُ عنه، مِن قسمةِ تركاتِ موتاهم بـين ورثته، وغيرِ ذلكَ مِن حدوده، يُدخلْهُ نارًا باقـيًا فـيها أبدًا، لا يموتُ ولا يخرجُ منها أبدًا، وله عذابٌ مذلٌّ ومُخزٍ له. (الطبري، باختصار).

15- ﴿ وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ ﴾.
فلا بدَّ لإثباتِ ذلكَ مِن أربعةِ شهود، فإذا شَهِدوا بذلك، فإنَّهنَّ يُحبَسْنَ في بيتٍ ولا يُسمَحُ لهنَّ بالخروجِ منهُ حتَّى يَمُتن... (الواضح).

16- ﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا ﴾.
إن الله لم يزلْ راجعاً لعبيدهِ إلى ما يحبون إذا هم راجعوا ما يحبُّ منهم من طاعته، ﴿ رَحِيمًا ﴾ بهم، يعني: ذا رحمةٍ ورأفة. (الطبري).

17- ﴿ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾.
﴿ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً ﴾: فهو يعلمُ بإخلاصهم في التوبة، ﴿ حَكِيماً ﴾: والحكيمُ لا يعاقبُ التائب. (البيضاوي).

18- ﴿ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾.
﴿ أَعْتَدْنَا لَهُمْ ﴾: أعدَدنا لهم، ﴿ عَذَاباً أَلِيماً ﴾ يقول: مؤلماً موجعاً. (الطبري).


20- ﴿ أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴾.
أتأخذونَهُ ظلماً وزوراً بيِّناً؟ (الواضح).

21- ﴿ وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ ﴾.
وعلى أيِّ وجهٍ تأخذون مِن نسائكم ما آتيتُموهنَّ من صدقاتهنَّ إذا أردتُم طلاقهنَّ واستبدالِ غيرهنَّ بهنَّ أزواجاً؟ (الطبري).

22- ﴿ وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً ﴾.
والفاحشةُ أقبحُ المعاصي. (البغوي).


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 11-01-2021, 12:58 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,333
الدولة : Egypt
افتراضي رد: عون البصير على فتح القدير

عون البصير على فتح القدير (5)




أ. محمد خير رمضان يوسف





الجزء الخامس

(سورة النساء 24 – 147)


24- ﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾.
﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا ﴾ بما يُصلحُ أمرَ الخَلق، ﴿ حَكِيمًا ﴾ فيما شرعَ لهم، ومِن ذلكَ عقدُ النكاح، الذي يحفَظُ الأموالَ والأنساب. (روح المعاني).

25- ﴿ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾.
واللهُ غفورٌ لكم نكاحَ الإماءِ أنْ تنكحوهنَّ على ما أحلَّ لكم وأذنَ لكم به وما سلفَ منكم في ذلك، إنْ أصلحتُم أمورَ أنفسِكم فيما بينكم وبينَ الله، رحيمٌ بكم إذ أذنَ لكم في نكاحهنَّ عندَ الافتقارِ وعدمِ الطَّولِ للحرَّة. (الطبري).

26- ﴿ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيم ﴾.
﴿ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ ﴾ بمصالحِ عبادهِ في أمرِ دينِهم ودنياهم، ﴿ حَكِيمٌ ﴾ فيما دبَّرَ من أمورهم. (البغوي).

27- ﴿ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا ﴾.
يريدُ الذين يطلبونَ لذَّاتِ الدنيا وشهواتِ أنفسِهم فيها أن تميلوا عن أمرِ اللهِ تبارك وتعالى، فتجوروا عنه بإتيانكم ما حرَّمَ عليكم وركوبِكم معاصيه، ﴿ مَيْلاً عَظِيمًا ﴾: جَورًا وعُدولاً عنه شديدًا (الطبري).

29- ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴾.
﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ ﴾:ينهَى تباركَ وتعالى عبادَهُ المؤمنين عن أن يأكلوا أموالَ بعضهم بعضاً بالباطل..
﴿ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴾: أي: فيما أمرَكم به، ونهاكم عنه. (ابن كثير).

32- ﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ﴾.
أي: هو عليمٌ بمن يستحقُّ الدنيا فيعطيهِ منها، وبمن يستحقُّ الفقرَ فيفقره، وعليمٌ بمن يستحقُّ الآخرةَ فيقيِّضهُ لأعمالها، وبمن يستحقُّ الخذلانَ فيخذلهُ عن تعاطي الخيرِ وأسبابه. (ابن كثير).

33- ﴿ وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآَتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا
يعني بذلكَ جلَّ ثناؤه: فآتُوا الذينَ عقدتْ أيمانُكم نصيبَهم مِن النصرةِ والنصيحةِ والرأي، فإن اللهَ شاهدٌ على ما تفعلونَ مِن ذلك، وعلى غيرهِ مِن أفعالكم، مراعٍ لكلِّ ذلكَ حافظ، حتى يجازيَ جميعَكم على جميعِ ذلكَ جزاءه، أما المحسنُ منكم المتَّبِعُ أمري وطاعتي فبالحُسنَى، وأما الـمُسيءُ منكم المخالفُ أمري ونهيي فبالسوأى.
ومعنى قوله: ﴿ شَهِيدًا : ذو شهادةٍ على ذلك. (الطبري).

35- ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا ﴾.
يعني جلَّ ثناؤه: إنَّ اللهَ كانَ عليمًا بما أرادَ الحكمانِ من إصلاحٍ بين الزوجينِ وغيره، خبيرًا بذلكَ وبغيرهِ مِن أمورهما وأمورِ غيرهما، لا يخفَى عليه شيءٌ منه، حافظٌ عليهم، حتى يجازيَ كلاًّ منهم جزاءَهُ بالإحسانِ إحسانًا، وبالإساءةِ غفرانًا أو عقابًا. (الطبري).

36- ﴿ وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ ﴾.
قال: تقدَّمَ تفسيرهم. ويعني في الآيةِ (177) من سورةِ البقرة، وقد قالَ هناك: ... اليتامَى الفقراءُ أولَى بالصدقةِ من الفقراءِ الذين ليسوا بيتامَى، لعدمِ قدرتهم على الكسب. والمسكين: الساكنُ إلى ما في أيدي الناس؛ لكونهِ لا يجدُ شيئاً.

37- ﴿ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا .
أي: أعدَدنا لهم ذلك. ووُضِعَ المظهرُ موضعَ المضمرِ إشعارًا بأن مَن هذا شأنهُ فهو كافرٌ لنعمِ اللهِ تعالى، ومن كان كافرًا لنعمهِ فلهُ عذابٌ يُهينهُ كما أهانَ النعمَ بالبخلِ والإخفاء. (روح المعاني).

38- ﴿ وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ .
وهم غيرُ مؤمنينَ بالله، وهو مانحُ الثوابِ ومُقَدِّرُ العقاب، ولا يؤمنونَ باليومِ الآخِر، الذي يُثابُ فيهِ المرءُ على أعمالهِ أو يعاقَبُ عليها، ولذلكَ لا يتحرَّونَ في إنفاقِهم مرضاةَ اللهِ وثوابَه... (الواضح).

39- ﴿ وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ
وما الذي كانَ يَجري لهم لو سَلكوا الطريقَ الصحيحَ فآمَنوا باللهِ خالقِهم، وآمَنوا بيومِ القيامة، الذي يُثابُ فيهِ المرءُ على ما أحسنَ فيُكرَم، ويُعاقَبُ على ما أساءَ فيُعَذَّب، ليَخافَ الناسُ فيُحسِنوا سلوكَهم. (الواضح).

41- ﴿ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاءِ شَهِيدًا ﴾.
يعني بذلك جلَّ ثناؤه: إن الله لا يظلمُ عبادَهُ مثقالَ ذرَّة، فكيف بهم ﴿ إِذَا جِئْنَا مِن كُلّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ ﴾ يعني: بمن يشهدُ عليها بأعمالها، وتصديقِها رسلَها، أو تكذيبها، ﴿ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـؤُلاء شَهِيداً ﴾ يقول: ﴿ وَجِئْنَا بِكَ ﴾ يا محمد ﴿ عَلَى هَـؤُلاء ﴾ أي: على أمتكَ ﴿ شَهِيدًا ﴾ يقول: شاهداً. (الطبري).
قالَ محمد خير: يلاحظُ أن الإمامَ الطبري ذكرَ في الأولِ من صدَّقَ ومن كذَّبَ الرسل، وفي الآخرِ اقتصرَ على أمةِ محمد صلى الله عليه وسلم، يعني من صدَّقه. ولذلك بيَّن ابن عطية في تفسيرهِ المقصودَ بالأمةِ هنا، فقال: معنى "الأمة" في هذه الآيةِ غيرُ المعنى المتعارفِ في إضافةِ الأممِ إلى الأنبياء، فإن المتعارفَ أن تريدَ بأمةِ محمدٍ عليه السلامُ جميعَ مَن آمنَ به، وكذلك في كلِّ نبيّ، وهي هنا جميعُ مَن بُعِثَ إليه، مَن آمنَ منهم ومَن كفر، وكذلك قالَ المتأوِّلون: إن الإشارةَ بـ﴿ هَـؤُلاءِ ﴾ إلى كفارِ قريشٍ وغيرهم من الكفار، وإنما خصَّ كفارَ قريشٍ بالذكرِ لأن وطأةَ الوعيدِ أشدُّ عليهم منها على غيرهم.

42- ﴿ يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ ﴾.
الذين جحدوا وحدانيةَ الله وعصَوا رسوله. (الطبري).

46- ﴿ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلا ﴾.
﴿ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ ﴾:هم اليهود، الذين وصفَ الله صفتَهم في قوله: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ ٱلْكِتَـٰبِ ﴾.
﴿ لَّعَنَهُمُ اللّهُ بِكُفْرِهِمْ ﴾: ولكنَّ اللهَ تباركَ وتعالَى أخزَى هؤلاءِ اليهودِ الذينَ وصَفَ صفتَهم في هذه الآية، فأقصاهم وأبعدَهم مِن الرشدِ واتِّباعِ الحقِّ ﴿ بِكُفْرِهِمْ ﴾ يعني بجحودِهم نبوَّةَ نبيِّه محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وما جاءَهم به مِن عندِ ربِّهم مِن الهُدَى والبيِّنات. (الطبري).

47- ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم ﴾.
الذي فيه تصديقُ الأخبارِ التي بأيديهم من البشارات. (ابن كثير).
وقالَ ابنُ عطية: ﴿ لِّمَا مَعَكُم ﴾ معناهُ من شرعٍ وملَّة، لا لما كان معهم من مبدَّلٍ ومغيَّر.

48- ﴿ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ﴾.
يعني بذلك جلَّ ثناؤه: ومن يشركْ بالله في عبادتهِ غيرَهُ من خلقه، ﴿ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ﴾، يقول: فقد اختلقَ إثماً عظيماً. وإنما جعلَهُ الله تعالَى ذكرهُ مفترياً، لأنه قالَ زوراً وإفكاً، بجحودهِ وحدانيةَ الله، وإقرارهِ بأن لله شريكاً من خلقه، وصاحبةً أو ولداً، فقائلُ ذلك مفتر، وكذلك كلُّ كاذب، فهو مفترٍ في كذبه، مختلقٌ له. (الطبري، باختصار).

53- ﴿ أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لاَّ يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا ﴾.
المرادُ إنكارُ أن يكونَ لهم نصيبٌ من الملك، وجحدٌ لما تدَّعيهِ اليهودُ من أن الملكَ يعودُ إليهم في آخرِ الزمان. (ابن كثير).

54- ﴿ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا ﴾.
قال: تقدَّمَ تفسيرُ الكتابِ والحكمة. وقد مرَّ مرتبطًا برسولنا، ومرةً بعيسى، عليهما الصلاةُ والسلام. ويكونُ بمعناه.
قالَ الطبري رحمَهُ الله: يعني: كتابَ الله الذي أوحاهُ إليهم، وذلك كصحفِ إبراهيمَ وموسى والزبور، وسائرِ ما آتاهم من الكتب.وأما الحكمة، فما أوحَى إليهم مما لم يكنْ كتاباً مقروءاً.

56- ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾.
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا ﴾:هذا وعيدٌ من الله جلَّ ثناؤهُ للذين أقاموا على تكذيبهم بما أنزلَ الله على محمد، من يهودِ بني إسرائيلَ وغيرهم من سائرِ الكفارِ برسوله. يقولُ الله لهم: إن الذين جحدوا ما أنزلتُ على رسولي محمدٍ صلى الله عليه وسلم من آياتي، يعني من آياتِ تنزيلهِ ووحي كتابه، وهي دلالاتهُ وحججهُ على صدقِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، فلم يصدِّقوا به، من يهودِ بني إسرائيل وغيرهم من سائرِ أهلِ الكفرِ به.
﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾: إنَّ اللهَ لم يزلْ عزيزًا في انتقامهِ ممَّن انتقمَ منهُ من خلقه، لا يقدرُ على الامتناعِ منه أحدٌ أرادَهُ بضرّ، ولا الانتصارِ منه أحدٌ أحلَّ به عقوبة، حكيمًا في تدبيرهِ وقضائه. (الطبري).

57- ﴿ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ﴾.
قال: تقدَّمَ تفسيرُ الجناتِ التي تجري من تحتها الأنهار. ويعني في الآيةِ (25) من سورة البقرة، فكان مما قال: الجنات: البساتين، وهو: اسمٌ لدارِ الثوابِ كلِّها، وهي مشتملةٌ على جناتٍ كثيرة. والأنهارُ جمعُ نهر، وهو: المجرَى الواسع، فوق الجدولِ ودون البحر، والمراد: الماءُ الذي يجري فيها. والضميرُ في قوله: ﴿ مِن تَحْتِهَا ﴾ عائدٌ إلى الجنات؛ لاشتمالها على الأشجار، أي: من تحتِ أشجارها. ا. هـ.
وتفسيرُ مجموعِ ما لم يفسره: والذينَ آمنوا بآياتِنا، وأتْبَعوا إيمانَهم بالأعمالِ الصَّالحةِ والطَّاعاتِ المقبولة، سنُدخِلُهم جنّاتٍ كبيرةً وارفةَ الظِّلال، تجري مِن تحتِها الأنهار، مع خلودٍ دائمٍ فيها. (الواضح).

58- ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ﴾.
قال: جمعُ أمانة، وهي مصدرٌ بمعنَى المفعول. ا.هـ.
وهي الأماناتُ الواجبةِ على الإنسان، مِن حقوقِ اللهِ على عبادِه، ومِن حقوقِ العبادِ بعضِهم على بعض. (الواضح).

60- ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا .
﴿ الطَّاغُوتِ ﴾ قال: تقدَّمَ تفسيرُ الطاغوتِ والاختلافُ في معناه. ثم أوردَ أن المقصودَ كعبُ بنُ الأشرف. وقد بيَّن معنى الطاغوتِ في الآيةِ (51) من السورة، فكان مما قال: الطاغوت: الكاهن، ورويَ عن عمر بنِ الخطاب أن الطاغوتَ الشيطانُ. ورويَ عن ابنِ مسعود أن الجبتَ والطاغوتَ هاهنا كعب بنُ الأشرف. وقال قتادة: الطاغوت: الكاهن. ورويَ عن مالك أن الطاغوتَ ما عُبِدَ من دونِ الله، والجبت: الشيطان، وقيل: هما كلُّ معبودٍ من دونِ الله، أو مطاعٍ في معصيةِ الله.
﴿ وَيُريدُ الشَّيْطانُ أنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالاً بَعِيدا ﴾ يعني أن الشيطانَ يريدُ أن يصدَّ هؤلاء المتحاكمينَ إلى الطاغوتِ عن سبيلِ الحقِّ والهُدى، فيضلَّهم عنها ضلالاً بعيدًا، يعني: فيجورُ بهم عنها جورًا شديدًا. (الطبري).

61- ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا
ألم ترَ يا محمَّدُ إلى الذينَ يزعمونَ أنهم آمنوا بما أُنزل إليكَ مِن المنافقين، وإلى الذين يزعمونَ أنهم آمنوا بما أُنزِلَ مِن قبلِكَ مِن أهلِ الكتاب، إذا قيلَ لهم: ﴿ تَعَالَوْا ﴾: هلمُّوا إلى حكمِ اللهِ الذي أنزلَهُ في كتابه، ﴿ وَإِلَى الرَّسُولِ ﴾ ليحكمَ بيننا... (الطبري، باختصار).

62- ﴿ فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ﴾.
قيل: هي كلُّ مُصيبةٍ تُصيبُ جميعَ المنافقين، في الدنيا والآخرة. (البغوي).
وقالَ ابنُ عطية: ﴿ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ ﴾ في قتلِ قريبهم ومثلهِ من نقمِ الله تعالى.

67- ﴿ وَإِذاً لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّـا أَجْراً عَظِيمًا ﴾.
يعني بذلك جلَّ ثناؤه: ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ ﴾ [سورة النساء: 66] لإيتائنا إيّاهم على فعلهم ما وُعظوا به من طاعتِنا والانتهاءِ إلى أمرنا ﴿ أَجْراً ﴾ يعني: جزاءً وثواباً عظيماً، وأشدّ تثبيتاً لعزائمهم وآرائهم، وأقوى لهم على أعمالهم.

69- ﴿ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ﴾.
وحسنَ هؤلاءِ الذين نعتهم ووصفهم... (الطبري).
وُصِفوا بالحسنِ من جهةِ كونهم رفقاءَ للمطيعين، أو حالَ كونهم رفقاءَ لهم. (روح المعاني).

73- ﴿ وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِّنَ الله لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمْ تَكُن بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَالَيتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾.
أي: بأن يُضرَبَ لي بسهمٍ معهم فأحصلَ عليه، وهو أكبرُ قصده، وغايةُ مراده. (ابن كثير).

75- ﴿ وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا ﴾.
﴿ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ ﴾. نقلَ في الآيةِ (74) من السورةِ قولَ سعيد بنِ جبير: ﴿ فِي سَبِيلِ اللّهِ ﴾: في طاعةِ الله. ا.هـ. وقالَ الآلوسي: (سبيلُ الله تعالى) يعمُّ أبوابَ الخير. (روح المعاني).
﴿ وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا ﴾:﴿ وَٱجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً ﴾ أي: من يَلي أمرنا، ﴿ وَٱجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ نَصِيراً ﴾ أي: من يمنعُ العدوَّ عنّا. فاستجابَ الله دعوتهم، فلمّا فتحَ رسولُ الله صلّى الله عليه وسلم مكةَ ولَّى عليهم عتاب بنَ أسيد، وجعلَهُ الله لهم نصيراً ينصفُ المظلومين من الظالمين. (البغوي).
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 11-01-2021, 12:58 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,333
الدولة : Egypt
افتراضي رد: عون البصير على فتح القدير


76- ﴿ الَّذِينَ آَمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا .
﴿ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ نقلَ في الآيةِ (74) من السورةِ قولَ سعيد بنِ جبير: ﴿ فِي سَبِيلِ اللّهِ ﴾: في طاعةِ الله. ا.هـ. وقالَ الآلوسي: (سبيلُ الله تعالى) يعمُّ أبوابَ الخير. (روح المعاني).
﴿ فَقاتِلُوا ﴾ أيها المؤمنون ﴿ أوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ ﴾ يعني بذلك: الذين يتولَّونهُ ويطيعونَ أمرَهُ في خلافِ طاعةِ الله والتكذيبِ به، وينصرونه. ﴿ إنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كانَ ضَعِيفًا ﴾ يعني بكيده: ما كادَ به المؤمنين، من تحزيبهِ أولياءَهُ من الكفارِ باللهِ على رسولهِ وأوليائهِ أهلِ الإيمانِ به، يقول: فلا تهابوا أولياءَ الشيطان، فإنما هم حزبهُ وأنصاره، وحزبُ الشيطانِ أهلُ وهنٍ وضَعف.

وإنما وصفَهم جلَّ ثناؤهُ بالضعف، لأنهم لا يقاتلون رجاءَ ثواب، ولا يتركون القتالَ خوفَ عقاب، وإنما يقاتلون حميَّةً أو حسدًا للمؤمنينَ على ما آتاهم اللهُ من فضله، والمؤمنونَ يقاتلُ مَن قاتلَ منهم رجاءَ العظيمِ من ثوابِ الله، ويتركُ القتالَ إنْ تركَهُ على خوفٍ من وعيدِ الله في تركه، فهو يقاتلُ على بصيرةٍ بما له عندَ اللهِ إنْ قُتل، وبما له من الغنيمةِ والظفرِ إنْ سَلم. والكافرُ يقاتلُ على حذرٍ من القتل، وإياسٍ من مَعاد، فهو ذو ضعفٍ وخوف (الطبري).

77- ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ﴾.
﴿ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ ﴾ يقول: وأدُّوا الصلاةَ التي فرضَها الله عليكم بحدودها، ﴿ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ﴾ يقول: وأعطُوا الزكاةَ أهلَها، الذين جعلها الله لهم من أموالِكم، تطهيراً لأبدانكم وأموالكم. (الطبري).

79- ﴿ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ﴾.
﴿ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً ﴾ أي: على أنه أرسلك، وهو شهيدٌ أيضاً بينك وبينهم، وعالمٌ بما تبلِّغُهم إيّاه، وبما يردُّون عليكَ من الحقِّ كفراً وعناداً. (ابن كثير).

85- ﴿ وَكَانَ اللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتًا ﴾.
إنما قال: ﴿ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلّ شَىْء مُّقِيتاً ﴾ تنبيهًا على أن كونَهُ تعالى قادرًا على المقدوراتِ صفةٌ كانت ثابتةً له من الأزل، وليست صفةً محدثة، فقوله: ﴿ كَانَ ﴾ مطلقًا، من غيرِ أن قيدَ ذلك بأنه كان من وقتِ كذا أو حالِ كذا، يدلُّ على أنه كان حاصلًا من الأزل إلى الأبد. (مفاتيح الغيب).

87- ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ
إخبارٌ بتوحيدهِ بالإلهيةِ لجميعِ المخلوقات. (ابن كثير).

92- ﴿ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾.
﴿ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً ﴾ بمن قتلَ خطأً، ﴿ حَكِيماً ﴾ فيما حكمَ به عليكم. (البغوي).

93- ﴿ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ﴾.
وذلك ما لا يعلمُ قدرَ مبلغهِ سواهُ تعالى ذكره. (الطبري).

94- ﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا .
إنَّ اللهَ كان بقتلِكم مَن تَقتلون، وكفِّكم عمِّن تكفُّونَ عن قتلهِ مِن أعداءِ اللهِ وأعدائكم، وغيرِ ذلكَ مِن أمورِكم وأمورِ غيرِكم، ﴿ خَبِيرًا يعني ذا خبرةٍ وعلمٍ به، يحفظهُ عليكم وعليهم، حتى يجازيَ جميعَكم به يومَ القيامة، جزاءَ المحسنِ بإحسانه، والمسيءِ بإساءته. (الطبري).

95- ﴿ وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا .
يعني: على القاعدين من غيرِ عذر. (البغوي).
أي: أعطاهم زيادةً على القاعدين أجراً عظيماً. (روح المعاني).

96- ﴿ دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾.
﴿ دَرَجَـٰتٍ مِّنْهُ ﴾: فضائلَ منه ومنازلَ من منازلِ الكرامة... ثم قال: وأولَى التأويلات بتأويلِ قوله ﴿ دَرَجَـٰتٍ مِّنْهُ ﴾ أن يكونَ معنيًّا به درجاتِ الجنة، ﴿ وَمَغْفِرَةً ﴾: وصفحَ لهم عن ذنوبهم، فتفضَّلَ عليهم بتركِ عقوبتهم عليها، ﴿ وَرَحْمَةً ﴾: ورأفةً بهم، ﴿ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً ﴾: ولم يزلِ الله غفورًا لذنوبِ عبادهِ المؤمنين، فيصفحُ لهم عن العقوبةِ عليها، رحيمًا بهم، يتفضَّلُ عليهم بنعمه، مع خلافهم أمرَهُ ونهيه، وركوبهم معاصيه. (الطبري، باختصار).

97- ﴿ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا
أي: فهؤلاء الذين وصفتُ لكم صفتَهم، الذين توفَّاهم الملائكةُ ظالمي أنفسِهم، مصيرُهم في الآخرةِ جهنَّم، وهي مسكنُهم، وساءتْ جهنمُ لأهلِها، الذين صاروا إليها مصيرًا ومسكنًا ومأوى (الطبري، باختصار).

99- ﴿ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا ﴾.
وهو ربٌّ كريم، يعفو عن النَّاس، ويغفرُ ذنوبَهم، على كثرةِ ما يُخطِئونَ ويُذنِبون. (الواضح في التفسير).

101- ﴿ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا ﴾.
﴿ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ ﴾ قال: تقدَّمَ تفسيرُ الضربِ في الأرضِ قريبًا. ويعني في الآيةِ (94) من السورة: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ﴾ قالَ هناك: والضرب: السيرُ في الأرض، تقولُ العرب: ضربتُ في الأرض: إذا سرتُ لتجارةٍ أو غزوٍ أو غيرهما، وتقول: ضربتُ الأرض، بدونِ "في": إذا قصدتُ قضاءَ حاجةِ الإنسان. ا.هـ.
﴿ إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا ﴾: يعني: الجاحدونَ وحدانيةَ اللهِ كانوا لكم عدوًّا، قد أبانوا لكم عداوتَهم، بمناصبتِهم لكم الحربَ على إيمانِكم باللهِ وبرسوله، وتركِكم عبادةَ ما يعبدون من الأوثانِ والأصنام، ومخالفتِكم ما هم عليه من الضلالة. (الطبري).

102- ﴿ إنَّ اللَّهَ أعَدَّ للكافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا ﴾.
يعني بذلك: أعدَّ لهم عذابًا مذلاًّ، يبقونَ فيه أبدًا، لا يخرجونَ منه، وذلك هو عذابُ جهنَّم. (الطبري).

104- ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾.
أي: هو أعلمُ وأحكمُ فيما يقدِّرهُ ويقضيه، وينفذهُ ويمضيه، من أحكامهِ الكونيةِ والشرعيةِ، وهو المحمودُ على كلِّ حال. (ابن كثير).

105- ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ ﴾.
﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ ﴾ أي: هو حقٌّ من الله، وهو يتضمَّنُ الحقَّ في خبرهِ وطلبه. (ابن كثير).
﴿ لِتَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ ﴾: برِّهم وفاجرهم. (روح المعاني).

106- ﴿ وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾.
قالَ رحمَهُ الله في معنى الاستغفار، في الآيةِ (110) من السورة: يَطلبُ من الله أن يغفرَ له ما قارفَهُ من الذنب.

112- ﴿ وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ﴾.
بيَّنَهُ في الآيةِ السابقة، فقال: الكسب: ما يجرُّ به الإنسانُ إلى نفسهِ نفعاً، أو يدفعُ به ضرراً، ولهذا لا يسمَّى فعلُ الربِّ كسباً، قالَهُ القرطبي.

113- ﴿ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾.
أنزلَ عليكَ الكتاب، وهو القرآن، الذي فيه بيانُ كلِّ شيء، وهدًى وموعظة، ﴿ وَٱلْحِكْــمَةِ ﴾: يعني وأنزلَ عليكَ مع الكتابِ الحكمة، وهي ما كانَ في الكتابِ مجملاً ذكره، من حلالهِ وحرامه، وأمرهِ ونهيه، وأحكامه، ووعدهِ ووعيده. (الطبري).

115- ﴿ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾.
قال ابنُ كثير رحمَهُ الله: جعلَ النارَ مصيرَهُ في الآخرة؛ لأن مَن خرجَ عن الهُدَى لم يكنْ له طريقٌ إلا إلى النارِ يومَ القيامة.

116- ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾.
قال: تقدَّمَ تفسيرُ هذه الآية. ويعني في الآية (48) من السورة، وقد قالَ هناك: هذا الحكمُ يشملُ جميعَ طوائفِ الكفار، من أهلِ الكتابِ وغيرهم، ولا يختصُّ بكفارِ أهلِ الحرب؛ لأن اليهودَ قالوا: عُزيرٌ ابنُ الله، وقالتِ النصارى: المسيحُ ابنُ الله، وقالوا: ثالثُ ثلاثة.
ولا خلافَ بين المسلمين أن المشركَ إذا ماتَ على شركهِ لم يكنْ من أهلِ المغفرة، التي تفضَّلَ الله بها على غيرِ أهلِ الشرك، حسبما تقتضيهِ مشيئته، وأما غيرُ أهلِ الشركِ من عُصاةِ المسلمين، فداخلون تحت المشيئة، يغفرُ لمن يشاء، ويعذِّبُ من يشاء.

قالَ ابنُ جرير: قد أبانتْ هذه الآيةُ أن كلَّ صاحبِ كبيرةٍ في مشيئةِ الله عزَّ وجلَّ، إن شاءَ عذَّبه، وإن شاءَ عفا عنه، ما لم تكنْ كبيرتهُ شركاً بالله عزَّ وجلّ.
وظاهرهُ أن المغفرةَ منه سبحانهُ تكونُ لمن اقتضتهُ مشيئته، تفضلاً منه ورحمة، وإن لم يقعْ من ذلك المذنبِ توبة، وقيَّدَ ذلك المعتزلةُ بالتوبة. ا.هـ.
وقال الإمامُ الطبري مختصرًا وبما يناسبُ الموقف: إنَّ اللهَ لا يغفرُ لـ "طعمة" إذْ أشركَ وماتَ على شركهِ بالله، ولا لغيرهِ مِن خلقهِ بشركهم وكفرهم به، ويغفرُ ما دونَ الشركِ باللهِ مِن الذنوبِ لمن يشاء.

121- ﴿ أُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلاَ يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا ﴾.
أي: مصيرُهم ومآلهم يومَ القيامة، ﴿ وَلاَ يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصاً ﴾ أي: ليس لهم عنها مندوحة... (ابن كثير).

122- ﴿ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا
والذين آمنوا باللهِ ورَضُوا بدينه، وأتْبَعُوا إيمانَهم بالأعمالِ الصالحة، ونفَّذوا ما أُمِروا به مِن الخيرات، نُدخلُهم جنّاتٍ تجري مِن تحتِها الأنهار، مع خلودٍ دائم. (الواضح).

123- ﴿ لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ﴾.
الأمانيّ: جمعُ أمنوية، وزنها أفعولة، وهي ما يتمناهُ المرءُ ويطيعُ نفسَهُ فيه... (ابن عطية).

124- ﴿ وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ ﴾.
دخلت ﴿ مِنَ ﴾ للتبعيض، إذ ﴿ الصَّالِحَاتَ ﴾ على الكمالِ مما لا يطيقهُ البشر، ففي هذا رفقٌ بالعباد، لكنْ في هذا البعضِ الفرائض، وما أمكنَ من المندوبِ إليه. (ابن عطية). وعند الطبري أطولُ وأوضح.

126- ﴿ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ
الجميعُ مُلكهُ وعبيدهُ وخَلقه، وهو المتصرِّفُ في جميعِ ذلك، لا رادَّ لما قضَى، ولا معقِّب لما حكم، ولا يُسألُ عمّا يفعل، لعظمتهِ وقدرتهِ، وعدلهِ وحكمته، ولطفهِ ورحمته. (ابن كثير).

131- ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾.
﴿ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ﴾ يعني: أهلَ التوراةِ والإِنجيلِ وسائرَ الأممِ المتقدِّمةِ في كتبهم. ﴿ أَنِ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ﴾ أي: وحِّدوا اللَّهَ وأطيعوه. (البغوي).

133- ﴿ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآَخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا ﴾.
أي: هو قادرٌ على إذهابِكم وتبديلِكم بغيركم إذا عصيتُموه. (ابن كثير).

135- ﴿ فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ﴾.
﴿ فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى ﴾ قالَ رحمَهً الله: نهاهم عن اتباعِ الهوى. وأتبعَهُ من بعدُ بقولِ ابنِ عباسٍ رضيَ الله عنهما: فتذَروا الحقَّ وتجوروا.
وقد قالَ الإمامُ الطبري:فلا تتبعوا أهواءَ أنفسكم...
وقالَ ابنُ كثير: فلا يحملنَّكم الهوى والعصبيةُ وبغضُ الناسِ إليكم...
﴿ خَبِيرًا ﴾: يعني ذا خبرةٍ وعلمٍ به، يحفظُ ذلكَ منكم عليكم حتى يجازيَكم به جزاءَكم في الآخرة، المحسنَ منكم بإحسانه، والمسيءَ بإساءته. يقول: فاتَّقوا ربَّكم في ذلك. (الطبري).

136- ﴿ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴾.
فقد ذهبَ عن قصدِ السبيل، وجارَ عن محجَّةِ الطريقِ إلى المهالكِ ذهابًا وجورًا بعيدًا، لأنَّ كفرَ مَن كفرَ بذلك خروجٌ منه عن دينِ اللهِ الذي شرعَهُ لعباده، والخروجُ عن دينِ الله: الهلاكُ الذي فيه البوار، والضلالُ عن الهُدَى هو الضلال. (الطبري).

139- ﴿ الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ ﴾.
أي: المعونةَ والظهورَ على محمدٍ صلَّى الله عليه وسلم وأصحابه. وقيل: أيطلبون عندهم القوةَ والغلبة؟ (البغوي).


146- ﴿وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا﴾.
وعدَ المؤمنين "الأجرَ العظيم"، وهو التخليدُ في الجنة. (ابن عطية، باختصار).

147- ﴿ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا
أي: مَن شكرَ شكرَ له، ومَن آمنَ قلبهُ به علمَه، وجازاهُ على ذلكَ أوفرَ الجزاء. (ابن كثير).



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 385.32 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 379.25 كيلو بايت... تم توفير 6.07 كيلو بايت...بمعدل (1.58%)]