عقوبة من ينال من نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم

[ابوالوليد المسلم]

عقوبة من ينال من نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم



قصة كسرى وقيصر مع النبي صلى الله عليه وسلم جديرة بالتأمل، فقد كتب إليهما النبي فامتنع كلاهما عن الإسلام، لكن قيصر أكرم النبي صلى الله عليه وسلم ، وأكرم رسوله، فثبت الله عز وجل ملكه، وكسرى مزّق كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واستهزأ برسوله فقتله الله بعد فعلته بقليل، ومزّق ملكه كل ممزق، ولم يبق للأكاسرة ملك.
ومما ذكره السهلي أنه بلغه أن هرقل وضع الكتاب في قصبة من ذهب تعظيما له، وهم لم يزالوا يتوارثونه، وكانوا يقولون: «أوصانا أنه ما دام هذا الكتاب عندنا لا يزال الملك فينا، فنحن نحفظه غاية الحفظ ونعظمه ونكتمه».
وموقف آخر جدير بالتأمل ما ذكره الكتاني في (ذيل مولد العلماء) أنه ظهر في زمن الحاكم العبيدي (الفاطمي) رجل سمى نفسه: هادي المستجيبين، وكانوا يدعون إلى عبادة الحاكم، وحكي عنه أنه سب النبي صلى الله عليه وسلم ، وبصق على المصحف، فلما ورد مكة شكاه أهلها إلى أميرها، فدافع عنه، واعتذر بتوبته، فقالوا: مثل هذا لا توبة له! فأبى، فاجتمع الناس عند الكعبة وضجوا إلى الله، فأرسل الله ريحا سوداء حتى أظلمت وصار إلى الكعبة فوق أستارها كهيئة الترس الأبيض له نور كنور الشمس، فلم يزل كذلك يُرى ليلا ونهارا، فلما رأى أمير مكة ذلك أمر بـ«هادي المستجيبين» فضرب عنقه وصلب.
وموقف ثالث ذكره القاضي عياض في «الشفاء» إذ ذكر إجماع فقهاء قيروان وأصحاب سحنون على قتل إبراهيم الغزاوي، وكان شاعرا متفننا في كثير من العلوم، وكان يستهزئ بالله وأنبيائه ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، فأمر القاضي حي بن عمر بقتله وصلبه، فطعن بالسكين وصلب مُنكسا، وحكى بعض المؤرخين أنه لما رفعت خشبته وزالت عنها الأيدي استدارت وحولته عن القبلة فكان آية للجميع، وكبّر الناس، وجاء كلب فولغ في دمه.
وموقف رابع لما قال عقبة بن أبي لهب: «والله لأنطلقن إلى محمد ولأوذينه في ربه»، فقال: يا محمد «هو يكفر» بالذي دنى فتدلى، فكان قاب قوسين أو أدنى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «اللهم سلط عليه كلبا من كلابك»، فلما نقل عتبة لأبيه ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم ، قال الأب: يا بني والله ما آمن عليك دعاءه.
فلما ذهبوا إلى بلاد الشام ونزلوا بأرض بالشراة وهي كثيرة الأسد، وكان أبو لهب أوصى بأن ينام ابنه في صومعة وهم ينامون حوله، قالوا: فجاء الأسد فشم وجوهنا فلما لم يجد ما يريد تقبض فوثب وثبة، فإذا هو فوق المتاع فشم وجهه ثم هزمه هزمة ففسخ رأسه «تفسير ابن كثير» و«الصارم المسلول على شاتم الرسول».
وصدق الله تبارك وتعالى إذ يقول: {إنا كفيناك المستهزئين}، والكفاية ليست مقصورة على إهلاك المعتدي بقارعة أو نازلة، بل صور هذه الكفاية والحماية متنوعة ومتعددة، فقد يسلط الله عليه رجلا من المؤمنين، فالخُطمية التي هجت النبي صلى الله عليه وسلم انتدب لها رجل من قومها فقتلها، واليهودية التي كانت تشتم النبي صلى الله عليه وسلم خنقها رجل حتى ماتت «أبوداود»، وأبو عَفَك اليهودي الذي هجا النبي صلى الله عليه وسلم اقتص منه سالم بن عمير.
والله عز وجل يصرف الشتيمة والذم والاستهزاء إلى غيره صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «ألا ترون كيف يصرف الله عني شتم قريش ولعنهم، يشتمون مذمما، ويعكنون مذمما، وأنا محمد» رواه البخاري.
للأسف أصبحت هناك جرأة على التشكيك في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم والطعن فيها، وفلتات اللسان حول أزواجه الأطهار وبناته الأشراف، وتعدى الحد إلى شتيمة النبي صلى الله عليه وسلم والاستهزاء به والسخرية منه، ومن بني جلدتنا!
فالله عز وجل أعطى مكانة كبيرة من التوقير والاحترام لنبيه صلى الله عليه وسلم فكان يناديه: {يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين}، فواجب علينا الإيمان به: {فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي}، وطاعته: {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا}، وأن نتخذه قدوة: {لقد كان لكم في رسوله الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر}، وأمرنا بالتأدب معه ومع حديثه: {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم}، وحذرنا ربنا من إيذاء نبيه صلى الله عليه وسلم : {والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم}، وسيحبط أعمال كل من يؤذيه: {إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وشاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى لن يضروا الله شيئا وسيحبط أعمالهم}، ويختم الله على قلب من يؤذيه: {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا}.
وأجمع أهل العلم على أن من سب النبي صلى الله عليه وسلم قُتل ولم يستتب ويقتل كالزنديق، ولا فرق بين الذي يقصد أو يتعذر بأنه يهزل أو يمزح، كمن قال: {إنما كنا نخوض ونلعب}، فقال الله: {أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم}.
فيجب الدفاع والذود عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وسنته وأزواجه وآل بيته الكرام، والله المستعان.


اعداد: د.بسام خضر الشطي