من صور وأنواع الربا في الجاهلية - ملتقى الشفاء الإسلامي
 

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12535 - عددالزوار : 215451 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »          اضطراباتي النفسية دمرتني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »          زوجي مصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 182 - عددالزوار : 61211 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 123 - عددالزوار : 29185 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > فتاوى وأحكام منوعة

فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 28-07-2020, 03:05 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي من صور وأنواع الربا في الجاهلية

من صور وأنواع الربا في الجاهلية


الشيخ عبدالله بن صالح القصيِّر




كان من صور ما اشتهر بـ: (ربا الجاهلية) ما يلي:

1- أخْذ الربا على الدَّين:

وذلك بأنْ يبيع الرجل على رجلٍ آخَر البيعَ إلى أجلٍ مسمى، فإذا حلَّ الأجل ولم يكنْ عند صاحبه قَضاء، زادَه وأخَّر عنه، وهذه الزيادة من وجوه:

أ‌) فقد تكون بفرضٍ من الدائن على المدين؛ حيث يقول له: أتقضي، أم تربي؟ يعني: تزيدني على ما عليك وأصبر أجلاً آخَر[1].



ب‌) وقد تكون بعرض المَدِين؛ حيث يقول لدائنه: زدني في الأجل وأزيدك في المال، فكانت ثقيف تُدايِن في بني المغيرة في الجاهليَّة، فإذا حلَّ الأجل قالوا: نزيدكم وتُؤخِّرون، وهذا هو الربا أضعافًا مضاعفة الذي نهى الله عنه بقوله: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً ﴾ [آل عمران: 130].



ت‌) وكان التضعيف في النقد، فإذا كان له عنده مائة يجعَلُها إلى العام القابل مائتين، فإنْ لم يكن عنده جعَلَها أربعمائة، يُضاعِفها كلَّ سنة أو يقضيه، وكذلك في السنِّ من الحيوان، إذا كان له عنده ابنة مخاض يجعلها ابنة لبون في السنة الثانية، ثم حِقَّة، ثم جَذَعَة رباعيًّا... ثم هكذا إلى فوق[2].



2- أخذ الربا على القرض:

فكان الواحدُ منهم يدفَع ماله لغيره قَرْضًا إلى أجلٍ مسمى بزيادة - نظير امتداد الأجل - على ما يتَّفقان عليه، على أنْ يأخُذ منه في كلِّ شهر قسطًا من هذه الزيادة، ورأس المال باقٍ بحاله، وقد يُؤخر تسليم الزيادة إلى نهاية الأجل فيقبضها مع رأس المال:

أ‌) فكان العباسُ بن عبدالمطلب ورجلٌ من بني المغيرة شريكَيْن في الجاهليَّة سلَّفا - أي: أقرَضا - في الربا إلى أناسٍ من ثقيف من بني عمرو - وهم بنو عمرو بن عمير - فجاء الإسلام ولهما أموالٌ عظيمة في الربا، فأنزل الله قوله: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [البقرة: 278]؛ أي: من فضلٍ كان في الجاهليَّة من الربا.



ب‌) وكان بعضٌ من تجار قريش يستَقرِضون من آحاد الناس بمكة الدراهم والدنانير؛ ليتوسَّعوا بها في تجارتهم في رحلة الشتاء والصيف، على أنْ يردُّوا أفضل منها إذا رجَعُوا من رحلتهم التجاريَّة، وقيل: إنَّ ذلك كان من أسباب نفير قريش قاطبةً حينما استنجد بهم أبو سفيان، لما علم قصْد النبي صلى الله عليه وسلم لعيرهم التي قدم بها أبو سُفيان من الشام، وكان ذلك سببًا في وقعة بدر المشهورة، التي نصَر الله بها المسلمين الذين كانوا يدينون بتحريم الربا، على المشركين الذين قالوا: ﴿ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ﴾ [البقرة: 275].



فهذان النَّوعان من الربا هما اللذان اشتَهَرا بـ(ربا النسيئة)، من النَّساء، وهو التأخير؛ لأنَّ الدائن يأخُذ الربا على الأوَّل مقابل تأجيل الدَّين الحالِّ إلى أجلٍ مُسمى آخَر، وعلى القرض نظير بَقاء المال المُقْرض في الذمَّة، وهما اللذان قال فيهما النبيُّ صلى الله عليه وسلم معظمًا لشأنهما، مبيِّنًا لخطرهما: "إنما الربا في النسيئة"[3]، وفي رواية: "الربا في النسيئة"[4]، وفي رواية: "لا ربا إلا في النسيئة"[5].



يعني: الربا الأغلظ الشديد التحريم والضَّرر، في النسيئة؛ وذلك لكثرة ضرَرِه، وبليغ مَفسَدته.



ومن صور (ربا النسيئة) بيع النقدِ بالنقدِ إلى أجَلٍ، أو من غير تقابُض في المجلس، ولو لم يكُن هناك زِيادة، وهو واقعٌ (اليوم) كثيرًا في المصارف، وعند باعة الحلي، كما سيمرُّ بك إن شاء الله في موضعه، وهو أحد وجوه دخول ربا الفضل في ربا الجاهليَّة، وأنَّه (في الحقيقة) منه وليس قسيمًا له.



3- ربا الفضل:

وهو بيْع الشيء من الذهب أو الفضة أو البُرِّ أو الشعير أو التمر أو الملح، أو ما شارَك هذه الأصناف في العلَّة؛ بنَظِيره، مع تفضيل - زيادة - أحد المبيعين على الآخَر، أو كون أحدهما مقبوضًا في الحال والآخر مُؤجَّلاً؛ لما في صحيح مسلم عن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "الذهبُ بالذهبِ، والفضَّة بالفضَّة، والبُرُّ بالبُرِّ، والشعيرُ بالشعيرِ، والتمْر بالتمْر، والمِلح بالمِلح، مِثْلاً بمثْل، يدًا بيد، فمَن زاد أو استَزاد فقد أربى، الآخِذ والمُعطِي فيه سَواء"[6]، وفي رواية: "مثْلاً بمثْل، سَواء بسَواء، يدًا بيدٍ، فإذا اختَلفتْ هذه الأصْناف فبِيعُوا كيف شِئتُم؛ إذا كان يدًا بيد"[7].



فلا بُدَّ في بيْع الصِّنف من هذه الأشياء بجِنسِه من المُماثَلة في النوع والوزن والصِّفة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : "لا تَبِيعوا الذهبَ بالذهبِ، ولا الوَرِقَ بالوَرِقِ - الفضة بالفضة - إلاَّ وزنًا بوزنٍ، مثْلاً بمثْل، سَواء بسَواء"[8]، وقوله صلى الله عليه وسلم : "لا تَبِيعوا الذهبَ بالذهبِ إلا مثْلاً بمثْل، ولا تُشِفُّوا بعضَها على بعضٍ؛ أي: لا تفضلوا"[9].



وأنْ يكون يدًا بيدٍ؛ أي: مقبوضًا في الحال؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : "يدًا بيدٍ"[10]، "هاءَ وهاءَ"[11]، وقوله صلى الله عليه وسلم : "ولا تَبِيعوا منها غائبًا بناجِزٍ"[12].



أمَّا عند بيع الصِّنف بصِنفٍ آخَر، فلا بُدَّ فيه من أنْ يكون مقبوضًا في الحال فقط؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : "بِيعُوا الذهبَ بالفضَّة كيف شِئتُم يدًا بيدٍ، وبِيعُوا البُرَّ بالتمر كيف شِئتُم يدًا بيد، وبِيعُوا الشعير بالتمر كيف شِئتُم يدًا بيد"[13].



فتفضيل أحدِ المَبِيعين من هذه الأصناف على نَظِيره بصفةٍ أو وزنٍ؛ ربا.

وبَيْعُه بنظيرِه متماثلاً لكن أحدهما حاضر والآخر غائبٌ؛ ربًا.

وبيع الصِّنف بغير نَظِيرِه وأحدهما حاضرٌ والآخر غائبٌ؛ ربًا أيضًا.



فربا الفضل من ربا الجاهليَّة الذي كانت تجري به مُعامَلاتها، لكنَّه لما كان أقلَّ من سابقيه - أعني: القرض وربا الدَّين - ضررًا، وأهون خطرًا؛ فكان أقلَّ ظلمًا؛ كان أضعف ذِكرًا، وأقلَّ اشتهارًا بالنسبة لسابِقِيه؛ ولذلك خَفِيَ حكمُه على بعض الصحابة رضوان الله عليهم حتى ظلُّوا يَتبايَعون به بعدَ مقدم النبيِّ صلى الله عليه وسلم المدينة، فلمَّا عَلِمَ النبي صلى الله عليه وسلم به أنكَرَه عليهم، وبيَّن أنَّه ربا، ونهى عنه، وأمر بردِّ المَبِيع بسببه.



ففي الصحيحين عن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه قال: كنَّا نُرزَق تمرَ الجَمْعِ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الخِلْط من التمر - يعني: الرديء - فكنَّا نبيع صاعين بصاع، فبلَغ ذلك النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: "لا صاعَيْ تمرٍ بصاع، ولا صاعَيْ حِنطةٍ بصاع، ولا درهمَ بدرهمين"[14].



فنهَى صلى الله عليه وسلم عن بيْع صاعَيْن من الجنْس الواحد بصاعٍ، وعن درهم بدرهمين؛ لما في ذلك من الزيادة بغير الحق، وهي الربا.



وفي روايةٍ قال: جاء بلال إلى النبي صلى الله عليه وسلم بتمرٍ بَرنِيٍّ - نوع جيِّد من التمر - فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : "من أين هذا؟" فقال: كان عندي تمر رديء فبعتُ منه صاعين بصاع؛ لمطعم النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك: "أوَّه، عين الربا، عين الربا، لا تفعل! ولكن إذا أردت أن تشتري - يعني: تمرًا جيدًا - فبع التمر بيعًا آخَر ثم اشترِ به"[15].



فأنكر النبيُّ صلى الله عليه وسلم تفضيلَ أحد المبيعين من جنس واحد على الآخَر، ولو كان أحدهما طيبًا والآخَر رديئًا، وحكم بأنَّه ربا، ونهى عنه، وبين سبيل الخروج منه.



ففي روايةٍ لمسلم قال صلى الله عليه وسلم لبلال: "ويلك أربيت - يعني: أخذت الربا - إذا أردت ذلك - يعني: تشتري تمرًا طيبًا - فبِعْ تمرك بسلعة، ثم اشترِ بسِلعتك أيَّ تمرٍ شئتَ"[16].



وفي روايةٍ لمسلمٍ أيضًا قال صلى الله عليه وسلم : "هذا الربا فردُّوه، ثم بِيعُوا تمرنا واشتروا لنا من هذا"[17].



ففي ذلك إبطالٌ لعقْد الربا، حتى ولو كان العاقد لم يعلَم بأنَّه ربا إلاَّ بعدما تَمَّ العقد، فكيف إذا كان عالمًا بذلك؟!



ولذا فإنَّ أبا سعيدٍ رضي الله عنه لما ذكر قوله صلى الله عليه وسلم لمن اشترى الصاع من التمر الطيِّب بصاعين من الرديء: "ويلك أربيت"، قال: "فالتمر بالتمر أحقُّ أنْ يكون ربا أم الفضة بالفضة؟"[18]؛ يعني: أنَّ ربا الفضة بالفضة أخطر من ربا التمر بالتمر.



قلت: فالآن التمر بالتمر أحقُّ أنْ يكون ربا، أم الريال بالريال، والدولار بالدولار؟!



والمقصود أنَّ هذا البيانَ الجليَّ منه صلى الله عليه وسلم لربا الفضل فيه فوائد؛ منها:


1. إنكاره صلى الله عليه وسلم لِمَا حصل من التعامُل بربا الفضل - من بعض الصحابة الذين خَفِيَ عليهم حكمُه - بعد نزول الآيات القرآنية بشأن الربا؛ كما في قوله صلى الله عليه وسلم - كما عند مسلم -: "لا تفعَلُوا - أي: لا تبيعوا هذا البيع - ولكن مثلاً بمثل، أو بيعوا هذا واشتروا بثمنه من هذا، وكذلك الميزان - يعني: الموزون"[19].



2. بيانُه صلى الله عليه وسلم أنَّ هذا النوع من الربا المحرَّم بنص القرآن، والمنهي عنه، والمتوعَّد عليه بأشدِّ أنواع الوعيد بالعذاب في الدُّنيا والآخرة، كيف وقد قال صلى الله عليه وسلم كما في رواية مسلم السابقة: "أوَّه، عين الربا، لا تفعل" [20]؛ أي: حقيقة الربا المنهي عنه بالقرآن؟.



3. إبطاله صلى الله عليه وسلم لتلك العُقود؛ حتى ولو كان العاقد غيرَ عالمٍ بحُكمها؛ لأنَّها عقودٌ محرَّمة؛ لما فيها من الظلم والغبن؛ كما في قوله صلى الله عليه وسلم : "هذا الربا فردُّوه، ثم بِيعُوا تمرَنا واشتروا لنا من هذا"[21]، وقوله صلى الله عليه وسلم : "أضعفت؟ أربَيْت؟ لا تقربنَّ هذا، إذا رابَك من تمرك شيءٌ فبعْه، ثم اشتَرِ الذي تريدُ من التمر"[22].




وفي هذا تنبيهٌ منه صلى الله عليه وسلم على أنَّ هذا داخلٌ في ربا الجاهليَّة المذكور في قوله تعالى: ﴿ لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً ﴾ [آل عمران: 130]، وأمثالها، وفي قوله صلى الله عليه وسلم : "لعَن الله آكِلَ الربا ومُوكِله..."[23] إلى آخِر الحديث.



فهل بعد هذا البَيان من الرسول صلى الله عليه وسلم بيان؟!

وهل على هذه الذكرى منه صلى الله عليه وسلم مزيد؟!



ولكن صدَق الله العظيم إذ يقول: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾ [ق: 37]، وقال سبحانه: ﴿ سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى * وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى * الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى ﴾ [الأعلى: 10- 12].



وممَّا سبق تتبيَّن لك - أيها الأخ المسلم المنصف - الأمورُ التالية:

أولاً: أنَّ أشهر صُوَرِ ربا الجاهلية ثلاث، مرتَّبة - في الشُّهرة والخطورة - بحسب ترتيبها في الذكر، وهي:

أ‌) ربا الدَّين: وهو الفائدة التي تُفرَض أو تُعطَى نظير تأجيل الدَّين الحالِّ إلى أجلٍ آخَر مسمى.

ب‌) ربا القرض: وهو الفائدة التي تُشتَرط على القرض ابتداءً نظير بَقائِه في الذمَّة مدَّةً معلومة.

ت‌) ربا الفضل: وهو الفائدة التي تُشتَرط عند بيع الشيء من الأصناف المذكورة في قوله صلى الله عليه وسلم : "الذهب بالذهب..."[24] الحديث.



وهكذا ما شارَكها في العلَّة، وهي ما يفضُل به أحد المبيعين على نَظِيره إنْ كان ناجزًا - يعني: التسليم والاستلام حالاًّ - أو أحدهما ناجزًا والآخَر غائبًا، أو كلاهما غائبين.



وهنا يجتَمِع في مثْل هذا البيع ربا الفضل وربا النَّساء؛ ولهذا جعلته نوعًا من ربا الجاهليَّة؛ لأنَّه تحقَّق به بيعُ الشيء بنَظِيره مع الزِّيادة في أحد البدلين، وأنَّ ذلك مقابل التأجيل، وهو النَّساء.



فهذه الصُّوَر هي أشهر صُوَرِ ربا الجاهليَّة الأولى والمعاصِرة، وأصوله وأمَّهاته، وكليَّاته وجوامعه، وما لم يكن مشهورًا، أو اشتهر فيما بعدُ، أو اختُرِع في هذا العصر، فهو فرعٌ من إحدى هذه الصور أو كلها أو نظيرها، فلا تخدعنك المسميات: ﴿ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ ﴾ [الروم: 60]، فما أكثر المشبِّهين والمحتالِين!



ولقد صَحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: "لعنة الله على اليهود؛ لما حرم الله عليهم شحومَ الميتة، جَمَلوه - أي: أذابُوه - فباعُوه وأكَلُوا ثمنه"[25].



وكذا أصحاب السبت، لما حرَّم الله عليهم صيدَ السمك يوم السبت، حفَرُوا له التُّرَع في الماء فحبَسُوه يوم السبت، ثم أخَذُوه يوم الأحد؛ قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ ﴾ [الأعراف: 166].



وما أكثر المُحتالين على شرْع الله تعالى! فلا تغترَّ بهم؛ فإنَّ الله تعالى قال بشأنهم: ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ﴾ [إبراهيم: 42].



ثانيًا: أنَّ نصوص النَّهي عن الربا في القُرآن والسنَّة عامَّة لكلِّ ما ثبَت أنَّه ربا؛ سَواء كان موجودًا زمن الجاهليَّة، أو وُجِدَ فيما بعدُ إلى يوم القيامة؛ لأنَّ الأصل أنَّ تُحمَل نصوص الشرع على عُمومِها.



ومن ذلك ما جاء بشَأن الربا فيما دلَّت عليه، فلا يُستَثنى من أحكامها شيءٌ من أفرادِ ما دلَّت عليه، إلا بدليلٍ يخصُّه من الكتاب والسنَّة؛ ولذلك لما خفي على بعض الصحابة بعضُ صور ربا الفضل، نبَّههم النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنَّه من حقيقة الربا المنهيِّ عنه في القُرآن، وحكم عليه بالحكم نفسه من إبطال العقد، وردِّ المَبِيع.



قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة[26]: "نصُّ النهي عن الربا في القرآن يَشمَلُ كلَّ ما نهى عنه من ربا النَّساء والفَضل، والقَرض الذي يجرُّ منفعةً، وغير ذلك، فالنص متناولٌ لذلك كلِّه.



وقد تحقَّق الاتِّفاق من أهل الفَتوى من الصحابة والتابعين، وأئمَّة أهل العلم من بعدهم على تحريم سلَفٍ وبيعٍ، أو قرضٍ جرَّ نفعًا، إذا كان مشروطًا أو في معناه، وأنَّ ذلك من الربا".



قال ابن المنذر في كتابه الإجماع[27]: "أجمَعُوا على أنَّ المسلف إذا شرط على المقترض زيادةً أو هديَّةً، فأسلف على ذلك: أنَّ أخْذ الزيادة على ذلك ربا؛ سَواء كانت الزيادة في القدْر أو الصِّفة".



ثالثًا: أنَّ القول بإباحة ربا القرض وربا الفضل، وأنهما ليسا من ربا الجاهلية المنصوص عليه في القرآن، كما زعم ذلك مَن كتب في إباحتهما، وتولى كِبرَ تضليل الناس بشأنهما[28] قولٌ خطير، وجُرمٌ كبير، وقولٌ على الله بلا علمٍ: ﴿ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ اللَّهَ عِلْمٍ ﴾ [الأنعام: 144]، وإلاَّ فالحقيقة أنهما داخِلان في الربا اسمًا في قوله صلى الله عليه وسلم : "الذهب بالذهب ربًا..."[29] إلخ.



وحقيقة: في قوله صلى الله عليه وسلم : "أوَّه، عين الربا"[30]؛ أي: حقيقة، وقوله صلى الله عليه وسلم : "أضعفت أربيت"[31]، وفي ذلك إحالةٌ على ما جاء في القرآن بشأن الربا المضاعَف، وما توعَّد الله تعالى به أهلَه من العُقوبات العاجِلة والآجِلة.



وحُكمًا: حيث نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بردِّ المبيع[32].



وقد مرَّ بك فيما سبَق أنَّ ربا القرض ممَّا كانت تجري به مُعامَلات أهل الجاهليَّة، فهو من أوَّل وأولى ما يَدخُل في نصوص النهي عن الربا.



وجملةُ ما يَستَدِلُّ به ذاك المبطل على ما ذهَب إليه من إباحتهما:

أ‌- إمَّا نصوص لا تدلُّ على ما يريد؛ كالاستدلال بأحاديث بيع السَّلَم، الذي هو من مَحاسِن الشريعة، أباحَه الله لحاجة العِباد إليه، وشرَط فيه شُروطًا تُخرِجه عن المعاملات المحرَّمة، فهو: عقْد على موصوفٍ في الذمَّة، بصفاتٍ تميِّزه وتُبعِده عن الجهالة والغرَر، إلى أجَل معلوم بثمَن مُعجَّل في المجلس، يشتَرِك فيه البائع والمشتري في المصلحة المترتِّبة على ذلك؛ فالبائع ينتفع بالثمن من تأمين حاجاته الحاضرة، والمشتري ينتفع بالمسلم فيه عند حُلوله؛ لأنَّه اشتَراه بأقلَّ من ثمنه عند الحلول وذلك في الغالب فحصل للمُتعاملين في عقد السَّلَم الفائدة دون ضَرَرِه، لا غرَر ولا جهالة ولا ربا.



أمَّا المعامَلات الربويَّة التي يرمي المستدلُّ بالسَّلَم إلى إباحتها، فهي مشتملةٌ على زيادة معيَّنة، نصَّ الشارع على تحريمها في بيع جنسٍ بجنسه نقدًا أو نَسِيئة، وجعَلَه من أكبر الكبائر وأعظم الذنوب؛ لما له سبحانه في ذلك من الحكمة البالغة، ولما للعباد في ذلك من المصالح العظيمة، والعَواقِب الحميدة، التي منها: سلامتهم من تراكم الديون عليهم، ومن تعطيل المشاريع النافعة والصِّناعات المفيدة اعتِمادًا على فوائد الربا.



فإباحة السَّلَم وتحريم ربا القرض والفضل كلاهما من تشريع العليم الحكيم: ﴿ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [المائدة: 50].



وإمَّا كلامٌ لبعض أهل العلم بتَرَه - ذلك الكاتب المُغرِض - عمَّا قبلَه أو عمَّا بعدَه، ليتمَّ له الاستدلالُ به على باطله الذي حرَّمه الله تعالى وأراد - ذاك الجاهل - تحليله! وفي الاستدلال على هذا الوجه تمويهٌ وتضليلٌ؛ ليظنَّ مَن لا عِلمَ عنده أنَّ هؤلاء الأعلام الذين استدلَّ مبيح الربا بكلامهم يُبِيحون الربا، وحاشاهم من ذلك؛ فقد برَّأ الله ساحتَهم من أنْ يُحِلُّوا حرامًا، وكلامهم واضحٌ فصلٌ بيِّن لمن رجَع إليه، ونحن نقول نيابة عنهم: ﴿ سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ﴾ [النور: 16].



ب‌- وما مثل ذلك الكاتب بالنسبة لكلام هؤلاء الأئمَّة إلاَّ كمَن ينهى الناس عن الصلاة، ويستدلُّ بقوله تعالى: ﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ ﴾ [الماعون: 4]، يَفصِلها عما بعدها، وهي قوله: ﴿ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ﴾ [الماعون: 5]، ويستدلُّ بها وحدَها على باطله.



ت‌- وإمَّا اقتباسٌ لكلام عُلَماء مُتأخِّرين سبَقُوه إلى القول بإباحة ربا القرض وربا الفضل؛ توهُّمًا منهم أنَّ النصوص تُسعِفهم فيما ذهَبُوا إليه، ولم يتحقَّق لهم ذلك؛ بسبب إغفالهم لبعض النصوص، وجُرأتهم على بعض قواعد الشريعة، دون تنبُّهٍ لِخُطورة ذلك، وإنما أُتُوا من جهة قلَّة العلم أو غلَبَة الهوى، وربما كان دافع بعضهم - إذا أحسنَّا الظنَّ به محاولة التوفيق بين الإسلام وبين النظريَّات والنُّظُم الاقتصاديَّة التي جدَّت في عصرهم، ومحاولة التوفيق بين الوحي المنزَّل وآراء ونِظام (إخوان هرتزل)، وهو ضربٌ من العبَث، ونوعٌ من الحماقة، ولكن ربما شغلَهُم واقع الحال عن تحقيق المقال، والتفكير في المآل، فعامَلَ الله متحرِّي الحقِّ منهم بعَفوِه، وعامَل نابذَ الحقِّ وطالِب الباطل بعدله، وعلى أيَّة حال:

فلا يجوز لمسلمٍ يؤمن بالله واليوم الآخِر أنْ يستدلَّ بخطأ المخطئين، على إباحة أمرٍ حرَّمَه الله في تنزيله المبين، ووضَّحه وبيَّنه خاتم الأنبياء والمرسَلِين.



ولا يجوزُ لمسلمٍ أن يُحلَّ ما حرَّم الله بالنص، قياسًا على ما أحلَّ الله بالنص، ومَن حاوَل أنْ يحلَّ ما حرَّم الله من الربا قياسًا على ما أحلَّ الله من السَّلَم، فقد أتى منكرًا عظيمًا، وقال على الله بلا علمٍ، وفتَح على المسلمين بابَ شرٍّ وفسادٍ كبير، وإنما يحسن القياس عند أهْل العلم القائلين به في المسائل الفرعيَّة التي لا نصَّ فيها، إذا استَوفَى الشروط التي تلحق الفرع بالأصل، كما هو معلومٌ في محلِّه.



وقد حرَّم الله القولَ عليه بلا علمٍ، وجعَلَه في مرتبةٍ فوق مرتبة الشِّرك به؛ فقال سبحانه: ﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 33].



وأخبر سبحانه أنَّ القول عليه بلا علمٍ ممَّا يأمُر به الشيطان؛ كما في قوله: ﴿ إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 169]؛ وذلك لما يترتَّب على القول على الله بلا علم من المفاسد الكثيرة، والفِتَن الخطيرة، التي ينشَأُ عنها الفسادُ في البلاد وأحوالِ العباد.





[1] تفسير ابن جرير (3/ 106).




[2] تفسير ابن جرير (4/ 90).




[3] أخرجه البخاري برقم (2178) و(2179)، ومسلم برقم (1596)، واللفظ له، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.




[4] سبق تخريجه، انظر الحديث السابق، وهذا لفظ مسلم.




[5] سبق تخريجه، انظر الحديث السابق، وهذا لفظ البخاري.




[6] أخرجه مسلم برقم (1584) - 82، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.




[7] أخرجه مسلم برقم (1587) - 81، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه.




[8] أخرجه مسلم برقم (1584) - 77، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.




[9] أخرجه البخاري برقم (2177)، ومسلم برقم (1584) - 75، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.




[10] وردت في عدَّة أحاديث عند البخاري برقم (2177)، وعند مسلم برقم (1584) - 76، و(1587) - 81، و(1588) وغيرها.




[11] وردتْ في عدَّة أحاديث عند البخاري برقم (2134)، وعند مسلم برقم (1586)، وغيرهما.




[12] أخرجه البخاري برقم (2177)، ومسلم برقم (1584) - 75، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.




[13]أخرجه مسلم برقم (1587) - 81، وأخرجه الترمذي برقم (1240) واللفظ له، وأخرجه أبو داود برقم (3349)، بلفظ: "ولا بأس ببيع الذهب بالفضة - والفضة أكثرهما - يدًا بيد، وأمَّا نسيئة فلا، ولا بأس ببيع البر بالشعير - والشعير أكثرهما - يدًا بيدًا، وأمَّا نسيئة فلا".




[14] أخرجه البخاري برقم (2080)، ومسلم برقم (1595).




[15] أخرجه البخاري برقم (2312)، ومسلم برقم (1594) - 96.




[16] أخرجه مسلم برقم (1594) - 100.




[17] أخرجه مسلم برقم (1594) - 97.




[18] أخرجه مسلم برقم (1594) - 100.




[19] أخرجه مسلم برقم (1593).




[20] سبق تخريجه.




[21] سبق تخريجه.




[22] أخرجه مسلم برقم (1594)-99، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.




[23] أخرجه مسلم برقم (1597)، عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه وأخرجه أيضًا برقم (1598)، عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه.




[24] وردت في أحاديث كثيرة عند البخاري ومسلم وغيرهما.




[25] أخرجه البخاري برقم (2223)، ومسلم برقم (1581، 1582، 1583)، عن جابر بن عبدالله وعمر وأبي هريرة رضي الله عنهم.




[26] انظر: الفتاوى الكبرى؛ لشيخ الإسلام ابن تيمية (1/ 413).




[27] انظر: الإجماع؛ لابن المنذر ص (120).




[28] ومن أولئك الذين قالوا بإباحة ربا القرض وربا الفضل الدكتور إبراهيم بن عبدالله الناصر في بحثٍ أعدَّه بعنوان: (موقف الشريعة الإسلامية من المصارف).

وقد حاوَل الدكتور عفا الله عنه إباحة ما حرَّم الله بحُجَجٍ واهيةٍ، وشُبَهٍ داحضة.

وقد ردَّ عليه عددٌ من العُلَماء، وعلى رأسهم سماحة العلامة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز مفتي عام المملكة ورئيس إدارة البحوث العلميَّة والإفتاء.

وقد نُشِر ردُّ سماحته في مجلة البحوث الإسلامية العدد (18) ص (121).




[29] أخرجه البخاري برقم (2134) بلفظ: "الذهب بالوَرِق ربا"، وأخرجه مسلمٌ برقم (1586) بلفظ: "الوَرِق بالذهب ربا"، وأخرجه ابن ماجه برقم (2253) بلفظ: "الذهب بالذهب ربا"، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.




[30] سبق تخريجه.




[31] سبق تخريجه.




[32] انظر: الأحاديث في ذلك ص (14، 15).


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 73.31 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 71.65 كيلو بايت... تم توفير 1.66 كيلو بايت...بمعدل (2.26%)]