|
|
ملتقى الحوارات والنقاشات العامة قسم يتناول النقاشات العامة الهادفة والبناءة ويعالج المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
البشرية في طريقها للجنون
البشرية في طريقها للجنون ريهام سامح قصةٌ لن أنساها، إنها تعيش في قلبي وفي وجداني، قصةُ أبي إبراهيم - عليه السلام - عندما أمره ربه بقتل ولدِه وفِلْذَةِ كبده، فذهب إلى ابنه، فلم يكن من الولد الصالح إلا أنْ قال: هل الله أمرك بذلك (بذبحي)؟ فقال إبراهيم: نعم، فقال إسماعيل: افعل ما تؤمر، اذبحني وأنا راضٍ بحكم الله. وهذه الأم الرقيقة الشفيقة ترى زوجَها يذهب بابنها ليذبحه؛ فترضى وتحتسب، كيف لا، وهي مَن تركها زوجُها مع رضيعها في صحراء مجدبة، فلم تقل سوى: هل الله أمرك بهذا؟ فيقول زوجُها: نعم، فتقول: إذًا لن يضيعَنا؟ إنها تعرف معنى أمرِ الله ونهيِه، إنها تعرف أنه الحاكمُ، تعرف أنَّ ربها حكيم، وتثق به، على يقين تام بأنه يستحق أن يأمر وينهى، ويُطاع ولا يُعصى، وأنه لا يأمر إلا بما هو خير، فهو عليم حكيم، لقد عرفوا معنى قوله تعالى: ﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ ﴾ [يوسف: 40]، استشعروا قولَ رب العزة: ﴿ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأعراف: 54]، فالذي خلق هو الذي يأمر ويحكم، لأنه أعلمُ بخلقِه، وبما يصلحه ويفسده، وهل هناك أدرى بالصَّنعة من صانعِها ومُبْدعها؟ أمَّا البشر فمهما بلغوا من العلم فلن يصلوا إلى علم خالقهم، وعقولُ البشر لها قدرةٌ معينة وتتفاوَت فيما بينها، فكم من نظرية أقرتها البشرية ثم اعترفت بخطئها؟! وكلنا يحفظ حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي رواه البخاري: أنَّ امرأة سرقت في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة الفتح، ففزع قومُها إلى أسامةَ بنِ زيد يستشفعونه، قال عروة: فلما كلَّمه أسامةُ فيها تلوَّن وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((أتكلمني في حدٍّ من حدود الله؟!))، قال أسامة: استغفرْ لي يا رسولَ الله، فلما كان العَشِيُّ قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطيبًا، فأثنى على الله بما هو أهلُه، ثم قال: ((أمَّا بعد، فإنما أهلك الناس قبلَكم: أنَّهم كانوا إذا سَرَقَ فيهم الشريفُ تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيفُ أقاموا عليه الحد، والذي نفسُ محمدٍ بيده، لو أنَّ فاطمةَ بنتَ محمد سرقتْ لقطعت يدها))، ثم أمر رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بتلك المرأة فقُطِعتْ يدُها، فحسُنَتْ توبتُها بعد ذلك وتزوَّجتْ، قالت عائشة: ((فكانت تأتي بعد ذلك، فأرفع حاجتها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [صحيح البخاري: 4304]. هكذا تلوَّن وجهُ النبي - صلى الله عليه وسلم - عندما سمع شفاعةَ أسامة في حدٍّ من حدود الله، مما جعل أسامةَ يخاف ويستغفر، ولقد حذَّرنا نبيُّنا من تعطيل حدود الله، وتنحية شريعته، وأعلنها رسولُنا صراحةً أنَّ حدود الله لا شفاعةَ فيها، وأنَّ الهلاك لمن عطَّلها، بل قال: ((ولو سرقتْ فاطمةُ))، ولم يَقُل: ابنتي؛ حتى يوضِّح أنه لا قرابة ولا شفقة في حدود الله، فحتى لو سرقت فاطمة - وحاشاها - فإنه سيقطع يدَها، فليس من حقِّ أحد أنْ يسقط قوانين الله ولا حتى النبي نفسه، فالإسلام هو الاستسلام لحكم الله ورسوله والانقياد والإذعان، فمن أسماء الله تعالى الحَكَم، ومعناه كما قال الشِّنقيطي - رحمه الله تعالى -: "وبذلك تعلم أنَّ الحلالَ هو ما أحلَّه الله، والحرامَ هو ما حرَّمه الله، والدينَ هو ما شرعه الله، فكلُّ تشريع من غيرِه باطلٌ، والعملُ به بدلَ تشريع الله عند من يعتقد أنَّه مثلُه أو خيرٌ منه -كفرٌ بواحٌ لا نزاعَ فيه" سبحان اللهِ! لقد خلق الله النفس الإنسانية، وهو أعلم بما يصلحُها وما يفسدُها، فأنزل الشرع ليوجِّهها ويرشدَها للطريق القويم الذي يضمن سلامتَها وسعادتها معًا، فإذا عصى الإنسان ربَّه وأطاع نفسَه، أتى بما يخالف الشَّرعَ والعقلَ السليم، وبما فيه ضررُه وتعاستُه، فمثلاً: شُرْبُ الخمر ربما يكون فيه سعادةٌ للنفس الأمَّارةِ بالسوء، ولكن فيه عطبُها ومرضُها، لذلك حرَّمه الشرع مع مخالفته هوى النفس؛ وذلك لسعادة الإنسان وسلامته. إنَّ في النفس البشرية حب الظهور والكبر والعُجْب، والشُّح والحقد والبخل، والمكر والطمع والجشع، واتَّباع الشهواتِ المحرَّمة، وكثير من الآفات التي إذا لم يحكمْها الإنسان ويخوِّفْها اللهَ ويلزمْها بالتقوى وأوامر الشرع - لفسدت النفس واستأْسدتْ، وأتت بكل قبيح يؤدي لهلاكها وتعاستها، وهلاك المجتمع معها، بل إنَّ الدين والتقوى هي من تحفظ سلامةَ وقوة العقل في مقابل النفس وشطحاتِها، والشرع هو الذي يقوِّي العقل ليكبح جماحَها، أليس الزنا محببًا إلى النفس؟ إذا أطاع المرء نفسَه وقال: أنا حر، ما النتيجة؟ إذا قلَّ دينه وورعه سيصبح حيوانًا لا يقود نفسَه، بل هي التي تقوده، لنفرض أنَّ هذه الزانية امرأة، كيف سيكون شعورُ زوجِها؟ شعور أهلها؟ شعور أبنائها؟ كم سيترتب على ذلك من خراب للأسرة والمجتمع؟ بل أمراض وأوبئة؟ إذًا يجب ألا تُتركَ النفسُ حرةً بلا قيد، وإنما تكون حرةً بشرط ألا تخالف الدين والشرع، ولقد تعجبت من المصطلح الذي أخذ يتردد كثيرًا هذه الأيام، (لا نريد ديكتاتورية دينية، نريد حرية)! وسؤالي لهؤلاء: هل تؤمنون أنَّ هناك ربًّا؟ إنْ كنتم ملحدين، فأنتم أحرار فيما تعتقدون، وحسابكم على رب العالمين، ولكنْ إنْ كنتم مسلمين، فهل أنتم مَن خلقتُم أنفسَكم؟! أم إنكم مخلوقون؟! هل أنتم من شققتم السمع والبصر لها؟! هل أنتم من صوَّرتموها؟! ما دام الله هو الذي خلقكم، فمن حقه أن يأمرَكم وينهاكم، وإن كنتم خلقتم أنفسَكم فمن حقكم ألا تسمعوا سواها، ولا تأتمروا إلا بأمرها، ولا تعبدوا إلا إياها، تدبَّروا يا عباد الله قولَ ربكم بقلوبكم لا بعيونكم: ﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى ﴾ [القيامة: 36 - 40]، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وَإِذَا شِيكَ فَلا انْتَقَشَ))؛ [رواه البخاري: 2887]. بقدر ما تستعبد الإنسانَ هذه الشهواتُ أو بعضُها، بقدر ما تضعف عبوديتُه لربه سبحانه، فإن استحكمت عبوديته لتلك الشهوات والأهواء حتى صدته عن الدين بالكلية؛ فهو مشرك كافر، وإن صدَّتْه تلك الأهواءُ والشهوات عن بعض ما يجب عليه، أو زيَّنتْ له فعلَ بعض ما يحرم عليه مما لا يخرج فاعلُه من الدين؛ فقد نقص من عبوديته لربه وإيمانه به بقدر ما صُد عنه؛ لأنَّ الله لم يخلق العباد سُدىً وهملاً وعبثًا ولعبًا، وإنما خلقهم ليعبدوه، وبالوحدانية يفردوه، ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ ﴾ [الذاريات: 56-57]. والآن دعونا نعيش مع قصة فرعون: ﴿ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى * اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى * فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى * فَكَذَّبَ وَعَصَى * ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى * فَحَشَرَ فَنَادَى * فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى * فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى ﴾ [النازعات: 16 - 26]. كلنا يعرف أنَّ فرعون ادَّعى الربوبية، بل وادَّعى الألوهية أيضًا، ولكن السؤال: هل كان فرعونُ يصدق أنه ربٌّ وإله؟ هل وصل به اتباع هواه ونفسه الأمَّارة بالسوء إلى الدرجة التي يجهل بها نفسه وذاته وقدره، وأنه عبد مخلوق؟ ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾ [القصص: 38]، ﴿ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ ﴾ [الشعراء: 29]. هل هذا هو جنونُ العظمة (البارانويا)؟ لا أدري، ولكن مما لا شكَّ فيه أنَّ هناك تنافيًا بين ما يأمر به العقل السليم وما تسوله النفس الأمارة بالسوء، وأنَّ العقل قد ينحرف انحرافًا شديدًا، ويصبح أسيرًا للنفس الأمارة بالسوء. رضينا بربِّ الأرباب حاكمًا ومشرعًا، رضينا بمنْ خَلَقَ الإنسان من تراب آمرًا وناهيًا، رضينا بالله العظيم، بمن خلق الإنسان من طين، ويعلم ما يصلح له من قوانين، وكفرنا بدستور العلمانيين، فبلادُنا إسلامية دينية، لا ديكتاتورية ولا ديموقراطية، فديننا دين العدل والحرية، يتسامى بالنفس عن الشهوات البهيمية، ويرتقي بثقافتها العلمية، ديننا ليس دين التحررية والإباحية، بل دين حرية التعبير بصورة حضارية، وهو ضد الكفر والنظريات الإلحادية، ديننا لا يُكْرِهُ أحدًا على أيِّ ديانة سماوية أو وضعية، ويعطي الإنسان حقَّ الحياة الكريمة الهنيَّة، لا نريد قوانين وضعية، بل نريد قوانين رب البرية، فهي ليست قوانينَ رجعية، بل وضعها من يعلم الماضي والحاضر والسرَّ والعلانية، فهو يصلح لزمن الطاقة النووية، وفيه حلٌّ لجميع المشاكل الإنسانية، سياسية واقتصادية واجتماعية. لا نريد قومية ولا اشتراكية، ولا حتى رأس مالية، لا نريد ديمقراطية أمريكية، ولا نريد دكتاتورية ولا مدنية، نحن نريد حضارتنا الإسلامية.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |