|
#1
|
||||
|
||||
شعلة اليقظة
شعلة اليقظة أحمد حمدي بن عبدالباقي سطا الليل بظُلمته.. غفا الجميع.. ازداد الصَّمت، وغربت السَّكينة، وهجم القلق.. سيطرت مشاعرُ الغربة، وانطلقت الحَيرة من مخابئها إلى مسارات القلب مصطحبة في مسيرتها تَعسات كثيرة. نفَش لحيته بأصابع يدِه وعبث بها، وفتَل شَعر رأسه، ولَوى عُنقه.. دَرَّ وريده وكاد يزند.. حتى نطق وجهه بالهم، ورسم البكاء ملامحه! لقد تفجَّرت عليه المصائب من كل جانب، فابتلعت دنياه بما فيها، وأَنهكته، وأصبحت حياته فارغة من المعنى، إن رأيتَه تقطَّعتَ له من إشفاق ورحمة. ساعات من السَّعير.. يحارب عن نفسه في مجاهدةٍ للبقاء.. كعاصر الحَجَر يريد أن يشرب منه. لقد شُغِلتُ عن محبته - جلَّ جلاله - بمحبة خَلْقه، والسُّكون إليهم، وشدِّ الرحال إلى قلوبهم؛ طمعًا في نيلِ رضاهم، وثقتِهم والمثوبة منهم. لقد شُغِلتُ عن ذكره - جلَّ جلاله - بذِكر أحوالهم وسيرهم، وتوافههم وسماديرهم.. لقد شُغِلتُ عن طاعته - جلَّ جلاله - بخدمتهم وأشغالهم وتنفيذ أوامرهم ورسومهم. لقد فاتني الله، فلم ينَلْ قلبي حقيقةَ الحياة، وأصبح خرابًا من الأمن، موطنًا للغفلة، مضروبًا بالقسوة والجفاء، حتى ضاقت عليَّ الأرضُ بما رحبت، وأصبحَتْ أمانيَّ على الله أن ينقذَني من الحياة بالموت. فبينا أكابد حتى سمعتُ صوتًا نَديًّا يرتِّل قول الملك - جلَّ جلاله -: ﴿ فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام: 43]. فإذا بشُعلة اليقظة تُقذف في قلبي المرتعد، ترجُّه رجًّا، فتحرق كل الأَوضار التي علقت بنفسي، وتضيء رواقد الإيمان المنطفئ.. وجعلتُ أُرتِّل الآية وأُردِّدها في نفسى لا أشبع منها حتى أيقنتُ: ♦ أنَّ قلبَ المطرود من رحمة الله، الغافل عنه، مُوثَقٌ بقيود القسوة والهلاك، غريق في لُجَّةِ التِّيه، بعيدٌ عن مساقط النَّدى ومهابط الرحمة، قد شاخ قلبُه في طريق الجِراحات لنظره إلى الدُّنيا بعينِ شهواته، فينكب أوَّل ما ينكبُ في صبرِه ويقينِه. ♦ وأنَّ شدائد الدنيا وكربها ونوائبها ما دُفِعَتْ بمِثل التَّوحيد؛ ولذلك كان دعاءُ الكَربِ بالتَّوحيد: ((لا إله إلا اللهُ العظيمُ الحليمُ، لا إلهَ إلا اللهُ رَبُّ العرشِ العظيمِ، لا إلهَ إلا اللهُ رَبُّ السمواتِ وَرَبُّ الأرضِ ورَبُّ العرش الكريم))؛ رواه البخاري (6346). فهو مَفزَعُ الخليقة - مؤمنهم وكافرهم - وملجؤُها وحصنُها وغِياثُها، فلا سبيل إلى النجاة مِن سدِّ النوائب والكرب إلا بحجاب التضرع وصِدق اللُّجْء، وقوةَّ الفرار إلى الله، والأنس به، واتِّباع نبيِّه صلى الله عليه وسلم، وإدمان طَرْق الباب حتى يُفتح. ♦ وأنَّه لا بدَّ من سِنَةِ الغفلة، ورقاد الهوى، ولكن إذا نِمْتَ فنَمْ على الطريق ولا تحِدْ عنه، وكن خفيف النَّوم، واحذَرْ أن تتفرغ من الشواغل ثم لا تتوجه إليه، وتقل عوائقك ثم لا ترحل إليه. ♦ وأنَّ مَن وُفِّق إلى خير، أو دُلَّ على عِلمٍ لم يكن يعلمه، أو هُدِيَ إلى قَبول حَقٍّ وفقهه والعمل به والانقياد له والاتِّعاظ بعظاته - فهو ممَّن سبَقت لهم سابقةُ السَّعادة، فليشكر اللهَ على فضله، وليدُمْ على ذِكرِه وطاعته، فقد أصمَّ غيرَه وأعماه وأقبره؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ ﴾ [فاطر: 22]. ♦ وأنَّ الدنيا من أوَّلِها إلى آخرها لا تساوي غمَّ ساعة، فكيف بغمِّ العُمر؟! فمَن ترَك شيئًا لله - جلَّ جلاله - أعاضَه خيرًا منه. قال صلى الله عليه وسلم: ((مَن كَانَتِ الآخِرَةُ هَمَّهُ، جَعَلَ اللهُ غِنَاهُ فِي قَلبِهِ، وَجَمَعَ لَهُ شَملَهُ، وَأَتَتهُ الدُّنيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَن كَانَتِ الدُّنيَا هَمَّهُ، جَعَلَ اللهُ فَقرَهُ بَينَ عَينَيهِ، وَفَرَّقَ عَلَيهِ شَملَهَ، وَلَم يَأتِهِ مِنَ الدُّنيَا إِلاَّ مَا قُدِّرَ لَهُ)).
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |