القلب العزيز - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         كيفية التعامل مع الأعداء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 35 - عددالزوار : 1162 )           »          التربية على الإيجابية ودورها في نهضة الأمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          زخرفة المساجد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 70 - عددالزوار : 16831 )           »          لماذا نحن هنا؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          يغيب الصالحون وتبقى آثارهم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          الهواتف الذكية تحترف سرقة الأوقات الممتعة في حياة الزوجين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          استشراف المستقبل من المنظور الشرعي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 24 )           »          من شبهات اليهود وأباطيلهم «أن تحويل القبلة أنهى مكانـة المسـجد الأقصى عند المسلمين»!! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16-09-2020, 03:37 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,992
الدولة : Egypt
افتراضي القلب العزيز

القلب العزيز (1)


د. محمد ويلالي








سلسلة أنواع القلوب (23)














الخطبة الأولى



لا يزال حديثنا متواصلاً في استجلاء حقيقة القلوب، بعد أن استجلينا حقيقة "القلب المستبشر" في قسمه الثاني ضمن الجزء الثاني والعشرين من "سلسلة أنواع القلوب". ونريد اليوم ـ إن شاء الله تعالى ـ أن نحط الرحل عند أحد أقوى أنواع القلوب أثراً، وأعظمها شأنا، إنه "القلب العزيز"، الذي تشربته العزة، وصاحبته الغلبة، واكتنفته الحمية، وسيجته الغَيرة.







والعِزة: خلاف الذُلِّ، وتفيد معنى القُوَّة، والغَلَبَة، والأَنَفَة، مما يمنع الإنسان من أن يُغْلَب. قال الراغب الأصفهاني: "العزة: حالة مانعة للإنسان من أن يُغلَب".







ووردت مشتقات الفعل "عز" في القرآن الكريم 140 مرة، احتل منها لفظ "العزيز" ـ وحده ـ قرابة مائة موقع، مما يدل على مكانة هذه الصفة الجليلة في دين الإسلام.







والعزة تدور مع الإيمان قوة وضعفا، فكلما قوي الإيمان وصلب، كلما ارتفعت نسبة العزة، وعظمت درجتها. قال تعالى: ﴿ وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾. ولذلك نسبها الله -تعالى- لنفسه، ولرسوله، وللمؤمنين. فقال -تعالى-: ﴿ وَلِله الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ ﴾. قال البغوي في تفسيره: "فعزة الله: قهره مَن دونه، وعزة رسوله: إظهار دينه على الأديان كلها، وعزة المؤمنين: نصر الله إياهم على أعدائهم". قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ: "فله (أي: المؤمن) من العِزَّة بحسب ما معه من الإيمان وحقائقه، فإذا فاته حظٌّ من العُلُوِّ والعِزَّة، ففي مُقَابَلة ما فاته من حقائق الإيمان، علمًا وعملًا، ظاهرًا وباطنًا".







وصاحب القلب العزيز، يبدأ بنفسه، فيصونها عن الابتذال والذلة، فلا يخضع لإنسان، ولا يخنع لإنس ولا جان، ولا يستكين لذي قوة أوسلطان، إلا لله الواحد الديان، صاحب العزة والجبروت، الحي الذي لا يموت. يدع اللجأ إلى المخلوق، ويتوكل على الخالق، ويذر الطمع في المرزوق، ويقرع أبواب الرازق. قال مجاهد: "كانوا يكرهون للمؤمن أنْ يُذِلَّ نفسه".







إذا انقطعت أطماع عبد عن الورى

تعلق بالرب الكريم رجاؤه



فأصبح حرًا عزةً وقناعةً

على وجهه أنواره وضياؤه



وإن عَلِقت بالعبد أطماع نفسه

تباعد ما يرجو وطال عناؤه










ومن إذلال النفس، ركونها إلى الدنيا، واشتغالها بالملذات على حساب المهمات. قال الراغب الأصفهاني: "العِزَّة: منزلة شريفة، وهي نتيجة معرفة الإنسان بقدر نفسه، وإكرامها عن الضَّراعة للأعراض الدُّنيويَّة".







القلب العزيز لا ينافس على الزائلة، بل يرجو نيل الباقية، ولا يتسابق لإحراز متعة الفانية، بل يتفانى في أن يكون له مقعد صدق في العالية الغالية. قال ابن عطاء الله: "إذا أردت أن يكون لك عزٌّ لا يفنى، فلا تستعزَّ بعزٍّ يفنى". وقال الغزالي: "فمن رزقه الله القناعة حتى استغنى بها عن خلقه، وأمده بالقوة والتأييد حتى استولى بها على صفات نفسه، فقد أعزه، وآتاه الملك عاجلا، وسيعزه في الآخرة".







فلا عزة إلا بالله، لأنه سمى نفسه "العزيز"، أي: القاهر لكل شيء، الغالب على كل شيء.



وهو العزيز فلن يرام جنابه *** أنّى يرامُ جنابُ ذي السلطان







قال تعالى: ﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ﴾. قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ: "فإن الله جعل العزة لمن أطاعه، والذلة لمن عصاه". وفي الحديث: "وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي" رواه أحمد، وهو في الصحيحة.







ومن عجب أن القلب العزيز يجعل ترك استجداء الدنيا غنى، والاستنكاف عن شهواتها رفعة، فكلما ابتعد عن ساحتها، أتته راغمة. قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "مَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ، فَرَّقَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَمْرَهُ، وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ مَا كُتِبَ لَهُ. وَمَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ نِيَّتَهُ، جَمَعَ اللَّهُ لَهُ أَمْرَهُ، وَجَعَلَ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ" صحيح سنن ابن ماجة.



وإذا تذلَّـلَتِ الرِّقاب تواضعًا *** منَّا إليكَ فعزُّهــا في ذُلِّهــا







ومن صفات القلب العزيز: تلبسه بالتواضع، فهو عين الرفعة والسمو. قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "ما تواضع أحد لله إلا رفعه الله" صحيح الجامع.







قال ابن عطاء الله: "العِزُّ في التَّواضع، فمن طلبه في الكِبْر، فهو كتطلُّب الماء من النَّار".







وقال إبراهيم بن شيبان: "الشَّرَف في التَّواضع، والعِزُّ في التَّقوى، والحرِّية في القناعة".







وكما يرفع الله مقام المتواضع في الدنيا، يوشحه بوسام الرضى يوم القيامة. قال - صلى الله عليه وسلم -: "من كظم غيظا، ولو شاء أن يمضيه أمضاه، ملأ الله قلبه رضى يوم القيامة" صحيح الجامع.







ومن صفات القلب العزيز: العفو والصفح، وبخاصة عند المقدرة، عندما تتغلب قوة الحِلم والأناة، على قوة الانتقام والتشفي. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا" صحيح الجامع.







وصاحب القلب العزيز لا يفتخر بالنسب، ولا يتعزز بالآباء والأجداد. قال - صلى الله عليه وسلم -: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَتَعَاظُمَهَا بِآبَائِهَا، فَالنَّاسُ رَجُلاَنِ: رَجُلٌ بَرٌّ تَقِيٌّ كَرِيمٌ عَلَى الله، وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ هَيِّنٌ عَلَى الله، وَالنَّاسُ بَنُو آدَمَ، وَخَلَقَ الله آدَمَ مِنْ تُرَابٍ" صحيح سنن الترمذي.







وصاحب القلب العزيز لا يفتخر بالقبيلة، ولا يتندد بالرهط. قال - صلى الله عليه وسلم -: "أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لاَ يَتْرُكُونَهُنَّ: الْفَخْرُ فِي الأَحْسَابِ، وَالطَّعْنُ فِي الأَنْسَابِ، وَالاِسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ، وَالنِّيَاحَةُ" مسلم.







وصاحب القلب العزيز لا يغتر بكثرة المال، ولا بكثرة العدد المؤيدين المناصرين. قال تعالى: "وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا". قال ابن كثير: "أي: أكثر خدمًا، وحشمًا، وولدًا".







وصاحب القلب العزيز لا يفتخر بجديد ثيابه، ولا يزهو بجميل لباسه، ولا يترفع بثمين دِثاره. قال - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ فِي الدُّنْيَا، أَلْبَسَهُ اللَّهُ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" صحيح سنن ابن ماجة. قال ابن رسلان: "لأنَّه لَبِس الشُّهْرَة في الدُّنْيا ليَعِزَّ به، ويفتخر على غيره، ويُلْبِسُه الله يوم القيامة ثوبًا يَشْتهر مذلَّتُه واحتقارُه بينهم عقوبةً له، والعقوبة من جنس العمل".







الخطبة الثانية



لقد بلغ بنا العجب - هذه الأيام - ما صار ينتشر بين الناس في ديار المسلمين، من دعوات للتبرؤ من كثير من ثوابت ديننا، وأسس هويتنا، ومرتكزات مقوماتنا، بل صرنا نسمع بمن يقضي بقوانين الغرب بديلا عن الإسلام خيرِ الأديان، ويرى أن اجتهادات العقول البشرية القاصرة متقدمةً على شريعة الواحد المنان، فتلاشت بسببهم المبادئ، وضعفت بدعواتهم الأخلاق، وصارت مجتمعات المسلمين في ذيل القائمة في حضارة الإنسان، مجتمعات الاستهلاك والاتكالية، مجتمعات الركون والانزوائية، مجتمعات الخضوع والتبعية، فضاعت منا الأندلس بعد ثمانية قرون من حكم المسلمين، وضاعت منا القدس تحت ظل المتواطئين، وقتل منا العدد العظيم بسبب المستكينين، وهضمت حقوق المستضعفين من الرجال والولدان بفعل الطامعين، وسبيت منا النساء تحت مرأى ومسمعِ المتخاذلين، ونحن في أحسن أحوالنا نخطب ونناشد ونشجب.







خطب وتهديد وما من ناصر

ومهازل تغني عن التبيان



يستنكرون و يشجبون ولا أرى

طِحنا فهل قد أخطأوا عنواني؟










لما قال أبو سفيان: اُعْلُ هُبَل، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَلاَ تُجِيبُونهُ؟ ». قَالُوا: يَا رَسُولَ الله، مَا نَقُولُ؟ قَالَ: "قُولُوا: اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ". قَالَ: إِنَّ لَنَا الْعُزَّى وَلاَ عُزَّى لَكُمْ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَلاَ تُجِيبُونهُ؟". قَالُوا: يَا رَسُولَ الله، مَا نَقُولُ؟ قَالَ: "قُولُوا: اللَّهُ مَوْلاَنَا وَلاَ مَوْلَى لَكُمْ" البخاري.







لقد كانت رسالة المسلمين نشر دين الله، وكانت ثقتهم في الله كبيرة. قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ﴾ [التوبة: 33].







علموا أنهم كانوا متخلفين أذلاء، فرفعت بالإسلام هاماتهم، وطالت بالإيمان قاماتهم.



عن طارق بن شهاب قال: خرج عمر - رضي الله عنه - إلى الشام، ومعنا أبو عبيدة، فأتوا على مخاضة (موضع الخوض في الماء)، وعمر على ناقة له، فنزل وخلع خفيه، فوضعهما على عاتقه، وأخذ بزمام ناقته فخاض. فقال أبو عبيدة: "يا أمير المؤمنين، أنت تفعل هذا؟ ما يسرني أن أهل البلد استشرفوك". فقال: "أَوَّه، ولو يقل ذا غيرُك - أبا عبيدة - جعلته نكالا لأمة محمد، إنا كنا أذل قوم، فأعزنا الله بالإسلام، فمهما نطلب العز بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله" صحيح الترغيب. ولذلك قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -:"ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر" البخاري.







لَم يَبْقَ شَيء ٌ مِن الدُّنْيا بأَيْدِينا


إلاّ بَقِيّة ُ دَمْعٍ في مآقِينَا



كنّا قِلادَة َ جِيدِ الدَّهْرِ فانفَرَطَتْ

وفي يَمينِ العُلا كنّا رَياحِينا



حتى غَدَوْنا ولا جاهٌ ولا نَشَبٌ

ولا صديقٌ ولا خِلٌّ يُواسِينا














__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 16-09-2020, 03:39 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,992
الدولة : Egypt
افتراضي رد: القلب العزيز

القلــــــــــــــــــب العزيز (2)


د. محمد ويلالي





الخطبة الأولى
وقفنا في الجمعة الماضية عند القسم الأول من أقسام القلب العزيز، ضمن سلسلة أنواع القلوب في جزئها الثالث والعشرين، وعرفنا أن العزة ضد المذلة، وهي صفة تحمل الإنسان على القوة، فلا يُغلب، ولا يستكين، ولا يَضعف. وعرفنا أن صاحب القلب العزيز، يبدأ بنفسه، فيصونها عن الذلة، ويجعل القناعة لها حلة. يرى ترك الدنيا كرامة، والانشغال بها دون الآخرة ملامة. يكسوه التواضع رفعة، ويزيده العفو والصفح قوة ومنعة. لا يفتخر بالنسب، ولا يتعزز بالحسب، ولا يغتر بكثرة المال، ولا بتعداد الأنصار والرجال، ولا يفخر بجميل الثياب، ولا يغلق دون الضعفاء الباب.

ولنا أن نتساءل: ما السر في عزة السلف، وضعف الخلف؟ ما الأسباب التي جعلت أجدادنا مهابين، منصورين ظاهرين؟ وما الأسباب التي جعلتنا - اليوم - في آخر سلم الحضارة قابعين، مستكينين مذلولين؟ نبكي على الأطلال، ونلوك مجد الأبطال، نلوذ بأمجاد التاريخ، ونُنحي على أنفسنا باللوم والتوبيخ، ونعتب على أنفسنا أننا - وإن كنا أمة المليار -، فقد استهوانا بريق الدرهم والدينار، حتى لحقنا العار والشنار، فصرنا - على كثرتنا - ضعفاء، لا ماء فينا ولا رواء، حتى اهتَبلَنا الأعداء، وطمع في خيراتنا الأنداد ومن تسموا بالأصدقاء، وصدق فينا قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يُوشِكُ الأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا". فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: "بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ. وَلَيَنْزِعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ". فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ الله، وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: "حُبُّ الدُّنْيَا، وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ" صحيح سنن أبي داود.

كم من المسلمين - اليوم - يعتدى عليهم، وينكل بهم، تمثيلا، وتشويها، وتعذيبا، وانتهاكا، وإذلالا، واغتصابا، ولا نكاد نسمع من يندد ويشجب، فضلا عمن يغار عن الأعراض ويصرخ؟
أتسبى المسلمات بكل ثغر
وعيش المسلمين إذن يطيب

أما لله والإسلام حق
يدافع عنه شبان وشيب؟




تَذْكُرُ كتب التاريخ أن صلاح الدين عندما سار إلى بيت المقدس، وصلته رسالة من أحد المأسورين في القدس، فيها أبيات على لسان المسجد الأقصى:
يا أيها الملك الذي
لمعالم الصلبان نَكَّس

كل المساجد طُهِّرتْ وأنا
على شرفي أدنَّس


فما كان إلا ان شدد صلاح الدين الحصار على النصارى، حتى طلبوا الأمان، ونزل ملك بيت المقدس يترفق السلطان، وذَلَّ ذلاً عظيماً، فأجابهم صلاح الدين للصلح، ودخل المسلمون القدس، أعزة منصورين.
كنا جبالا في الجبال وربـما ♦♦♦ سرنا على موج البحار بحارا

والقدس - اليوم - يئن تحت وطأة الصهاينة، وقد شددوا عليه الخناق، وأبوا كل صلح أو وفاق، بل تعنتوا، وصلفوا، وعتوا فيه بالفساد، من غير اعتبار أو ارتفاق، وهو يصرخ قائلا:
ظفرت بنا الأعداء يوم وداعكم
فدماؤنا فوق الدماء تُراقُ

هُتك الستار وقُطِّعت أوصالنا
ونساؤنا نحو الهوان تُساقُ




أزيد من ستة آلاف أسير فلسطيني في سجون الاحتلال - اليوم -، فيهم نساء وأطفال، ما مآلهم؟ وما أملهم في الإفراج عنهم؟ وهم يلقون من صنوف التعذيب، وألوان التنكيل ما الله به عليم، ومن بَان عجزه، زال عِزه.

قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "لأن أستنقذ رجلا من المسلمين من أيدي الكفار، أحب إلي من جزيرة العرب".

وبلغ إلى علم الخليفة عمر بن عبد العزيز أن رجلاً من المسلمين أسره الروم، وأرغمه زعيمهم على ترك الإسلام، فرفض الرجل، فأدخله السجن. لما بلغ الخبرُ إلى الخليفة الزاهد، غضب، وكتب إلى الإمبراطور الروماني: "من أمير المؤمنين، عمر بن عبد العزيز، إلى ملك الروم، وبعد: لقد بلغني ما فعلتَ بأسيرك فلان، وإني أقسم بالله العظيم، إن لم ترسله من فورك، لأبعثنَّ إليك من الجند، ما يكون أولهم عندك، وآخرهم عندي". وبلغتِ الرسالة إلى إمبراطور الروم، فأمر في الحال بإحضار الأسير، فأعطاه من المال والهدايا، وأرسله في مجموعة من حرسه الخاص.

قتلى الشام - اليوم - يزيدون عن 260 ألفا، وجرحاهم يعدون بمئات الآلاف، وأكثر من 3000 مدرسة دمرت، 1000 منها تستعمل لإيواء اللاجئين، و 1450 ما بين مسجد وكنيسة خربت، وأكثر من ثلاثة ملايين منزل حطم، وأزيد من 224 مستشفى أبيد، ولربما بخلنا بالدعاء لإخواننا المستضعفين هناك بالنصر والتمكين، ومع ذلك ننشد العزة والكرامة.

كم من المسلمين في بورما قتلوا، وأحرقوا بالنار وهم أحياء، وطردوا، وهجروا؟

كم يقتل أعداء المسلمين اليوم من إخواننا في شتى البقاع، تحت ذرائع عديدة، يغطون بها عدوانهم؟ وإنما يقصدون إذلال المسلمين، وكسر شوكتهم، حتى إذا قتل أفراد منهم قامت الدنيا ولم تقعد.
قتل امرئ في غابة
جريمة لا تغتفر

وقتل شعب آمن
مسألة فيها نظر


يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "كَيْفَ يُقَدِّسُ اللَّهُ أُمَّةً لاَ يُؤْخَذُ لِضَعِيفِهِمْ مِنْ شَدِيدِهِمْ؟" صحيح سنن ابن ماجة.

لقد بعث الإدفنش صاحب الأندلس رسالة استهزاء واستصغار إلى الأمير يعقوب المنصور الموحدي، يقول فيها: "أنتم تزعمون أن الله تعالى فرض عليكم قتال عشرة منا بواحد منكم، فالآن خفف الله عنكم، وعلم أن فيكم ضعفا، ونحن الآن نقاتل عشرة منكم بواحد منا، لا تستطيعون دفاعا، ولا تملكون امتناعا.. فلا أدري، أكان الجبن أبطأ بك، أم التكذيب بما وعد ربك؟". فلما وصل كتابه إلى الأمير يعقوب، مزقه، وكتب على ظهر قطعة منه: " ﴿ ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ ﴾ [النمل: 37]، الجواب ما ترى لا ما تسمع"، فكانت معركة "الأراك"، التي أعز الله فيها الإسلام والمسلمين.
وإنا أمةٌ عزَّت فِعالاً
وسادَ أُباتُها غُرًّا كِراما

فتلك مواقِفُ الأبطال تَتْرَى
وقد عمَّت كرامتُها الأنامَا


الخطبة الثانية
لما امتنع نقفور ملك الروم عن أداء الجزية، كتب إليه هارون الرشيد قائلا: "الجواب ما تراه لا ما تسمعه"، فسير إليه جيشا عظيما، أجبره على الانصياع لأوامر المسلمين.

وامرأة يعتدي عليها الروم ويستذلونها، فتنادي: "وامعتصماه"، فيبلغ النداء المعتصم، فَيُصيِّر جيشا عظيما يحاصر عمورية، وإذا بإمبراطور الروم يبعث رسوله يطلب الصلح، ويعتذر عما فعلوا بالمرأة المسلمة، لكن المعتصم أبى إلا أن يعز تلك المرأة المظلومة، ولم يكن لذلك ثمن إلا فتح عمورية.

فتح الفتوح تعالى أن يحيط بـه ♦♦♦ نظمٌ من الشعر أو نثرٌ من الخطب

ووقف عقبة بن نافع على القيروان، وكانت غابة موحشة، وكان الفاتحون يرجعون دونها، لكنه صمم أن يبني مدينة القيروان، لتكون مركزا للعالم الإسلامي في شمال إفريقيا، ولم يصغ إلى التهديدات والمخاوف، بل واصل المسير حتى وقف بفرسه على المحيط الأطلسي، وقال: "والله الذي لا إله إلا هو، لو أعلم أن وراء هذا الماء أحدًا من البشر لخضته بفرسي هذه".

لا نذكر هذه الوقائع لياذا بالتاريخ، وإغماضا للعين عن واقع المسلمين، ولا تناولا لجرعات مسكن تذهلنا عن تخلفنا وخلافنا، ولكن تذكيرا بحال سلفنا، وتنويها بفعل العزة في نفوسهم، وما كانوا عليه من شموخ وإباء، وشحذا للهمم، وتطويقا لكثرة النقم والتهم، بأننا أمة عقيم، لا نملك لأنفسنا شيئا.
هذي معالم خرس كل واحدة
منهن قامت خطيبا فاغرا فَاهُ

الله يعلم ما قلبت سيرتهم يوماً
وأخطأ دمع العين مجراهُ


فهل من سبيل للرجوع بالمسلمين إلى سالف عهدهم؟ وهل بالإمكان استرجاع عزهم وعظيم مجدهم؟ لعل الجواب نعرفه في الخطبة القادمة إن شاء الله.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 16-09-2020, 03:40 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,992
الدولة : Egypt
افتراضي رد: القلب العزيز

القلب العزيز (3)


د. محمد ويلالي






سلسلة أنواع القلوب (25)










القلب العزيز (3)







الخطبة الأولى



توقفنا - ضمن سلسلة أنواع القلوب في جزئها الرابع والعشرين - عند القسم الثاني من أقسام القلب العزيز، حيث تبينا حقيقة واقع المسلمين اليوم، وما آل إليه أمره من ضعف، وتراجع، وتخلف، وانقسام، واختلاف، وحاولنا أن نسلي أنفسنا ببعض أحداث تاريخ المسلمين، وما كانوا عليه من قوة، وغلبة، وغزة، حتى كان الجيش يسير لنجدة أسير واحد ـ كما حدث في عهد عمر بن العزيز ، أو في سبيل نجدة امرأة واحدةـ كما ذكرناه عن المعتصم في فتح عمورية، أو في سبيل نجدة شعب محاصر ـ كما فعل صلاح الدين الأيوبي في تحرير بيت المقدس ، أو عندما يستهزئ العدو بديننا وقيمنا ومبادئنا ـ كما كان سببا في معركة الأراك بقيادة الخليفة يعقوب المنصور.. ذكرنا ذلك تذكيرا بحال سلفنا، وتنويها بفعل العزة في نفوسهم، وما كانوا عليه من شموخ وإباء.







فما الأسباب الكفيلة برجوع هذا المجد، والسبل القاصدة إلى مثل هذا العهد؟



لقد وضع علماؤنا خارطة طريق للنهوض، اشتملت على ثمانية من البنود، تحتاج في تفعيلها والعمل بها إلى أصحاب الهمم العالية، والنفوس الوثابة الغالية:



1ـ طلب العزة من الله وحده، في دينه الذي ارتضاه، وشرعه الذي أرساه، والإيمان بعدم صلاحية غيره من قوانين البشر، وأحكام من يجتهد بمجرد العقل والنظر قال تعالى: ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ﴾ [فاطر: 10]، أي: فليطلبها من الله لا مِن سواه.







ومصادر التشريع عندنا ترتكز على الوحيين: الكتاب والسنة قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّهُ لاَ يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، وَلاَ يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ" صحيح سنن أبي داود. ويقول - صلى الله عليه وسلم -: "وجُعلَ الذلةَ والصغارَ على من خالفَ أمري" أحمد. كان تميم الداري يقول: "عرفت ذلك بأهل بيتي، لقد أصاب من أسلم منهم الخير والشرف والعز، ولقد أصاب من كان منهم كافرًا الذل والصَّغار والجزية". ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق: 3].







وقال رجل للحسن: "إني أريد السِّند فأوصني". قال: "أعِزَّ أمرَ الله حيث ما كنت يُعزَّك الله". قال: "فلقد كنت بالسِّند وما بها أحد أعزُّ مني".







فالعجب للمسلمين، كيف يكون بأيديهم أعظم تشريع، ثم هم تائهون، مقلدون، تابعون؟



بأيديهمُ نُورانِ: ذكرٌ وسُنةٌ ♦♦♦ فما بالهمْ في أحلك الظلماتِ؟







لقد حسم ربنا عز وجل معادلة العزة والتمكين، فجعلها في نصرة دينه، وتطبيق شرعه، فقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾ [محمد: 7]. قال في أبو حيان: "أي: ينصركم على أعدائكم، بِخَلْق القوة فيكم". وصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ".







ولقد دلنا ربنا على مآل النصارى الذين نقضوا الميثاق مع ربهم، فانتهى بهم المطاف إلى الانشغال بأنفسهم ونزاعاتهم. قال تعالى: ﴿ وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ [المائدة: 14].







2- صدق الانتماء لهذا الدين، وخلوص الثبات عليه فشبهات المناوئين كثيرة، ومعاول هدم الدين عديدة، وبريق الحضارة الوافدة يُعشي الأبصار، وأدوات الصرف عن مبادئ الشريعة ألهت الصغار والكبار. فصاحب القلب العزيز لا تحركه العواصف، ولا ترديه الزوائف، ولا تضعفه الكواشف، شامخ بِسَمْتِه، معتز بشريعته، معتصم بربه، فخور بنبيه، لا يخجل من إسلامه، ولا يرضى الدنية في دينه، عالم بأن الذي اتخذ من دون الله معبودا ليكون له عزا، سيقال له يوم القيامة: "ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ"، أي: كنت في الدنيا عزيزا عزة زائفة، كريما كرما مرائيا، تريد المكانة بين الناس، والشهرة بين الخلائق، فذق اليوم العذاب بما كنت عن الله تحيد، وعن سنة رسول الله تميد.







3- اليقين بأن عزة الظالمين إلى زوال، لا يملكون دوامها، ولا الاستقامة عليها، فلا نغترُّ بها، ولا نَسقطُ في حمأتها. يقول تعالى: ﴿ لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾ [آل عمران: 196، 197]. فلا خير في عز محفوفٍ بالزوال، محاطٍ بسوء المآل. ولا ننزعج من زرايتهم بنا، وتعييرهم لنا بتخلفنا وضعفنا، ونسبة ذلك لديننا. قال أبو وائل (أحد الذين شهدوا القادسية المظفرة): "كان الفرس يقولون للمسلمين: لا يَدَ لكم ولا قوة ولا سلاح، ما جاء بكم؟ ارجعوا". قال: "قلنا: ما نحن براجعين، فكانوا يضحكون من نبلنا". فكان النصر للمسلمين. ويقول ماكس: "كاد يكون مستحيلاً أن نفهم كيف أن أعراباً منتمين إلى عشائر، ليست عندهم العُدد والأعتدة اللازمة، يَهزمون في مثل هذا الوقت القصير جيوش الرومان والفرس، الذين كانوا يفوقونهم مراراً في الأعداد والعتاد". ﴿ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا ﴾ [النساء: 141].







4- تعويد النفس على القيام بالأعمال الصالحة، والتصرفات الإيجابية النافعة، حسب ما تقتضيه الأوامر الربانية، والتوجيهات النبوية، لا شرك في الأقوال والأفعال والمعتقدات، ولا بدعة في المعاملات والعبادات. قال تعالى: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ﴾ [النور: 55].







ولا تقتصر العبادة هنا على الصلاة والزكاة والصيام والحج، بل العبادة تتعلق بعلاقات الإنسان بغيره، قولا وفعلا، مثل صدق الحديث، وحفظ الأمانة، وأكل الحلال، وعفة النفس، وبر الوالدين، وصلة الرحم، والإحسان للجار، وغير ذلك من الأعمال. قال شيخ الإسلام: "العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه، من الأقوال، والأعمال الباطنة والظاهرة".







والعزة تقتضي أن يكون العمل صحيحا خالصا لله، لا رياء فيه ولا شبهة، ولا غش ولا خديعة، ولا جور ولا خيانة، ولا حسد ولا وقيعة، ولا غِيبة ولا نميمة.







5- الاجتهاد في الاستقلال عن الأعداء، والاستغناء عنهم، وعدم الاعتماد عليهم في شتى شؤون الحياة، مع الاستفادة منهم بما يُسخر لخدمة الدين، وتقوية صفوف المؤمنين، ومع الأخذ بالأسباب المادية الموصلة إلى كل ما فيه قوة المسلمين، لقوله تعالى: "﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ ﴾ [الأنفال: 60]". قال عليه الصلاة والسلام: "ألا إن القوة الرمي" مسلم. ويتحقق ذلك بالتمكن من العلوم الدنيوية النافعة، كعلم الطب، والهندسة، والفيزياء، والكيمياء، والرياضيات وغيرها.









إذا انقطعت أطماع عبد عن الورى

تعلق بالرب الكريم رجاؤه



فأصبح حرًا عزة وقناعة

على وجهه أنواره وضياؤه



وإن علقت بالعبد أطماع نفسه

تباعد ما يرجو وطال عناؤه










الخطبة الثانية



6- تحقيق وحدة المسلمين، وتماسكِ صفوفهم، وجمعِ كلمتهم، ودرءِ وَهْنِ الاختلافات والخصومات، ونزع فتيل العداوات والمقاطعات، ورسولنا - صلى الله عليه وسلم - يوصي ويقول: "لاَ تَبَاغَضُوا، وَلاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا" متفق عليه. وقبل أن يتحقق ذلك بين الأمم والشعوب، يجب أن يتحقق بيننا وبين أنفسنا، ومع إخواننا، وجيراننا، وداخل أسرنا وأحيائنا. "﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11]".







7- ترك المعاصي، فما عز قوم وهم في الغفلة منحدرون، وعن الطاعة ساهون، وفي شهواتهم منهمكون. قال تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الأعراف: 96].








يقول الحسن البصري: "مَنْ تَعَزَّزَ بِالْمَعْصِيَةِ، أَوْرَثَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الذِّلَّةَ، وَلا يَزَالُ الْعَبْدُ بِخَيْرٍ مَا كَانَ لَهُ وَاعِظٌ مِنْ نَفْسِهِ".







واشتهر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله: "ولَذُنوب الجيش عندي أخوف عليهم من عدوهم، فإن الله إنما ينصرنا بطاعتنا له ومعصيتهم له، فإذا استوينا نحن وهم في المعصية، كان لهم الفضل علينا في القوة".







8- اليقين بأن الله كتب لهذا الدين العلو والرفعة، وكتب لعباده الصالحين العزة والنصرة، تصديقا بموعود الله: "كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي". قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلاَ يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلاَ وَبَرٍ إِلاَّ أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الإِسْلاَمَ، وَذُلاًّ يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ" رواه أحمد، وهو في الصحيحة ﴿ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 21].



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 18-09-2020, 04:16 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,992
الدولة : Egypt
افتراضي رد: القلب العزيز

القلب العزيز (4)


د. محمد ويلالي








سلسلة أنواع القلوب (26)




القلب العزيز (4)











الخطبة الأولى



انتهينا من بيان أسباب عزة المسلمين والنهوض بوضعيتهم في القسم الثالث من أقسام "القلب العزيز"، - ضمن "سلسلة أنواع القلوب" في جزئها الخامس والعشرين -، وجعلنا هذه الأسباب مندرجة تحت ثمانية بنود أساس: - طلب العزة من الله وحده لا من غيره - صدق الانتماء لدين الإسلام، وخلوص الثبات عليه - اليقين بأن عزة الظالمين إلى زوال - القيام بالعبادة المطلوبة، بحسب ما تقتضيه الأوامر الربانية، والتوجيهات النبوية - الاجتهاد في الاستقلال عن الأعداء والاستغناء عنهم - السعي لتحقيق وحدة المسلمين وتماسكِ صفوفهم وجمعِ كلمتهم - ترك المعاصي - اليقين بأن الله كتب لهذا الدين العلو والرفعة، وكتب لعباده الصالحين العزة والنصرة.







ونختم الحديث عن صاحب "القلب العزيز"، بما يحقق انتصاره على نفسه، وتجاوزَ شهواته، ومغالبةَ نزغاته ونزواته، مما جعلناه أحد شروط العزة الثمانية السالفة، بل من أولاها وأجدرها، وهو التحرر من المعاصي، والتنزه عن مخالفة الشرع، والاستنكاف عن عصيان السنة النبوية. وقد مضى معنا قول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه في بيان أن ترك المعاصي سبيل للعزة، وطريق للنصرة ـ: "ولَذُنوب الجيش عندي أخوف عليهم من عدوهم، فإن الله إنما ينصرنا بطاعتنا له ومعصيتهم له، فإذا استوينا نحن وهم في المعصية، كان لهم الفضل علينا في القوة".







وما أتي المسلمون - اليوم - إلا من هذا الباب: باب الشهوات، الذي حذر منه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيما تحذير، فقال: "فَوَاللهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنِّي أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، فَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ" متفق عليه.







صاحب القلب العزيز يَعِف نفسه عن أن ينظر إلى ما في أيدي الناس، فهو غني باليسير الذي معه لا يَوْجَل، قنوع بما ساقه الله إليه كَثُر أو قَلَّ، ومتى ما طمع في ما عند الناس، ركب صهوة المعاصي، وامتطى جياد الموبقات والمخازي، لا يتوقف إلا حين يملأ فمَه التراب، فلا عزة له، ولا كرامة عنده، وإن بلغ صيته في الدنيا أطباق السحاب.





لِدُوا للموتِ وابنُوا لِلخرابِ

فكُلّكُمُ يَصِيرُ إلى تَبابِ



لمنْ نبنِي ونحنُ إلى ترابِ

نصِيرُ كمَا خُلِقْنَا منْ ترابِ










فما أصاب المسلمين اليوم من هوان وذلة، إلا بسبب اقتراف الذنوب. قال تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾. قال الإمام الطبري: "فإنما يصيبكم ذلك عقوبة من الله لكم، بما اجترمتم من الآثام فيما بينكم وبين ربكم".







ليست نكبة المسلمين - اليوم - في فلسطين إلا بسبب الذنوب، ولا نكبتهم في العراق، والشيشان، وكشمير، وأفغانستان، وغيرها إلا بسبب الذنوب. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:"لا يصيب عبدا نكبةٌ فما فوقها أو دونها إلا بذنب" صحيح الجامع.







بل حتى النكبات الفردية بين الناس، والخصومات المنتشرة بينهم، بين الأخ وأخيه، بين الأب وابنه، بين الزوج وزوجته، بين الجار وجاره، سببها المعاصي، وسوء العلاقة مع الله تعالى. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:"الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لاَ يَظْلِمُهُ، وَلاَ يَخْذُلُهُ، وَلاَ يَحْقِرُهُ" مسلم. ويقول - صلى الله عليه وسلم -: "وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، مَا تَوَادَّ اثْنَانِ فَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِذَنْبٍ يُحْدِثُهُ أَحَدُهُمَا" صحيح الترغيب.







لقد أنعم الله على المسلمين بنعم جليلة عظيمة، لكنهم ذهلوا عن حسن تصريفها، وسديد استغلالها، لأن المعاصي من عُظام وكبرياء، وركون للدنيا واستخذاء، حجبت عزة القلوب، وأردتها مستسلمة تابعة، وفي ذيل الحضارة قابعة. الخمور في كل مكان، ومرافئ القمار بادية للعِيان، وأماكن اللهو والرقص منتشرة، ويد المخدرات ممدودة بأنواعها التقليدية والمبتكَرة، وأصوات الإنكار والنصح مقموعة منحسرة، ونبغي - مع ذلك - عزة القلوب.







يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِنْ قَوْمٍ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالْمَعَاصِي، ثُمَّ يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يُغَيِّرُوا، ثُمَّ لاَ يُغَيِّرُوا، إِلاَّ يُوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ مِنْهُ بِعِقَابٍ" صحيح سنن أبي داود.







قال العلامة السعدي: "إِنَّ المَعَاصِيَ تُخَرِّبُ الدِّيَارَ العَامِرَةَ، وَتَسلُبُ النِّعَمَ البَاطِنَةَ وَالظَّاهِرَةَ. فَكَم لَهَا مِنَ العُقُوبَاتِ وَالعَوَاقِبِ الوَخِيمَةِ؟ وَكَم لَهَا مِنَ الآثَارِ وَالأَوصَافِ الذَّمِيمَةِ؟ وَكَم أَزَالَت مِن نِعمَةٍ، وَأَحَلَّت مِن مِحْنَةٍ وَنِقمَةٍ"، وهي - لعمري - المذلة بعينها.





رأيت الذنوب تميت القلوب

وقد يُورِث الذلَّ إدمانُها



وترك الذنوب حياةُ القلوب

وخيرٌ لنفسك عصيانُها










حتى روح الابتكار والتقدم العلمي تقتلها المعاصي، فتستحيل العقول متحجرة متيبسة، والقلوب قاسية متكلسة. فالعلم نور تطفئه المعصية، والابتكار سراج توقده الطاعة، ﴿ وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ ﴾. فمناددة المبتكرين تكون بالطاعة، ومقارعة المبدعين على بساط من حسن الانقياد وجميل العبادة. وفي الحديث: "فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعصية الله، فإن الله تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته" صحيح الجامع. وقال تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ﴾. قال القرطبي: "وَعْدٌ من الله تعالى، بأن من اتقاه علمه، أي يجعل في قلبه نورا يفهم به ما يلقى إليه.. ومنه قوله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا ﴾ [الأنفال: 29].







ولما جلس الإمام الشافعي بين يدي الإمام مالك، أعجبه، لما رأى عليه مخايِل النجابة والذكاء، وقال له: "إني أرى الله قد ألقى على قلبك نورا، فلا تطفئه بظلمة المعصية".







وجاء الشافعي إلى شيخه وكيع، فسأله عن أحسن دواء للحفظ، فقال: "والله ما رأيت للحفظ مثل ترك المعاصي". فأنشد الشافعي قائلا:





شكوت إلى وكيع سوء حفظي

فأرشدني إلى ترك المعاصي



وأخبرني بأن العلم نور

ونور الله لا يعطى لعاصي










وقَالَ الضحاك بن مزاحم - رحمه الله -:"مَا مِنْ أَحَدٍ تَعَلَّمَ القُرْآنَ ثُمَّ نَسِيَهُ، إِلَّا بِذَنْبٍ يُحْدِثُهُ؛ وَذَلِكَ بَأَنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ [الشورى: 30]. وَنِسْيَانُ القُرْآنِ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ".







قال ابن الجلاد: "نظرت منظرا لا يحل لي، فقال لي أحد الصالحين: أتنظر إلى الحرام؟ والله لتجدن غِبَّهُ ولو بعد حين. قال: فنسيت القرآن بعد أربعين سنة".







وقال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: "إني لأحسب الرجل ينسى العلم كان يعلمه، بالخطيئة يعملها".







الخطبة الثانية



صاحب القلب العزيز لا يرضى أن تحيله المعصية إلى جاهل فارغ الذهن، خامل الفكر، مشلول الإرادة، ضعيف المبادرة، إمعة يعتمد على غيره، يستورد التقنية، ويستورد الأطعمة، يستورد الآلات، ويستورد الأدوية، بعد أن كان رائد الدنيا، ومنار المعمورة. ها هي الأندلس تشهد على حكم المسلمين فيها، كيف كانوا على درجة من العلم والإبداع، فلم يبق فيها أمي واحد، في وقت كان لا يعرف القراءة والكتابة في أوروبا - معرفةً أولية - إلا الطبقةُ العليا من القساوسة - كما قال أحد المستشرقين[1] - . وكان الغربيون في الأندلس عالة على المسلمين في كثير من العلوم، وبخاصة في الطب، حتى عدوا أبا القاسم الزهراوي إمامهم في الجراحة، وبقي كتابه في الطب العام وفي الصيدلة وفي الجراحة[2] يدرّس في الجامعات الأوربية حتى القرن السابع عشر الميلادي.







ولما أُهدي لعبد الرحمن الداخل - أحد حكام الأندلس - جارية جميلة، نظر إليها وقال: "إن هذه لمن القلب والعين بمكان، وإن أنا لهوت عنها بمهمتي فيما أطلبه ظلمتها، وإن لهوت بها عما أطلبه ظلمت مهمتي، فلا حاجة لي بها الآن". وأردوا أن يختبروه، فقدموا إليه الخمر فقال: "إنِّي محتاج إلى ما يزيد في عقلي لا إلى ما ينقصه". بطاعة الله عزوا، وبترك المعاصي سادوا، وبخشية الله حكموا، فلما استحكمت المعاصي في مَن بعدهم، وتمكنت الموبقات من نفوسهم، أردتهم الشهوات، وأهلكتهم الشبهات، وكان ذلك سبب الانتكاس، وبداية الارتكاس. قال أحد الصليبيين يصف ما كان عليه شباب المسلمين هناك: "إنما همة أحدهم كأس يشربها، وقينة يسمعها، ولهو يقطع به أيامه". ووصف ابن العربي المالكي حالهم قائلا: "فغلبت الذنوب، وشقيت بالمعاصي القلوب، وصار كل أحد من الناس ثعلبا يأوي إلى جُحره، وإن رأى المكيدة بجاره، فإنا لله وإنا إليه راجعون" ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾.







لما تركنا الهدى حلت بنا محن ♦♦♦ وهاج للظلم والإفساد طغيانُ







[1] R.dozy.




[2] وهو كتاب: "التصريف لمن عجز عن التأليف في الطب العام وفي الصيدلة وفي الجراحة".








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 140.27 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 136.99 كيلو بايت... تم توفير 3.28 كيلو بايت...بمعدل (2.34%)]