هدي الإسلام في نقد الأخطاء وتصحيحها - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 11910 - عددالزوار : 190800 )           »          فتاوى رمضانية ***متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 554 - عددالزوار : 92644 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 114 - عددالزوار : 56861 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 78 - عددالزوار : 26158 )           »          شرح كتاب التفسير من مختصر صحيح مسلم للمنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 33 - عددالزوار : 714 )           »          الدين والحياة الدكتور أحمد النقيب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 16 - عددالزوار : 57 )           »          فبهداهم اقتده الشيخ مصطفى العدوي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 16 - عددالزوار : 55 )           »          يسن لمن شتم قوله: إني صائم وتأخير سحور وتعجيل فطر على رطب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 24 )           »          رمضان مدرسة الأخلاق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          أمور قد تخفى على بعض الناس في الصيام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى الشباب المسلم

ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 17-08-2019, 12:18 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,566
الدولة : Egypt
افتراضي هدي الإسلام في نقد الأخطاء وتصحيحها

هدي الإسلام في نقد الأخطاء وتصحيحها



الخطأ سلوك بشري لابد أن نقع فيه، كبارًا كنا أم صغارًا، وكما أن الأخطاء لا تتساوى، وكذلك تأثيرها لا يتساوى في الأفراد، فقد يكون خطأ ما كبيرًا في نظر أحدنا، بينما تجده صغيرًا ومسموحًا عند آخر، وكذلك لا يمكن أن نترك الأخطاء كما هي، ولا نبحث لها عن حلول تناسبها وتصححها، ولكن هناك أسئلة، وهي: كيف نصحح أخطاء الآخرين؟ وهل هناك أساليب ينبغي أن تستعمل في نقدنا للآخرين؟ وهل نجد في السنة النبوية ما يرشدنا إلى أحسن الأساليب؟



وبالرجوع إلى السنة النبوية نستخرج الأساليب التي استخدمها النبي صلى الله عليه وسلم التي كانت مؤيّدة بالوحي الإلهيّ، وفي هذه المقالة، نحاول أن نأتي بطرفٍ من الأحاديث النبوية التي استنبط منها بعض الباحثين تلك الأساليب لتصحيح الأخطاء.

الأول: النقد عن طريق بيان حكم شرعي

هذا أسلوب استعمله النبي صلى الله عليه وسلم لتصحيح الأخطاء وتوجيه الأمة، وكثيراً ما يقارن هذا النوع من النقد ببيان سبب شرعيّ حتى يكون النقد مقبولاً ومرحباً به، ومن أمثلة هذا النوع: عن ابْن جَرْهَدٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِهِ وَهُوَ كَاشِفٌ عَنْ فَخِذِهِ؛ فَقَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم : «غَطِّ فَخِذَكَ؛ فَإِنَّهَا مِنَ العَوْرَةِ». صحيح: سنن الترمذي 5/111.

وعن جابر رضي الله عنه قال: غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، وَقَدْ ثَابَ مَعَهُ نَاسٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ حَتَّى كَثُرُوا، وَكَانَ مِنَ المُهَاجِرِينَ رَجُلٌ لَعَّابٌ؛ فَكَسَعَ أَنْصَارِيًّا؛ فَغَضِبَ الأَنْصَارِيُّ غَضَبًا شَدِيدًا حَتَّى تَدَاعَوْا، وَقَالَ الأَنْصَارِيُّ: يَا لَلْأَنْصَارِ، وَقَالَ المُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِين َ؛ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ؛ فَقَالَ: «مَا بَالُ دَعْوَى أَهْلِ الجَاهِلِيَّةِ» ؟ ثُمَّ قَالَ: مَا شَأْنُهُمْ «فَأُخْبِرَ بِكَسْعَةِ المُهَاجِرِيِّ الأَنْصَارِيَّ» ، قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : «دَعُوهَا فَإِنَّهَا خَبِيثَةٌ» صحيح: صحيح البخاري 4/183.

الثاني: النقد عن طريق تصحيح التصورات والمفاهيم

ومن أمثلة ذلك من السنة النبوية: عَنْ أَنَسٍ أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سَأَلُوا أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ عَمَلِهِ فِي السِّرِّ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا آكُلُ اللَّحْمَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا أَنَامُ عَلَى فِرَاشٍ؛ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ؛ فَقَالَ: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ قَالُوا كَذَا وَكَذَا؟ لَكِنِّي أُصَلِّي وَأَنَامُ، وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» صحيح: مسلم 2/1020.

وعَنْ كَهْمَسٍ الْهِلَالِيِّ، قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ الل صلى الله عليه وسلم وَأَقَمْتُ عِنْدَهُ، ثُمَّ خَرَجْتُ عَنْهُ؛ فَأَتَيْتُهُ بَعْدَ حَوْلٍ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَمَا تَعْرِفُنِي؟، قَالَ: «لَا» ، قُلْتُ: أَنَا الَّذِي كُنْتُ عِنْدَكَ عَامَ أَوَّلٍ، قَالَ: «فَمَا غَيَّرَكَ بَعْدِي؟» قَالَ: مَا أَكَلْتُ طَعَامًا بِنَهَارٍ مُنْذُ فَارَقْتُكَ، قَالَ: «فَمَنْ أَمَرَكَ بِتَعْذِيبِ نَفْسِكَ، صُمْ يَوْمًا مِنَ السُّرُرِ»، قُلْتُ: زِدْنِي، فَزَادَنِي حَتَّى قَالَ: «صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنَ الشَّهْرِ» صحيح: المعجم الكبير للطبراني 19/194.

الثالث: النقد بالموعظة والتكرار

ويكثر هذا النوع في السنة النبوية المطهرة، ويرجى منه نفع كبير كما يوقظ عقول الغافلين. وسبب ذلك- والله أعلم – لتضمنه الموعظة والتكرار. ومن الأحاديث النبوية: قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ الْبَدْرِيُّ: كُنْتُ أَضْرِبُ غُلَامًا لِي بِالسَّوْطِ، فَسَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ خَلْفِي، «اعْلَمْ، أَبَا مَسْعُودٍ»، فَلَمْ أَفْهَمِ الصَّوْتَ مِنَ الْغَضَبِ، قَالَ: فَلَمَّا دَنَا مِنِّي إِذَا هُوَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ؛ فَإِذَا هُوَ يَقُولُ: «اعْلَمْ، أَبَا مَسْعُودٍ، اعْلَمْ، أَبَا مَسْعُودٍ»، قَالَ: فَأَلْقَيْتُ السَّوْطَ مِنْ يَدِي؛ فَقَالَ: «اعْلَمْ، أَبَا مَسْعُودٍ، أَنَّ اللهَ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَى هَذَا الْغُلَامِ»، قَالَ: فَقُلْتُ: لَا أَضْرِبُ مَمْلُوكًا بَعْدَهُ أَبَدًا. صحيح مسلم: كتاب الإيمان 3/1266.

وعن أسامة بن زيد قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية؛ فصبحنا الحرقات من جهينة؛ فأدركت رجلا، فقال: لا إله إلا الله، فطعنته فوقع في نفسي من ذلك؛ فذكرته للنبي صلى الله عليه وسلم؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أقال لا إله إلا الله وقتلته؟» قال: قلت: يا رسول الله، إنما قالها خوفا من السلاح، قال: «أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا؟» فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ. صحيح مسلم: كتاب الإيمان 1/96.

الرابع: النقد بأسلوب الاستفسار والتحقيق ثم الحلول

ومن الأساليب المفيدة في استخدام النقد، أن تستفسر عن الأمور في البداية وقبل النقد، ثم يعقبه التحقيق ثم الحلول، وحينها يأتي النقد، وكل هذه المراتب: الاستفسار، والتحقيق، والحلول وهذه المراتب تعد مقدمة للنقد، ومهدئة للجو، حتى يكون تصحيحك مناسباً للقبول -إن شاء الله- ومن السنة ما يأتي: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ؛ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا؛ فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا؛ فَقَالَ: «مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟» قَالَ أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ، مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي» صحيح مسلم: كتاب الإيمان 1/99.

وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدْ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ، فَوَقَعَ عَلَيْهَا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي قَدْ ظَاهَرْتُ مِنْ زَوْجَتِي، فَوَقَعْتُ عَلَيْهَا قَبْلَ أَنْ أُكَفِّرَ؛ فَقَالَ: «وَمَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ؟»، قَالَ: رَأَيْتُ خَلْخَالَهَا فِي ضَوْءِ القَمَرِ، قَالَ: «فَلَا تَقْرَبْهَا حَتَّى تَفْعَلَ مَا أَمَرَكَ اللَّهُ بِهِ» صحيح: سنن الترمذي أبواب الطلاق 3/495.

وعن عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، يَقْرَأُ سُورَةَ الفُرْقَانِ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؛ فَاسْتَمَعْتُ لِقِرَاءَتِهِ؛ فَإِذَا هُوَ يَقْرَأُ عَلَى حُرُوفٍ كَثِيرَةٍ، لَمْ يُقْرِئْنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ؛ فَكِدْتُ أُسَاوِرُهُ فِي الصَّلاَةِ؛ فَتَصَبَّرْتُ حَتَّى سَلَّمَ؛ فَلَبَّبْتُهُ بِرِدَائِهِ؛ فَقُلْتُ: مَنْ أَقْرَأَكَ هَذِهِ السُّورَةَ الَّتِي سَمِعْتُكَ تَقْرَأُ؟ قَالَ: أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؛ فَقُلْتُ: كَذَبْتَ؛ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَقْرَأَنِيهَا عَلَى غَيْرِ مَا قَرَأْتَ؛ فَانْطَلَقْتُ بِهِ أَقُودُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؛ فَقُلْتُ: إِنِّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ بِسُورَةِ الفُرْقَانِ عَلَى حُرُوفٍ لَمْ تُقْرِئْنِيهَا؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «أَرْسِلْهُ، اقْرَأْ يَا هِشَامُ»؛ فَقَرَأَ عَلَيْهِ القِرَاءَةَ الَّتِي سَمِعْتُهُ يَقْرَأُ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «كَذَلِكَ أُنْزِلَتْ»، ثُمَّ قَالَ: «اقْرَأْ يَا عُمَرُ»؛ فَقَرَأْتُ القِرَاءَةَ الَّتِي أَقْرَأَنِي؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «كَذَلِكَ أُنْزِلَتْ إِنَّ هَذَا القُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ؛ فَاقْرَؤوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ» صحيح البخاري: فضائل القرآن 6/184.

ومنه حديث عليّ الطويل في شأن حاطب ورسالته إلى كفار قريش، قال عليّ: فَانْطَلَقْنَا بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ؛ فَقَالَ: «مَا حَمَلَكَ يَا حَاطِبُ عَلَى مَا صَنَعْتَ» قَالَ: مَا بِي إِلَّا أَنْ أَكُونَ مُؤْمِنًا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَا غَيَّرْتُ وَلاَ بَدَّلْتُ، أَرَدْتُ أَنْ تَكُونَ لِي عِنْدَ القَوْمِ يَدٌ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهَا عَنْ أَهْلِي وَمَالِي، وَلَيْسَ مِنْ أَصْحَابِكَ هُنَاكَ إِلَّا وَلَهُ مَنْ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهِ عَنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ، قَالَ: «صَدَقَ، فَلاَ تَقُولُوا لَهُ إِلَّا خَيْرًا» صحيح البخاري: كتاب الإستئذان 8/57.

الخامس: ملازمة الهدوء

في النقد والتفكير في الحلول

ينبغي ألا ننسى بأنّ الهدف الرئيس في النقد هو تصحيح الأخطاء وإزالة المنكر، وعلى هذا، يجب علينا أن نَنظر ونُفكر في مآلات الأمور، ونقارن بين ما الأمر عليه الآن وبين ما سيحدث، أو يتغير بعد الإنكار، حتى لا نغيّر المنكر بمنكر أكبر منه، وحتى لا نزيد الطين بلة بسبب إنكارنا، واخترنا للأمثلة ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه الذي خدم النبي رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم منذ قدومه المدينة إلى أن توفي صلى الله عليه وسلم :

عن أَنَس بْن مَالِكٍ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ إِذْ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَقَامَ يَبُولُ فِي الْمَسْجِدِ؛ فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم : مَهْ مَهْ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : «لَا تُزْرِمُوهُ دَعُوهُ»؛ فَتَرَكُوهُ حَتَّى بَالَ، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ: «إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لَا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ، وَلَا الْقَذَر،ِ إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَالصَّلَاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ»، أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: فَأَمَرَ رَجُلًا مِنَ الْقَوْمِ فَجَاءَ بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَشَنَّهُ عَلَيْهِ. صحيح مسلم: كتاب الطهارة 1/236.

وعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه : أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ؛ فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ مَعَ خَادِمٍ بِقَصْعَةٍ فِيهَا طَعَامٌ؛ فَضَرَبَتْ بِيَدِهَا؛ فَكَسَرَتِ القَصْعَةَ؛ فَضَمَّهَا وَجَعَلَ فِيهَا الطَّعَامَ، وَقَالَ: «كُلُوا» وَحَبَسَ الرَّسُولَ وَالقَصْعَةَ حَتَّى فَرَغُوا؛ فَدَفَعَ القَصْعَةَ الصَّحِيحَةَ، وَحَبَسَ المكْسُورَةَ. صحيح البخاري: كتاب المظالم والغضب 3/136.

السادس: النقد بذكر

خطورة الخطأ أو ضرره

وهذا أسلوب آخر من أساليب النبي صلى الله عليه وسلم في توجيهاته في النقد، وهو أن تبين للمخطئ ما يترتب على هذا الأمر من الخطورة والضرر -دنيوية كانت أم أخروية- ولا شك أن هذا الأسلوب مفيد جدا ، كما سيتضح بالأمثلة الحديثية:

عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، أن أباه حدثه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج، وساروا معه نحو مكة، حتى إذا كانوا بشعب الخزار من الجحفة، اغتسل سهل بن حنيف، وكان رجلا أبيض، حسن الجسم، والجلد؛ فنظر إليه عامر بن ربيعة أخو بني عدي بن كعب وهو يغتسل؛ فقال: ما رأيت كاليوم، ولا جلد مخبأة فلبط بسهل؛ فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فقيل له: يا رسول الله، هل لك في سهل؟ والله ما يرفع رأسه، وما يفيق، قال: « هل تتهمون فيه من أحد؟»، قالوا: نظر إليه عامر بن ربيعة فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عامرا؛ فتغيظ عليه وقال: «علام يقتل أحدكم أخاه؟ هلا إذا رأيت ما يعجبك بركت؟»، ثم قال له: «اغتسل له»؛ فغسل وجهه، ويديه، ومرفقيه، وركبتيه، وأطراف رجليه، وداخلة إزاره في قدح، ثم صب ذلك الماء عليه، يصبه رجل على رأسه، وظهره من خلفه، يكفئ القدح وراءه؛ ففعل به ذلك، فراح سهل مع الناس ليس به بأس. مسند الإمام أحمد: مسند سهل بن حنيف 25/355-356.

وعن ابن عباس، أن رجلا لعن الريح - وقال مسلم: إن رجلا نازعته الريح رداءه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم؛ فلعنها-؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تلعنها؛ فإنها مأمورة، وإنه من لعن شيئا ليس له بأهل رجعت اللعنة عليه» صحيح: سنن أبي داود، كتاب الأدب 4/278.


وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: مَدَحَ رَجُلٌ رَجُلًا، عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ: فَقَالَ: «وَيْحَكَ قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ، قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ» مِرَارًا «إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ مَادِحًا صَاحِبَهُ لَا مَحَالَةَ؛ فَلْيَقُلْ: أَحْسِبُ فُلَانًا، وَاللهُ حَسِيبُهُ، وَلَا أُزَكِّي عَلَى اللهِ أَحَدًا أَحْسِبُهُ، إِنْ كَانَ يَعْلَمُ ذَاكَ، كَذَا وَكَذَا». صحيح مسلم: كتاب الزهد 4/2296.
منقول

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 17-08-2019, 12:18 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,566
الدولة : Egypt
افتراضي رد: هدي الإسلام في نقد الأخطاء وتصحيحها

هدي الإسلام في نقد الأخطاء وتصحيحها (2)


استكمالا لما بدأنا الحديث عنه في أساليب النقد وتصحيح الأخطاء؛ حيث ذكرنا أن الخطأ سلوك بشري يقع فيه الجميع، كبارًا وصغارًا، وذكرنا أننا لا يمكن أن نترك الأخطاء كما هي، ولا نبحث لها حلولاً تناسبها وتصححها، ولكن كيف نصحح أخطاء الآخرين؟ وهل هناك أساليب ينبغي أن تُستعمل في نقدنا للآخرين؟ هل نجد في السنة النبوية ما يرشدنا إلى أحسن الأساليب؟ هذا ما سنتناوله في هذه السلسلة.

السابع: النقد بأسلوب تعليمي

وهذا الأسلوب من أساسيات أساليب النقد وأشدها أثرا، وقد فعل النبي صلى الله عليه وسلم، كما سنلاحظ في الأمثلة الآتية: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ المسْجِدَ فَدَخَلَ رَجُلٌ، فَصَلَّى، فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَرَدَّ وَقَالَ: «ارْجِعْ فَصَلِّ؛ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ»؛ فَرَجَعَ يُصَلِّي كَمَا صَلَّى، ثُمَّ جَاءَ، فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ؛ فَقَالَ: «ارْجِعْ فَصَلِّ؛ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ» ثَلاَثًا؛ فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ، فَعَلِّمْنِي؛ فَقَالَ: «إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاَةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاَتِكَ كُلِّهَا» صحيح البخاري: كتاب الصلاة 1/152.

وعَنْ شَقِيقٍ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ؛ فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَجْنَبَ فَلَمْ يَجِدِ المَاءَ شَهْرًا، أَمَا كَانَ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي، فَكَيْفَ تَصْنَعُونَ بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي سُورَةِ المَائِدَةِ: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} (النساء: 43)؛ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَوْ رُخِّصَ لَهُمْ فِي هَذَا لَأَوْشَكُوا إِذَا بَرَدَ عَلَيْهِمُ المَاءُ أَنْ يَتَيَمَّمُوا الصَّعِيدَ، قُلْتُ: وَإِنَّمَا كَرِهْتُمْ هَذَا لِذَا؟ قَالَ: نَعَمْ؛ فَقَالَ أَبُو مُوسَى: أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ عَمَّارٍ لِعُمَرَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم فِي حَاجَةٍ؛ فَأَجْنَبْتُ فَلَمْ أَجِدِ المَاءَ؛ فَتَمَرَّغْتُ فِي الصَّعِيدِ كَمَا تَمَرَّغُ الدَّابَّةُ؛ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ؛ فَقَالَ: «إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَصْنَعَ هَكَذَا؛ فَضَرَبَ بِكَفِّهِ ضَرْبَةً عَلَى الأَرْضِ، ثُمَّ نَفَضَهَا، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا ظَهْرَ كَفِّهِ بِشِمَالِهِ أَوْ ظَهْرَ شِمَالِهِ بِكَفِّهِ، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ» صحيح البخاري: كتاب التيمم 1/77.

الثامن: التصحيح وإيجاد البديل

ومن الأساليب المثمرة ألا نكتفيَ بالإنكار أو بالتخطئة فقط، بل أحياناً يتطلب الأمر أن نقدم البدائل لما نريد تغييره. وفيما يأتي أمثلة من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَأَى نُخَامَةً فِي القِبْلَةِ؛ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ حَتَّى رُئِيَ فِي وَجْهِه؛ فَقَامَ فَحَكَّهُ بِيَدِهِ؛ فَقَالَ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ فِي صَلاَتِهِ؛ فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ، أَوْ إِنَّ رَبَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ القِبْلَةِ، فَلاَ يَبْزُقَنَّ أَحَدُكُمْ قِبَلَ قِبْلَتِهِ، وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمَيْهِ»، ثُمَّ أَخَذَ طَرَفَ رِدَائِهِ، فَبَصَقَ فِيهِ ثُمَّ رَدَّ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ؛ فَقَالَ: «أَوْ يَفْعَلُ هَكَذَا». صحيح البخاري: كتاب الصلاة 1/90.

وعن أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ رضي الله عنه ، قَالَ: جَاءَ بِلاَلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِتَمْرٍ بَرْنِيٍّ؛ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : «مِنْ أَيْنَ هَذَا؟»، قَالَ بِلاَلٌ: كَانَ عِنْدَنَا تَمْرٌ رَدِيٌّ؛ فَبِعْتُ مِنْهُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ، لِنُطْعِمَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ ذَلِكَ: «أَوَّهْ أَوَّهْ، عَيْنُ الرِّبَا عَيْنُ الرِّبَا، لاَ تَفْعَلْ، وَلَكِنْ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَشْتَرِيَ فَبِعِ التَّمْرَ بِبَيْعٍ آخَرَ، ثُمَّ اشْتَرِهِ». صحيح البخاري: كتاب الوكالة 1/103.

التاسع: نقد غير مباشر

وهذا من أكثر ما استعمله النبي صلى الله عليه وسلم في خطبه وتوجيهاته، وهو أسلوب نقد وتربويّ؛ لما يرجى من عقبه من ثمار، وهو: من باب ستر العورات ومحبة المخطئ لمن واجهه بهذا الأسلوب، ومن باب تجنب التفضيح ورد الفعل من المخطئ، وأن يرجى منه قبول وتأثير بالغ، ومن أمثلته في السنة النبوية صلى الله عليه وسلم : ما رُوي عن عائشة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْها- في حديثها الطويل – حديث الإفك- وكان مما قالت: فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ يَوْمِهِ؛ فَاسْتَعْذَرَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ، وَهُوَ عَلَى المِنْبَرِ؛ فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ، مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ رَجُلٍ قَدْ بَلَغَنِي عَنْهُ أَذَاهُ فِي أَهْلِي، وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا خَيْرًا، وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا، وَمَا يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا مَعِي». صحيح البخاري: كتاب المغازي 5/116.

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى نُخَامَةً فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ، فَأَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ؛ فَقَالَ: «مَا بَالُ أَحَدِكُمْ يَقُومُ مُسْتَقْبِلَ رَبِّهِ فَيَتَنَخَّعُ أَمَامَهُ، أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يُسْتَقْبَلَ فَيُتَنَخَّعَ فِي وَجْهِهِ؟ فَإِذَا تَنَخَّعَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَنَخَّعْ عَنْ يَسَارِهِ، تَحْتَ قَدَمِه؛ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَقُلْ هَكَذَا» وَوَصَفَ الْقَاسِمُ فَتَفَلَ فِي ثَوْبِهِ، ثُمَّ مَسَحَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ. صحيح مسلم: كتاب المساجد 1/389.

عَنْ مَسْرُوقٍ: قَالَتْ عَائِشَةُ: صَنَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا فَرَخَّصَ فِيهِ؛ فَتَنَزَّهَ عَنْهُ قَوْمٌ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ[؛ فَخَطَبَ فَحَمِدَ اللَّهَ ثُمَّ قَالَ: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَتَنَزَّهُونَ عَنِ الشَّيْءِ أَصْنَعُهُ؛ فَوَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُهُمْ بِاللَّهِ، وَأَشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَةً». صحيح البخاري: كتاب الأدب، باب من لم يواجه الناس بالعتاب 8/26.


العاشر: مراعاة حدود النقد وحفظ مكانة المخطئ

إن الإسلام جاء لمراعاة الحقوق وألاّ يبغي أحد على أحد، وفي حديث عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ أَخِي بَنِي مُجَاشِعٍ، قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ خَطِيبًا؛ فَقَالَ: «إِنَّ اللهَ أَمَرَنِي»، وفِيهِ: «وَإِنَّ اللهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا يَبْغِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ». صحيح مسلم: كتاب الجنة، باب الصفات التي يعرف بها أهل الجنة وأهل النار 4/2198 ، ومن هذا المنطلق والإرشاد النبويّ، يجب أن تراعى الحقوق في نقد الآخرين، وألاّ تتجاوز في حدودها، وهذا ما سنستفيده من هذه الأمثلة إن شاء الله -تعالى- عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، أَنَّ رَجُلًا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَانَ اسْمُهُ عَبْدَ اللَّهِ، وَكَانَ يُلَقَّبُ حِمَارًا، وَكَانَ يُضْحِكُ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم ، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَدْ جَلَدَهُ فِي الشَّرَابِ؛ فَأُتِيَ بِهِ يَوْمًا فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: اللَّهُمَّ العَنْهُ، مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : «لاَ تَلْعَنُوهُ؛ فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ إِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ».

وفي رواية أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِسَكْرَانَ؛ فَأَمَرَ بِضَرْبِهِ؛ فَمِنَّا مَنْ يَضْرِبُهُ بِيَدِهِ وَمِنَّا مَنْ يَضْرِبُهُ بِنَعْلِهِ وَمِنَّا مَنْ يَضْرِبُهُ بِثَوْبِهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ رَجُلٌ: مَا لَهُ أَخْزَاهُ اللَّهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ تَكُونُوا عَوْنَ الشَّيْطَانِ عَلَى أَخِيكُمْ». صحيح البخاري: كتاب الحدود 8/158.

الحادي عشر: النقد باستهداف نقطة الخطأ

إن من الحكمة أن تفهم النقطة الأساسية للخطأ حتى ترمي سهمك إلى هدف صحيح، وحتى لا تتساقط في عالم هو في الحقيقة خارج عن ميدان الخطأ؛ وبذلك يكون نقدك محققاً للغرض. وإليك بعض الأمثلة مما يفيد هذا الأسلوب من الأحاديث: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ: «لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ»؛ فَقَامَ رَجُلٌ؛ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، امْرَأَتِي خَرَجَتْ حَاجَّةً، وَاكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: «ارْجِعْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ». صحيح البخاري: كتاب النكاح 7/37.

وعن الرُّبَيِّعُ بِنْتُ مُعَوِّذِ ابْنِ عَفْرَاءَ، قَالَتِ: جَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَدَخَلَ حِينَ بُنِيَ عَلَيَّ، فَجَلَسَ عَلَى فِرَاشِي كَمَجْلِسِكَ مِنِّي، فَجَعَلَتْ جُوَيْرِيَاتٌ لَنَا، يَضْرِبْنَ بِالدُّفِّ وَيَنْدُبْنَ مَنْ قُتِلَ مِنْ آبَائِي يَوْمَ بَدْرٍ؛ إِذْ قَالَتْ إِحْدَاهُنَّ: وَفِينَا نَبِيٌّ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ؛ فَقَالَ: «دَعِي هَذِهِ، وَقُولِي بِالَّذِي كُنْتِ تَقُولِينَ». صحيح: كتاب النكاح 7/،19 وفي رواية الترمذي: «اسْكُتِي عَنْ هَذِهِ، وَقُولِي الَّتِي كُنْتِ تَقُولِينَ قَبْلَهَا». سنن الترمذي: أبواب النكاح 3/391، وفي رواية ابن ماجه: «أما هذا فلا تقولوه، ما يعلم ما في غد إلا الله». سنن ابن ماجه: كتاب النكاح 1/611

وعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَتَلَ رَجُلٌ مِنْ حِمْيَرَ رَجُلًا مِنَ الْعَدُوِّ، فَأَرَادَ سَلَبَهُ؛ فَمَنَعَهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَكَانَ وَالِيًا عَلَيْهِمْ؛ فَأَتَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ، فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ لِخَالِدٍ: «مَا مَنَعَكَ أَنْ تُعْطِيَهُ سَلَبَهُ؟» قَالَ: اسْتَكْثَرْتُهُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «ادْفَعْهُ إِلَيْهِ»؛ فَمَرَّ خَالِدٌ بِعَوْفٍ، فَجَرَّ بِرِدَائِهِ، ثُمَّ قَالَ: هَلْ أَنْجَزْتُ لَكَ مَا ذَكَرْتُ لَكَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ فَسَمِعَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَاسْتُغْضِبَ؛ فَقَالَ: «لَا تُعْطِهِ يَا خَالِدُ، لَا تُعْطِهِ يَا خَالِدُ، هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُونَ لِي أُمَرَائِي؟ إِنَّمَا مَثَلُكُمْ وَمَثَلُهُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتُرْعِيَ إِبِلًا، أَوْ غَنَمًا، فَرَعَاهَا، ثُمَّ تَحَيَّنَ سَقْيَهَا، فَأَوْرَدَهَا حَوْضًا، فَشَرَعَتْ فِيهِ فَشَرِبَتْ صَفْوَهُ، وَتَرَكَتْ كَدْرَهُ، فَصَفْوُهُ لَكُمْ، وَكَدْرُهُ عَلَيْهِمْ».ومن قول الإمام النووي عقب هذا الحديث: «وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ يُسْتَشْكَلُ؛ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْقَاتِلَ قَدِ اسْتَحَقَّ السَّلَبَ، فَكَيْفَ مَنَعَهُ إِيَّاهُ وَيُجَابُ عَنْهُ بِوَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا لَعَلَّهُ أَعْطَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِلْقَاتِلِ، وَإِنَّمَا أَخَّرَهُ تَعْزِيرًا لَهُ وَلِعَوْفِ بْنِ مَالِكٍ لِكَوْنِهِمَا أَطْلَقَا أَلْسِنَتَهُمَا فِي خَالِد رضي الله عنه وَانْتَهَكَا حُرْمَةَ الْوَالِي وَمَنْ وَلَّاهُ الْوَجْهُ الثَّانِي لَعَلَّهُ اسْتَطَابَ قَلْبَ صَاحِبِهِ فَتَرَكَهُ صَاحِبُهُ بِاخْتِيَارِهِ وَجَعَلَهُ لِلْمُسْلِمِين، َ وَكَانَ الْمَقْصُودُ بِذَلِكَ اسْتَطَابَةَ قَلْبِ خَالِدٍ رضي الله عنه لِلْمَصْلَحَةِ فِي إِكْرَامِ الْأُمَرَاءِ». شرح صحيح مسلم للإمام النووي: 12/64.

وعن أَبُي إِدْرِيسَ الخَوْلاَنِيّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ، يَقُولُ: كَانَتْ بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ مُحَاوَرَةٌ؛ فَأَغْضَبَ أَبُو بَكْرٍ عُمَرَ، فَانْصَرَفَ عَنْهُ عُمَرُ مُغْضَبًا، فَاتَّبَعَهُ أَبُو بَكْرٍ يَسْأَلُهُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَهُ، فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى أَغْلَقَ بَابَهُ فِي وَجْهِهِ، فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؛ فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَنَحْنُ عِنْدَهُ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَمَّا صَاحِبُكُمْ هَذَا فَقَدْ غَامَرَ» قَالَ: وَنَدِمَ عُمَرُ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ، فَأَقْبَلَ حَتَّى سَلَّمَ وَجَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَقَصَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الخَبَرَ، قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: وَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ يَقُولُ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَأَنَا كُنْتُ أَظْلَمَ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُونَ لِي صَاحِبِي، هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُونَ لِي صَاحِبِي، إِنِّي قُلْتُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا؛ فَقُلْتُمْ: كَذَبْتَ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: صَدَقْتَ، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: «غَامَرَ: سَبَقَ بِالخَيْرِ». صحيح البخاري: كتاب التفسير 6/59.


وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «لَا تُؤْذُوا خَالِدً؛ فَإِنَّهُ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، صَبَّهُ اللهُ عَلَى الْكُفَّارِ». المعجم الكبير للطبراني: باب الخاء 4/104.

منقول

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 17-08-2019, 12:19 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,566
الدولة : Egypt
افتراضي رد: هدي الإسلام في نقد الأخطاء وتصحيحها

هدي الإسلام في نقد الأخطاء وتصحيحها (3)






استكمالا لما بدأنا الحديث عنه في أساليب النقد وتصحيح الأخطاء؛ حيث ذكرنا أن الخطأ سلوك بشري يقع فيه الجميع، كبارًا أو صغارًا، وذكرنا أننا لا يمكن أن نترك الأخطاء كما هي، ولا نبحث لها حلولاً يناسبها ويصححها، ولكن كيف نصحح أخطاء الآخرين؟ وهل هناك أساليب ينبغي أن نستعمل في نقدنا للآخرين؟ هل نجد في السنة النبوية ما يرشدنا إلى أحسن الأساليب؟ هذا ما نتناوله في هذه السلسلة.

الثاني عشر: النقد بالإنكار الشديد

كما أشرنا سابقاً، لا يمكن أن يستعمل الناقد أسلوباً واحداً في الحالات كلها، ومن هنا يأتي هذا الأسلوب في حينه ليؤدي دوره ويستثمر فوائده، ولكن لابد أن يصاحب هذا الأسلوب بعض الأساليب التي ذكرنا مثل: مراعاة حدود النقد وعدم التجاوز، واستهداف نقطة الخطأ وغيرهما.

وهذا طرف من الأحاديث الكثيرة التي ترشدنا إلى هذا الأسلوب: عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَدَعَوْتُ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : «مَنْ هَذَا؟» قُلْتُ: أَنَا، قَالَ: فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ: «أَنَا، أَنَا». صحيح مسلم: كتاب الآداب 3/1673.

أَلَا تُصَلُّونَ؟

وعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم طَرَقَهُ وَفَاطِمَةَ؛ فَقَالَ: «أَلَا تُصَلُّونَ؟» فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ * إِنَّمَا أَنْفُسُنَا بِيَدِ اللهِ؛ فَإِذَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَنَا بَعَثَنَا؛ فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ قُلْتُ لَهُ ذَلِكَ، ثُمَّ سَمِعْتُهُ وَهُوَ مُدْبِرٌ، يَضْرِبُ فَخِذَهُ، وَيَقُولُ {وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} (الكهف: 54). صحيح مسلم: صلاة المسافرين.

عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الحَارِثِ، - قالَ: تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً؛ فَجَاءَتْنَا امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ؛ فَقَالَتْ: أَرْضَعْتُكُمَا ؛ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ؛ فَقُلْتُ: تَزَوَّجْتُ فُلاَنَةَ بِنْتَ فُلاَنٍ؛ فَجَاءَتْنَا امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ؛ فَقَالَتْ لِي: إِنِّي قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا ، وَهِيَ كَاذِبَةٌ، فَأَعْرَضَ عَنِّي؛ فَأَتَيْتُهُ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ، قُلْتُ: إِنَّهَا كَاذِبَةٌ، قَالَ: «كَيْفَ بِهَا وَقَدْ زَعَمَتْ أَنَّهَا قَدْ أَرْضَعَتْكُمَا ، دَعْهَا عَنْكَ». صحيح البخاري: كتاب الشهادات.

بهذا أمرتم؟

عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه، وهم يختصمون في القدر؛ فكأنما يفقأ في وجهه حب الرمان من الغضب؛ فقال: «بهذا أمرتم، أو لهذا خلقتم، تضربون القرآن بعضه ببعض؟ بهذا هلكت الأمم قبلكم» قال: فقال: عبد الله بن عمرو، ما غبطت نفسي بمجلس تخلفت فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما غبطت نفسي بذلك المجلس وتخلفي عنه. صحيح: سنن ابن ماجه، كتاب القدر 1/33.

أفتان أنت؟

عن جابر قال: كان معاذ يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يرجع فيؤمنا - وقال مرة: ثم يرجع فيصلي بقومه -؛ فأخر النبي صلى الله عليه وسلم ليلة - وقال مرة: الصلاة - وقال مرة: العشاء - فصلى معاذ مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم جاء يؤم قومه، فقرأ البقرة؛ فاعتزل رجل من القوم فصلى؛ فقيل: نافقت يا فلان، قال: ما نافقت، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فقال: إن معاذا يصلي معك، ثم يرجع فيؤمنا يا رسول الله، إنما نحن أصحاب نواضح، ونعمل بأيدينا، وإنه جاء يؤمنا فقرأ سورة البقرة، فقال: « يا معاذ، أفتان أنت؟ أفتان أنت؟ اقرأ بكذا وكذا». مسند الإمام أحمد: مسند جابر رقم 14307.

أَكُلَّهُمْ وَهَبْتَ؟

عن النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ، أَنَّ أُمَّهُ بِنْتَ رَوَاحَةَ، سَأَلَتْ أَبَاهُ بَعْضَ الْمَوْهِبَةِ مِنْ مَالِهِ لِابْنِهَا؛ فَالْتَوَى بِهَا سَنَةً ثُمَّ بَدَا لَهُ؛ فَقَالَتْ: لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللهِ[ عَلَى مَا وَهَبْتَ لِابْنِي؛ فَأَخَذَ أَبِي بِيَدِي وَأَنَا يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ؛ فَأَتَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ؛ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أُمَّ هَذَا بِنْتَ رَوَاحَةَ أَعْجَبَهَا أَنْ أُشْهِدَكَ عَلَى الَّذِي وَهَبْتُ لِابْنِهَا؛ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : «يَا بَشِيرُ* أَلَكَ وَلَدٌ سِوَى هَذَا؟» قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ: «أَكُلَّهُمْ وَهَبْتَ لَهُ مِثْلَ هَذَا؟» قَالَ: لَا، قَالَ: «فَلَا تُشْهِدْنِي إِذًا؛ فَإِنِّي لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ». صحيح مسلم: كتاب الهبات.

أسلوب الإعراض والهجران

لا شك أن هذا الأسلوب تنكيل للمخطئ والعاصي، وكما يتضح لنا من الأمثلة الآتية، يستعمل الناقد هذا النوع لمن يرجى رجوعه عن الخطأ -إن شاء الله تعالى- ومن الأمثلة: عن أبي سعيد الخدري قال: إن رجلا قدم من نجران إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعليه خاتم من ذهب؛ فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال: «إنك جئتني وفي يدك جمرة من نار». سنن النسائي: كتاب الزينة 8/170.

حديث الثلاثة

وعن كعب ابن مالك في حديثه الطويل قَالَ: وَنَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْمُسْلِمِينَ عَنْ كَلَامِنَا، أَيُّهَا الثَّلَاثَةُ، مِنْ بَيْنِ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ، قَالَ: فَاجْتَنَبَنَا النَّاسُ، وَقَالَ: تَغَيَّرُوا لَنَا حَتَّى تَنَكَّرَتْ لِي فِي نَفْسِيَ الْأَرْضُ؛ فَمَا هِيَ بِالْأَرْضِ الَّتِي أَعْرِفُ؛ فَلَبِثْنَا عَلَى ذَلِكَ خَمْسِينَ لَيْلَةً؛ فَأَمَّا صَاحِبَايَ فَاسْتَكَانَا وَقَعَدَا فِي بُيُوتِهِمَا يَبْكِيَانِ، وَأَمَّا أَنَا فَكُنْتُ أَشَبَّ الْقَوْمِ وَأَجْلَدَهُمْ؛ فَكُنْتُ أَخْرُجُ فَأَشْهَدُ الصَّلَاةَ وَأَطُوفُ فِي الْأَسْوَاقِ، وَلَا يُكَلِّمُنِي أَحَدٌ، وَآتِي رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ؛ فَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ، وَهُوَ فِي مَجْلِسِهِ بَعْدَ الصَّلَاةِ؛ فَأَقُولُ فِي نَفْسِي: هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدِّ السَّلَامِ، أَمْ لَا؟ ثُمَّ أُصَلِّي قَرِيبًا مِنْهُ وَأُسَارِقُهُ النَّظَرَ؛ فَإِذَا أَقْبَلْتُ عَلَى صَلَاتِي نَظَرَ إِلَيَّ وَإِذَا الْتَفَتُّ نَحْوَهُ أَعْرَضَ عَنِّي، حَتَّى إِذَا طَالَ ذَلِكَ عَلَيَّ مِنْ جَفْوَةِ الْمُسْلِمِينَ، مَشَيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ جِدَارَ حَائِطِ أَبِي قَتَادَةَ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّي، وَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ؛ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ؛ فَوَاللهِ مَا رَدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ. فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا قَتَادَةَ أَنْشُدُكَ بِاللهِ هَلْ تَعْلَمَنَّ أَنِّي أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ؟ قَالَ: فَسَكَتَ، فَعُدْتُ فَنَاشَدْتُهُ، فَسَكَتَ، فَعُدْتُ فَنَاشَدْتُهُ؛ فَقَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَفَاضَتْ عَيْنَايَ.. إلى آخر الحديث. صحيح مسلم: كتاب التوبة 4/2120.

المناقشة والحوار والإقناع

وهذا أسلوب آخر من أساليب النقد التي نستفيد من السنة النبوية المطهرة، وهو أسلوب يؤدي دوراً كبير في تحقيق أهداف النقد وتصحيح الأخطاء، ومن مميزات هذا النوع أن المخطئ يعترف بخطئه، ويرجى أن يستسلم للصواب -إن شاء الله- وهذه بعض الأمثلة: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ؛ فَقَالَ: إِنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلَامًا أَسْوَدَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : «هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَمَا أَلْوَانُهَا؟» قَالَ: حُمْرٌ، قَالَ: «هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ؟» قَالَ: إِنَّ فِيهَا لَوُرْقًا، قَالَ: «فَأَنَّى أَتَاهَا ذَلِكَ؟» قَالَ: عَسَى أَنْ يَكُونَ نَزَعَهُ عِرْقٌ، قَالَ: «وَهَذَا عَسَى أَنْ يَكُونَ نَزَعَهُ عِرْقٌ» وفي رواية: وَهُوَ حِينَئِذٍ يُعَرِّضُ بِأَنْ يَنْفِيَهُ، وَزَادَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ، وَلَمْ يُرَخِّصْ لَهُ فِي الِانْتِفَاءِ مِنْهُ. صحيح مسلم: كتاب الطلاق 2/1137.


رُخْصَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: أَنْكَحَنِي أَبِي امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ؛ فَكَانَ يَتَعَاهَدُ كَنَّتَهُ، فَيَسْأَلُهَا عَنْ بَعْلِهَا؛ فَتَقُولُ: نِعْمَ الرَّجُلُ مِنْ رَجُلٍ لَمْ يَطَأْ لَنَا فِرَاشًا، وَلَمْ يُفَتِّشْ لَنَا كَنَفًا مُنْذُ أَتَيْنَاهُ؛ فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ عَلَيْهِ ذَكَرَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ؛ فَقَالَ: «القَنِي بِهِ» ، فَلَقِيتُهُ بَعْدُ، فَقَالَ: «كَيْفَ تَصُومُ؟» قَالَ: كُلَّ يَوْمٍ، قَالَ: «وَكَيْفَ تَخْتِمُ؟»، قَالَ: كُلَّ لَيْلَةٍ، قَالَ: «صُمْ فِي كُلِّ شَهْرٍ ثَلاَثَةً، وَاقْرَإِ القُرْآنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ» ، قَالَ: قُلْتُ: أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: «صُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فِي الجُمُعَةِ»، قُلْتُ: أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: «أَفْطِرْ يَوْمَيْنِ وَصُمْ يَوْمًا»، قَالَ: قُلْتُ: أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: «صُمْ أَفْضَلَ الصَّوْمِ صَوْمَ دَاوُدَ صِيَامَ يَوْمٍ وَإِفْطَارَ يَوْمٍ، وَاقْرَأْ فِي كُلِّ سَبْعِ لَيَالٍ مَرَّةً»؛ فَلَيْتَنِي قَبِلْتُ رُخْصَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، وَذَاكَ أَنِّي كَبِرْتُ وَضَعُفْتُ. صحيح البخاري: كتاب الفضائل 6/196.

ائذن لي بالزنا

عن أبي أمامة قال: إن فتى شابا أتى النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فقال: يا رسول الله، ائذن لي بالزنا؛ فأقبل القوم عليه؛ فزجروه وقالوا: مه، مه؛ فقال: «ادنه، فدنا منه قريبا»، قال: فجلس قال: «أتحبه لأمك؟»، قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: «ولا الناس يحبونه لأمهاتهم»، قال: «أفتحبه لابنتك؟»، قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداءك، قال: «ولا الناس يحبونه لبناتهم»؛ قال: «أفتحبه لأختك؟»، قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: «ولا الناس يحبونه لأخواتهم»، قال: «أفتحبه لعمتك؟»، قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: «ولا الناس يحبونه لعماتهم»، قال: «أفتحبه لخالتك؟»، قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: «ولا الناس يحبونه لخالاتهم»، قال: فوضع يده عليه وقال: «اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه، وحصن فرجه»، قال: فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء. مسند الإمام أحمد: مسند أبي أمامة 36/545.

المصارحة في النقد

رغم أن المصارحة مرفوضة وغير مرضية من جانب المخطئ، إلّا أنها تناسب أن تستعمل كأسلوب من أساليب النقد، ولاسيما إذا كانت المصلحة المنشودة من النقد تتحقق فيها، ولكن إذا كانت هناك مفسة أكبر، يجب أن نبتعد المصارحة ونعدل إلى أسلوب آخر، ومن الأحاديث: عَنِ المعْرُورِ هُوَ ابْنُ سُوَيْدٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: رَأَيْتُ عَلَيْهِ بُرْدًا، وَعَلَى غُلاَمِهِ بُرْدًا، فَقُلْتُ: لَوْ أَخَذْتَ هَذَا فَلَبِسْتَهُ كَانَتْ حُلَّةً، وَأَعْطَيْتَهُ ثَوْبًا آخَرَ، فَقَالَ: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ كَلاَمٌ، وَكَانَتْ أُمُّهُ أَعْجَمِيَّةً، فَنِلْتُ مِنْهَا، فَذَكَرَنِي إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ؛ فَقَالَ لِي: «أَسَابَبْتَ فُلاَنًا» قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «أَفَنِلْتَ مِنْ أُمِّهِ» قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ» قُلْتُ عَلَى حِينِ سَاعَتِي: هَذِهِ مِنْ كِبَرِ السِّنِّ؟ قَالَ: «نَعَمْ، هُمْ إِخْوَانُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ؛ فَمَنْ جَعَلَ اللَّهُ أَخَاهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلاَ يُكَلِّفُهُ مِنَ العَمَلِ مَا يَغْلِبُهُ، فَإِنْ كَلَّفَهُ مَا يَغْلِبُهُ فَلْيُعِنْهُ عَلَيْهِ». صحيح البخاري: كتاب الأدب 8/16، وفي رواية مسلم قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْ سَبَّ الرِّجَالَ سَبُّوا أَبَاهُ وَأُمَّهُ، قَالَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ. صحيح مسلم: كتاب الإيمان 3/1282.

عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، قَالَ: اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي سُلَيْمٍ، يُدْعَى ابْنَ اللُّتْبِيَّةِ؛ فَلَمَّا جَاءَ حَاسَبَهُ، قَالَ: هَذَا مَالُكُمْ وَهَذَا هَدِيَّةٌ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «فَهَلَّا جَلَسْتَ فِي بَيْتِ أَبِيكَ وَأُمِّكَ، حَتَّى تَأْتِيَكَ هَدِيَّتُكَ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا» ثُمَّ خَطَبَنَا؛ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ؛ فَإِنِّي أَسْتَعْمِلُ الرَّجُلَ مِنْكُمْ عَلَى العَمَلِ مِمَّا وَلَّانِي اللَّهُ؛ فَيَأْتِي فَيَقُولُ: هَذَا مَالُكُمْ وَهَذَا هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لِي، أَفَلاَ جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ حَتَّى تَأْتِيَهُ هَدِيَّتُهُ..» إلى آخر القصة. صحيح البخاري: كتاب الحيل 9/28.
منقول
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 97.99 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 95.19 كيلو بايت... تم توفير 2.80 كيلو بايت...بمعدل (2.86%)]