تعريف الضابط الفقهي والفرق بينه وبين القاعدة

[ابوالوليد المسلم]

تعريف الضابط الفقهي والفرق بينه وبين القاعدة
نايف بن علي العوفي






والفرق بينه وبين القاعدة


تعريف الضابط لغة واصطلاحاً:
الضابط لغة:اسم فاعلٍ من ضَبَطَ يَضْبِط ضَبْطاً فهو ضَابط، والضَبْط: لُزوم شيء لا يفارقه في كل شيء، ورجل ضابط: شديد البطش والقوة والجسم، والأضبط: الذي يعمل بيديه جميعً[1] .


الضابط اصطلاحاً: للعلماء في تعريف الضابط ثلاثة اتجاهات هي:

الاتجاه الأول: أن الضابط والقاعدة بمعنى واحد؛ فهما مترادفان، وهو مبني على عدم التفريق بينهما؛ فعرَّفه أصحاب هذا الاتجاه كتعريف القاعدة.

يقول ابن الهمام[2] في معرض كلامه عن القواعد: ((ومعناها كالضابط والأصل والقانون والحرف ))[3]، ويقول ابن أمير الحاج[4] في شرحه لقول ابن الهمام: (ومعناها) أي القاعدة (كالضابط والقانون والأصل والحرف) فهي ألفاظ مترادفة اصطلاحًا)[5] .

والقاعدة عندهم: (الأمر الكلي الذي ينطبق عليه جزئيات كثيرة يفهم أحكامها منها)[6].

الاتجاه الثاني: أن الضابط أخصُّ من القاعدة، فعرَّفه أصحاب هذا الاتجاه بتعريف مغاير لتعريف القاعدة للتفريق بينهما.
يقول ابن النجار[7] : ((والغالب فيما يختص بباب، وقُصد به نظم صور متشابهة يسمى ضابطاً، وإن شئت قلت: ما عمَّ صوراً؛ فإن كان المقصود من ذكره القدر المشترك الذي به اشتركت الصور في الحكم، فهو الـمُدْرِك، وإلا فإن كان القصد ضبط تلك الصور بنوع من أنواع الضبط، من غير نظر في مأخذها، فهو الضابط، وإلا فهو القاعدة))[8] .

فيكون تعريف الضابط: (أمر كُلِّي يختص بباب واحد، ويقُصد به نظم صور متشابهة).

الاتجاه الثالث: أن الضابط أعمُّ من القاعدة، ولم أجد من قال به إلا أن أحمد الحموي[9] نسبه إلى بعض المحققين، فقال: ((في عبارة بعض المحققين ما نصه: ورسموا الضابطة بأنها أمر كلي ينطبق على جزئياته لتعرف أحكامها منه، قال: وهي أعم من القاعدة، ومن ثم رَسَمُوها بأنها صورة كلية يتعرف منها أحكام جميع جزئياتها)[10] .

والاتجاه الثاني هو الأقرب.

الفرع الثالث: الفرق بين الضابط والقاعدة:
يشترك الضابط والقاعدة في أن كلًّا منهما حكمٌ كلي يجمع فروعاً فقهية، مما جعل بعض العلماء لا يرى فرقاً بينهما؛ إلا إن بعضهم لاحظ فروقاً بين الضابط والقاعدة تُمَيـِّز كل واحد منهما عن الآخر، وبخاصة إذا افترقا، وأبرز هذه الفروق، هي:

أولاً: من حيث الاختصاص: فالقاعدة لا تختص بباب من أبواب الفقه بخلاف الضابط.
يقول تاج الدين السُّبكي[11] : ((والغالب فيما اختص بباب وقُصد به نُظِم صور متشابهة أن تسمى ضابطاً))[12] .

ثانياً: من حيث العموم والخصوص: القواعد الفقهية أعمُّ وأشملُ بالنظر إلى أنها تدخل في أبواب متعددة بخلاف الضوابط الفقهية التي تختص في الموضوع الذي تتناوله.

وتكون الضوابط الفقهية أعمُّ وأشملُ من جهة وحدة الموضوع كونها تجمع ضوابط فقهية متفرقة في باب واحد أو أبواب معينة.

يقول ابن نُجَيم[13] : ((والفرق بين الضابط والقاعدة أن القاعدة تجمع فروعاً من أبواب شتَّى، والضابط يجمعها من باب واحد، هذا هو الأصل))[14] .

وينبني عليهما فرقان آخران، هما:

أ‌- من حيث الاشتمال على الفروع: فالفروع المندرجة تحت القاعدة أكثر من الفروع التي قد تندرج تحت الضابط؛ لأن للقاعدة عموماً يقصُر عنه الضابط فكانت فروعها كذلك لا تختص بباب معين[15].

ب‌- من حيث الاستثناءات: فالاستثناءات في القواعد أكثر منها في الضوابط؛ لأن الضوابط تكون في باب واحد فلا تخرج الاستثناءات - في الغالب - عن هذا الباب.



[1] مقاييس اللغة: باب الضاد والباء وما يثلثهما، مادة (ضبط) (3/ 387)، وتهذيب اللغة: باب الضاد والباء، مادة (ض ب) (11/ 339).

[2] هو محمد بن عبد الواحد بن عبد الحميد بن مسعود السيواسي، الحنفي، المعروف بابن الهمام، ولد تقريبًا سنة تسعين وسبعمائة، ومن مؤلفاته: شرح الهداية في الفقه والتحرير في أصول الفقه، مات في رمضان سنة إحدى وستين وثمانمائة. حُسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة (1/ 474)، والبدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع (2/ 202).

[3] التحرير في أصول الفقه (ص: 5).

[4] هو محمد بن محمد بن محمد بن حسن بن علي بن سليمان الحلبي، الحنفي، ويعرف بابن أمير حاج وبابن الموقت، ولد في ثامن عشر ربيع الأول سنة خمس وعشرين وثمانمائة بحلب، ومن مؤلفاته: التقرير والتحبير، وشرح منية المصلّي، وتوفي ليلة الجمعة في التاسع عشر من شهر رجب سنة تسع وسبعين وثمانمائة. شذرات الذهب في أخبار من ذهب (9/ 490)، والضوء اللامع لأهل القرن التاسع (9/ 210).

[5] تيسير التحرير (1/15).

[6] الأشباه والنظائر للسُّبكي (1/ 11).

[7] هو أبو البقاء، محمد بن أحمد بن عبد العزيز الفتوحي، الحنبلي، الشهير بابن النجّار، ولد سنة ثمان وتسعين وثمانمائة، ومن مؤلفاته: شرح الكوكب المنير ومنتهى الإرادات في جمع المقنع مع التنقيح وزيادات، وتوفي سنة تسع وأربعون وتسعمائة. مختصر طبقات الحنابلة لابن شطي (ص: 91)، والأعلام للزركلي (6/ 6).

[8] مختصر التحرير شرح الكوكب المنير (1/ 30).

[9] هو شهاب الدين، أبو العباس أحمد بن محمد مكي، الحسيني، المصري، الحموي الأصل، الحنفي، صنف كتباً كثيرة، منها: غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر لابن نجيم، ونفحات القرب والاتصال، وتوفي سنة أربعين ومائة وألف. تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (1/ 114)، والأعلام للزركلي (1/ 239).

[10] غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر (2/ 5).

[11] هو أبو نصر، عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي بن علي السُّبكي، الشافعي، ولد في القاهرة سنة سبع وعشرين وسبعمائة، ومن مؤلفاته: رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب، والأشباه والنظائر في مذهب الإمام الشافعي، وطبقات الشافعية، ومات شهيداً بالطاعون في شهر ذي الحجة سنة إحدى وسبعين وسبعمائة. طبقات الشافعية لابن قاضى شهبة (3/ 104)، وشذرات الذهب في أخبار من ذهب (1/ 67).


[12] الأشباه والنظائر للسبكي (1/ 11).

[13] هو زين الدّين بن إبراهيم بن محمد بن محمد المصري، الحنفي، الشهير بابن نجيم، ومن مؤلفاته: البحر الرائق شرح كنز الدقائق وكتاب الأشباه والنظائر وغيرها، وتوفي صبيحة يوم الأربعاء من رجب سنة سبعين وتسعمائة. شذرات الذهب في أخبار من ذهب (10/ 523)، والأعلام للزركلي (3/ 64).


[14] الأشباه والنظائر لابن نجيم (ص: 137).

[15] الأشباه والنظائر لابن نجيم (ص: 137).