|
|
من بوح قلمي ملتقى يختص بهمسات الاعضاء ليبوحوا عن ابداعاتهم وخواطرهم الشعرية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
عند مدخل القرية الخضراء
عند مدخل القرية الخضراء مها بنت محمد البشاري • عِندَ مدخلِ القرَيةِ الخَضرَاء.. وقفَ العجوزُ بكلّ هَيبة.. يرمقُ الطريقَ الذي ألِفَه.. وحَطمَه الناس مذ عشرات السنين.. اِعتادَ المطالعَة الرتيبة الُمملّة.. فهذه السيّدة تعجنُ خبزها كل صَباح.. وذاك الطفلُ يلعبُ بالكرةِ صعوداً على سفحِ الجبل.. وتلكَ الجميلة ذات الغدائر الصفراء التي تلتمعُ على ظهرها كالذهب لا تفتأُ تملُّ من حمل هذه الجرّة العتيقة لتملأها بالماء.. • ما أحلى الحياة.. وما أطيبَ العيشَ بحوار من لا يحملون في قلوبهم غير محبّة.. السلام " ♦ ♦ ♦ خمسُ مرات.. يرتفعُ فيها صوت الأذان في القريةِ الخضراء.. لا يتخلّفُ عنها إلا ذو عذرٍ معلوم.. فالصلاةُ في حياتهم كالهواء الذي لا عيشَ إلا به ! ورثوا حبّ هذا الدينِ عن آبائهم.. فكان الاسلامُ قلاداً غالياً أثيراً عندهم لا يُساومون بهذهِ القريةِ كنوز الدنيا.. صفراءَ كانت.. أو سوداء !! ♦ ♦ ♦ عاشتِ القريةُ الخضراءَ.. مُدَداً طويلةً في عداد الأيَّام.. عاشت.. وعاشَ أهلُها على الطّيب.. والكرمِ.. والوفاء.. عاشت.. وعاشَ أهلها على معاني الشرفِ التي طمَرتها رِمالُ المدنيّة.. عاشت.. حباً للحياة.. عشقاً لزرقةِ السماء.. وَاِنسِلَالِ نهرها الآمِن.. وهوائها النقيّ.. حباً.. للصفاء.. والنقاء.. عاشتِ القريةُ.. الخضراء.. ♦ ♦ ♦ ٧ أكتوبر ٢٠٠١ ميعادٌ أليم.. بين فاتنةٍ.. وقاتل ! لم تدرِ تلكَ الصغيرة.. ذاتُ العيون الزرق.. أنها لن تُكمل أكل كعكتها المفضلّة من يديّ أمها الحنون.. لم تدرِ أنّ أباها قد اخلفَ اليوم وعده بالرجوع عِندَ مغيبِ الشمس.. مرغماً كان! لم تدرِ أنّ جدّتها لن تستطيعَ إكمال غزل ذَاكَ القميص.. خائفةٌ هي على أحفادها من البردِ القارس.. يا ويحَ قلبي.. ما أشدّ لطفها.. ! وما أخوَفها على فلذاتِ أكبادها.. وما أسكنَ نفسها.. إذ لم تدرِ ما تُعدّه لها يدُ الأيام.. ! ♦ ♦ ♦ أطلقَ العجوز أنّةً من صدرِه.. فعظامُه لم تعد تقوى على بردِ ( خُوست ) بردِ القريةِ الخضراء.. أخذَ يَتأمل بهدوءٍ شمسَ ذلك اليومِ وهي تودّعه.. ولسانُ حالها : وداعاً أيها العجوزُ الوفيّ ! ما غبتُ يوماً عن سماءِ قريتكم ورأيتكَ غائباً.. بل ما زلتَ تُشيّعني بنظراتك منذ عشراتِ السنين.. وداعاً أيُّها الصّديق.. لا تنسَ ميعادنا.. (غداً) عند الهزيعِ الأول.. ♦ ♦ ♦ وقف العجوز مُستعداً للنُّهوض.. والتفّ رداءهُ.. والتقطَ مسبحته العتيقة " ♦ ♦ ♦ لحظاتٌ في عُمُرِ الزمانِ قلِيلة.. ثوانٍ معدودات.. طائرة ( بدونِ طيّار) تحلّقُ بسرعةِ البرق ! ♦ ♦ ♦ زرٌّ واحد.. كان إشارةَ الموتِ الأحمَر ! اندفعتِ القذائف دون رحمة.. لتتساقط سريعاً سريعاً.. على القريةِ الخضراء.. غطّتها.. دمّرتها.. نَسفتها.. " مَحتها عن الوجود.." القريةُ الخضراء.. لم تكن خضراءَ ذلك اليوم.. بل حمرَاء.. غرقى بلونِ الدّماء ! ماتت كُل مظاهرِ الحياة.. ماتتْ ذاتُ العيونِ الزُرق.. ماتت الجدّةُ الرؤوم.. مات طيبُ ونبلُ القريةِ الخضراءِ وأهلِها.. مَاتَ صَدِيقُ الحَيَاة.. العَجُوز.. ♦ ♦ ♦ تسَاقطت حبّات المسْبحةِ.. مُلطخةً بلونِ الدم.. الدمِ الذي سيظلُّ شاهداً على الظُلم والغدر.. الدمُ الذي ستظلُّ لعناته تظلّل الظَلَمة صبحَ مسَاء.. اختفى صوتُ المآذن. اختفتِ القريةُ الخضراء.. اختفت مِن خارطةِ الوجُود.. طُمرِت وغابَت.. واندَرست معالِمُها.. ♦ ♦ ♦ لا أَحد يدري.. لا ندري.. ولا كل العالم كان يدري ! بل وما زال.. لا يدري..!! كم من القُرى التي اِغتالتها يد القهرِ والقوّة والظلم.. ؟! كم من النفوسِ البريئةِ قُتلت ؟! عذراً.. قرى خُوست.. عذراً مزار شريف.. عذراً كندز.. عذراً قندهار.. عذراً جلال آباد.. عذراً كابول.. ♦ ♦ ♦ عذراً يا ِجبالَ الأفغانْ..!! وَمَا حُبُّ الدِّيَارِ شَغَفنَ قَلبِي.. وَلكِن حُبُّ من سَكَنَ الدِّيارَا".
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |