|
|
ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
قصة نوح عليه السلام
قصة نوح عليه السلام د. محمد منير الجنباز عناصر الموضوع: ♦ قوم نوح من الإيمان إلى الشرك ♦ تكليف نبي الله نوح بالرسالة ♦ التنويع في أسلوب الدعوة ♦ دعوة نوح لقومة ♦ الجهل والعمى سيطر على قوم نوح ♦ بداية الطوفان ♦ صبر نوح على دعوتة ذكَر القُرْآن الكريم نبي الله نوحًا عليه السلام في سور عديدة، أسهب في ذكره في بعضها، كسورة هود والشعراء والصافات ونوح، وأطنب جدًّا في بعضها الآخر؛ كسورة يونس والنجم والقمر والتحريم، وذكر ذكرًا عابرًا في سور مثل النساء والأعراف والتوبة وغافر، ومن خلال ربط الآيات بعضها ببعض سيتكون عندنا قصة واضحة عن الفترة التي بُعث فيها نوح عليه السلام لدعوة الناس إلى التوحيد بعد أن مالوا عن طريق الصواب، وأن الناسَ في عهد نوح قد ابتعدوا عن المسيرة الإيمانية التي جاء بها الأنبياء قبل نوح؛ مثل: شيث، وإدريس، وقد نشأ مِن هذا البُعد أنِ اختلطت الأمور على الناس، والتبس الحق بالباطل. فوجد الناس أنفسهم ينحدرون إلى الشرك من باب حبِّ الخير وأهل الخير، فانقلَب هذا الأمر عند تقادم العهد إلى تعزيز الشرك وتأصيله، حتى غدَا هو السائدَ، وما سواه دخيل وشاذ مخالف لِما عليه الأغلبية، لا يُعتَرَف به، فكان التوحيد غريبًا ينبغي محاربته، ومخالفًا لِما وُجد عليه الآباء: ﴿ وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا ﴾ [نوح: 23]، وقد ورَد أن هذه الأسماء هي لأناس صالحين، أراد أقوامهم تخليد ذكراهم والاقتداء بهم والسير على نهجهم، فانقلبت هذه المحبة - مع تقادم العهد - إلى عبادة وتقديس بما ألقاه إليهم الشيطان - العدو المتربص بالمؤمنين - من أوهام تجاههم، فزيَّن لهم عبادتهم بما أضفاه عليهم من قداسة وخوارق، وأن هؤلاء الآلهة مصدر كل خير، فأضحى الشر سائدًا وهو الأساس، وكل دعوة مخالفة لهذا الذي اعتقده ينبغي محاربتها بضراوة، وفي كل مجتمع يقوم على مثل هذا الاعتقاد لا بد من وجود منتفعين يجنُون الأرباح والجاه، يقفون ضد التغيير المصادم لمصالحهم، ويحرِّضون العامة والغوغاء ضد النبي المصلح الذي بُعث لهدايتهم وإنقاذهم من العمى والضلال، والأخذ بأيديهم إلى طريق الهدى الموصل إلى رضوان الله وجناته، وكان هذا ما واجه نوحًا عليه السلام، فقد بعثه الله إلى قوم ضلوا الطريق، واحتاجوا إلى مرشدٍ يسلك بهم الطريق الصواب، فكان قدر نوح أن يكون هو النبي المرسل إليهم ﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [نوح: 1]. وهكذا تلقَّى نوح التكليف بالرسالة، وتوجه إلى قومه يدعوهم إلى توحيد الله باذلًا جهده في إقناعهم، لا يريد منهم أجرًا على جهده، وإنما يسرُّه كلَّ السرور أن يقبل الجميع دعوته، وأن يسارعوا إلى نبذ الشرك، والاعتصام بحبل الله المتين: ﴿ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ * أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ * يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُون ﴾ [نوح: 2 - 4]، وبذَل الحجة والمنطق في الإقناع، وبرهن لهم حقيقة الأصنام، وأن موجِد هذا الكون هو الله الواحد الأحد، الذي يُحيي ويميت، ويهَب ويمنع، وهو الغفور لمن أناب وتاب، لكن ماذا رد قوم نوح؟ فاسمَعْ لنوحٍ وهو يصفهم باختصار: ﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا ﴾ [نوح: 5، 6]، يا إلهي! كم عانى نوحٌ مِن قومه ومن صدِّهم واستكبارهم؟ لكنه بالتأكيد صبر عليهم، وهذا من صفات الأنبياء؛ الصبر ثم الصبر ثم الصبر، برغم استفزازهم له وسخريَّتهم به، ﴿ وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا ﴾ [نوح: 7]، عنادٌ ما بعده عناد؛ أن يسدُّوا الآذان عن سماع الحق، ويتقنَّعوا بالثياب، وقد عطلوا حاستي السمع والبصر، فلا يريدون أن يسمعوا أو يروا، وقد نوَّع نوح في أساليب دعوته لهم؛ لعله يصل إلى القبول عندهم، فيصيخوا إليه بسمعهم، ﴿ ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا * فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ﴾ [نوح: 9، 10]. ومِن التنويع في أسلوب الدعوة: تحسين الأحوال في الدنيا، والتبشير بعيش رغد وحياة فضلى؛ حيث يفيض الماء، ويكثُرُ الولد: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ [نوح: 10 - 12]، ثم وجَّههم إلى ما خلق الله لهم على الأرض، وما سخَّر لهم في هذا الكون لفائدتهم: ﴿ أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا ﴾ [نوح: 15، 16]، وبرَغْم هذه الدلائل الظاهرة والحجج الباهرة، أحجَم قوم نوح عن اتباع الحق، والسير في طريق الهدى، واتبعوا كبراءهم، غيرَ عابئين بسخط الله وغضبه، وهذا منتهى الجحود والنكران لإنعام المنعِم؛ ﴿ قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا ﴾ [نوح: 21]. استمرَّتْ دعوةُ نوح لقومه زمنًا ليس باليسير؛ فقد تطاولت به المدة حتى أعذر بشأنهم، وشهدت فترة دعوته أجيالًا وقرونًا، وكأن الكبار كانوا يوصون الصغار والناشئة بعدم قبول دعوة نوح، فكان الجيل الجديد أشد إنكارًا وعتوًّا وتفلُّتًا من آبائهم، وقد شعر نوح بأنه أصبح بينهم غريبًا متهمًا بالجنون والتخريف، وهم الأوفر شبابًا والأكثر فهمًا بأمور الدنيا ومتطلبات العيش، فلماذا العودة إلى الوراء؟! وعرَف نوح ما يدور في أذهانهم تجاهه، وكيدهم له، ومكرهم به؛ للخلاص منه؛ ﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ ﴾ [يونس: 71]، ولكن لا بد لجُهد نوح في الدعوة من ثمرة؛ فآمن معه عدد قليل من قومه، والتزموا بتعاليمه، إلا أن قوتهم لا تزال ضعيفة أمام قوى الشر الطاغية، وبهذا تعالى عليه المتكبرون، وأنِفوا من الدخول في دينه؛ ﴿ فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ ﴾ [هود: 27]، وصعَّد القوم لهجتهم ضد نوح وأتباعه، وعدُّوهم من السفهاء الخارجين على المجتمع، وأنهم كاذبون في دعواهم؛ ﴿ وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ ﴾ [القمر: 9]، وربما قاطَعوهم اجتماعيًّا، وتكتَّلوا ضدهم لعزلهم، ومَنْع رافد جديد لهم من قومهم. قال ابن إسحاق: "إن قوم نوح كانوا يبطشون به فيخنقونه حتى يغشى عليه، فإذا أفاق قال: "اللهم اغفر لقومي؛ فإنهم لا يعلمون"، ومع كل هذه الضغوط من الصادين فإن نوحًا لم يَيْئَس مِن جدالهم بالتي هي أحسن، ﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ ﴾ [هود: 28]؛ أي: فلم تهتدوا لهذه الرحمة بسبب صدكم، ﴿ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ ﴾ [هود: 28]، فلن تدركوا هذه الرحمة وأنتم تحملون الكراهية لها، وأنا لن ألزمكم بها، ولن تنتفعوا بها إلا بقبولها راضين بها عن حب وقناعة، فأما المتكبرون الذين غلَّف الران قلوبهم، فلن ينالوها، ولن يحظَوْا برضا الله لهذا الخُلق الذميم؛ فالدعوة مفتوحة للناس جميعًا، بلا تفريق بين عظيم وصغير، كل الناس أمام الله سواء، والإيمان يوحد القلوب، ويؤاخي بين المؤمنين، ﴿ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ ﴾ [هود: 29]. ما زال الجهلُ والعمى مسيطرًا عليكم، وما زلتم لا تدركون معنى الأخوة في الدين، فاصحُوا مما أنتم فيه من العَماية والضلال، لكن كل هذه النصائح لم تجِدْ سبيلًا إلى قلوبهم، وجعلوا من الضعفاء المؤمنين مشكلتهم، وأصبحت كأنها هي العقبة التي تمنعهم من قبول دعوة نوح عليه السلام، وأضحى إيمانهم مرتبطًا بطرد المؤمنين الضعفاء، ﴿ قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ * قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ * وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ * إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ ﴾ [الشعراء: 111 - 115]، فكانت إجابةُ نوح أنه نبي يبلغ الرسالة، والأمر لله في القَبول وعدمِه، ﴿ وَيَاقَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [هود: 30]، أتظنون الأمر سهلًا، وتقيسونه بمقاييسكم الدنيوية؛ حيث تصنِّفون الناس وفق الغنى والفقر، وتجعلون الناس طبقات، هذا منطقكم، فهذا عملٌ ضال لا يقبله الله منكم؛ لأنه قال: ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ [الحجرات: 13]، فعليكم أن تتذكروا هذا القانون، وإياكم وتجاوُزَ هذا الحد، وإن دخلتم في الإيمان فلتعلموا أن هذا لصالحكم ولإنقاذكم من النار، ﴿ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ ﴾ [هود: 31]، فلا تظنُّوا أن عندي الأموال، فأمنحكم منها ما تشاؤون، فأنا عبد، والأمر كله لله؛ فهو الذي يعطي ويمنع، ويرزق ويغدق، أو يمنع ويقتر، ﴿ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [هود: 31]. كما لا أقول لمن آمن من الفقراء والضعفاء بأنهم سيستمرون على ما هم عليه من الفقر والضعف إلى أن يتوفاهم الله، فهذا الأمر أيضًا ليس لي، إنْ أنا إلا عبد مأمور مكلف بالرسالة لأبلغكم إياها، فهذه مهمتي، وأما تغيُّر الحال من غنى إلى فقر أو من فقر إلى غنى ومن صحة إلى مرض أو من مرض إلى صحة - فكلُّ أحوال الناس وتقلباتها بيد الله، أما اعتراضهم على دخول الفقراء في الدين، فلم يكن إلا نوعًا من الجدال العقيم والحجج الواهية التي يتذرعون بها للمماطلة والتعويق، فهم أصلًا لا يريدون الإيمان، ولا يرغبون فيه، ﴿ قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ [هود: 32]. ولم يكُنْ بعدُ قد أعد للطوفان عدته، وإنما كان التخويف بشكل عام من غضب الله، وأخذهم بالسنين، ونقص الأموال والأنفس والثمرات، وهذا استنتاج من سورة نوح، ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ [نوح: 10 - 12]، فوعدُهم بهذه الخيرات إن استغفروا ربهم دليل فقدانها عندهم، وحاجتهم لها، وبعد الصدِّ ضاق بهم نوح، وشكا حاله إلى ربه بعد صبر طويل، وتحمل للأذى قولًا وفعلًا؛ ﴿ قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَانُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ * قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ * فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الشعراء: 116 - 118]، فالأمر أخَذ طابع المواجهة؛ لأن نوحًا مكلَّف بالتبليغ، وأنى له أن ينتهي واللهُ قد كلفه بالتبليغ؟ فلا بد من الصبر والمعاناة، وطالت المعاناة مع أولئك المعاندين الأشقياء، ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ ﴾ [العنكبوت: 14]. وهل هناك مدة أطول من هذه المدة في الدعوة، فما أصبرك أيها النبي الكريم! لقد فسحت المجال لسماع الدعوة لأجيال وأجيال لكي يتفيؤوا ظلالها، ولكن هيهات لمن غلَّف الران قلبه، وتمكن الشيطان من إساره فأضحى شمسًا لا يقبل الهدى ﴿ وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾ [هود: 36]، لقد صبر نوح عليهم كثيرًا، وجرب دعوته في عدة أجيال منهم، فما كان منهم سوى الصد والعناد واتهامه بالجنون، وهنا حقَّ على المعاندين العذاب والاستئصال، واستوجبوا عقاب الله، ﴿ وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ ﴾ [هود: 37]، لقد قضى الله فيهم قضاء لا مردَّ له، وكتب عليهم الهلاك غرقًا. يتبع،،
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
رد: قصة نوح عليه السلام
قصة نوح عليه السلام (2) د. محمد منير الجنباز مرحلة صُنع السفينة وانتظار ساعة الصفر قال ابن إسحاق: حتى إذا تمادوا في المعصية، وعظُمت في الأرض منهم الخطيئة، وتطاول عليه وعليهم الشأن، واشتد عليه منهم البلاء، وانتظر النجل بعد النجل، فلا يأتي قرن إلا كان أخبث من الذي قبله، حتى إن كان منهم ليقول: قد كان هذا مع آبائنا ومع أجدادنا هكذا مجنونًا، لا يقبلون منه شيئًا، حتى شكا ذلك من أمرهم نوح إلى الله عز وجل، حتى قال: ﴿ وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا ﴾ [نوح: 26، 27]، فأوحى اللهُ إلى نوح أن: ﴿ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ ﴾ [المؤمنون: 27]، فأقبل نوح على عمل الفلك، وانشغل عن قومه، فما عاد يكلمهم في شأن الدعوة كما كان شأنه من قبل، ألم يأتِه اليقين من ربه بأنه لن يؤمن إلا من قد آمن معك؛ لذلك تركهم وشأنهم، وأقبل على العمل بجد ونشاط، فأحضر من المواد كل ما يمكن أن يساعد في صنع السفينة، وجعل قومه يمرون به - وهو منهمك في العمل - فيسخرون منه ويستهزئون به، وقالوا في استهزاء: لقد غيَّر نوح عمله، وأصبح بعد النبوة نجارًا، ثم زادوا من السخريَّة بأن اتهموه بالجنون؛ لأنه يصنع السفينة في مكان بعيد عن البحر، فكان يقول لهم: ﴿ وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ * فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ ﴾ [هود: 38، 39]. ولما أنجز نوح صنع السفينة بوحي الله، وكما علمه الله، وأصبحت جاهزة للإبحار، وقد حدد الله لنوح من قبلُ ساعةَ البدء في شحن السفينة، ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ ﴾ [هود: 40]، وقصد بالتنُّور تنُّور أهل نوح الذي يخبز فيه، إذا فار بالماء فهو آية البدء في تحميل السفينة بالحيوانات من كل نوع ذكر وأنثى، إضافة إلى من آمن معه من أهله وغيرهم، وقد اختلف أهل العلم في عدد الناس الذين كانوا معه، فقال بعضهم: سبعة، نوح وثلاثة من ولده وزوجاتهم، وقال آخرون: إضافة إلى ما ذكر كان معهم ستة نفر من المؤمنين، وورد عن ابن عباس أنهم كانوا ثمانين نفسًا، وفي رواية ابن سعد عن ابن عباس قال: حمل نوح في السفينة بنيه سام وحام ويافث، وكنائنه - نساء بنيه - وثلاثة وسبعين من بني شيث ممن آمن به، فكانوا ثمانين في السفينة، وكانت السفينة ثلاث طبقات، طبقة للحيوانات، وأخرى للطيور، وثالثة للناس، وتخلف عن نوح أحد أبنائه، فلما بدأ المطر بالهطول والينابيع بالانبجاس والماء بالارتفاع، شعَر الناس بالطوفان، ﴿ فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ ﴾ [القمر: 11، 12]. فلجأ ابنُ نوح - يام، وقيل وفق رواية أهل الكتاب: كنعان - العاق، الذي كان يخفي الكفر إلى الجبال، ورآه والده فناداه، فكان الجواب الذي فيه المفارقة وعدم الرغبة في أن يكون تحت مظلة والده: ﴿ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ ﴾ [هود: 43]، وقد سجَّل القُرْآن هذه المحاورة التي فيها بيان لهفة الوالد على ولده عند اشتداد الموقف ودهم الخطر، ﴿ وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ * وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَابُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ ﴾ [هود: 41 - 43]، لكنَّ نوحًا تذكر وعد الله له وهو في غمرة الهلع وهياج الطوفان وتلاطم الأمواج في إنجاء أهله من الهلاك، ﴿ وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ [هود: 45، 46]. وقد ورد في الحديث الذي روته عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لو رحم الله أحدًا من قوم نوح، لرحم أمَّ الصبي))، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كان نوح مكث في قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا يدعوهم إلى الله عز وجل حتى كان آخر زمانه غرس شجرة - وقيل: شجرًا - فعظمت وذهبت كل مذهب ثم قطعها ثم جعل يعمل سفينة فيمرون فيسألونه فيقول: أعملها سفينة فيسخرون منه، ويقولون: تعمل سفينة في البر فكيف تجري؟! فيقول: سوف تعلمون، فلما فرغ منها وفار التنور وكثر الماء في السكك خشيت أم الصبي عليه - وكانت تحبه حبًّا شديدًا - فخرجت إلى الجبل حتى بلغت ثلثه، فلما بلغها الماء خرجت حتى بلغت ثلثي الجبل، فلما بلغها الماء خرجت حتى استوت أعلى الجبل، فلما بلغ الماء رقبتها رفعته بيدها حتى ذهب به الماء، فلو رحم الله منهم أحدًا لرحم أم الصبي))، وهكذا أتى الطوفان على كل شيء حتى غمر الأرض وما عليها، وسفينة نوح طافية صامدة: ﴿ وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ ﴾ [هود: 42]، لقد صُنعت بإحكام من خشب الساج، وربطت بالمسامير، وطليت بالقار: ﴿ وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ * تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ * وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾ [القمر: 13 - 15]، دُسُر: مسامير، وكان طولها ألفًا ومائتي ذراعًا، وعرضها ستمائة ذراع، وقيل: طولها ثمانون، وعرضها خمسون ذراعًا، واتفقوا على ارتفاعها فقالوا: ثلاثون ذراعًا، لكن قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً ﴾ [القمر: 15] يدل على أنها عجيبة من العجائب حجمًا وشكلًا وصنعة، ألم يصنعها نوح بوحي من الله وتوجيهه؟ (وُجدت آثارها الواضحة على جبل الجُوديِّ في تركيا). واستمرَّ هطول المطر مع انبثاق الينابيع من الأرض أربعين يومًا أشد ما يكون ﴿ فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا ﴾ [القمر: 11، 12]، وقد غمَر الطوفان الأرض جميعها، حتى غمر رؤوس أعلى الجبال، وزاد على ذلك، وطافت السفينة الأرض ستة أشهر ونيفًا، وفي هذه المدة قضي على الكفار قضاءً مبرمًا؛ استجابة لدعوة نوح: ﴿ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا ﴾ [نوح: 26]، ثم ساق الله السفينة إلى جبل الجودي، وتوقفت عنده: ﴿ وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [هود: 44]، وبدأ الماء في التناقص، فاستردت الأرض ما دفعته، وكذلك السماء بالتبخُّر، وقد رُوي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((في أول يوم من ركوب نوح السفينة فصام هو وجميع من معه، وجرت بهم السفينة ستة أشهر، فانتهى إلى المحرم، فأرست السفينة على الجودي يوم عاشوراء، فصام نوح وأمر جميع من معه من الوحش والدواب، فصاموا شكرًا لله عز وجل)). وجاء أمر الله: ﴿ قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [هود: 48]، وهذا تذكير لنوح ومن معه بما سيمارسونه على الأرض هم ومن يأتي من نسلهم بأن من يحافظ على عقيدته، ويبتعد عن الإصغاء إلى وساوس الشيطان بأنه سيفوز برضوان الله، ومن يتبع هواه وشيطانه فسيصيبه عذابٌ أليم، فهذا مشابه لما قيل لآدم من قبل، كما ورد أنها استقرت على الجودي شهرًا، كما روي أن نوحًا عليه السلام أرسل الغراب ليكتشف انحسار الماء فخرج فرأى جيفة فوقع عليها يأكل منها فأبطأ عليه، فأرسل الحمامة فعادت وفي منقارها غصن الزيتون وفي أقدامها أثر الطين فعرف ظهور اليابسة، وأمر بالنزول من السفينة إلى الأرض، وعند سفح الجبل بنى نوح مدينة سماها ثمانين؛ لأن لكل واحد من المؤمنين الثمانين بيتًا، وهي أول تجمع سكاني على الأرض بعد الطوفان، ومنها سينتشر البشر فوق الأرض، وفي صحيح ابن حبان عن أبي أمامة: أن رجلًا قال: يا رسول الله، أنبي كان آدم؟ قال: ((نعم))، قال: فكم كان بينه وبين نوح؟ قال: ((عشَرة قرون))، وذكر أنه عاش بعد الطوفان ثلاثمائة وخمسين سنة. على هامش قصة نوح: • البشر بعد نوح ينتسبون إليه: ﴿ وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ ﴾ [الصافات: 77]. • زوجة نوح ومصيرها. ذُكرت في سورة التحريم: ﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ﴾ [التحريم: 10]، قيل: اسمها: واهلة، كانت تقول لقومه: إنه مجنون، فهذه هي الخيانة، وقد ورد: ما بغَتِ امرأة نبي قط، وعلى هذا، فالخيانة في قولها: مجنون، وإخبار امرأة لوط قومَها عن أضيافه وزوَّاره، ولم يرد أن نوحًا قد حملها معه في السفينة، وقد غرقت مع الكافرين، ويشملها قول الله تعالى: ﴿ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ ﴾ [هود: 40] بالهلاك. ولأهمية قصة نوح في أخذ العظة والعبرة، فقد ذُكِرت في عدد من الآيات، تارة بالإشارة السريعة، وأخرى بذكر جانب مما عانى منه مع قومه، ومرة بإجمال لمعظم محاور القصة، كما في سورة المؤمنون، ومن خلال الشرح السابق فإن ذكر هذه الآيات يُجمِل القصة بأسلوب مختصر جامع: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ * فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ * إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ * قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ * فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ * فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ ﴾ [المؤمنون: 23 - 29]. كنعان ولد نوح والعتاب: كان كنعانُ أصغرَ ولد نوح، ولم يكن نوح يدري أنه كان على دين قومه، ولعله تأثر بوالدته التي كانت تمالئ قوم نوح ضد زوجها، وفي العادة فإن أصغر الأولاد يميل مع أمه، وعندما ركب نوح في السفينة وافتقد ابنه وبحث عنه، فرآه، طلب منه أن يأتي معه ويركب في السفينة، فرفض وعاند والده، وقال: ﴿ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ ﴾ [هود: 43]، وظن الأمر يومًا ممطرًا، أو عدة أيام ويعود الصحو وينتهي الأمر، لكن والده أفهمه أن هذا الطوفان هو مفاصلة بين الإيمان والكفر، ﴿ وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ ﴾ [هود: 42]، ولما رأى نوح ابنه كنعان يصارع الموج وهو لا شك مُغرَق لم يستطِعْ تحمل هذا المنظر، ﴿ وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ [هود: 45، 46]، واستغفر نوح ربَّه وأناب إليه، ﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [هود: 47]. هل غرق كل من في الأرض؟ منطوق الآيات الكريمة ووصف السماء التي جادت بالمطر والأرض التي نبعت بالماء ووصف الموج بأنه كالجبال وبقاء السفينة فترة طويلة فوق الماء فلا ترى اليابسة، ثم رسوها على جبل الجودي بعد انحسار المياه عن القمم العالية أولًا، ثم عن بقية المناطق فيما بعد - يدلُّ على أن المياه غمرت الدنيا كلها، وكانت الأرض المسكونة في زمن نوح لا تعدو منطقة العراق وبلاد الشام ومصر، وهي أرض النبوات، حيث الإنسان كان لا يزال حديثَ عهد بالأرض، وذكر الجيولوجيون حديثًا أنهم وجدوا مستحاثات بحرية فوق قمم الجبال، ويوجد لها نظير في أعماق البحار، وهذا يرد على من قال: إن الطوفان محلي.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |