الأسرة المسلمة في ظلال التوحيد - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12649 - عددالزوار : 222020 )           »          يوم المرأة العالمي وعيد الأم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          نحو مجتمع إسلامي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          الأم نبع الحنان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          عَدي بن حاتم - قصة إسلامه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          الأخبار المستقبلية في القرآن الكريم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          كيف نقرأ قرناً من الصراع؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          الإمام أبو حنيفة قادح زناد الفكر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          صرخة في وجه الفساد الاجتماعي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          من حسنت بدايته حسنت نهايته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الأسرة المسلمة > ملتقى الأمومة والطفل
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الأمومة والطفل يختص بكل ما يفيد الطفل وبتوعية الام وتثقيفها صحياً وتعليمياً ودينياً

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 07-11-2020, 01:20 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,443
الدولة : Egypt
افتراضي الأسرة المسلمة في ظلال التوحيد

الأسرة المسلمة في ظلال التوحيد
مجلة التوحيد

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فلقد مَنَّ الله - تعالى - علينا بالهداية التي هي أعظم المنن وأفضل النعم، قال تعالى-: (بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ)(الحجرات).
وكانت هذه أعظم النعم التي أمرنا الله - سبحانه - أن نذكره ونشكره عليها، ( وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ) (آل عمران: 231)، (وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ) (البقرة: 198).
ولتوصيل الهداية الربانية إلى الناس كانت هناك سبل ووسائل ووسائط متنوعة بحسب مراتب الناس وأحوالهم، والتعرف على سبل الهداية ومراتبها تعرفٌ على نعم الله العديدة التي تجعل العبد يطمع فيما عند الله - تعالى -فينال من بركته، كما تيسر له فرصة الشكر على ما أنعم الله - تعالى -عليه من الهداية.
ومراتب الهداية منها الخاص ومنها العام، فالخاص يخص الأنبياء، والعام يشمل الأنبياء وغيرهم من البشر، وأحيانًا يشمل بعضها مخلوقات أخرى غير البشر.
المرتبة الأولى: تكليم الله - تعالى -لبعض عباده مباشرة وبلا واسطة.
وهذا الذي حدث مع نبي الله موسى - عليه السلام -، وتلك أعلى المراتب لأنها يقظة وبلا واسطة، بل من الله - تعالى -وإليه مباشرة، قال الله - تعالى -: (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا) (البقرة)، وهذا التكلم أخَص من مطلق الوحي، وهو تكليم حقيقي مؤكد بالمصدر «تكليمًا» خلافًا لما توهمه المعطلة من المعتزلة والجهمية وغيرهم من أنه إفهام أو إشارة أو تعريف للمعنى النفسي بشيء غير التكليم، ولذلك قال - تعالى -: (وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ) (الأعراف: 144)، ولذلك سُمي موسى - عليه الصلاة والسلام -: ((كليم الرحمن)).
المرتبة الثانية: الوحي الخاص بالأنبياء: قال - تعالى -: (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ) (الشورى: 51)، فجعل - سبحانه - الوحي في هذه الآية قسمًا من أقسام التكليم، لكنه ليس في مرتبة التكليم المباشر بلا واسطة، إنما هو الوحي بمعنى الإعلام السريع الخفي، وهذه أيضًا خاصة بالأنبياء، قال - تعالى -: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ) (النساء: 163).
المرتبة الثالثة: إرسال جبريل:
وجبريل في هذا رسول ملكي أي من الملائكة، يرسله الله - تعالى -إلى الرسول البشري ليبلغه ما شاء الله وأراد - سبحانه -، وفي هذه الحالة قد يتمثل جبريل في صورة رجل يراه الرسول البشري، بل يراه الناس، كما جاء جبريل - عليه السلام - لنبينا - صلى الله عليه وسلم - في صورة رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، قال عمر - رضي الله عنه -: ((لا يُرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد)) إلى أن قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم)). متفق عليه.
وقد يراه الرسول البشري على صورته وخلقته التي خُلق عليها، كما قال نبينا - صلى الله عليه وسلم - أنه: ((رأى جبريل في صورته له ستمائة جناح)). مسلم. وقد يدخل فيه الملك ويوحي إليه ما يوحيه ثم يفصم عنه.
والثلاثة حصلت لنبينا - صلى الله عليه وسلم -.
وما مضى من المراتب الثلاث خاص بالأنبياء دون غيرهم.
المرتبة الرابعة: مرتبة التحديث:
هذه المرتبة دون مرتبة الوحي الخاص ودون مرتبة الصديقين، وقد كانت هذه لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إنه كان في الأمم قبلكم محدَّثون، فإن يكن في هذه الأمة فعمر بن الخطاب)).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: " جُزم بأنهم كائنون في الأمم قبلنا، وعلق وجودهم في هذه الأمة بـ«إن» الشرطية، مع أنها أفضل الأمم، لاحتياج الأمم قبلنا إليهم، واستغناء هذه الأمة عنهم بكمال نبيها ورسالته، فلم يحوج الله - تعالى - الأمة بعده إلى محدَّث أو ملهم".
والمحدَّث هو الذي يحدَّث بالشيء في سِره وقلبه، فيقع ويكون كما يحدَّث به.
ومما حُدِّث به عمر - رضي الله عنه - ووافق القرآن ذلك ما أخرجه الإمامان البخاري ومسلم من حديث أنس وابن عمر أن عمر - رضي الله عن الجميع - قال: وافقت ربي في ثلاث. قلت: يا رسول الله؛ لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى؟ فنزلت: ( وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى)، وقلت: يا رسول الله، يدخل على نسائك البر والفاجر، فلو أمرتهن يحتجبن؟ فنزلت آية الحجاب، واجتمع نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - في الغَيْرة فقلت: ( عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ)، فنزلت كذلك. وفي رواية لهما أيضًا ذكرا: وفي أسارى بدر؛ بدلًا من الطلاق.
وكذلك لما مات عبد الله بن أبي بن سلول دُعِيَ له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليصلي عليه، فلما قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال عمر - رضي الله عنه -: وثبْتُ إليه فقلت: يا رسول الله، أتصلي على ابن أبي، وقد قال يوم كذا كذا وكذا؟ أُعدِّد عليه قوله، فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: (( أخِّر عني يا عمر)) فلما أكثرتُ عليه قال: (( إني خُيِّرتُ فاخترت، لو أعلم أني إن زدت على السبعين يغفر الله له لزدت عليها)) قال عمر: فصلى عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم انصرف، فلم يمكث إلا يسيرًا حتى نزلت الآيتان من براءة: ( وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ)، قال عمر: فعجبتُ بعدُ من جرأتي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ. صحيح البخاري.
فعمر - رضي الله عنه - محدَّث من الله - سبحانه - بالشيء في سره وقلبه، وكثيرًا ما نزل الوحي مؤيدًا لما حُدِّث به - رضي الله عنه -.
أما ما يقوله كثير من أصحاب الخيالات والجهالات: " حدثني قلبي عن ربي"؛ فصحيح أن قلبه حدثه، ولكن عمن؟ عن شيطانه أو عن ربه؟ فإذا قال: حدثني قلبي عن ربي فقد أسند الحديث إلى القلب الذي لا يعلم أن الله حدثه به، وقد يكون هذا حديث النفس والشيطان، فإن الشيطان له قدرة على أن يقذف في القلوب الشيء الذي يريده، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في قصة زوجته صفية للرجلين: (( على رِسْلكما، إنما هي صفية بنت حُيي، فقالا: سبحان الله يا رسول الله! وكَبرُ عليهما، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم -: إن الشيطان يبلغ من الإنسان مبلغ الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئًا)). (رواه البخاري).
إذن، فالشيطان له أثر على القلب، وقد يقذف في القلوب أشياءً، فكيف يعرف المدعي أن الله حدثه على قلبه؟ إذن فهي أكذوبة صوفية بحتة، وكثيرًا ما يقع فيها الشيعة نحو أئمتهم الذين يصفونهم بأنهم يأخذون عن الله مباشرة.
والحق أن المحدَّث لا يدعي ذلك ولا يقول للناس: أنا محدث، أو حدثني قلبي عن ربي، وإنما يقول متواضعًا خلاف ذلك، مثلما أن عمر - رضي الله عنه - لم يكن يقول ذلك ولا تفوه به يومًا من الدهر، وقد أعاذه الله - تعالى -من أن يقول ذلك. فقد كتب كاتب لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: هذا ما أرى الله أمير المؤمنين عمر، فانتهره عمر - رضي الله عنه - وقال: لا، بل اكتب: هذا ما رأى عمر، فإن كان صوابًا فمن الله، وإن كان خطأً فمن عمر. (سنن البيهقي). رحم الله سادتنا وأئمتنا، ورضي الله عنهم.
المرتبة الخامسة: مرتبة الإفهام:
أيضًا من الوسائل والمراتب التي جعلها الله - سبحانه - لهداية عباده، مرتبة الإفهام، فالفهم الذي نفهمه ويتفاوت فيه الناس هو رزق من الله - سبحانه -، قال - جل وعلا -: ( فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ)، كان ذلك في قصة الغنم التي ذكر الله - عز وجل -: ( وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا) (الأنبياء: 78، 79). قال أهل التفسير: كان حرثهم عنبًا فنفشت فيه الغنم ليلاً، فقضى داود بالغنم لهم، فمروا على سليمان فأخبروه الخبر، فقال: أَوَ غير ذلك؟ فردهم إلى داود فقال: ما قضيتَ بين هؤلاء؟ فأخبره، قال سليمان: لا، ولكن اقض بينهم أن يأخذوا غنمهم ويكون لهم لبنها وصوفها وسمنها ومنفعتها، ويقوم هؤلاء على عنبهم حتى إذا عاد كما كان؛ رُد عليهم غنمهم، وذلك قوله - تعالى -: (فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ). (مصنف عبد الرزاق).
إذن، فالفهم نور يقذفه الله - تعالى -في قلب عبده، يعرف به ويدرك ما لا يدركه غيره، وقد قال أبو جحيفة: قلت لعلي - رضي الله عنه -: هل عندكم شيء من الوحي إلا ما في كتاب الله؟ قال: والذي فلق الحبة، وبرأ النَّسَمة، ما أعلمه إلا فهمًا يعطيه الله رجلاً في القرآن، وما في هذه الصحيفة. قلت: وما في هذه الصحيفة؟ فقال: العقل (وهو الدية)، وفكاك الأسير، وألا يقتل مسلم بكافر. (البخاري).
ومن الفهم في كتاب الله - عز وجل - ما فهمه ابن عباس - رضي الله عنهما - لما سأله عمر بن الخطاب مع من حضر من أهل بدر وغيرهم عن سورة: ( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ)، فلم يقل إلا ابن عباس: " أنها نعي الله - سبحانه - نبيه - صلى الله عليه وسلم - إلى نفسه، وإعلامه بحضور أجله" وموافقة عمر له في ذلك، وخفاء ذلك على غيرهما من الصحابة، وابن عباس إذ ذاك أحدثهم سنًا، وأين تجد في السورة الإعلام بأجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لولا الفهم الخاص؟ والقصة في البخاري وغيره.
هداية الله - تعالى -لامرأة عند غضب زوجها
لنسائنا وبناتنا في أمهات المؤمنين أسوة، وخاصة معاملة الزوج، فالزوج بشر يعتريه الغضب، وعلى العاقلة أن تمتص غضب زوجها؛ إما ببشاشتها في وجهه حتى لا يزداد في غضبه، وإما بالانصراف من أمامه حال غضبه إن كان البقاء ربما يصعِّد الموقف ويزيد من الغضب، وإما بسؤاله بسرعة عما أغضبه لمحاولة إزالة سبب الغضب، وإبداء الاستعداد للاعتذار وإرضاء الزوج، وهذا ما فعلته أم المؤمنين عائشة- رضي اللَّه عنها-، تقول: " إنها اشترت نُمْرُقَة(1) فيها تصاوير، فلما رآها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام على الباب فلم يدخل، قالت: فعرفت في وجهه الكراهية، فقلت: أتوب إلى الله وإلى رسوله، ماذا أذنبتُ؟ قال: (( ما بال هذه النُمْرُقَةُ؟، فقالت: اشتريتها لتقعد عليها وتَوسدها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن أصحاب هذه الصور يُعذبون يوم القيامة، ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم))، وقال: (( إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة))(2). فعائشة- رضي اللَّه عنها- اشترت وسادة أو سجادة ليجلس عليها النبي - صلى الله عليه وسلم -، والظاهر أنها لم تعرف أن التصاوير التي عليها ممنوعة، فلذلك لما جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - من خارج بيتها ورأى الصور وقف غاضبًا ولم يدخل، وهي لم تعلم سبب غضبه، فبادرت بالاعتذار والتوبة مما أغضبه - صلى الله عليه وسلم -، فبيّن لها أن الصور يُعذب صانعوها يوم القيامة، وإذا عُذب صانعوها عُذب من يستعملها مثلهم، فمزقت النمرقة وشقتها حتى شوهت الصورة، وجعلت النمرقة وسادتين، ذكر ذلك ابن حجر(3)- رحمه الله - في شرح الحديث وأوردته باختصار.
الفهم الصحيح لامرأة عندما يطلقها زوجها
في أول ظهار(4) وقع في الإسلام، قال أوس بن الصامت لزوجته: أنتِ عليَّ كظهر أمي، وكان الظهار عند أهل الجاهلية يُعَد تحريمًا مُطلقًا، فشق ذلك على زوجته، فقد كانت وحيدة، فقيرة، ذات صبية صغار، فأتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تستفتيه في أمرها، فقال لها: (( ما أراكِ إلا وقد حرمت عليه))، فحزنت واشتكت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وراجعت النبي - صلى الله عليه وسلم - وحاورته وجادلته مرة بعد مرة، وهي تنظر إلى السماء وتشتكي وتقول: أشكو إلى اللَّه مما لقيت من زوجي حال فاقتي- فقري- ووحدتي، وقد طالت معه صحبتي ونفضت له بطني- يعني وَلَدَتْ له كل ما في بطنها- وتقول: اللهم أنزل على لسان نبيك(5)، تعني وحيًا يحل المشكلة.
وسبحان من وسع سمعه الأصوات: ( قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ) (المجادلة: 1).
وجاء الوحي بالفرج، جاء بالكفارة مُنزل الوحي.
ما أعظم الشكوى إلى الله واللجوء إليه حين تلجأ المؤمنة إلى ربها وخالقها وقت الشدة، تدعوه وتشتكي إليه: ( أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ...) (النمل: 62)، بدلاً من أن تشتكي إلى أمها وأبيها والجيران وكل من يعنيه الأمر ومن لا يعنيه، وتلجأ إلى المحاكم وشهود الزور وتطول القضية، وتسوء العاقبة.
هداية ربانية لمختلعة من زوجها
جاءت حبيبة بنت سهل زوجة ثابت بن قيس وكان مسلمًا صالحًا، وكان أسود دميمًا، فقالت: يا رسول الله، إن ثابت بن قيس لا أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكنني أكره الكفر في الإسلام (أي كفران نعمة الزوج والعشير وعدم إعطائه حقه بسبب بغضها لسواده ودمامته). فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (( أتردين عليه حديقته؟))، وكان أعطاها حديقة مهرًا، فقالت: نعم، فأرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليه، فقال له: (( طلِّقها طلقة)). فطلقها ثابت(6).
وذكر الحافظ في الفتح أنها قالت: يا رسول الله، لا يجتمع رأسي ورأس ثابت أبدًا، إني رفعتُ الخباء فرأيته أقبل في عِدة هو أشدهم سوادًا وأقصرهم قامة وأقبحهم وجهًا. فقال: «أتردين... » الحديث(7).
وكثير من النساء إذا نوت الطلاق نوت الشقاق، لكن زوجة ثابت أتت بها صريحة صادقة؛ لأنها تعلم أنها سترجع إلى ربها يومًا ويحاسبها على كل شيء، فلم تُرِد أن تعيش مع زوجها حياة مزيفة، تبخسه فيها حقه بسبب بغضها لشكله وهيئته، وفي نفس الوقت قررت أن الطلاق (الخلع) رغبةٌ منها، فلم تظلمه ولم تزعم أنه هو المطلق لتضيع عليه حقه ومهره، وما أحوج نساءنا لهذا الخُلُق.
يا من هداكم الله، احذروا المحلل
عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة - رضي الله عنها - أن رفاعة القرظي تزوج امرأة ثم طلقها فتزوجت آخر، فأتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكرت له أنه لا يأتيها، وأنه ليس معه إلا مثل الهدبة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (( لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك))(8) أي: يستمتع كل منكما بالآخر استمتاعًا كاملاً، والعسيلة: هي لذة الجماع، وشبهها النبي - صلى الله عليه وسلم - بذوق العسل، وجاءت عسيلة مؤنثة لتأخذ معنى النطفة(9).
وأيضًا الغميصاء أو الرميصاء- زوج عمر بن حزم- طلقها زوجها، فتزوجها رجل آخر، فطلقها قبل أن يمسها، فأتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسأله أن ترجع إلى زوجها الأول، فقال - صلى الله عليه وسلم -: (( حتى يذوق الآخر من عسيلتها...)) (10) الحديث.
والحقيقة فإن مجيء تلك النساء لتستفتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جواز العودة إلى الزوج الأول يدل على الخشية من الوقوع في الحرمة والإثم، كما يدل على عدم التجرؤ على حدود اللَّه - جل وعلا -، وعدم التحايل على ما يسمى «بالمحلل»، في حين أننا نرى في زماننا الجرأة الواضحة على شرط القرآن: ( حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) وشرط السنة: (( حتى يذوق من عسيلتها)).
فالمرأة إذا طلقت ثلاثًا حرمت على زوجها ولا يمكنها الرجوع إليه حتى تتزوج زوجًا غيره وتعيش معه حياة عادية تفضي إليه ويفضي إليها ويستمتع كل منهما بالآخر، بحيث لا تفارقه حينئذ إلا بموته أو بطلاقه إياها طلاقًا عاديًا ليس فيه التحايل والتلاعب بشرع اللَّه وحدوده، قال اللَّه - تعالى -: ( وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ) (البقرة: 235).
والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش:
1- نمرقة: سجادة.
2- البخاري (ج 5، ح 5616)، ومسلم وغيرهما.
3- فتح الباري (ج 10، ص 390).
4- الظهار: هو أن يقول الرجل لزوجته: أنتِ حرام عليَّ كظهر أمي.
5- يراجع تفسير ابن كثير سورة المجادلة.
6- أخرجه البخاري (ج5، ح 4971). وغيره.
7- فتح الباري (ج 9، ص 400).
8- أخرجه ابن منده، وأصل القصة في الصحيحين. قال مسلم: عن عائشة قالت: جاءت امرأة رفاعة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: كنت عند رفاعة فطلقني، فَبَتَّ طلاقي، فتزوجت عبد الرحمن بن الزبير وإن ما معه مثل هدبة الثوب، فتبسم النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: (( أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك)). (ج 2، ص1433).
9- النهاية لابن الأثير، باب «عسل».
10- الإصابة لابن حجر (4/373). وانظر صحيح أبي داود (2024).

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 63.46 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 61.75 كيلو بايت... تم توفير 1.71 كيلو بايت...بمعدل (2.70%)]