المهارات العشر لوقاية الفكر - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         كلام جرايد د حسام عقل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 17 - عددالزوار : 18 )           »          تأمل في قوله تعالى: {وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: {وما قدروا الله حق قدره... } (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          بيان معجزة القرآن بعظيم أثره وتنوع أدلته وهداياته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          {إن كنتم تحبون الله فاتبعوني} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          { ويحذركم الله نفسه } (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          رمضان والسباق نحو دار السلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          جدول لآحلى الأكلات والوصفات على سفرتك يوميا فى رمضان . (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 770 )           »          منيو إفطار 19 رمضان.. طريقة عمل الممبار بطعم شهى ولذيذ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          جددي منزلك قبل العيد.. 8 طرق بسيطة لتجديد غرفة المعيشة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى التنمية البشرية وعلم النفس

ملتقى التنمية البشرية وعلم النفس ملتقى يختص بالتنمية البشرية والمهارات العقلية وإدارة الأعمال وتطوير الذات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 21-10-2019, 09:37 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,653
الدولة : Egypt
افتراضي المهارات العشر لوقاية الفكر

المهارات العشر لوقاية الفكر (1) البوابة
د. جمال يوسف الهميلي




"لم أقتنع بأهمية الخوذة العسكرية إلا بعد أن قال لنا الضابط المسؤول في الدورة: (منبطحاً.. الجميع منبطحاً) وذلك بعد انفلات القنبلة اليدوية من يد أحد المتدربين على الرمي، وبعد أن انبطحنا على الأرض انفجرت القنبلة فلم أسمع إلا صوت الشظايا وهي تطرق جميع الخوذ على رؤوسنا فلم يصب أي أحد بأذى، وحينها تخيلت لو أنَّ الجميع لم يكونوا واضعين الخوذ، فكيف ستكون النتيجة؟! طبعاً ستكون هناك إصابات قاتلة، حينها فقط أدركت أهمية الخوذة العسكرية وبالتجربة العملية[1]








وهذه ليست قضية حديثة بل قديمة جداً، وتطور استخدام الخوذة ليشمل العديد من جوانب الحياة العملية، بل أصبح إجبارياً في بعض الأعمال مثل أعمال البناء والمنشآت الكبيرة.







الهدف الرئيس للخوذة هو وقاية الرأس من أي أذى يتعرض له، لذا فإنها تصنع بطريقة علمية دقيقة تمنع وصاية الأذى إلى الرأس.







فإذا كان بناء الكونكريت يُجبر العاملين فيه على لبس الخوذة، أليس بناء الإنسان أولى، وخوذة بناء الإنسان ليس مواد تصنع، لكنها مهارات وممارسات يٌدرب عليها لوقاية فكره وعقله من أي لوثة تسقط عليه.







وكلما كانت البيئة أخطر وأكثر انفتاحاً وتعدد الثقافات أوسع والوصول لها أسهل، كانت أهمية الخوذة الفكري أعظم.







وخلال أكثر من ربع قرن بين التعليم والتدريب والتربية والتمهير يمكن القول إن الخوذة الفكرية التي يجب صناعتها وتسليمها للجيل القادم تتألف من عشر مهارات ينبغي للمربين (الوالدين + الجهات التربوية) تدريب الجيل عليها منذ الصغر، فتكون سبباً - بعد الله - في وقايته من كل ما يسقط عليه من لوثات في حياته أثناء مساهمته في بناء حضارته وتحقيق رسالته، أقول مهارة وليس معلومة وتدريب وليس تعليم وتلقين.







المهارة الأولى: البوابة



قوم لوط قصتهم معروفة ونهايتهم مشينة، تمادوا وطغوا وارتكبوا الرذيلة فاستحقوا العقوبة الأليمة، وبعدهم بسنين عديدة جاءت الرسالة المجيدة انطلقت من مكة الشريفة، فرفض القوم في البداية ، ناقشهم القرآن وبين لهم حقيقة الانسان فذكرهم ونصحهم ومما قال لهم: {﴿ وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [الصافات: 137، 138]. أي أنكم يا قريش تمرون على قرى قوم لوط في رحلاتكم المتكررة من مكة إلى الشام وبالعكس، أفلا تعقلون أي افلا تلاحظون وتتأملون ما حصل من قوم لوط وكيف كانت نهايتهم لرفضهم دعوة نبيهم، يقول صاحب تفسير التنوير والتحرير" مر عليه ومر به، وتعديته بحرف (على) تفيد تمكن المرور أشد من تعديته بالباء،... وتأكيده بحرف التوكيد وباللام ( لتمرون) تأكيد للمعنى الذي استعمل فيه"[2].







أظنك عرفت المهارة إنها مهارة الملاحظة وهي تعني المراقبة والتأمل والنظر ومراقبة المتغيرات.



الملاحظة هي بوابة الملاحظات جميعاً، وهي تشمل كل ما حولنا من ماديات ومعنويات، فالموفق مَن يجتهد في تمهير ابنه (من الجنسين) على تلك المهارة من الصغر ويجتهد في غرسها في نفسه، فمع الزمن تصبح مهارة لدى الابن فبها يستطيع ملاحظة المتغيرات المحيطة به تمهيدا لحسن التعامل معها وتوظيفها.







ومن المهم جدا التركيز على ملاحظة الذات أي التمهير على أن يلاحظ الابن نفسه من حيث التغييرات الفسيولوجية والنفسية والفكرية وكل حياته صغيرها وكبيرها، فهذا الفضيل بن عياض يقول: "إني لأعصي الله فأعرف ذلك في خلق حماري وخادمي وامرأتي وفأر بيتي".







ومن طرق التمهير على الملاحظة الذاتية مراقبة التغييرات عليه من حيث الكلام والسلوكيات والملبس وغيرها ومناقشتها معه (ليس بالضرورة تغيرات سلبية بل احرص على تشجيعه على التغيرات الإيجابية من أجل تعزيزها وترسيخها وتقديم الدعم المعنوي له).







من تراه من سلوكيات كانت نتيجة لسلسلة بدأت من خاطرة - كما يقول ابن قيم الجوزية وغيره من العلماء -:



1- خاطرة
2- تصور
3- إرادة
4- عزيمة
5- عمل
6- عادة (سلوك)
7- قيمة.








ومعالجة الخاطرة أسهل من التصور والتصور أسهل من الإرادة والإرادة أسهل العزيمة وهكذا، لذا فمعالجة القيم صعبة جداً.



ولما كان من الصعب ملاحظة الخاطرة والتصور والإرادة، وجب ملاحظة العمل قبل انتقاله إلى عادة ثم والحوار الفاعل مع الابن حوله ومساعدته في تعزيزه - إن كان جيداً - أو في معالجته إن كان غير ذلك وهذا من أهم ثمار مهارة الملاحظة، والأهم هو تمهير الابن على ملاحظة خواطره ومعالجتها قبل استفحالها.




همسة في أذن صانعي الخوذة الفكرية: كن أول من يلبسها، فأقصر طريق للتربية التطبيق.







بقي أن ندرك أن مهارة الملاحظة ليست كافية لوحدها فهي جزء من الخوذة الفكرية وليست الكل.







[1] الخوذة العسكرية وأهميتها في المعركة (hibrpress).




[2] التحرير والتنوير لطاهر بن عاشور.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 21-09-2022 الساعة 06:57 PM.
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 26-10-2019, 12:18 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,653
الدولة : Egypt
افتراضي المهارات العشر لوقاية الفكر (2) التأسيس

المهارات العشر لوقاية الفكر (2) التأسيس
د. جمال يوسف الهميلي




مؤسِّس برنامج الموهوبين في السعودية (عبدالله النافع) سمعته يقول: "كانت بداية دخول ابني المدرسة في أمريكا حيث أدرس، وبعد سنوات قليلة تخرجتُ وعدت إلى البلد، وطبعًا معي ابني، وذهب إلى المدرسة، وبعد أيام قليلة جاءني متذمِّرًا، ولأول مرة في حياته يقول: لا أريد المدرسة، فقلت: لماذا؟ قال: الأستاذ يريدني أن أحفظ القرآن دون أن أفهم معناه، وحين تكلمتُ معه وطال النقاش قال: "احفظ بدون ما تفهم"، هذا المطلوب، وأنا يا أبي تعلمت هناك أن أفهم مع الحفظ، وبعد جلسة معه عاد إلى المدرسة، وأبشِّركم بعد أشهر أصبح يَحفظ بدون ما يفهم".







من أعظم نعم الله على الإنسان نعمة العقل، ومِن صور كُفرِها إهمالُها وتعطيلها، اقرأ معي هذه الآية: ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾ [القمر: 17]، يعني: هَوَّنَّا قراءته، وقال السدي: يسَّرنا تلاوته على الألسن، وقال الضحاك عن ابن عباس: لولا أن الله يسَّره على لسان الآدميين، ما استطاع أحد من الخَلق أن يتكلَّم بكلام الله عز وجل، ويقول ابن سعدي: "أي: ولقد يسَّرنا وسهلنا هذا القرآن الكريم؛ ألفاظَه للحفظ والأداء، ومعانيَه للفهم والعلم"، هذا النص تكرر أربع مرات في سورة واحدة "إنما كرَّر هذه الآية عند ذكر كل قصة بقوله: ﴿ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾؛ لأنَّ "هَل" كلمة استفهام تَستدعي أفهامهم التي ركِّبت في أجوافهم، وجعلها حجة عليهم"[1].







ومِن هنا كانت أهمية المهارة الثانية وهي مهارة" الفهموهي تحريك الذهن وإعماله لكل ما يكون حولك من أقوال وأفعال وأحداث خاصة وعامة، إنها طرد لنظرية الببغاوات والترديد بدون تحريك، فهي تستدعي معرفة المعلومة، ثم استدعاءها، ثم دراستها من جوانب عديدة لمعرفة أبعادها.







من الجميل الحِرص على تزويد الجيل بالمعلومات الصحيحة والموثوقة، والأجمل منه أن نكسبه مع ذلك مهارة الفهم السليم؛ حتى لا يقع ضحية تحويل معلومات إلى أعمال غير مرْضية بسب الفهم الخاطئ لما علَّمْناه وحفَّظْناه.







ومِن أهم وسائل تنمية "الفهم":



1- السؤال المباشر لما فهمه من معلومات ومناقشته فيها.



2- تدريبه على ربط الحفظ مع الفهم: "حدثَنا الذين كانوا يُقرئوننا القرآن أنهم كانوا لا يتَجاوزون عشر آيات حتى يعلموا ما فيهن من العلم والعمل"[2]، ومن المعلوم أن الإنسان لا يُحسن العمل إلا بعد الفهم.



3- تَدريبه على إعادة المعلومات وشرحها بطريقته الخاصة، ومِن مُفرداته، وقد قيل: "مَن أراد فهم ما يقرأ، فليَشرحه لغيره".



4- تجربته في بعض المفاهيم غير الصحيحة مما يَعرفه، وتبيين الوجه الصحيح فيها بعد المناقشة (طريقة الفهم المغلوط).



5- اطلب منه أن يُلخِّص معلوماته في جُمَل قصيرة.




وهكذا تدخل المعلومة من ملاحظة سليمة، ثم تُوضع في مَوقِعها الصحيح، وفهمها السليم؛ لتُساهم في البناء القويم.







[1] تفسير القُرطبي.




[2] التابعي الجليل أبو عبدالرحمن السُّلمي.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 30-10-2019, 02:44 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,653
الدولة : Egypt
افتراضي المهارات العشر لوقاية الفكر (3) التحليل

المهارات العشر لوقاية الفكر (3) التحليل
د. جمال يوسف الهميلي




المهارة الثالثة: التحليل



قال الراوي: "اشتريت سيارة جديدة ومنذ ذلك الوقت أضحت رحلتي إلى محل المثلجات مشكلة.
ففي كل مرة أشتري مثلجات على نكهة الفانيليا أجد أن سيارتي لا تعمل ولو أنني اخترت أي نوع آخر من المثلجات فسيارتي تعمل بشكل جيد، ذهبت إلى الشركة فسارع المدير بإرسال مهندس للتحقق من الأمر، وحدث الأمر نفسه مع المهندس وبدأ يكتب ملاحظاته على التفاصيل: الوقت. نوع البنزين المستعمل، وقت الذهاب والعودة، إلخ وفي مدة قصيرة حصل على مفتاح اللغز، هو أن نكهة الفانيليا مشهورة ومطلوبة جداً لذلك يضعها المحل التجاري في الأمام، بينما بقية النكهات توضع في الخلف مما يأخذ وقتا أطول في عملية شرائها. السؤال المحير الآن هو لماذا لا تعمل السيارة في الوقت الأقصر؟ كان جواب المهندس سريعاً: هو قفل البخار، المحرك يحتاج وقتاً لكي يبرد وهذا يتم في النكهات غير الفانيليا أما في نكهة الفانيليا فالوقت يكون أقصر والمحرك ما زال حاراً لم يتبدد البخار فيحدث قفل للسيارة" انتهى الراوي.

إنها مهارة "التحليل" وهي القدرة على فك الأجزاء ومعرفة كيف يعمل كل جزء وعلاقة الأجزاء مع بعضها.
وكثيراً ما نسمع في المجالات الطبية عن أهمية التحليل، بل يقولون التحليل الدقيق طريق الدواء الصحيح، ثم أصبح التحليل في كل العلوم فهناك محلل اقتصادي وسياسي ورياضي وتربوي وغيرها، وعلى مقدار جودة التحليل تكون النتائج بإذن الله.

وإليكم الحدث الذي هز المدينة لمدة شهر كامل، انقطع فيها الوحي، وكثر فيها الكلام وزاد فيها الافتراء وعاش أهلها وقتاً عصيباً وأزمة شديدة، إنها حادثة الإفك المشهورة المعروفة، فلنحلل تلك الحادثة وفق أسلوب "حمام" في التحليل، وهو أسلوب في تحليل الأحداث يعتمد على أربعة أمور:
ح: الحدث، م: مَن، أ: أين، م: متى

ومع كل أمر تفصيل:
ح: الحدث: الاتهام بالفاحشة ولكون الحدث من كبائر الذنوب، فهو يتطلب أدلة قوية غير قابلة للتأويل، ولا يوجد أي دليل قوي، وإنما كلام بناءا على موقف ليس فيه ما يستحق ذلك.

م: مَن: المتهم عائشة رضي الله عنها وهي زوجة أعظم انسان وأشرف مخلوق صلى الله عليه وسلم، وبنت أفضل البشر بعد الرسل والأنبياء وهي المعروفة بخُلقها، والطرف الآخر صحابي جليل معروف بالإيمان والتقوى والإحسان. ومَن الذي اتهمهم: منافق معلوم النفاق، ومَن المتضرر: عموم المسلمين ومَن المستفيد: المنافقين وأعداء الدين.

أ: أين: في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، في المكان الذي يعيش فيه المتهمان وأهلهم والمتَفرِين، فهم يعرفون حياة بعضهم ويعايشوها بشكل يومي، فالكل مكشوف لا خفاء ولا جهل بالشخصيات.

م: متى: في زمن النبوة زمن نزول الوحي زمن متابعة القرآن للأحداث وكشفها وبيان ما فيها من خطأ او صواب فردياً أو جماعياً، ففي كل يوم ينتظر أهل المدينة آيات تنزل تكشف وتبين ما حدث بالأمس.

لذا جاءت الآية ﴿ وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ﴾ [النور: 16] " ووصف البهتان بأنه "عظيم" معناه أنه عظيم في وقوعه، أي بالغ في كنه البهتان مبلغاً قوياً. وإنما كان عظيماً لأنه مشتمل على منكرات كثيرة وهي: الكذب، وكون الكذب يطعن في سلامة العرض، وكونه يسبب محناً عظيمة بين المفترين والمفترى عليهم بدون عذر، وكون المفترى عليهم من خيرة الناس وانتمائهم إلى أخير الناس من أزواج وآباء وقرابات، وأعظم من ذلك أنه اجتراء على مقام النبي صلى الله عليه وسلم ومقام أم المؤمنين رضي الله عنها، والبهتان: الخبر الكذب الذي يُبهت السامع لأنه لا شبهة فيه" بن عاشور.


والآن لنحلل ما يحدث حولنا مما يمارسه البعض باسم الإسلام من قتل الأبرياء، وفي المسجد، بل ويقتل أمه:
الحدث: القتل وهو من أكبر المنكرات، وأعظم الجرائم، بلا أدلة مقنعة وإنما شبه مضللة، أوهن من بيت العنكبوت.
مَن: القاتل الابن المرجو منه البر والإحسان، المقتول الام أقرب الناس للقاتل والتي لو جاهدت القاتل على الشرك لم يطعها لكنه يصاحبها في الدنيا معروفا، مَن المستفيد؟...، مَن المتضرر؟....
أين: في المنزل مكان الاستقرار والذي كان القاتل يحصل فيه على أفضل الخدمات من القاتل وبحب.
متى: في زمن الشباب وبعد التربية والجهد وفي وقت انتظار الحصاد من القاتل.
يا تُرى لو تدرب الشاب على التحليل وتأمله، أيقدم على فعله بوعيه؟
ربما؟؟!!
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 04-11-2019, 12:12 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,653
الدولة : Egypt
افتراضي المهارات العشر لوقاية الفكر (4) الاختيار

المهارات العشر لوقاية الفكر (4) الاختيار
د. جمال يوسف الهميلي




بين العربي واليهودي:
"لما حضرت أبا طالب الوفاة دخَل عليه النَّبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل فقال: ((أي عم، قل: لا إله إلَّا الله، كلمة أحاجُّ لك بها عند الله))، فقال أبو جهل وعبدالله بن أبي أمية: يا أبا طالب، تَرغب عن ملَّة عبدالمطلب؟ فلم يزالا يكلِّمانه حتى قال آخر شيء كلَّمهم به: على ملَّة عبدالمطلب.


"كان غُلامٌ يَهوديٌّ يَخدم النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فمَرِض، فأتاه النبيُّ صلى الله عليه وسلم يعودُه، فقعد عند رَأسه، فقال له: ((أسلِمْ))، فنظَر إلى أبيه وهو عنده، فقال له: أطِعْ أبا القاسم صلى الله عليه وسلم، فأسلَم، فخرَج النبيُّ صلى الله عليه وسلم وهو يقول: ((الحمد لله الذي أنقَذَه من النَّار)).

العَرض واحد، لكن اختلف الخيار، فاختلفت النَّتيجة؛ فنتيجة خيار أبي طالب خُلود في الجحيم، ونتيجةُ خيار الغلام اليَهودي خلودٌ في النَّعيم، وشتَّان بين الخيارين!

نحن قد لا نَختار والدينا ولا شكلنا، ولا جنسنا ولا ماضينا، لكنَّا بلا شك لنا الدور الأكبر والأهم في اختيار مُستقبلنا.

ففي كلِّ يوم نمارِس الكثيرَ من الخيارات؛ من المأكل والمشرَب، والملبس والمركب، ولا تَكاد تمرُّ عليك ساعة وربَّما أقل إلَّا ولديك فرصة للاختيار، فكلُّ سلوكيَّاتنا هي مَحض اختيارنا: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ﴾ [المدثر: 38].

وحين يَنعدِم الخيار تَرتفع المسؤوليَّة، ويسقط الإثم؛ فقد أخذ المشركون عمَّارَ بن ياسر رضي الله عنه فلَم يتركوه حتى سبَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، وذكر آلهتَهم بخير، ثمَّ تركوه، فلمَّا أتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((ما وراءك؟))، قال: شرٌّ يا رسول الله، ما تركت حتى نِلتُ منك، وذكرتُ آلهتَهم بخير، قال: ((كيف تجد قلبَك؟))، قال: مطمئنًّا بالإيمان، قال: ((إنْ عادوا فعُد))، وفيه نزل قوله تعالى: ﴿ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ ﴾ [النحل: 106]، فحتى الكفر لا إثم في إظهاره حالَ الإكراه فغيره من باب أولى، وكذلك "عند الضَّرورات تُباح المحرمات".

ومن جهة أخرى؛ فالخيارات ليست متساويةً؛ فهناك خيارات تحدِّد مسارَ الحياة، فكم سمِعنا وسنسمع عمَّن ذهب ضحيَّة أصحابه! وكم سمعنا وسنسمع عمَّن تغيَّرَت حياته بسبب زواجه (من كِلا الجنسين)، وثالث بسبب دراسته، وغيرهم كثير.

والأهم هو الاختيار المرتبط بما بعد الموت؛ ففي "الخطبة الشيطانيَّة"، التي يلقيها الشيطان على أتباعه في جهنَّم، يقول لهم: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ﴾ [إبراهيم: 22].

وحين يقف الظَّالمون عند ربهم: ﴿ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ ﴾ [سبأ: 31، 32]، نعم (كنتم مجرمين) بسوء اختياركم.

ولكي ننعم باختيار صَحيح ينبغي مراعاة "الأبعاد الخمسة للاختيار الأفضل"، وهي:
1- البعد الإيماني: أي الخيارات الأقرب لرِضا الرحمن وتحقيق زيادة الإيمان.

2- البعد الذاتي: فما الخيار الذي يحقِّق المصلحة الشخصية الأعلى، فأنا أهم شخص لدي: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا... ﴾ [التحريم: 6].

3- البعد الاجتماعي: المجتمع الصَّغير "الأسرة والأرحام"، والمجتمع الكبير الذي أعيشه معه.

4- البعد المادي: فالمؤمن القويُّ خير من الضَّعيف، والقوَّة تشمل كلَّ الأمور؛ فمنها القوة الماديَّة، فما أجمل أن تَسعى لتكون صاحب اليد العليا وهي اليد المعطاء!

5- البعد الزمني: وهو التأمُّل في نتيجة الخيار حاليًّا، وفي المستقبل القريب والبعيد، لقد حثَّنا الشارع الحكيم على الأوقاف، ومن حكم ذلك أنَّ الوقف له بُعد زمني يمتد في حياة العبد وبعد مماته.


أظننا متَّفقين على أنَّ "خيارك هو من يحدِّد حياتك"، فحري بنا أن نُسهم في بناء "حياة سعيدة وفق اختيارات سديدة"، لنا ولأبنائنا.
وفَّق الله الجميعَ لحسن الاختيار، والنَّجاة من النار، والفوز بجنة الأبرار.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 17-11-2019, 09:34 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,653
الدولة : Egypt
افتراضي المهارات العشر لوقاية الفكر (5) تنفيذ القرار

المهارات العشر لوقاية الفكر (5) تنفيذ القرار
د. جمال يوسف الهميلي




المهارة الخامسة: تنفيذ القرار







بين يدي الشيخ: في عنيزة وفي عام 1414هـ، وبعد صلاة العشاء كنَّا بين يدي الشيخ ابن عثيمين يشرح لنا منظومتَه في أصول الفقه، وكعادة الشيخ قبل أن يبدأ يَطلب من طلَّابه تسميع الأبيات السَّابقة من المنظومة؛ فسمَّع الأول ثمَّ الثاني و...، وعندما وصل إلى أحد الطلاب، قال الطالب:



لم أحفظ يا شيخ!



وهنا سكت الشيخ وسكتنا بانتظار ماذا يعمل الشيخ، وبعد ثوانٍ سادها الصمت، قال الشيخ:



كنت عند الشيخ ابن سعدي، أحفظ منظومتَه في أصول الفقه وأسمِّع عنده، وفي أحد الأيام قال:



سمِّع.



فقلت:



ما حفظتُ يا شيخ!



فقال لي بيتًا من الشِّعر، سأقوله لك:



ولم أرَ في عيوب النَّاس عيبًا ♦♦♦ كنَقص القادرين على التَّمامِ



(المتنبي ت 354هـ)



ثمَّ انتقل الشيخ للطالب الذي يليه، وأكمل درسَه.












لقد اتَّفق أهلُ العقل والطبِّ - بما فيهم المدخنون - أنَّ التدخين مضرٌّ بالصحَّة، ومع هذا فالكثير من المدخِّنين لم ينفذ قرارَ ترك التدخين، ومثله الخمر والمخدرات، وكثير غيرها في حياتنا اليومية.







عمل الصالحات والمبادرة إلى الطَّاعات وترك المنكرات، الكلُّ متَّفق عليها، ومدرك أهميتها، والقليل هو مَن ينفِّذ قرارَ تنفيذها أو تركها.







في حياتنا كمٌّ كبير من المعلومات، وكمٌّ كبير من الأمنيات، ولكنَّا لا نرى إلَّا القليل على أرض الواقع؛ فالمشكلة ليست في صحَّة المعلومة ودقَّتها، لكن في تحويلها إلى واقع مَنظور وعمَل مَقبول، وما أجمل كلمة الحبيب صلى الله عليه وسلم: ((الكَيِّسُ مَن دان نفسَه وعمِل لما بعدَ المَوتِ، والعاجِزُ مَن أتبَعَ نفسَه هواها وتمنَّى على اللهِ))، فالكيِّس والعاجِز لديهم معلومات، لكن الكيِّس "عمل" نفَّذ، والعاجِز "تمنَّى" فلم ينفِّذ.







وفي حديث آخر يكشف السِّتار بوضوح عن هذه الظَّاهرة فيقول صلى الله عليه وسلم: ((اللهمَّ إنِّي أعوذ بك من الهمِّ والحزن، والعجزِ والكسل، والبخل والجبن...))، والذي يهمنا هنا هو التعوُّذ من العَجز والكسل؛ فالعجز: تَرك العمل لعدم القدرة عليه، والكسل: ترك العمل مع القدرة عليه؛ فمن علِم، وكان قادرًا على العمل ولم يعمل، فقد أصابه الكسَل وأقعده عن العمل.







يقول ابن قيم الجوزية: "والكَيْس هو مباشرة الأسباب التي رَبط الله بها مسبباتها النَّافعة للعبد في مَعاشه ومعاده؛ فهذه تَفتح عملَ الخير، وأمَّا العجز، فإنَّه يفتح عملَ الشيطان؛ فإنَّه إذا عجز عمَّا ينفعه وصار إلى الأماني الباطِلة بقوله: لو كان كذا وكذا، ولو فعلتُ كذا، يفتح عليه عمَل الشيطان؛ فإن بابه العجز والكسل؛ ولهذا استعاذ النَّبي صلى الله عليه وسلم منهما، وهما مفتاح كلِّ شر..."، إلى أن قال: "وأصل المعاصي كلها العَجز؛ فإنَّ العبد يَعجِز عن أسباب أعمال الطَّاعات، وعن الأسباب التي تُبعده عن المعاصي، وتَحول بينه وبينها، فيقع في المعاصي".







ومن طريف الدِّراسات الطبيَّة عن الكسل، ما أثبتَته دِراسة جديدة أنَّ الكسل أكثر خطورة من التدخين؛ فقد تبيَّن أنَّ عدد مَن يَقضي عليهم الكسل في (هونج كونج) أكبر من عدَد من يقضي عليهم التدخين، وأظهرت الدراسة التي أُجريَت على سكَّان (هونج كونج) الذين توفوا في عمرٍ يزيد عن 35 عامًا - عام 1998 - أنَّ عدم القيام بأي نشاط بدني أدَّى إلى وفاة أكثر من 6400 شخص في العام، مقارنة بأكثر من 5700 شخص توفوا بسبب التدخين؛ (د. خالد النجار في صيد الفوائد).







ودواء الكسَل هو مباشرة العمل؛ فمن علم وخطَّط وقرَّر "عزم"، فليبادِر بتنفيذ القرار، وليترك التسويف والتأجيل، ﴿ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [آل عمران: 159]، والعزم هو تصميم الرأي على الفعل.







لقد سمِعنا ورأينا من سوَّف وتأخَّر وأجَّل، فكانت نتيجته هَزيمة، وعاقبته وخيمة، وفي المقابل سمِعنا ورأينا مَن بادر بعد أن عزم، فكانت نتيجته النصر والعاقبة الحميدة.







وأخيرًا إليك هذه القصَّة: قرَّر أبو جعفر المنصور (ت 158 هـ) التخلُّص من أبي مسلم الخرساني (ت 137 هـ) - لأسباب عديدة ليس مَجال ذكرها الآن - فكتب عيسى بن علي العباسي (شيخ الدولة ومن المقرَّبين) إلى المنصور:



إذا كنتَ ذا رأيٍ فكن ذا تدبُّرٍ ♦♦♦ فإنَّ فَساد الرَّأي أن تتعجَّلَا








فأجابه المنصور:





إذا كنتَ ذا رأيٍ فكن ذا عزيمةٍ

فإنَّ فساد الرأي أن تتردَّدَا



ولا تمهِل الأعداءَ يومًا بقدرة

وبادرْهمُ أن يملكوا مِثلها غدَا






فحصل ما أراد المنصورُ، واستقرَّ وضع الدولة العباسية.







ولك أن تتخيَّل حين يتدرب أبناؤنا على المبادرة والعمل، وتركِ الخمول والكسل، بعد تحقيق "العزم" المطلوب، وتنفيذ القرار المنشود، كيف سيكون وَضعنا ومجتمعنا، وسلوكنا الناتج من أفكارنا.



والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 25-11-2019, 09:02 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,653
الدولة : Egypt
افتراضي المهارات العشر لوقاية الفكر (6) المرجعية الواعية

المهارات العشر لوقاية الفكر (6) المرجعية الواعية
د. جمال يوسف الهميلي




المهارة السادسة: المرجعية الواعية




أكثر من 500 ألف فكرة يستقبلُها الشاب السعودي خلال سنِّ المراهقة: "متوسط عدد الساعات التي يقضيها الشاب السعوديُّ على النت 8 ساعات يوميًّا"[1]؛ أي: إنه خلال سنِّ المراهقة - من عمر 12إلى 18[2] (المرحلتين: المتوسطة والثانوية) - سيقضي أكثرَ من 17280 ساعة؛ أي: أكثر من مليون دقيقة، فلو تصوَّرنا أنه سيستقبِلُ فكرة واحدة كلَّ خمس دقائق، فهذا يعني: أكثرَ من 200 ألف فكرة من مختلف المواقع وبشتى الطرق، وقريبًا منها - أو أقل - في ميدان التعليم، وكذلك في الحياة الاجتماعية مع الأصحاب والأحباب، وغيرها من ميادينِ الحياةِ؛ فيكون مجموع ما يتلقَّاه الشاب يقارب 500 ألف فكرة خلال تلك السنوات؛ أي: إنها ليست أفكارًا، بل سيولًا من الأفكار!

هذه السيولُ قد تكون كارثيَّة؛ كما في سيول الأمطار، فالمطرُ نعمة لكنه قد يتحوَّل إلى نقمة؛ حين يؤدِّي إلى فيضانات وسيول تقتل وتدمِّر، ولا يقف شيءٌ في وجهها، فكان الحلُّ الأنسب هو توجيهَ تلك المياه إلى مجاري مقنَّنة، وحصرها في سدودٍ للاستفادة منها عند الحاجة، واستثمار طاقتها، وبذلك تتحوَّل السيول إلى نعمة بدلَ أن تكون نقمةً، وكذلك سيولُ الأفكار يمكن توجيهها واستثمارها، أو حبسُها واستخراجها عند الحاجةِ؛ فتكون تلك السيولُ نعمةً ربَّانية، وليس نقمةً إلهية!

وأول خطوات التوجيه والاستثمار لسيولِ الأفكار هو التدريبُ على المرجعيَّة الواعية:
عن خبَّاب بن الأَرَتِّ رضي الله عنه قال: "أتينا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسِّدٌ بُردةً في ظلِّ الكعبة، فشكونا إليه فقلنا: ألَا تَستنصِرُ لنا! ألا تدعو اللهَ لنا! فجلس مُحمَرًّا وجهُه، فقال: ((قد كان من قبلكم...)) صححه الألباني.

هكذا كانت التربيةُ على المرجعيَّة "فشكونا إليه"، فلا استسلامَ للأوهام وللأفكار والعيش في دائرةِ النفس والشيطان، بل الرجوع إلى أهل العلم والبيان والتقوى والإحسانِ، وهذا ليس خاصًّا بالأمور الكبيرة فقط:
فعن النعمانِ بن بشير رضي الله عنه قال: "أعطاني أبي عطيَّةً، فقالت عمرةُ بنت رواحة (الزوجة والأم): لا أرضى حتى تُشهِدَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فأتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أعطيتُ ابني من عمرةَ بنت رواحة عطيَّةً، فأمرَتْني أن أشهدَك يا رسولَ الله؟ قال: ((أعطيتَ سائرَ ولدِك مثلَ هذا؟))، قال: لا، قال: ((فاتقوا اللهَ، واعدلوا بين أولادِكم))، قال: فرجع فردَّ عطيَّتَه"؛ رواه البخاري، نعم لقد تجذَّرت المرجعيَّة حتى عند النساء، وهذا كان أمام الابن؛ ليتربَّى هو كذلك على المرجعيَّة.

ولسنا نقصد المرجعية العمياءَ، بل نقصدُ المرجعيَّة الواعية، المبنيَّة على الملاحظة والفهم والتحليل، والسعي في معرفةِ الجانب الحقِّ، ومن هنا فلا قدسيَّةَ في المرجعية تلغي العقلَ، بل مرجعية تفتِّح الذهن، وتسمح بنقاش المستشار، وأحيانًا بطلب توضيح بعض مواقفه:
فهذا الحُبابُ بنُ المنذرِ رضي الله عنه يرجع إلى النبيِّ الكريم صلى الله عليه وسلم بعد أن نزلوا مكانًا في غزوة بدر، فيقول: أرأيتَ هذا المنزلَ، أمنزلًا أنزلَكَه اللهُ، ليس لنا أن نتقدَّمه ولا نتأخر عنه؟ أم هو الرأيُ والحرب والمكيدةُ؟ قال: ((بل هو الرأيُ والحرب والمكيدة))، قال: يا رسول الله، فإن هذا ليس بمنزلٍ، امضِ بالناس حتى نأتيَ أدنى ماء من القوم، فنعسكر فيه، ثم نعوِّر ما وراءَه من الآبار، ثم نبني عليه حوضًا فنملأه ماء، ثم نقاتل القوم، فنشرب ولا يشربون، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((لقد أشَرْتَ بالرأي)) ثم أمر بإنفاذِه.

وفي موقفٍ من أعظم مواقف السيرة: بعد غزوةِ حنين وزَّع الرسول صلى الله عليه وسلم الغنائمَ، وأعطى قريشًا ولم يعطِ الأنصار؛ فدخل عليه سعدُ بن عُبادة رضي الله عنه، فقال: يا رسول الله، إن هذا الحيَّ من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسِهم؛ لِمَا صنعتَ في هذا الفيء، قسمتَ في قومِك، وأعطيت عطايا عظامًا في قبائل العرب، ولم يكُ في هذا الحيِّ من الأنصار منها شيء! قال: ((فأين أنت من ذلك يا سعدُ؟))، قال: يا رسولَ الله، ما أنا إلا من قومي، قال: ((فاجمع لي قومَك في هذه الحظيرة))، قال: فخرج سعدٌ، فجمَع الأنصار في تلك الحظيرة... وفي حوار من أجمل الحوارات التاريخية، بيَّن لهم الرسولُ صلى الله عليه وسلم السببَ، وزال العجبَ، وأبكى الأنصارَ، فلا أدري أأتعجبُ من صراحةِ الأنصار - ومنهم سعد رضي الله عنه - ووضوحهم؟ أم من تجاوبِ الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وقبولِه، ثم بيانه وتوضيحه؟!

نعم، إنها المرجعيَّة الواعية التي تستشيرُ وتناقش، وتتحاور وتستوضِحُ، وتستجيب.
فمع تعدُّد الأفكار وتكاثرها، ومع سَعة المعارف وتنوُّعها، ومع زخم المعلومات وتناثرها، أليس من الضروري تدريب أنفسنا وأبنائِنا على المرجعية الواعية للاستثمار، قبل أن تدمِّرهم وتدمِّرنا سيولُ الأفكار؟


والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

[1] البوابة العربية لأخبار التقنية.

[2] البعض يقسم المراهقة إلى ثلاثة أقسام، تبدأ من سنِّ 11 إلى 21.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 28-11-2019, 10:06 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,653
الدولة : Egypt
افتراضي المهارات العشر لوقاية الفكر (7) تحرير العبودية

المهارات العشر لوقاية الفكر (7) تحرير العبودية
د. جمال يوسف الهميلي




المهارة السابعة: تحرير العبودية


أكثر من 10.000 دين: عدد الأديان على مدى التاريخ البشريِّ، وذلك بحسب الموسوعة المسيحيَّة العالميَّة "باريت" طبعة 2001م؛ أي: إن البشرَ عبَدوا كلَّ ما يخطر على البال وما لا يخطر: الحجر والشجر، الشمس والقمر، الإنسان والحيوان، الموجود والمفقود، الملائكة والشياطين، وغيرها كثير، وهذا يعطي دلالةً واضحة على أن الإنسان مجبولٌ على العبودية؛ فهو يبحث عن إلهٍ يلجأ إليه؛ لجَلْب منفعةٍ، أو دَفْع مضرَّةٍ، أو هما معًا، وقد أشار القرآن الكريم إلى تلك الحقيقة بصورة واضحة فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ [فاطر: 15]، فالخطابُ لكلِّ الناس بلا استثناء، فالفقرُ وصف ذاتي للإنسان، كما أن الغنى وصفٌ ذاتي لله تعالى.

ومن هنا كان كلامُ الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: ((تعِس عبدُ الدينارِ، تعِس عبدُ الدرهمِ، تعس عبدُ الخميصةِ، تعس عبدُ الخميلةِ، تعِس وانتكَس، وإذا شيكَ فلا انتقشَ))، يُبيِّن نوعًا من العبودية يخفى على الكثير؛ إنها عبودية المال (الدرهم والدينار)، وعبودية المظهر (الخميصة والخميلة)؛ وهما نوعان من الثياب، فكيف تكون عبوديتُهما؟ لم نرَ ولم نسمع مَن يسجدُ للمال أو للثياب! إن معنى عبوديتهما هو تقديمُهما على كلِّ مراد، وجعلهما هما القائدَ في كل حركة وسَكنة للعبد في حياته، فلُبُّ العبوديَّة الاستسلامُ والاتباع والطاعة، فكلُّ مَن أطاع شيئًا فقد تحقَّق فيه صورة العبودية، وإن لم يقل ذلك بلسانه، ولعل هذا أحد الأسرار في قوله تعالى: ﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ﴾ [الجاثية: 23]؛ أي: اتَّخذ هواه إلهًا له لا يخالف له أمرًا، قال عكرمة: "أفرأيت مَن جعل إلهَه الذي يعبده ما يهواه أو يستحسنُه؛ فإذا استحسن شيئًا وهَوِيَه، اتخذه إلهًا؟"، ومن هذه الآية ندرك أن مَن يقول: إنه لا دينيٌّ؛ أي: لا يعبد أحدًا، فهو حقيقةً يعبد هواه، وعلى المنوالِ ذاته جاء حديث عدي بن حاتم الطائي رضي الله عنه حين قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو نصرانيٌّ، فسمعه يقرأُ هذه الآيةَ: ﴿ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة: 31]، قال: فقلتُ له: إنَّا لسْنا نعبدُهم، قال: ((أليس يحرِّمون ما أحَلَّ اللهُ فتحرِّمونه، ويُحِلُّون ما حرَّم الله فتُحِلُّونه؟))، قال: قلتُ: بلى، قال: ((فتلك عبادتُهم))[1].

وبناء على هذا المفهوم للعبوديَّة، نحن بحاجة ماسَّة لمراجعة عبوديتنا لله، وتحريرها من عبودية غيره، وبحاجة أكثر إلى تدريب شبابنا وأبنائنا على تحرير عبوديَّتهم، وجعلها خالصة لله وحده، ومما أذكر أنه في رمضان 1435هـ كنت أستغرب من قلَّة الزحمة في المسجد النبوي في المدينة المنورة، فقال لي أحد أبنائي: بسبب مباريات كأس العالم - والتي تصادف ليلًا - فقلت له: لا يمكن أن يتركوا فضل الصلاة في هذا المكان وفي هذا الزمان، وأن يكون بهذا العدد الواضح في المسجد النبوي! وبعد عدة أيام حصل الزحام، فقلت لابني: لاحِظ، الحمد لله! فقال: البارحة كانت المباراة النهائية لكأس العالم.

وإذا أردْتَ التأكد من العبودية، فتأمَّل في حالة تزاحم الأعمال في الوقت ذاته، أو عند تعارض المصالح، ما الذي يُقدَّم؟ فالمقدَّم هو المعبود وإن زعم العبد غيرَ ذلك، على الأقل معبودٌ في تلك اللحظة أو في ذلك الموقف.

يا تُرى كم من المعبودات التي نحتاجُ لتحريرها من أذهان الشباب: الكرة، المال، المظهر، النت، الميديا شو، الجوال، الألعاب الإلكترونية، مواقع التواصل الاجتماعي، وسلسلة قادمة اللهُ أعلم بها!

أليس من الأَوْلى التدريب على تحرير العبودية، وجعلها خالصةً لله وحده فقط، بدل التعامل مع كل معبودٍ جديد؟

أتركُ لك الإجابة

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


[1] حسَّنه ابن تيمية: حقيقة الإسلام والإيمان، ص: 111.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 120.04 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 115.37 كيلو بايت... تم توفير 4.68 كيلو بايت...بمعدل (3.90%)]