كيف تعلمت العربية؟ - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         هل انتشر الإسلام بحد السيف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          كيف نجنب أولادنا الخوف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          الشباب والعمل التطوعي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          اللَّغْو في الأقوال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          الزلاقة يوسف بن تاشفين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          وما أدراك ما ناشئة الليل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »          كف الأذى عن المسلمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          انشراح الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          فضل آية الكرسي وتفسيرها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »          المسارعة في الخيرات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى اللغة العربية و آدابها ملتقى يختص باللغة العربية الفصحى والعلوم النحوية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 17-10-2022, 09:45 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,100
الدولة : Egypt
افتراضي كيف تعلمت العربية؟

كيف تعلمت العربية؟


إبراهيم حافظ غريب





ليس المقصود من كتابة هذا المقال أن يتباهى فيه كاتبُه بما يرى أنه تحقَّق له من القدرة على امتلاك ناصية اللغة العربية كتابةً وقراءة، وتحدُّثًا واستماعًا - إن صح أن تكون للُّغةِ ناصيةٌ يمكن امتلاكها - ولكن الغرض المتوخَّى منه هو محاولة تقديم تجرِبة شخصية لأحد الناطقين بالعربية المتمكنين منها من غير أهلها بعد عنت ومشقة؛ عسى أن تكون موضع احتذاء لمن يروم الاستفادة منها.

وُلدت في مهجر عربيٍّ لأبوين روهنجيين مهاجرين من أراكان، لا يتحدَّثان العربية بطلاقة أهلها؛ بحكم نشأتهما الأولى باللغة الأم في البلد الذي هاجرَا منه.

تلقيت كلَّ مراحلي الدراسية من الابتدائية إلى الثانوية في مدارسَ حكومية، ورغم ذلك فما كنت أتحدَّث العربية ولا أسمعها إلا في المدرسة فقط، فأما في البيت وفي الشارع وفي حلقة التحفيظ ومع كلِّ الأقارب، فإن اللغة الروهنجية هي سيدة الموقف بلا منازع!

ولذلك؛ فقد وجدت نفسي عاجزًا عن الانطلاق بالحديث مع زملاء الدراسة في السنة الأولى من الثانوية، وكلما حاولت أن أدخل معهم في حوار، أو أن أخوض حديثًا من أحاديث المراهقين، وجدتني أتعثَّر وأتلجلج، ويضطرب لساني ويتورَّط فيما يسمونه باللهجة الدارجة "كلجات ومطبات"، فأغدو هُزءًا وسخرية في أعين الزملاء، وربما أطلَقَ أحدُهم في وجهي ضحكة مجلجلة يحمرُّ لها وجهي خجلًا وتحرُّجًا، وربما قسى عليَّ آخر، فأمعن في الاستهزاء والسخرية باستخدام ألفاظ التحقير والنظرة الدونية المتعالية؛ ليتركني بعدها صريعَ المشاعر المجروحة: روح يا بنغالي، يا هندي، يا...

عناية إلهية:
ما من رهاب اجتماعيٍّ يعانيه أحدهم إلا وكانت اللغة المتعثرة هي أحد الأسباب التي تكمن وراءه، وإنَّ من المقرر لدى التربويِّين والمختصين أن المراهق بطبيعة خصائص مرحلته العمرية حساسٌ جدًّا، خصوصًا فيما يتعلق بذاته وكيانه الشخصي، وإحساسه باستقلال شخصيته، واستحقاقه للتقدير والاحترام ممن حوله، فكيف أفعل والوضع محرج جدًّا؟ وكيف أتصرَّف وماذا يكون الحل وقد صار التحدُّث بالعربية بالنسبة إليَّ عقدةً نفسية تتهدد مستقبلي التعليميَّ؟

هنا تدخلت العناية الإلهية فأهدتني زميلَ دراسة كان شهمًا ونبيلًا وأصيلًا اسمه: (فهد حسن الشهري)، أين أنت اليوم يا فهد؟ وماذا فعل بك الزمان؟
قابلتك قبل بضع سنين في مكتب المرور... جئت أجدد استمارة السيارة، وجئت تستخرج لأخيك بديلًا عن استمارة السيارة التي فقَدَها... عرفتك من أول وهلة رأيتك فيها... لم تتغير كثيرًا... تضع على عينيك النظارة نفسها تقريبًا... لحية خفيفة ظهرت على الذقن والخدين... رصدتك من خلفك لحظات، ثم أقبلت عليك أسحبك من عضدك برفق... تلتفت إليَّ... تمعن النظر في وجهي لحظة... تفغر فاهك... تكاد تصرخ... تنطلق الصيحة:
إبراهيم؟!
ونتبادل العناق والقبلات...
أين أنت الآن يا فهد؟
معلم لغة عربية، وأنت؟
مثلك...
لا أظنك مثلي يا إبراهيم، بل تتفوق عليَّ في اللغة العربية؛ لأنك قارئ مجتهد كما أعلم!
وافترقنا...

مطبات وكلجات!
شعر زميلي فهد بمحنتي يومذاك، فتنحى بي جانبًا وقال لي مبادرًا:
اسمع يا أخي! سأكون عونًا لك على تجاوز محنتك... كن معي دائمًا... اجلس إلى جواري في الفصل... تحدث معي كثيرًا واستمع إليَّ... إن "كلَّجت" أو وقعت في "مطبٍّ"، صحَّحت لك ونحن على انفراد... ما رأيك؟!

أشرقت البسمة في وجهي، وومضت عيناي ببريق، وانطلقتُ معه من حينها في رحلة تعلم العربية الدارجة؛ أي: العامية، وانطلقت في مشروع آخر في الوقت نفسه:
أستعير من مكتبة المدرسة كتبًا ودواوين ومجلات، أعكف على قراءتها ساعات وساعات، أيامًا ولياليَ متصلات.

وأركز بشدة في حصص النحو ومعرفة إعراب الكلمات والجمل، وأطبقها بعناية خلال القراءات الحرة في الكتب المستعارة.

وأستمع إلى برامج الإذاعة؛ لأتعلم كيف أنطق الحروف والكلمات.

وربما أمسكت بجريدة يومية أحاول قراءة الأخبار السياسية على الصفحة الأولى بنبرة أحاول أن أقترب بها من نبرات المذيعين في التلفاز أثناء إلقائهم النشرات.

وربما أغلقت على نفسي باب الغرفة وعلوت كرسيًّا أُلقي من فوقه خطبة عصماء على فراغ الغرفة أمامي وعلى الجدران.

وسهرت ليالي طوالًا في محاولة كتابة القصص والأشعار والمقالات.

وربما فتح الله عليَّ في سجودي بدعوة موفَّقة أناجيه بها: اللهم مكِّنِّي من اللغة العربية إلى مستوى الإتقان!

نقطة تحول:
كأن الضعف الذي عانيت منه في القدرة على التحدث بالعربية في مرحلة المراهقة تحوَّل إلى مسألة تحدٍّ حقيقي وسعي جاد للتفوق على الذات: مسألة أن أكون أو لا أكون، كأنما كنت أستشعر أنها قضيتي الأولى في الحياة، ومن حمَلَ همَّ شيء بصدق، وسعى فيه، وبذل وكابد لأجله، وطالت صحبته إياه، فليس ببعيد أن يُفتح عليه فيه، وأن يهواه من بعدُ ويعشقه!

وهكذا هويت اللغة العربية وعشقتها، ومن ثم أغرمت بأهلها وثقافتهم وبلادهم، وشاركتهم همومَهم وآلامهم وآمالهم، ودفعت الثمن غاليًا معهم في زمن الانكسارات المتتابعة والهزائم المتلاحقة على كلِّ الصعد والمستويات.

وهكذا لم تكد تمضي سنتان أو ثلاث من اتباع تلك الطرائق، وتطبيق تلك السبل، حتى غدوت بتوفيق الله خلقًا آخر في المدرسة:
يرشِّحونني للمشاركة في الأنشطة الطلابية باختلاف أنواعها: إلقاء، إنشاد، مسرح، كتابة...
يقدِّمونني لإلقاء الفقرات في الحفلات الختامية.
أكتب موضوعات في حصص الإنشاء كانوا يرونها متميزة، ويعلِّقون بعضها على حائط المدرسة.
كرَّموني بالجائزة الأولى في كتابة قصة قصيرة على مستوى مدارس المنطقة.

وهكذا انتهت الرحلة الصغيرة التي بدأتها لتعلم اللغة العربية إلى تحصيل واسع لألوان الثقافة والمعرفة عبر قراءات عديدة ومتنوعة في شتى العلوم والفنون والتخصصات.

منطق طفولي:
وأختم المقال بقصة طريفة يحسُن إيرادها هنا عن طفل غير عربيٍّ كان يتعلم في مدرسة عربية، وورد عليه سؤال في الاختبار التحريريِّ لمادة التعبير بصيغة ملء الفراغات المتروكة بين الجمل بالكلمات المكتوبة أعلاها؛ لتغدو جملًا مفيدة بعد وضع كلِّ كلمة في مكانها الصحيح من الجمل، وكانت إحدى تلك الجمل:
........ يعالج المرضى.

فاختار لها الصبيُّ بعد تفكير وإمعان كلمة "الأسد"، واجتنب اختيار كلمة "الطبيب" التي لم يكن يعرف معناها؛ لأنها لم تكن دخلت بعدُ يومئذٍ في قاموسه اللغويِّ، ولم تكن ضمن الكلمات المستخدمة في محيطه وبيئته غير العربية.

وكان منطقه الطفوليُّ في اختيار كلمة "الأسد" لوضعها في الفراغ: أنه قرأ في حصة القراءة قصة عن قرد يعالج المرضى من حيوانات الغابة، فإذا كان القرد قادرًا على معالجة المرضى وهو حيوان؛ فلماذا لا يقدر عليها الأسد وهو حيوان مثله وأشدُّ منه قوة؟!

وبهذا المنطق الطفولي "السديد" صارت الجملة مفيدة بعد إتمام فراغها، وصارت محل تندُّر على الطفل في بيته مِن قِبل إخوته، وأطلقت عليه ضحكاتهم المجلجلة في وجهه بعد ما أخبرهم عن سبب اختياره للفراغ كلمة "الأسد" بدلًا من اختيار كلمة "الطبيب":
الأسد يعالج المرضى! هاهاها...
هذا الصبي العييُّ في اللغة العربية إلى هذا الحد قبل ما يقرب من ثلاثين عامًا، هو من وفَّقه الله وفتح عليه ورأف به ورحم حاله ومكَّنه اليوم من كتابة هذا المقال بلسان عربيٍّ مبين كما ترى!

فيا أيها الطامح لامتلاك ناصية اللغة العربية، العاجز عن بلوغ هدفه وتحقيق طموحه بسهولة: عُدْ إلى ربِّك فاسأله العون والتوفيق، وإلى نفسك فألزِمْها الدرس والتحقيق، ولا تَقنَط ولا تَعجَل؛ فإنك بإذن الله ستصل!


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 52.79 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 51.08 كيلو بايت... تم توفير 1.71 كيلو بايت...بمعدل (3.24%)]