طعم الغربة - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12439 - عددالزوار : 210351 )           »          الجامع في أحكام صفة الصلاة للدبيان 3 كتاب الكتروني رائع (اخر مشاركة : Adel Mohamed - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          دور المسجد في بناء المجتمع الإنساني المتماسك السليم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          ملامح الشخصية الحضارية في الإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          المثنى بن حارثة الشيباني فارس الفرسان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          أدب الحديث على الهاتف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          المدرسة الإسماعيلية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          أثر صحبة العلماء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          أحكام خطبة الجمعة وآدابها***متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 94 - عددالزوار : 74487 )           »          علمني هؤلاء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها

ملتقى اللغة العربية و آدابها ملتقى يختص باللغة العربية الفصحى والعلوم النحوية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 22-12-2019, 10:15 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,520
الدولة : Egypt
افتراضي طعم الغربة

طعم الغربة

بسـام شفيق الطعـان



منذ اللحظة التي حطت فيها قدماه أرض الغربة، وبلدُه يسكن في رأسه صداعاً لا ينتهي، منذ تلك اللحظة، تحوَّل إلى حديقة من الشوق، بينما تجردت حياته من كل طعم ولون إلا طعم المرارة ولون الكآبة.
قبل أن ينتهي اليوم الأول، أشعلت الغربة في أعماقه كلَّ المرايا، أجهش قلبه بالنزف، وخفق بإيقاع حنين؛ فلا الزوجة ولا الأولاد، لا أحد منهم بارَحَه منذ أن ودَّعهم، وظل يشعر بأنه يغيب عنهم كما غاب نجم في السماء تعج بالكواكب؛ ولأنه يسبح دائماً في عالمهم بدا كمن تشرَّد في الأرض يبحث عما يطفئ سعير قلبه.
يرجع مساءً إلى مسكنه، ويطوف في غرفته التي تبدو واسـعةً كأنها تحولت إلى صـحراء، يطوف مثل الشـبح، وشـعور بالمــرارة يغور في أعماقه، يشي باختناق قريب؛ فكلما جاء الليل - يا لذلك الليل الطويل! - يبدو له ليلاً مطبقاً، ليلاً ممعناً بالكتمان، ليلاً أجرد يشبه ليل الأمــوات. وكثيراً ما كان يحاول أن يشعل في محيطات الكلام أرخبيلاً، ولكن في كل مرة مركب الكلام يتفكك، فيعوم قبل أن يغرق.
يجلس مسترخياً ورأسه مدَّلى في أبد الصـمت.
آهٍ من رأسه... لم يكن غير جمجمة مثقلة بالأسى...
يتناول طعامه دون شهية... يقلب صفحات الجريدة، لكنه هذه المرة تاه بين أعمدتها وعناوينها، ونفذ من بين سطورها إلى عالمه البعيد.
فجأة شعر بشيء من الراحة عندما رنَّ الهاتف وسمع صوت طفله الصغير يشدو لسعادته الهاربة، لأيامه المنكسرة، لصقيع جسده الباحث عن الدفء، لغربته القاتلة... وراح يتيه في لوحة عائلته الصغيرة، التي ابتدعها خياله، فرأى زوجته ترسـل إليه نظرة عبر عينيها السـوداوين اللتين خيِّـل إليه أنهما تُشعَّان حرارة وتحتضن طفليه، تغني لهما، وتربِّت على كتفيهما، ثم رآهــا تتقدم نحوه وهي تقول بصوت هامس حنون:
(يا أيها الطافح من هناك شوقاً، منذ أن غبت والبيت أصبح فراغاً، والعالم فراغاً، وأصبحت الدنيا خاوية، والفراغ هائلاً، مارداً، والصمت رهيباً كئيباً...
آهٍ كم الحياة قاسية وهي تغرق بركام من الهموم! تعال واغمـسني في حبك، ذوبني في نبضات قلبك، خبئني في دفء صدرك، تعال وطهرني من عفن البِعاد المر، تعال لتسمع خفقات قلبي، فقد استولت عليَّ رغبة وحشية قاتلة جعلتني أحترق في جحيم الوحدة والانتظار).
فجأة صارت يداه منديلاً: (خذي قلبي أغصان زيتون يا حبيبة!).
نهض من مكانه وكأنه يريد احتضانها، لكنه اصطدم بحافة السـرير، فكاد الإنسان بداخله يحتضر والجسد يستقل رويداً عن ملامح الروح والأفكار.
منذ أن غادرهم وهو يعيش اليومَ بسَنَة، ويأرق من الصـباح إلى الصباح، في دمه شوق وفي بعضه وجع؛ فقد أدمن الراحة وعاش معهم كالنحل في قرص العسل... هناك زرع نبتة روحه، وهنا تنام نفسه في كهوف الصمت. هناك كان الحارسَ والمحروس، وهنا الروح كبَّلها الأسى، والقلب فاض به الحنين، وأصبحت حياته حافلة بالظلام وغدا غريباً تائهاً لا يتبيـن شرقَه من غربِه، ليلَه من نهاره، من لوعة الوحدة والهجران، فلا شيء يفعله عندما يعود إلى مسكنه غير أن يجلس في ربوة السكون، ثم تبدأ الأفكار تحز رأسـه بطريقة مؤلمة.
انبثقت شمس يوم جديد، إنه صباح لا يختلف عن غيره من الصباحات البائسة، استيقظ مع انفصال عسير يدب داخل كيانه، كانت نفسه كنهر شق السيلُ مجراه وبعثرته الريح وسـط الأودية، ارتدى ثيابه على مهل وهمَّ بالخروج إلى عمله، ولكنَّ معاناته الداخلية طافت على السطح من جديد، فعاد مرة أخرى إلى السرير، وبتفكير لم يَدُم أكثر من دقائق، ثم جمع أغراضه المبعثرة وهو يهمس:
لأنني تذوقت طعم الغربة، وأصبحت سيد الحزن والصمت، سأشد أشرعة الحنين وأشق البحر وأعود؛ فالقلب صار صفواً من الإصغاء للتوتر الحـزين، ولم يبقَ من جمر الإرادة غير رماده، سـأعود فهذا العمر دونكم غابات ثلج، وطقوس شتاء، إن انتمائي لن يكون إلا لكم ولآفاق سعادتكم، ولو خُيِّرت أن أملك العالم دونكم فلن أرضى، سأعود إليكم وسأغمركم بنور الاشتياق قبل أن يضمحل رأسي ويغرق قلبي في غابة العثرات مرتقباً جنون الصمت.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 52.04 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 50.16 كيلو بايت... تم توفير 1.88 كيلو بايت...بمعدل (3.61%)]