|
|
ملتقى القصة والعبرة قصص واقعية هادفة ومؤثرة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
تربية الأبناء على احترام المال والاعتدال في الإنفاق
تربية الأبناء على احترام المال والاعتدال في الإنفاق كيندة حامد التركاوي المال ما يميل إليه الطبع، ويجري فيه البذل والمنع، ويمكن ادخاره لوقت الحاجة[1]. والمال عصب الحياة وزينتها، يتخذه البعضُ سنداً لحياة فاضلة، ويستغلّه البعض الآخر كعون على المفاسد والرذيلة، ويرى سبباً للانغماس في اللهو والتَّرف، فينزلق إلى الهاوية يتردّى فيها [2]. قال صلى الله عليه وسلم: المُقسِطونَ عندَ الله يومَ القيامةِ على منَابرَ مِنْ نورٍ عَنْ يمين الرَحمن عز وجل وكِلتا يديهِ يمين، الذين يعدلون في حُكمِهم وأَهليِهمْ ومَا ولوا [3]. وواجب الآباء تجاه أبنائهم غرس حب الاعتدال في الإنفاق منذ نعومة أظافرهم، واحترام المال على أنه وسيلة للعيش الكريم المنضبط بالضوابط الشرعية، وليس غاية للاكتناز من أجل جمع الثروة والتعالي على الناس. ولا بد من الإشارة إلى أن الكفَّ عن الإنفاق، والحرص على تخزين المال، إنما ينشأ عن دافع سيئ، وإيمان قلق، وخوف من الحاجة والإملاق، ويبقى الشيطان يوسوس للإنسان، فيُخوفه مرحلة الافتقار، ويُحرك فيه التكالب على جمع الثروة وتخزينها [4]. إلى هذا يشير قول الله سبحان الله: ﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 268]. ونهى النبي الكريم في سنته الشريفة عن جمع المال والتكالب عليه، وقد وضح لنا ذلك من خلال قوله صلى الله عليه وسلم: تَعسَ عَبدُ الدِّينَارِ، وَالدَّرْهَمِ، وَالقَطيفَةِ، وَالخَمِيصةِ، إِن أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإن لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ [5] وإذا كان الأب حكيماً في تصرفاته مُدركاً لمسؤولياته فإنه بين الآونة والأخرى يعوِّد ابنه الخشونة في المفرش، والملبس، والمطعم بحدود مقبولة ومعقولة، لتستبين للولد قيم الأشياء وليدرك أنَّ المال لا يأتي بصورة عفويّة وبدون كدَّ وتعب[6]. فلا يعوده التنعّم ولا يحبّب إليه الزِّينة وأسباب الرفاهية فيضيِّع عمره في طلبها [7]. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إِيَّاكَمْ والتَنعُّم فَإِنَّ عِبَادَ اللهِ لُيسوابِالمُتَنَعِمين [8]. والإسلام وعى دور المال وأوضح أهميته بالنسبة لغالبية الناس وأنه على سوية الحاجات الأساسية من خوف وجوع. ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 155]. لذلك ذكر المال يشمل كل ما سبق، وقد وصفها الخالق بأنها زينة الحياة. قال تعالى: ﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ﴾ [الكهف: 46]. كما بيّن ضرورة عدم تداول المال بشكل خاطئ ككسبه بغير حق كالرشوة. قال تعالى: ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 188]. وشدد على أنَّ مسيء استخدامه كآكلي الربا مثلاً هم في حرب مع الله ورسوله. والتوبة تكونبترك الربا والاكتفاء بما يحقق العدل، والإسلام لم يترك العنان للمال بل قيده أيضاً بدور اجتماعي. قال تعالى: ﴿ آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾ [الحديد: 7]. وأوضح الله تعالى بذلك أدب الدين والبعد الاجتماعي لدور المال، وأضاف مفهوماً غير مألوف لدى الآخرين وهو التصدّق...، والمال وحده ليس له دور اجتماعي بدون تطويعه ضمن نظام شرع الله[9]. لقد أباح الإسلام للإنسان أن يجمع من المال ما شاء ما دام يجمعه من حِلِّه، وينميه بالوسائل المشروعة. ﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 32]. فالمال زينة الحياة الدنيا وبه تقوم مصالح الناس، إنه خيرٌ وصلاح لمن أخذه من حله فوضعه في محله، ولكن الإسلام لا يغالي في مكانة المال لدرجة التقديس والعبادة بل إنه يحذر من هذا المسلك مبيناً أن المال فتنة وابتلاء للإنسان وإن على المسلم أن لا يجعله همه وغايته في هذه الحياة. إن الإسلام يجعل المال وسيلة للدار الآخرة، فالدنيا في حقيقتها ما هي إلا مرحلة زائلة والدار الباقية هي الدار الآخرة، فالمال وسيلة أيضاً للوصول إلى تلك الدار. فالإنسان المؤمن بالله يملك المال ولا يملكه المال، إنه يجعله في يده لا في قلبه، إنه يسعى لتحصيله واستثماره بما أباح الله لا بما أوحى إليه هواه واشتهت نفسه. أن المال في نظره وسيلة وطريق، ذلك أن هدفه في هذه الحياة أعظم وأجل إنها طاعة الله التي خلق لها. وبناء على ذلك فنحن في حاجة لأن ننمي لدى أبناء المسلمين اتجاها متوازناً نحو المال قوامه أنه مشروع في ذاته، ومن ثم فلا حرج في السعي إليه بحقه، وضوابطه الشرعية اكتساباً وإنفاقاً وحفظاً، وأنه يمكن توظيفه لخدمة وحماية الدين، والارتقاء بالحياة على المستوى الخدمي والإنساني، وتعد الأوقاف، والهبات، والتبرعات دليلاً قاطعاً على ذلك، فضلاً عن كونه أداة للتوازن السياسي، والارتقاء الشخصي والاجتماعي من منطلق إن المال يعد جزء مقوماً لوجود الإنسان، وقوة مضافة تسهم في تكوين شخصيته وتعظيم نفوذه الاجتماعي [10]. وكلما كان العبد إلى الشيء أحوج، كان الرب إليه أجود، وعليه ينفق المرء ماله في طاعة الله تعالى، لا يخاف فقراً ولا عوز، فالرزاق هو الله يعطي المؤمن ما يحتاج. [1] ابن عابدين، محمد علاء الدين (ت 1306هـ/ 1868م)، تكملة حاشية رد المحتار، تحقيق وتصحيح مكتب البحوث والدراسات، بيروت، دار الفكر، 1415هـ/ 1995م، [1- 2]، 1، 4. [2] بديوي، يوسف وقاروط، محمد، تربية الأطفال، 1، 355. [3] ابن حنبل، المسند، 2، حديث (6492)، 160. [4] بديوي، يوسف وقاروط، محمد محمد، تربية الأطفال، 42. [5] البخاري، الجامع الصحيح، كتاب الجهاد والسِّير (56/32)، باب الحراسةِ في الغزوِ في سبيل الله (70/69)، حديث (2886)، 5، 82. [6] بديوي، يوسف وقاروط، محمد، تربية الأطفال في ضوء القرآن والسنة، 1، 356. [7] الغزالي، الإمام أبي حامد محمد بن محمد (ت 505ه/ 1112م)، إحياء علوم الدين، بيروت، دار الفكر، د.ت، [1-4]، 3، 63. [8] الألباني، محمد ناصر الدين، صحيح وضعيف الجامع الصغير وزيادته، د.م، المكتب الإسلامي، حديث (4433)، 444. [9] قنطقجي، سامر مظهر، فقه المحاسبة الإسلامية، رسالة قُدمت لنيل درجة الدكتوراه في المحاسبة، مؤسسة الرسالة ناشرون، ط1، 1424ه/ 2004م، 32. [10] العاني، نزار، الشخصية الإنسانية في التراث الإسلامي، عمان، المعهد العالي للفكر الإسلامي، 1419هـ/1998م، 199.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |