#1
|
||||
|
||||
وبلغت الخمسين
وبلغت الخمسين أم يحيى عبدالرحمن كانت وردة زاهية. كانت فائحة باهية. كانت حلم كلِّ فتًى وفتاة. جعلَتها الشهرة والفنُّ ملكةً بدون تاج. جعلَتها الأغنية والقصَّة أغلى من الذهب والعاج. كم ذرفوا الدموعَ على شجون صوتها. كم هاجوا وماجوا عند بروزها. كم تمايلَت شوارب الرجال على خمورها. كم فُديت بأموال أبرياء تحت حذائها. ومضى ذلك الزمان على أن لا يعود. وانقضَت أيام السيجارة والعود. وها هي قد بلغَت الخمسين. فويلٌ لمن يعود زمانه بالحسرة والندم. بماذا تحتفين يا صاحبة الخمسين؟ أَبحياة عنوانها المجون والخنا؟ وماذا أعددتِ لما بعد الخمسين؟ وبماذا تلقين ربَّك وبماذا تتحجَّجين؟ أم أنَّكِ قد فهمتِ الحياة وستُفهمينها لخالقها؟ اعتصر قلبي ألمًا وحسرة على وجوهٍ قد بلغَت أوج جمالها، وما بلغَت القلوب أوج سعادتها. اعتصر قلبي ألمًا على عمر أفنَتْه صاحبتُه في معصية ربِّها، وتزيين دنياها وتقبيح آخرتها. اعتصر قلبي ألمًا على نساء مغبونات في خمسين سنة من حياتهنَّ، وهنَّ على ما كنَّ عليه، من سفور وتبرُّج واختلاط محرَّم وفتنة. اعتصر قلبي على عقولٍ لم تَنفع صاحباتِها، وعلى أجساد غُذِيَتْ بالحرام وأكرمَت بالحرام وعنيَت بالحرام. اعتصر قلبي على إنسانٍ يعرف أن لا أحد أُعطي الخُلد قبله، ولن يعطى أحد بعده، وأنَّه لا بدَّ إلى اللَّحد منتهاه، ومع ذلك تراه فرحًا مسرورًا، كأنما حاز الخلد وأمِن الحساب. ومن يَأمن الحساب، ومن يأمن العذاب؟ إنَّ لم يأمنه عمر وأبو بكر ومعاذ وعائشة وكل الأحباب، فمَن بعدهم يأمنه؟! يَحتفون بالخمسين ومن حقِّهم النحيب. أخلصتِ للفنِّ وما أخلصتِ لرب العالمين.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |