منهج ابن كثير في الدعوة إلى العبادات - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         الجامع في أحكام صفة الصلاة للدبيان 3 كتاب الكتروني رائع (اخر مشاركة : Adel Mohamed - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          دور المسجد في بناء المجتمع الإنساني المتماسك السليم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          ملامح الشخصية الحضارية في الإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          المثنى بن حارثة الشيباني فارس الفرسان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          أدب الحديث على الهاتف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          المدرسة الإسماعيلية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          أثر صحبة العلماء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          أحكام خطبة الجمعة وآدابها***متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 94 - عددالزوار : 74472 )           »          علمني هؤلاء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          الحب المفقود (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى الشباب المسلم

ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 04-04-2021, 07:52 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,491
الدولة : Egypt
افتراضي منهج ابن كثير في الدعوة إلى العبادات

منهج ابن كثير في الدعوة إلى العبادات


مبارك بن حمد الحامد الشريف

عبادة الله هي الغايةُ من خلق الجن والإنس، كما قال سبحانه: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]، ومعنى الآية كما قال ابن كثير: "أنه تعالى خلَقَ العِبادَ ليعبدوه وحده لا شريك له؛ فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذَّبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ورازقُهم"[1].

ولقد استخدَم ابن كثير رحمه الله في دعْوتِه إلى العبادات المناهجَ الدعوية المختلفة، فاستخدم العاطفي بالحثِّ على إقامة الصلاة وأنها عماد الدين، وهي راحة للمصلِّي وقُرَّةُ عينٍ له، وكذلك الزكاة ففي إخراجها حصولُ بركة المال، وسبب لزيادته ونمائه وحفظه، بينما الصيام فيه تزكية للبدن، وتضييق لمسالك الشيطان، وأن مقصوده وغايتَه تقوى الله سبحانه وتعالى ومخافتُه، وكذلك الحج بالمبادرة إليه؛ لأنه أحد اركان الإسلام ودعائمه العِظام، ولِما اشتمل عليه من منافعِ الدين والدنيا، كما قال سبحانه: ﴿ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ ﴾ [الحج: 28].

وكذلك استخدم ابن كثير المنهج العقليَّ؛ فحينما أشار إلى أهمية صلاة الجماعة استدل بالآية: ﴿ وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ ﴾ [النساء: 102]؛ حيث اغتُفِرت أفعالٌ كثيرة لأجل الجماعة، وكثيرًا ما تُقرَن الزكاة بالصلاة في القرآن مما يدل على منزلتها ومكانتها، وفي صيام رمضان إذا أكل الصائم ناسيًا أو شرب، فإنه يُتِمُّ صومه؛ لأنه إنما أطعَمَه الله وسقاه، فهو قياس ضمني؛ حيث قاس ضمنًا الصائمَ الذي أكل أو شرب ناسيًا على الصائم الذي لم يأكل ولم يشرب، وكذلك الحج فإنه لا يجب على المسلم المستطيع إلا مرةً واحدة في العمر، وذلك كما قال عليه السلام لمن سأله: أفي كل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو قلتُ: نعم، لَوجَبتْ، ولَمَا استطعتم)).

وكذلك استخدم ابن كثير المنهج الحسيَّ؛ ففي الصلاة نبَّه إلى استحباب التجمل للصلاة، وكذلك الطِّيب والسواك، وأوصى بأن يقوم إليها المصلِّي وهو نشيط طليق الوجه غير كسلان، وفي وقت الصيام يحب الإمساك من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وفي الحج ببيان الطواف والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمرات ونحوها. وسنشير إلى هذا بشيء من الإيجاز.

أولًا: الصلاة: معناها وفضلها وحكمها ومنزلتها:
أصل الصلاة في كلام العرب هي "الدعاء.... ثم استُعمِلت في الشرع في ذات الركوع والسجود والأفعال المخصوصة، في الأوقات المخصوصة، بشروطها المعروفة، وصفاتها وأنواعها المشهورة"[2].

وهي "عماد الدين وقوامه، وخير أعمال العباد"[3]، فيجب على المسلم أن يحافظ عليها، وأن يُقيمَها كما أمره الله سبحانه بقوله: ﴿ قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ ﴾ [إبراهيم: 31]، وإقامتها هو "المحافظة على وقتها وحدودها، وركوعها وخشوعها وسجودها" [4].

وقد نقل رحمه الله كلامَ الأئمة في حكم تارك الصلاة فقال: "ذهَبَ مَن ذهَب من السلف والخلف والأئمة - كما هو مشهور عن الإمام أحمد، وقول عن الشافعي - إلى تكفير تارك الصلاة؛ لحديث: ((بين العبد وبين الشرك تركُ الصلاة))[5]، والحديث الآخر ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاةُ، فمَن ترَكَها فقــد كفر))[6] "[7].

كما أنه أشار إلى أهمية صـــلاة الجماعة عند تفسير الآية: ﴿ وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ ﴾ [النساء: 102]، فقال: "وما أحسَنَ ما استدَلَّ به مَن ذهَب إلى وجوب صلاة الجماعة من هذه الآية الكريمة؛ حيث اغتُفِرت أفعالٌ كثيرة لأجل الجماعة"[8].

وقال عند تفسير الآية: ﴿ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ﴾ [البقرة: 43]: "أي كونوا مع المؤمنين في أحسن أعمالهم، ومن أخصِّ ذلك وأكملِه الصلاةُ، وقد استدلَّ كثير من العلماء بهذه الآية على وجوب الجماعة"[9].

وقد نبَّه رحمه الله على بعض الحِكَمِ والأسرار والآثار المتعلِّقة بالصلاة، والتي ظهر مِن خلالها استخدامُه للمنهج العاطفيِّ والعقلي والحسي في الدعوة إلى إقامة الصلاة والمحافظة عليها، فمِن هذه الحكم والأسرار:
كثيرًا ما يُقرَن بين الصلاة وإنفاق الأموال؛ لأن الصلاة حقُّ الله، والإنفاق هو الإحسان إلى المخلوقين بالنفع المتعدِّي عليهم[10].

المواظبة على الصلاة تَحمِلُ صاحبَها على ترك الفواحش والآثام[11].

المواظبة على الصلاة سببٌ في حصول الرزق[12].

إن أجوَدَ ما يستعان به على تحمُّل المصائب الصبرُ والصلاة[13].

إن الخشوع في الصلاة يجعلها راحة للمصلِّي وقرةَ عينٍ له[14].

التحذير من صفات المنافقين الذين إذا قاموا إلى الصلاة قاموا كُسالى، بل يقوم إليها المصلِّي وهو طلقُ الوجه، عظيم الرغبة، شديدُ الفرح[15].

يُستحب التجمُّلُ عند الصلاة، ولا سيما الجمعة والعيد، وكذلك الطِّيب والسواك[16].

ولا شك أن الدعاة إلى الله هم أَولى الناس بمراعاة ذلك والالتزام به؛ فقدوتُهم في ذلك محمدٌ صلى الله عليه وسلم، الذي جُعلتْ قرةُ عينه في الصلاة، والذي إذا حزَبَه أمرٌ قال: ((أَرِحْنا يا بلالُ بالصلاة)).

ثانيًا: الزكاة: معناها وفضلها وحكمها ومنزلتها:
الزكاة هي النماء والزيادة، فهي مصدر زكا الشيءُ إذا نما وزاد، وزكا فلانٌ إذا صلَح، فالزكاة هي البركة والنماء، والطُّهر والصلاح[17].

وزكاة المال إنما سمِّيت زكاة؛ لأنها كما يقول ابن كثير: "تطهِّره من الحرام، وتكون سببًا لزيادته وبركته وكثرة نفعه، وتوفيقًا إلى استعماله في الطاعات"[18].

وأصل الزكاة والصدقة كان مأمورًا به في ابتداء البعثة، وأما الزكاة ذات النصب والمقادير فإنما بيِّن أمرُها بالمدينة في السنة الثانية من الهجرة[19].

والزكاة واجبة على أهلها، وهي أحد أركان الإسلام، وأشرف الأفعال المتعلِّقة بالمخلوقين، يقول ابن كثير عند تفسير الآية: ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [التوبة: 103]: "أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يأخُذَ من أموالهم صدقةً يُطهِّرُهم ويزكِّيهم بها، وهذا عام، وإن أعاد بعضهم الضميرَ في (أموالهم) إلى الذين اعترفوا بذنوبهم خلَطوا عملًا صالحًا وآخر سيئًا؛ ولهذا اعتقد بعض مانعي الزكاة من أحياء العرب أن دفع الزكاة إلى الإمام لا يكون، وإنما كان هذا خاصًّا برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا احتَجوا بقوله تعالى: ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾، وقد ردَّ عليهم هذا التأويلَ والفهم الفاسد الصِّدِّيقُ أبو بكر وسائر الصحابة، وقاتَلوهم حتى أدَّوُا الزكاة إلى الخليفة كما كانوا يؤدُّونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى قال الصدِّيق: واللهِ لو منَعُوني عِقالًا - وفي رواية: عَناقًا - كانوا يؤدُّونه إلى رسول الله، لأُقاتِلَنَّهم على منعه"[20].


فابن كثير رحمه الله دعا الأغنياءَ من المسلمين لدفع زكاة أموالهم لمستحقِّيها من الفقراء وغيرهم، واستخدم المنهج العاطفيَّ والعقلي في ذلك، وقد برز من خلال ذكر بعض الأحكام والأسرار والآثار المتعلقة بالزكاة، نذكر منها:
منزلة الزكاة وأنها كثيرًا ما يُقرَن بينها وبين الصلاة[21].
أن إيتاء الزكاة وإقامة الصلاة وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم سببٌ في رحمة الله [22].
أن الله سبحانه هو الذي تولَّى قسم الصدقات وبيان حكمها، ولم يَكِلْ ذلك إلى أحد[23].
فضل الصدقة في وجوه القُرُبات، وأثر ذلك على مضاعفة المال وحفظه[24].
ذمَّ ابن كثير البخلَ وحذَّر منه، وبيَّن صفات البخيل[25].
وكما ذمَّ البخل، فقد حثَّ على الإنفاق ومدَح أهله[26].
إن إسرار الصدقة أفضلُ من إظهارها، إلا أن يترتب على ذلك مصلحة راجحة[27].

ثالثًا: الصوم: معناه وحكمه وفضله والحكمة من مشروعيته:
الصوم لغة: الإمساك، وفي الاصطلاح هو: "الإمساك عن الطعام والشراب والوقاع بنية خالصة لله"[28].

وقد أوجَبَ الله الصومَ على هذه الأمَّةِ، كما أوجَبَه على من كان قبلها، كما قال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183].

وقد كان المسلمون في ابتداء الإسلام يصومون في كل شهر ثلاثةَ أيام، ثم نُسِخ ذلك بصوم شهر رمضان[*]، وكان أيضًا صيام شهر رمضان على التخيير، ثم نُسِخ لقوله تعالى: ﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾ [البقرة: 185]، قال ابن كثير عند تفسير هذه الآية ﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾:"هذا إيجاب حتمٌ على من شهد استهلالَ الشهر - إن كان مقيمًا في البلد حين دخل شهر رمضان، وهو صحيحٌ في بدنه - أن يصوم لا محاله، ونسَختْ هذه الآيةُ الإباحةَ المتقدمة لمن كان صحيحًا مقيمًا أن يُفطِرَ ويَفديَ بإطعام مسكين عن كل يوم"[*].

وقد أشار ابن كثير رحمه الله إلى فضل الصوم والحكمة من مشروعيته، فقال عند تفسير الآية: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 183، 184]: "يقول تعالى مخاطبًا للمؤمنين من هذه الأمَّةِ وآمرًا لهم بالصيام... لما فيه من زكاة النفس وطهارتها، وتنقيتها من الأخلاق الرذيلة، والأخلاط الرديئة... ولأن الصوم فيه تزكية للبدن وتضييق لمسالك الشيطان؛ ولهذا ثبَتَ في الصحيحين: ((يا معشر الشباب، مَن استطاع منكم الباءة فليتزوَّجْ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وِجاء))"[29].

وقد نبَّه رحمه الله على بعض الأحكام والآثار المتعلقة بالصيام، نذكر منها:
أن شهر رمضان الذي أوجَبَ الله فيه الصيام، قد امتدحه الله من بين سائر الشهور، واختاره من بينها لإنزال الكتب، ومنها القرآن، كما اختَصَّه بليلة القدر، التي هي خير من ألف شهر[30].

ذكر ابن كثير بعض الأحكام المتعلِّقة بالصيام؛ مثل صيام المريض والمسافر، والشيخ الكبير والحامل والمرضع، وأحكام الصيام في السفر، وإباحة الأكل والشرب والجماع من غروب الشمس إلى طلوع الفجر، حيث كان في أول الإسلام إنما يحلُّ للصائم بعد الفطر الأكلُ والشرب والجماع إلى صلاة العشاء أو ينام قبل ذلك، فمتى نام أو صلى العشاء حرُم عليه الطعام والشراب والجماع إلى الليلة القابلة[31]، وإذا نسي فأكل أو شرب فليتمَّ صومَه؛ فإنما أطعَمَه الله وسقاه، وغير ذلك من المسائل والأحكام المتعلقة بالصوم[32]، والتي نلاحظ أن ابن كثير رحمه الله استخدم المنهج العاطفيَّ والعقلي والحسي في بيان أحكام الصيام وفضله، وحِكَمِه وأسراره، ودعوة المسلمين لها وترغيبهم فيها.

رابعا: الحج: معناه وحكمه وفضله ومنزلته:
الحج لغة: القصد، وهذا هو الأصل ثم تُعُورِفَ استعمالُه في القصد إلى مكة للنُّسُكِ[33].

وقد بيَّن ابن كثير رحمه الله فضل الحج وحكمه ومنزلته، والمبادرة إليه، والإشارة إلى حكمه ومنافعه وأسراره، مستخدمًا في ذلك الأسلوب العاطفيَّ والعقلي والحسي، فذكر رحمه الله أن الحج واجب على المكلَّف في العمر مرةً واحدة، وهو أحد أركان الإسلام، يقول عند تفسير الآية: ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ﴾ [آل عمران: 97]: "هذه آية وجوب الحج عند الجمهور، وقيل: بل هي قوله تعالى: ﴿ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ﴾ [البقرة: 196]، والأول أظهَرُ، وقد وردت الأحاديث المتعددة بأنه أحد أركان الإسلام ودعائمه وقواعده، وأجمع المسلمون على ذلك إجماعًا ضروريًّا، وإنما يجب على المكلَّف في العمر مرة واحدة بالنص والإجماع، قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن هارون[34]... عن أبي هريرة قال: خطَبَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((أيها الناس، قد فرض عليكم الحج فحُجُّوا))، فقال رجل: أكلَّ عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو قلتُ: نعم، لَوجَبتْ، ولَمَا استطعتم))، ثم قال: ((ذَرُوني ما تُرِكتُم، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه))[35].

وقد ذكر رحمه الله في تفسيره بعضَ الأحكام المتعلقة بالحج، منها:
المراد بالاستطاعة في قوله تعالى[36]: ﴿ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ﴾ [آل عمران: 97].

أن من أحرَمَ بالحج والعمرة فليس له أن يحلَّ حتى يتمهما [37].

أحكام الإحرام ووقته[38]، والوقوف بعرفة[39]، والإحصار[40]، وحكم الطواف والسعي بين الصفا والمروة[41]، وحكم من لم يجد الهَدْيَ[42]، ومن كان به أذى من رأسه[43]، وحكم التعجُّل[44]، وغيرها من الأحكام التي ذكرها ابن كثير رحمه الله في تفسيره.

آداب الحج والأخلاق التي ينبغي أن يتحلى بها الحاجُّ؛ كاجتناب الرفث والفسوق والجدال[45].

اشتمال الحج على كثير من المنافع الدينية والدنيوية[46]، كما قال سبحانه: ﴿ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ ﴾ [الحج: 28]، ففي الحج يحصل التعارف والتآلف بين المسلمين من مختلف الأجناس والبلدان.

وفي الحج يتم التقاء علماء المسلمين ودعاتهم بعضهم ببعض، ويكون ذلك فرصة لتشاورهم وتبادلهم الآراء والتجارب في أمور الدعوة ومصالح المسلمين، كما أن من منافع الحج أنه مدرسة تربويَّة أخلاقية يتعلم فيها الحاج ُّالصبرَ والصفح والعفو والتواضع والرحمة والشفقة والعطف وغيرها من الأخلاق الفاضلة التي يستفيدها الحجاج بشكل عام، والدعاة إلى الله بشكل خاص، فيتحقق المقصود من الحج، وهو التزود بخير زادٍ، وهو التقوى كما قال سبحانه: ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 197].

[1] انظر تفسير القرآن العظيم 4/ 280.

[2] انظر تفسير القرآن العظيم 1/ 59 عند تفسير الآية: 3 من سورة البقرة.

[3] المرجع نفسه 3/ 162 عند تفسير الآية: ﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ ﴾ [مريم: 59].

[4] المرجع نفسه 2/ 665.

[5] أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة رقم (82)، والترمذي كتاب الإيمان، باب ما جاء في ترك الصلاة رقم (618).

[6] المرجع نفسه 3/ 162 والحديث أخرجه الترمذي، كتاب الإيمان، باب ما جاء في ترك الصلاة رقم (2621) وابن ماجه كتاب إقامة الصلوات، باب ما جاء فيمن ترك الصلاة رقم (1079).

[7] المرجع نفسه 3/ 162.

[8] المرجع نفسه 1/ 668.

[9] انظر تفسير القرآن العظيم 1/ 108.

[10] انظر المرجع نفسه 1/ 58 عند تفسير الآية: ﴿ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ ﴾ [البقرة: 3]، 1/ 417 عند تفسير الآية: ﴿ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ ﴾} [التوبة: 5].

[11] انظر المرجع نفسه 3/ 511 عند تفسير الآية: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ﴾ [العنكبوت: 45].

[12] انظر المرجع نفسه 3/ 216 عند تفسير الآية: ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ ﴾ [طه: 132].

[13] المرجع نفسه 1/ 245 عند تفسير الآية: (البقرة 135).

[14] المرجع نفسه 3/ 300 عند تفسير الآية: (المؤمنون 2).

[15] انظر تفسير القرآن العظيم 1/ 693 عند تفسير الآية: (النساء 142).
المرجع نفسه 4/ 667 عند تفسير الآية: (الماعون 4-5).

[16] انظر المرجع نفسه 2/ 482 عند تفسير الآية: (التوبة 108).

[17] المعجم الوسيط ص 396.

[18] المرجع نفسه 4/ 109 عند تفسير الآية: (فصلت 7).

[19] انظر المرجع نفسه 4/ 109 عند تفسير الآية: (فصلت 7).

[20] انظر تفسير القرآن العظيم 2/ 476.

[21] المرجع نفسه 3/ 298، عند تفسير الآية: (الحج 78).

[22] انظر تفسير القرآن العظيم 3/ 376، عند تفسير الآية: (النور 56).

[23] المرجع نفسه 2/ 450-453، عند تفسير الآية: (التوبة 60).

[24] المرجع نفسه 1/ 286 عند تفسير الآية: (التوبة 104).

[25] المرجع نفسه 1/ 607 عند تفسير الآية: (النساء 37).

[26] المرجع نفسه 1/ 402 عند تفسير الآية: (البقرة 374).

[27] المرجع نفسه 1/ 398-399 عند تفسير الآية: (البقرة 171).

[28] المرجع نفسه 1/ 265 عند تفسير الآية: (البقرة 183).

[*] انظر تفسير القرآن العظيم 1/ 366.

[*] انظر تفسير القرآن العظيم 1/ 269.

[29] انظر تفسير القرآن العظيم 1/ 269 والحديث متفق عليه، وأخرجه البخاري، كتاب النكاح، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من استطاع منكم الباءة فليتزوج))، رقم (5065)، ومسلم كتاب النكاح، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه... رقم (3398).

[30] المرجع نفسه 1/ 265

[31] انظر المرجع نفسه 1/ 266 - 273 عند تفسير الآية: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ ﴾ [البقرة: 183].

[32] المرجع نفسه 1/ 274-277.

[33] لسان العرب لابن منظور 2/ 426.

[34] يزيد بن هارون بن راذان بن ثابت السلمي بالولاء، الواسطي أبو خالد، من حفاظ الحديث الثقات، كان واسع العلم بالدين، ذكيًّا كبير الشأن، أصله من بخارى، ومولده ووفاته بواسط، قدر من كان يحضر الجلسة بسبعين ألفًا، وكان يقول: أحفظ أربعة وعشرين ألف حديث بإسنادها ولا فخر، وكُفَّ بصره في كبره، قال المأمون: لولا مكان يزيد بن هارون لأظهرت أن القرآن مخلوق، فقيل: ومَن يزيدُ حتى يُتَّقَى؟ قال: أخاف إن أظهرته فيرد عليَّ فيختلف الناس وتكون فتنة. توفي سنة 206هـ. الأعلام 8/ 190.

[35] انظر تفسير القرآن العظيم 1/ 47، 472، والحديث متفق عليه، وأخرجه البخاري كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم رقم (7288) ومسلم، كتاب الحج، باب فرض الحج مرة في العمر رقم (1337) والترمذي، كتاب العلم، باب في الانتهاء عما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم رقم (2679).

[36] المرجع نفسه 1/ 473.

[37] المرجع نفسه 1/ 287 عند تفسير الآية: ﴿ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ﴾ [البقرة: 196].

[38] المرجع نفسه 1/ 287.

[39] المرجع نفسه 1/ 293.

[40] المرجع نفسه 1/ 300.

[41] المرجع نفسه 1/ 288.

[42] المرجع نفسه 1/ 248.

[43] انظر تفسير القرآن العظيم 1/ 291.

[44] المرجع نفسه 1/ 289

[45] المرجع نفسه 1/ 294.

[46] انظر المرجع نفسه 3/ 272 عند تفسير الآية: ﴿ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ ﴾ [الحج: 28].








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 71.96 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 70.08 كيلو بايت... تم توفير 1.88 كيلو بايت...بمعدل (2.61%)]