نقول القول اليوم؛ ونرجع عنه غدا - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         السلف الصالح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          الدقة والنظام وشدة الانضباط سمة الخلق الإلهي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          المصور جل جلاله وتقدست أسماؤه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          المهيمن جل جلاله، وتقدست أسماؤه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          نبوءة نار الحجاز دليل قاطع على نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          رد الغيبيات الدينية تأليها للعقول وغلوا فيها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          الحب في الله والبغض في الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          الحشاشون أكثر الفرق دموية في التاريخ الإسلامي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          وجود المحرم شرط لوجوب الحج على المرأة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 01-09-2020, 02:42 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,006
الدولة : Egypt
افتراضي نقول القول اليوم؛ ونرجع عنه غدا

نقول القول اليوم؛ ونرجع عنه غدا


الشيخ فؤاد بن يوسف أبو سعيد






الحمد لله الرحيم الرحمن، الذي علم الإنسان، فصيح القول والكلام والبيان.

والصلاة والسلام على نبينا محمد بن عبد الله، خير من نطق بالضاد، عَرَبَانيّ اللسان، المبعوث رحمة للثقلين الإنس والجان.

فالنطق والكلام نعمة عظيمة، ومنة جليلة، امتن الله بها علينا من بين خلقه، فإن استعملناها في الخير أثبنا عليها، وان استخدمناها في الشر عوقبنا وجوزينا عليها.

وهذه العبارة: ((نقول القول اليوم؛ ونرجع عنه غدا)).

سيحاسب عليها صاحبها أشد الحساب إن هو بيَّت النية على تغيير أقواله وأفعاله فيما يستقبل من الزمن، لأن الأمر لا بد وأن ينكشف ويتضح، فتفقد الثقة بالقائل، ولا يؤمن جانبه في كلامه وقوله؛ فلربما يرجع عنه غدا؟؟!! فهذا نوع من نفاق العمل.

أما إن قصد قائلها أن إذا اتضح له خطؤه، وبان له الصواب، واتضح له الدليل، أنه سيرجع إليه، ويعود عن قوله الأول؛ فهذا هو المطلوب، وهو ديدن السلف الصالح ومن تبعهم بإحسان، من العلماء الربانيين، غير المتعصبين ولا المتزمتين.

وهذه بعض الآثار الواردة عن السلف في ذلك:
في (حلية الأولياء) قال: (9/ 107):
حدثنا الحسن بن سعيد بن جعفر ثنا زكريا بن يحيى الساجي حدثني احمد بن محمد المكي قال: سمعت أبا الوليد بن أبي الجارود يقول: قال الشافعي: "إذا صح الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت قولا؛ فأنا راجع عن قولي وقائل بذلك".

حدثنا الحسن بن سعيد ثنا زكريا الساجي قال: سمعت الزعفراني يحدث عن الشافعي قال: "إذا وجدتم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - سنة فاتبعوها، ولا تلتفتوا إلى قول أحد".

حدثنا الحسن بن سعيد ثنا زكريا الساجي قال: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول: "إذا صح الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو أولى أن يؤخذ به من غيره".

وفي الحديث حجة بنفسه (1/ 79):
قال الشافعي رحمه الله تعالى : أجمع المسلمون على أن من استبان له سنة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يحل له أن يدعها لقول أحد.

وقال: كل مسألة صح فيها الخبر عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - عند أهل النقل بخلاف ما قلت فأنا راجع عنها في حياتي وبعد موتي.

وقال: كل ما قلت فكان عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خلاف قولي مما يصح فحديث النبي أولى فلا تقلدوني.

وفي السلسلة الصحيحة (2/ 19):
ورحم الله مالكا إذ قال: "ما منا من أحد إلا رد ورد عليه إلا صاحب هذا القبر". يعني النبي - صلى الله عليه وسلم -.

وفي الحديث حجة بنفسه (1/ 78):
فقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: "لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا ما لم يعلم من أين أخذناه".

وفي رواية: "حرام على من لم يعرف دليلي أن يفتي بكلامي، فإننا بشر نقول القول اليوم ونرجع عنه غدا".

وفي الحديث حجة بنفسه (1/ 79):
وقال مالك رحمه الله تعالى: (إنما أنا بشر أخطئ وأصيب فانظروا في رأيي، فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه).

وفي الحديث حجة بنفسه (1/ 80):
وقال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: (لا تقلدني، ولا تقلد مالكا، ولا الشافعي، ولا الأوزاعي، ولا الثوري، وخذ من حيث أخذوا).

واشتهر عنهم أنهم قالوا: "إذا صح الحديث فهو مذهبي". إلى غير ذلك من الأقوال المأثورة عنهم، وقد ذكرت نخبة طيبة منها في مقدمة كتابي: صفة صلاة - النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

وفيما ذكرناه كفاية.

أما الآثار الواردة في التحذير من تلك العبارة، فمنها ما يلي:
ورد في كتاب (الإبانة الكبرى) لابن بطة:
حدثنا ابن مخلد، وإسماعيل الصفار، قالا: عن عباس الدوري، قال: عن يعلى بن عبيد، قال: عن الأعمش، وحدثنا القافلائي، قال: عن عباس الدوري، قال: عن محاضر، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن أبي الشعثاء، قال: قيل لابن عمر: "إنا ندخل على أمرائنا فنقول القول، فإذا خرجنا قلنا غيره، فقال: كنا نعد هذا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النفاق"

وفي (سنن ابن ماجه):
4110- حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا خَالِى يَعْلَى عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِى الشَّعْثَاءِ قَالَ: قِيلَ لاِبْنِ عُمَرَ: "إِنَّا نَدْخُلُ عَلَى أُمَرَائِنَا، فَنَقُولُ الْقَوْلَ، فَإِذَا خَرَجْنَا قُلْنَا غَيْرَهُ. قَالَ: كُنَّا نَعُدُّ ذَلِكَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - النِّفَاقَ".
قال الشيخ الألباني: صحيح

وفي مسند أحمد (12/ 492):
5964- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِى الشَّعْثَاءِ قَالَ: قِيلَ لاِبْنِ عُمَرَ: "إِنَّا نَدْخُلُ عَلِى أُمَرَائِنَا، فَنَقُولُ الْقَوْلَ، فَإِذَا خَرَجْنَا قُلْنَا غَيْرَهُ. فَقَالَ: كُنَّا نَعُدُّ هَذَا عَلِى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - النِّفَاقَ".
تعليق شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين

وفي معجم ابن عساكر (2/ 35):
(1118)- أخبرنا محمد بن أسعد بن علي أبو نصر الفراوي بقراءتي عليه بنيسابور قال أبنا أبو القاسم عبد الرحمن بن أحمد بن محمد الواحدي قراءة عليه بنيسابور أبنا أبو محمد عبد الله بن يوسف بن أحمد بن بامويه قال ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا محمد بن إسحاق الصغاني أبنا يعلى بن عبيد ثنا الأعمش عن إبراهيم عن أبي الشعثاء قال: قيل لابن عمر: "إنا ندخل على أمرائنا فنقول القول، وإذا خرجنا قلنا غيره. قال: كنا نعد ذاك على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النفاق". أبو الشعثاء سليم بن أسود من ثقات الكوفيين.


متابعات لهذا الحديث:
ورد في (مسند الصحابة في الكتب التسعة):
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أُنَاسٌ لابْنِ عُمَرَ: "إِنَّا نَدْخُلُ عَلَى سُلْطَانِنَا، فَنَقُولُ لَهُمْ خِلافَ مَا نَتَكَلَّمُ إِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِمْ! قَالَ: كُنَّا نَعُدُّهَا نِفَاقًا".

260- حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ يَزِيدَ يَعْنِي ابْنَ الْهَادِ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ لَقِيَ نَاسًا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِ مَرْوَانَ فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ جَاءَ هَؤُلاءِ؟ قَالُوا: خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ الأَمِيرِ مَرْوَانَ! قَالَ: وَكُلُّ حَقٍّ رَأَيْتُمُوهُ تَكَلَّمْتُمْ بِهِ، وَأَعَنْتُمْ عَلَيْهِ؟ وَكُلُّ مُنْكَرٍ رَأَيْتُمُوهُ أَنْكَرْتُمُوهُ، وَرَدَدْتُمُوهُ عَلَيْهِ؟ قَالُوا: لا وَاللَّهِ! بَلْ يَقُولُ مَا يُنْكَرُ، فَنَقُولُ: قَدْ أَصَبْتَ أَصْلَحَكَ اللَّهُ! فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِ؛ قُلْنَا قَاتَلَهُ اللَّهُ مَا أَظْلَمَهُ وَأَفْجَرَهُ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: "كُنَّا بِعَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعُدُّ هَذَا نِفَاقًا لِمَنْ كَانَ هَكَذَا". (حم) (5373)، قال الشيخ شعيب الأرناؤوط: حديث صحيح, رجاله ثقات رجال الشيخين غير عمر بن عبد الله.

وفي جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر (2/ 463):
908- أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن، عن عبد الحميد بن أحمد الوراق عن الخضر بن داود قال: حدثني أحمد بن محمد بن هانئ أبو بكر الأثرم قال: سمعت أبا عبد الله يعني أحمد بن حنبل، وقد عاوده السائل في عشرة دنانير ومائة درهم، فقال أبو عبد الله: "برأي أستعفي منها، وأخبرك أن فيها اختلافا فإن من الناس من قال: يزكي كل نوع على حدة، ومنهم من يرى أن يجمع بينهما وتلحُّ عليَّ! تقول: فما تقول أنت فيها؟ ما تقول أنت فيها؟ وما عسى أن أقول فيها؟ وأنا أستعفي منها، كلٌّ قد اجتهد"، فقال له رجل: لا بد أن نعرف مذهبك في هذه المسألة، لحاجتنا إليها، فغضب وقال: "أي شيء بدّ إذا هاب الرجل شيئا يحمل على أن يقول فيه، ثم قال: وإن قلت؛ فإنما هو رأي، وإنما العلم ما جاء من فوق، ولعلنا أن نقول القول ثم نرى بعده غيره"، ثم ذكر أبو عبد الله حديث عمرو بن دينار، عن جابر بن زيد أنه قيل له: يكتبون رأيك.

قال: يكتبون ما عسى أن أرجع عنه غدا".

قال: أبو بكر الأثرم: "ولم يزل به السائل حتى جعل يجنح لقول من لا يرى الجمع بينهما، وكأني رأيت مذهبه أن يزكى كل نوع منهما على حدته".

وفي جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر (2/ 464):
909- وذكر إسماعيل القاضي قال: قال محمد بن مسلمة: "إنما على الحاكم الاجتهاد فيما يجوز فيه الرأي، وليس أحد في رأي على حقيقة أنه الحق، وإنما حقيقته الاجتهاد".

وفي جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر (2/ 469):
914- حدثنا عبد الوارث، عن قاسم، عن أحمد بن زهير، عن محمد بن الصباح الدولابي، عن إسماعيل بن زكريا، عن عاصم الأحول قال: كان ابن سيرين، إذا سئل عن شيء، قال: "ليس عندي فيه إلا رأي أتهمه" فيقال له: قل فيه على ذلك برأيك. فيقول: "لو أعلم أن رأيي يثبت لقلت فيه، ولكني أخاف أن أرى اليوم رأيا، وأرى غدا غيره؛ فأحتاج أن أتبع الناس في دورهم".

وفي جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر (2/ 470):
915- وذكر ابن وهب، عن ابن لهيعة، عن خالد بن أبي عمران، عن سالم بن عبد الله بن عمر، أن رجلا، سأل عن شيء، فقال له: "لم أسمع في هذا بشيء" فقال له الرجل: إني أرضى برأيك، فقال له سالم: "لعلي أن أخبرك برأيي ثم تذهب، فأرى بعدك رأيا غيره فلا أجدك".

وفي صفة الصلاة (1/ 47):
قال أبو حنيفة: (حرام على من لم يعرف دليلي أن يفتي بكلامي).

زاد في رواية: ( فإننا بشر، نقول القول اليوم؛ ونرجع عنه غدا).

وفي أخرى: (ويحك يا يعقوب! (هو أبو يوسف) لا تكتب كل ما تسمع مني، فإني قد أرى الرأي اليوم، وأتركه غدا، وأرى الرأي غدا، وأتركه بعد غد).

الشرح والإيضاح:
ورد في كتاب (بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية) (5/ 33) قال:
(الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ): النِّفَاقُ الْقَوْلِيُّ لا الاعْتِقَادِيُّ، وَهُوَ كُفْرٌ، وَهُوَ مُخَالَفَةُ الْقَوْلِ الْبَاطِنَ فِي الثَّنَاءِ، وَإِظْهَارُ الْحُبِّ، فَلِسَانُهُ يَمْدَحُ، وَقَلْبُهُ يَقْدَحُ، (طب) قِيلَ لابْنِ عُمَرَ: (إنَّا نَدْخُلُ عَلَى أُمَرَائِنَا فَنَقُولُ الْقَوْلَ)، الْمُوَافِقَ لأَغْرَاضِهِمْ، وَالْمُلائِمَ لِطِبَاعِهِمْ؛ مِنْ الْمَدْحِ وَالثَّنَاءِ، وَإِظْهَارِ الْحُبِّ، (فَإِذَا خَرَجْنَا قُلْنَا غَيْرَهُ)، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: (كُنَّا نَعُدُّ ذَلِكَ نِفَاقًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).

وَفِي لَفْظِ (نَعُدُّ)؛ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِنِفَاقٍ حَقِيقِيٍّ، بَلْ كَوْنُهُ نِفَاقًا؛ إنَّمَا هُوَ بِالْعَدِّ، لِشَبَهِهِ بِهِ.

وَفِي لَفْظِ (كَانَ)؛ إشَارَةٌ إلَى اسْتِمْرَارِهِ فِي ذَلِكَ الْعَهْدِ، لا يَخْفَى أَنَّ ظَاهِرَهُ إنَّمَا هُوَ بِمَجْمُوعِ الأَمْرَيْنِ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُجَرَّدَ الْمَدْحِ وَالثَّنَاءِ ذَمِيمَةٌ، بَلْ الدُّخُولَ أَيْضًا، إلاَّ أَنْ يُقَالَ: الْمَقْصُودُ مُجَرَّدُ قَدْرِ اسْتِشْهَادِ الْمَقَامِ.

نَعَمْ! الْكَلامُ فِي كَلامِ ابْنِ عُمَرَ، إلاَّ أَنْ يُقَالَ: إنَّ ذَلِكَ فِي قُوَّةِ نَفْيِ الْمُقَيَّدِ، وَهُوَ قَدْ يَرْجِعُ لِكُلٍّ مِنْ الْقَيْدِ وَالْمُقَيَّدِ، وَفِيهِ بُعْدٌ فَتَأَمَّلْ!

ثُمَّ نَقُولُ: إنَّ هَذَا عِنْدَ سَلامَتِهِ مِنْ الْمَوَانِعِ وَالْعَوَارِضِ الضَّرُورِيَّةِ؛ كَالإِكْرَاهِ، وَالْخَوْفِ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى غَيْرِهِ، أَوْ دَفْعِ مَظْلِمَتِهِ، الَّتِي لِذَلِكَ الْقَوْلِ الْمُلائِمِ لِطَبْعِهِ مَدْخَلٌ فِي نُفُوذِ رَجَائِهِ، .....

ثُمَّ وَجْهُ الاحْتِجَاجِ؛ أَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ، فَإِمَّا تَقْرِيرِيٌّ أَوْ تَصْرِيحِيٌّ، وَأَمَّا الْحَمْلُ عَلَى مَذْهَبِ الصَّحَابِيِّ فَبَعِيدٌ فِي مِثْلِهِ جِدًّا.

الشواهد:
ورد في الطبقات الكبرى لابن سعد (5/ 480):
قال: وقال عبد الرزاق عن معمر قال: سمعت عمرو بن دينار يقول: "يسألوننا عن رأينا فنخبرهم فيكتبونه كأنه نقر في حجر، ولعلنا أن نرجع عنه غدا".

قال وسأل رجل عمرو بن دينار عن شيء فلم يجبه، فقال له الرجل: إن في نفسي منها شيئا فأجبني. فقال عمرو: "والله لأن يكون في نفسك مثل أبي قبيس أحب من أن يكون في نفسي منها مثل الشعرة".


وفي التحذير من الرأي وأصحابه، ورد في كتاب (تأويل مختلف الحديث):
[قال أبو محمد: ثم نصير إلى أصحاب الرأي؛ فنجدهم أيضاً يختلفون ويقيسون، ثم يدعون القياس ويستحسنون، ويقولون بالشيء ويحكمون به ثم يرجعون.

حدثني سهل بن محمد قال: حدثنا الأصمعي عن حماد بن زيد قال: سمعت يحيى بن محنف قال: جاء رجل من أهل المشرق إلى "..صاحب الرأي" بكتاب منه بملكه عاماً أول، فعرضه عليه، مما كان يسأل عنه، فرجع عن ذلك كله، فوضع الرجل التراب على رأسه، ثم قال: يا معشر الناس أتيت هذا الرجل عاماً أولاً، فأفتاني بهذا الكتاب، فأهرقت به الدماء، وأنكحت به الفروج، ثم رجع عنه العام.

حدثني سهل بن محمد قال: أنا المختار ابن عمرو إن الرجل قال له: كيف هذا قال: كان رأياً رأيته، فرأيت العام غيره قال: فتأمنني أن لا ترى من قابل شيئاً آخر؟ قال: لا أدري كيف يكون ذلك؟ فقال له الرجل: لكني أدري أن عليك لعنة الله.

وكان الأوزاعي يقول: إنا لا ننقم على "..صاحب الرأي" أنه رأى، كلنا يرى، ولكننا ننقم عليه أنه يجيئه الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيخالفه إلى غيره.

حدثني سهل بن محمد قال: عن الأصمعي عن حماد بن زيد قال: شهدت "..صاحب الرأي" سئل عن محرم لم يجد إزاراً فلبس سراويل؟ فقال: عليه الفدية.

فقلت: سبحان الله حدثنا عمرو بن دينار عن جابر بن زيد عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول (في المحرم إذا لم يجد إزاراً لبس سراويل، وإذا لم يجد نعلين لبس خفين).

فقال: دعنا من هذا، حدثنا حماد عن إبراهيم أنه قال: عليه الكفارة.

وروى أبو عاصم عن أبي عوانة قال: كنت عند "..صاحب الرأي": فسئل عن رجل سرق ودياً - وهي صغار النخل - فقال: عليه القطع! فقلت له: حدثنا يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان عن رافع بن خديج قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا قطع في ثمر ولا كثر).

فقال: ما بلغني هذا.

قلت له: فالرجل الذي أفتيته رده.

قال: دعه فقد جرت به البغال الشهب.

قال أبو عاصم: أخاف أن تكون إنما جرت بلحمه ودمه.

وقال علي بن عاصم: حَدَّثتُ "..صاحب الرأي" بحديث عبد الله في الذي قال: من يذبح للقوم شاة أزوجه أول بنت تولد لي.

ففعل ذلك الرجل.

فقضى ابن مسعود أنها امرأته، وأن لها مهر نسائها.

فقال: "..صاحب الرأي": هذا قضاء الشيطان.

ولم أر أحداً ألهج بذكر أصحاب الرأي، وتنقصهم والبعث على قبيح أقاويلهم، والتنبيه عليها من إسحق بن إبراهيم الحنظلي المعروف بابن راهويه.

وكان يقول: نبذوا كتاب الله تعالى، وسنن رسوله - صلى الله عليه وسلم - ولزموا القياس.]

وفي تأويل مختلف الحديث (1/ 17):
[ومن علم - رحمك الله - أن كلامه من عمله قلّ إلا فيما ينفعه، ومن أيقن أنه مسؤول عما ألف وعما كتب؛ لم يعمل الشيء وضدَّه، ولم يستفرغ مجهوده في تثبيت الباطل عنده، وأنشدني الرياشي:
ولا تكتب بخطك غير شيء
يسرك في القيامة أن تراه.



وفي تأويل مختلف الحديث (1/ 18):
[وقال عبد الله بن مصعب:
ترى المرء يعجبه أن يقولا
وأسلمُ للمرء أن لا يقولا

فأمسك عليك فضول الكلام
فإن لكل كلام فضولا

ولا تصحبنْ أخاً بدعة
ولا تسمعن له الدهر قيلا

فإن مقالتهم كالظلا
ل يوشك أفياؤها أن تزولا

وقد أحكم الله آياته
وكان الرسول عليها دليلا

وأوضح للمسلمين السبيل
فلا تتبعن سواها سبيلا

أناس بهم ريبة في الصدور
ويخفون في الجوف منها غليلا

إذا أحدثوا بدعة في القرآن
تعادوا عليا فكانوا عدولا

فخلِّهم والتي يهضبون
وولهم منك صمتاً طويلا



قال أبو محمد: وقد كنت سمعت بقول عمر بن عبد العزيز رحمه الله: من جعل دينه غرضاً للخصومات أكثر التنقل.

وكنت أسمعهم يقولون: إن الحق يدرك بالمقايسات والنظر، ويلزم من لزمته الحجة أن ينقاد لها، ثم رأيتهم في طول تناظرهم، وإلزام بعضهم بعضاً الحجة في كل مجلس مرات، لا يزولون عنها ولا ينتقلون...] أهـ.

فاحذر أخي المسلم الرأي المردي، والهوى المعدي، واحذر القول المزري؛ الذي يعرضك لذل الاعتذار.


وتمسك بحبل الله المتين؛ الكتاب والسنة، وطريقة السلف الصالح من الصحابة والتابعين، وأتباعهم إلى يوم الدين.

هدانا الله وإياكم أجمعين إلى صراطه المستقيم، ومنهاجه القويم
اللهم آمين!!



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 74.77 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 73.06 كيلو بايت... تم توفير 1.71 كيلو بايت...بمعدل (2.28%)]