الحج.. رحلة إيمانية

[ابوالوليد المسلم]

الحج.. رحلة إيمانية



- ندرك الجانب الإيماني في الصلاة، وفي الصيام، ولكن في الحج يكون المرء مشغولاً بأداء المناسك، وفي معظمها يكون في زحام وشدة وتعب؛ فلا مجال للخشوع والإيمانيات، وإنما يريد أحدنا أن ينتهي من النسك بطريقة صحيحة حتى تسقط عنه هذه الفريضة العظيمة.
بهذه الكلمات علق صاحبي على وصفي الحج بأنه رحلة إيمانية، وهو من النوع الذي يقول ما يخطر على باله.. التفت إليه:
- ولذلك وجب على المؤمن أن يتذكر الجوانب الإيمانية في الحج قبل أن يغادر؛ فإن التفاوت في أجر العبادات يكون على ما في القلوب؛ فالجميع يؤدي الصلوات خلف إمام واحد والجميع يتم صلاته، ولكن شتان بين أجر هذا وذاك، وكذلك أجر الصيام، الجميع يمسك من الفجر إلى الليل، ولكن شتان بين أجر هذا وذاك، وكذلك الحج، الجميع يقف بعرفة ويبيت بمزدلفة ويطوف بالبيت ويرمي الجمرات ويقدم الهدي ويحلق، ولكن شتان بين أجر هذا وذاك؛ فإذا كان المرء سينشغل بأداء المناسك أيام الحج، فالأحرى به أن يحفظ إيمانيات الحج قبل أن يغادر.
أظهر صاحبي قناعته بما قلت.
- وماذا تعني بـ «إيمانيات الحج»؟
- دعني أذكر لك حديثا طويلا يذكر ما يتعلق بالحج من قضايا غيبية، ثم نتحدث عن التفاصيل؛ فعن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: كنت جالسا مع النبي[ في مسجد منى، فأتاه رجل من الأنصار ورجل من ثقيف فسلما ثم قالا: يا رسول الله جئنا نسألك، فقال[: «إن شئتما أخبرتكما بما جئتما تسألاني عنه فعلت، وإن شئتما أن أمسك وتسألاني فعلت» فقالا: أخبرنا يا رسول الله، فقال الثقفي للأنصاري: سل، فقال: أخبرني يا رسول الله، فقال[: «جئتني تسألني عن مخرجك من بيتك تؤم البيت الحرام وما لك فيه، وعن ركعتيك بعد الطواف وما لك فيهما، وعن طوافك بين الصفا والمروة وما لك فيه، وعن وقوفك عشية عرفة وما لك فيه، وعن رميك الجمار وما لك فيه، وعن نحرك وما لك فيه مع الإفاضة»، فقال: والذي بعثك بالحق لَعَنْ هذا جئت أسألك.
قال: «فإنك إذا خرجت من بيتك تؤم البيت الحرام لا تضع ناقتك خفا ولا ترفعه إلا كتب الله لك به حسنة ومحا عنك خطيئة، وأما ركعتاك بعد الطواف فكعتق رقبة من بني إسماعيل عليه السلام، وأما طوافك بالصفا والمروة فكعتق سبعين رقبة، وأما وقوفك عشية عرفة فإن الله ينزل إلى سماء الدنيا فيباهي بكم الملائكة يقول: عبادي جاؤوني شعثا من كل فج عميق، يرجون جنتي، فلو كانت ذنوبكم كعدد الرمل أو كقطر المطر أو كزبد البحر لغفرتها، أفيضوا عبادي مغفورا لكم ولمن شفعتم له، وأما رميك الجمار فلك بكل حصاة رميتها تكفير كبيرة من الموبقات، وأما نحرك فمذخور لك عند ربك، وأما حلاقك رأسك فلك بكل شعرة حلقتها حسنة ويمحى عنك بها خطيئة، وأما طوافك بالبيت بعد ذلك فإنك تطوف ولا ذنب لك» يأتي ملك حتى يضع يديه بين كفيك فيقول: اعمل فيما تستقبل فقد غفر لك ما مضى (السلسلة الصحيحة).
- هذا حديث جميل، يجب على كل حاج أن يعرفه، بل يحفظه حتى لا ينساه وهو يؤدي المناسك.
- نعم.. مع أحاديث أخرى تعين الحاج على أداء المناسك بطريقة إيمانية ينال معها الأجر العظيم، مثل قول النبي[: «الحجاج والعمار وفد الله دعاهم فأجابوه وسألوه فأعطاهم» (حسنه الألباني).
وكذلك الحديث القدسي: «إن الله يقول: إن عبداً أصححت له جسمه ووسعت عليه في المعيشة تمضي عليه خمسة أعوام لا يفد إلى.. محروم» (صححه الألباني).
- ولكن مضت أكثر من عشر سنين على آخر حجة لي.
- ألم تكن في العمرة في شعبان الماضي؟!
- نعم.
- إذًا لم تمض عليك خمس سنوات لم تفد إلى الله! فالمقصود الذهاب إلى الحج أو العمرة، بدليل حديث: «الحجاج والعمار وفد الله».
- ارتاح صاحبي لما سمع.


اعداد: د. أمير الحداد