أمي العزيزة.. رحمها الله - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         وما أدراك ما ناشئة الليل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          كف الأذى عن المسلمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          انشراح الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          فضل آية الكرسي وتفسيرها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          المسارعة في الخيرات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          أمة الأخلاق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          الصحبة وآدابها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          البلاغة والفصاحة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »          مختارات من كتاب " الكامل في التاريخ " لابن الأثير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          ماذا لو حضرت الأخلاق؟ وماذا لو غابت ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى الشعر والخواطر > من بوح قلمي
التسجيل التعليمـــات التقويم

من بوح قلمي ملتقى يختص بهمسات الاعضاء ليبوحوا عن ابداعاتهم وخواطرهم الشعرية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 23-05-2023, 10:34 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي أمي العزيزة.. رحمها الله

أمي العزيزة.. رحمها الله

د. سعد الله المحمدي

رحلت والدتي الكريمة، وريحانة قلبي، التي أرهقتها الأمراض والأسقام، وأتعبتها الأوجاع والآلام، رحلت بروحها الطاهرة إلى ربها وبارئها، ونادى منادي البين أن تلاقيا، وأنها لن تعود، ولن تراها، ولن تسمع صوتها الجميل "يا ولدي" بعد اليوم.
وما انسدت الدنيا عليَّ لضيقها *** ولكن طـــرفًا لا أراكِ به أعـــمى

إن من أصعب المواقف وأشدها على الإنسان أن يكتب عن وفاة أحد والديه؛ حيث إنه يرثيهما بقلبه قبل قلمه، ويكتب الحروف والكلمات بمداد الدموع والعبرات، وإن أناملي لتشعر بالخجل الشديد، وينفلت مني التعبير، وتتلاشى الحروف، وتتبعثر الكلمات، ويرتجف القلم في يدي أن يكتب عن مآثر ومحامد والدتي المباركة، التي ستبقى مسيرة عمرها وذكرياتها الجميلة قصة رائعة تلازمني مثل الظل مدى الحياة، ولن يوفيَ حقها ومقامها مقالٌ أو كتاب، أو حزن ودموع.
فأصبحت أستسقي الغمام لقبرها *** وقد كنت أستسقي الوغى والقنا الصُّمَّا

رحلت والدتي رحمها الله سريعًا، سريعًا جدًّا، لم تنتظر ولم تتريث، ولم تبالِ بعودة ولدها المغترب، فعظم المصاب، وأظلمت عليَّ الدنيا، وضاقت بما رحبت، ففراق الحبيب يشيب الوليد، ويذيب الحديد.


فقدت التاج، والكنز الحقيقي، والقلب الحنون، والحب الصادق، وبقيت بلا حصانة، بلا أمان، محرومًا من الدعاء الذي كان يلازمني في جوف الليل: يا إلهي، يا إلهي، يا إلهي.
وما كنت جربت النوى قبل هذه *** فلما دهتني كدت أقضي من الحزنِ

رحلت والدتي العظيمة، المربية الحانية، التي فطمتني على حب الله وحب رسوله صلى الله عليه وسلم، وعلمتني كيف أمسك المصحف والقلم، وأنظم الحقيبة والكتب، وأتوضأ وأصلي، وغرست فيَّ أنبل الأخلاق وأجمل المعاني، وسهرت الليالي والأيام على دراستي؛ وفاءً لوالدي رحمه الله، وحبًّا منها لأصغر أولادها.


والدتي، كانت مدرستي الأولى والأخيرة، وسعادتي وبهجتي وسروري في الحياة، باذلة للخير والإحسان، معروفة بالرحمة والشفقة على الفقراء والأطفال، ومثالًا للتوكل على الله، كانت تعرف أنها مصابة بالسرطان ولكنها صابرة محتسبة، لا يفارق التسبيح والتهليل والتكبير مُحيَّاها ليل نهار، ولا يفارقها المصحف حتى على الأسِرَّةِ البيضاء في المراكز الطبية.
الأم أستاذ الأساتذة الأولى *** شغلت مآثرهم مــدى الآفاقِ

إنها تعالجت في أرقى المستشفيات، وعلى يد أمهر الأطباء، وأخذت جرعات الكيماوي، وأجريت لها عملية جراحية لإزالة الورم، ولم أتخيل أنها ستودع بهذه السرعة أبناءها وأحفادها الصغار الذين لا زالت عيونهم مبللة بالدمع وراءها، ولكن قدر الله نافذ أولًا وأخيرًا، ونحن نحمد الله ونشكره، ونحتسب الأجر والمثوبة عنده، ونقول: لله ما أخذ وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمًّى.
وآبي على الأحزان إلا تجلدًا *** ويأبى عليَّ الحزن إلا تصرما


والدتي الكريمة رحمكِ الله، أعطيتِني أعذب الحب وأصفاه وأحلى الحنان وأدفأه، وأصبحت بعدكِ مكسور الجناح، محرومًا من ظلِّكِ الوارف، وكم كانت أول ليلة في فراقكِ طويلة وثقيلة، مؤلمة ومفجعة، قضيتها بعيدًا عن نبعكِ الصافي وقلبكِ الكبير، وخارج حصون دعواتكِ وابتهالاتكِ! لقد خيم الحزن على الجميع، حاولت أخذ غفوة مع كثرة الإرهاق والتعب، ولكن أنَّى للعين أن تغمض، وأنى للدمع أن يجف، وأنى للعبرة أن تفارق الأجفان؟
ألم الفراق نفى الرقـــاد ونفَّرا *** فلذاك جَفني لا يلائمه الكـرى

الفكر يحول ويجول مع ذكرياتكِ الطيبة العطرة، فحينًا كنتُ بجواركِ في بيت الله الحرام أحمل مصحفكِ وسجادتكِ، وأدفع الكرسي المتحرك إلى الأمام، وحينًا آخر أجلس إلى جانب سريركِ في المستشفى أُقبِّلُ جبينكِ ويديكِ وقدميكِ، أشاطركِ الآلام، وأطيب خاطركِ، وأدخل الفرح عليكِ، وأكون خادمًا مطيعًا لأوامركِ.


أماه، كنت أظن أنني وأشقائي الأكثر وجعًا وألمًا وحزنًا وكمدًا على فراقكِ، وأننا أبناؤكِ فقط، لكنني أبشركِ يا أماه أن لكِ أبناء في الشرق والغرب والشمال والجنوب بكَوا لفراقكِ، وتألموا لوفاتكِ، وواسوني بقلوبهم قبل دموعهم.


لن أنسى حزنهم وألمهم.
لن أنسى دعواتهم الصادقة، ومشاعرهم القلبية.


لن أنسى مبادرتهم من كل مكان للمشاركة في جنازتكِ وتوديعكِ، وحمل نعشكِ على أكتافهم الطاهرة وأياديهم المتوضئة.


كنتِ أمًّا للعشرات بل المئات والآلاف من الشباب الصادقين الصالحين، الذين يدعون لك بظهر الغيب، ويذكرونك في مناجاتهم وصلاتهم ودعائهم.


لن أنسى إخواني وأحبائي ودموع الحزن تنهمر على وجوههم المضيئة بالإيمان والتقوى، إنهم شاركوني الآلام وتقاسموا معي الأحزان.


لن أنسى جموع المشيعين والاتصالات والمكالمات، ورسائل التعزية والمواساة التي انهالت على أبنائكِ وأحفادكِ من كل مكان، ليقولوا بصوت واحد: رحم الله أمنا العزيزة أم سعد.


هذا الفراق وهكذا التوديع *** مما يقد به حشا وضلوع


أماه، أسأل الله تعالى أن يبرد قلبكِ الطاهر وروحكِ النقي ببرد الجنان؛ فمرض السرطان قد أكل جسمكِ، وشدة جرعات الكيماوي نالت من قوتكِ، وأنت صابرة محتسبة مؤمنة بقضاء الله وقدره، عيناكِ تفيضان بالأمل وتمتلأن نورًا وضياءً، وتتظاهرين بالصحة، وكلماتكِ الجميلة لا زالت ترن في أذني: لا تقلق يا ولدي؛ فأنا بخير وأتحسن، ولله الحمد.


عزائي أنكِ كنتِ صابرة راضية بقضاء الله وقدره، لم يفارق التسبيح شفتيكِ، ولم يزل لسانكِ رطبًا بالأذكار والاستغفار والحمد والثناء على الرحمن في كل وقت، وأنكِ قدمتِ على ربكِ الكريم الرحيم ليلة الجمعة 24 رجب 1441هـ، وقبل انتشار الكورونا الذي اجتاح العالم وفرقه، فرحمكِ الله رحمة واسعة، وأسكنكِ فسيح جناته.

فوا أسفا ألَّا أكب مقبِّلًا
لرأسكِ والصدر الذي مُلئا حزما
وألَّا ألاقيِ روحكِ الطيب الذي
كأن ذكي المسك كان له جسما



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 52.50 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 50.78 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (3.27%)]