الإفساد في الأرض حكمه وخطره وآثاره - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4412 - عددالزوار : 850097 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3942 - عددالزوار : 386272 )           »          الجوانب الأخلاقية في المعاملات التجارية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 63 )           »          حتّى يكون ابنك متميّزا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 60 )           »          كيف يستثمر الأبناء فراغ الصيف؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 57 )           »          غربة الدين في ممالك المادة والهوى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 69 )           »          أهمية الوقت والتخطيط في حياة الشاب المسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 64 )           »          الإسلام والغرب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 66 )           »          من أساليب تربية الأبناء: تعليمهم مراقبة الله تعالى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 55 )           »          همسة في أذن الآباء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 56 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى الشباب المسلم

ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11-08-2020, 12:58 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي الإفساد في الأرض حكمه وخطره وآثاره

الإفساد في الأرض حكمه وخطره وآثاره
عزام بن محمد الشويعر



مقدمة
الحمد لله رب العالمين، أحمده -جل وعلا- وأُثْنِي عليه، هو وحده المستحق للثناء، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا معبود بحق سواه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله، وأصحابه، ومن سار على هُدَاه، واقتفى أثره إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا، ثم أما بعد:
إن موضوع بحثنا موضوع مهم جدًّا، يجب على المسلم أن يهتم به، وأن يرعاه، وأن يَتَفَطَّنَ له، وأن يتنبه إلى ما حذره الله تعالى، فينتهي ويرتدع ويبتعد عن كل أمر وعمل يفسد عليه دينه.
الحكمة من خلق الإنسان:
إن الله -جل وعلا- لم يخلقك يا عبد الله لتلهو في هذه الحياة الدنيا، وتلعب، وتتكاثر في الأموال والأولاد، وإنما خلقك الله لأمر عظيم، فقد خلقك الله -جل وعلا- لعبادته فقال -جل وعلا-: (وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ) [سورة الذاريات : الآية 56].
يجب أن نسعى لتحقيق العبادة بفعل ما أمر الله-عز وجل-، والانتهاء عما نهى الله -عز وجل- عنه، وأن ننصرف عن كل ما نهانا الله -عز وجل- عنه، وزجرنا عنه نبينا -صلى الله عليه وسلم-، لا بد من السعي لتحقيق العبودية، إذا كنا نريد الجنة والدار الآخرة، فنحشر مع النبيين والصديقين والشهداء، وحسن أولئك رفيقا.
عبادة الله تكون على بصيرة، وعلى نور، وعلى برهان، فنعبد الله -جل وعلا- كما شرع، وأن نتبع شرعه ظاهرًا وباطنًا، سرًّا وعلانية، ونعلم أن الله مطلع على أحوالنا عالم بسرائر أفعالنا وأعمالنا قال تعالى: (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [سورة ق : الآية 18].
مراقبة الله تعالى:
إذا علمت أن الله -عز وجل- مطلع على جميع أعمالك وأنه: (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [سورة ق : الآية 18] (مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ) [سورة المجادلة : الآية 7]، فالله -جل وعلا- يعلم ما تَعمل، وما تحدث به نفسك، وما تتكلم به يعلمه الله -جل وعلا- ويُسَجَّلُ عليك في سجل ستجده أمامك، إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا) [سورة فصلت : الآية 46]، فالملائكة الكتبة يكتبون في سجل أعمالك ما عملت من عمل، هل أديت الصلاة في وقتها؟ هل أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر؟ هل حافظت على ذكر الله -عز وجل-؟ هل قمت بصلة الأرحام وبر الوالدين؟ هل أديت ما أوجب الله عليك من واجبات؟ هل حفظت السمع والبصر؟ وحفظت اللسان ألا يتكلم فيما حرم الله؟ (هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) [سورة الجاثية : الآية 29].
النهي عن الفساد في الأرض:
إذا تنبه المسلم لذلك وجب عليه أن يسعى للإصلاح في الأرض لا للإفساد فيها، هذا أمر الله -عز وجل- قال سبحانه: (وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا) [سورة الأعراف : الآية 56 ] في كتابه، وجاءت سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك.
إن الإفساد في الأرض أمر يجب التحذير منه والتنبه له، لأنه أمر مخالف لدعوة الأنبياء والرسل -عليهم السلام- الذين جاءوا بالإصلاح في الأرض، وإخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله -عز وجل-، جاءوا ليسعدوا الناس، ولينشروا الخير بينهم، والفلاح والصلاح، وإن الإفساد في الأرض له ضرر عظيم على البلاد والعباد، وحتى على الحيوانات، والبر والبحر، كل يتضرر من إفساد العباد في الأرض، لذا جاءت الآيات في كتاب الله -عز وجل- بالتحذير من الإفساد في الأرض.
تعريف الفساد:
ما المقصود بالفساد؟ معناه كما ذكر أهل اللغة: أن الفساد مصدر فَسَدَ يُفْسُدُ فَسادًا، وهو ضد الإصلاح.( 1) قال الليث: الفساد نقيض الإصلاح.
وقال الراغب: الفساد خروج الشيء عن الاعتدال.
(2) سواء أكان الخروج عليه قليلا أو كثيرًا، وكل اعتداء على الدين، أو العقل، أو المال، أو العرض، أو النفس فهو إفساد.
وأما الإفساد في الاصطلاح: فقد ذكر أهل العلم: أنه إخراج الشيء عن حالة محمودة لا لغرض صحيح. هذا هو تعريف الإفساد في اللغة وفي الاصطلاح.
ما الفرق بين الإفساد والظلم؟ الإفساد أشمل وأعم من الظلم، لأن الظلم هو النقص، فمن سرق من مال الناس فقد نقص حق غيره فقط، وأما من أفسد في أموال الناس فإنه يقع على هذا وعلى غيره.
النهي عن الفساد والإفساد في القرآن:
جاءت آيات كثيرة في كتاب الله -عز وجل- تنهى عن الإفساد في الأرض، قال تعالى: (وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا) [سورة الأعراف : الآية 56 ] قال الإمام ابن القيم -رحمه الله- في تفسير هذه الآية: “قال أكثر المفسرين: لا تفسدوا فيها بالمعاصي والدعاء إلى غير طاعة الله، بعد إصلاح الله إياها ببعث الرسل، وبيان الشريعة، والدعاء إلى طاعة الله، فإن عبادة غير الله، والدعوة إلى غيره، والشرك به هو أعظم فساد في الأرض، بل فساد الأرض في الحقيقة إنما هو بالشرك به، ومخالفة أمره، قال تعالى: (ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ) [سورة الروم: الآية 41]، وقال عطية في الآية: “ولا تعصوا في الأرض فيمسك الله المطر، ويهلك الحرث بمعاصيكم”، وقال غير واحد من السلف: “إذا قحط المطر فإن الدواب تلعن عصاة بني آدم وتقول: اللهم العنهم، فبسببهم أجدبت الأرض، وقحط المطر”.
وبالجملة فالشرك والدعوة إلى غير الله، وإقامة معبود غيره، ومطاع متبع غير رسول الله هو أعظم الفساد في الأرض، ولا صلاح لها ولا لأهلها إلا أن يكون الله وحده هو المعبود، والدعوة له لا لغيره، والطاعة والاتباع لرسوله ليس إلا، وغيره إنما تجب طاعته إذا أمر بطاعة الرسول، فإذا أمر بمعصيته وخلاف شريعته فلا سمع له ولا طاعة، فإن الله أصلح الأرض برسوله، ودينه، وبالأمر بتوحيده، ونهي عن إفسادها بالشرك به، وبمخالفة رسوله.
ومن تدبر أحوال العالم وجد كل صلاح في الأرض فسببه توحيد الله، وعبادته، وطاعة رسوله، وكل شر في العالم، وفتنة، وبلاء، وقحط، وتسليط عدو، وغير ذلك، فسببه مخالفة رسوله، والدعوة إلى غير الله ورسوله.
ومن تدبر هذا حق التدبر وتأمل أحوال العالم منذ قام إلى الآن، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهو خير الوارثين، وجد هذا الأمر كذلك في خاصة نفسه، وفي حق غيره عموما وخصوصا، ولا قوة إلا بالله العلي العظيم”. اهـ ( 3)
تنبه لهذا الكلام من الإمام ابن القيم -رحمه الله-، فإن سبب فساد الناس أنهم تركوا التوحيد، وتركوا العمل به، وتركوا الاهتمام به.
ومن الآيات التي جاءت في كتاب الله -عز وجل- تنهى عن الفساد والإفساد في الأرض قوله -جل وعلا-: (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الفَسَادَ) [سورة البقرة : الآية 205] يقول ابن جرير الطبري -رحمه الله-: اختلف أهل التأويل في معنى الإفساد الذي أضافه الله -جل وعلا- إلى هذا المنافق الذي ذكره الله في الآية، فقيل: هو قاطع الطريق. وقيل: الذي يسفك دم المسلمين، إلى آخره. ويدخل في الإفساد جميع المعاصي.
قال ابن جرير الطبري -رحمه الله-: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- وَصَفَ هَذَا الْمُنَافِقَ بِأَنَّهُ إِذَا تَوَلَّى مُدْبِرًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَمِلَ فِي أَرْضِ اللَّهِ بِالْفَسَادِ. وَقَدْ يَدْخُلُ فِي الْإِفْسَادِ جَمِيعُ الْمَعَاصِي، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَمَلَ بِالْمَعَاصِي إِفْسَادٌ فِي الْأَرْضِ، فَلَمْ يُخَصِّصِ اللَّهُ وَصْفَهُ بِبَعْضِ مَعَانِي الْإِفْسَادِ دُونَ بَعْضٍ. وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْإِفْسَادُ مِنْهُ كَانَ بِمَعْنَى قَطْعِ الطَّرِيقِ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ ذَلِكَ، وَأَيُّ ذَلِكَ كَانَ مِنْهُ فَقَدْ كَانَ إِفْسَادًا فِي الْأَرْضِ، لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْهُ لِلَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- مَعْصِيَةٌ. غَيْرَ أَنَّ الْأَشْبَهَ بِظَاهِرِ التَّنْزِيلِ أَنْ يَكُونَ كَانَ يَقْطَعُ الطَّرِيقَ، وَيُخِيفُ السَّبِيلَ، لِأَنَّ اللَّهَ -تَعَالَى ذِكْرُهُ- وَصَفَهُ فِي سِيَاقِ الْآيَةِ بِأَنَّهُ سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا، وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ، وَالنَّسْلَ، وَذَلِكَ بِفِعْلٍ مُخِيفِ السَّبِيلِ، أَشْبَهَ مِنْهُ بِفِعْلِ قُطَّاعِ الرَّحِمِ. ( 4)
يقول القرطبي -رحمه الله-: (وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الفَسَادَ) [سورة البقرة : الآية 205] قَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ: الْفَسَادُ هُوَ الْخَرَابُ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: قَطْعُ الدَّرَاهِمِ مِنَ الْفَسَادِ في الأرض.
وقال عطاء: إن رجلا كان يُقَالُ لَهُ عَطَاءُ بْنُ مُنَبِّهٍ أَحْرَمَ فِي جُبَّةٍ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَنْزِعَهَا. قَالَ قَتَادَةُ قُلْتُ لِعَطَاءٍ: إِنَّا كُنَّا نَسْمَعُ أَنْ يَشُقَّهَا، فَقَالَ عَطَاءٌ: إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ.
قُلْتُ: وَالْآيَةُ بِعُمُومِهَا تَعُمُّ كُلَّ فَسَادٍ كَانَ فِي أَرْضٍ أَوْ مَالٍ أَوْ دِينٍ، وَهُوَ الصَّحِيحُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قِيلَ: مَعْنَى لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ أَيْ لَا يُحِبُّهُ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ، أَوْ لَا يُحِبُّهُ دِينًا. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: لا يأمر به، والله أعلم. اهـ. (5 )
ومعنى قوله تعالى: (ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ) [سورة الروم : الآية 41] سمى الله -عز وجل- الجدب في البر والقحط في البحر فسادًا، بسبب ما كسبت أيدي الناس، ويعفو عن كثير -جل وعلا-.
جزاء المفسدين في الأرض:
بَيَّنَ الله -عز وجل- لنا في هذه الآيات أن من اعتدى على أموال الناس، وأعراضهم، ودينهم، أنه مفسد في الأرض، فما جزاء هذا الذي يفسد ويعتدي؟ بَيَّنَ الله -جل وعلا- الجزاء في كتابه فقال -جل وعلا-: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ) [سورة المائدة : الآية 33 ] هذا جزاء من أفسد في الأرض التي أمر الله -جل وعلا- بإعمارها بطاعته -جل وعلا-، والانشغال بذكره -جل وعلا-.
يقول الإمام الرازي في تفسيره : لَمَّا ذَكَرَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى تَغْلِيظَ الْإِثْمِ فِي قَتْلِ النَّفْسِ بِغَيْرِ قَتْلِ نَفْسٍ وَلَا فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ، أَتْبَعَهُ بِبَيَانِ أَنَّ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ الَّذِي يُوجِبُ الْقَتْلَ مَا هُوَ، فَإِنَّ بَعْضَ مَا يَكُونُ فَسَادًا فِي الْأَرْضِ لَا يُوجِبُ الْقَتْلَ فَقَالَ: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) [سورة المائدة : الآية 33 ]. ( 6)
وقد صرح جمع من أهل العلم أنه بمجرد قطع الطريق، أو إخافة السبيل فهنا ترتكب الكبيرة، فكيف إذا أخذ المال، أو جَرَح، أو قَتَل، أو فعل كبيرة، فكل هذا لا يجوز.
صور الإفساد في الأرض:
الصورة الأولى: ما ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم -رحمهما الله- وهي: الشرك بالله -عز وجل-
والشرك هو مساواة غير الله بالله، فعبادة غير الله -عز وجل-، والذبح لغير الله، والنذر لغير الله، والدعوة للقبور والمزارات أن تعبد من دون الله -عز وجل-، أن تُشَدَّ الرحال إليها، والتوكل عليها، والاستعانة بها، والحلف بها، كل هذا من الإفساد في الأرض.
الصورة الثانية: نشر البدعة:
النبي -صلى الله عليه وسلم- حَذَّرَ من الابتداع في الدين، فقال في حديث عائشة -رضي الله عنها- عنه -صلى الله عليه وسلم-: ((مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ)) ( 7).
يقول ابْنُ الْمَاجِشُونِ: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: “مَنِ ابْتَدَعَ فِي الْإِسْلَامِ بِدْعَةً يَرَاهَا حَسَنَةً، زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَانَ الرِّسَالَةَ، لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: (اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا) [سورة المائدة : الآية 3]، فَمَا لَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ دِينًا، فَلَا يَكُونُ الْيَوْمَ دِينًا. ( 8)
فمن يدعو الناس إلى البدع، وأن هناك بدعة حسنة، فإن هذا من تنقص دعوته -صلى الله عليه وسلم-، واتهام للنبي -صلى الله عليه وسلم- أنه لم يؤد الرسالة كاملة -صلى الله عليه وسلم-.
الصورة الثالثة: نشر المنكرات والدعوة إليها:
ونشر الفاحشة بين الناس، وتحبيبهم لها، وتذليل الصعوبات التي تواجهها، والله -عز وجل- نهى عن ذلك فقال: (فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ القُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الفَسَادِ فِي الأَرْضِ)[سورة هود : الآية 116]، فمدح الله -عز وجل- من يأمر الناس بالمعروف وينهى عن المنكر، وأنهم يسعون في الأرض بالإصلاح.
الصورة الرابعة: السحر:
السحر سمى الله -عز وجل- فاعله مفسدًا فقال تعالى: (فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ المُفْسِدِينَ) [سورة يونس : الآية 81]، وسمى الله عمل السحرة والسحر بأنه عمل المفسدين، فهم من المفسدين في الأرض.
إن السحر نهى الله – عز وجل- عنه، ونهى عنه النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال الله -جل وعلا-: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى المَلَكَيْنِ) [سورة البقرة : الآية 102]، ونهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن السحر، وبين أنه من السبع الموبقات فقال -صلى الله عليه وسلم-: ((اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: «الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلاَتِ)).( 9)
الصورة الخامسة: قتل النفس التي حرم الله:
إن من أعظم الحرمات الاعتداء على حرمة المؤمن، فإنه حرمته من أعظم الحرمات، وهي أعظم من حرمة البيت الحرام، يقول ابن عمر -رضي الله عنه وأرضاه- وهو ينظر إلى الكعبة: “مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ، وَالمُؤْمِنُ أَعْظَمُ حُرْمَةً عِنْدَ اللَّهِ مِنْكِ”(10 ).
إن قتل الأنفس المعصومة من كبائر الذنوب، ومن الإفساد في الأرض، ومن عِظَمِ منزلة المؤمن أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أولى الناس به في الدنيا والآخرة، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه وأرضاه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلَّا وَأَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ) [سورة الأحزاب : الآية 6] فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ تَرَكَ مَالًا فَلْيَرِثْهُ عَصَبَتُهُ مَنْ كَانُوا، فَإِنْ تَرَكَ دَيْنًا، أَوْ ضَيَاعًا فَلْيَأْتِنِي فَأَنَا مَوْلاَهُ))( 11).
إن الدنيا وما فيها منذ أن خلقها ربنا -عز وجل- إلى قيام الساعة، إن زوال هذه الدنيا وما فيها أهون عند الله -عز وجل- من قتل رجل مسلم، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ)) (12).
وبَيَّنَ النبي -صلى الله عليه وسلم- أن مجرد ترويع المسلم لا يحل فقال -صلى الله عليه وسلم- في الحديث: ((لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا))( 13).
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لَنْ يَزَالَ المُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ، مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا)) رواه البخاري ( 14).
ليس فقط الاعتداء على المسلم أو على النفس المعصومة، بل حمل السلاح عليها وترويعها وإخافة الآمنين، كل هذا من الإفساد في الأرض يقول -صلى الله عليه وسلم-: ((مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاَحَ فَلَيْسَ مِنَّا)) رواه البخاري ومسلم (15).
فهذه الأحاديث والأقوال تبين خطر الاعتداء على دماء المسلمين، بل إن أول ما يحكم بين الناس يوم القيامة في الدماء، كما ثبت ذلك عند البخاري ومسلم، من حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: ((أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الدِّمَاءِ))( 16).
فإن من صور الإفساد في الأرض ليس قتل نفس المؤمن المسلم، بل أيضا يشمل ذلك المعاهد، والمستأمن، فإن الله -عز وجل- قد حفظ له حقه، فقد أخرج البخاري عن عبد الله بن عمر –رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا)) (17).
الصورة السادسة: زعزعة الأمن:
إن الأمن في الأوطان مطلب كل يريده وكل يطلبه، فإنه أول مطلب طلبه إبراهيم -عليه السلام- من ربه فقال -جل وعلا- في كتابه: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا البَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ) [سورة إبراهيم : الآية 35]، ثم في الآية الثانية: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ)[سورة البقرة : الآية 126]، فأول طلب طلبه لتحقيق العبادة أن يكون هناك أمن، ثم كرر الطلب في الآية الثانية.
فقريش أنعم الله عليها بنعمة الأمن، فأطعمها من جوع وآمنهم من خوف، هذه الآيات تبين وجوب الاهتمام بهذا الأمر، وأن من يسعى لزعزعة الأمن والإفساد في هذه البلاد إنما يريد الإفساد في الأرض، وأن تعم الفوضى والشر بين عباد الله، فما حصل في بلادنا إنما هو إرادة للإفساد في الأرض، إنما حملهم على ذلك الحسد لهذه النعمة نعمة الأمن، ونعمة التوحيد، ونعمة الاستقرار الذي ننعم فيه في هذه البلاد.
فمن زعزعة الأمن حمل السلاح على الناس، ونشر الأقوال الفاسدة، ونشر الطعن في ولاة الأمر، أو العلماء، أو الطعن في أصل من أصول الدين.
وهذه القنوات الفضائية التي تبث ليلا ونهارا وتغزو الناس في دورهم وفي أماكن أعمالهم ليس خطرها فقط في الأخلاق وإنما خطرها الأكبر زعزعة الأمن، فيجب التنبه والحذر من هذا كله.
الصورة السابعة: عدم السمع والطاعة لولاة الأمر:
الذين أمرنا الله -عز وجل- بالسمع والطاعة لهم في المنشط والمكره، وأمر بذلك النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإن في السمع والطاعة تعاون الجميع واجتماع للكلمة، وهذا أصل من أصول الدين، بعض الناس يعتقد أن الحديث في موضوع السمع والطاعة لولي الأمر من المسائل السهلة، إن جميع أهل العلم جعلوه في باب العقائد، لأن هذا أصل من أصول الدين يجب أن يعرفه كل واحد، وأن يهتم به.
يقول الإمام البربهاري -رحمه الله-: “من ولي الخلافة بإجماع الناس ورضاهم، فهو أمير المؤمنين، لا يحل لأحد أن يبيت ليلة، ولا يرى أن ليس عليه إمام برًّا كان أو فاجرًا”.(18 )
وروى الإمام مسلم في صحيحه لما جَاءَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ مُطِيعٍ حِينَ كَانَ مِنْ أَمْرِ الْحَرَّةِ مَا كَانَ، زَمَنَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ: اطْرَحُوا لِأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وِسَادَةً، فَقَالَ: إِنِّي لَمْ آتِكَ لِأَجْلِسَ، أَتَيْتُكَ لِأُحَدِّثَكَ حَدِيثًا سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُهُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: ((مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ، لَقِيَ اللهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً)) (19) فهذه من المسائل التي يجب الاهتمام بها ويجب العناية بها.
الصورة الثامنة: ارتكاب المعاصي والآثام:
لقد أوجب الله علينا طاعته، وألزمنا بذلك، وبَيَّنَ لنا أن الاستقامة على طاعة الله سبب للتمكين في الأرض، وإذا حققنا التوحيد فإن التمكين والنصر من الله -عز وجل- آت لاشك، والدليل على ذلك قوله تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ) [سورة الأنعام : الآية 82] وقد حَثَّنَا النبي -صلى الله عليه وسلم- على كثرة العبادة، وعلى الابتعاد عن الفتن، فعن معقل بن يسار -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ)) (20) فإذا رأيت الناس يُكْثِرُون في أمور لا فائدة منها فاعتزلهم.
يقول النووي -رحمه الله-: “الْمُرَادُ بِالْهَرْجِ هُنَا: الْفِتْنَةُ، وَاخْتِلَاطُ أُمُورِ النَّاسِ، وَسَبَبُ كَثْرَةِ فَضْلِ الْعِبَادَةِ فِيهِ أَنَّ الناس يغفلون عنها، ويشتغلون عنها، ولا يتفرغ لها إلا أفراد “(21 )
فالانشغال بالعبادة وقت الفتن خير لك وأفضل.
الصورة التاسعة: السعي إلى الفرقة والسعي إلى تحزب الناس:
وقد نهى الله عن الفرقة والتحزب، وأمر الله بالاجتماع، ونهى عن الاختلاف: (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) [سورة الأنفال : الآية 46]، ويقول -جل وعلا-: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) [سورة آل عمران : الآية 103]، فالله -عز وجل- أمر بالاجتماع ونهى عن الاختلاف، فنشر الفرقة بين الناس بسبب الْحَسَبِ، أو النَّسَبِ، أو تُوالي وتعقد الولاء من أجل الرجال، فإن هذا سبب من أسباب الفرقة، ومن يسعى إلى نشر الفرقة بين المجتمع ويسعى إلى الإفساد فيهم فيجب نصحه، وإلا حذرنا منه لأنه يسعى للإفساد في الأرض.
فعلى المسلم أن يسعى لجمع الكلمة وإلى توحيدها، فإن الله -عز وجل- أمر به، وأمر به نبينا -صلى الله عليه وسلم-.
الصورة العاشرة: الاعتداء على رجال الأمن:
فهذه صورة يجب التنبيه عليها، لقد كان صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومن بعدهم يعملون في حراسة النبي -صلى الله عليه وسلم- ويقومون بهذا العمل، ولذلك أثنى الله -عز وجل- على من يقوم على حراسة الناس، والحفاظ على أموالهم، وأعراضهم فقال تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [سورة آل عمران : الآية 200] يقول ابن كثير -رحمه الله-: ” الْمُرَادُ بِالْمُرَابَطَةِ هَاهُنَا مُرَابَطَةُ الْغَزْوِ فِي نُحور الْعَدُوِّ، وَحِفْظُ ثُغور الْإِسْلَامِ وَصِيَانَتُهَا عَنْ دُخُولِ الْأَعْدَاءِ إِلَى حَوْزَة بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ”. ( 22)
يقول الشيخ عبد العزيز -رحمه الله- في بيان أن من يعمل ضد الفساد، ويسعى فيه مع رجال الأمن أن ذلك يعتبر من الجهاد في سبيل الله، لمن أصلح الله نيته، وهو من الرباط في سبيل الله، لأن الرباط هو لزوم الثغور ضد الأعداء، وإذا كان العدو قد يكون في الباطن احتاج المسلمون إلى أن يتكاتفوا مع رجال الأمن ضد العدو الذي يخشى أن يكون في الباطن، ويرجى لهم أن يكونوا من المرابطين، ولهم أجر المرابطة لحماية البلاد من مكائد الأعداء من الداخل.
من يعمل على حراسة البلاد وعلى حراسة أهله، كلهم من أهل الخير، فهم على خير عظيم، أعمالهم أعمال خير عظيمة، وإن ما يحدث من اعتداء على رجل من رجال الأمن إنما هو من الفساد في الأرض، وهو من الأعمال المنكرة، وجرم شنيع.
يجب أن نعرف الفرق بين القاتل والمقتول، أما رجل الأمن، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((كُلُّ مَيِّتٍ يُخْتَمُ عَلَى عَمَلِهِ إِلَّا الَّذِي مَاتَ مُرَابِطًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنَّهُ يُنْمَى لَهُ عَمَلُهُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَيَأْمَنُ مِنْ فِتْنَةِ القَبْرِ)) (23) وأما من اعتدى على مسلم، واعتدى على رجال الأمن فقد روى الترمذي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((مَنْ أَهَانَ سُلْطَانَ اللَّهِ فِي الأَرْضِ أَهَانَهُ اللَّهُ)) (24) قال أهل العلم: ومن إهانة السلطان إهانة الجند، وأي إهانة أعظم من القتل، فلينتظر من سعى وخطط ودبر الهوان في الدنيا وفي الآخرة كما أخبر الله -عز وجل-: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [سورة النساء : الآية 93]
الصورة الحادية عشرة: الدعوة إلى إفساد المرأة:
ودعوة المرأة أن تعصي ربها -عز وجل-، وأن تفعل كما فعل نساء الكفر، فهذا أيضا من الإفساد في الأرض، وليحذر الإنسان من ذلك أشد الحذر، وليسع في كل أمر فيه خير وصلاح.
إن الفساد في الأرض ليس خاصاً بالرجال، فالمرأة عليها أن تسعى للإصلاح في الأرض لا أن تسعى للإفساد في الأرض، وذلك بتربية أبنائها على طاعة الله -عز وجل-، واتباع سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، والمحافظة على بيتها، وعلى زوجها، وأن تؤدي ما أوجب الله عليها من أقوال وأفعال.
يجب أن يكون المسلم صالحاً ومصلحاً في مجتمعه، ونفسه، وبيته، وبين أسرته، يسعى بكل ما يستطيع إلى إغلاق أبواب الشر والإفساد، ويسعى إلى كل خير.
التواصي بالحق:
يجب أن علينا التواصي بالحق والتواصي بالصبر، فهكذا كان صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتواصون بينهم بالخير لا بالشر والفساد في الأرض: (وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) [سورة وَالعصر : الآيات 1- 3] فنتواصى دائما، ويذكر بعضنا بعضا بذلك، ويعين بعضنا بعضا على فعل الخيرات، أما ما فيه فساد في الأرض كقتل الأنفس، وغَيْبَة الناس، والاعتداء على أموالهم، أو على أعراضهم فإننا نبتعد عنها، ونحذر منها، وهكذا يجب على المسلم أن يفعل.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1) اللسان: فسد.
( 2) تفسير الراغب (1/100).
( 3) بدائع الفوائد (3/14،15).
( 4) جامع البيان (3/582).
( 5) الجامع لأحكام القرآن (3/18).
( 6) مفاتيح الغيب (11/345).
( 7) أخرجه البخاري (3/184، رقم 2697)، ومسلم (3/1343، رقم 1718).
( 8) الاعتصام (1/64-65).
( 9) أخرجه البخاري (3/1017، رقم 2615)، ومسلم (1/92، رقم 89).
( 10) أخرجه الترمذي (4/378، رقم 2032).
( 11) أخرجه البخاري (6/116، رقم 4781).
( 12) أخرجه الترمذي (4/16، رقم 1395).
( 13) أخرجه أحمد (5/362، رقم 23114)، وأبو داود (4/301، رقم 5004)، والبيهقي (10/249، رقم 20966).
( 14) أخرجه البخاري (9/2، رقم 6862).
( 15) أخرجه البخاري (6/2520، رقم 6480)، ومسلم (1/98، رقم 98).
( 16) أخرجه البخاري (6/2517، رقم 6471)، ومسلم (3/1304، رقم 1678).
( 17) أخرجه البخاري (3/1155، رقم 2995).
( 18) شرح السنة (1/56).
( 19) أخرجه مسلم (3/1478، رقم 1851).
( 20) أخرجه مسلم (4/2268، رقم 2948).
( 21) شرح مسلم (18/88).
( 22) تفسير ابن كثير (2/197).
( 23) أخرجه أحمد (39/374، رقم 23951)، أبو داود (3/9، رقم 2500)، والترمذي (4/165، رقم 1621).
( 24) أخرجه الترمذي (4/502، رقم 2224).
( 25) أخرجه ابن ماجه (2/848، رقم 2538).


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 83.10 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 81.17 كيلو بايت... تم توفير 1.93 كيلو بايت...بمعدل (2.32%)]