فوائد من سورة الأنفال - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         أطفالنا والمواقف الدموية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          عشر همسات مع بداية العام الهجري الجديد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          وصية عمر بن الخطاب لجنوده (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          المستقبل للإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          انفروا خفافاً وثقالاً (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          أثر الهجرة في التشريع الإسلامي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          مضار التدخين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          متعة الإجازة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          التقوى وأركانها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          الأمُّ الرحيمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 23-11-2020, 10:24 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,858
الدولة : Egypt
افتراضي فوائد من سورة الأنفال

فوائد من سورة الأنفال


د. أمين الدميري




المنهج الدعوي المستفاد من توزيع الغنائم وسوء عاقبة الكفار والمنافقين في سورة الأنفال:
شمل الحديث سابقًا عن:
1- حُكم توزيع الغنائم وأنصبتها، وهو أول حكم من نوعه، فقد أحلَّها الله تعالى لمقاتلي هذه الأمة، ولم تُحَلَّ لمقاتلي الأمم السابقة، كما أنه أول حكمٍ مالي وبيان مصارفه الشرعية.


2- أدب الحرب والسلام، وفيه بيان ما يتحلى به المسلمون عند لقاء الأعداء في ساحة القتال، وبعد القتال عند تحقيق النصر للمحافظة على هذا النصر، ومن ذلك ما يلي:
‌أ- الثبات وعدم تولية الأدبار، فالفرار من الزحف عارٌ وكبيرة من الكبائر؛ ولأن المسلم يُقبِل على عدوه بشجاعة وبسالة لنَيْل النصر أو الشهادة، (ومن قوانين الحرب الحديثة أن الجندي الذي يترك سلاحه أو يفرُّ مِن ميدان القتال، فإنه يضرب بالرصاص؛ خشيةَ أن يقلِّده باقي الجنود فيحدث الانهيار والهزيمة)؛ وقد سبق بيانه.


ب- الذِّكر الكثير لاستجلاب النصر واستنزال المَدَد، والاتصال المستمر بمَن بيده مقاليد الأمور وعواقبها، ومالك الأسباب والقوة القادرة القاهرة.


‌ج- طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وترك التنازع، فإنه إن أطاع الناسُ ربَّهم وأخلَصوا له، ورجعوا إلى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم في كل الأمور والأحوال - فلن يحدث نزاعٌ أو خلاف، وكذا إن حدث سؤال أو نزاع فإن الرجوعَ إلى حكم الله وحكم الرسول صلى الله عليه وسلم يُزيل الخلاف، إن التنازع يؤدي إلى الفشل وضياع الدِّين والدولة، وتبديد القوى والجهود، فيما يعود بالضعف والفُرقة بين المسلمين، وهو من أسباب الهزيمة وتمكين العدو؛ ولهذا وجب الصبر؛ الصبرُ على طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، والصبرُ عن المعصية، والصبر عند اللقاء، والصبر على الذِّكر الكثير، والصبرُ على كل حال.


‌د- عدم التشبُّه بالكافرين في أقوالهم وأفعالهم، فهم قد خرجوا بَطَرًا ورِئاء الناس ليصدوا عن سبيل الله، فيا أيها المؤمنون، لا تغتروا ولا تتفاخروا بالنصر، لا يقل أحدكم: أنا قَتلت، أو أنا فعلت كذا وكذا، أو أنا أَسَرت، فهذا الفخر والعُجب لا يليق بكم؛ لأنكم لم تقتُلوهم، ولكنَّ الله قتَلَهم، وما رميتم ولكن الله رمى، ولكنه ابتلاء لكم، ابتلاكم الله بالمشركين، وابتلاهم بكم؛ لتُحقَّق إرادة الله ومشيئته وقدره أن ينصركم ويذل أعداءكم؛ لأنها سُنته التي لا تتغير، ولا تكونوا كالمشركين الذين قادهم الشيطان إلى الخسارة والهزيمة بتزيينه، فاحذروا وساوس الشيطان ولا تتبعوا خطواته، فإنه الندم وقت لا ينفع الندم، وانتبهوا واحذروا المنافقين، ذلك العدو المتربص بكم الدوائر (وسيأتي الحديث عن المنافقين).


3- سنن الاجتماع، وهي قوانين صارمة لا تعرف المجاملة، جعلها الله عز وجل لصلاح أمر البلاد والعباد، ولبقاء الحياة على الأرض، حتى يأذن الله بانقضاء أمر الدنيا وتقوم الساعة؛ وهذه السنن هي:
‌أ- التنازع سبب الفشل وضياع الدولة؛ ولهذا وجب التعاون والتوحد والنظام، يقول الدكتور مصطفى زيد:
(إذا تنازعَتِ الأمة بسبب السيادة والمُلك، أو الدِّين والشريعة، أو انغمسَتْ في الشهوات والملاذِّ، فلم تأمر بمعروف وتنهَ عن منكر، حقَّ عليها كلِّها - لا على مرتكبي المنكر وحدَهم - عقابُ الله في الدنيا، فاختلَّ أمرها اختلالًا قد ينتهي بها إلى فَقْد الاستقلال، أو إلى الزوال)[1]، ومِن هنا كانت أهمية وحدةِ الفكر لجمع الكلمة ووحدة الصف.


‌ب- سُنة الأخذ، وقد كانت سُنة الاستئصال قديمًا (قبل نزول التوراة)، ثم سُنة القتال والمدافعة (بعد نزول التوراة)، وهي السُّنة الماضية إلى يوم القيامة، ومِن هنا كان فرض القتال لتقرير الألوهية (ليكون الدين كلُّه لله).


‌ج- سُنة الرقي والانحطاط، وأن التغيير منوط بالنفس (الداخل)، ومرتبط بالأخلاق (الخارج)، فالتحوُّل من الانحطاط إلى الرقي يبدأ من داخلِ النفس بإصلاحها وتقويهما، حتى إذا عمَّتِ الأخلاق الحسنة، وحلَّت محل الأخلاق السيئة، تحوَّل الانحطاط إلى رقي حسب درجة التغيير في النفس.


‌د- سُنة الإهلاك، وتلك سُنة ماضية تخص الكافرين بالنِّعم، الجاحدين لفضائل الربوبية وعطاءاتها؛ ذلك لأن نعم الله تستوجب الشكر، وشكرها إنما يكون بتصريفها في منافع الخلق ومصالحهم، فإذا صرفت في الترفِ أو في الصد عن سبيل الله، زالت تلك النعم وتحوَّلت إلى نقم، وذاق الناس لباس الجوع والخوف بدل العيش الرغيد والأمن.


وإن قريشًا قد جمَعَت بين الكفر بالألوهية، وسُوء الخلق، والكفر بأَنْعُم الله تعالى، فعَمِلت فيها سُنن الله تعالى، لقد دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى توحيد الله عز وجل ونَبْذ عبادة الأصنام والتزلف إليها، كما دعاهم إلى مكارم الأخلاق، وحذَّرهم من الكفر بأنعم الله ومعاداة نبيه صلى الله عليه وسلم ودعوته، ولكنهم استمروا في العناد، وخرجوا لقتال المسلمين، فدعاهم إلى الكفِّ عنه، وتمنى ألا يكون قتالٌ، ولكنهم هم الذين رسَمُوا طريق هلاكهم، وتحقَّق وعدُ الله، وأخذهم الله كما أخذ من كان قبلهم من المكذِّبين.


ومِن هنا تتَّضِح معالم منهج الدعوة إلى الله تعالى في هذه السورة الكريمة، وقد تجلَّى هنا في قوله تعالى: ﴿ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ * وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ﴾ [الأنفال: 38 - 40].


ولعلَّ في هذا البيان الكريم بيانَ أن الدعوة قد وجِّهت إلى الكفار أن يؤمنوا وينتهوا عن الكفر وعن العداء للدعوة ومحاربتها وفتنة أهلها، وترغيبهم إن هم فعلوا ذلك، فإن الله سيغفر لهم ما قد مضى من كفر وعناد واعتداء وفتنة، وفي ذات الوقت كان الترهيب من إمضاء سُنة الأولين فيهم، وأخذهم وهلاكهم، وتبديل أمنهم خوفًا، ونِعَمِ الله عليهم نقمًا وبوارًا، فقد شرِبوا كؤوس المنايا بدل كؤوس الخمر؛ ليعلم القاصي والداني أن المشركين هم الذين اختاروا لأنفسهم طريق الحسرة، وأن المسلمين هم الذين اضطُروا إلى المجالدة والمنازلة، ليتقرَّر أن الدعوة باللسان والجدال بالحجة هو الأصل في دين الله، وأن القتال ضرورةٌ واستثناء، وأن الكفار دائمًا وبأفعالهم القبيحة هم الذين يُقدِّمون مبررات القتال، ويُحتِّمونه على المسلمين كرهًا، وبلا استشراف أو تشوف لقتل أو إراقة دماء، وهذه حقيقةٌ أودُّ التأكيد عليها بما يلي من أدلة وبراهين:
1- قوله تعالى: ﴿ كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ ﴾ [الأنفال: 5]، هو إيضاح وتأكيد أن الخروج صاحبَتْه الكراهةُ (وليس التعطش والتشوف)، وهذه الحقيقة مؤكَّدة في كتاب الله تعالى: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216]، كما أن الخروج في أوَّل الأمر لم يكن للقتال، وقد نَجَتِ العِير، إلا أن أبا جهل أصرَّ على الخروج - بجيشٍ قوامُه ألف مقاتل - لملاقاة المسلمين والقضاء عليهم وتعقُّبهم، فماذا يفعل المسلمون؟ لقد صار القتال واجبًا محتمًا، وضرورة لا مفر منها، وأمرًا مفروضًا، وقدرًا مقدورًا.


2- ذكر البخاري رحمه الله تعالى في باب: (لا تَمَنَّوا لقاء العدو) قولَ النبي صلى الله عليه وسلم: ((أيها الناس، لا تَمَنَّوا لقاء العدو، وسَلُوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف))[2]، وهذا هو الأصل في الإسلام، فالأصل تجنُّبُ القتال ما استطاع المسلمون إلى ذلك سبيلًا، أما إذا تحتَّم القتال، فعليهم الثبات والاستبسال حتى النصر أو الشهادة.


3- إن هدف القتال في الإسلام ليس البَطَر والاستعلاء، أو الاستيلاء على الأرض لنهب ثروات العباد أو إذلالهم، ولكن القتال له غاية أشرف وأسمى وأنبل، ألا وهي (أن يكون الدين كله لله)؛ أي: لكي يكون المعبود الأوحد هو الله تعالى، ولكيلا تبقى على وجه الأرض قوةٌ تَحُول بين الناس وبين عبادة الله وحده.


4- إن الإسلام وضع مبادئَ للسلم والحرب، وألزم أتباعه بآداب وأخلاق هي عناصر التربية الإيمانية بجانبَيْها النظري والعملي، فكما أمَرهم بالتوكل والذكر، والإيمان والطاعة لله وللرسول صلى الله عليه وسلم، والصبر، فقد أمرهم أيضًا بالثبات وعدم التولي، وعدم التشبُّه بالمشركين، وعدم الخيانة وعدم التنازع، وقد علَّم الإسلام أتباعه شُكْر النعم، والالتزام بالأخلاق العالية في السلم وفي الحرب، مع الصديق ومع العدو، وأينما كانت مصلحة البشر والدعوة، فعلى المسلمين أن يولُّوا وجوههم شطرها.

أصناف المدعوِّين:
تبيَّن من خلال الدراسة في هذا الفصل ظهور المنافقين والذين في قلوبهم مرض، وهم الأعداء الجدد للدعوة، بالإضافة إلى المشركين.
أما المشركون، فقد تحددت أساليب دعوتهم، ووسائل مواجهتهم، ويبقى الكلام عن المنافقين والذين في قلوبهم مرض.
إن سر التعامل مع المنافقين ومواجهتهم يكمن في فهم طبيعتهم المزدوجة، ونفوسهم المتردِّدة، وحالِهم المذبذب، وقلوبهم المريضة الملوثةِ بجراثيم الكذب والخداع، والتلون والجُبن.
لقد جاء وصف المنافقين في القرآن الكريم وصفًا دقيقًا كما في قوله تعالى: ﴿ مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا ﴾ [النساء: 143]، وأن أخلاق هؤلاء المنافقين تتَّفق مع تكوينهم ومَعدِنهم[3].


ومن هذا المنطق يكون التعامل مع المنافقين، فهم يُظهِرون الإيمان ويُبطِنون الكفر، والباطن لا يعلمه إلا اللهُ عز وجل؛ لذا وجب التعامل معهم بما يُظهِرون، والله تعالى يتولى سرائرهم، لكن مع الحذر الشديد، والترقُّب لمكرهم وكيدهم، وإرجافهم وخداعهم، فهم يبذلون جهودهم لجذبِ ضِعاف النفوس وقليلي الإيمان، ومَن عندهم ميلٌ إلى الكفر أكثر منه إلى الإيمان؛ ولهذا وجَب على الدعاة أن يهتمُّوا بهذا الصنف كيلا يقع تحت تأثير المنافقين الضالِعين في النفاق، وذلك بالتودُّد إليهم والأخذ بأيديهم؛ حتى ينحازوا إلى معسكر الإيمان وتطمئنَّ قلوبهم به، ومن أحكام التعامل مع المنافقين أيضًا الإمساك عن قتلهم، طالما أنهم لم يُشكِّلوا خطرًا على الدعوة؛ وذلك مراعاةً للمصلحة العامَّة للمسلمين ومصلحة الدعوة؛ (كما أمسك النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن قتل المنافقين مع علمه بهم؛ كيلا يقال: إن محمدًا يقتل أصحابه؛ ولأن الحاكم لا يحكُم بعلمه)، ومِن هنا تأتي أهمية الضبط الشرعي في التعامل مع المنافقين.

الأساليب:
ومن الأساليب الدعوية: الأسلوب العقلي (أو الفكري)، فلقد كان التحذير من التشبُّه بالمشركين الذين وُصِفوا بالصُّمِّ البُكْمِ الذين لا يعقلون، وفي ذلك توجيهٌ إلى دور العقل وأهميته في التفكير والتأمل، والنظر في أحوال السابقين من الكافرين قبل قريش كآل فرعون، فما أشبهَ أبا جهل بفرعونِ موسى في عناده واستعلائه، وكفره وعداوته للمؤمنين، وكان مصير هذا وجنودِه كمصير ذاك وجنوده، فكان إعمال العقل أسلوبًا للهداية والاعتبار.
بَيْدَ أن الأسلوب العقلي وحدَه ليس كافيًا، فإنه لا بدَّ أن يثمر خطوة إلى الأمام، لكن اكتمالها يكون باستعمال الأسلوب الفطري لتحريك الإيمان نحو الهداية وتحقيق الهدف المطلوب، وهذه هي الحكمة في الدعوة.

أصول الدعوة:
الأصول العامة للدعوة:
1- العقيدة.
2- الشريعة.
3- الأخلاق[4].
إن الدعوة الإسلامية منذ بدايتها - وإلى أن يَرِثَ الله الأرض ومَن عليها - تضع العقيدةَ في مقدِّمة أولوياتها؛ فهي كالأساس للبنيان، وإنما أمر بالصبر وبالهجرة والجهاد من أجل العقيدة، وهو الأصل الأول، وحينما فرَضَ الله تعالى القتال بالمال والنفس، إنما فرض من أجل حماية العقيدة وإقرارها، وإزالة المعوقات من طريقها.
كذلك فإن الدعوة الإسلامية لا تخضع لأهواء البشر ولا لنزواتهم الشخصية؛ إنما تخضع لشرع الله تعالى، وإنما كانت الدعوة والجهاد من أجلِ أن يسُود شرع الله ليحكم الناس بالعدل والرحمة، فشرعُ الله تعالى هو العدل والرحمة بين البشر.

الأصل الثاني: وهو الشريعة الخاتمة، التي ختم الله بها الشرائع وأكمل بها الدين، قال تعالى: ﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [الأنعام: 115]، وقال تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3]، وقد اتَّسَمت هذه الشريعة بالخصائص الآتية:
1- الربانية: (ربَّانية الغاية، وربانية المصدر والمنهج) [5]، فهي ليست كشرائع البشر.
2- الإنسانية: أي إنها تتَّفِق مع فطرة الإنسان، وتُلبِّي حاجاته، وتُحقِّق مصالحه.
3- الشمول: أي إنها صالحة لكل زمان ومكان، وتتناول جميع نواحي الحياة الإنسانية.
4- الوسطية: فلا إفراط ولا تفريط، وتتسم بالأفضلية والخيرية.
5- الواقعية: ومن دلائل ذلك التيسير، ورفع الحرج، ومراعاة سنة التدرج.
6- الوضوح: فالأحكام واضحة، والجرائم محدَّدة، والحلال بيِّنٌ والحرام بيِّن.
7- الجمع بين الثبات والمرونة: فالثوابت لا خلاف عليها، والمرونة في التطبيق [6].

الأصل الثالث: الأخلاق:
فالأخلاق الإسلامية أصلٌ من أصول الدعوة، وهي جزءٌ لا يتجزأ من هذا الدين، وعنصر أساس في التربية الإيمانية، ولا يوجد في الإسلام معايير مزدوجة، فإن الالتزام بأخلاق الإسلام يكونُ مع العدو ومع الصديق، كما يكون في حال الحرب وحال السلم (وسوف يتبين المزيد عند الحديث عن العهود ومعاملة الأسرى، وإذا كانت الأخلاقُ أصلًا من أصول الدعوة، فإنها أحد وسائل تبليغ الدعوة، ومن أهم الوسائل العملية الأكثر تأثيرًا، فقد كانت أخلاق الفاتحين المسلمين مع أهل البلاد سببًا في استجابتهم وقَبولهم للدعوة؛ حيث لا إكراه ولا انتقام ولا إيذاء لأحد بسبب اختياره أو موقفه من الدعوة، إلا أن يكون معاندًا أو معتديًا، كما أن الإسلام انتشر في كثير من البلاد (كإندونيسيا وإفريقيا) عن طريق التجَّار المسلمين، الذين علَّموا الناس الصدق والأمانة والسماحة والرحمة، سواء في التجارة أو في المعاملة، فدخل الناسُ في الدين برغبةٍ وحب واختيار.
يقول الدكتور محمد يوسف حمودة: (ومِن الوسائل العملية: التجَّار العرب (المسلمين) الذين حمَلوا الإسلام إلى بلاد جنوب شرق آسيا، ففتحوا بسماحة الإسلامِ وأخلاق الدين الحنيف من البلادِ أكثرَ ما فتحَتْه الوسائل الأخرى، ثم بعد ذلك الأخلاق الفاضلة التي اتَّسم بها أهل هذا الدين الحنيف من المسلمين الفاتحين) [7].


ومن هنا كان على الداعي أن يتحلَّى بالأخلاق الإسلامية، وأن يلتزم بها قبل أن يدعو الناس إليها، ومن الآداب التي جاء ذكرها وسبق الحديث عنها في هذا الفصل ما يلي:
1- الثبات: فعلى الداعي أن يكون ثابتًا على الحق، يتمسك به ويدعو إليه، وألا يترك الدعوة مهما تعرَّض ولاقى من مضايقات أو تهديدات، فإن الحق لا يتجزأ ولا يقبل أنصافَ الحلول، وعليه أن يعلم أن دعوته وجهاده وثباته إنما هو لإحقاق الحق وإبطال الباطل، كما عليه أن يقول قولَ الحق ولا يخاف في الله لومة لائم.


2- الذِّكر الكثير: وهذا يعني أن يكون دائمَ الصلة بالحق جل وعلا؛ فإن الذكر الكثير يبعث على اطمئنان القلوب والثقة في معيَّة الله وتأييده، ولقد جاء الأمر بالذكر الكثير في مواقف الشدة؛ كلقاء الأعداء وفي الخطوب والنوازل، كما قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الأنفال: 45]، وقال تعالى في سورة الأحزاب: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا * وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 21، 22].


3- ترك التنازع: والعمل على جمع الكلمة وإزالة الخلاف، سواء كان خلافًا في أمور الفقه، أو خلافًا على أمر من أمور الدنيا، وذلك قبل استفحال الخلاف؛ لأن العواقب وخيمة وغير حميدة، ولقد كان الأمر في أول السورة الكريمة بإصلاح ذات البَيْن؛ لأن فسادَ ذات البَيْن قد يكون بسبب الخلاف في أمر من أمور الدين، أو على أمرٍ من أمور الدنيا؛ ولهذا وجب وَأْد أسباب الخلاف والفتنة من بدايتِها.


4- الصبر: والصبر زاد الداعي إلى الله، الصبر على مشاقِّ الطريق وأذى المعارضين، ومع أن الصبر كاسمِه، إلا أن عاقبته حميدة، وجزاءه جزيل.


5- البُعْد عن البَطَر: والحذر من الرياء والعُجب والفخر؛ لأنها آفات مُهلِكة، وآثارها مدمِّرة، وهي صفات مذمومة عند الرب وعند العبد.


6- الاعتبار بمصاير السابقين: والاهتمام بشكر النِّعم، وتصريفها في طاعة المُنعم، وفي مصالح الخلق، وما يعود بالصلاح والنفع على الناس في دينهم ودنياهم.


7- إصلاح النفس وتقويمها: على الدوام، وعلاج أمراض القلوب وآفات النفس أولًا بأول، وعدم تركها حتى تكبر وتستفحل ويكون الحل عسيرًا، مثل هذه الأمور على الداعي أن يجعلها هدفًا لدعوته ويجتهد في إيصالها للمدعوين.


[1] سورة الأنفال - عرض وتفسير ص 216.

[2] فتح الباري، ج6، ص 117، من حديث عبدالله بن أبي أوفى.

[3] روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((تجدون الناس معادن، فخيارُهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقُهوا، وتجدون مِن خير الناس في هذا الأمر أكرههم له قبل أن يقع فيه، وتجدون من شرار الناس ذا الوجهينِ الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه))؛ انظر: المجلد الخامس، باب خيار الناس، 386، دار الشعب.

[4] انظر: الدعوة الإسلامية ووسائل تبليغها؛ د. محمد يوسف حمودة، ط1، 1993، دار الطباعة المحمدية، ص135.

[5] الخصائص العامة للإسلام؛ د. يوسف القرضاوي، ص 7.

[6] المرجع السابق بتصرف.

[7] الدعوة الإسلامية: أصولها ووسائل تبليغها، ص 78.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 76.88 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 74.98 كيلو بايت... تم توفير 1.90 كيلو بايت...بمعدل (2.47%)]