خطبة الوسطية - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         معنى قوله تعالى: {ليبلوكم أيُّكم أحسنُ عملاً} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          تخصيص رمضان بالعبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          ذكر الله دواء لضيق الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          بيان فضل صيام الست من شوال وصحة الحديث بذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          صيام الست من شوال قبل صيام الواجب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          صلاة الوتر بالمسجد جماعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          قراءة القرآن بغير حفظ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          الإلحاح في الدعاء وعدم اليأس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          الفهم الخطأ للدعوة يحولها من دعوة علمية تربوية ربانية إلى دعوة انفعالية صدامية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          معالجة الآثار السلبية لمشاهد الحروب والقتل لدى الأطفال التربية النفسية للأولاد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 23-11-2020, 07:37 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي خطبة الوسطية

خطبة الوسطية
د. فهد القرشي




الخطبة الأولى
الحمد لله.. الحمد لله الذي لا يحيط بحمده حامد، ولا توفي قدره بليغ المحامد، سبحانه فلا يعبده حق عبادته عابد، ولو قضى عمره قانتاً لله وهو راكعٌ أو ساجد.. الحمد لله عظيم الشان، واسع السلطان، مدبر الأكوان.. في ملكه تسبح الأفلاك وحول عرشه تسبح الأملاك ﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ﴾ [الإسراء: 44]. لوجهه سبحات الجلال، وهو الجميل الذي له كل الجمال.. والله لو كان البحر محابر والسموات السبع والأرضون دفاتر فلن تفي في تدوين فضله وأفضاله ولن تبلغ في بيان عظمته وبديع فعاله.. الله.. كريم الاسم عليُّ الوصف.. سبحت له السماوات والأرض ومن فيهن.. والطير قابضات وصفّ.

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.. أصدق كلمة فاهت بها الشفاه وخير جملةٍ نطقت بها الأفواه.. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله العارف بالله حقاً والمتوكل عليه صدقاً.. المتذلل له تعبداً ورقاً، صلى الله عليه وعلى آله الأطهار وصحابته الأخيار، وسلم تسليماً كثيراً.


أما بعد أيها المسلمون:

فتقوى الله - تعالى - خير وصيةٍ وخير لباسٍ وأكرم سجية ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ آل عمران: 102.
من اتقى الله وقاه، ومن خانه هتك ستره وابتلاه، الواقف بغير باب الله عظيمٌ هوانه، والمؤمل غير فضل الله خائبةٌ آماله، والعامل لغير الله ضائعةٌ أعماله.

أيها المؤمنون:
يعيش بعض الناس ما يمكن تسميته بوهم الوسطية فهو يريد ان يعيش عاديا ويوصي أبناءه بما يسير هو عليه. فهو لا يريد أن يكون متشدداً ولا متساهلاً كما يقول. وهو في هذا يستشهد بقول الله تعالى ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ﴾ [البقرة: 143]، وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الضعيف "خير الأمور أوسطها". لكن تعريف كل واحد من هؤلاء للوسطية يخضع لإنتقائية عجيبه ليست من الوسطية الحقيقية في شيء. فهم - وبكل براءة ومن غير قصد في كثير من الأحيان - يقعون ضحية لأفكار أو أراء سمعوها فاستحسنوها ضنا منهم أنها تمثل الوسطية في الدين وهي بعيدة عنه كل البعد.

فبعضهم يرى أن النظر للقنوات الفضائية ومشاهدة الكاسيات العاريات وسماع المعازف والأغنيات من الوسطية وأنه لا حرج شرعي في ذلك البته وأن من لا يفعل ذلك متشدد يحتاج إلى شىء من العلاج.
والبعض الآخر يرى أبعد من ذلك فهو يرى أن الحديث مع النساء والاختلاط بهم والخلوة معهم هو أمر مباح لا مانع منه وأن من لايفعل ذلك محروم متطرف يحتاج إلى مناصحة وتوجيه.

والبعض ينأى بنفسه عن ذلك ويرى أنه محرم لكن ضياع الوقت في الاستراحات والمقاهي عنده من صلب الوسطية وأن من لايفعل ذلك هو رجل إنعزالي بامتياز.
وبعضهم لا يحمل نفسه على النوافل والمستحبات ويرى أن الدين يسر ولا داعي للتشديد والعنت.

وبعضهم يعمل الكثير من الصالحات لكنه يرى أن المعول على ما في القلب وليس لمظهر الإنسان وملبسه أثر كبير في صلاحه وتقواه
إلى غير ذلك من الصور التي لا تنتهي حيث يقولب الانسان نفسه في صورة نمطية يرى الاسلام من خلالها وأن غيره إما غالي في دينه أو متساهل.

والحقيقة أيها المؤمنون أن الوسطية شيء غير ذلك كله. فالوسطية المقصودة في الآية هي العدل. أي أن شريعة الاسلام وسطا وعدلا بين الشرائع السابقة. كما قال شيخ المفسرين الطبري رحمه الله: "وأرى أن الله تعالى ذكره إنما وصفهم بأنهم وسط لتوسطهم في الدين فلا هم أهل غلو فيه غلو النصارى الذين غلوا بالترهب وقيلهم في عيسى ما قالوا فيه، ولا هم أهل تقصير فيه تقصير اليهود الذين بدلوا كتاب الله وقتلوا أنبياءهم وكذبوا على ربهم وكفروا به؛ ولكنهم أهل توسط واعتدال فيه، فوصفهم الله بذلك". وعلى هذا فليس في هذه الآية دليل على ما ذهب إليه هؤلاء فالوسطية هنا متعلقة بالملة وليس بتصرف الأشخاص.

إن الوسطية أيها المؤمنون ليست خيارا نختاره بين تيارين فكريين ولا منحى ننحاه بين طائفتين من الناس ولا طريقة ننتهجها في اختيار ما نرى من تعاليم الدين وما لا نراه.
إنها بكل بساطة تمثل منهجي لقوله تعالى ﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ﴾ [هود: 112].
إنها تطبيق عملي لقوله صلى الله عليه وسلم "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ"

إنها يا أهل الإيمان استصحاب دائم لقوله تعالى ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ﴾ [الأنعام: 153].
إنها أيها المؤمنون سير حثيث على خطى الفرقة الناجية التي قال عنها صلى الله عليه وسلم " من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي"

أنها أيها الاكارم تتبع لتعاليم القرآن في قوله تعالى ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 162]
إنها يا عباد الله استسلام تام لقوله تعالى ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ [البقرة: 208].

قال الطبري رحمه الله ﴿ ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ﴾ [البقرة: 208]: الأمر له بالعمل بجميع شرائعه (أي شرائع الإسلام)، وإقامة جميع أحكامه وحدوده، دون تضييع بعضه والعمل ببعضه. وقال رحمه الله ﴿ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ [البقرة: 168] يعني جل ثناؤه. بذلك: اعملوا أيها المؤمنون بشرائع الإسلام كلها، وأدخلوا في التصديق به قولا وعملا، ودعوا طرائق الشيطان وآثاره أن تتبعوها فإنه لكم عدو مبين لكم عداوته."
إننا أيها الناس مطالبون بكل شرائع الدين وليس لنا أن نختار منها ما يعجبنا ونترك ما سوى ذلك فإن هذا الفعل هو عين قوله تعالى في أهل الضلال ﴿ أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا ﴾ [الفرقان: 43].

أيها المؤمنون:
هناك فرق كبير بين الوسط والطرف وبين التقدم والتأخر. فنحن مأمورن بالتوسط والتقدم بنفس القدر الذي نحن مأمورون فيه بالبعد عن التطرف والتأخر. فكن وسطا ثم سابق غيرك في ذلك الوسط لتكون الأول.. أما تأخرك فليس بعيدا عن تطرفك.

فكونك من أهل الإسلام توسط، وكونك تتساهل بالصلاة تأخر.
شعورك بمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم توسط، وكونك لا تتبع سنته تأخر.
محافظتك على الصلاة في المسجد توسط وتركك السنن الرواتب تأخر.
قيامك بالواجبات توسط وإهمالك للمستحبات تأخر.
برك بوالديك توسط وقطيعتك لأرحامك تأخر.
حفظك لعقلك من شرب المسكرات توسط وعدم حفظك لعينك وسمعك تأخر.

إلى غير ذلك من المقارنات التي لا تنتهي. نحن أيها المسلمون في سباق نحو الجنة كما قال تعالى ﴿ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الحديد: 21] وهذا السباق يحتاج إلى أمرين: أن نكون على الجادة وهي الصراط المستقيم وهذه هي الوسطية وأن نسابق على ذلك الصراط ﴿ لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ ﴾ [المدثر: 37].

إن الوسطية أيها المؤمنون ليست في أن تكون عاديا بل في أن ترقى سلم المجد صعودا بهمة حتى تلقى نبيك محمدا صلى الله عليه وسلم على الحوض.
إنها يا عباد الله شوق يحدوك لعمل الصالحات والاستزادة منها يوما بعد يوم حتى تنتقل من درجة الظالم لنفسه حتى تصل درجة السابق بالخيرات.

إنها كبح لجماح النفس ووسوة الشيطان عن كل ما يصرفك عن الصراط المستقيم الذي أمرك الله تعالى بالسير عليه.
إنها يا أهل الإيمان حاد يحدوك نحو الفردوس الأعلى من الجنة لأن الراضي بالدون دنيء.

دعونا أيها المسلمون نخرج من دائرة هذا الوهم في أن يكون الإنسان عاديا إلى الحقيقة في أن يكون الإنسان عاملا بكل شرائع الإسلام يحرص عليها ويستزيد منها ويستغفر الله على تقصيره فيما نقص منها حتى يلقى الله وهو مجاهد في هذه السبيل وعند ذلك فلا حرج عليه لأن الله تعالى قال فيه و في أمثاله ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ﴾ [العنكبوت: 69].

الخطبة الثانية
أيها المؤمنون:
لو كانت الوسطية منهجا نختاره بين تيارين مختلفين لكان المنافقون أحق الناس بالصواب، فقد كانوا وسطا بين كفار قريش ومحمد صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى عنهم ﴿ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ ﴾ [النساء: 143]. لكن ذلك وبال عليهم يوم القيامة لأنهم هناك ﴿ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ ﴾ [النساء: 145]. إن الله يريد منا أن نسير على صراطه المستقيم وسطا بين اليهود والنصارى ووسطا بين أهل الافراط وأهل التفريط ووسطا بين الغالي فيه والجافي عنه. لكنه سبحانه بلا شك لا يريد منا أن نسير وسطا بين أهل الكفر وأهل الإيمان ولا وسطا بين أهل السنة وأهل البدعة ولا وسطا بين الصالحين والطالحين. كلا كلا. إنه يريد منا أن نعتصم بحبل الله المتين ونسير على صراطه المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ﴾ [الأنعام: 90]. إن السائرين على الصراط المستقيم أيها المؤمنون يتفاوتون في تقدمهم وتأخرهم كما قال تعالى ﴿ لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ ﴾ [المدثر: 37]. فبعد حرصك على أن تكون على الصراط سابق غيرك في هذا المضمار فاليوم عمل وغدا حساب. تقدم ياعبد الله فالسابقون قليل فكن واحدا منهم:
ألم يقل الله تعالى ﴿ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ ﴾[الواقعة: 10 - 14].
ألم يقل الله تعالى ﴿ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ [سبأ: 13].
ألم يقل الله تعالى ﴿ وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [الأنعام: 116].

إياك أيها المؤمن أن يزين لك الشيطان عملك فتراه حسنا حتى تعرضه على الكتاب والسنة، فكم من عامل ضل سعيه في الحياة الدنيا وهو يحسب أنه يحسن صنعا.
إياك أيها المبارك أن تعجب بعملك فكم من أناس أتوا يوم القيامة لكنهم... ﴿ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ ﴾ [الزمر: 47].

يا عباد الله:
إن هذا الزمن الذي نعيش فيه وذلك الكم الهائل من الصوارف التي تصرفنا في كل لحظة عن مراد الله منا جعل منا عبيدا لغيره فكم من عابد لدنياه أو ماله أو ولده أو جاهه أو غير ذلك من الشواغل والصوارف. وكل واحد من هذه الصوارف يجرنا جرا إلى الوراء فنتأخر في الحضور إلى المسجد حتى تقام الصلاة، ونتأخر في صلاة الفجر حتى تطلع الشمس، ونتأخر في أداء الحج ونقدم السياحة الخارجية، ونتأخر في قراءة القرآن ونقدم قراءة النت والجوال، ونتأخر في معرفة صلاح القلب ونهتم بصلاح الجسد، ونتأخر في بذل الأموال في الصدقة ونبذلها فيما سوى ذلك، ونتأخر في قيام الليل بالصلاة ونسهره فيما سوى ذلك، ونتأخر في صرف اللسان لذكر الله ونصرفه في اللغو والغيبة، ونتأخر ونتأخر ونتأخر... و"لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله" كما قال صلى الله عليه وسلم.

تأمل معي ياعبد الله هذا الحديث الصحيح واسمعه بقلبك قبل سمعك ثم حكمه على يومك وليلتك:
قال عليه الصلاة والسلام: (من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه وجمع له شمله وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه وفرق عليه شمله ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له).
إننا أيها المؤمنون نخطئ كثيرا حين نظن ان سبيل النجاح في الدنيا هو بالعمل الدؤوب لها، فهذا الحديث يرد ذلك الوهم ويبدده، فطلاب الدنيا لا يأخذون منها إلا ما كتب لهم أما طلاب الآخرة فتأتيهم الدنيا وهم عنها معرضون.

قال تعالى في طلاب الآخرة "من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه " وقال في طلاب الدنيا "ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب".

وقال تعالى في طلاب الدنيا ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ﴾ [الإسراء: 18] وأما طلاب الآخرة فقال عنهم ﴿ وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا ﴾ [الإسراء: 19].

قال ابن القيم رحمه الله: إذا أصبح العبد وأمسى وليس همه إلا الله وحده تحمل الله سبحانه حوائجه كلها، وحمل عنه كل ما أهمه، وفرغ قلبه لمحبته، ولسانه لذكره، وجوارحه لطاعته، وإن أصبح وأمسى والدنيا همه حمله الله همومها وغمومها وأنكادها، ووكله إلى نفسه، فشغل قلبه عن محبته بمحبة الخلق، ولسانه عن ذكره بذكرهم، وجوارحه عن طاعته بخدمتهم وأشغالهم، فهو يكدح كدح الوحش في خدمة غيره كالكير ينفخ بطنه ويعصر أضلاعه في نفع غيره. فكل من أعرض عن عبودية الله وطاعته ومحبته بلي بعبودية المخلوق ومحبته وخدمته. قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ﴾ [الزخرف: 36].

فسيروا على الصراط المستقيم وادخلوا في السلم كافه وقدموا الآخرة على الدنيا وسيمطركم الله من رحماته ما لم تكونوا تحتسبون.
اللهم ارحم ضعفنا وأجبر كسرنا وتول أمرنا يارب العالمين،
اللهم إنا فقراء إليك ضعفاء بين يديك لا غنى لنا عن رحمتك يا أرحم الراحمين،
اللهم إنا نرغب في طاعتك فيغلبنا الشيطان وأنفسنا الأمارة بالسوء،
اللهم إنا نعلم أنك قلت وقولك الحق من تقرب إلي شبرا تقربت منه ذراعا كرما منك وجودا لا نشك في ذراعك لكن شبرنا مدخول،
اللهم إنا نعلم أنك قلت وقولك الحق ﴿ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ﴾ [محمد: 17] لا نشك في النتيجة لكن بذل السبب معلول،
إلهنا ندعوك وقد عصيناك، وكيف لا ندعوك وقد عرفناك، وحبّك في قلوبنا مكين، مددنا إليك أيدا بالذنوب مملؤة، وأعيناً بالرجاء ممدودة
إلهنا ما أضيق الطريق على من لم تكن دليله، وأوحش المسلك على من لم تكن أنيسه.
إلهنا لئن طالبتنا بذنوبنا فإنا نسألك بعفوك، وإن طالبتنا بجريرتنا فإنا نسألك بكرمك، وإن طالبتنا بشرورنا فإنا نسألك بخيرك.
إلهنا الطاعة تسرّك والمعصية لا تضرّك، فهب لنا ما يسرّك واغفر لنا ما لا يضرّك، وتُب علينا إنّك أنت التوّاب الرحيم
اللّهمّ ارحمنا إذا انقطع من الدنيا أثرنا وامتحى من المخلوقين ذكرنا، وصرنا من المنسيين كمن قد نسي.
إلهنا أفحمَتْنا ذنوبنا وانقطعت مقالتنا ولا حجّة لنا.
إلهنا نحن المقرّون بذنوبنا المعترفون بجرمنا، الأسيرون بإساءتنا، المرتهنون بأعملنا، المتهوّرون في خطيئتنا،
إلهنا إن كان صغر في جنب طاعتك عملنا فقد كبر في جنب رجائك أملنا.
إلهنا كيف ننقلب بالخيبة من عندك محرومين، وكلّ ظنّنا بجودك أن تقبلنا بالنجاة مرحومين.
إلهنا إن أوحشتنا الخطايا عن محاسن لطفك، فقد آنسنا باليقين مكارم عطفك.
إلهنا إن أنامتنا الغفلة عن الاستعداد للقائك، فقد أنبهتني المعرفة يا ربنا بكرم آلائك.
إلهنا أصبحنا على باب من أبواب منحك سائلين، وليس من شأنك ردّ سائل ملهوف ومضطرّ لانتظار خير منك مألوف.
إلهنا إن أقعدنا التخلّف عن السبق مع الأبرار، فقد أقامتنا الثقة بك على مدارج الأخيار.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين، وانصر عبادك المؤمنين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.

اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفق ولاة أمور المسلمين لهداك واجعل عملهم في رضاك، واجعلهم رحمةً على عبادك المؤمنين.
اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى، وخذ به للبر والتقوى، اللهم هيئ له البطانة الصالحة واصرف عنه بطانة السوء، واجمع به كلمة المسلمين على الحق والهدى يارب العالمين، اللهم كن له على الحق معيناً ونصيراً ومؤيداً وظهيراً.
اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان يارب العالمين، اللهم اجمعهم على الكتاب والسنة وانصرهم على عدوك وعدوهم.
اللهم انصر اخواننا المستضعفين في كل مكان، اللهم أفرغ عليهم صبرا وثبت أقدامهم وأنصرهم على القوم الكافرين.
اللهم اكشف كربة كل مكروب من اخواننا المسلمين يارب العالمين.
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 74.88 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 72.95 كيلو بايت... تم توفير 1.94 كيلو بايت...بمعدل (2.59%)]