شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي - الصفحة 9 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         التوبة في القرآن الكريم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          فضل صلاة التطوع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          خطر الشذوذ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          مجازر الطحين.. إرهاصات نصر وعز وتمكين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          ليكن زماننا كله كرمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          حديث:ويَقْرَأُ فيها ما بيْنَ السِّتِّينَ إلى المِائَةِ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          وصايا نبوية مهمة للأولاد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          حديث:من رَكعَ أربعَ رَكعاتٍ قبلَ الظُّهرِ وأربعًا بعدَها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          أنوية العلمانيين، وهم يواجهون أعداءهم من أهل القبلة، وحراس العقيدة... (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          لفظ (الناس) في القرآن الكريم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #81  
قديم 08-10-2020, 06:22 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,316
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب الصلاة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (78)

صـــــ(21) إلى صــ(30)

[وضع الكفين على الركبتين مفرجتي الأصابع]
قال رحمه الله تعالى:
[ويضعهما على ركبتيه مفرجتي الأصابع].
أي: يلقم الركبتين بكفيه، ولا يفعل مثل ما يفعل بعض العوام حين يجعل رؤوس الأصابع عند الركبة، والسنة أن يلقم أصابعه للركبتين.
[استواء الظهر مع الرأس حال الركوع]
قال رحمه الله تعالى: [مستويا ظهره].قد كان عليه الصلاة والسلام من هديه إذا ركع هصر ظهره،
فاستوى ظهره في الركوع حتى قالوا:
لو صب الماء على ظهره صلوات الله وسلامه عليه لم ينكفئ، فكان يركع مستوي الظهر.ثم رأسه لا يشخصه ولا يصوبه، وإنما يجعله مساويا لظهره، كما جاءت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا أبلغ ما يكون في الذلة والخضوع لله سبحانه وتعالى، فلا يبالغ الإنسان في الانحدار، ولا يبالغ في رفع الرأس، وإنما يهصر ظهره حتى يستوي، ثم يكون رأسه باستواء ذلك الظهر.
[قول: (سبحان ربي العظيم) في الركوع]
قال رحمه الله تعالى: [ثم يقول: سبحان ربي العظيم].وهذا التسبيح بمعنى التنزيه،
فسبحان ربي العظيم بمعنى: (أنزهه)،
وقد جاء في الحديث:
(أنه لما نزل قوله تعالى: {فسبح باسم ربك العظيم} [الواقعة:74] قال عليه الصلاة والسلام: اجعلوها في ركوعكم)، فالركوع فيه فعل وقول، فالفعل هصر الظهر والانحناء،
وأما القول فهو قوله:
(سبحان ربي العظيم)، والثناء على الله وتمجيده وتعظيمه،
قال صلى الله عليه وسلم: (أما الركوع فعظموا فيه الرب)، فيقول: (سبحان ربي العظيم) لثبوت السنة به، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بهذا التسبيح،
وجاء عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان يقول:
(سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي) بعد نزول قوله تعالى: {فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا} [النصر:3]،
وكان في قيام الليل صلوات الله وسلامه عليه يقول:
(سبوح قدوس رب الملائكة والروح)، فكان من هديه صلوات الله وسلامه عليه الثناء على الله في الركوع.
القيام من الركوع وصفته قولا وفعلا
[قول: (سمع الله لمن حمده) للإمام والمنفرد حال القيام من الركوع]
قال رحمه الله تعالى: [ثم يرفع رأسه ويديه قائلا إمام ومنفرد: سمع الله لمن حمده].
قوله: (قائلا) أي: حال كونه قائلا، (إمام ومنفرد) أي: يقول الإمام والمنفرد: (سمع الله لمن حمده) ولا يقول المأموم: (سمع الله لمن حمده)، وهذا مذهب جمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية رحمة الله على الجميع،
فالإمام والمنفرد يقولان:
(سمع الله لمن حمده)،
والمأموم لا يقول:
(سمع الله لمن حمده)،
وإنما يقتصر على قوله:
(ربنا ولك الحمد) أو: (ربنا لك الحمد)، ولا يزيد التسميع.
وذهب الإمام أبو حنيفة رحمة الله عليه إلى أنه يقول المأموم:
(سمع الله لمن حمده)؛
لقوله عليه الصلاة والسلام:
(إنما جعل الإمام ليؤتم به).والصحيح مذهب الجمهور؛ لأن التقسيم ينفي التشريك، وهذه قاعدة، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أمن فأمنوا)، فدل على أنه في الأصل لا يؤمنون مع الإمام حتى يؤمروا بالتشريك،
فلما قال: (إذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا:) دل على التقسيم، والتقسيم خلاف التشريك،
وإنما قالوا بالتشريك لحديث:
(إنما جعل الإمام ليؤتم به)،
فنقول: هذا مطلق وهذا مقيد، والقاعدة أن المقيد مقدم على المطلق،
والأصل:
حمل المطلق على المقيد،
فنقول:
إن قوله عليه الصلاة والسلام: (إنما جعل الإمام ليؤتم به) فيه إجمال، وإن كان الأمر فيه من حيث العموم، لكن نقول: جاء المفصل،
فقال عليه الصلاة والسلام:
(فإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا لك الحمد)،
قالوا:
هذا يدل على أنه لا يجمع المأموم بين قوله: (سمع الله لمن حمده) وقوله: (ربنا ولك الحمد).فأصح الأقوال أنه لا يجمع بينها بالنسبة للمأموم، فمحل الخلاف في المأموم،
أما الإمام والمنفرد فشبه إجماع من أهل السنة أنه يقول:
(سمع الله لمن حمده).
[قول: (ربنا ولك الحمد) بعد إتمام القيام]ق
ال رحمه الله تعالى:
[وبعد قيامهما: (ربنا ولك الحمد ملء السماء وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد) ومأموم في رفعه (ربنا ولك الحمد) فقط].أي: يقول حال رفعه أثناء الانتقال: (سمع الله لمن حمده)،
حتى إذا استتم قائما قال:
(ربنا ولك الحمد)، سواء أكان إماما أم مأموما أم منفردا، فالإمام والمنفرد إذا أراد أن يسمع فأثناء الفعل، وبعضهم يترك التسميع حتى ينتصب قائما، وهذا ليس من السنة،
والسنة أن يكون التسميع أثناء رفعه من الركوع فيقول:
(سمع الله لمن حمده) و (سمع) قيل معناه: استجاب الله دعاء من حمده،
ولذلك كان من السنة استفتاح الأدعية بالحمد وقال عليه الصلاة والسلام:
(إذا صلى أحدكم فليبدأ بالحمد لله)، قالوا: وهذا يدل على أن من علامات إجابة الدعاء الاستفتاح بحمد الله تبارك وتعالى والثناء عليه.
فإذا انتصب الإمام قائما قال:
(ربنا ولك الحمد)،
أو قال: (ربنا لك الحمد)، فهذا كله وارد عن النبي صلى الله عليه وسلم.
واستحب طائفة من العلماء رواية الواو: (ربنا ولك الحمد)،
وفضلها على رواية:
(ربنا لك الحمد)؛ لأن رواية الواو فيها زيادة معنى،
فأنت تقول:
(ربنا) أي: أنت ربنا، (ولك الحمد) أي: فيه معنى زائد، فتثبت له الربوبية مع الثناء عليه بالحمد،
لكن إذا قلت:
(ربنا لك الحمد) قالوا: هذا معنى واحد، والأفضل الأول، وبالنسبة للإمام أو المنفرد فإنه يجمع بينهما، فيقول: (سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد)،
أو:
(ربنا لك الحمد)،
والمأموم يقتصر على قوله:
(ربنا ولك الحمد).
ولهذا يقول المؤلف عليه رحمة الله:
[ثم يرفع رأسه ويديه قائلا إمام ومنفرد: (سمع الله لمن حمده)، وبعد قيامهما: (ربنا ولك الحمد ملء السماء وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد) ومأموم في رفعه: (ربنا ولك الحمد) فقط].فذكر رحمه الله ما ينبغي على المصلي بعد انتهائه من الركوع من رفعه، وهذا الرفع أمر به النبي صلى الله عليه وسلم كما ثبت في الصحيح من حديث المسيء صلاته، وقد أجمع العلماء رحمهم الله على لزومه في الصلاة، وإن كانوا قد اختلفوا في الطمأنينة في هذا الرفع، وقد تقدم بيان الأذكار وخلاف العلماء رحمهم الله في مسألة الجمع،
ثم ذكر المصنف رحمه الله الدعاء المأثور الذي يقوله بعد قوله:
(سمع الله لمن حمده)،
أو قول الإمام:
(سمع الله لمن حمده) وهو أن يقول: (ربنا ولك الحمد)،
أو على الرواية الثانية:
(ربنا لك الحمد)، ورواية الواو أوجه عند بعض العلماء، والسبب في هذا أن رواية الواو فيها زيادة معنى،
كأنك تقول:
(أنت ربنا)،
ثم تقول:
(ولك الحمد).
وذكر رحمه الله دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الثابت عنه بقوله:
(ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد)،
وفي رواية: (لا مانع لما أعطيت)،
وقوله صلى الله عليه وسلم:
(ملء): أي حال كونه ملء السماوات وملء الأرض، وهي رواية الفتح.وقد احتج بهذا الحديث طائفة من العلماء رحمهم الله على أن الأعمال توزن يوم القيامة، وهي مسألة خلافية بين أهل العلم، فهل الذي يوضع في الميزان هو الإنسان نفسه يوم القيامة، وعلى قدر صلاحه وفساده يكون الوزن، أم أن الذي يوزن هو عمله قولا كان أو فعلا أو اعتقادا، أم مجموع الأمرين؟
فقال بعض العلماء:
الذي يوزن هو الإنسان نفسه؛
لقوله تعالى: {فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا} [الكهف:105]،
ولقوله عليه الصلاة والسلام لما اهتزت الشجرة بـ ابن مسعود فضحك الصحابة من دقة ساقيه:
(ما يضحككم من دقة ساقيه؟ والذي نفسي بيده إنهما أثقل في الميزان من أحد)، فهذا يدل على أن الموزون هو الإنسان نفسه.
وقال بعض العلماء:
إن الموزون هو العمل؛
لما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقليتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم).فقد دل هذا الحديث الصحيح على أن قول الإنسان للذكر هو الموزون،
قالوا:
فالعمل شامل للقول والفعل، وكله يوزن.والصحيح أنه يوزن الإنسان نفسه وعمله؛ لأن النصوص وردت بالجميع،
والقاعدة تقول: (النصوص إذا وردت بأمرين فلا يصح إثبات أحدهما ونفي الآخر إلا بدليل)، فكما أن الله أخبر في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم بما يدل على أن الإنسان يوزن،
وأخبر بما يدل على أن العمل يوزن فنقول:
كل صحيح، وكل خرج من مشكاة واحدة، فالإنسان يوزن، وعمله يوزن، وعرصات القيامة مختلفة -كما هو جواب ابن عباس رضي الله عنهما أن عرصات يوم القيامة مختلفة-
والمراد بالعرصات: المواقف -نسأل الله أن يلطف بنا وبكم فيها-، فتارة توزن الأعمال، وتارة يوزن أصحاب الأعمال، وكل على حسب ما يكون منه من خير وشر.
فقوله عليه الصلاة والسلام:
(ملء السماوات وملء الأرض) دل على أن الحمد موزون، وأن له ثقل، فقال في هذا الثقل: (ملء السماوات وملء الأرض)، وهذا يدل على عظم ما للعمل الصالح من عاقبة، وكونه له أثر في ثقل ميزان العبد يوم القيامة.وجاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سمع بعض أصحابه يقول وراءه: (حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه)، فقال صلى الله عليه وسلم: (من المتكلم بها؟ فقال: أنا يا رسول الله فقال: لقد رأيت اثني عشر ملكا يبتدرونها أيهم يرفعها) وفي رواية: (رأيت بضعة وثلاثين ملكا يبتدرونها أيهم يكتبها أول)، فلو نظرت في حروف هذه الكلمات لوجدتها ما يقارب اثنين وثلاثين حرفا، فكان هذا مناسبا، كأن لكل حرف ملك يرفعه، وهذا يدل على فضل ذكر الله عز وجل، وأن له عند الله عز وجل شأنا عظيما، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من الذاكرين.
فورد عن النبي صلى الله عليه وسلم التحميد بقوله:
(ربنا لك الحمد)،
وقوله: (اللهم ربنا لك الحمد) (اللهم ربنا ولك الحمد).
وقوله: (ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد) إنما يقع بعد التحميد، ولا يكون من الإمام جهرا.
وقال بعض العلماء: يستحب للإمام أن يرفع صوته قليلا ببعض الأذكار إذا كان بين قوم يجهلونها وهذا على سبيل التعليم؛ فإن العوام والجهال قد يحتاجون من طلاب العلم ومن الأئمة إلى بيان بعض السنن، ويفتقر هذا البيان إلى نوع من الوضوح، كأن يرفع الإمام صوته قليلا، ولذلك جهر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بدعاء الاستفتاح، لكي يعلم الناس دعاء الاستفتاح.
قالوا: فلا حرج أن يجهر الإمام أحيانا بمثل هذه الأدعية المأثورة تعليما للناس بالسنة وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الأسئلة
[حكم السلام على الجالسين عند دخول المسجد]
q حينما يدخل المصلي المسجد، فهل أن يسلم على الجالسين في المسجد لأن السلام سنة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم، أم لا؟

a باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.أما بعد: فالسنة لمن دخل المسجد أن يبدأ بتحية المسجد قبل السلام على الناس، وهذه السنة دل عليها حديث أبي هريرة في الصحيح: (أن المسيء صلاته لما دخل ابتدأ بالصلاة، ثم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فقال له: ارجع فصل فإنك لم تصل)، فدل على أن السنة أن يبتدأ بالصلاة قبل السلام على الناس؛ إذ لو كان من السنة أن يستفتح بالسلام لابتدأ الأعرابي السلام على النبي صلى الله عليه وسلم ثم الصلاة، فكونه يبتدئ بتحية المسجد دل على أن الهدي الذي كان معروفا أن يبدأ بتحية المسجد قبل السلام، ولذلك قالوا: السنة لمن قدم المدينة أن يبتدئ بتحية المسجد، ثم يسلم على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التحية.وهذا مبني على ما ذكرنا من حديث المسيء صلاته، ولذلك هذا هو الهدي؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (إذا دخل أحكم المسجد فليركع ركعتين).وبعد أن ينتهي من التحية يسلم على الناس ويحدث من شاء، أما قبل التحية فلا يشرع له أن يسلم.والذي يظهر والله أعلم ترجيح القول الأول، وهو أنه يبتدئ بتحية المسجد، ثم يثني بعد ذلك بالسلام على الناس؛ لأنه حق خاص، والحق الخاص مقدم على العمومات؛ لأن هذا في موضع خاص ورد فيه دليل السنة الذي يدل على اعتبار تقديم الصلاة على السلام.والله تعالى أعلم.
[حكم قطع الفاتحة بالاستعاذة من الشيطان]
q لو أن إنسانا قطع الفاتحة بقوله: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)؛ لكي يذهب عنه وساوس الشيطان، فهل يعيد الصلاة، أم ماذا عليه؟

a إذا دخل على الإنسان داخل الوسواس فاستعاذ أثناء القراءة قالوا: هذا ذكر مشروع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الشيطان الذي يسمى (خنزب)، وهو شيطان الصلاة، وشيطان الوضوء (الولهان) كما ورد في الخبر عنه عليه الصلاة والسلام، فثبت عنه عليه الصلاة والسلام قوله: (إذا أقيمت الصلاة أقبل -أي: الشيطان- فيوسوس على الإنسان حتى يحول بينه وبين الصلاة)، وذلك لعلمه أنه ليس للعبد من صلاته إلا ما عقل منها، فيأتيه بالوساوس والخطرات، قال عليه الصلاة والسلام: (فيقول له: اذكر كذا.اذكر كذا.اذكر كذا)، حتى ورد: (إن العبد لينصرف من صلاته وليس له منها إلا العشر إلا الربع إلا الثلث إلا الثمن، وما فاته منها خير من الدنيا وما فيها) وهذا كله بسبب الوساوس، قال عليه الصلاة والسلام: (فإذا وجد أحدكم ذلك فليتفل عن يساره ثلاثا، وليستعذ بالله منه)، ولا يكون فيه التفات، وإنما يكون نفثه إلى اليسار دون حصول اللي للعنق، فيتفل عن يساره ثلاثا بريق خفيف، ويقول: (أعوذ بالله من الشيطان)، فهذا ذكر مشروع.ولذلك ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي بأصحابه، ثم تكعكع فتكعكع الصف الأول وتكعكع الصف الثاني بعده، وهو يقول: أعوذ بالله منك، أعوذ بالله منك.فإذا بالشيطان قد جاءه بشهاب من نار، فخنقه صلوات ربي وسلامه عليه وقال: (لولا أني ذكرت دعوة أخي سليمان لأصبح مربوطا يلعب به صبيان المدينة) فهذا يدل على مشروعية الاستعاذة في الصلاة من الشيطان؛ لأنها ذكر مشروع، فالإنسان إذا حيل بينه وبين القراءة وتدبر كلام الله والتأثر بآيات القرآن لا حرج عليه أن يستعيذ.
والله تعالى أعلم.
[حكم قراءة الفاتحة للمأموم]
q إذا قرأ الإمام سورة الفاتحة، فهل يقرأ المأموم بعد الإمام، أم ينصت للإمام؟ وما الخلاف في هذه المسألة، وما الراجح؟

a للعلماء في المأموم إذا كان وراء الإمام أقوال في وجوب الفاتحة عليه: القول الأول، وهو إحدى الروايات عن الإمام أحمد رحمة الله عليه: الوجوب في جميع الصلاة، سواء أكانت سرية أم جهرية، وهو مذهب الشافعية، وكذلك اختاره جمع من أهل الحديث، والظاهرية رحمة الله على الجميع، فهم يرون أن قراءة الفاتحة واجبة على المأموم والمنفرد والإمام، وأنك إذا صليت وراء الإمام في جهرية أو سرية يجب عليك قراءة الفاتحة.القول الثاني: لا تجب على المأموم قراءة الفاتحة وراء الإمام مطلقا، وهو مذهب الحنفية رحمة الله عليهم.القول الثالث: تجب عليه في السرية دون الجهرية، كما هو موجود في مذهب المالكية، وكذلك بعض أصحاب الإمام أحمد يميل إليه، وقالوا: إذا جهر لا يقرأ، ولا تلزمه القراءة، وإذا أسر وجبت عليه القراءة.وأصح هذه الأقوال والعلم عند الله القول بوجوب القراءة مطلقا، وذلك لما يأتي: أولا: لعموم قوله عليه الصلاة والسلام: (أيما صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج)، والقاعدة في الأصول أن (أي) من ألفاظ العموم، وما فرق النبي صلى الله عليه وسلم بين صلاتك إماما أو مأموما أو منفردا، نافلة أو فريضة، فالأصل في العام أن يبقى على عمومه حتى يرد ما يخصصه، ولا مخصص.الدليل الثاني: أنه ثبت في الحديث عنه عليه الصلاة والسلام أنه استثنى الفاتحة في القراءة وراء الإمام حتى في الجهرية، فثبت في الحديث عنه عليه الصلاة والسلام أنه: (صلى بالناس الصبح فسمع قارئا يقرأ وراءه، فقال: إنكم تقرءون وراء إمامكم؟ قالوا: نعم.قال عليه الصلاة والسلام: لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب)، فهذا نص، والذين قالوا بعدم القراءة قالوا: هذا منسوخ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث جابر: (من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة)، قالوا: فهذا يعتبر ناسخا لحديث: (لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب).والجواب عن هذا القول من وجوه: أولا: إنه لا يصح النسخ بالاحتمال، حيث لم يثبت دليل يدل على تأخر هذا الحديث عن الحديث الذي ذكرناه: (لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب).ثانيا: أن هذا الحديث ضعيف، وجماهير المحدثين على ضعفه، فلا يقوى على معارضة ما هو أصح منه.ثالثا: أن قوله: (فقراءة الإمام له قراءة) المراد به: القراءة التي بعد الفاتحة، فبالإجماع أنك إذا صليت وراء الإمام أنك تترك قراءته، وهذا هو الذي نهى عنه صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر، ولذلك نهى الصحابي لما قرأ بـ: {سبح اسم ربك الأعلى} [الأعلى:1] فقال: (مالي أنازعها)، فلذلك يفهم من هذا أن المراد بقوله: (فقراءة الإمام له قراءة) ما بعد الفاتحة.وبناء على هذا يترجح القول بوجوب القراءة مطلقا، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (أيما صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج).وقوله عليه الصلاة والسلام: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب).وقوله في الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام: (لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب).فهذه الأدلة تقوي مذهب من قال بأنه يقرأ في السرية والجهرية.أما السؤال: متى يقرأ إذا كان وراءه، فإن قوله تعالى: {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون} [الأعراف:204] لا يعارض ما نحن فيه؛ فإن القاعدة: (العام يخصص إذا أمكن تخصيصه)، وقد جاءنا الحديث يقول: (لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب)، فهذا مخصص، والقاعدة: (لا تعارض بين عام وخاص).فنقول قوله تعالى: {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له} [الأعراف:204] محمول على العموم إلا في الصلاة؛ لأنك مطالب بالقراءة كما يقرأ إمامك، وبناء على ذلك: فله قراءته وأنت لك قراءة، فلا يصح أن تترك الفرض للاستماع الذي هو دونه في الوجوب، حتى لو قلنا بوجوب استماع القرآن، فقد تعارض الفرض الذي هو ركن الصلاة والواجب، والقاعدة أنه إذا تعارض الفرض والركن مع الواجب يقدم الفرض والركن على الواجب، فهذا وجه.الوجه الثاني: أن أبا هريرة رضي الله عنه -كما روى البيهقي عنه بسند صحيح في جزء القراءة وراء الإمام- لما قيل له ذلك قال: (اقرأها في سرك)، وجاء عن بعض السلف: اقرأها في سكتات الإمام، فتقرؤها في سكتات الإمام كسكتته بين الفاتحة والسورة، أو سكتته قبل الركوع، فهذا الذي تميل إليه النفس.وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #82  
قديم 08-10-2020, 06:23 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,316
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب الصلاة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (79)

صـــــ(1) إلى صــ(7)

شرح زاد المستقنع - باب صفة الصلاة [4]
إذا رفع المصلي رأسه من الركوع فإنه يسجد مكبرا، والسجود ركن من أركان الصلاة، وله صفة معلومة، ثم يرفع من السجود ويجلس بين السجدتين كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه الجلسة ركن من أركان الصلاة أيضا، ثم يسجد سجدة ثانية كالأولى، ثم يرفع منها ويقوم للركعة الثانية، ويفعل فيها كما فعل في الأولى، ما عدا تكبيرة الإحرام والاستفتاح.
[السجود وأحكامه]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.أما بعد: يقول المصنف رحمه الله تعالى: [ثم يخر مكبرا ساجدا].
الخرور: هو السقوط من أعلى إلى أسفل، ومنه قوله تعالى: {فخر عليهم السقف من فوقهم} [النحل:26]،
ولذلك قال بعض العلماء: إنه إذا قرأ الإنسان آية السجدة وكان جالسا فليقف حتى يأتسي بداود عليه السلام في خروره؛ لأنه لما كان الخرور من أعلى إلى أسفل فإنه يقف لكي يسجد.ويفهم من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه الميل إليه، وإن فعله الإنسان فحسن، لكن الأقوى واختيار الجماهير أنه يسجد على حالته.والمراد بهذا الخرور تحصيل الركن البعدي، وهو مرحلة الانتقال من ركن الرفع بعد الركوع إلى ركن السجود،
وهذا الركن الذي يخر إليه عبر عنه بقوله: (مكبرا ساجدا) أي: حال كونه مكبرا قائلا: الله أكبر، وقد تقدم أن هذا التكبير يسميه العلماء رحمة الله عليهم تكبير الانتقال؛ لأنه ينتقل فيه من ركن إلى ركن، ما عدا تكبيرة الإحرام.
فقوله: (ثم يخر مكبرا) أي: قائلا: (الله أكبر) كما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم.والسنة أن يوافق تكبيره الفعل كما تقدم معنا غير مرة، لأنه إذا وجد من لا يراه ويسمع صوته فإنه يساويه في الفعل ولا يسبقه، ومن يراه ولا يسمع صوته كذلك أيضا يساويه في الفعل، فحينما يوافق تكبيره خروره فإن ذلك أنسب لحصول ائتمام الناس به إذا كان إماما.
[أدلة وجوبه ومعناه]
أمر الله بهذا السجود فقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا} [الحج:77]، وأجمع العلماء على أنه ركن من أركان الصلاة.
والسجود: أصله التذلل والخضوع، ويتضمن إظهار الحاجة لله عز وجل بما يشتمل عليه من الأذكار من التسبيح والتحميد والتمجيد لله عز وجل،
ولذلك ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول:
(سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي)،
وهذا السجود أمر به النبي صلى الله عليه وسلم المسيء صلاته فقال: (ثم اسجد)، فأمره بالسجود، ولذلك قلنا بلزومه ووجوبه، وسيأتي أنه من أركان الصلاة.وهذا الخرور بين فيه المصنف صفة معينة هي من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، على أحد القولين عند العلماء وسيأتي بيانها.
[وجوب السجود على سبعة أعضاء]
قال رحمه الله تعالى: [ساجدا على سبعة أعضاء: رجليه، ثم ركبتيه، ثم يديه، ثم جبهته مع أنفه] هذه السبعة الأعضاء ثبت فيها الحديث عن ابن عباس رضي لله عنهما في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم) ثم ذكرها، وابتداء المصنف بذكر الرجلين لأن المصلي ثابت عليهما، والسجود على الرجلين ليس المراد به أن يرفع ويعود، وإنما لبكونه ينتقل إلى الخرور فيضطر إلى ميل الرجلين، فكأنه سجد على الرجلين، وهو في الحقيقة ساجد؛ لأن السنة لمن سجد أن يستقبل بأصابع الرجلين القبلة كما هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ومن حرص على أن تستقبل أصابع رجليه القبلة فإنه يتمكن من السجود أكثر، ولذلك تجد الأعضاء قد تمكنت من الأرض، وهذا أبلغ ما يكون في الذلة لله عز وجل بالسجود، فحينما يستشعر الإنسان أن أعضاءه جميعها مستغرقة للسجود، وأنه متذلل لله عز وجل، فذلك أبلغ ما يكون في التذلل والخضوع لله سبحانه وتعالى، وهذا هو المقصود من الصلاة، فيستقبل بأطراف أصابعه القبلة، كما جاء في الحديث، وكذلك ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رص العقبين، فلم تكن مفرجة، وإنما كان يرص قدميه صلوات الله وسلامه عليه، فيبتدئ بالرجلين مستقبلا بهما القبلة، فإذا انحنت الرجلان فقد سجدتا؛ لأنه قد تحصل بهما السجود من جهة الاعتماد.
[كيفية الهوي للسجود]
قوله: [ثم ركبتيه] هذا على القول بأنه يقدم الركبتين على اليدين، وهو أحد الوجهين عند العلماء رحمة الله عليهم،
وقال طائفة من أهل العلم:
يقدم اليدين على الركبتين.
والسبب في ذلك: حديث أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يبرك الرجل كما يبرك البعير،
قال عليه الصلاة والسلام:
(إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه) أخرجه أبو داود.
ففي رواية: (يضع ركبتيه قبل يديه)،
وفي رواية:
(يضع يديه قبل ركبتيه)،
فنظرا لهذا الاختلاف في الروايات اختلف العلماء رحمهم الله:
فمنهم من رجح أن يقدم الركبتين كما درج عليه المصنف رحمه الله، واحتجوا برواية أبي هريرة التي تدل عليه،
وكذلك حديث وائل بن حجر رضي الله عنه وأرضاه وأنه: (قدم ركبتيه على يديه) لهذا قالوا: إنه يقدم الركبتين على اليدين.
وقالت طائفة:
يقدم اليدين على الركبتين، وذلك لرواية في حديث أبي هريرة، وهي عند أبي داود في سننه بسند صحيح، وفيها تقديم اليدين على الركبتين.
وقالوا: إن رواية وائل بن حجر مطعون فيها من جهة الثبوت.
ثم قالوا: إن صدر الحديث يدل على ترجيح هذه الرواية، وذلك من جهة أن البعير يقدم ركبتيه على يديه حال بروكه، ولذلك إذا رأيت البعير أراد أن يبرك فإنه يقدم الركبتين قبل تقديمه لرجليه،
ومن ثم قالوا:
إنه من السنة أن يقدم اليدين، فإذا قلنا بتقديم الركبتين شابه البعير، وإلا تناقض صدر الحديث مع عجزه.وللشيخ ناصر الدين رحمه الله في الإرواء بحث جيد في هذا يرجع إليه، وكذلك أشار إلى شيء منه في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم.والحقيقة أن هذا القول هو أعدل الأقوال وأولاها إن شاء الله بالصواب، وهو أنه يقدم اليدين، ولو ترجح عند الإنسان تقديم الركبتين على اليدين فليقدم الركبتين على اليدين ولا حرج عليه، فكل على خير، فمن ترجح عنده تقديم الركبتين فليقدم، ومن ترجح عنده تقديم اليدين فليقدم، لكن الخلط بين الروايتين باطل؛
إذ يقول بعض طلاب العلم:
نجمع بين الروايتين بأن نفعل هذا تارة وهذا تارة.فليس الخلاف هنا من خلاف التنوع الذي يسوغ فيه الجمع بين الصفات، وذلك لورود النهي عن بعضها، فبالإجماع أنه منهي عن واحدة منها، فإذا فعلت هذا تارة وهذا تارة فقد وقعت في المحظور، ولذلك إما أن يأخذ الإنسان برواية أبي داود الثابتة في تقديم اليدين على الركبتين، إضافة إلى أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يفعل ذلك، وهذا يترجح أيضا بما جاء عن السلف، كما قال الأوزاعي وهو فقيه الشام،
ومنزلته ومكانته لا تخفى:
(أدركتهم يقدمون اليدين على الركبتين) أي: إذا سجدوا.فإذا ترجح عند إنسان هذا القول عمل به، وإن ترجح عنده غيره عمل به
.وليتأكد من أن أهل اللغة يقولون: إن ركبتي البعير في مقدمته.فهذا يرجع ويحتكم إليه عند الخلاف؛
لأنه إذا ثبت قولهم:
إن ركبتي البعير في يديه فحينئذ يقدم المصلي الركبتين على اليدين،
وإن قيل:
إن الركبتين في موضعهما كما يفهم من قول صاحب اللسان، وهو الذي اعتمده غير واحد من أهل اللغة فحينئذ يترجح القول بتقديم اليدين على الركبتين، وهذا هو الذي تميل إليه النفس، وهو قول طائفة من السلف كما ذكرنا.
قالوا:
إن مما يؤكد هذا القول أن النزول على اليدين أرفق بالإنسان، وخاصة إذا كان مع الضعف؛ فإن الغالب فيه أنه إذا خر يحتاج للاعتماد على اليدين أكثر من اعتماده على الركبتين، ولذلك تجده يتحامل عند تقديمه للركبتين على اليدين، وهو أرفق وأولى بالاعتبار من هذا الوجه.
[حكم الحائل بين أعضاء السجود والأرض]
قال رحمه الله تعالى:
[ولو مع حائل ليس من أعضاء سجوده] ذكرنا أن هذه السبعة الأعضاء يسجد عليها، وهذا على سبيل الوجوب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها، خلافا لمن قال بعدم وجوب السجود عليها.وبناء على ذلك فمن سجد فإنه يراعي في سجوده سجود الرجلين بالصفة التي ذكرناها، وكذلك سجود الركبتين بالتصاقهما بالأرض، وسجود الكفين، وذلك بالتصاقهما بالأرض، وسجود الجبهة والأنف، وذلك بوضعهما على الأرض، فلو سجد ورفع رجليه فإنه يعتبر آثما، ولا يصح سجوده في قول طائفة من أهل العلم رحمة الله عليهم، لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالسجود على هذا الوجه، وكذلك لو رفع إحدى الركبتين متعمدا دون حاجة فإنه يأثم ولا يصح سجوده في قول من ذكرنا.فإن وضع أعضاءه على الأرض، ووجد الحائل بينها وبين الأرض، سواء في مقدمة الإنسان أم في مؤخرته، فإن الحائل في القدمين والركبتين يكاد يكون بالإجماع أنه لا يؤثر، وتوضيح ذلك: لو صلى في نعليه، فإنه سيكون اعتماده على النعلين، وهذا مع وجود حائل متصل،
فقالوا:
لا يؤثر.وكذلك الحال بالنسبة للركبتين، فإنه لو صلى سيصلي بثوبه، وبناء على ذلك فالحائل المتصل بالإنسان في هذين الموضعين بالإجماع لا يؤثر، وقد كان عليه الصلاة والسلام يصلي في نعليه وخفيه، ومن المعلوم أن الخف والنعل يحول بين الإنسان وبين إلصاقه العضو بالأرض مباشرة.أما بالنسبة لليدين والجبهة فإن كان على حصير أو سجاد أو خمرة فإنه بالإجماع لا يؤثر،
فقد ثبت في الصحيح من حديث أنس رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاهم عند أم حرام بنت ملحان رضي الله عنها وأرضاها قال:
فقال لنا: (قوموا فلأصل لكم)،
قال أنس:
فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس، فنضحته بماء، فقام عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصففت أنا واليتيم وراءه، والعجوز من ورائنا، وهذا الحديث في صحيح مسلم،
قالوا:
إنه صلى على حصير.
وفي الصحيحين قال عليه الصلاة والسلام لـ عائشة رضي الله عنها: (ناوليني الخمرة، قالت: إني حائض، قال: إن حيضتك ليست في يدك) والخمرة: أصلها من خمر الشيء إذا غطاه، وهي قطعة توضع لكي تحول بين الوجه وبين الأرض يسجد عليها وتكون من قماش، كالسجادة الصغيرة، وكالقطعة التي تسع مقدم الإنسان، أو تسع غالب أجزائه.فهذا يدل على أن الحائل بالسجاجيد لا يؤثر، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرده ولم يعتبره مؤثرا في سجوده.والسنة أن الإنسان إذا كانت أعضاؤه على الأرض أن تلي الأرض، فإن وجد هذا الحائل الذي لا يؤثر فلا إشكال.لكن لو أن إنسانا قصد وضع الحائل للحاجة إلى ذلك، كأن يكون في حر شديد، فلو سجد ربما أضر بجبهته وأنفه فيؤثر عليه، فهل له أن يبسط طرف الثوب مثل كمه أو طرف الرداء، ويجعله تحته إذا سجد لكي يكون أرفق به؟a ثبت الحديث عن الصحابة رضوان الله عليهم أنهم كانوا إذا أرادوا أن يسجدوا بسط أحدهم طرف ثوبه فسجد عليه من شدة الحر في صلاتهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا حرج أن يكون ما يسجد عليه حائلا، ولو بحائل متصل،
وهذا الذي دعا المصنف إلى أن يقول:
(ولو مع حائل) إشارة إلى هذا الأصل الذي دلت السنة عليه.السجود مع الحائل إذا لم توجد إليه حاجة فهو ممنوع،
وشدد بعض العلماء فقال:
إنه إذا احتاج إلى حركة وأفعال من أجل الحائل فإنه لا يبعد أن يأثم، كأن يسحب شيئا من أجل أن يسجد عليه، فيتكلف دون وجود الحاجة، ومن أمثلة ذلك أن يصلي المصلي فتنقلب سجادته، ويكون بإمكانه أن يسجد على الأرض، فلا ينبغي له أن يشتغل بقلب السجادة؛ لأنها حركة زائدة، خاصة في الفريضة، ومن مشايخنا رحمة الله عليهم من كان يشدد في ذلك، خاصة طلاب العلم، لمقام الهيبة والوقوف بين يدي الله عز وجل،
وقد قال عليه الصلاة والسلام:
(إن في الصلاة لشغلا)، فكونه لا توجد الحاجة ويشتغل بقلب السجادة وردها، خاصة إذا كان هناك هواء وريح، فإنه اشتغال بما لا تأثير له في الصلاة، وليس من جنس أفعال الصلاة، فليتركها على حالها، ويتفرغ لطاعته لله عز وجل بالسجود على الأرض، بل أبلغ وأعظم قربة إلى الله عز وجل أن يعفر الإنسان جبينه بالسجود لله سبحانه وتعالى.وقد ثبت عن خير خلق الله، وحبيب الله صلى الله عليه وسلم أنه سجد على الطين حتى رئي أثر الماء والطين في جبهته صلوات الله وسلامه عليه، وهذا من أبلغ ما يكون من الذلة،
ولذلك لما أثنى الله على أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم وزكاهم قال سبحانه:
{سيماهم في وجوههم من أثر السجود} [الفتح:29].فلذلك كلما سجد على الأرض وتذلل لله عز وجل كان أبلغ، ولا ينبغي -كما قلنا- تكلف وجود الحائل، خاصة مع الحركات في الصلاة، أما قبل الصلاة فلو وضع الحائل فلا بأس.وهنا مسألة يخشى فيها على دين الإنسان، وقد أشار إليه بعض أهل العلم وهي أن بعض المصلين يتتبع المواضع الحارة للصلاة فيها، حتى تحترق جبهته، ليكون شعار الصلاح في وجهه نسأل الله السلامة والعافية (خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين) لأنه يريد الرياء ويريد ما عند الناس من التزكية والثناء، فلا يجوز للإنسان أن يبالغ في سجوده في المواضع التي يترتب على السجود فيها حصول الأثر، وهكذا الضغط على الجبين حتى يظهر في وجهه أثر السجود، فهذا لا ينبغي، إنما ينبغي أن يترك الأمر على ما هو عليه دون تقصد.وكان السلف الصالح رضوان الله عليهم يخافون من ظهور الخير من الإنسان فضلا عن أن يطلبوا أمارات الصلاح رضي الله عنهم وأرضاهم، وكان الرجل منهم إذا اطلع على عبادته ربما بكى وأشفق على نفسه من الفتنة، فنسال الله السلامة والعافية، فالمبالغة في وضع الجبهة على مكان السجود حتى تؤثر في الجبين، أو تؤثر في مارن الأنف كل ذلك مما ينبغي للإنسان أن يحذره، وأن يتقي الله في عبادته، وأن يجعلها لله،
فإن الله وصف أهل النفاق بأنهم:
{وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا} [النساء:142]، فنسأل الله أن يعيذنا من أخلاقهم، وأن يرزقنا الإخلاص في الأقوال والأعمال.
[مجافاة العضدين حال السجود]
قال رحمه الله تعالى: [ويجافي عضديه عن جنبيه] المجافاة: أصلها البعد،
وجفاه: إذا قلاه وابتعد عنه، أو امتنع من كلامه والقرب منه، والمجافاة بين العضد والجنب هي أن لا يقرب عضده من جنبه؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث وائل، وكذلك في الأحاديث الصحيحة عنه أنه جافى،
وثبت في حديث البراء قال:
(إن كنا لنأوي لرسول الله صلى الله عليه وسلم من شدة ما يجافي)، فكان إذا سجد جافى حتى يرى بياض إبطيه صلوات الله وسلامه عليه.وهذه المجافاة تعين على تمكن أعضاء الإنسان من السجود، بخلاف ما إذا طبق بينها أو افترش افتراش السبع، فإن هذه الحالة لا تكون أبلغ في سجوده وتمكن أعضائه من الموضع.
فالمجافاة سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا ينبغي للإنسان أن يؤذي جاره إذا كان في الصف، فهي سنة لمن تيسر له ذلك، فإذا كان بجواره من يزعجه ويضايقه حين يجافي فإنه في هذه الحالة يجافي بقدر معين؛ لأنه كما أنك تريد تحصيل السنة، كذلك هو يريد تحصيل السنة، فلو ذهب كل منكما يجافي فإنه يضر بالآخر، ولذلك يجافي الإنسان عند الإمكان، واستثنى أهل العلم من كان في الصف،
ولذلك قالوا: تأتى لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يتأت لغيره، وذلك لكونه إماما؛ فإن الإمام يتمكن من السجود أكثر، ويتمكن من المجافاة أكثر.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #83  
قديم 08-10-2020, 06:23 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,316
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب الصلاة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (80)

صـــــ(8) إلى صــ(14)

[مجافاة البطن عن الفخذ حال السجود]
قال رحمه الله: [وبطنه عن فخذيه] فلا يجعل الفخذين حاملين للبطن، وهذا من السنة وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، والإنسان مع هذه المجافاة يجد نوعا من المشقة، ولكنها طاعة وقربة، ولذلك يحس بأثر هذا السجود، ولعله عند سجوده وحصول نوع من الأثر عليه يحس بالسجود بين يدي الله، لكنه لو ارتفق ربما ارتاح لذلك فأنست نفسه،
ولذلك قال بعض العلماء:
إن المجافاة تشعر الإنسان بالسجود بين يدي الله.وجرب ذلك، فإنك كلما جافيت وحرصت على أن يكون هناك مجافاة بين وسطك وبين العضدين والجنب فإنك تجد أنك تحس بالسجود وثقله عليك، وهذا أدعى لاستشعار الإنسان مقامه بين يدي الله عز وجل، وذلك أدعى لحضور قلبه وخشوعه.
قال رحمه الله تعالى: [ويفرق ركبتيه] أي: يفرق الركبتين، فليس من السنة التصاقهما، ولذلك يرص العقبين ويفرق بين الركبتين، وهذا إذا كان رجلا، كما سيأتي.
[قول: (سبحان ربي الأعلى) في السجود]
قال رحمه الله تعالى:
[ويقول: سبحان ربي الأعلى] بعد أن فرغ رحمة الله عليه من بيان صفة السجود الفعلية بدأ بما ينبغي على المكلف أن ينتبه له من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم القولي، فقد كانت للنبي صلى الله عليه وسلم أذكار وأدعية في سجوده، فيسن للإنسان أن يتأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم فيها، وهذا الموضع من أبلغ المواضع ذلة لله سبحانه وتعالى،
وقال بعضهم:
إنه من أشرف مواضع الصلاة.
ولذلك ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه من مواطن الإجابة فقال:
(أقرب ما يكون العبد من ربه إذا كان ساجدا)، وقال عليه الصلاة والسلام في هذا الموضع: (فقمن أن يستجاب لكم) أي: حري أن يستجاب لكم من الله عز وجل، وذلك لما فيه من بالغ الذلة لله سبحانه وتعالى.
فيقول: (سبحان ربي الأعلى)، وهذا التسبيح يعتبر من أذكار السجود الواجبة فيه،
ولذلك لما نزل قوله تعالى:
{سبح اسم ربك الأعلى} [الأعلى:1] قال عليه الصلاة والسلام: (اجعلوها في سجودكم).
ولما نزل قوله تعالى: {فسبح باسم ربك العظيم} [الواقعة:74] قال: (اجعلوها في ركوعكم)،
وثبت في الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان إذا سجد قال:
(سبحان ربي الأعلى)، وهذا من الدعاء بالمناسبة، فهو في أدنى ما يكون ذلة لله، فقابلها بما يكون من صفة العلو لله سبحانه وتعالى،
فقال:
(سبحان ربي الأعلى)، وفيه رد على من ينفي جهة العلو لله سبحانه وتعالى، وسيأتي إن شاء الله أن هذا الذكر من واجبات الصلاة.وله أن يدعو بالأدعية التي يريدها من خيري الدنيا والآخرة، فلا مانع أن يسأل الله العظيم من فضله سواء أكان في نافلة أم فريضة.وقد جاء في الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه افتقدته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها،
قالت:
(فجالت يدي) أي: في حجرتها، وكانت حجرة النبي صلى الله عليه وسلم من الضيق بمكان؛ لأن الله اختار له الآخرة، ولم يختر له الدنيا، كان إذا أراد أن يسجد لا يستطيع أن يسجد حتى تقبض عائشة رجليها من أمامه،
فتقول: (افتقدته فجالت يدي فوقعت على رجله ساجدا يقول: يا مقلب القلوب! ثبت قلبي على دينك) فكان من أجمع الدعوات وأفضلها وأعزها وأكرمها أن يسأل الله الثبات على دينه، فجعله في هذا الموضع، فكونه ساجدا بين يدي الله، وكونه في ظلمات الليل التي هدأت فيها العيون، وسكنت فيها الجفون يدل على شرف هذا الموضع، فاختار له هذه الدعوة العظيمة وهي الثبات على الدين،
وكان من هديه أن يقول:
(يا مقلب القلوب: ثبت قلبي على دينك)،
وفي رواية:
(صرف قلبي في طاعتك).المقصود أن من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم الدعاء في السجود، فعلى الإنسان أن يدعو ويسأل الله من فضله.
[صفة الجلوس بين السجدتين]
قال رحمه الله:
[ثم يرفع رأسه مكبرا] أي: إذا فرغ من السجود رفع رأسه مكبرا، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الرفع، كما في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه في حديث المسيء صلاته،
حيث قال له النبي صلى الله عليه وسلم:
(ثم ارفع)، فأمره بالرفع من السجود لكي ينتقل إلى الركن البعدي، وهو الجلوس بين السجدتين.
قال رحمه الله تعالى: [ويجلس مفترشا يسراه ناصبا يمناه] أي: يجلس حال كونه مفترشا يسراه، فيقلبها لكي تكون حائلا بين الإلية والأرض، ولما صارت حائلا بين إليته والأرض فإنها تعتبر بمثابة الفراش الذي يحول بين البدن وبين الأرض، فمن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يفترش رجله اليسرى كما في حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في صفة صلاته صلوات الله وسلامه عليه، فيفترش اليسرى ويجعلها بمثابة الفراش، ثم ينصب يمناه.
[دعاء الجلوس بين السجدتين]
قال رحمه الله تعالى:
[ويقول: رب اغفر لي] أي: يستقبل بأطراف أصابعه اليمنى القبلة كما هو هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم،
ويقول:
رب اغفر لي.وهو الدعاء الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم،
فقد كان يقول:
(رب اغفر لي.رب اغفر لي)،
وكان يقول عليه الصلاة والسلام دعاءه المأثور في السنن:
(اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني وارفعني واهدني وعافني وارزقني)، وهذه أدعية تجمع خيري الدنيا والآخرة للعبد، فسأل الله عز وجل خير دينه، وذلك بسؤاله الرحمة والمغفرة،
وقال: (اجبرني وارفعني) وهذا للدين والدنيا والآخرة، فإنه جبر لأمور الدين والدنيا، ورفعة في أمور الدين والدنيا،
وقال بعد ذلك عليه الصلاة والسلام: (وعافني وارزقني) فهذا أيضا من خير الدنيا؛ فإن الإنسان إذا عوفي فقد تمت عليه نعمة الله عز وجل بالنسبة لأمور الدنيا؛ لأن أكثر المصائب في الدنيا إنما تقع بسبب زوال عافية الله عز وجل عن العبد، وإذا سلب العبد العافية فقد هلك،
كما قال صلى الله عليه وسلم:
(يا عم رسول الله سل الله العافية).فكان يسأل عليه الصلاة والسلام بين السجدتين العافية، ويكون هذا الموضع موضع دعاء،
وللعلماء في ذلك وجهان:
قال بعضهم: هو موضع دعاء فيشرع أن يدعو الإنسان بما يتخير من أمور دنياه وأخراه،
وقال بعضهم: يتقيد بالوارد.وهذا أقوى، ولكن إذا لم يحفظ، كأن يكون عاميا فلا بأس أن يدعو بما تيسر له.والسبب في أنه يدعو بما تيسر له أن السنة أمران،
الأمر الأول:
دعاء،
والثاني: لفظ مخصوص، فإن تعذر عليه اللفظ المخصوص فالسنة أن يسأل، وهو قول الجماهير كما نسبه غير واحد إليهم، فإذا كان لا يستطيع أن يحفظ الوارد، أو كان يجهله ودعا بما تيسر له، كدعائه له ولوالديه فلا حرج، والأفضل والأكمل أن يدعو بالدعاء المأثور،
وفرق بين قولنا:
الأفضل،
وبين أن يقال: إن هذا حرام وبدعة.فلا يسوغ للإنسان أن يحرم، إنما يكون التحريم في ألفاظ الذكر المخصوصة، فكون النبي صلى الله عليه وسلم يسكت عن الصحابة، ولم يأمرهم بلفظ مخصوص بين السجدتين يدل على أن الأمر واسع، وهذا قول جماهير أهل العلم رحمة الله عليهم، وينبه على أن الحكم بالبدعة يحتاج إلى دليل، والأصل في الأذكار التوقيف، لكن إذا كان المحل محل تمجيد، أو دعاء، أو أثر فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء فإن لمن دعا فيه -كأن يدعو له ولوالديه- وجه من السنة،
وإن قال: أنا لا أدعو بذلك؛ لأني لا أراه، فله أن يقول ذلك،
أما أن يقال لمن دعا:
ابتدعت، ويحرم عليه، ويحكم بكونه آثما في صلاته فهذا يحتاج إلى نظر، ولذلك قال بعض العلماء: يدعو لوالديه لتعذر ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه نهي عن الدعاء لوالديه صلوات الله وسلامه عليه، ولذلك يبقى غيره على الأصل من أمر الله عز وجل له بالدعاء ولوالديه، فلا حرج عليه أن يدعو، لكن السنة والأفضل والأكمل للإنسان أن يتقيد بالوارد.
قال رحمه الله: [ويسجد الثانية كالأولى] أي: يسجد السجدة الثانية، ويفعل فيها ما فعل في الأولى من الهدي العملي والقولي.
[الانتقال من السجود إلى الركعة الثانية]
قال رحمه الله:
[ثم يرفع مكبرا] أي: ثم يرفع رأسه من سجوده مكبرا لكي ينتقل إلى الركعة الثانية إذا كان في شفع، سواء أكان في الفرض أم النفل.
قال رحمه الله تعالى: [ناهضا على صدور قدميه معتمدا على ركبتيه إن سهل] هذا وجه عند أهل العلم رحمة الله عليهم، وهو أنه يعتمد القائم من السجود على ركبتيه وصدور قدميه إذا تيسر له ذلك، وهو قول بعض السلف رحمة الله عليهم.وورد عن النبي صلى الله عليه وسلم اعتماده على الأرض كما في حديث العجن،
وكذلك في حديث مالك بن الحويرث وللعلماء في ذلك وجهان:
منهم من قال: إن كان الإنسان مطيقا قادرا قام على صدور القدمين والركبتين، كما جاء في بعض الروايات عنه عليه الصلاة والسلام من قيامه على هذا الوجه، فإن كان عاجزا، أو لا يستطيع الأخذ بحديث العجن فلا حرج عليه.وحديث العجن مختلف في إسناده، وإن كان حسنه بعض أهل العلم وقال بثبوته، فلا حرج في الأخذ بهذه السنة والعمل بها،
والعجن:
أن يجمع أصابعه لكي يتمكن من وضعها، ثم يقوم معتمدا عليها؛ لأنه إذا أراد أن يعجن العجين جمع أصابعه ثم اتكأ عليها، هذا بالنسبة لصفة قيامه من السجود.
[تحقيق القول في جلسة الاستراحة]
مسألة جلسة الاستراحة للعلماء فيها وجهان:
فمنهم من قال: هي سنة مطلقا للكبير والصغير، واحتجوا بحديث مالك بن الحويرث، وما جاء في بعض روايات حديث أبي حميد الساعدي، وما في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما علم المسيء صلاته أمره بهذه الجلسة، ولكن هذه الزيادة في حديث أبي هريرة في صحيح البخاري ضعيفة، ونبه على ضعفها غير واحد كما أشار إليه الحافظ ابن حجر رحمة الله عليه، هذه الزيادة من أمره عليه الصلاة والسلام للمسيء صلاته بعد فراغه من السجدة الثانية أن يرجع ضعيفة، والأقوى فيما اعتمده الإمام الشافعي رحمه الله في إثبات هذه الجلسة -وهو وجه عند الحنابلة- حديث مالك بن الحويرث، وهو حديث صحيح لا يختلف اثنان في ثبوته، ولكن الإشكال أن مالك بن الحويرث قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر عمره بعد عام الوفود.وثبت في الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه في آخر عمره أخذه اللحم، بمعنى أنه بدن وثقل صلوات الله وسلامه عليه،
كما في حديث عائشة: (فلما سن وأخذه اللحم) ولذلك كان يصلي في قيام الليل جالسا، حتى إذا قرب من قدر مائة آية قام وقرأها ثم ركع.
فقالوا: كونه يراه في آخر عمره بهذه الصفة يدل على أنه كان يفعلها لحاجة، فهي سنة للمحتاج، إما لضعف أو مرض أو كبر، ولكن الحدث والقادر فإنه يقوم مباشرة.وهذا القول هو أولى الأقوال، وهو مذهب المالكية والحنفية، وقول عند الحنابلة رحمة الله عليهم،
والدليل على ذلك أنه ثبت عندنا أمر في حديث أبي هريرة في قصة المسيء صلاته إذ قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(ثم ارفع)، وهذا بعد السجود، وهو في الصحيحين، والأمر يقتضي الوجوب.وحديث مالك متردد بين أن يكون سنة جبلية لمكان الحاجة، وبين أن يكون سنة تشريعية للأمة، ولمكان هذا الاختلاف فإنه يبقى على الأصل من كونه يقوم مباشرة، ومن تأول هذه السنة وفعلها أيضا فلا حرج عليه، فلو ترجح عند الإنسان الأخذ بحديث مالك بن الحويرث واعتبرها سنة مطلقة فإنه لا حرج عليه ولا ينكر عليه، وكل على سنة وخير.فالأصل عند سلف الأمة رحمة الله عليهم أنه لا يشنع عليه ولا يبدع، ولا يؤذى من تأول سنة النبي صلى الله عليه وسلم وعنده سلف من هذه الأمة يقول بقوله، فلا حرج على من جلس وهو يتأول السنة، ومثاب إن شاء الله، ولا حرج على من قام وهو يتأول السنة.ولكن لو ترجح عند الإنسان أن جلسة الاستراحة تعتبر سنة فالأفضل له أن لا يداوم عليها؛ لأن كون الصحابة كـ ابن عمر وأبي هريرة وأنس، والذين هم محافظون على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يقومون بعد السجود مباشرة، ولم يحفظ عن واحد منهم أنه كان يجلس هذه الجلسة يدل ويؤكد على أنها على الأقل لا يواظب عليها؛ لأنه لو ووظب عليها لانتشر ذلك وذاع بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك الأولى والأحرى أن الإنسان إذا تأول اعتبارها أن لا يداوم عليها، وإنما يفعلها أحيانا.
وهنا مسألة وهي: لو ترجح عند الإنسان أنها سنة، فإذا سها مرة فظن أنه في الركعة الثانية، فلما رفع من السجود وفي نيته أن لا يجلس جلسة الاستراحة، فكان عليه أن يقوم، فجلس ناويا التشهد، ثم تذكر أنه في الركعة الأولى، فهل تنقلب إلى جلسة استراحة، أو تعتبر عملا زائدا في الصلاة ويسجد للسهو؟و a لو أنه ابتدأ بالتشهد وتكلم فلا إشكال،
لكن قبل أن يتكلم بالتشهد إن تذكر ثم قام فالذين يقولون:
لا تشرع جلسة الاستراحة للحدث عندهم وجه واحد وهو أنه يسجد سجود السهو.
والذين قالوا بمشروعية جلسة الاستراحة اختلفوا:
فقال بعضهم: يسجد للسهو؛ لأنه لم يفعلها بقصد السنية، وإنما فعلها على سبيل السهو، والسجدتان جابرتان لهذا النقص.
وقال بعض العلماء:
إنها تنقلب جلسة استراحة؛ لأن سجود السهو إنما شرع لزيادة وهو في الحقيقة لم يزد، وهذا مبني على أصل، هل يغلب الظاهر أو الباطن؟ إن قلت: يغلب الباطن لزمه سجود السهو؛ لأنه في الباطن يعتقد أنها جلسة التشهد،
وإن قلت:
يغلب الظاهر فإنه في هذه الحالة لا يلزمه أن يسجد؛ لأن الظاهر معتبر مأذون به شرعا.والوجهان ذكرهما الإمام النووي رحمه الله، وغيره من أصحاب الشافعي الذين يقولون بمشروعية جلسة الاستراحة، وكلا الوجهين من القوة بمكان،
لكن القول الذي يقول:
إنه يسجد للسهو أقوى من ناحية النظر.
[ما يفعله المصلي في الركعة الثانية]
قال رحمه الله تعالى: [ويصلي الثانية كذلك ما عدا التحريمة والاستفتاح والتعوذ وتجديد النية] قوله: (الثانية) أي: الركعة الثانية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما وصف للمسيء صلاته الركعة الأولى أمره أن يفعل في الثانية مثل ما فعل في الأولى، والسنة أن تكون الثانية أخف من الأولى.
قال بعض العلماء: تخفف قسطا.
وقال بعضهم: هي كالأولى في قدر المقروء.
وتوضيح هذين القولين أننا لو قلنا:
تخفف قسطا -
أي:
في القراءة، لأن طول القيام يقوم على القراءة-
فمعناه:
أن تختار سورة أقل من السورة التي في الركعة الأولى،
وإن قلت:
ليس المراد أن تخفف قسطا، وإنما باعتبار فلك أن تختار سورة مثل السورة التي في الركعة الأولى، ويكون التخفيف بفارق دعاء الاستفتاح في الأولى، فهذا الفرق بين الوجهين، تخفيفها قسطا أقوى من جهة السنة، ولكن هناك أحاديث تدل على أنه لا حرج أن تتساوى الركعة الأولى مع الثانية في القراءة، ويكون الفضل لدعاء الاستفتاح، كما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام قراءته للزلزلة في الركعتين،
قال الصحابي:
ما أراه إلا نسي.وهو في الحقيقة لم ينس عليه الصلاة والسلام، وإنما فعل ذلك لكي يبين أنه لا حرج أن تقرأ في الركعة الثانية نفس السورة التي قرأتها في الركعة الأولى.فهذا الحديث يشير إلى أن التخفيف في الركعة الثانية قد يكون باعتبار زيادة دعاء الاستفتاح، خاصة إذا أطال الإنسان في قيام الليل، ولكن وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث في تخفيفه للقراءة في الركعة الثانية عن الركعة الأولى، وبناء على هذا يكون حال الإنسان في الركعة الثانية أخف، فلا يدعو بدعاء الاستفتاح، ولا يكبر تكبيرة الإحرام، وإنما يكبر تكبيرة الانتقال، ولا يتعوذ على ما اختار المصنف، وإن كان الأقوى أنه يتعوذ،
وذلك لقوله تعالى:
{فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم} [النحل:98]،
وللعلماء في هذه المسألة وجهان:
فمنهم من قال: يتعوذ.
ومنهم من قال:
لا يتعوذ.والسبب في هذا الفاصل، فهل هو من جنس العبادة الواحدة، أم من جنس العبادة المختلفة؟ والأقوى أنه يتعوذ،
فالذين يقولون:
إن انتقاله لا يؤثر يقولون: ثبت في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ -كما في حديث ابن مسعود - في قيام الليل، فما مر بآية رحمة إلا سأل الله من فضله، ولا مر بآية عذاب إلا استعاذ بالله،
قالوا:
ففصل بين القراءة الأولى والقراءة الثانية بالتعوذ وسؤال الرحمة، ومع ذلك لم يبتدئ قراءته من جديد.فدل على أن الذكر الذي هو من جنس القراءة في حكم المقروء،
وبناء على ذلك قالوا:
الفصل بالركوع والسجود وأذكارهما بمثابة كأنه في عبادة واحدة.
وقال الآخرون: إن الاستعاذة لفظ مخصوص، وزيادته في الصلاة تحتاج إلى دليل.والأقوى أنه يتعوذ لعموم الأدلة، ولا مخصص يدل على سقوطها في هذا الموضع، فيبتدئ بالاستعاذة.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #84  
قديم 08-10-2020, 06:24 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,316
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب الصلاة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (81)

صـــــ(15) إلى صــ(20)

الأسئلة
[قول: (ربنا ولك الحمد ولك الشكر) زيادة لم تثبت]
q ما حكم زيادة: (ولك الشكر) في قول: (ربنا ولك الحمد) بعد تسميع الإمام؟

a باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.أما بعد: فهذه الزيادة لم تثبت، فالشكر ثابت لله عز وجل في الأصل على العموم، ولكن اختيار هذا الموضع لزيادة الشكر لا أصل له، وإنما الوارد أن يقول ما ذكرناه، وله أن يقول: (حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه)، وإن كان بعض العلماء رحمة الله عليهم سامح في الثناء على الله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقر الصحابي حينما قال: (حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه)، قال: فالمقام مقام تمجيد، فلو مجد الله وعظمه فإنه لا حرج عليه.لكن الأولى والذي ينبغي دلالة الناس على السنة والاقتصار على الوارد، والقاعدة -كما نبه عليها العز بن عبد السلام - أن الوارد أفضل من غير الوارد، وهذا فيما شرع فيه الدعاء والثناء، فلو اخترت لفظا واردا فهو أفضل من غير الوارد، فكيف إذا كان محتملا التقيي؟! ولذلك القول بالتقيد من القوة بمكان، وينبه الناس على السنة وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله تعالى أعلم.
[حكم من سجد على الجبهة دون الأنف]
q هل إذا سجد على الجبهة دون الأنف أجزأه ذلك؟

a هذا فيه خلاف بين العلماء رحمة الله عليهم، وقد جاء في حديث ابن عباس الجمع بين الجبهة والأنف، حيث أشار عليه عليه الصلاة والسلام إلى جبهته وأنفه.واختلف العلماء، في الاقتصار على واحد منهما دون الآخر، فقال بعضهم: يجزيه، ويكون هذا على سبيل أنه عضو أو جزء العضو، وإذا سجد ببعض العضو قالوا: يجزيه السجود ولكن يأثم بالترك.فهذا هو أعدل الأقوال وهو أنه يأثم بترك الأنف لو تركه، والجبهة لو تركها، كما لو سجد على يده فاعتمد على رءوس أصابعه متعمدا فإنه يصح سجوده من جهة الإجزاء، ولكنه يأثم بترك الباطن، فهو جزء المأمور به.فإذا قلنا: إن الجبهة والأنف بمثابة العضو الواحد على ظاهر قوله عليه الصلاة والسلام: (على سبعة أعظم) فإنه في هذه الحالة يكون من جنس الجزء المشتمل على موضعين، كالحال في الكف والأصابع، فبطن اليد شيء والأصابع شيء آخر، فلو اتكأ على أطراف أصابعه، أو رفع أصابعه واعتمد على راحته فإنه يجزيه ويأثم.
[حكم السجود على العمامة]
q إذا كان المأموم لابسا عمامته فهل له أن ينحيها قليلا حتى يمكن جبهته من السجود؟

a استحب العلماء رحمة الله عليهم أن لا يغطي الإنسان جبهته؛ لأنه شعار أهل الخير والصلاح، وقد وصف الله عز وجل أصحاب رسوله صلى الله عليه وسلم فقال تعالى: {سيماهم في وجوههم من أثر السجود} [الفتح:29]، وهذا لا يتأتى إلا برؤية الناس لهذا الموضع، ولذلك استحب لطالب العلم ولأهل الفضل والصلاح أن يكشفوا عن هذا الموضع، وكان معروفا في عهد السلف، ولذلك لما قال ابن النصرانية الأخطل في الأنصار يهجوهم -قاتله الله وأبعده ولعنه-: ذهبت قريش بالمفاخر كلها وبقى اللؤم تحت عمائم الأنصار لما قال ذلك دخل قيس بن سعد رضي الله عنه وأرضاه على معاوية وكشف جبهته وقال: أترى لؤما؟ قال: لا.والله ما أرى إلا خيرا ونبلا.قال: ما بال ابن النصرانية يقول كذا وكذا؟ قال: لك لسانه.فأهدر لسانه، ثم إنه فر.فالمقصود أنهم كانوا يرون أن من شعار أهل الصلاح والخير كشف هذا، ولذلك ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: (مسح على ناصيته وعلى العمامة).وكان بعض العلماء رحمة الله عليهم يكشفون عن النواصي أحيانا، إيثارا للتواضع والذلة لله عز وجل، حتى يكون أبلغ في قبول الناس له وإقبالهم عليه، خاصة العلماء ومن يحتاج إليه، فإنهم إذا كانوا على سمت فيه لين ورفق بالناس كلما كان ذلك أبلغ لقرب الناس منهم، وتغطية هذا الموضع يفعلها الإنسان في الغالب على سبيل الكبر أو الخيلاء، فلذلك الأفضل أن يجلي جبهته.وإذا أراد أن يسجد -نظرا إلى أنه مأمور بالسجود على الجبهة- فإنه يجليها حتى يتمكن من السجود، والله تعالى أعلم.
[حكم تكرار الفاتحة في الركعة الواحدة]
q إذا قرأ المصلي بعد سورة الفاتحة سورة الفاتحة أيضا فهل صلاته جائزة؟

a إذا قرأ المصلي سورة الفاتحة بعد قراءتها فهذا على صور:
الصورة الأولى:
أن يقرأ ذلك متعمدا متقصدا تكرار الفاتحة، فللعلماء فيه وجهان:
قال بعض العلماء:
تبطل صلاته؛ لأنه زيادة ركن، فكما أن زيادة الأركان في الأفعال تبطل الصلاة، كذلك زيادة الأركان في الأقوال تبطل الصلاة.وهذا القول من جهة الأصول قوي؛ فإنك إذا نظرت إلى أنها زيادة مقصودة في ركن مقصود فإنها كزيادة الأفعال، ولذلك يقوى هذا القول من الوجه الذي ذكرناه.وقال بعض العلماء: أساء ولا تبطل صلاته.ولذلك هذا الفعل أقل درجاته أنه إذا تقصده فهو حدث وبدعة؛ لأنه لا يفعل ذلك إلا على سبيل الفضل، ولم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيكون مبتدعا من هذا الوجه.أما لو شك هل قرأ الفاتحة أو لم يقرأها، ثم قرأها على سبيل الجزم والاحتياط فهو مأمور بقراءتها في هذه الحالة وتجزيه، فلو صليت ثم شككت: هل قرأت الفاتحة أو لم تقرأها -خاصة إذا كان الإنسان وحده، أو كان إماما في سرية من ظهر أو عصر- فإنه في هذه الحالة يعيد قراءتها، ولو ركع قبل أن يجزم بقراءتها فإنه يلزمه قضاء تلك الركعة، فيجب عليه أن يقرأها ويتأكد من قراءتها، إلا إذا كان مبتلى بوسواس فإنه في الوسوسة لا يلتفت إليها، ولا يعمل بها، والله تعالى أعلم.
[مشروعية صلاة الضحى والمداومة عليها]
q هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يداوم على صلاة الضحى أم لا؟ وهل المداومة عليها من السنة، أم نصلي بعض الأيام ونترك بعضها؟

a صلاة الضحى ورد فيها حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وغيره من الأحاديث التي تدل على مشروعيتها وسنيتها، وكون عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ينكرها وغيره من الصحابة فإن من حفظ حجة على من لم يحفظ، وكم من سنن خفيت على الأفاضل من كبار الصحابة، كما ثبت عن عمر رضي الله عنه في الصحيح أنه لما نزل بالشام أخبر بخبر الطاعون -طاعون عمواس- فامتنع من دخول الشام، فقال له أبو عبيدة: أفرارا من قدر الله؟ فقال رضي الله عنه وأرضاه:
(نفر من قدر الله إلى قدر الله، أرأيت لو كان لك إبل هبطت واديا له عدوتان إحداهما خصبة والأخرى جدبة أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله?!) فبين له أن هذا من الأسباب، وليس له علاقة بالفرار ما دامت عقيدته في الله عز وجل وأخذ بالسبب، فلا حرج عليه، ثم قام في الناس فقال:
أحرج على من كان عنده خبر من هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعلمنا أو يخبرنا.فقام عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وقال: أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه)، فحمد الله على موافقته للسنة.فهذا يدل دلالة واضحة على أنه قد تكون السنة خافية على كبار الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، فكيف بـ ابن عمر رضي الله عن الجميع وأرضاهم؟! وإن كان ابن عمر له فضله ومكانته وعلمه وورعه رضي الله عنه، ولكن المقصود أن كون ابن عمر لا يراها لا يدل على نفيها، فهي ثابتة، ومن السنة فعلها.والأصل أن ما جاء على الإطلاق لا يقيد إلا بدليل، فكون النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بها أبا هريرة رضي الله عنه، ويوصيه بها فإنها سنة ثابتة، فتبقى سنة ثابتة حتى يدل الدليل على التقييد بفعلها تارة أو تركها تارة.ويبقى النظر: هل فعلها الرسول صلى الله عليه وسلم أو لم يفعلها؟ فهذا مما سكتت عنه الأخبار، وليس عندنا دليل يثبت أنه كان يصلي ركعتي الضحى، وليس عندنا دليل ينفي ذلك.والقاعدة أنه إذا لم يرد ما يوجب النفي وما يوجب الإثبات رجع إلى الأصل، فلما كان الأصل عندنا وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم بها على الإطلاق نبقى على هذا الإطلاق، ونقول: هي سنة.فلو قال قائل: كيف ولم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم مداومته؟ قلنا:
ولو ثبت عنه أنه تركها فإنه لا يعتبر دليلا على نفي المداومة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يترك العمل وهو يحب أن يفعله خشية أن يفترض على أمته، كما ثبت في الحديث الصحيح.وبناء على ذلك نقول: السنة المداومة عليها للإطلاق، ولا حرج على الإنسان أن يداوم عليها، وهو على خير.كما أنه ثبت في الحديث الصحيح ما يدل على تقوية هذا القول من قوله صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم: (صلاة الأوابين حين ترمض الفصال)، فصلاتهم هذه معناها أنه أمر ألفوه وداوموا عليه، فلا يحتاج إلى أن يقيد بدليل، فنبقى على هذا الإطلاق من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابتة عنه، والله تعالى أعلم.
[حكم قيام الليل لمن صلى الوتر بعد العشاء]
q هل يجوز للمسلم أن يقوم الليل إذا كان قد صلى الوتر بعد العشاء مباشرة؟

a من صلى الوتر بعد العشاء وأحب أن يقوم الليل فلا حرج عليه، وكان ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه يقوم بعد أن يوتر، وينقض وتره بركعة، ثم يصلي ركعتين ركعتين، ثم يوتر.ولا حرج على الإنسان أن يفعل ذلك؛ فإنه ربما خاف الإنسان أن لا يقوم فاحتاط بالوتر في أول ليله، ثم يريد الله به الخير فيستيقظ من آخر ليله، فلا حرج عليه أن يصلي، وأن يسأل الله من فضله؛ لعموم الأدلة الثابتة في ذلك، وإن صلى ركعتين ركعتين ولم يوتر فلا حرج؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم -كما في الصحيح من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها- صلى ركعتين بعدما أوتر.فدل هذا على أنه من السنة ولا حرج، وقد ألف فيه الحافظ ابن حجر رحمة الله عليه رسالة في إثبات سنية الشفع بعد الوتر، ولكن السنة والأفضل والذي داوم عليه النبي صلى الله عليه وسلم جعل الوتر في آخر الصلاة؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا).نسأل الله العظيم أن يرزقنا علما نافعا وعملا صالحا، وآخر دعوانا أن الحمد الله رب العالمين.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #85  
قديم 08-10-2020, 06:25 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,316
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب الصلاة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (82)

صـــــ(1) إلى صــ(7)

شرح زاد المستقنع - باب صفة الصلاة [5]
للتشهد صفة واردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وله صور وحالات معلومة، وينقسم إلى: التشهد الأول، والتشهد الثاني، فإذا أتم التشهد الثاني فإنه يسلم من صلاته، وللتسليم صور واردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وبذلك يكون قد أتم صلاته على أكمل وجه وأحسنه.
[صفة الجلوس للتشهد]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فيقول المصنف رحمه الله: [ثم يجلس مفترشا ويداه على فخذيه] أي: إذا تم من الركعة الثانية يجلس مفترشا كما في حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وكذلك غيرها في صفة جلوسه عليه الصلاة والسلام أنه (افترش اليسرى ونصب اليمنى، واستقبل بأطراف أصابعه القبلة)، صلوات الله وسلامه عليه.وكان الصحابة رضوان الله عليهم يفعلون ذلك، حتى أثر عن بعضهم أنه كان إذا انحنى إبهامه أصلحه حتى يكون مستقبلا القبلة، ويكون معتمدا عليه في جلوسه، وهذه إحدى الجلسات.كذلك أيضا جاء عنه عليه الصلاة والسلام أنه جلس بين السجدتين، فنصب قدميه وجعل صدور القدمين على الأرض مستقبلا بها القبلة وإليته على العقبين، وهذا ليس بالإقعاء المنهي عنه، فقد ثبت في صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله، وأنه من السنة فلا حرج فيه، وإنما الإقعاء المنهي عنه أن يجعل طرفي القدمين ويفضي بإليتيه إلى الأرض، فهذا الصورة للإقعاء.
الصورة الثانية: أن ينصب رجليه، ثم يفضي بإليتيه إلى الأرض.
الصورة الثانية:
أن تكون بطون القدمين إلى الأرض، وتلتصق العقبان بالإلية، هذه كلها صور للإقعاء المنهي عنه.أما لو نصب واستقبل بأطراف أصابعه القبلة؛ فإن هذا ورد فيه حديث ابن عباس أنه من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال رحمه الله: [ويداه على فخذيه] أي: تكون يدا المصلي على الفخذين، وهذه جلسة التشهد، فقد جاء عنه عليه الصلاة والسلام أنه فعل هذا الفعل، فشرع رحمه الله في الصفة الفعلية، فجلسة التشهد تحتاج إلى فعل وقول، أما الفعل فشيء منه يتعلق بمؤخر الإنسان وشيء يتعلق بمقدمه، فالذي يتعلق بمؤخره فقد ذكرناه من افتراش اليسرى ونصب اليمنى، واستقبال القبلة بأطراف أصابع اليمنى.أما ما يتعلق بمقدمه فنبدأ بوضع اليد اليسرى،
وفيه ثلاثة أوجه:

الوجه الأول:
قال بعضهم:
يلقمها ركبته كما جاء في السنن عنه عليه الصلاة والسلام أنه ألقم ركبته،
والإلقام:
أن تجعلها بمثابة الفم على الركبة، كأن نصفها على آخر الفخذ، ونصفها الذي هو أطراف الأصابع ملتصق بظاهر الركبة، وهذه الصورة تعرف عند العلماء بصورة اللقم.
الوجه الثاني: أن يجعل رءوس أصابعه عند ركبته مستقبلا بها القبلة.
الوجه الثالث: أن تكون على الفخذ، بمعنى أنها لا تكون قريبة من الركبة، وإنما تكون على الفخذ.هذه ثلاثة أوجه للعلماء رحمة الله عليهم.واليد اليسرى بالإجماع أنه لا يشرع التحريك فيها،
والأصل في ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما مر على الرجل وهو يشير بإصبعيه قال: (أحد أحد) أي: اجعله واحدا، فنهى عن رفع إصبعه الثانية؛ فدل هذا على أنه ليس من السنة أن يشير بالأصبعين من اليدين، وإنما يقتصر بالإشارة على الكف الأيمن.
قال رحمه الله:
[يقبض خنصر يده اليمنى وبنصرها] بالنسبة للوسطى مع الإبهام يحلق بهما، ويشير بالسبابة.
والسبابة: هي ما بين الإبهام والوسطى،
فالعرب تسمي أصغر الأصابع: الخنصر؛ ثم التي تليها البنصر، ثم الوسطى، ثم السبابة، ثم الإبهام، والسبابة سميت بذلك لأن الإنسان عند السب أو اللعن -والعياذ بالله- مع شدة الغضب يشير بها، كالمتوعد، ووصفت بهذا وأصبح اسمها، فيقبض الخنصر والبنصر، ثم يحلق ما بين الوسطى والإبهام، ويشير بالسبابة.
[ويحلق إبهامها مع الوسطى ويشير بسبابتها في تشهده]
بعض العلماء يرى أنها تكون كالدائرة،
وقال بعضهم:
أن يجعل طرف الإبهام عند منتصف السبابة،
وهذا مبني على رواية:
إحدى وخمسين، بناء على حساب العرب في عد الأصابع.وبعضهم يرى أنه يكون جامعا بها على هذه الصفة، بحيث تجتمع الأنملة العليا من الوسطى مع طرف الإبهام، وهذا وارد عن النبي صلى الله عليه وسلم في التحليق، وثبت عنه في الأحاديث الصحيحة،
ويشير بالتوحيد عند قوله:
(أشهد أن لا إله إلا الله) وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: (أحد) والسبب في هذا أن الأصل عدم التحريك؛
لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(اسكنوا في الصلاة) وقال تعالى: {وقوموا لله قانتين} [البقرة:238].
قالوا: الأصل السكون وعدم الحركة والكلام حتى يدل الدليل على حركة وكلام معتبر، فلما جاء الدليل ووجدنا أنه عليه الصلاة والسلام أمره بالتوحيد، فدل ذلك على أنه عند الشهادة، وهذا على الأصل،
ولذلك قالوا:
يرفعها عند قوله: (أشهد أن لا إله إلا الله) وهذا هو أوجه الأقوال وأعدلها وأقربها إلى السنة إن شاء الله تعالى.
وللعلماء في هذه الإشارة أوجه: منهم من يرى أنه يشار بها شديدا،
يعني:
بقوة، ومنهم من يرى أنها لا تشد ولا ترخى وإنما يتوسط فيها، كما جاء في حديث ابن عمر عند البيهقي وغيره؛
ولذلك قالوا:
منكتا بها إلى الأرض، وهذا أولى الأقوال، ولو فعل الأول فلا حرج، لكن أولى الأقوال أنه ينكت بها إلى الأرض، ويرمي ببصره إليها، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان ينظر إليها كما في حديث السنن.
إذا: ثبت في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يجعل مرفقه عند فخذه صلوات الله وسلامه عليه، ثم يعقد خنصره وبنصره، ويحلق بالوسطى مع الإبهام ويشير بالسبابة.وهناك صورة أخرى اشتمل عليها حديث وائل بن حجر رضي الله عنه وأرضاه، وحديث أحمد في المسند، وكذلك غيره عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم عقد ثلاثا وخمسين،
وهذا يعني:
أن يعقد الخنصر والبنصر والوسطى، ويجعل الإبهام عند أصل الوسطى.
الصورة الثالثة: أنه يستقبل بالأصابع القبلة، ويجعل أصابعه مستقبلة القبلة، ويشير بالسبابة، وهذه الصورة اختارها بعض العلماء رحمهم الله استحسانا، من جهة استقباله للقبلة،
قالوا:
لأنها هيئة الساجد.والأقوى ما ذكرناه من الصفتين أنه إما أن يحلق بين الوسطى وبين الإبهام ويشير بالمسبحة، وإما أن يعقد ثلاثا وخمسين.والسبب في ذلك أن الخنصر واحد، والبنصر الثاني، والوسطى الثالث، والعرب إذا أرادت أن تعد تعقد الإبهام إلى أصل الأصابع، فيكون فيه إشارة إلى الخمسين، فأصبح المجموع ثلاثا وخمسين.هاتان الصفتان هما أقوى ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفة كفه اليمنى أثناء التشهد.أما بالنسبة للكف اليسرى فلها كما قلنا إما أن يجعلها على فخذه، وإما أن يجعل أطراف أصابعه عند ركبته، وإما أن يلقم بها الركبة، وكل قد جاءت به سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم.وأما الإشارة باليسرى فإنه لم يثبت بها دليل، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث أنس وغيره أنه رأى رجلا يشير بإصبعيه يدعو بهما،
فقال عليه الصلاة والسلام: (أحد أحد) وهو حديث عند النسائي، وهذا على سبيل المناسبة؛ فإن الله واحد؛ ولذلك جعل الإشارة بتوحيده بالإصبع الواحدة، ولم يجعله بإصبعين، حتى تكون هناك مناسبة بين العدد الذي يشير به وبينما يدل عليه.
[حكم الإشارة بالإصبع في التشهد]
الإشارة في الصلاة للعلماء فيها ثلاثة أوجه: منهم من قال: يشير ولا يحرك، وهذا بناء على ما ثبت في حديث ابن عمر وحديث وائل رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم أشار بها، وكلها أثبتت الإشارة دون تحريك.
وأما التحريك فقالوا:
أخذوه من حديث ابن الزبير (يدعو بها) قالوا: والدعاء بها يقتضي التحريك، وجاءت أحاديث -لم يخل حديث منها من كلام، وقد أشار الذهبي وغيره إلى ضعفها-
أنها مذعرة للشيطان أي:
أنها تصيب الشيطان بالذعر، ولكن لم يصح في ذلك حديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والأحاديث إما منكرة أو موضوعة.
والذين قالوا بالتحريك ينقسمون إلى طائفتين: طائفة تقول: يبتدئ الدعاء بالرفع، فيجعل الرفع عند ابتداء كل دعاء، وعلى هذا إذا قال: (اللهم إني أعوذ بك من فتنة المحيا والممات) ابتدأ الرفع عند قوله: (اللهم) وكلما ابتدأ دعاء رفع إصبعه سائلا الله عز وجل الإجابة.
هذا بالنسبة لمذهب من يقول:
يدعو بها؛
أي: أنه يحركها عند ابتداء كل دعوة.والقائلون بهذا القول كأنهم يرون أن الأصل هو ثبوت الإصبع،
فقالوا:
يدعو بها؛ ويتقيد تحريكها بالدعاء.لكن يشكل عليهم لفظ الشهادة، فإنه لا يشتمل على السؤال، ولا يشتمل على الدعاء؛
فالذين يقولون:
تثبت دون تحريك أي: من عند قوله: (أشهد أن لا إله إلا الله) يبقى مشيرا بها ومنكتا إلى الأرض، كما في حديث ابن عمر عند البيهقي وغيره، وعلى هذا تثبت إلى نهاية الصلاة.
وأما الذين يقولون بالتحريك فيقولون: يبتدئ تحريكها عند الشهادة فيشير ثم يقبض،
فإذا ابتدأ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لاشتمالها على نوع من الدعاء:
(اللهم صل على محمد وعلى آل محمد) فيحرك عند ابتداء كل صلاة؛ لأنها دعاء ومسألة.والذين قالوا بالتحريك المطلق -وهو أضعف الأقوال، وهو القول الثالث-
قالوا:
إنه يشير بها،
أي:
يحركها سواء كان في ابتداء الدعاء أو أثنائه.وأقوى هذه الأقوال أنه يشير بها ولا يحركها؛
وذلك لما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اسكنوا في الصلاة) وقوله: (يدعو بها) متردد بين شهادة التوحيد وبين أن يبقى مشيرا بها،
فنقول:
إن من رفعها أثناء دعائه فكأنه داع بها؛ ولذلك ثبت في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا خطب لا يزيد على الإشارة بها صلوات الله وسلامه عليه.
[التشهد الأول والصيغ الواردة فيه]
قال رحمه الله تعالى: [ويقول: (التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله).هذا التشهد الأول] التشهد -كما قلنا- يشتمل على فعل وقول، ففرغ رحمه الله من هيئة المتشهد، ثم شرع في أذكار التشهد، والسبب في تقديمه للأفعال والأوصاف على الأقوال أن أول ما يبتدئ به المتشهد أن يهيئ مجلسه للتشهد، فابتدأ بهيئة الجلوس، ثم أتبعها بذكر الجلوس، وذكر التشهد يبتدئ بالتحيات.وقد جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم صيغ للتشهد، منها حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه الذي ذكره المصنف.ومثله حديث عبد الله بن عمر، وحديث أبي موسى الأشعري مع اختلاف يسير، وهناك صيغ أخرى منها تشهد عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وتشهد عمر بن الخطاب.فأما الإمامان أحمد وأبو حنيفة فاختارا تشهد ابن مسعود هذا،
والسبب في ذلك أنه قال: (علمني النبي صلى الله عليه وسلم التشهد وكفي بين كفيه) إشارة إلى القرب واتصال الرواية، ولأن ألفاظ تشهد ابن مسعود جاءت متناسقة، ولم يحدث بينها اختلاف، ولأن هذا التشهد علمه غير واحد من السلف،
فلذلك قالوا:
إنه أفضل صيغ التشهد.
وقيل بتشهد عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وأرضاهما: (التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله)، وهناك تشهد عمر بن الخطاب رضي الله عنهما،
وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(التحيات لله، الزاكيات لله، الطيبات لله)،
وفي رواية:
(الطيبات) بدون (لله)،
وفي رواية:
(الطيبات لله، والصلوات لله)، وكلتاهما روايتان ثابتتان عن النبي صلى الله عليه وسلم.فاختار الإمام الشافعي تشهد عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، واختار الإمام مالك رحمه الله تشهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد بين المحققون -ومنهم الإمام الحافظ ابن عبد البر، وشيخ الإسلام ابن تيمية كما قرره في القواعد النورانية، وابن عبد البر في الاستذكار، وكذلك الإمام ابن القيم رحمه الله في غير ما موضع من كتبه- أن الأمر واسع، فإن شئت تشهدت بتشهد ابن مسعود، أو بتشهد عبد الله بن عباس، أو بتشهد عمر بن الخطاب.وكأنهم يرون أن هذا الخلاف إنما هو من اختلاف التنوع، وليس من اختلاف التضاد، فالأمر واسع، فإن شئت تشهدت بهذا، وإن شئت تشهدت بهذا، واستحب بعض العلماء أن يكثر من تشهد عبد الله بن مسعود وذلك لقوة رواياته، ولكن ينوع في بعض الصلوات بالتشهد الآخر الوارد عن عمر وعن عبد الله بن عباس رضي الله عن الجميع.ومعنى: (التحيات) أي: البقاء والدوام لله عز وجل.
ومعنى:
(والصلوات) أي: الثناء على الله سبحانه وتعالى، والأدعية مختصة بالله عز وجل لا تكون لغيره.
وقوله: (والطيبات) وصفها بالطيب؛ لأن الله طيب لا يقبل إلا طيبا سبحانه وتعالى.و (المباركات) من البركة، وأصل الشيء المبارك: الكثير الخير والنماء والزيادة، فالبركة هي النماء والزيادة والخير الكثير.
وقوله: (السلام عليك أيها النبي) جاء في الرواية عنهم أنهم رضي الله عنهم لما توفي عليه الصلاة والسلام كانوا يقولون: (السلام على النبي)،
وقال بعض العلماء:
يبقى على اللفظ الوارد؛ لأنه هو الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة فيقتصر عليه، وإن قال الإنسان: (السلام على النبي) فلا حرج.
فالذين قالوا إنه يقول: (السلام عليك أيها النبي) قالوا: إن كاف الخطاب لا يشكل عليها وفاته عليه الصلاة والسلام؛ لأن الصحابة كانوا يسافرون، وكانوا يبتعدون أحيانا عن النبي صلى الله عليه وسلم في حال حياته، ومع ذلك لم يغيروا هذا اللفظ، فيبقى هذا اللفظ على ما هو عليه لا يختلف في حياته وموته صلوات الله وسلامه عليه، ولا شك أن هذا المذهب من جهة الاتباع والقوة في التأسي من حيث اللفظ الوارد هو أقوى، وذلك لأن التحيات ذكر مخصوص، وينبغي أن يلتزم فيه المصلي ما ورد، وأما اجتهاد الصحابة رضوان الله عليهم فهذا منهم، فلهم أجرهم على الاجتهاد، ولكن الأقوى والأولى ما ذكرناه.
وقول:
[السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين] في التشهد لأنهم كانوا في القديم يسلم بعضهم على بعض عند انتهاء الصلاة، فأبدلهم الله عز وجل بهذا، وكانت هي الصلاة المدنية؛ فعندما كان يسلم بعضهم على بعض، ويشير بعضهم على بعض لبعدهم قال صلى الله عليه وسلم: (ما لي أراكم رافعي أيديكم كأذناب خيل شمس، اسكنوا في الصلاة)، فنهاهم عن هذا السلام، وأبدلهم الله بقول: (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين)، وقد ورد في الخبر أنه لا يبقى عبد لله صالح إلا أصابه هذا السلام، إذا قال المصلي: (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين)، وفيه دليل على فضل صلاح الإنسان.
قال بعض العلماء: (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) عامة تشمل كل مسلم.
وقال بعضهم:
بل تختص بمن زاد خيره وزادت طاعته، فهو المختص بهذا التسليم من المصلين إظهارا لشرف الصلاة والزيادة في الهداية، فكلما زادت هداية الإنسان وازداد صلاحه وخيره كان عليه سلام من المصلين، فمن صلى نفلا أو فرضا أصابه هذا التسليم من عباد الله المصلين، وهذا فضل عظيم وخير كثير.
وأما قول: [أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله] لقد جاء في الرواية الثانية: (أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له -بزيادة (وحده لا شريك له- وأشهد أن محمدا رسول الله)،
وجاء في رواية أيضا: (محمدا عبده ورسوله)، وكل هذا ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: [هذا هو التشهد الأول] لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سبع كلمات وهي تحية الصلاة)، وهو حديث عند مسلم وغيره،
قالوا:
هو التشهد الأول؛ لأن التشهد تفعل من الشهادة،
فمن بلغ إلى قوله: (أشهد أن لا إله الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله) فقد انتهى من تشهده الأول، وأما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فإنها لا تكون في التشهد الأول على أصح أقوال العلماء، وهو مذهب الجمهور، خلافا لمن قال إنها تكون في التشهد الأول.والسبب في ذلك أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم دعاء، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن الدعاء إنما يكون في التشهد الثاني لا في التشهد الأول، وقد اختلف في حديث النسائي وغيره الذي فيه ما يدل على أنه يدعو في التشهد الأول، ولذلك خطأ بعض العلماء هذه الرواية، وقوى أن الدعاء إنما هو في التشهد الثاني،
وقد بين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم في قوله لمن انتهى من صلاته:
(ثم ليتخير بعد من المسألة ما شاء)، فالتشهد الأخير هو تشهد المسألة والدعاء، وأما التشهد الأول فإنه لا يدعا فيه،
ولذلك جاء في الحديث عنه عليه الصلاة والسلام أنه:
(كان إذا جلس في التشهد الأول قام كأنما كان على الرضف)، وهو الحجارة المحماة، وهذا إشارة إلى أنه كان يستعجل، ولم يكن يطيل جلوسه للتشهد الأول.ولذلك قالوا: السنة أنه لا يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ولأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أمره عليه الصلاة والسلام بالصلاة عليه في هذا الموضع، فيقتصر على التشهد، وقد سموه تشهدا واسمه دال عليه، وقد وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بذلك،
قالوا:
فتسمية النبي صلى الله عليه وسلم له تشهدا تدل على أنه يقتصر فيه على قول: (أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله).فالخلاصة أن ما قلنا هو أقوى الأقوال،
هناك قول ثان:
أنه يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، وهناك قول ثالث: أنه يشرع له الدعاء.ولكنه قول ضعيف عند العلماء للاختلاف في ثبوت الرواية بدعائه عليه الصلاة والسلام؛ لأن المحفوظ عدم دعائه، وسرعة قيامه إلى الركعة الثالثة.
[الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الثاني]
قال رحمه الله تعالى: [ثم يقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد].هذه هي الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ولها صيغ عديدة، واختار المصنف رحمه الله منها هذه الصلاة، وهي صحيحة ثابتة، فهذه الصلاة لها أكثر من عشر صيغ ثابتة في الكتب الستة عن النبي صلى الله عليه وسلم.وأي صلاة صلى بها فإنها مجزئة، لكن المعتبر منها الصلاة الإبراهيمية التي اختارها المصنف رحمة الله عليه، وقد دل عليها حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه وأرضاه.
[حكم الاستعاذة من النار والقبر بعد التشهد الثاني]
قال رحمه الله تعالى:
[ويستعيذ من عذاب جهنم وعذاب القبر] أي: يسأل الله أن يعيذه من عذاب جهنم، والتعوذ من عذاب جهنم ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال أربع كلمات،
اختلف العلماء فيها على وجهين:
فمنهم من قال: يستحب للمصلي أن يتعوذ من هذه الأربع: من فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال، ومن عذاب القبر، ومن عذاب جهنم.
والسبب في ذلك أمره عليه الصلاة والسلام على سبيل الندب لقوله صلى الله عليه وسلم:
(ثم ليتخير بعد من المسألة ما شاء)،
فقوله:
(ثم ليتخير بعد من المسألة ما شاء) يدل على الندب والاستحباب، وأنك تقول هذا الدعاء على سبيل الأفضلية لا على سبيل اللزوم.
وهناك قول ثان يقول: يجب على المصلي أن يتعوذ بالله من هذه الأربع، ويلزمه بها، وهو قول بعض فقهاء الظاهرية كما اختاره ابن حزم، بل شدد بعضهم -ويوافقه بعض أهل الحديث رحمة الله عليهم-
فقال:
من لم يتعوذ بالله من هذه الأربع تبطل صلاته.والصحيح أنها مندوبة مستحبة، وليست بلازمة واجبة؛ لدلالة السنة على صرف الأمر عن ظاهره من الوجوب إلى الندب، والقاعدة في الأصول أن الأوامر تبقى على ظواهرها من الدلالة على الوجوب ما لم يقم الصارف على صرفها عن ذلك الظاهر.
وقد قام الصارف في قوله صلى الله عليه وسلم: (ثم ليتخير بعد من المسألة ما شاء)، فوسع النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقيد.وهذه الأربع -كما يقول العلماء- اشتملت على شرور الدنيا والآخرة؛ فإن الإنسان يأتيه الشر من فتنة المحيا، وقد يؤخر الله عنه البلاء فيكون في فتنة الممات،
والأمر الثالث:
البرزخ،
والرابع:
عذاب جهنم.
قال بعض العلماء:
فتنة الممات ما يكون عند سكرات الموت، نسأل الله أن يلطف بنا فيها.فالإنسان المسلم الموفق السعيد يخشى من هذه الأربعة المواضع.
الموضع الأول:
فتنته في حال حياته، فمادامت روحه في جسده فإنه معرض للفتن، حتى ولو بلغ أعلى درجات الصلاح فإنه لا يأمن أن يمسي مؤمنا فيصبح -والعياذ بالله- كافرا، ولا يأمن أن يصبح مؤمنا ويمسي كافرا،
ففي الحديث:
(إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها) نسأل الله السلامة والعافية.فإذا كان حيا فإنه يخاف من فتنة المحيا، وكم من إنسان كان على خير فانعكس حاله -والعياذ بالله- إلى الشر بسبب طول حياته إلى زمان الفتن، ولذلك كان بعض العلماء -رحمة الله عليهم-
من مشايخنا يقول:
كنت أسمع قول النبي صلى الله عليه وسلم في أمره بالتعوذ من فتنة المحيا والممات، وكنا نتعوذ، ونسأل الله أن يعيذنا، ولكن لم نعرف ولم نجد أثر ذلك إلا بعد رؤية الفتن،
فعلمنا فضل هذا الدعاء: (وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات)، وكم من إنسان يتمنى العيش إلى دهر يسوءه ولا يسره ولا ينفعه، بل يضره، نسأل الله أن يلطف بنا وبكم.
الموضع الثاني: إذا سلم في حياته فقد يبتليه الله قبل موته، فيختم له بخاتمة السوء، ولذلك قد يتخبط الشيطان الإنسان عند سكرات الموت -والعياذ بالله-
فقال صلى الله عليه وسلم:
(وفتنة الممات)، فيسأل الله أن يلطف به في فتنة الممات، وأن يجعل خاتمته على خير؛ فإنه قد يموت الإنسان على خاتمة السعداء، وقد يموت على خاتمة الأشقياء، ولذلك ثبت في الحديث أن رجلا طعن يوم أحد فسالت دماؤه فاستعجل الموت -والعياذ بالله- فطعن نفسه فقتل فمات قاتلا لنفسه.فعلى الإنسان أن يسأل الله أن يلطف به، خاصة عند سكرات الموت وشدته، فإن سلم من فتنة المحيا والممات فإنه قد تكون هناك ذنوب وخطايا منه لم يغفرها الله سبحانه وتعالى لعدم وجود التوبة النصوح منه، فيبتليه بفتنة القبر،
فقال صلى الله عليه وسلم:
(وأعوذ بك من عذاب القبر)، فإن سلم من فتنة المحيا ومن فتنة الممات، ومن فتنة القبر فإنه يحتاج إلى أن يسلمه الله من عذاب جهنم.
ثم بعد هذه الفتن الأربع هناك فتن خاصة وهي التي عناها بقوله:
(فتنة المسيح الدجال)، فالفتن منها ما هو عام، ومنها ما هو خاص، فاستعاذ من فتنة المحيا العامة، ثم شرع في فتنة المحيا الخاصة وهي فتنة المسيح الدجال، وهي من أعظم الفتن، وسمي مسيحا لأنه يمسح الأرض، فقد ثبت في الأحاديث الصحيحة أنه لا يدع موضعا من الأرض إلا وطئه، إلا ما يكون من المدينة، فقد ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم -كما في حديث تميم الداري -
أنه:
(على كل نقب من أنقابها ملائكة يحرسونها، فلا يستطيع أن يدخلها، وإنما ترجف فيخر المنافقون إليه في السبخة من أرض الجرف،
ويمكث أربعين يوما:
يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كأسبوع، ويوم كسائر أيام السنة)
.وتعظم فتنته،
حتى ثبت في الحديث الصحيح أنه يمر على الأرض الخربة فيقول لها:
أخرجي كنوزك، فتخرج كنوزها تتبعه كيعاسيب النحل،
أي:
من الذهب والفضة وما فيها من الكنوز، فيفتن الناس به فتنة عظيمة، ويدعي أنه الله، ويعظم بلاؤه، وله جنة ونار، فناره جنة وجنته نار، حتى يكتب الله عز وجل للمؤمنين السلامة من فتنته بنزول عيسى ابن مريم عليه السلام وقتله للمسيح، كما ثبتت بذلك الأخبار في الصحيحين.
وأما عذاب القبر فقد ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: (دخل على عائشة، وكانت قد دخلت عليها يهودية فأطعمتها أم المؤمنين عائشة،
فقالت لها اليهودية:
أعاذك الله من عذاب القبر، فعجبت عائشة من قولها، فلما دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته،
فقال عليه الصلاة والسلام: أشعرت أن الله أوحى إلي أنكم تفتنون في قبوركم؟!
قالت أم المؤمنين:
فما سمعته صلى صلاة إلا واستعاذ بالله من عذاب القبر)
.
وفي الحديث الصحيح من حديث البراء عند أحمد في مسنده:
(أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في جنازة أنصاري، فجلس -لكي يلحدوا له-
قال:
وجلسنا حوله وكأن على رءوسنا الطير، وفي يده عود ينكت به في الأرض، فرفع رأسه فقال: استعيذوا بالله من عذاب القبر مرتين أو ثلاثا)
، ثم ذكر الحديث، فالشاهد من هذا أنها فتنة عظيمة تكون للإنسان في قبره، ويستعيذ الإنسان منها لكي تحصل له من الله السلامة، فنسأل الله أن يعيذنا من هذه الفتن ما ظهر وما بطن.
قال رحمه الله: [ويدعو بما ورد] أي: يسأل الله عز وجل من خير الدنيا والآخرة بما ورد، فيسأله العافية في دينه ودنياه وآخرته، ويقول الدعاء المأثور -كما في حديث أنس -: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار)،
ومن أفضل الدعاء الدعاء بجوامع الكلم كقوله صلى الله عليه وسلم:
(اللهم إني أسألك الهدى والتقى)،
وكقوله عليه الصلاة والسلام:
(اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر).فإن هذه الخمس الكلمات تجمع للإنسان سعادة الدنيا والآخرة، فمن أعطاه الله هذه الخمس فقد أعطاه السعادة بعينها.فهذا اختيار جمع من العلماء وهو أنه يقتصر في دعائه على ما ورد،
وقالوا:
لا يدعو بأدعية الدنيا،
كأن يقول:
اللهم إني أسألك دابة سريعة، أو زوجة جميلة، أو دارا فسيحة، ونحو ذلك.
وقالوا: إنما يدعو بما ورد، ورخص بعض العلماء في الدعاء؛
لقوله عليه الصلاة والسلام:
(ثم يتخير من المسألة ما شاء)، وهذا في الحقيقة أقوى لظاهر دلالة السنة، ولكن أجمع العلماء على أن الأفضل للإنسان أن يدعو بما ورد؛
لأنه إذا دعا بما ورد كان له أجران:
أجر الدعاء وأجر الاقتداء والتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم،
ولذلك يقال: الأفضل الاقتصار على ما ورد،
ولا يقال:
إنه يمتنع عليه الدعاء بغير ما ورد، لثبوت السنة بالإقرار.
[السلام من الصلاة والأحكام الواردة فيه]
قال رحمه الله: [ثم يسلم عن يمينه: (السلام عليكم ورحمة الله) وعن يساره كذلك] السلام يحتاج إلى فعل وذكر، فأما هديه عليه الصلاة والسلام فكان يلتفت حتى يرى بياض خده، وهذا البياض للخد سببه أنه كان يلبس العمامة صلوات الله وسلامه عليه فلا يمنع رؤية الخد شيء، فإذا وضع صلوات الله وسلامه عليه ذقنه على كتفه بدا خده، وبعض طلاب العلم يخطئ عند تطبيق هذه السنة، فإنه ربما يكون عليه غطاء رأسه فيتكلف حتى ينحرف عن القبلة بجذعه، فتجده بحرف صدره كأنه يريد أن يري الناس خده، وهذا لا شك أنه يريد الخير والتأسي ببيان خده كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكن خفي عليه أن خد النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يستره شيء؛ لذلك ينبغي لمن أراد أن يطبق هذه السنة أن يثبت؛ لأنه مطلوب منه أن يكون مستقبل القبلة، فالانحراف والحركة من الأمور التي شدد فيها العلماء رحمة الله عليهم،
بل كان يقول بعض العلماء:
إذا انحرف انحرافا لأغلب الجذع فإنه لا يؤمن أن تبطل صلاته؛ لأنه انحرف عن القبلة قبل تمام صلاته.فهذا ينبغي التنبيه عليه ويخطئ فيه كثير، بل من طلاب العلم من يخطئ فيه.فلذلك يثبت الإنسان مستقبل القبلة بصدره، ثم يحرف رأسه ويجعل ذقنه على الكتف، فهذه هي السنة في السلام الكامل، وأما المبالغة في الحركة والانحراف، فليست من السنة في شيء، ولذلك يشدد فيها ويمنع منها.وكان عليه الصلاة والسلام إذا فرغ من تسليمه عن اليمين سلم عن يساره، فابتدأ باليمين تشريفا لها، ثم سلم عن يساره صلى الله عليه وسلم.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #86  
قديم 21-10-2020, 02:03 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,316
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب الصلاة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (83)

صـــــ(8) إلى صــ(14)

[صيغ السلام الثابتة في السنة]
أما الذكر القولي فهناك أربع صيغ للسلام:
الصيغة الأولى: (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) عن اليمين، (السلام عليكم ورحمة الله) عن اليسار.
الصيغة الثانية: (السلام عليكم ورحمة الله) عن اليمين، (السلام عليكم ورحمة الله) عن اليسار.وهي الصيغة المشهورة والموجودة الآن.
الصيغة الثالثة:
(السلام عليكم ورحمة الله) عن يمينه، (السلام عليكم) عن اليسار.
الصيغة الرابعة: (السلام عليكم) عن يمينه.فهذه أربع صيغ ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، سلم تسليمتين فجعلها كاملة، وجعلها كاملة عن اليمين ناقصة عن اليسار، وجعلها أيضا متساوية في اليمين واليسار.والتسليم يعتبر من أركان الصلاة على أصح أقوال العلماء رحمة الله عليهم، خلافا للإمام أبي حنيفة رحمه الله الذي لا يرى وجوب التسليم، ويقول: لو أن المصلي خرج من الصلاة بصنعة فإنه يعتبر خارجا من الصلاة؛
لقوله عليه الصلاة والسلام للمسيء صلاته:
(فإذا فعلت هذا فقد تمت صلاتك) ولم يأمره بالتسليم.
والصحيح أنه لازم لقوله عليه الصلاة والسلام في حديث علي رضي الله عنه الثابت عنه: (تحريمها التكبير وتحليلها التسليم)،
فلما قال:
(تحليلها التسليم) دل على أن المصلي لا زال في حرماتها حتى يسلم.واحتج الإمام أبو حنيفة رحمة الله عليه أيضا بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو حديث عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي،
وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وقضى تشهده ثم أحدث فقد تمت صلاته)، وهو حديث ضعيف، والصحيح ما ذكرناه من لزوم السلام ووجوبه.وأصح الأقوال عند العلماء أن السلام مخير فيه، فإن شاء سلم تسليمتين، وإن شاء سلم تسليمة واحدة، ولكن إذا كان مأموما يرى التسليمتين، وصلى وراء إمام يسلم تسليمة واحدة يسلم وراءه تسليمة واحدة، وإن كان مأموما يرى التسليمة الواحدة، وصلى وراء إمام سلم تسليمتين فإنه يسلم من ورائه تسليمتين.
قال بعض العلماء: الواجب في التسليم الأولى، والثانية سنة،
وقال بعضهم: الواجب التسليمتان.
فإن قلنا: الواجب التسليمتان، أو قلنا الواجب التسليمة فالحكم يختلف.وفائدة ذلك أنه لو قلنا الواجب تسليمة واحدة، فإن سلم الأولى ثم أحدث فإن صلاته صحيحة على القول بأن الواجب هي التسليمة الأولى.
وكذلك لو قلنا: إن الواجب التسليمة الأولى.فإذا سلم التسليمة الأولى، وقبل أن يسلم الثانية مرت امرأة، أو مر كلب أو مر حمار فإنه على القول بأن الصلاة تقطع يعتبر بتسليمته الأولى قد خرج من الصلاة وصحت صلاته.أما على القول بأن الواجب تسليمتان فلا.
ومن فوائد هذا الخلاف أننا إذا قلنا: الواجب التسليمة الأولى فمعنى ذلك أنك لو صليت وراء إمام وفاتتك ركعة فأكثر، وسلم الإمام التسليمة الأولى، فإنك تقوم مباشرة؛ لأنك مأمور بواجب، فلا تتوقف على السنة،
قالوا:
ولا ينتظر التسليمة الثانية، كما اختاره غير واحد من أهل العلم، ومنهم الإمام العز بن عبد السلام، وطائفة من أصحاب الشافعي رحمة الله عليه،
فقالوا:
لا يجلس؛ لأن جلوسه تحصيلا للسنة،
وقد أمر بالإتمام لقوله عليه الصلاة والسلام:
(وما فاتكم فأتموا)،
قالوا: فلذلك لا يشتغل بالسنة عن الفرض اللازم عليه.هذا حاصل ما ذكر في تسليم المصلي من صلاته.
مسائل متفرقة في الصلاة
[التكبير ورفع اليدين عند القيام إلى الثالثة]
قال رحمه الله تعالى:
[وإن كان في ثلاثية أو رباعية نهض مكبرا بعد التشهد الأول] أي: إن كان المصلي في ثلاثية كالمغرب، أو رباعية كالظهر والعصر والعشاء نهض مكبرا إلى الركعة الثالثة،
وقوله:
(مكبرا)،
أي:
حال كونه مكبرا يقول: الله أكبر، فإن استتم قائما رفع يديه مشيرا بها كالحال في تكبيرات الركوع والرفع من الركوع.وهذا هو الموضع الرابع الذي يشرع فيه رفع اليدين كما ثبت في الحديث الصحيح عن عبد الله بن عمر في صفة رفعه صلوات الله وسلامه عليه يده في الصلاة.
قال رحمه الله تعالى: [وصلى ما بقي كالثانية بالحمد فقط] قوله: [كالثانية] أي: كما وصفنا في الركعة الثانية، لا كما وصفنا في الركعة الأولى؛ فإنه في الثالثة والرابعة يفعل ما يفعل في الثانية، لكن يقتصر في الثالثة والرابعة على سورة الفاتحة إلا الظهر، وهذا فيه حديث ابن عباس،
فإن السنة أن يقرأ بسورة:
{قل يا أيها الكافرون} [الكافرون:1] في الركعة الثالثة، و {قل هو الله أحد} [الإخلاص:1] في الركعة الرابعة، وقد ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وصح عنه.
وقال بعض العلماء:
يقاس على الظهر العصر، ففي الأخريين من العصر يقرأ بسورتي الإخلاص.وهذا محل نظر، فإن الأقوى أن يقتصر على الوارد، ويقال بسنيته في الظهر، ويضعف القياس في مثل هذا.
[مسألة التورك في التشهد الأخير]
قال رحمه الله تعالى: [ثم يجلس في تشهده الأخير متوركا] أي: إذا كان في ثلاثية أو رباعية يجلس في تشهده الأخير حال كونه متوركا.والتورك ثبت فيه حديث ابن عمر وابن الزبير رضي الله عن الجميع.
وهذا التورك للعلماء فيه ثلاثة أوجه:

الوجه الأول: أن يجعل طرف قدمه اليسرى بين الساق والفخذ قريبا من الركبة، وهذا الوجه يصعب في حال ازدحام الناس، بل قد لا يتأتى؛ لأنه يحتاج إلى انفراج الإنسان قليلا حتى يتمكن من إدخال قدمه اليسرى بين ساقه وفخذه قريبا من الركبة.
الوجه الثاني:
أنه يؤخرها حتى يقترب من الإلية.
الوجه الثالث: أنه ينزلها ويجعلها تحت الساق،
وتكون على صورتين: الأولى تكون فهيا مقدمة،
بمعنى: قريبة من الركبة.
والثانية: تكون مؤخرة بحيال القدم المنصوبة.فهذه كلها أوجه في التورك لا حرج على الإنسان أن يفعل أي واحدة منها.وتشرع في الثلاثية والرباعية.
والجلوس في الصلاة على صورتين: الأولى: الافتراش، وهي أن تجعل اليسرى بمثابة الفراش، فظاهرها على الأرض وباطنها الذي يلي الأرض عند المشي يكون إلى الإليتين، وينصب رجله اليمنى، ويجعل أصابعه مستقبلة القبلة، فهذا يسمى الافتراش، وفيه حديث عائشة رضي الله عنها، وحديث وائل بن حجر رضي الله عنه.
الثانية:
التورك الذي ذكرناه.
والعلماء رحمة الله عليهم لهم في هذه الجلسات ثلاثة مذاهب: فمذهب يقول بتقديم الافتراش على التورك، كما هو اختيار الحنفية ومن وافقهم.ومذهب يقول بتقديم التورك على الافتراش، كما هو مذهب المالكية ومن وافقهم.ومذهب يرى التفصيل، كما هو اختيار الحنابلة والشافعية، وهو الأرجح.ومذهب التفصيل هو أنه إن كان في ثنائية بعدها سلام، أو في التشهد الأول من الرباعية أو الثلاثية فإنه يفترش ولا يتورك، وإن كان في رباعية، أو في ثلاثية وجلس للسلام فإنه يتورك ولا يفترش، فهؤلاء يرون أن الافتراش يكون في الثنائية، ويكون في الجلسة الأولى من الرباعية، بمعنى أفهم يرونه في كل ركعتين، وأما التورك فيرونه لجلسة السلام.
ولذلك بعض العلماء يقول: إن كانت ثلاثية ورباعية جلس متوركا لسلامه، ويجلس مفترشا في التشهد الأول، وفي كل ثنائية.فهذا بالنسبة للمذهب الذي يقول بالتفصيل، فجمع بين الأحاديث، وقد جاء في حديث أبي حميد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفترش ويتورك على حسب حاله في التشهد من كونه مسلما أو غير مسلم.
فإذا قلنا بالتفصيل فإنه قد يقال:
هل التورك في الرباعية والثلاثية من أجل السلام، أم من أجل العدد؟ وهذا يتفرع عنه ما لو صلى الوتر،
فإن قلنا:
إن جلوسه متوركا في الرباعية والثلاثية من أجل السلام فحينئذ يتورك في الوتر.والأقوى عندهم أنه لا يتورك؛ لأنه في الفجر لا يتورك، ومن بعده السلام؛ وبعض العلماء الشافعية يرون أنه يتورك لتشهد السلام، فيرى أنه إذا أراد أن يسلم تورك لكل تشهد من بعده سلام، وافترش لكل تشهد لا سلام بعده.
[المرأة كالرجل في الصلاة]
قال رحمه الله تعالى: [والمرأة مثله لكن تضم نفسها وتسدل رجليها في جانب يمينها] المرأة كالرجل فيما ذكرناه من صفات الصلاة،
وقد قال عليه الصلاة والسلام:
(إنما هن شقائق الرجال)، والأصل في الأحكام أن النساء فيها كالرجال حتى يدل الدليل على اختصاص الرجال، أو اختصاص النساء.
ولكن جلوسها للعلماء فيه وجهان:
قال بعض العلماء: إذا جلست في التشهد فإنها تتربع ولا تفترش، والسبب في ذلك أنه أبلغ في سترها.ورووا عن بعض أمهات المؤمنين ما يدل على جلوسها متربعة، كما أثر عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها،
وقالوا:
ما كانت لتفعله إلا وله أصل، خاصة وأن الصلاة مبناها على العبادة والتوقف.ومنهم من قال بما اختاره المصنف وهو أنها تحمل رجليها إلى جهة اليمين، والسبب في ذلك أنها إذا جعلت الرجلين إلى جهة اليمين فإنه لا يتحدد جرمها، فيكون أبلغ في سترها، ويكون غطاؤها عليها، فلا تستطيع أن تميز جرم المرأة بخلاف إذا ما جلست مفترشة.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #87  
قديم 21-10-2020, 02:05 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,316
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب الصلاة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (84)

صـــــ(15) إلى صــ(23)

الأسئلة
[الإشارة بالسبابة في التشهد وغاية انتهائها]
q إذا أشار المصلي بسبابته في التشهد عند لفظة الشهادة، فهل يبقى مشيرا إلى نهاية التشهد أم يقبضها؟

a باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد: فقد ذكرنا أن أصح شيء ما جاء في كونه يشير، ويبقى بإشارته حتى ينتهي منكتا بها إلى الأرض، وإن حركها يتأول قول من قال بذلك فلا حرج، وإن أشار بها شديدا -كما هو اختيار بعض السلف- فلا حرج، فالأمر في هذا أن كل من ثبتت عنده سنة، أو اطمأن إلى قول عالم يقول بسنة، أو يترجح عنده صحة حديث التحريك والإشارة بها ولو مترددا فلا حرج عليه؛ لأن له أصلا، والأقوى ما ذكرناه؛ لأن السنة دلت على أن الحركة لا تجوز إلا بدليل، لقوله صلى الله عليه وسلم: (اسكنوا في الصلاة) فلما قال عليه الصلاة والسلام: (اسكنوا في الصلاة)، كان الأصل هو عدم التحريك حتى يدل الدليل على التحريك، فجاء الدليل يدعو بها، فنقول: إن مطلق الدعاء بها لا يستلزم الحركة كما هو معلوم.
[معنى السلام على عباد الله الصالحين في التشهد]
q ما معنى أن كل عبد صالح يصله السلام عند التسليم من عباد الله المصلين؟

a المراد بذلك أن السلام أصله الدعاء بالسلامة، فإذا قلت لإنسان: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.فمعناه: سلمكم الله من الآفات ومن الشرور، وسلمكم الله من الفتن، فتدعو له بالسلامة؛ لأن من سلم غنم، فالعبد إذا سلمه الله كان غانما وعلى خير وبر، والسلامة تكون في الدين والدنيا، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: (يا عم رسول الله! سل الله العافية، يا عم رسول الله! سل الله العافية، يا عم رسول الله! سل الله العافية) فالعافية هي السلامة، فمن عوفي فقد سلم، فإذا قلت: (السلام عليكم) أي: سلمكم الله، وإذا قلت: (السلام علينا) أي: أسأل الله أن يسلمنا، (وعلى عباد الله الصالحين) أي: أسأل الله أن يسلمهم، فتلقي السلام عليهم، وهذا بمثابة الدعاء أن يسلمهم الله، والله تعالى أعلم.
[إذا نسي المصلي فسلم عن اليسار قبل اليمين]
q إذا نسي المصلي فسلم أولا على الشمال ثم على اليمين، فهل يلزمه سجود السهو، أم أنه خالف السنة ولا شيء عليه؟

a أما بالنسبة لتسليمه عن يساره قبل اليمين فإنه يعتبر خارجا من الصلاة بتسليم اليمين زائدا لتسليمة اليسار؛ لأن تسليمة اليسار وقعت في غير موقعها، فلذلك يعتبر أشبه بالالتفات الزائد، ولذلك اختار بعض العلماء رحمة الله عليهم أنه يسجد للزيادة، خاصة على القول بأن سجود الزيادة بعد السلام، فبعد أن يسلم يسجد سجدتين؛ لأن زيادة التسليم من جنس الصلاة، فيسجد السجدتين بعد السلام، والله تعالى أعلم.
[حكم تكبيرات الانتقال للإمام والمأموم]
q هل يجب على المأموم تكبيرات الانتقال؟

a تكبيرات الانتقال واجبة، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها، وقد فعلها عليه الصلاة والسلام وقال: (صلوا كما رأيتموني أصلي)، والمراد بتكبيرات الانتقال: تكبيره للركوع، وتكبيره للسجود، وتكبيره للرفع من السجود، وتكبيره للسجدة الثانية، وتكبيره للقيام إلى الثانية والثالثة، فكلها وصفت بكونها تكبيرات انتقال؛ لأنه ينتقل بها من ركن إلى ركن، فلما كان قائما انتقل إلى الركوع فقال: الله أكبر، وكان ساجدا فانتقل إلى الجلوس فقال: الله أكبر.فقالوا: هذه تكبيرات الانتقال، وأصح الأقوال وجوبها، والله تعالى أعلم.
[التسليم قبل الوجه ثم الالتفات]
q ما حكم من ينطق بالتسليمة ثم يقوم بعد ذلك بالالتفات؟

a هذا قول بعض العلماء رحمة الله عليهم، ويميل إليه بعض المالكية، حيث قالوا: إن التسليم أن يسلم قبل وجهه ثم يلتفت.خاصة وأنهم يقولون بالتسليمة الواحدة، وعلى العموم فإذا اختار أحد هذا القول وعمل به فلا إنكار عليه.
[حكم من أدرك مع الإمام ركعة]
q رجل أدرك ركعة مع الإمام في صلاة المغرب، فهل يقرأ التشهد الثاني مع الإمام حتى يسلم، ثم يكمل ما فاته، أم يقتصر على التشهد الأول؟

a إذا صليت وراء إمام وأدركت شيئا من الركعات، وفاتك شيء منها، ثم جلست الجلسة الأخيرة فبعض العلماء يقول: العبرة بحاله عند ائتمامه كحال الإمام، فإذا كان مؤتما يعتبر حاله كحال الإمام، فيفعل ما يفعله من وراء الإمام، ويتفرع على هذا القول مسائل، منها: أنك لو أدركت الإمام في الركعة الثالثة من العصر تقتصر على الفاتحة، والثالثة من المغرب تقتصر على الفاتحة، والثالثة من العصر كذلك تقتصر على الفاتحة.وأما القول الثاني فإنه يقول: العبرة بالمأموم؛ لأن صلاته مع الإمام هي الأولى.فعلى القول الأول فإنه عند تشهد الإمام التشهد الأخير يعتبر حاله حال المتم، ويتشهد تشهدا كاملا، وهذا أقوى.وعلى القول الثاني يعتبر حاله وراء الإمام حال الباني، فصلاته مع الإمام هي الأولى، ويكون حاله دون حال الإمام.ومن فوائد هذه المسألة أن من أدرك الإمام في التكبيرة الثانية أو الثالثة من صلاة الجنازة، فبعضهم يرى أن العبرة بحاله، فحينئذ يبتدئ بالفاتحة، خاصة وأنها ركن في الصلاة، وحتى لو كان الإمام في الدعاء تداركا لما فات، والقول بأنه يعتبر حاله كحال الإمام أقوى، وذلك لظاهر السنة: (فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا)، فإنه جعل الإتمام والبناء بعد الانفصال، وبعد الإكمال، ولذلك يقوى في هذه الحالة اعتبار حاله مع الإمام كحال الإمام، فيأتم بالإمام على الصورة التي يجده عليها.ولا يشكل على هذا قول من قال: إنه لو أدرك مع الإمام التكبيرة التي قبل الأخيرة في الصلاة على الجنازة فإنه يترك الفاتحة؛ فإننا نقول: إنه لو أدركه وصلى وراءه فإنه يدعو، فكما أنه لو أدركه راكعا، أو أدركه قبل الركوع بقليل لا يتمكن فيه من قراءة الفاتحة فإنها تسقط عنه، كذلك تسقط عنه هنا، فدل على أن مسائل الاضطرار لا تأخذ حكم الاختيار، ولا يلزم فيها بالأصل ولا يعترض به، والله تعالى أعلم.
[الدعاء في الصلاة بغير اللغة العربية]
q هل يجوز الدعاء في الصلاة بغير اللغة العربية؟

a فقد رخص بعض أهل العلم في الأمور التي هي من غير الأذكار والأدعية المخصوصة كالتشهد، فإذا كان الإنسان أعجميا ولا يسعه أن يتعلم الدعاء الوارد فله أن يدعو بلسانه ولا حرج عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثم يتخير من المسألة ما شاء)، ولم يقيد ذلك بلسان، لذلك قالوا: إنه لا حرج عليه.ولأن كثيرا ممن يسلمون ويكونون حديثي عهد بجاهلية لا يستطيعون الكلام، فإذا كانوا من العجم فلا يستطيعون تعلم اللغة ومعرفة اللسان العربي في الدعاء إلا بعد وقت وجهد، ولذلك وسع عليهم من هذا الوجه، فلا حرج عليه أن يدعو بدعائه سواء أكان بعد انتهاء تشهده أم في حال سجوده، والله تعالى أعلم.
[حكم التسليمتين في صلاة الجنازة]
q نرى من يسلم في صلاة الجنائز عن اليمين والشمال، فما حكم التسليم عن الشمال؟

a المحفوظ التسليمة الواحدة، وحكى بعض أهل العلم التسليمة الثانية، لكني لا أحفظ في ذلك حديثا صحيحا عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيسأل، فإذا كان عنده حجة ودليل ثابت في هذا، فحينئذ لا إشكال، وإلا الأصل في التسليم المتابعة وعدم إحداث سلام زائد على ما ورد.

[قول: (اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك) وخلاف العلماء في محله]

q هل ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك) بعد التشهد؟

a نعم، فهذا اختيار بعض العلماء لقوله عليه الصلاة والسلام: (يا معاذ! إني والله لأحبك.فقال معاذ: بأبي أنت وأمي يا رسول الله.وأنا والله أحبك، فقال: أوصيك يا معاذ ألا تدع في دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك).فقال بعض العلماء في قوله صلى الله عليه وسلم: (دبر كل صلاة) إن دبر الشيء منه.فقالوا: تدعو بهذا الدعاء بعد التشهد، فتقول: (اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك).وقال بعض العلماء: إنه يدعو به خارج الصلاة وهو أقوى، وذلك لقوله عليه الصلاة والسلام: (من سبح الله في دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين، وحمد الله ثلاثا وثلاثين، وكبر الله ثلاثا وثلاثين، فتلك تسعة وتسعون، وقال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر).وبالإجماع فإن هذه الأذكار تكون بعد الفراغ من الصلاة، وقد وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بكونها دبر الصلاة، قالوا: قد عرف في اللسان العربي أنه يوصف الشيء بحكم قربه من غيره، ولذلك يقولون: إن قوله: (اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك) إنما يكون بعد الانتهاء من السلام، وهذا المذهب أقوى لوجود النظير الدال عليه، ولأن الأصل أن لا يدخل في الصلاة إلا بدليل، فإذا فعله الإنسان في أثناء التشهد لا ينكر عليه، وإن فعله بعد انتهائه من السلام فهو الأولى والأحرى، والله تعالى أعلم.
[ضابط صلاة الإشراق]
q هل ينبغي لمن جلس إلى الإشراق أن لا يتحرك من مكانه الذي صلى فيه؟ أم أن المقصود بالمصلى المسجد عامة؟

a أما بالنسبة لصحة الحديث الوارد في ذلك والقول بثبوته أو تصحيحه لغيره.فهو يتوقف على مجموع طرق الحديث، والمعتبر بالتحسين منها كله بلفظ: (في مقعده)، (في مصلاه)، والقاعدة أن الإضافة تقتضي التخصيص؛ فإن معنى (مقعده) أي: مكان جلوسه، و (مصلاه) أي: مكان صلاته، ولذلك المحفوظ من كلام أهل العلم أن المراد بمقعده ومصلاه نفس المكان، حتى ولو قام يريد أن يأخذ المصحف فإنه لا يعتبر له هذا الفضل فإنك لو تأملت أن فضل ذلك حجة وعمرة تامة تامة فإنه ليس باليسير، وهذا أمر ينبغي للإنسان أن يجتهد فيه، ولذلك كلما كان الفضل أعظم والأجر أكثر كان الابتلاء أكثر وأعظم، ولذلك ابتلي بأن يثبت في نفس المصلى.ثم إنه ينبغي عليه أن يكون ذاكرا لله؛ إذ بعضهم يجلس وينام، وربما يتكاسل حتى تصيبه السنة من النعاس، ويغفل عن ذكر الله عز وجل، فقد شدد بعض العلماء حتى قال: لو أنه تكلم في فضول الدنيا فإنه لا يؤمن أن يفوته الفضل وهذا أقوى.واعترض على هذا القول بما ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجلس بعد صلاة الفجر فيحلق عليه الصحابة، فيأخذون فيما كانوا فيه من أمور الجاهلية -أي: يتحدثون بما كانوا عليه من الجاهلية- فيضحكون ويتبسم النبي صلى الله عليه وسلم.قالوا: فهذا يدل أنه لا حرج أن يتكلم في أمور الدنيا، ولكن هذا الاعتراض ضعيف؛ لأن الكلام كان من الصحابة، ولم يكن من النبي صلى الله عليه وسلم.والأمر الثاني: أنهم كانوا يتحدثون بما كانوا عليه من أمور الجاهلية على سبيل ذكر نعمة الله عليهم، فكان عبادة من هذا الوجه، فإنهم يذكرون ما امتن الله عليهم بنعمة الإسلام، فيكون التحدث بما كانوا عليه في الجاهلية على سبيل الإشعار بفضل الله عليهم بالهداية للإسلام، ولذلك كان التحدث بالنعم شكرا لله عز وجل، فهو ذكر وطاعة من هذا الوجه.فالذي تطمئن إليه النفس أن يبقى قارئا للقرآن، أو مسبحا، أو مهللا، أو مكبرا، أو مستغفرا، أو قائلا لأذكار الصباح، أو أذكار المساء، ويجلس في ذكر وطاعة، وهذا يحتاج إلى جهاد وصبر حتى ينال فضل الحجة والعمرة التامة التامة.وأما القول بأن مصلاه المسجد كله فلا أحفظ أحدا من العلماء من السلف رحمة الله عليهم يقول به، وخاصة أن ظاهر الحديث لا يساعد عليه، فالقول بأن مصلاه المراد به المصلى كله من باب التجوز، والأصل حمل اللفظ على حقيقته بقيد (مصلاه) أي: مكان صلاته، كما يقال: مسجده أي: مكان سجوده، وهذا هو الأقوى والأشبه بلفظ الحديث، والله تعالى أعلم.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #88  
قديم 21-10-2020, 02:07 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,316
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب الصلاة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (85)

صـــــ(1) إلى صــ(9)

شرح زاد المستقنع - فصل: مكروهات الصلاة
المكروه هو ما يثاب تاركه ولا يعاقب فاعله، وفي الصلاة مكروهات لا ينبغي فعلها؛ لأنها تنقص من الخشوع والإقبال على الصلاة،
ومنها:
الالتفات، ورفع البصر إلى السماء، وإغماض العينين، والإقعاء في الجلوس، وافتراش الذراعين في السجود، والعبث، والتخصر، والتروح، وفرقعة الأصابع، وتشبيكها، والصلاة مع وجود البول، أو الطعام، وتكرار سورة الفاتحة.
[مكروهات الصلاة]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.أما بعد:
[الالتفات]
فيقول المصنف عليه رحمة الله:
[فصل: ويكره في الصلاة التفاته] بعد أن فرغ المصنف رحمه الله من بيان صفة الصلاة المشروعة الكاملة، وشرع الآن في بيان ما يكره للإنسان أن يفعله في الصلاة،
ولذلك قال:
[فصل]،
وأصل الفصل: قطع الشيء عن الشيء،
والفاصل: هو الحائل بين الشيئيين.ووصف العلماء رحمهم الله هذه المواضع بكونها فصلا؛ لأنه يفصل بها بين المسائل والأحكام لاختلاف أجناسها وما تضمنته من معان.وهذا الفصل سيتكلم المؤلف رحمه الله فيه على الأمور المكروهة، وهي التي يتركها الإنسان فيثاب على تركها، ولا يعاقب على فعلها، والسبب في إيراد هذا الفصل في المكروهات هو أن اتقاء هذه المكروهات يحصل به المكلف على كمال الصلاة، فلما فرغ من صفة الصلاة الكاملة نبه على أن هذا الكمال ينبغي أن يكون مصحوبا بترك هذه الأمور التي فعلها يعد خلاف الأولى.
والمكروه:
هو ما يثاب تاركه ولا يعاقب فاعله، ويأتي النهي عنه من الشرع إما في الكتاب، وإما في سنة النبي صلى الله عليه وسلم الصحيحة الثابتة عنه، وتدل الأدلة على أن هذا النهي الوارد في الكتاب، أو الوارد في السنة ليس على ظاهره وإنما هو على الكراهة.
قوله:
[يكره في الصلاة التفاته] أي: يكره للمصلي إذا كان في صلاته أن يلتفت،
يقال: التفت إذا صرف وجهه قبل اليمين أو قبل الشمال،
وهذا الالتفات يكون من المكلف على صورتين:

الصورة الأولى: أن يصرف وجهه مع بقاء جذع جسمه.
الصورة الثانية:
أن يصرف الوجه والجسد.ومراد المصنف رحمه الله هنا صرف الوجه وحده، فإن السنة لمن وقف بين يدي الله عز وجل أن ينصب وجهه، وأن لا يلتفت يمينا ولا شمالا، وهذا من تعظيم أمر الصلاة، وتعظيم الموقف بين يدي الله عز وجل، ولذلك أمر الله باستقبال القبلة، ويكون استقبال المكلف لها بجميع جسمه، فإذا التفت فقد صرف وجهه عن قبلته؛ ولذلك يعتبر هذا ممنوعا عن المصلي.وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الالتفات الذي يقع من الناس،
فقال عليه الصلاة والسلام: (هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد)،
وأصل الاختلاس: الأخذ بسرعة مع غفلة المأخوذ منه،
أي: يأخذ الشيطان حظا بهذا الالتفات من صلاة الإنسان،
حتى قال بعض العلماء:
إنه ينقص أجره على قدر ما كان منه من الالتفات.والالتفات إذا كان ضروريا لحاجة؛ أو أمر ناب الإنسان فالتفت من أجله، فهذا إن كان يسيرا فإنه لا يضر ولا يؤثر في الصلاة.وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أقر أبا بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه حينما كان في الصلاة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد تأخر عن الحضور بسبب كونه يصلح بين حيين من بني عوف بقباء، فتأخر النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة، فجاء بلال إلى أبي بكر وأخبره، فأقام بلال الصلاة وتقدم أبو بكر رضي الله عنه؛ فلما كان في الصلاة قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبح الناس لـ أبي بكر، وكان أبو بكر رضي الله عنه لا يلتفت من كمال خشوعه وصلاته، فلما أكثر الناس عليه التسبيح التفت فإذا هو برسول الله صلى الله عليه وسلم، فتأخر، فأشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن مكانك إلى آخر الحديث.ووجه الدلالة من هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر أبا بكر حينما التفت، ولم يجعل التفات أبي بكر موجبا لبطلان الصلاة، فأخذ العلماء من هذا دليلا أن المكلف إذا كان في الصلاة والتفت لمصلحة الصلاة، أو لأمر مضطر إليه لمصلحة نفسه، كأن يظن أن عقربا يتحرك عن يمينه، أو حية تحركت عن شماله فخاف على نفسه فالتفت، فحينئذ يكون مضطرا إلى هذا الالتفات ومحتاجا إليه، فلا يوجب بطلان صلاته.والالتفات يكون جزءا وكلا،
فالالتفات الكامل: أن يصل الذقن إلى العاتق، وفي هذه الحالة يكون الالتفات كاملا، وأما الالتفات الجزئي فيكون بصرف الوجه قليلا، وهذا لا يؤثر، وقد ثبت في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الرجل إذا شوش عليه الشيطان في صلاته فيتفل عن يساره ثلاثا.فإذا كثرت وساوس الشيطان على الإنسان وهو في الصلاة،
وقال له الشيطان:
اذكر كذا، اذكر كذا.يريد أن يصرفه عما هو فيه من أمور الصلاة والخشوع فيها فإنه يحرك رأسه قليلا دون أن يلتفت التفاتا كاملا، ثم يتفل عن يساره، أي جهة اليسار،
فكونه عليه الصلاة والسلام يقول: (وليتفل عن يساره) يدل على أنه نوع التفات، وهو جزء الالتفات الذي ذكرناه.
أما الالتفات الكامل فقد قلنا:
إنه إذا وجدت الضرورة فلا إشكال، وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه التفت إلى الشعب وهو في الصلاة، وجاء في بعض الروايات أنه كان يلتفت إلى الشعب، وأن الشعب كان في جهة القبلة وهذه الرواية تخفف من شأن الالتفات؛ لأنه لو لم تأت هذه الرواية لفهم منه أنه التفات خارج عن جهة القبلة؛ ولذلك لا حرج على المكلف أن يلتفت قليلا، أو يحرك رأسه قليلا، ولكن مع هذا فإنه بالتفاته من دون حاجة معرض لفوات الكمال،
ولذلك جاء في الحديث:
(لا يزال الله عز وجل مقبلا على العبد في صلاته ما لم يلتفت، فإذا صرف وجهه انصرف عنه)، وهذا يدل على فوات الكمال، والحظ الأوفر للعبد إذا صلى واستشعر موقفه بين يدي الله ولم يلتفت.
أما النوع الثاني من الالتفات: فهو الالتفات بالجذع، وهو الذي يتحرك الإنسان فيه إلى درجة ينحرف فيها عن القبلة، فلو أن إنسانا كان في صلاته ثم سمع صياح صبيه، فالتفت فتحرك جذعه حتى تحركت قدماه بحيث خرج عن كونه مستقبلا الشرق فاستقبل جهة فرعية أو جهة أصلية فإنه تبطل صلاته ولو كانت لضرورة، إلا ما استثني من ضرورة القتال؛ فإنه في حال ضرورة القتال يستثنى لمكان نص الله عز وجل على ذلك في آية المسايفة.
[رفع البصر الى السماء]
قال رحمه الله:
[ورفع بصره إلى السماء] كان من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى أن يرمي ببصره إلى موضع سجوده صلوات الله وسلامه عليه، وهذا أكمل ما يكون من المكلف في خشوعه وخضوعه وذلته بين يدي الله عز وجل وهو واقف في الصلاة؛ فإن هذا يدل على الإقبال على الله عز وجل، والاشتغال بما في الآيات من العظات والذكرى، فأكمل ما يكون من المكلف أن يرمي ببصره إلى موضع سجوده، وهذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم.فأما رفع البصر إلى السماء فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على إنكاره،
فقال عليه الصلاة والسلام:
(ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم)،
ثم شدد فقال عليه الصلاة والسلام:
(لينتهن عن ذلك، أو لتخطفن أبصارهم)،
وفي رواية لـ مسلم:
(أو لا ترجع إليهم)، والعياذ بالله.وهذا يدل على أنه لا يجوز للإنسان أن يصرف بصره إلى السماء،
وذلك لأن القاعدة في الأصول تقول:
(إذا ورد الوعيد على فعل شيء دل ذلك على أنه محرم)، فكون النبي صلى الله عليه وسلم يبين أنه سبب لأن تخطف الأبصار إن استمروا على ما هم عليه يدل على حرمة رفع البصر إلى السماء.وقد جاء في بعض الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقلب بصره في السماء حتى نزلت آية القبلة، ثم نهي عن ذلك،
وقيل: لما نزلت آية المؤمنين: {قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون} [المؤمنون:1 - 1] رمى ببصره عليه الصلاة والسلام إلى موضع سجوده.فلا يجوز للمصلي أن يرفع بصره إلى السماء، ويستوي في ذلك أن يكون في موضع له سقف، أو يكون في موضع منكشف السقف،
وهذا على أن قوله صلى الله عليه وسلم:
(إلى السماء)،
أي: إلى العلو، فإنه حينئذ يكون المراد به أن لا يرمي ببصره إلى أعلى، ويستوي حينئذ كونه مسقوفا أو غير مسقوف.
وقال بعض العلماء: الحكم يختص بالسماء،
أي:
عند نظره إلى السماء.وهذا جمود على ظاهر النص؛
فإننا لو قلنا لهؤلاء: أرأيتم إن كانت السماء مغيمة فإن الحكم واحد عندكم، فالغيم الذي بين المكلفين وبين السماء كالسقف الذي بينهم وبين السماء، ولذلك يستوي أن يكون رفعه للبصر عند وجود الحائل كالسقف، أو يكون بدون حائل كالفضاء.
[إغماض العينين]
قال رحمه الله:
[وتغميض عينيه] تغميض العين: إطباق الجفن على الجفن، فإذا أطبق الجفن على الجفن فقد غمض عينيه، فالتغميض مكروه في الصلاة؛ لأنه من فعل اليهود؛ فإنهم إذا صلوا غطوا رءوسهم وغمضوا أعينهم.
وقال العلماء: إن هذا التغميض يعتبر مكروها، ونص عليه غير واحد من أهل العلم، وهذا الصحيح، ووجه كراهته ما ذكرناه من المشابهة، ولأنه يفوت المصالح، وذلك أن المكلف إذا غمض عينيه قد لا يستطيع أن يدفع المار؛ لأنه مغمض العينين، ولأنها حركة زائدة، وحينئذ لا تشرع إلا بدليل، ويستوي في ذلك تحرك العضو أو جزء العضو.ويستوي في ذلك أن يغمض العينين أو يغمض إحداهما، فالحكم واحد.ولم يكن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أن يغمض عينيه في الصلاة،
وفصل بعض الفقهاء فقالوا:
إذا كان غمض عينيه لكمال الخشوع، أو لكون الموضع الذي أمامه فيه نقوش وزخرفة وإذا نظر إليها اشتغل بها عن الصلاة فغمض، فحينئذ لا حرج، والذي ينبغي ترك التغميض مطلقا، حتى ولو كانت هناك نقوش؛ فإنه من المجرب أن الله إذا أراد بعبده خيرا ورزقه الخشوع يستوي عنده أن يصلي على ذات نقوش أو غيرها، فلو كانت النقوش موجودة وحدد البصر على موضع السجود فإنه سيخشع إن شاء الله، ولذلك الأولى والأكمل والأحرى والأقرب لهدي النبي صلى الله عليه وسلم الامتناع عن تغميض العينين.
[الإقعاء]
قال رحمه الله:
[وإقعاؤه].
يقال: أقعى الكلب إذا ألصق إليتيه بالأرض، وهذه مسألة ينبغي لطلاب العلم أن يتنبهوا لها، فالإقعاء ينصب فيه الكلب -أكرمكم الله- رجليه ويجعل يديه على الأرض، فتكون الإليتين ملتصقة بالأرض والرجلان منتصبتان، فهذا إقعاء الكلب الذي تكلم عليه أئمة اللغة وجهابذتهم كـ أبي عبيدة معمر بن مثنى، وأبي عبيد القاسم بن سلام الجمحي، وناهيك بهما علما وفضلا، فهما أعرف بلسان العرب، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الإقعاء.والذي عليه جماهير العلماء رحمة الله عليهم أنه هو المراد بالحديث، وأن من فعل هذا فقد فعل ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ونهى عنه، وبعض الناس يفعل هذا الإقعاء بين السجدتين، أو يكون جلوسه لهذا الجلوس عند قيامه للركعة الثالثة أو الثانية، فإنك تجده ينصب القدمين ويلصق الإليتين ويتكئ على اليدين كالمرتاح، وبعضهم يهم ويظنها جلسة الاستراحة، وهذا لا شك أنه أبلى وأطم؛ لأن الإنسان حينها يوقع غير المسنون وغير المشروع موقع المسنون.وهذا النوع من الجلوس يستوي فيه أن يكون بين السجدتين، أو يكون حال التشهد، أو يكون عند القيام إلى الركعة الثانية أو إلى الرابعة، فكل ذلك منهي عنه ومحرم.وهناك جلسات اختلف العلماء رحمهم الله في كونها من الإقعاء أو ليست من الإقعاء، ففسر بعض العلماء الإقعاء بكونه ينصب القدمين، ويجعل الإلية على العقبين،
وهذا النصب له صورتان: الصورة الأولى: أن ينصب القدمين، ويجعل الأصابع مستقبلة للقبلة، وتكون الإلية على العقبين.
الصورة الثانية: أن ينصب القدمين ويجعل بطنهما إلى الأرض، ولا يجعل الأصابع مستقبلة القبلة، فإذا جعل البطنين إلى الأرض برز العقبان فكانت الإليتان عليهما.
وهناك صورة ثالثة يدخلها بعض العلماء فيقول: هو أن ينصب القدمين ويجعل يديه على الأرض.والأولون يقولون: يستوي أن تكون يداه على الأرض، أو تكونان على فخذيه.أما كونه ينصب القدمين ويجعل رءوس الأصابع مستقبلة للقبلة فهذا ليس من الإقعاء، لظاهر حديث ابن عباس، إذ فعله بين السجدتين؛ لأن ابن عباس نصب قدميه رضي الله عنه وأرضاه واستقبل بالأصابع القبلة، وجعل إليتيه على العقبين،
فلما قال له تلميذه طاوس بن كيسان: إنه من الجفاء قال: سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم.وهذا يدل على أنه من السنة أن يفعله الإنسان، ولكن بين السجدتين كما ورد عن ابن عباس.
أما الصورة الثانية: وهي أن يجعل بطني القدمين إلى الأرض والعقبين تحت الإليتين والأصابع إلى الأرض ليست بمنتصبة فهذه هي عقبة الشيطان، وسيأتي الكلام عليها إن شاء الله تعالى، وفيها حديث عائشة رضي الله عنها الصحيح من نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الجلسة، فالصحيح أنها محرمة ومنهي عنها من حديث عائشة لا من جهة الإقعاء،
يعني:
إذا رأيت الرجل ينصب قدميه فيجعل بطونهما إلى الأرض مع الأصابع، ثم يجعل الإليتين على العقبين فلك أن تنماه عن ذلك من جهة حديث عقبة الشيطان، لا من جهة حديث الإقعاء، وهذا هو أصح الأوجه عند الجماهير رحمة الله عليهم.ونهي عن هذه الصورة -التي ذكرناها- من الإقعاء لما فيها من مشابهة الحيوان -أكرمكم الله-، وقد شرف الله الآدمي وكرمه كما أخبر الله تعالى في آية الإسراء، وأخبر أنه كرمه وفضله على كثير ممن خلق تفضيلا، ومن باب أولى أن يكرم في أثناء وقوفه بين يدي الله عز وجل، ولذلك نهي عن هذه الصورة، ولأنها لا تتناسب مع الأدب ومقام الذلة بين يدي الله عز وجل، فنهي عن هذه الجلسة لما فيها من بشاعة الصورة؛
ولذلك فإن طاوس بن كيسان لما ذكر أن الرجل يجعل إليتيه على عقبيه قال:
إنه من الجفاء بالرجل.
أي: كان السلف رحمة الله عليهم، وكان الناس في القديم يرون أن هذا جفاء، فكيف بالإقعاء الذي هو صورة الحيوان؟!
[افتراش الذراعين في السجود]
قال رحمه الله: [وافتراش ذراعيه ساجدا] أي: يكره للمكلف إذا سجد أن يفترش ذراعيه افتراش السبع، كما ورد من نهي النبي صلى الله عليه وسلم،
والمراد بالافتراش:
أن يجعل الذراعين ممدودين على الأرض كانبساط الكلب إذا جلس، فإنه ينبسط انبساطا، وهذا الانبساط منهي عنه.فالسنة أن يرفع وأن يجافي عضده عن جنبه، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان يجافي حتى كان الصحابة يشفقون على النبي صلى الله عليه وسلم من كثرة مجافاته، كما في حديث البراء عند ابن ماجة في سننه، ولذلك كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم فعل هذا، لكن لو اضطر الإنسان بسبب ضيق المكان فألزق عضده بجنبه بسبب الضيق وتراص الناس فإن هذا لا حرج فيه، ويعتبر الإنسان فاعلا له بغير الاختيار.
[العبث]
قال رحمه الله:
[وعبثه].
أي: يكره له العبث،
والعبث:
الحركة الزائدة.ووصف المتحرك بغير المشروع في صلاته بكونه عابثا، لأن الأمر يقتضي منه ما هو أشرف وأكمل من اشتغاله بهذا الشيء.
فمثال العبث: أن يصلح ثوبه من دون حاجة، كأن يبالغ في تعديل عمامته على رأسه، أو ينظر إلى ساعته، أو يحركها كما هو حال بعض الناس اليوم أصلحهم الله.ومن العبث كثرة تحريك الأرض، وإصلاح السجاد عند السجود، وكثرة العبث بها، واشتغاله بحركة يديه على فخذه إذا كان جالسا في التشهد، أو بحركة يده بثوبه إذا كان قائما بين يدي الله عز وجل في حال وقوفه،
وقد ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(إن في الصلاة لشغلا)، أي أن المكلف ينبغي عليه أن يشتغل بأمر الصلاة، وشأن الصلاة وحالها يشغل.فقد أثر عن علي زين العابدين أنه كان إذا توضأ تغير وجهه فاحمر،
فقالوا: ما هذا الذي يعتريك عند الوضوء؟
قال:
ألا تدرون من أناجي؟! فالإنسان إذا أقبل على الله عز وجل فهو في شغل، وهو أشرف الأشغال وأعظمها وأجلها وأكرمها، كما قال العلماء، هو الشغل الذي خلق من أجله، وهو العبادة،
قال تعالى:
{وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} [الذاريات:56]، فهذا هو الشغل وأنعم به من شغل، فكونه ينصرف عما هو بصدده من الإقبال على الله عز وجل إلى تحريك اليدين، أو العبث بالفخذ، أو العبث بالساق، أو كثرة الحركة، أو الترنح أثناء الوقوف فكل ذلك مما لا يليق بالمصلي.فإذا كان العبث يكثر منه إلى درجة لو رآه إنسان لظن أنه في غير صلاة حكم بكونه قد بطلت صلاته، أما لو كان عبثه يسيرا فإنه حينئذ يكون بين درجة الحرام ودرجة المسنون وهو المكروه،
فقالوا:
يكره.فالعبث الذي يريده المصنف هنا رحمة الله عليه هو العبث الذي لا يخرج المصلي عن كونه مصليا، أما لو بالغ في العبث فحينئذ تبطل صلاته.
فلو قال قائل:
ما دليلكم على أن الحركة اليسيرة لا تبطل الصلاة ولو لم تكن من جنس الصلاة؟
قلنا:
ثبوت السنة بذلك؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم حينما وقف في صلاة الليل ووقف معه ابن عباس أخذ يفتل أذنه صلوات الله وسلامه عليه، وهذا نوع حركة وهي خارجة عن الصلاة، وهذا يدل على أنه لا حرج.
[الاختصار]
قال رحمه الله:
[وتخصره].
الاختصار للعلماء فيه أقوال: قال بعض العلماء: التخصر الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح هو وضع اليدين على الخاصرة،
وهذا الوضع للعلماء فيه ثلاثة أوجه في التعليل:
الوجه الأول: أنه من فعل الشيطان، فنهي عنه حتى لا يشابه الشيطان.
والوجه الثاني: أنه فعل اليهود، فنهي عنه حتى لا يشابه اليهود.
والوجه الثالث:
أنه صنيع المتكبرين، والمقام مقام أهل الذلة والخضوع، وهم الخاشعون، فلا يليق أن يقف بهذا الموقف بين يدي الله عز وجل.وهذه الثلاثة الأوجه صحيحة؛ فإنه لما نهى عنه الشرع دل على أنه من الشيطان، ولذلك ينسب المنهي عنه إلى كونه من فعل الشيطان.أما كونه من فعل اليهود فقد جاء عنهم أنهم يفعلون ذلك في صلاتهم.وأما كونه من صنيع المتكبرين فإن أهل التكبر إذا أعجبتهم أنفسهم تخصروا، فوضع الواحد منهم يديه في خاصرته كالمستعظم لنفسه والمتعالي، والمقام مقام ذلة بين يدي الله عز وجل،
فلذلك قالوا: لا يناسب الحال -أعني الخشوع بين يدي الله- أن يتخصر، فنهي عنه.
وقال بعض العلماء: المراد بالتخصر: الاختصار، وهو اختصار الآيات، كأن يقرأ من بعض السور آية أو آيتين ثم ينتقل إلى سورة أخرى، ويقرأ منها آية أو آيتين.
وقال بعض العلماء: الاختصار الذي نهي عنه: السرعة والاختلاس في الصلاة، بمعنى أنه يختصر الصلاة، فبدل أن تكون على قدر من الزمان تكون على ما هو أقل منه، والمراد بذلك الاستعجال حتى إنه لا يعطي الأركان حظها، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه؛ لأنه يفوت الطمأنينة.فهذه أقوال العلماء رحمة الله عليهم في مسألة الاختصار، وجميع ما ذكرنا منهي عنه إلا مسألة انتقاء الآيات من القرآن، فالصحيح أنك لو أخذت آية من البقرة وقرأتها في الركعة الأولى، ثم أخذت آية من آل عمران وقرأتها في الركعة الثانية فلا حرج؛ فإن الاختصار بهذا المعنى ثبتت فيه السنة، كما في حديث ركعتي الفجر،
فقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم في الأولى منها بقوله تعالى:
{قولوا آمنا بالله} [البقرة:136]،
وفي الركعة الثانية بقوله تعالى:
{قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم} [آل عمران:64]، فدل هذا على جواز اقتطاع آيات من القرآن في الركعات، وأنه لا حرج فيه.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #89  
قديم 21-10-2020, 02:08 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,316
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب الصلاة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (86)

صـــــ(10) إلى صــ(15)

[التروح]
قال رحمه الله: [وتروحه].
التروح في الصلاة: مأخوذ من المروحة، وذلك من شدة الحر؛ لأن الإنسان ربما كان في مكان حار، خاصة في القديم؛ فإن المساجد لم تكن مهيأة فيها وسائل الراحة والاستجمام، فلربما مع كثرة الناس -خاصة في الجمع، أو في غيرها، أو في التراويح- يكون الحر شديدا، والمسجد مع كثرة الناس فيه تشتد حرارته، فربما احتاج أن يحرك شيئا يتروح به، وهذا مكروه وممنوع منه؛ لأنه يخالف هيئة المصلي، ولأنها حركة زائدة لغير مصلحة الصلاة، لكن قالوا: هو مكروه مع وجود الحاجة، أي إذا كان الإنسان محتاجا إليه،
فقالوا:
إذا كان يسيرا فإنه يعتبر مكروها لا يوجب بطلان صلاته، كأن تكون معه المروحة،
فإذا اشتد عليه الحر إلى درجة تزعجه قالوا:
يدفع هذا الإزعاج؛ لأنه يحصل مقصود الصلاة من حضور القلب، فإن الحر يزعجه، وربما يخرجه عن كونه خاشعا في صلاته.وهناك نوع من التروح، وهو المراوحة بين القدمين، فإنك تجد بعض المصلين إذا طال عليه القيام في الصلاة يقف على القدم اليمنى وتكون اليسرى مرسلة لا يعتمد عليها، فإذا طال قيامه انتقل إلى الجهة اليسرى، فكان اعتماده على اليسرى وأصبحت اليمنى خفيفة الثقل، فأرسلها لكي يتروح.وهذا أثر عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما،
وقالوا:
إنه السنة، وهذا هو المقصود، وهو أن يكون هناك تروح، بمعنى أن يفرج بين القدمين، ولذلك لا يرص القدمين معا إذا وقف، ولا يبالغ في التفريج، إذا وقف المصلي فلا يسن له أن يبالغ في توسعة ما بين القدمين، ولا يبالغ أيضا في رص القدمين فيجمعهما.ولذلك لما رأى ابن عمر رضي الله عنهما هذا الفعل أنكره، وبين أنه خلاف سنة النبي صلى الله عليه وسلم؛
ولذلك قالوا:
يكون في قيامه وسطا، ويروح بينهما، بمعنى أنه يعتمد على إحداهما، لكن كره بعض العلماء المبالغة في التروح؛ فإن البعض إذا رأيته متروحا وهو واقف ربما أنكرت أنه في صلاة، وهو التروح المبالغ فيه، كأن يعتمد اعتمادا كليا على اليسرى ويرسل اليمنى، وهي صورة ربما يكون فيها نوع من الفوات للأكمل، ولذلك لا حرج أن يروح بين الأقدام، خاصة عند طول القيام، والسنة وسط،
بل قال بعض العلماء:
من رص القدمين معا فقد تنطع، ومن بالغ في إلزاقها بمن هو بجواره فقد تنطع، فالمبالغة في التفريج والمبالغة في الضم كلاهما ذميم، وإنما السنة وسط.لكن هنا مسألة، وهي أنه إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر بإلزاق الكعب بالكعب والمنكب بالمنكب، وكان الإنسان لا يستطيع أن يلزق الكعب بالكعب إلا إذا مد رجله ذات اليمين ومد الأخرى ذات اليسار،
فقال العلماء:
هذا فيه تفصيل،
فبعض العلماء رحمة الله عليهم يقولون:
إن الذي ينبغي أن الإنسان يرتص مع من بجواره، ويسحب الذي بجواره إليه، فإن امتنع الذي بجوارك أن يقترب منك فالإثم عليه والإخلال منه،
قالوا:
فلا يقتضي أن تبالغ في وجود الاتساع بين القدمين.وبناء على فإن الأصل أن الإنسان يقف وقوفا اعتياديا، فإن احتاج إلى شيء قليل من التفريج لينضم إلى من بجواره حتى يصيب السنة من رص القدم بالقدم فحينئذ لا حرج، أما أن يبالغ في التفريج فإن هذا خلاف السنة، وخلاف صورة الأدب في الوقوف بين يدي الله عز وجل.وإذا قلنا: إنه يسحب من بجواره إليه حتى يرتص القدم مع القدم، وتلزق المنكب بالمنكب، فحينئذ يردq إلى أي جهة يرتص؟ وهذه المسألة كثيرا ما تقع، فلو أن إنسانا مع الإمام وجاء فجذب الذي عن يمينه إليه، فأيهما أحق؟! هل الذي عن اليمين، أو الذي عن الشمال؟
قال العلماء: العبرة بجهة الإمام، فإذا دخلت المسجد وكان الإمام في جهة اليمين فإنك تجذب الذي في جهة اليسار؛ لأنه ينبغي عليه أن يرتص إلى جهة الصف، وبناء على ذلك لو كان في جهة اليسار فإنك تجذب الذي في جهة اليمين.وعلى هذا تتفرع مسألة إتمام الصفوف، فإنه إذا جاء الإنسان بعد اكتمال الصف الذي أمامه،
فقد قالوا:
الأفضل له أن يقف وراء الإمام من جهة اليمين.
وقال بعض العلماء: بل الأفضل أن يكون وراء الإمام قصدا؛
لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليلني منكم أولو الأحلام والنهى).فجعل هذا المقام مقام فضل،
فقالوا:
الأفضل أن يكون وراءه مباشرة، ثم يليه في الفضل من كان عن يمينه، ثم من كان عن يساره،
وفي الحديث:
(إن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف)، وفيه كلام.فالمقصود أنه إذا جئت وراء الإمام مباشرة حق لك أن تسحب من على اليمين ومن على الشمال، لكن إذا كنت منحرفا عنه إلى جهة اليمين فإنك تسحب من كان عن يمينه، وإذا كنت على شماله فإنك تسحب من كان عن شماله، وقس على هذا.
[فرقعة الأصابع وتشبيكها]
قال رحمه الله: [وفرقعة أصابعه وتشبيكها].
فرقعة الأصابع أن يضغط على الإصبع حتى يسمع له الصوت، وهذه الفرقعة نهي عنها وتعتبر مكروهة، ولذلك أثر عن حبر الأمة وترجمان القرآن رضي الله عنه وأرضاه أنه كان معه مولاه ففرقع أصابعه في الصلاة،
فلما سلم رضي الله عنه وأرضاه قال له:
أتفرقع أصابعك في الصلاة لا أم لك؟!
أي:
وأنت واقف بين يدي الله عز وجل تفعل هذا الفعل! فهذا الفعل لا يليق، ولو فعل بين يدي أهل الفضل وأهل العلم وأهل المكانة فإنه يعد من سوء الأدب، فكيف بالموقف بين يدي الله عز وجل؟ ولله المثل الأعلى، ففرقعة الأصابع لا تنبغي، ولذلك إذا كان الإنسان في صلاته فإنه لا يفرقع، وفيه أحاديث مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عنه.
قوله:
[وتشبيكها].
التشبيك: إدخال الأصابع بعضها في بعض، وهذا التشبيك إما أن يكون خارج المسجد، أو يكون داخل المسجد، فإن كنت خارج المسجد قاصدا إلى المسجد فلا تشبك، فقد جاء فيه حديث أبي داود بالنهي،
وقد ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من توضأ ثم خرج يريد الصلاة فهو في صلاة)،
ولذلك قالوا: ينبغي عليه أن يراعي أدب المصلي من السكينة والوقار، وقد ثبتت بذلك الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم،
فقالوا:
إذا شبك بين أصابعه فإنه يخالف هيئة الصلاة، ولذلك لا يشبك وهو قاصد إلى المسجد لجمعة أو جماعة.فإذا كان في المسجد فإنه إذا كان قبل الصلاة -كأن يكون في حال دخوله، أو في كونه ينتظر الفريضة- فالحكم سواء، فإنه لا يشبك بين الأصابع لورود النهي، ولأنه في حكم المصلي، وقد ثبتت في ذلك الأحاديث.وإن كان داخل الصلاة فالأمر أشد، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه،
وقالوا: إنه فعل اليهود في صلاتهم،
وجاء في الحديث عنه عليه الصلاة والسلام أنه:
(رأى رجلا شبك بين أصابعه في الصلاة ففرقها).
فإذا انتهت الصلاة فللعلماء وجهان: قال بعضهم: يستمر النهي.
وقال بعضهم:
لا يستمر،
فإذا أراد أن يقوم بذلك وهو في داخل المسجد فلا حرج وقد ثبت بذلك حديث أبي هريرة في الصحيحين:
(صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي، قال: فصلى بنا ركعتين ثم سلم، فقام إلى خشبة معروضة في المسجد فاتكأ عليها كأنه غضبان ووضع يده اليمنى على اليسرى وشبك بين أصابعه) الحديث.
قالوا:
وهذا بعد انتهاء الصلاة؛ لأنه كان يظن أن الصلاة قد انتهت، فدل على أنه لا حرج في التشبيك بعد الصلاة وبعد انتهائها.
[احتقان البول]
قال رحمه الله: [وأن يكون حاقنا].
أي يكره أن يكون حاقنا ببول، والسبب في ذلك أنه إذا كان البول يزعجه ويحتاج إلى إخراجه، فإنه ينشغل عن الخشوع في الصلاة، كما قال تعالى: {ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه} [الأحزاب:4]،
وفي الصحيح من حديث أم المؤمنين عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافع الأخبثين) قالوا: فدل هذا الحديث على أنه لا ينبغي للإنسان إذا كان محصورا ببول أو غائط يدافعهما أن ينشغل بذلك عن الصلاة، وإنما يقضي حاجته ويتوضأ ويتطهر، ثم يصلي وقلبه قد فرغ من هذا الشغل، وهذا مبني على حديث عائشة الذي ذكرناه.وألحق العلماء بهذا شدة الحر وشدة البرد، فإذا أمكنه أن يتقيهما فإنه يتقيمهما ثم يصلي، فلو كان المكان شديد البرد وأمكنه أن يأتي في مكان أخف برد فإنه يتنحى إلى ذلك.
وهنا مسألة لطيفة وهي: لو كان المكان الذي هو أخف بردا يبعد عن المكان الذي فيه البرد بقدر بحيث يفوته وقت أفضل وهو وقت أول الصلاة، فهل الأفضل له أن يذهب إلى المكان الذي هو منفصل وبعيد، حتى يكون أبلغ لخشوعه، أم أنه يصلي إدراكا لفضيلة أول الوقت؟
قال بعض العلماء:
فضيلة أول الوقت أفضل ويغتفر فيها فوات الخشوع؛ لأنه كمال.
وقال بعض العلماء: هذا من تعارض الفضيلتين: فضيلة تخفيف البرد الذي يزعجه ويشغل ذهنه، وفضيلة الوقت، ولا شك أن الإزعاج المتعلق بذات الصلاة دفعه أولى من الفضيلة المنفكة عن الصلاة، وأميل إلى هذا القول الثاني لوجود النهي عن الصلاة حال مدافعة الأخبثين؛ فإن ورود النهي يقوي أن فضيلة الحضور للقلب والخشوع أبلغ من فضيلة أول الوقت، فلو أنه تنحى إلى المكان الذي لا برد فيه أو لا حر فيه، وكان الوقت بقدر لا تفوت به الصلاة فإن هذا أفضل وأكمل على ظاهر ما ذكرناه.

[تكرار الفاتحة]
قال رحمه الله:
[وتكرار الفاتحة].
تكرار الفاتحة يأتي على وجهين:

الوجه الأول: أن لا يكون معذورا.
والوجه الثاني:
أن يكون معذورا بالتكرار.أما التكرار الذي لا يعذر فيه فكأن يقرأ الفاتحة مع علمه أنه قرأها،
فللعلماء قولان: قال بعض العلماء: من كرر الفاتحة عالما أنه كررها بطلت ركعته.
وقال بعضهم: بل تبطل صلاته،
ووجه ذلك:
أن الفاتحة ركن، فإذا كررها مرتين فإنه يكون قد زاد ركنا قوليا، وزيادة الركن القولي مؤثرة كزيادة الركن الفعلي، فهذا وجه من يقول في أن من كرر الفاتحة تبطل صلاته.وقال بعض العلماء -كما درج عليه المصنف-: من كرر الفاتحة كره له ذلك، ولا تبطل صلاته؛ لأنه خلاف السنة، ولا تبطل صلاته؛ لأن زيادة الأقوال ليس كزيادة الأفعال.وهذا مركب على مسألة الزيادة في الماهية والخارج عن الماهية؛ فإن زيادة الأفعال تعتبر زيادة في الماهية فأبطلت؛ لأنها زيادة في هيئة الصلاة، بخلاف زيادة الأقوال فإنها لا تؤثر في الهيئة، فالهيئة على ما هي عليه،
قالوا:
وبناء على ذلك لا يؤثر هذا على صلاته.إلا أن تسليم أصحاب هذا القول بأن الفاتحة ركن يوجب إحراجهم من هذا الوجه، ولذلك ينبغي اتقاء تكرار الفاتحة على هذا الوجه.
الوجه الثاني:
تكرارها لحاجة، مثل الذي يشك أنه قرأ الفاتحة،
فهذا لا يخلو من حالتين:
الأولى: أن يكون الشك معه طارئا، كما لو صليت ذات يوم الظهر، ثم شككت هل قرأت الفاتحة أو لم تقرأها، فاليقين أنك لم تقرأ، فتقرأها وتلزمك قراءتها.ففي هذه الحالة إذا كان الشك طارئا فحينئذ لا حرج وأنت معذور لوجود السهو.
الحالة الثانية:
أن يكون الشك مسترسلا، كالموسوس،
فإنه حينئذ لا يخلو شكه في الفاتحة من حالتين:
الحالة الأولى: أن يكون بعد دخوله في السورة،
فإذا دخل في السورة وجاءه الشيطان وقال له:
لم تقرأ الفاتحة فإنه يلغي هذا الشك؛ لأن الظاهر من حاله بدخوله في السورة أنه قد قرأ الفاتحة، ووجود الشك المسترسل يدل على ضعف هذه الشبهة، فيبقى على دلالة الظاهر ويلغي الأصل من هذا الوجه.
الحالة الثانية: أن يكون شكه في حال سكوته، والتبس عليه كون سكوته بين الفاتحة وبين السورة، أو بين دعاء الاستفتاح وبين الفاتحة، فالأصل أنه ما بين دعاء الاستفتاح وما بين الفاتحة فيقرأ الفاتحة ولا حرج عليه في هذا التكرار.
قال رحمه الله:
[لا جمع سور في فرض كنفل].
أي:
أنه لا يكره تكرار السور وجمعها في فرض، فلو أن إنسانا قرأ سورتين في ركعة فلا حرج عليه، وليس بمكروه، وقال بعض العلماء بالكراهة، ولكن السنة خلافه،
ففي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أقر الصحابي الذي كان يقرأ:
{قل هو الله أحد} [الإخلاص:1] في كل ركعة، فإنه كان يقرؤها مضافة إلى السورة،
وكان ابن مسعود يقول: (إني لأعرف النظائر التي كان يجمع بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاته)، فلا حرج أن تجمع بين السورتين في ركعة واحدة.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #90  
قديم 21-10-2020, 02:10 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,316
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب الصلاة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (87)

صـــــ(16) إلى صــ(18)

الأسئلة
[حكم تغميض العينين في المساجد المزخرفة]
Q في المساجد المزخرفة -خصوصا إذا كانت الزخارف في مواضع السجود- هل يجوز للمصلي أن يغمض عينيه؟

A باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.أما بعد: فقد قال بعض العلماء: إنه إذا كان في الأرض زخرفة أو نحوها فإنه لا بأس بتغميض الإنسان لعينه؛ لأنه يحصل الخشوع بالانكفاف عن هذه الزخرفة.ولهذا القول ما يدل عليه في السنة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح عنه قال: (أميطي عنا قرامك هذا، فإنه لا تزال تصاويره تعرض في صلاتي)، قالوا: هذا يدل على أن الإنسان مهما بلغ من الخشوع فإنه يشغل، ولو جاهد الإنسان نفسه فإن الله عز وجل يعينه.وكنا في القديم نغمض ونظن أن هذا يعين على الخشوع فوجدنا أن المجاهدة أفضل، حتى يصبح هذا الشيء شيئا عاديا عندك، بحيث إذا ألفته وأحدقت البصر إلى موضع سجودك وتأثرت بالآيات وأحسست أن الله يخاطبك بها بما فيها من الوعد والوعيد والترغيب والترهيب فإن هذا يدعوك إلى التأثر وعدم الالتفات إلى الزخرفة، ولذلك الذي تطمئن إليه النفس أن الإنسان يجتهد قدر استطاعته، ويجاهد عل الله عز وجل أن يبلغه إلى هذه الدرجة من الكمال، والله تعالى أعلم.
الواجب على من ترك الركوع سهوا

qرجل كان يصلي وراء الإمام، وقد قرأ الإمام في آخر قراءته آية سجدة ثم ركع، ولكن هذا المأموم لم يركع مثل الإمام، وإنما سجد سهوا، فماذا يكون على هذا المأموم؟

A هذا أمر ينبغي التنبيه عليه لأئمة المساجد وطلاب العلم، فقد نبه العلماء رحمة الله عليهم أن من فقه الإمامة أن لا يفعل الإمام شيئا يوجب اختلال صلاة الناس وراءه، وهذا من النصح للعامة، ووجه ذلك أنه إذا وقف على موضع السجدة أربك الناس، فلا يدري الناس أهو ساجد أم راكع خاصة إذا كان هناك أناس يقتدون به في خارج المسجد، فترى هذا راكعا وهذا ساجدا، وترى آخر قائما حائرا لا يدري، أيسجد أم يركع، ولذلك ذكروا أن من فقه الإمامة التنبه لمثل هذه الأمور.قالوا: فإذا قرأ ذلك ووقع فيه فإن لم يكن عنده رغبة أن يسجد فليصلها بسورة بعدها، فإنه إذا قرأ الآيتين والثلاث، أو استفتح سورة مثل سورة (اقرأ)، ولا رغبة له في السجود فإنه يستفتح بسورة القدر، فإن دخوله بسورة القدر ينبه على أنه لا يريد الركوع، قالوا: حتى ولو قرأ منها آيتين لينبه الناس على أنه غير ساجد، ثم يركع بهم.ولذلك يقولون: ينبغي للإمام أن يكون عنده العلم بأحكام الإمامة وفقه الإمامة.أما بالنسبة لحكم هذه المسألة فإن الإمام إذا كبر وركع ثم سجد الناس، فمن سجد صح سجوده، وحينئذ إذا رفع الإمام يقوم مباشرة، ثم يركع ويدرك الإمام في الرفع من الركوع وصلاته صحيحة؛ لأنه سجد على وجه الإخلال، ويحمل الإمام عنه هذا السهو.وأما إذا لم يركع وإنما سجد ثم قام من سجوده فوقف مع الإمام في الرفع من الركوع ولم يركع فعليه أن يلغي هذه الركعة، فإذا سلم الإمام قضى هذه الركعة؛ لأنه لم يركع.فإن تدارك صحت ركعته، وإن لم يتدارك وجب عليه قضاء الركعة، فإن خرج من المسجد ولم يقض هذه الركعة وجب عليه قضاء الصلاة كاملة.فالخلاصة أن الصور ثلاث: الأولى: أن لا يركع ولكن يتدارك، فصلاته صحيحة وركعته مجزية.الثانية: أن لا يركع ولا يتدارك فتلزمه الركعة، فإن فعلها وهو في المسجد وقام وتحرك كما في قصة ذي اليدين، فحينئذ صلاته صحيحة.الثالثة: فإن خرج من المسجد ولم يتدارك هذه الركعة لزمه قضاء الصلاة كاملة، والله تعالى أعلم.
[وصايا لطلاب العلم قبل الامتحانات]
q أقبلت الامتحانات، فما هو الذي ينبغي على طالب العلم فعله في هذه الأيام؟

A يوصى طلاب العلم بأمور: أولا: إخلاص العمل لوجه الله عز وجل وإرادة ما عند الله سبحانه وتعالى؛ فإن الله سبحانه وتعالى يأجر الإنسان على قدر نيته، فلا يغلب طالب العلم نية الدنيا على الآخرة.الأمر الثاني الذي يوصى به طالب العلم: الاعتماد على الله، كما قال تعالى: {وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده} [الفرقان:58]، فلا تعتمد على ذكائك ولا على فهمك، ولا على حفظك ولا على تحصيلك، ولكن توكل على الله، فإن الله قادر على أن يترك الإنسان وهو على أكمل ما يكون من الذكاء والحفظ حتى يدخل إلى الاختبار فينسيه جميع ما حفظ، والله على كل شيء قدير، وربما يبتليه بمرض في رأسه أو جسمه فيصبح في شتات من أمره لا يستطيع أن يبلغ ما يريد.فنحن تحت رحمة الله عز وجل، وإذا أردت أن تنظر إلى توفيق الله لك في الأعمال فلا تستفتح عملا إلا وأنت تعلقه على حول الله وقوته.وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم المأثور: (يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين)، فلا يصلح الشئون إلا هو سبحانه، فالتوكل على الله تعالى، كما قال تعالى: {وتوكل على الحي الذي لا يموت} [الفرقان:58]، وقال الله في كتابه: {ومن يتوكل على الله فهو حسبه} [الطلاق:3]، وأيام الاختبارات أيام صعبة، وفيها هموم وغموم، فالإنسان يذهب هذه الهموم والغموم بالاعتماد على الله عز وجل والتوكل على الله سبحانه وتعالى وحسن الظن به.الأمر الثالث: ينبغي لطلاب العلم أن يتراحموا، وأن يكون بينهم ما ينبغي أن يكون بين طلاب العلم من البعد عن الأنانية والبخل بالخير على إخوانهم، فإن احتاج أخوك إلى شرح مسألة أو كتاب أو ملخص فأعطه، وإياك وما يسوله الشيطان حين يقول: هذا مهمل متكاسل.فمن الآن تعود على الإيثار، فلربما كانت عنده ظروف، أعطه ملخصك وانصحه، فلذلك لا ينبغي للإنسان أن يبخل على الناس، وطالب العلم الذي يبخل اليوم سيبخل غدا، والذي فيه الأنانية اليوم فيه الأنانية غدا.فينبغي لطالب العلم أن يوطن نفسه على الإيثار وحب الخير للناس، فإن الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، والعلم رحم بين أهله، فإذا احتاج أخوك إلى مساعدة، أو إلى شرح مسألة فلا تبخل فإن الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.الأمر الرابع: البعد عن المحرمات، ومنها الغش في الاختبار؛ لأن الغش في الاختبار يعتبر كبيرة من الكبائر ولا شك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من غشنا فليس منا)، ولأنه يفضي إلى استباحة الأمور المحرمة؛ لأن الإنسان ينال شهادة مزورة وهو ليس بأهل لهذه الشهادة، بل قال بعض العلماء: يشتبه في رزقه، إلا أن يتوب فيتوب الله عليه.ولذلك ينظر فإن نال الشهادة بالزور وبالغش -والعياذ بالله- فأقل ما يكون أن يمحق الله بركة ماله، ولذلك تجده يأخذ المال الكثير وليست فيه بركة، ولو تاب لتاب الله عليه.الأمر الخامس الذي ينبه عليه: تعظيم شعائر الله عز وجل، فإن الطلاب في الاختبارات ربما يقطعون أوراق القرآن من المصاحف، وربما يمتهنون بعض الكتب، فينبغي التناصح في هذا الأمر، فلا يجوز امتهان كتاب الله ولا تمزيق أوراق المصحف، وكذلك لا يجوز امتهانها بوضعها في الطرقات والوطء عليها بالأقدام.ولذلك يخشى على الإنسان إذا رمى بورقة أن يطأ عليها أحد فيكون عليه وزر؛ لأنه هو السبب، والتسبب في الأشياء يوجب ضمان ما نشأ عنه، لذلك من يتسبب في امتهان كتبه وأوراقه بمجرد أن ينتهي من اختباره، أو يضعها في مكان تعبث بها الرياح فهذا لا يجوز، وينبغي التناصح في هذا الأمر.كذلك أيضا أوصي بوصية ينبغي التنبه لها، وهي حقوق الأبناء في مثل هذه الأيام، فعلى الآباء والأمهات أن يتقوا الله في الأبناء والبنات؛ فإن أيام الاختبار أيام عصيبة، ويكون الطلاب فيها في هم وغم، فينبغي الرفق بهم والتوسعة عليهم وإعانتهم وتيسير الأمور لهم وتقوية صلتهم بالله عز وجل، وغير ذلك من الأمور التي ينبغي أن يسديها الوالدان إلى الولد في مثل هذه المواقف، وينبغي القيام بالواجب والمسئولية.وبعض الآباء لا يهمه أن يضبط ابنه العلم أو لا يضبطه، والله سائلك عن ضبط ابنك للعلم؛ لأن تعلم الابن ومعرفته بأمور دينه وما يتصل بها من الأمور التي يحتاجها لحياته أمر مطلوب.فينبغي شحذ همم الأبناء والبنات وإعانتهم على مراجعتهم، وتيسير الأمور التي تعينهم على الخير وبلوغهم لأفضل الغايات؛ لأن هذا من النصيحة؛ فإن من نصحك لولدك قيامك عليه على هذا الوجه الذي يرضي الله عز وجل.وكلمة أخيرة إلى من ابتلاه الله بالتدريس، فإني أسأل الله العظيم أن يشكر سعيهم، وأن يعظم أجرهم، وأن يجزيهم على أبناء المسلمين وبناتهم كل خير، فنعم ما يصنعه المعلم من كلمات طيبة، فأسأل الله أن يتقبل منا ومنهم صالح العمل، فلا يعلم مقدار ما يبذله المعلم والموجه لمن يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، فالله أعلم كم تمر عليه من ساعات هم وغم، حتى وإن كان يعلم شيئا من أمور الدنيا، فإن المسلمين بحاجة إلى طبيب وبحاجة إلى مهندس، وبحاجة إلى كل من يسد ثغور الإسلام ولو كان في أمور الدنيا ما لم تكن محرمة، فالمعلم بقيامه بهذه المسئولية على خير، وهو مأجور عند الله عز وجل، فنسأل الله أن يتقبل منا ومنكم.والوصية التي يوصون بها: الرفق بالطلاب، وإحسان الظن بهم وعدم التشويش والتضييق عليهم؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به).فبعض المدرسين يأتي بأسئلة تعجيزية، وبعضهم يحاول أن يضيق على الطلاب، وكأن الاختبار شيء من المنافسة والأذية والإضرار، وهذا لا يجوز؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا ضرر ولا ضرار)، فرفقا بأبناء المسلمين وبناتهم، ولتتق الله في هذا الابن الذي يأتيك متوتر الأعصاب شارد الذهن مهموما مغموما مكروبا، فينبغي الرفق بمثل هؤلاء، خاصة وأنهم ذرية ضعيفة، فإن الله سمى الأطفال -خاصة صغار السن- ذرية ضعيفة، فمثل هؤلاء يرفق بهم.وبعض المعلمين إذا رأى التقصير من الطالب سبه وشتمه وأهانه، بل ربما ضيق عليه، فيخرج هذا الطالب بهم وغم يبقى معه دهره كله، فلربما يصاب بمرض في نفسه أو في عقله، وهذا لا يجوز، فهؤلاء أمانة والله سائلنا عنهم، فينبغي الرفق بهم والإحسان إليهم وأخذهم بالتي هي أحسن، وإذا كنت في المدرسة ورأيت من يشدد فذكره بالله عز وجل، وذكره أن حوله بحول الله، وأن قوته بقوة الله عز وجل.ولذلك لما ضرب أبو مسعود رضي الله عنه وأرضاه غلامه وهو يملكه قال: أغضبني فضربته ضربا شديدا، فسمعت صوتا من ورائي لم أستطع أن أتبينه من شدة الغضب، فالتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لي: (اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام).فلذلك ينبغي على الإنسان أن يتقي الله في أبناء المسلمين وبناتهم فهم أمانة، وينبغي أن نعرف نفسياتهم والضيق الذي هم فيه والكرب، فإن الله عز وجل يرحم من عباده الرحماء، وفي الحديث: (من لا يرحم لا يرحم)، وهذا لا يعني أن نسوي بين الخامل وبين المجد، فيستطيع المدرس الموفق الناجح أن يعطي كل ذي حق حقه، وأن يزن بالقسطاس المستقيم، وهذا لا شك فيه، لكن بطريقة ليس فيها إضرار بأمثال هؤلاء الضعفة الذي ينبغي الإحسان إليهم.والشدة المبالغ فيها تنفر، ولو كان المعلم يدرس أفضل العلوم وأحسنها، فإنها تنفر، ولربما يكره بعض الطلاب كتاب الله عز وجل -والعياذ بالله- لصغرهم وجهلهم بسبب الأذية والإضرار، فينبغي تهيئة من يعين الطلاب على بلوغ هذه الغايات الطيبة، فنسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجيرنا وإياكم من امتحان الآخرة، فينبغي علينا أن نتذكر في مثل هذه المواقف حينما يدخل الطالب إلى الاختبار وقد هيئت له الأمور، فكيف إذا قدم العبد على الله عز وجل في يوم تشخص فيه الأبصار؟! ولا شك أن الإنسان الموفق يتنقل من فكرة إلى فكرة ومن عبرة إلى عبرة، فاختبار الدنيا يذكر باختبار الآخرة.ويا للعجب حين تجد الآباء والأمهات مشفقين على الأبناء والبنات وهم يذهبون إلى الاختبارات، والأكف ترفع بالدعوات، ولا يبالي الأب بابنه في الامتحان الأكبر، ومن منا سأل الله لنفسه وأولاده أن يجيرهم الله من عذاب الآخرة؟ فإن الامتحان كل الامتحان في الآخرة.فنسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجيرنا من هول يوم الوعيد، وأن يؤمننا من سطوة ذلك اليوم الشديد، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وأن يتقبل منا ومنكم صالح العمل، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 318.89 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 312.83 كيلو بايت... تم توفير 6.06 كيلو بايت...بمعدل (1.90%)]