الطلاق هل هو الحل؟ - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حق الجار والضيف وفضل الصمت.محاضرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          حبل الله قبل كلّ سبب وفوقه .! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          اضربوا لي معكم بسهم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          ونَزَعْنا ما في صدورهم من غِلٍّ إخواناً على سُرُر متقابلين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          أنت وصديقاتك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          التشجيع القوة الدافعة إلى الإمام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          شجاعة السلطان عبد الحميد الثاني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          نظرات في مشكلات الشباب ومحاولة الحل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          دولة الموحدين - ملوك دولة الموحدين عبد المؤمن وابنه يوسف وحفيده يعقوب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          عقد مودة ورحمة بين زوجين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الأسرة المسلمة > ملتقى الأمومة والطفل

ملتقى الأمومة والطفل يختص بكل ما يفيد الطفل وبتوعية الام وتثقيفها صحياً وتعليمياً ودينياً

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 09-03-2021, 03:37 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,974
الدولة : Egypt
افتراضي الطلاق هل هو الحل؟

بسم الله الرحمن الرحيم




محاضرة: الطلاق هل هو الحل؟




الشيخ الدكتور عبدالمجيد بن عبدالعزيز الدهيشي










فإنَّ لكلِّ منزل يألفُه الإنسان موقعًا في النفس لا يُمحَى مع الزمن، وكلَّما كانت الذِّكريات السابقة المرتبطة بهذا المنزل جميلةً كان التعلُّق به كبيرًا، فمَن يكره تذكُّر أيامه الخوالي في مَراتع صباه وأماكن لهوه أيَّام الطفولة، ألا يستلذ أحدُنا بسَماع الحديث عن تاريخ أسرته وأيَّام والديه ومُعاناتهما في الحياة؟ ألا يَشتاق بعضُنا إلى رُؤية منزل الآباء والأجداد؟ ومهما تنقَّل القلب بين المنازل والمرابع فإنَّ للمنزل الأوَّل مكانًا في القلب لا يُزاحمه موضعٌ آخر.




كَمْ مَنْزِلٍ فِي الأَرْضِ يَأْلَفُهُ الفَتَى

وَحَنِينُهُ أَبَدًا لأَوَّلِ مَنْزِلِ










ولو كان لأحدِنا رفقةٌ صحبهم منذُ أيَّام الصغر، وكان له معهم أيَّام وليالٍ ملاح، تشارَكوا في الحديث والأنس أوقاتًا طويلة، ألف بعضُهم بعضًا واستعذَبوا لقاءاتهم المتكرِّرة وجلساتهم الدوريَّة في الأسبوع مرَّةً أو مرَّتين، وفجأةً ينقطعُ حبل الوِداد ويتصرَّمُ رباط الصَّداقة والزَّمالة بفعلِ فاعلٍ أو تدبيرِ حاقدٍ أو تصرُّفٍ أرعن، ألا يكون لهذا الفراق لوعتُه، وتبقى الذِّكريات محفورة في النفس؟





هذه صورةٌ ربما شعَر بها بعضنا، وهناك صورةٌ أخرى نحتاجُ إلى تصوُّرها واستشعار مِقدار المعاناة فيها، هذه امرأةٌ عاشت في بيتها آمنةً مطمئنَّةً، سعيدةً في منزلها، حامدةً لربها، قائمةً بحقِّ زوجها، تأنسُ بأولادها، تُداعب هذا، وتُضاحك ذاك، تطعمُ صغيرها، وترعى بيتها، وتتفقَّد حال زوجها؛ تطيعُه إذا أمر، تفقده إنْ أطال السهر، وإنْ غاب عن البيت توجَّس قلبها، وخافَتْ على زوجِها الخطر، يسرُّها مرأى صِغارها وهم يذرعون البيت مشيًا ولعبًا، تشعُر وكأنَّ بيتها قطعةٌ من قلبِها، امتزَجتْ مشاعرها حبًّا لأطفالها وامتِنانًا لزوجها وتعلُّقًا ببيتها.






وفجأةً يتكلَّمُ الزوج بكلمةٍ واحدة تقلبُ البيت رأسًا على عقب، كلمة واحدة كانت كفيلةً بإزالة جبالٍ من المودَّة والحب، كلمة واحدة مُكوَّنة من أربعة أحرُف تنطلقُ من لسان الزوج فتصيبُ المَقاتِل في الزوجة والأولاد، فإذا بالزوجة تعدُّ حقائبها، وتودع أولادها وتلقي النظرةَ الأخيرة على بيتها، بل عشِّها الذي امتزج بعرقِها وعملِ يدها، وتشرَّبت في نفسها رائحة بيتها المميزة، تتأمَّلُ في وُجوه صِغارها الذين أسكتَتْهم الصدمةُ، وتقرأ في أعيُنهم عبارات الحسرة والخوف من المستقبل القادم، تتمنَّى أنْ لم تُخلَق فترى وتُعاين هذه اللحظات العصيبة، على أمٍّ رَؤُوم يتقطَّع قلبها أسى وحسرة على فلذات أكباد تودعهم اليوم، ولا تَدرِي عن القلب الذي سيُعوِّضُ أولادها حَنانها وعَطفها، وهل هناك قلبٌ يتدفَّق شفقةً ورقةً أكثر من قلب الأم.






بالله عليكم أيُّ شعور يكنُّه الأولاد وهم يرَوْن أمَّهم تغادرُ عشَّهم فتدعهم مع أبيهم الذي استعجَلَ بالفراق، وأقدم على أخطر قرار يتَّخذه ربُّ أسرةٍ وذو عِيال، أيُّ شعور يحسُّ به الأولاد نحو أبيهم الذي حرَمهم لذَّة العيش مع الأم، وجعلهم في موقف لا يتمنَّاه عاقل، فضلاً عن أن يفكر فيه قلبٌ غض طري لم يذقْ بعدُ معاناةَ الحياة، ولم يمسَّه شيء من نكد الدنيا وكبدها الذي لا يستغرب ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ ﴾ [البلد: 4]، أيُّ مستقبل ينتظرُ هذه الأم التي أفنت شبابها وقضَتْ زهرة عُمرها مع زوجها، فلمَّا تقدَّم بها العمر وكثُر عيالها، واحتاجَتْ إلى وقفة زوجها، إذا بها تتلقَّى هذا القرار الصارم بالخروج من هذه العيشة وانتقال إلى دارٍ أخرى وعيشةٍ مختلفة مع لقبٍ جديد ربما عُيِّرَتْ به، أو ظُنَّ بها التقصيرُ والعجلةُ وإهمالُ الحقوق، فهي مُطلَّقة وكفَى، وما أقسى نظرةَ المجتمع إلى هذا اللقب؟!






الطلاق حلٌّ شرعي يلجأ إليه الزوجان عندَ استحالة العيش معًا، ولكنَّه ليس أوَّلَ خطوةٍ في علاج المشاكل الزوجيَّة، فالله تعالى يقولُ: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا * وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا ﴾ [النساء: 34، 35]، فهاتان الآيتان تُشِيران إلى قوامةِ الرجل، وأنَّه حاكِمُ البيت وقائدُه؛ إذ لا بُدَّ لكلِّ تجمُّعٍ من قائد يسوسُه ويحوطُه وينطقُ باسمه، وقد استحقَّ الرجال هذه الصفة لما ميَّزهم الله تعالى من القُدرة البدنيَّة والنفسيَّة والماليَّة، ودور المرأة حفظُ نفسها ومُراعاة منزلِها وصون حُرماته، ومتى خِيفَ من المرأة النشوزُ والنفور من زوجها أو ظهرت معالمه، فأوَّل علاج هو:






1) الوعظ والتذكير بحق الزوج؛ أخرج الإمام أحمد - رحمه الله - عن الحصين بن محصن أنَّ عمَّةً له أتت النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - في حاجةٍ ففرغت من حاجتها فقال لها النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أذات زوج أنت؟)) قالت: نعم، قال: ((كيف أنت له؟)) قالت: ما آلوه إلا ما عجزت عنه، قال: ((فانظُري أين أنت منه، فإنما هو جنَّتك ونارُك)).






كما تُذكَّر الزوجة الناشز بخطورة الشقاق وأثره السيِّئ على الزوجين والأولاد، فإنْ لم يجدْ معها هذا العِلاج المبدئي استعمل الزوج علاجًا ثانيًا.






2) وهو الهجر في الفِراش عند النوم، ذكر الطبري: "عن الحسن قال: لا يهجرها إلا في المبيت في المضجع ليس له أنْ يهجر في كلامٍ ولا شيء إلا بالحق"، فإنْ لم ينفعْ هذا الأسلوب معها لجأ الزوج إلى...





3) الضرب الخفيف غير المبرح، فليس ضربَ تَشَفٍّ أو حقدٍ أو تصفية حسابات، بل هو ضربٌ لطيفٌ يُشعِرُ بشيءٍ من القسوة والجديَّة في الموضوع، وليس المقصود منه الإيلام، ومع ذلك فإنَّ للضرب نطاقًا ضيقًا لا ينبغي تجاوزه؛ فقد أخرَجَ أبو داود 1834 عن إياس بن عبدالله بن أبي ذباب قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا تضرِبُوا إماءَ الله))، فجاءَ عمرُ إلى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: ذَئِرن النساء على أزواجهن - أي: نشزن - فرخص في ضربهن، فأطاف بآل رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - نساء كثير يشكون أزواجهنَّ، فقال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لقد طافَ بآل محمد نساءٌ كثير يشكون أزواجهن ليس أولئك بخياركم)).





فإذا استعمَل الزوج هذه الأساليب في العلاج ولم يجد شيئًا جاء دور التدخُّل الخارجي هنا، أمَّا الأساليب الثلاثة الماضية فهي تتمُّ داخل بيت الزوجيَّة، وبين الزوجين وحدهما دُون تدخُّل طرفٍ آخر، لا والدي الزوجين ولا قريباتهما.





4) والتدخُّل الخارجي يتمثل في اختيار حكمين صالحين قريبين من الزوجين، يهمُّهما الإصلاح بينهما، وتلمُّس سبب النِّزاع والشقاق، وبذل الجهد في ذلك، وفي ذلك يقولُ سبحانه: ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا ﴾ [النساء: 35].





5) والصلح بين الزوجين مُرغَّب فيه شرعًا، فلأحدهما أنْ يقدم مالاً أو يتنازل عن بعض حقوقه في سبيل المحافظة على رباط الزوجية، وفي ذلك يقول سبحانه: ﴿ وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ﴾ [النساء: 128]، ويقول: ﴿ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 129]، ومتى استحكَمَ النِّزاع والخلافُ، وانسدَّ باب الإصلاح، وتعذَّر الوفاقُ - يأتي العلاج الأخير لهذه المعضلة وهو:






6) الطلاق والفراق، فهو علاجٌ ناجع، ولكنْ يسبقه مراحل علاجيَّة وجرعات متفاوتة، ومتى وقَع الطلاق بهذه الطريقة كان الزوجان حرَّيْن بأنْ يتحقَّق لهما الوعدُ الكريم؛ ﴿ وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 130]، فأرزاق الله مُتوافرة ونعمُه متواصلة، وهو سبحانه قادرٌ على أنْ يُيسِّرَ للزوج المطلِّق زوجًا أخرى يأنسُ بها ويرتاح لعشرتها، كما أنَّه سبحانه قادرٌ على أنْ يرزق المطلَّقة زوجًا كريمًا يحفظُها ويوفرُ لها عيشةً كريمة تُنسيها ما سبق من العلاقة المتعثِّرة، والله تعالى حكيمٌ بعباده، عليمٌ بما يصلحهم، وفي التزام ما شرَعَه الخيرُ والفلاحُ للجميع، فلله الحمدُ أولاً وآخرًا.






ما أشدَّ حاجة الأزواج الذين يُعانون من زوجاتهم إلى معرفة العلاج الشرعي للنُّشوز والشقاق بين الزوجين! والحاجَّة ماسَّة للتقيد بما شرعَه الله تعالى؛ لما في ذلك من حفظ المودَّة وردِّ الجميل، والرِّفق بالأولاد، فحين يتمُّ الطلاق بعد استنفاد تلك الوسائل العلاجيَّة، يكون قد اتخذ قَراره بهدوء وتَرَوٍّ، أمَّا إذا كان الطلاق لأدنى مشكلةٍ وأدنى تقصيرٍ، فهنا الطامَّة، فنعجبُ إنْ سمعنا خبرَ زوجٍ طلَّق زوجته بسبب وجبةٍ أو عنادٍ في أمرٍ حقير.






• أيها الأحبة:


للطلاق أحكام شرعية وآداب لا بُدَّ من مراعاتها، تمسُّ الحاجة إلى معرفتها والتقيُّد بها، ومتى غفل الناس عنها فقدوا ما في تشريع الطلاق من الحكمة والرحمة بالزوجين والأسرة والمجتمع قاطبةً، مَن عزم على الطلاق وأراد فِراق زوجته فليعلم أنَّ هناك أحكامًا شرعيَّة وحدودًا مرعيَّة لا بُدَّ من معرفتها.





1) فالأمر الأول أنَّ للطلاق صفةً شرعية معتبرة وما عداها فهو طلاق بدعي يأثم صاحبُه، فطلاق السُّنَّة ما أخبر به النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما أخرجه البخاريُّ عن عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - أنَّه طلق امرأته وهي حائضٌ على عهد رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فسأل عمرُ بن الخطاب رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن ذلك، فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مُرْهُ فليُراجعها، ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إنْ شاء أمسَكَ بعد وإنْ شاء طلَّق قبلَ أنْ يمسَّ، فتلك العدة التي أمَرَ الله أنْ تُطلَّق لها النساء)).





وعن عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: طلاق السُّنَّة أنْ يُطلِّقها طاهرًا في غير جماعٍ؛ أخرجه النسائي.، فطلاق السُّنَّة أنْ يُطلِّق الزوج زوجتَه في حال طهرٍ لم يُجامِعْها فيه، أو تكون حاملاً وتبيَّن حملُها، ويكون الطلاق بطلقةٍ واحدة فقط.





• أيُّها الناس:


مَن منكم يرضى أن يأتي أمرًا يُغضِبُ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أخرج النسائي عن محمود بن لبيد - رضي الله عنه - قال: أخبر رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن رجلٍ طلَّق امرأته ثلاث تطليقاتٍ جميعًا، فقام غضبان ثم قال: ((أيُلعَبُ بكتاب الله وأنا بين أظهركم))، حتى قام رجلٌ وقال يا رسول الله ألا أقتله؟





وعند مسلم 2678 حين سُئِل ابن عمر - رضي الله عنهما - عن رجلٍ طلق زوجته وهي حائضٌ فقال: وأمَّا أنت طلَّقتها ثلاثًا، فقد عصيت ربَّك فيما أمرَكَ به من طلاق امرأتك وبانت منك..





وعند أبي داود 1878 عن مجاهدٍ قال: كنتُ عند ابن عباس فجاءَه رجلٌ فقال: إنَّه طلَّق امرأته ثلاثًا، قال: فسكت حتى ظننت أنَّه رادها إليه، ثم قال: ينطلق أحدكم فيركب الحموقة! ثم يقول: يا ابن عباس، يا ابن عباس، وإنَّ الله قال: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ﴾ [الطلاق: 2]، وإنَّك لم تتَّقِ الله فلم أجدْ لك مخرجًا، عصيت ربك وبانت منك امرأتُك، وإنَّ الله قال: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ ﴾ [الطلاق: 1]، في قبل عدَّتهن.





فانظُر يا عبدالله إلى ما أمرَكَ الله تعالى به من الطلاق في الوقت المُعتَبر وبالعَدَدِ المعتبر وهو الواحدة فقط، فمَن خالَف في ذلك أَثِمَ ووقَع الطلاق عند جمهور العلماء.





ولو تأمَّلنا في هذا الوقت المُعتَبر للطلاق وهو أنْ تكون المرأة في حال طهرٍ لم تجامعْ فيه لبانَتْ لنا حكمةٌ عظيمةٌ يرعاها الشرع ويحضُّ عليها، وهي التأنِّي في إيقاع الطلاق، فلا يكون قَرارًا مُرتجلاً يقدمُ عليه الزوج لأدنى سببٍ وإن كان تافهًا، بل يكونُ قرارًا قد اتُّخِذَ على هدوءٍ وفي حال تَرَوٍّ وتفكُّر، وتكون نفس الزوج قد طابت من زوجته، وعزمت على الفراق بدليل عدم قُربانها في حال طهرٍ كامل.





ولو راعَى الأزواج هذه الحكمةَ، والتزموا بما شرع الله، لقلَّ المطلِّقون الذين نراهُم ونسمعُهم يطرقون أبوابَ العلماء ويستفتون هذا وذاك يسألونهم عن طلاقٍ بدعي وقَع بالثلاث، أو في حال غضب، أو في حال حيض، وكلُّهم نادمٌ على ما حصل، ويسأل العودة، وهذه شكوى قديمةٌ أشارَ إليها ابنُ عباس - رضي الله عنه - حين قال: ينطلقُ أحدُكم فيركبُ الحموقة ثم يقولُ: يا ابن عباس، يا ابن عباس، وإنَّ الله قال: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ﴾ [الطلاق: 2]، وإنَّك لم تتَّقِ الله فلم أجدْ لك مخرجًا، عصيت ربك وبانت منك امرأتُك، وإنَّ الله قال: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ ﴾ [الطلاق: 1]، في قبل عدَّتهن.





2) والأمر الثاني الذي يجبُ العلم به: أنَّ الطلاق إذا وقَع بطلقةٍ واحدة - وهو المطلوب - فإنَّ الزوجة تعتدُّ حسَب حالها، وللزوج مُراجَعتها ما دامت في عدَّتها، والرجعة تحصلُ بالقول وبالفعل، فيبقى مع الزوج وقتٌ آخَر للتروِّي والنظَر، وإمكان المراجعة في ذلك القَرار المتَّخذ، وهو وقتٌ ليس بالقليل، لعلَّ الزوج أنْ يُراجع نفسه ويتذكَّر عِشرته مع زوجِه التي طلَّقها، وعساه أنْ يتصور مُعاناة أولاده وصِغاره.





3) وثالث هذه الأحكام أن نعلم أنَّ المطلقة تعتدُّ في بيت زوجها ولا يجوزُ إخراجها منه، استَمِعوا إلى هذه الآية الكريمة واعتَبِروا بما فيها من الحكمةِ والرحمة بالزوجين والشَّفقة بهما وبما يجرُّه عليهما الطلاق من الأثر، وتأمَّلوا ما فيها من النَّهي عن تعدِّي حُدود الله ولا سيَّما في الطلاق: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ﴾ [الطلاق: 1]، يقول الإمام ابن كثير - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية: عن ابن عباسٍ في قوله - تعالى -: ﴿ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ﴾ [الطلاق: 1]، قال: لا يطلقها وهي حائضٌ ولا في طهر قد جامَعَها فيه، ولكن يترُكها حتى إذا حاضت وطهرت طلَّقَها تطليقة، وقوله - تعالى -: ﴿ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ ﴾؛ أي: في مدَّة العدَّة لها حقُّ السكنى على الزوج ما دامت معتدَّةً منه، فليس للرجل أنْ يخرجها، ولا يجوزُ لها أيضًا الخروج؛ لأنها معتقلةً لحقِّ الزوج أيضًا...





إلى أنْ قال - رحمه الله -: وقوله - تعالى -: ﴿ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً ﴾؛ أي: إنما أبقَيْنا المطلَّقة في منزل الزوج في مدَّة العدَّة لعلَّ الزوج يندمُ على طَلاقها، ويخلق الله في قلبه رجعتها؛ فيكون ذلك أيسر وأسهل، انتهى كلامه - رحمه الله.





أمَّا في حال الطلاق الثلاث فلا تبقَى المطلَّقة في بيت زوجِها؛ لكونها لا تحلُّ له إلا بعدَ زوج؛ أخرج النسائيُّ عن فاطمة بنت قيس قالت: أتيتُ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم – فقلت: أنا بنت آل خالد، وإنَّ زوجي فلانًا أرسل إليَّ بطلاقي، وإنِّي سألت أهله النفقة والسُّكنى فأبوا عليَّ، فقالوا: يا رسول الله، إنَّه قد أرسل إليها بثلاث تطليقات، فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنما النفقة والسُّكنى للمرأة إذا كان لزوجها عليها الرجعة)).





أرأيتم يا عباد الله ما في تشريعِ الطلاق من الرحمة والحكمة إنْ هو وقعَ كما شرعَ الله تعالى، ومَن تعدَّى حدودَ الله فيه نَدِمَ وأَثِمَ وتعرَّض للوعيد؛ ﴿ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ﴾ [الطلاق: 1]، فالوفاءَ الوفاءَ يا معشر الرجال، ومن الوفاء أنْ يكونَ الطلاق في حالِ إيقاعه طلاقًا شرعيًّا وفق السُّنَّة، فربُّنا سبحانه يقولُ بعد آية الطلاق السابقة: ﴿ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ ﴾؛ أي: قاربت العدَّة على الانقضاء ﴿ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ﴾؛ أي: بحسن صحبة ﴿ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ﴾؛ أي: من غير مقابحة ولا مشاتمة ولا تعنيف، بل يُطلِّقها على وجهٍ جميلٍ وسبيل حسن، كما قال ابن كثير - رحمه الله تعالى.





نسألُ الله تعالى الفقهَ في الدِّين، والحسنَ في الخلق والمعاشرة، والحمدُ لله ربِّ العالمين.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 76.16 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 74.26 كيلو بايت... تم توفير 1.89 كيلو بايت...بمعدل (2.49%)]