صورة الآخر (دراسات نقدية) - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12539 - عددالزوار : 216007 )           »          معارج البيان القرآني ـــــــــــــ متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 7826 )           »          انشودة يا أهل غزة كبروا لفريق الوعد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 52 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4421 - عددالزوار : 859515 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3953 - عددالزوار : 393886 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 83 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 62 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 62 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 63 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 61 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها > ملتقى النقد اللغوي
التسجيل التعليمـــات التقويم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 31-08-2022, 05:07 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,066
الدولة : Egypt
افتراضي صورة الآخر (دراسات نقدية)

صورة الآخر (دراسات نقدية)


سناء سليمان سعيد





مولده:
ولد الكاتب محمود البدوي في قرية الأكراد مركز أسيوط في الرابع من شهر ديسمبر سنة 1908، وكان والده عمدة القرية، ووالدته ابنة عبدالمنعم التوني عمدة قرية إتليدم مركز ملوي بمحافظة المنيا.


"وكانت القرية تقع في آخر حدود مديرية أسيوط"، وتوفيت والدته وهو في السابعة من عمره، وكانت هي في الثلاثين، وقضى طفولته كلها في الريف حتى حصل على شهادة الابتدائية من مدرسة أسيوط، والتحق بالمدرسة السعيدية الثانوية بالجيزة، وكان حريصًا على قضاء كل إجازاته مع الفلاحين، والتحق بكلية الآداب بالجامعة المصرية إبان عمادة الدكتور طه حسين لها، وترك الدراسة وهو في السنة الثالثة قسم اللغة الإنجليزية، وآثَر أن يثقِّف نفسه تثقيفًا ذاتيًّا، فقرأ الأدب القديم والحديث، والآداب الأجنبية بلغتها الأصلية.


ودخل الحياة الأدبية لأول مرة من خلال نقل الآداب الأجنبية إلى اللغة العربية، ونشرها في مجلة الرسالة التي كان يصدرها الأستاذ أحمد حسن الزيات منذ السنة الأولى لصدورها عام 1933.


وسافر إلى أوربا الشرقية قبل الحرب العالمية الثانية عام 1934، وعاد من هذه الرحلة متفتح المشاعر للكتابة، وكتب رواية قصيرة باسم: "الرحيل"، وأسهم إسهامًا حقيقيًّا في التعبير عن آمال الشعب في تغيير واقعه منذ صدور قصته الرحيل عام 1935.


وتناول حياة الريف والفلاحين، وصوَّر طباع أهل الصعيد وأخلاقهم، في محاولة منه للنفوذ إلى أعماق الفلاح المصري، وتبرير تخلفه وما يعانيه من قسوة الإقطاع، وبلغت قصصه التي كتبها عن الريف والفلاحين في الصعيد تسعًا وثمانين قصة.


ولقد أدى دوره الوطني بكتابة بعض القصص القصيرة في المناسبات الوطنية والكفاح ضد الاستعمار الإنجليزي، وحروب 1948 و1956 و1967 و1973.


وكتب ما يزيد على 389 قصة، نشرت جميعها بالصحف والمجلات المصرية، بالإضافة إلى المجلات المتخصصة؛ كالرسالة، والقصة، والثقافة، والأديب، والهلال، والمجلة، والعصور، والرواية، ولا يدخل في هذا الحصر القصص التي نشرها بالصحف والدوريات العربية؛ حيث لم نتمكن من حصرها، وموجودة في الببليوجرافيا الملحقة بكتاب سيرة محمود البدوي بقلم: علي عبداللطيف وليلى محمود البدوي مكتبة مصر 2002، ومحمود البدوي والقصة القصيرة بقلم: علي عبداللطيف.. مكتبة مصر 2001.


ولقد صوَّر في بعض قصصه خلال رحلاته في أوروبا، واليونان، وتركيا، ورومانيا، والمجر، والهند، والصين، وهونج كونج، واليابان، وسوريا، وبانكوك، وروسيا، والجزائر، والدنمارك، وهي البلاد التي حركت مشاعره، وأثر أهلها في عقله ووجدانه.


له كتاب واحد في أدب الرحلات، عن رحلته إلى الصين واليابان وهونج كونج: "مدينة الأحلام"؛ (الدار القومية للطباعة والنشر 1963).


ولقد كان كثير الأسفار؛ فقد طاف بأوربا وآسيا، وبعض البلاد العربية والإفريقية، في رحلات ثقافية وغير ثقافية، وانعكس أثر هذه الأسفار عليه ككاتب يؤمن بالإنسان ويهتم به في كل بقاع الأرض، وصوره في كتاباته.


وأطلق عليه بعض النقاد والدارسين لقب: "تشيكوف العرب"، ولقب: "راهب القصة القصيرة"، ولقب: "فارس القصة القصيرة"، وآخر من لقبه بلقب: "تشيكوف القصة المصرية" هو الأديب العالمي نجيب محفوظ في الحوار الذي أجري معه بصحيفة القدس العربي، بعددها الصادر في 3/1/2004.


وهو الكاتب العربي الوحيد الذي تقابل مع العالم النفسي الشهير: "سيجموند فرويد" في النمسا أثناء زيارته لها في سنة 1934، والتصق به فترة غير قصيرة؛ "من كتاب محمود البدوي والقصة القصيرة.. للكاتب علي عبداللطيف.. الناشر مكتبة مصر 2001"، ومن كتاب: "سيرة محمود البدوي للكاتبين علي عبداللطيف وليلى محمود البدوي، ومن تقديم الدكتور عبدالحميد إبراهيم.. الناشر مكتبة مصر 2002".

جوائز الدولة:
منح ميدالية الإنتاج الأدبي والفني من المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب؛ لمساهمته بقلمه في معركة بور سعيد عام 1956.


منح جائزة الجدارة في الفنون عام 1978.


منح جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 1986.


منح اسمه بعد وفاته وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عام 1988.


مبررات منحه جائزة الدولة التقديرية في الآداب سنة 1986 وفقًا لما ورد بالكتاب التذكاري الذي يتضمن تاريخًا شاملاً للجائزة منذ إنشائها سنة 1958 "مطبعة هيئة الآثار المصرية 1991 ص 101 و102".


أوجه النشاط:
أصدر عشرين مجموعة قصص قصيرة، "حاليًّا خمس وعشرون مجموعة".
عضو مجلس إدارة نادي القصة، عضو دائم بلجنة القصة بالمجلس الأعلى للثقافة.
عضو شُعبة الأدب بالمجالس القومية المتخصصة، وعضو لجنة القصة بها.
مارس الإبداع في القصة القصيرة منذ عام 1935 حتى كاد يصبح المتخصص الوحيد فيها.


أهم ما يميز قصصه القصيرة:
عبَّرت قصصه القصيرة عن الواقع المصري تعبيرًا صادقًا من خلال رؤيته غير المتحزبة أو المتعصبة التي تشوبها التطلعات وتفسدها الأهواء والمطامع؛ فقد تناول الواقع تناولاً عاطفيًّا شاعريًّا.


لا يركن في قصصه إلى أحداث لها خصوصيتها، ولا إلى صور لها طرافتها، وقد اختار معظم أحداث قصصه من الريف المصري في إقليم الصعيد بتقاليده وأخلاقيات الناس فيه، والعلاقات السائدة بينهم.


كان دائم المقارنة بين حياة الفلاح المصري وبين حياة الفلاح في كل بلد يزورها؛ كرحلاته إلى اليونان، وتركيا، ورومانيا، والمجر، والهند، والصين، وهونج كونج، وروسيا.


أول كاتب قصة قصيرة عبر عن حياة عمال التراحيل ومعاناتهم من أجل الحصول على لقمة العيش.


صوَّر جانبًا من الحياة في اللوكاندات والبنسيونات، وهو لون من الحياة لم يشاهده المصريون، ولم يقرؤوا عنه كثيرًا، فقد وجد مجالاً خصبًا لتصوير قطاع من الحياة المستترة والغريبة على مجتمعنا، وما يدور فيها بعيدًا عن أعين العاديين من الناس، وخاصة الطبقات الكادحة التي لا تعلم عن هذه الأشياء شيئًا.


في بعض قصصه نزوع نحو النقد الاجتماعي، ونقد الواقع، بواسطة اختيار بعض الأحداث الجزئية التي تكشف عن عيوب أو قصور.


يساير في قصصه القصيرة المجتمع في تطوره، فلا يقف جامدًا عند حد تصور الماضي، وإنما هو يصور المجتمع الجديد في قصصه، ويكشف عن مدى إحساسه بما حدث فيه من تحوُّل، ويلاحظ هذا في قصصه التي كتبها بعد عام 1956 وهو يركز على القيم الجديدة والعلاقات الجديدة.





يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 31-08-2022, 05:08 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,066
الدولة : Egypt
افتراضي رد: صورة الآخر (دراسات نقدية)

صورة الآخر (دراسات نقدية)

سناء سليمان سعيد



التزم بالقالب الفني للقصة القصيرة.


ترجمت قصصه إلى اللغات الألمانية، والمجرية، والفرنسية، والروسية، كما أن المستشرق المجري جرمانوس أعد دراسة عن كتاب: القصة المصرية، وتناول فيها أدب محمود البدوي.


وفاته: توفي في 12 فبراير 1986.

مؤلفات الكاتب (محمود البدوي):
الاسم
النوع
سنة الطبع
الرحيل
رواية قصصية
ديسمبر 1935 - المطبعة الرحمانية بالخرنفش بالقاهرة
رجل
مجموعة قصصية
إبريل 1936 - المطبعة الرحمانية بالخرنفش بالقاهرة
فندق الدانوب
مجموعة قصصية
سبتمبر 1941 - مطبعة النهار بالقاهرة
الذئاب الجائعة
مجموعة قصصية
سبتمبر 1944 - مكتبة مصر ومطبعتها
العربة الأخيرة
مجموعة قصصية
يونيه 1984 - مكتبة مصر ومطبعتها
حدث ذات ليلة
مجموعة قصصية
نوفمبر 1953 - دار مصر للطباعة
العذراء والليل
مجموعة قصصية
فبراير 1956 - كتب للجميع العدد 99 - دار الجمهورية
الأعرج في الميناء
مجموعة قصصية
1958الكتاب الفضي
الزلة الأولى
مجموعة قصصية
يونيه 1959 - الكتاب الذهبي - دار روز اليوسف
غرفة على السطح
مجموعة قصصية
مايو 1960 - الكتاب الذهبي - دار روز اليوسف
حارس البستان
مجموعة قصصية
1961الكتاب الماسي - الدار القومية للطباعة والنشر - العدد 28
زوجة الصياد
مجموعة قصصية
1961الكتاب الماسي - الدار القومية للطباعة والنشر - العدد 21
ليلة في الطريق
مجموعة قصصية
سبتمبر 1962 - الكتاب الذهبي - مؤسسة روز اليوسف
الجمال الحزين
مجموعة قصصية
1962الكتاب الماسي - الدار القومية للطباعة والنشر - العدد 51
عذراء ووحش
مجموعة قصصية
مايو 1963 - الكتاب الذهبي
مدينة الأحلام
أدب رحلات
1963 - الدار القومية للطباعة والنشر
مساء الخميس
مجموعة قصصية
يونيه 1966 الكتاب الماسي - الدار القومية للطباعة والنشر - العدد 157
صقر الليل
مجموعة قصصية
1971كتاب اليوم - مؤسسة أخبار اليوم
السفينة الذهبية
مجموعة قصصية
1971 - دار الشعب
الباب الآخر
مجموعة قصصية
1977 - الهيئة المصرية العامة للكتاب
صورة في الجدار
مجموعة قصصية
1980 - دار غريب للطباعة بالقاهرة
الظرف المغلق
مجموعة قصصية
1980 - دار غريب للطباعة بالقاهرة
السكاكين
مجموعة قصصية
1983 - دار غريب للطباعة بالقاهرة
عودة الابن الضال
مجموعة قصصية
1993 - دار الشعب
قصص قصيرة
مجموعة قصصية
2000 - المجلس الأعلى للثقافة
الغزال في المصيدة
مجموعة قصصية
2002نادي القصة


قصة القطار الأزرق:
تعد هذه القصة من القصص المؤثرة والهامة، التي تناولها الكاتب بشكل فني وأدبي راقٍ؛ حيث أثبت بالسرد سلاسة الأحداث، ودقة الوصف، وجمال الأسلوب، ومتعة الشعور بأسلوب القارئ، والتمتع بفن تفاصيل الأحداث.


وبالطبع لقد شعرنا بمصداقية الوصف ومضمون القصة؛ وذلك لأن الكاتب سافر بالفعل إلى بلاد الغرب منذ كان شابًّا صغيرًا، وقد تحقق حُلمه الذي كان يراوده منذ كان طفلاً، وقد حقق أمنيته وسافر إلى بلاد الغرب؛ ولذلك عندما كتب عنهم كتب عن رؤية مبصرة لِما شاهدته عيناه، وعن حقائق واقعية، ومشاعر صادقة.


وقد اخترت دراسة هذه القصة لتناولها بالنقد والتحليل؛ لإظهار صورة الغرب في نظر الكاتب (محمود البدوي).


صورة الغرب في قصة (القطار الأزرق) للكاتب محمود البدوي.


تعد قضية الآخر من القضايا الهامة الموجودة في مجتمعنا، بل في عالمنا أجمع، ولا أستطيع أن أقول: الساحة الأدبية؛ فالساحات كثيرة ومختلفة ومتنوعة، وإنما نشأت هذه القضية في المجتمع منذ نشأة الأنا والآخر.


وبالطبع يختلف مسمى الآخر بالنسبة لكل من الشرق والغرب؛ فالآخر لدى الشرق هو الغرب، والآخر لدى الغرب هو الشرق؛ فكل من الشرق والغرب ينظرون نفس النظرة؛ نظرة الآخرية والدونية لهذا الآخر غير المرغوب في وجوده.


ولقد كان لهذه القصة رونق خاص، وتأثير جميل، وشعور صادق لدى استقبال القارئ للقصة، ولا سيما من كاتب بحجم الكاتب الكبير (محمود البدوي).


فقد بدأ الراوي أحداث القصة باللقاء الأول الذي جمع بينه وبين (نادية) بفندق أوكرانيا في مدينة موسكو، وبدأ في وصف اللقاء بدقة، ووصلنا هذا الوصف وكأننا كنا معه في قوله:
"التقيت "بنادية" لأول مرة بفندق أوكرانيا في مدينة موسكو، وكانت واقفة في الصف أمام عاملة المقصف، وتحاول أن تجعلها تفهم بالإشارة وبكل وسائل التعبير ما تريده من أصناف الطعام، ولم تنفع هذه الوسيلة، فتلفتت نادية إلى ناحيتي، وأشارت إلى الأطباق التي أمامي على المائدة لتأتي لها العاملة بمثلها تمامًا.."[1].


يتسم هذا الوصف الوظائفي الدقيق لعناصر حكائية طويلة في اختصارها في مثل قوله:
"بكل وسائل التعبير"[2].


وكأنها قامت بكل حركات الإشارة والإيماء والفهم؛ لكي تحاول إفهامها ما تريده من أنواع الطعام، فما كان من (نادية) إلا اللجوء إلى الإشارة لطعام الراوي لكي تأتي لها بمثله، وهذا يدل على صعوبة التواصل والفهم بين نادية وعاملة المقصف في الفندق.


وبدأ في سرد الأحداث ببطء في هذه الفقرة، فبعد تناولها للطعام لم تجد مكانًا تجلس فيه لتناول طعامها، وما كان من الراوي إلا أن أشار لها بالجلوس معه على المائدة نفسها التي يتناول طعامه عليها.


وبدأ يسرع في السرد، فبعد الفَطور جاء وقت الظهر، وتقابلا مرة أخرى في ساعة الظهر في قوله:
"وتقابلنا ساعة الظهر في "الجوم"، وكانت مع رفيقة لها في مثل أناقتها وشبابها وحيويتها، ومع أن رفيقتها بدت لي روسية خالصة.. ولكنهما تاهتا مثلي في طرقات المتجر، فقد كنا نلف جميعًا وندور في هذا التِّيه دون أن نهتدي إلى باب الخروج.. وكلما تقابلنا ابتسمنا ابتسامة تجمع بين المرارة والعجز..!"[3].


ويظهر هنا روابط التشابه بين ثلاثتهم رغم أنهم من أماكن مختلفة، ورغم أن صديقتها روسية خالصة، التي كان من المفترض أن تعرف دروب هذا المكان معرفة تامة ودقيقة، إلا أنه فوجئ بأنهما تائهتان مثله، وما جمع بينهما غير ابتسامة العجز وعدم المقدرة على الخروج من هذا المكان، ويبدو أن الراوي أغرم من النظرة الأولى بها في قوله:
"وكنت كلما رأيتها نسيت ما أنا بسبيله.. وأشعر بأني سأظل على اتصال دائم بها كلما تحركت في قلب المدينة الكبيرة، وأن صورتها لن تبرح خيالي أبدًا، وبدا لي جليًّا أنها تدعوني ولا تستطيع التعبير عن ذلك بالإشارة ولا بالكلام"[4].


وكان بداية الاتصال بينهما عندما نادت عليه (نادية) بالإنجليزية (come) بمعنى (تعالَ)، ودخل المصعد وسط كل هؤلاء الفتيات وكان خجلاً، وهنا يأتي التشبيه الرائع من الراوي في كونه وصف صوت هؤلاء الفتيات بأنه صوت زقزقة العصافير، وذلك في قوله:
"وفي صباح يوم وقفت على باب المصعد في الدور التاسع كعادتي لأنزل إلى الطابق الأرضي، وكان السهم يشير بأنه نازل.. فضغطت على النور، ولما وصل طابقي وفتح الباب، وجدته ممتلئًا كله بالنساء من المضيفات اليابانيات وغيرهن.. وليس فيه موضع لي.. فبقيت مكاني.. وأشرت للعاملة في أسف.. بأن تواصل طريقها في النزول.. ولكنها لم تفعل، وظل الباب مفتوحًا.. وسمعت صوت نادية من الداخل يردد مع صوت العاملة:
تعالَ come.. بالإنجليزية..


فدخلت وسط هؤلاء الفتيات وأنا شاعر بالخجل، وظللن يضحكن ويزقزقن كالعصافير حتى وصلنا إلى الأرض.."[5].


وهنا يستكمل صورة التشبيه في قوله: حتى وصلت إلى الأرض، وكأنهم كانوا بالفعل عصافير محلقة في السماء.


وبدأت تتوطد العلاقة بينهما، وأصبحا يتجولان في كل أنحاء المدينة، وبالفعل سعد بها كثيرًا؛ وذلك لأنها جميلة ورقيقة وأنيقة، وتجيد التحدث بالإنجليزية، وأنها ذاهبة إلى المكان نفسه الذي يذهب إليه الراوي، وهو (ليننجراد).


وبدأ القارئ يتعرف على البطلة (نادية) بطريقة الراوي، الذي اعتدنا عليه في هذه القصة، وهو الراوي المساوي لمعرفة البطلة (نادية)، بل يكاد يكون أقل منها معرفة.


كما وضح في قول الراوي:
"قالت لي: إنها "فنلندية" ومسلمة، وتشتغل مدرسة علم نفس، وجاءت إلى روسيا في عطلة دراسية لتزور صديقة لها في طشقند.. بدعوة منها.. وبعد أن توافر لها المال.."[6].


وبدأت العلاقة والترابط القوي من لحظة هذه المعرفة بين حكاية (نادية) وبين حكاية الراوي بمعرفته بامرأة تشبهها في الجمال والرقة والبلد والديانة، التي قابلها منذ أكثر من ثلاثين سنة، وقضيا ليلة جميلة على ضفاف البسفور، ولكن انقطع الاتصال بينهما بسبب الحرب في أوروبا سنة 1939م، وما كان مني إلا العودة السريعة إلى مصر، وقدرت أنها ماتت، وبالتالي هي قدرت كذلك موت الراوي، وما كان يعلم أن لهذا اللقاء ثمرة مرجوة كان يتمنَّاها أي إنسان، ولكن إذا تغيرت مقدرات اللقاء.


ولقد تذكر هذه السيدة برؤيته لنادية التي تشبهها كثيرًا، ووجود صفات كثيرة مشتركة بينهما.


ولكن ظهر الاختلاف الواضح بين علاقته بهذه السيدة، وعلاقته بنادية التي تتعدى حدود الإعجاب بفتاة، وإنما ثبتت عند حدود الحنان والعطف والشفقة عليها من البرد، وكأنها مشاعر أبوة خالصة، كما وضح في قوله:
"فأشفقت عليها في هذا الجو ونحن نعبر الشارع إلى المتجر، وكان القطار المسافر إلى "ليننجراد" يتحرك في تمام الساعة الثامنة مساء.. فوصلنا المحطة والثلج يتساقط والبرودة تحت الصفر بـ: 25 درجة.. وكانت "نادية" متدثرة بمعطف سميك، وتغطي رأسها بقبعة زرقاء، وفي يديها القفاز الصوفي، ومع ذلك خفت عليها من هذا الجو الثلجي.


ووقفنا على الرصيف نرتعش من البرد، وكانت المحطة خالية من الركاب تقريبًا.. لأننا قدمنا قبل موعد السفر بمدة طويلة"[7].


وهنا تظهر مشاعر مختلفة عما يكنه أي رجل لأية امرأة، وإنما تدرجت هذه المشاعر إلى مشاعر حنان وعطف ورحمة وشفقة، وتبدلت فورًا إلى مشاعر أبوة رغم أنه غير متزوج وليس له أبناء، وإنما جاءت هذه المشاعر على حين غفلة منه، ومن الممكن أن تكون حقيقية كما سنرى في نهاية القصة.


لم يقلل الكاتب من صفات الغرب، ولم يتعامل مع القضية بتعامل الندية والمنافسة والتباري بين الشرق والغرب، وإنما أوضح لهم صفات إيجابية تحسب لهم، مثل: شفقة وعطف موظفة المحطة المسنة في قوله:
"وأشفقت علينا موظفة مسنة في المحطة، فأدخلتنا قاعة انتظار الضيوف، فوجدنا قاعة فسيحة مكيفة، وشعرنا على التو بالدفء والراحة"[8].


ولم تكن هذه هي المرة الوحيدة التي يصف فيها الغرب بهذا الوصف، وإنما ذهب في ذلك إلى أكثر من مرة في قوله:
"وقد أخذتنا السيدة الروسية المكلفة بغرفة الضيوف في المحطة على اعتبار أننا صديقان أو زوجان.. رغم ما بيننا من فارق كبير في السن؛ فقد كنت أكبر من "نادية" بعشرين عامًا على الأقل.. وقدمت لنا الشاي الساخن وما عندها من مجلات روسية باللغة الإنجليزية..



يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 31-08-2022, 05:08 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,066
الدولة : Egypt
افتراضي رد: صورة الآخر (دراسات نقدية)

صورة الآخر (دراسات نقدية)

سناء سليمان سعيد




ولم تكن هذه هي المرة الوحيدة التي يصف فيها الغرب بهذا الوصف، وإنما ذهب في ذلك إلى أكثر من مرة في قوله:
"وقد أخذتنا السيدة الروسية المكلفة بغرفة الضيوف في المحطة على اعتبار أننا صديقان أو زوجان.. رغم ما بيننا من فارق كبير في السن؛ فقد كنت أكبر من "نادية" بعشرين عامًا على الأقل.. وقدمت لنا الشاي الساخن وما عندها من مجلات روسية باللغة الإنجليزية..


ولما أخرجت لها "نادية" علبة من الحلوى، فاض وجه العجوز بالبِشر، وتناولت قطعة صغيرة من الشيكولاته وردت الباقي وهي تردد الشكر بالروسية التي لا نعرفها..


ورأيت في هذه السيدة من الحنان والأمومة مثل ما شاهدته تمامًا في العجوز الأخرى التي كانت تشرح لنا باستفاضة ودقة كل طباع "تشيكوف" وأحواله عندما زرنا بيته في هذا الصباح في قلب موسكو، حتى تصورت أنها هي التي ربته على صدرها.. وهو جيل عطوف صهرته الحياة، وأظهرت فيه أجمل صفاته..


كانت العجوز في المحطة لا تفتأ تسألنا بالإشارة إن كنا في حاجة إلى شيء آخر غير الشاي، فشكرناها بحرارة، وقلنا لها بالإشارة أيضًا: إننا أعددنا لليل الطويل في القطار كل ما نحتاجه من طعام..


وكانت تنظر إلينا في تمعن، وتطيل النظر، وتحاول أن تقول شيئًا لا تستطيع التعبير عنه بالإشارة، شيئًا كان يدور في رأسها، ويحتل مراكز تفكيرها"[9].


إذًا هناك بعض الإيجابيات، وأيضًا بعض السلبيات، مثلما يوجد لدينا من سلبيات وإيجابيات في المجتمع الشرقي.


ولم يصمت عن وصف الغرب بما فيه من تقدم ورقي وتكلفة عالية، حتى في القطار، فها هو ذا يصف القطار الأزرق الذي استقله للسفر في قوله:
"ومررنا على صف طويل من العربات، إنه قطار طويل، بل أطول قطار رأيته في حياتي.. قطار أزرق فاخر.. وعلى باب كل عربة وقفت الكمسارية بردائها الأزرق الجميل وكأنها قطعة من جماله، وقفت ساكنة متهيئة للرحلة الطويلة.


وكانت عربتنا هي الرابعة وراء القاطرة.. وحيَّتْنا الكمسارية على الباب، ودخلنا في طرقة العربة المفروشة بالسجاد إلى مقصورتنا"[10].


إذًا هذا الوصف للقطار ليس بغريب عن الغرب، ولكنه في الوقت نفسه غريب على المجتمع الشرقي؛ لأنه لا يوجد لدى الشرق - ولا سيما في هذا الوقت - قطار مثله، ولا بهذه المواصفات الجذابة، وكأنه يصف قصرًا وليس قطارًا.


وبدأ في وصف المنظر بدقة بالغة في توصيل الإحساس بمتعة هذه المناظر، ووصفها وتفصيلها في قوله:
"وقفت أرقب الرصيف من النافذة وأنوار المصابيح الزاهية قد غشاها الثلج المتساقط، فأصبحت شهباء تريح العين، وبدا شيء أشبه بالستارة الزرقاء قد انسدل فوق كل ما يحيط بنا من أبنية وأشجار، وكان المسافرون الذين يتحركون على الرصيف قلة من السائحين والروس، وبعض الضباط بملابسهم الرسمية، وبدا السكون واضحًا، ولم أسمع صفيرًا للقطارات، ولا زعيقًا ولا ضجة، ورأيت قطارات أخرى، وكلها زرقاء، واقفة حذاء الأرصفة تنتظر مَن يأذن لها بالمسير.."[11].


كل هذا الوصف للمناظر التي تحيط بالقطار أثناء سيره بين كل تلك الحدائق والخضرة، وبدأ يستكمل هذا الوصف الدقيق والرائع في قوله:
"وشعرنا بأن القطار بدأ يتحرك ببطء وينسحب على الرصيف، وظلَّت عيوننا معلقة بأنوار المدينة المتألقة، وبالثلج المتساقط على الأعمدة وأسلاك البرق وفروع الأشجار، وشاهدنا من بعيد شيخًا كبيرًا يمشي بتؤدة في طريق صاعد وهو يطلع وسط الثلوج، ورغم الجهد والتعب الباديَيْنِ على ملامحه وجسمه، فإنه رفض أن تعينه امرأة كانت بجانبه..


وقالت نادية وقد تأثرت من منظره:
إنه يتحرك بإرادته وحده..


فقلت معقبًا:
ولعله حارب وانتصر بإرادته أيضًا.. وأحسبه فقَدَ ساقه في الحرب.. ولكنه ظل صلدًا"[12].


وهنا يظهر الاشتراك بالإعجاب ودقة التفاصيل في هذا الوصف، الذي شجعهما على السرد في الوصف، وإطالة النظر للتمتع بجمال المنظر وروعة المشاهد الجذابة والرائعة.


ويبدأ الراوي في وصف مشاعره نحو (نادية) واختلافها عن غيرها من النساء، كيف له أن يشعر بهذه المشاعر وهو الذي يصور النساء للبيع والتشهير بهنَّ، ولا يُهمه مَن هُنَّ، أو من كُنَّ، أو أن ما يفعله هو حرام شرعًا، ولا يجوز، بل لا ينبغي أخلاقيًّا.


ووضح ذلك في قوله:
"وعجبت لإحساسي نحو "نادية".. فبعد ساعة كاملة من الانفراد بها في مقصورة ضيقة مغلقة الباب.. لم ألمس كتفها ولا خدها ولا شعرها.. ولم أشعر بالرغبة في ذلك، ولم أبادلها كلمة غزل واحدة..


ولما جاءت الأنثى وأصبحت على قيد ذراع مني والباب مغلق والسكون يخيم، وكل شيء يهيئ النفس لإشعال العواطف.. لقيت نفسي باردًا ميت الإحساس.. ميت العواطف.. لا أحس بأي إحساس مما يشعر به الرجل نحو المرأة عندما يخلو بها.. وتدفقت بدلها عواطف جديدة في كياني كله.. أحسست بها لأول مرة.. عواطف من الحنان الخالص والعطف الشديد.."[13].


ويؤكد على تعجُّبه من إحساسه المفاجئ نحو (نادية) وكيف تغير إلى هذا الحد؟!
ويعود مرة أخرى ليؤكد على ذلك في قوله:
"فلما قالت لي بأنها تشعر بصداع خفيف، وضعت أمامها كل ما معي من أقراص ومسكنات للصداع.. وكانت الحرارة في المقصورة قد زادت، فخرجت وتركتها لتخفف من ملابسها، وتفعل كل ما تحب أن تغيره الأنثى من ملابسها وهي وحدها ولا تضايقها نظرات الرجل..


وعجبت أنا الرجل الأعزب الذي لم يتزوج قط، ويعاشر المرأة ليصورها.. كمصور للصحف.. ويبيع صورتها دون اعتبار لصاحبة الصورة.. أنا بكل صفاتي أصبحت فجأة أحترم هذه السيدة وأجلها، ولم أفكر قط في أن آخذ لها صورة..


وكانت تقرأ خواطري في موسكو وتقول لي بعذوبة:
لماذا لا تأخذ لي صورة..؟"[14].


إذًا هو يشعر بالأبوة من ناحيتها، ولا يستطيع أن يفسر هذا الشعور، أو كيف انتابه أو لماذا؟ وما السبب الخفي وراء ذلك؟!


لم يكن هذا الشعور فقط هو المسيطر عليه، وإنما هو الذي جعله يميل نحوها بشعور غريب لا يستطيع تمييزه، أو الوصول إليه، وظهر ذلك واضحًا في قوله:
"إنها تخلق في كل كلمة من كلمات الحوار جمالاً بلاغيًّا كان يهز مشاعري، وضحكت.. وكانت مسالك تفكيري تطرد.. وكنت أخاف من شيء لا أعرفه؛ ولذلك لم أحاول تصويرها قط، ولم أفكر فيه، مع أن صورتها مغرية.. ومثيرة في جريدتي.. شابة فنلندية مسلمة رائعة الحسن بكل الملامح الشرقية في العينين والخدين، والأنف والفم، والجبين، والشفة الرقيقة الحالمة.. أي كسب وأي إغراء بعد هذا؟.. ولكن كل حلقات تفكيري كمصور كانت تقف عندها وتصدم بشيء أعزه فيها ولا أعرف مكنونه"[15].


وهنا يعترف بهذا الشعور الذي لا يدري آخره أو نهايته؛ فهو لا يعرف مكنون هذا الشعور الذي يجعله يتصرف معها بهذا الشكل.


وأخيرًا ظهر اسم الراوي (إبراهيم) في قوله:
"وعادت الكمسارية إلينا تشكر ومعها دفتر، وطلبت أن نكتب لها كلمة تذكارية، وكتبت نادية كلمة بالإنجليزية أعجبتنى جدًّا، ووقعت تحتها باسمها، ووقعت أنا باسمي "إبراهيم" بالحروف اللاتينية الكبيرة"[16].


إذًا نحن بين (نادية) والراوي (إبراهيم) عرب، ويمثلان الشرق في الاسم، ولكن الفرق بين الشرق المتمثل في (إبراهيم) والغرب المتمثل في (نادية)، وذلك في قوله:
"وشعرت أنه القطار الذي يطوي الزمن.. ولم أعد في فترة الأحلام أشعر بشيء.. ثم تنبهت على يد "نادية" على كتفي، ولم أتحرك من مكاني حتى لا أجرح شعورها.. إن السعادة حالة نفسية، وقد أحسست بها في هذه الساعة إلى أقصى مدى.. وأحسست بعد ذلك بأنها وضعت خدها على كتفي الأيسر بجانب الصدر.. قريبًا من القلب.. ولم أتحرك.. وشعرت في هذه اللحظة بأن نادية جزء من كياني.. ولا انفصال لنا بعدها.. ولم أسألها إن كانت متزوجة أم لا.. لأنها لم تسألني هذا السؤال..


واستفقت على صوتها:
نرجع..


وكنا قد تجاوزنا عربتنا بثلاث عربات على الأقل.. فعدنا على مهل، وبعد أن دخلنا المقصورة بقليل واضطجعنا وأخذت تقرأ.. وأنا أقلب في صفحات المجلات.


سمعت نقرًا خفيفًا على الباب، فقمت وفتحته، فوجدت فتاة رشيقة في الطرقة، وناولتني بطاقة عليها صورة قارئة كفٍّ مشهورة موجودة في القطار!"[17].


ومن خلال هذا الحوار تم اكتشاف العرافة التي جاءت لتكشف المستور والمخبأ له، الذي احتار لكي يتعرف عليه.


وهذا الحوار كشف هذا المستور الذي طالما بحث عنه في داخله ونفسه، كما في قول الراوي:
" أين هي؟
في العربة السادسة والمقصورة السابعة..
وكم الأجر؟
عشرة دولارات..
هذا كثير..
إن الناس تسافر إليها.. وتصرف آلاف الدولارات لتراها.. ولكنها الآن موجودة في القطار..!


وسألت نادية:
هل ترغبين؟
لا.. أنا أعرف حظي..!


ثم رأينا أن نذهب لمجرد الفرجة.. وفتحت الفتاة باب المقصورة قليلاً لنرى من بعيد.. فوجدنا عجوزًا نحيلة تجلس مسترخية على السرير.. وشدني وجهها بغضونه وتجاعيده.. وكانت فوق الثمانين.. وعيناها تلمعان في حدة وقوة إبصار غريبة كعيني العُقاب.


وبدت في جلستها قصيرة جدًّا ونحيفة، ولكنها كانت تتحدث بالإنجليزية بطلاقة مذهلة..


وقلت لنادية:
ادخلي..
فقالت:
لا.. ولكن لنقف ونتفرج..


ووقفنا مع الواقفين على الباب.. وكان أمر العرافة قد عرف في القطار، وأصبحت تسلية للمسافرين، ولم تكن تسمح لغير الراغب في الدخول.. ولم نسمع من كلامها حرفًا؛ لأنها تغلق الباب تمامًا، وبدافع الفضول دخلت أنا "ونادية"، وسألتها إن كنت أستطيع أن أدفع بعملة أخرى..


فقالت بالإنجليزية:

دولارات فقط..!



يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 31-08-2022, 05:09 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,066
الدولة : Egypt
افتراضي رد: صورة الآخر (دراسات نقدية)

صورة الآخر (دراسات نقدية)

سناء سليمان سعيد





وتلفت نحو نادية لنخرج.. وأنا أقول:
بالعشرة دولارات نقضي يومًا ممتعًا في ليننجراد..


فهمست نادية:
إن منظر المرأة يسحرني..
وأخرجت ورقة بعشرة دولارات وناولتها للعرافة..


وسألتني:
من الذي سنقرأ كفه أنت أم هي؟
أنا..
إذًا تخرج السيدة..
ليس بيننا أسرار..
وأصرت على خروجها..
وناولتها كفي..


فقالت بصوت هادئ:
يدك معروقة.. وطويلة.. وخطوطها واضحة.. أسفار كثيرة.. ومن سن العشرين وأنت تسافر، والحظ عاثر، أرى لقاء في سفينة بين عاشقين، وأرى بحر مرمرة.. والبسفور، وهاج البحر، ودوت القنابل، وأرى فتاة جميلة ثمرة لهذا اللقاء.. عاشت والتقت بوالدها بعد سنين وسنين..


وذهلت عند سماع قولها.. وأخذت أردد.. بحر.. مرمرة.. والبسفور.. وسفينة.. ولقاء.. وبحر مرمرة بالذات ولم تقل بحرًا ككل البحور..


وسألت وأنا أرتعش:
والأم ما زالت تعيش؟
أجل..
أين..
في مدينة كبيرة.. وهي غنية وما زالت جميلة..


وظللت واقفًا والعرق يتفصد على جبيني.. كاد وقع المفاجأة أن يصيبني بدوار.. ثم تمالكت زمام نفسي، وخرجت شاحب الوجه.


سألتني نادية:
ما الذي قالته لك..؟
لا شيء.. مجرد أكاذيب كالمعتاد..


وفي المقصورة أخذت أحدق في وجهها، ورجعت أتذكر أمها.. نفس العينين وخط الأنف، ونفس البسمة على الشفتين، ونفس الطباع..


وعادت نادية تسأل:
ما الذي قالته لك المرأة؟
ما الذي تقوله عرافة.. أكاذيب بالطبع!
أريد أن أسمعها..


قالت: إني متزوج.. وخط السعد واضح.. وتنتظرني ثروة كبيرة.. وسأظل أسافر دومًا.. ولو عرفت أنني مصري لقالت: إننا سنهزم إسرائيل في هذا الشهر.


وإذا كنت لا تصدقها.. فلماذا تغير حالك بعد قولها؟
هذا يحدث لكل إنسان..


وخيم بيننا الصمت، ولم أكن أنام في القطارات.. وتمددت لتنام هي.. بعد أن خففت الضوء وشمل الظلام المقصورة..


ثم سمعت صوتها:
هل نمت؟
أحاول ذلك..
متى نصل ليننجراد؟
في الساعة الثامنة صباحًا..
وأين سننزل؟
في فندق ليننجراد!
حجزت؟
أجل..


وخطر على بالي سؤال، فقلت لها:
نادية.. هل والدك موجود..؟
لا.. لقد توفي في أثناء الحرب..
وأمك؟
تعيش معي في فنلندا.. وهي لا تزال صبية وجميلة مع أنها تقترب من الخمسين..
وما اسمها..؟
صفية خير الله..
وارتعش قلبي..


وسمعت "نادية" تقول بعد فترة صمت:
إن صورتها معي في الحقيبة، هل تحب أن تراها الآن؟
في الصباح يا نادية.. لا داعي للتعب في الليل"[18].


ولقد تكشفت الحقيقة بعد هذا الحوار الطويل، الذي يوضح شعور الراوي وخوفه من معرفة الحقيقة التي باتت نفسه تثق أنها لا مفر منها، والتي طالما استبعدها الراوي (إبراهيم) في كل تصرفاته وكلامه، ولم يفكر قط في أن تكون نادية هي ابنة سنوات مضت ولم يعرفها، بل لم يفكر أن تكون له ابنة من ليلة جميلة قضاها، ولم يتذكر هذا، وكل ما ذهب إليه عندما رآها هو الشبه في البلد والشكل فقط، لدرجة أنه تخيل أنه سوف يعيد هذه الليلة مرة أخرى، ولكن هذه المرة مع ابنته التي لم يكن يعرفها.


وأخيرًا يؤكد لنفسه أنه كان يود أن يعيش في ظل الشك والكابوس والكذب؛ وذلك لأنه لم يستطع أن يتحمل الحقيقة، أو التأكد من وجودها في قوله:
"كنت أود أن أعيش في ظل الشك.. ولو حتى إلى الصباح؛ فالحقيقة السافرة مع كل ما تحمل من فرحة.. فيها وقع الفجاءة التي لم أكن أتوقع حدوثها قط، فقد شطر كياني نصفين.. إن القطار الأزرق حملني عبر السنين إلى بعيد وأنا لا أدري.. لا شيء ينسى.. وكل ما يحدث في حياة الإنسان فهو لاصق بوجوده..


لقد كانت "نادية" أستاذة علم النفس وتقرأ أفكاري، وتعرف هواجسي ومشاعري، وما أنا فيه من فرحة واضطراب.. ولكنها لزمت الصمت..


وبعد ساعة قمت وغطيت "نادية" بالبطانية.. ولم يكن جو المقصورة يحتاج إلى غطاء"[19].


لقد اكتشف الحقيقة وعلم بأن له ابنة من الغرب، ولكنها غير شرعية، فما جاء عن طريق الغرب كان غير شرعي في كل ما توجهوا به إلينا.


ولقد استنتجت هذه النتائج الآتية من خلال دراسة هذه القصة:
أولاً: لقد قصدت دراسة هذه القصة رغم وجود قصص كثيرة اهتمت بتناول هذه القضية، ولكنى رأيت أن الطريقة التي ارتبط بها الشرق بالغرب عن طريق الابنة (نادية) هي الطريقة التي لخصت القضية بين الشرق والغرب في كون العلاقة التي تربط بينهما هي علاقة غير شرعية، علاقة اغتصاب الغرب لحقوق الشرق، وعلاقة احتلال الأراضي والاقتصاد، وعلاقة السيطرة والهيمنة والبقاء للأقوى، وكأننا نعيش في غابة، وعلاقة التدخل السافر في الشؤون الداخلية للبلاد، وعلاقة الطمع والاستغلال والنهب والسلب لحقوق كل الشرق بحجج واهية، وشن الحروب بذرائع باطلة، واختلاق التهم؛ كوصف الشرق بالإرهاب، والهمجية، والتخلف، والرجعية.


ثانيًا: وجود الشفافية في حوار الراوي، وهو (الكاتب) نفسه، في نقل صورة الغرب، ولم يركز بؤرة اهتمامه على الصور السلبية مثلما يفعل الكثير من كتاب الغرب، وإنما ركز جل اهتمامه على الصور الإيجابية، والعطف، والشفقة، والرحمة، والمساعدة، من خلال موظفة محطة القطار، أو السيدة المسنة التي شرحت لهم ما كانوا يحتاجونه.


ثالثًا: لقد أبدع الكاتب في تصوير ووصف التفاصيل، مما جعل القارئ يستمتع بهذا الوصف وكأنه عاش هذه اللحظات الرائعة، وشاهد هذا القطار، ووصف ما يحيط به من جمال التفصيل وروعة المناظر.


[1] نشرت القصة في مجلة الثقافة أكتوبر 1973، وأعيد نشرها في مجموعة عودة الابن الضال 1993.

[2] المصدر نفسه.

[3] المصدر نفسه.

[4] نشرت القصة في مجلة الثقافة، أكتوبر 1973، وأعيد نشرها في مجموعة عودة الابن الضال 1993.

[5] المصدر نفسه.

[6] نشرت القصة في مجلة الثقافة، أكتوبر 1973، وأعيد نشرها في مجموعة عودة الابن الضال 1993.

[7] نشرت القصة في مجلة الثقافة، أكتوبر 1973، وأعيد نشرها في مجموعة عودة الابن الضال 1993.

[8] المصدر نفسه.

[9]نشرت القصة في مجلة الثقافة، أكتوبر 1973، وأعيد نشرها في مجموعة عودة الابن الضال 1993.

[10] نشرت القصة في مجلة الثقافة، أكتوبر 1973، وأعيد نشرها في مجموعة عودة الابن الضال 1993.

[11] المصدر نفسه.

[12] نشرت القصة في مجلة الثقافة، أكتوبر 1973، وأعيد نشرها في مجموعة عودة الابن الضال 1993.


[13] المصدر السابق.

[14] نشرت القصة في مجلة الثقافة، أكتوبر 1973، وأعيد نشرها في مجموعة عودة الابن الضال 1993.

[15] نشرت القصة في مجلة الثقافة، أكتوبر 1973، وأعيد نشرها في مجموعة عودة الابن الضال 1993.

[16] المصدر نفسه.

[17] نشرت القصة في مجلة الثقافة، أكتوبر 1973، وأعيد نشرها في مجموعة عودة الابن الضال 1993.

[18] نشرت القصة في مجلة الثقافة، أكتوبر 1973، وأعيد نشرها في مجموعة عودة الابن الضال 1993.

[19] نشرت القصة في مجلة الثقافة، أكتوبر 1973، وأعيد نشرها في مجموعة عودة الابن الضال 1993.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 129.33 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 126.23 كيلو بايت... تم توفير 3.09 كيلو بايت...بمعدل (2.39%)]