تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) - الصفحة 26 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 11920 - عددالزوار : 190855 )           »          فتاوى رمضانية ***متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 554 - عددالزوار : 92681 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 114 - عددالزوار : 56888 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 78 - عددالزوار : 26179 )           »          شرح كتاب التفسير من مختصر صحيح مسلم للمنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 33 - عددالزوار : 726 )           »          الدين والحياة الدكتور أحمد النقيب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 16 - عددالزوار : 59 )           »          فبهداهم اقتده الشيخ مصطفى العدوي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 16 - عددالزوار : 57 )           »          يسن لمن شتم قوله: إني صائم وتأخير سحور وتعجيل فطر على رطب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 27 )           »          رمضان مدرسة الأخلاق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          أمور قد تخفى على بعض الناس في الصيام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #251  
قديم 17-10-2020, 08:19 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,576
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

إعراض بني إسرائيل مع كثرة ما رأوه من الآيات البينات

يقول تعالى: سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ [البقرة:211] عرفنا من هم بنو إسرائيل؟ أولاد يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، ولم يقول الله تعالى لمصطفاه: سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ [البقرة:211]؟ ليخفف عنه آلامه، ليخفف عنه أتراحه وأحزانه مما يعاني من المشركين والمنافقين واليهود. سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ [البقرة:211] يخبروك كم شاهدوا من آيات وما آمنوا ولا انقادوا ولا أسلموا ولا أطاعوا، أما شاهدوا عصا موسى تتحول إلى ثعبان تلتهم وادياً كاملاً بما فيه؟ أما شاهدوا آية أخرى هي يد موسى يخرجها من جيبه وكأنها فلقة قمر؟ أما شاهدوا البحر كيف ينقسم إلى اثني عشر قسماً وكل قبيل يدخل في قسمه؟ أما شاهدوا في تيههم أنه ينزل اللحم المشوي وأن العسل ينزل من السماء؟ آيات، هل نفعتهم تلك الآيات؟ إذاً: لا تحزن يا رسول الله إذا لم يستجيبوا لك ولم يقبلوا دعوتك، كما أن في الآية أيضاً: تأنيباً وتعنيفاً للذين ما زالوا مصرين على الكفر من اليهود والمشركين. سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ [البقرة:211] وهنا (كم) للتكثير، والآيات جمع آية، وهي العلامة الدالة على الشيء، ولكنها هنا خارقة للعادة.مثالها: أنهم لما قتل أحدهم عمه ليرثه ورفعت القضية إلى موسى وما عرفوا من القاتل، وكل ادعى كذا وأخذ القتيل ووضعوه عند باب الآخر، فقال تعالى لهم: اذبحوا بقرة وخذوا قطعة من لحمها واضربوه فإنه يحيا وينطق ويقول: قتلني فلان، والله! لكان ذلك، إذاً: أية آية أعظم من هذه الآية؟ أما كان عيسى ينادي من على النعش وهو محمول إلى المقبرة: يا فلان بن فلان، فيرفع عن نفسه الكفن ويقول: لبيك يا روح الله، يقول: ضعوه، امش إلى أمك!آيات، فهل آمنوا عليها؟ ما آمنوا. ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان له آية انفلاق القمر وانشقاقه فلقتين، أية آية أعظم من هذه؟ القمر مثل الأرض أو أكبر ينقسم قسمين أمامهم ما بين جبل أبي قبيس ورأوه أمامهم، هل آمنوا؟ آيات الرسول بلغت ألف آية، منها أنه حان الأذان يوماً وأخذ الناس يتوضئون فما وجدوا الماء، إذاً: فجيء بركوة فيها ماء فغمس فيها الرسول أصابعه وإذا بها تفيض بالماء، فتوضأ منها سبعون رجلاً أو ثمانون. وفي الحديبية كان العمار ألفاً وأربعمائة معتمر، عطشوا أيضاً وانقطع الماء وخافوا من العطش والموت، فأتوا بركوة أيضاً فوضع فيها أبو القاسم يده فصارت كعين فوارة، فسقوا وملئوا قربهم وأزودتهم وتوضئوا وشربوا والماء يفور، أية آية أعظم من هذه؟ سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ [البقرة:211] واضحة كالشمس دالة على وجود الله ووجوب عبادته وحده دون من سواه، وعلى نبوة النبي وصدق دعواه فيما يدعو إليه.
معنى قوله تعالى: (ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته فإن الله شديد العقاب)
قال تعالى: وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ [البقرة:211]، اسمع هذا الخبر العظيم: وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ [البقرة:211] ما الذي يحصل؟ الانتقام، التدمير، التخريب، الإذلال، الإهانة، التمزيق؛ لأن الله شديد العقاب، إذا عاقب وأخذ بعد الإثم أو الذنب فعقابه شديد. والآن كيف أمسيتم؟ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ [البقرة:211] ما هي نعمة الله؟ النعم كثيرة لا تحصى، إذ قال: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا [إبراهيم:34]، لكن في هذا الموطن بالذات، في هذا الموقف، في هذا السياق الكريم نعمة الله هنا الإسلام وشرائعه، أما قال تعالى من سورة المائدة: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3]؟ نعمة الله هنا الإسلام وشرائعه، الموصل أهله إلى عز الدنيا وكرامتها، إلى السيادة والريادة والقيادة على الطهر والصفاء، إلى الغنى، وفي الآخرة إلى دخول دار الأبرار الجنة دار السلام، فكيف تبدل نعمة الله؟ اليهود بدلوها بالكفر والشرك، فأصابهم الذل والإهانة آلاف السنين وهم يعيشون في الذل والهون والدون. هنا يجب أن نتدبر، عرفنا قول ربنا: وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [البقرة:211] والله! لا نعمة أجل ولا أبرك ولا أطيب ولا أنفع من نعمة الإسلام، الإسلام بشرائعه وقوانينه، إذ هو سبيل السعادة في الدنيا والآخرة.

الاستعمار عقوبة استبدال المسلمين العقيدة بالخرافة

وقد استبدل المسلمون من القرن السابع بالعقيدة الربانية السليمة الصحيحة الخرافات والأوهام والضلالات، إذاً: فعاقبهم الله -كما علمتم- فسلط عليهم الغرب والشرق فأذلوهم، أهانوهم، حكموهم، فعلوا فيهم الأعاجيب، ويكفي أنهم أورثوا فيهم صفات الدون والهون، الآن نحن نصلي المغرب والرجل ببرنيطته -والله- كأنه يهودي مر بين أيدينا، أعوذ بالله! لأن الغرب لما غلب وساد وانتصر وأذلنا وأهاننا أصبحنا نعشق حياته في المأكل، في المشرب، في الملبس، في الفهم، في كل شيء كشأن المغلوب يتأسى بالغالب.

إعراض المسلمين عن إقامة دعائم الإسلام بعد الاستقلال

والآن جاءت محنة جديدة، استقل العالم الإسلامي من أندونيسيا إلى موريتانيا استقلالاً، لا تعترض علي وتقول: ما استقلوا، والله! استقلوا، الآن يديرون أمورهم بأيديهم، وإذا كان هناك خبراء أو كذا من غير المسلمين فهذا لا حرج فيه ولا ضيق، فهم مستقلون، فماذا فعلوا؟ أين تطبيق شريعة السماء في الأرض؟ ابتدئوا بالقواعد الأربع البسيطة التي لا تكلف ديناراً ولا درهماً، وهي دعائم الدولة الإسلامية، وقد تكررت وقرأناها، إلا أن السورة التي فيها هذه الدعائم ما تقرأ على الموتى، فهي طويلة، لو كانت كالكهف أو (يس) لعرفها المسلمون، أنها سورة الحج، فما هذه الدعائم؟ يقول تعالى: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ [الحج:41] ما معنى: مكناهم، ومكنا لهم؟ أي: حكموا، سادوا. الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ [الحج:41] ماذا فعلوا؟ أَقَامُوا الصَّلاةَ [الحج:41] ما معنى: أقاموها؟ لم يسمح لمواطن ذكراً أو أنثى، عزيزاً أو ذليلاً، غنياً أو فقيراً أن يؤذن المؤذن وهو في الشارع يلعب أو في دكانه يبيع ويشتري، الكل إلى بيت الرب عز وجل، ومن ضبط وهو لا يصلي فإنه يستتاب ثلاثة فإن تاب وإلا أعدم، إذ خلقنا للصلاة، خلقنا لأي شيء؟ والله! للصلاة، إذ مظاهر العبادة كلها في الصلاة، وإليكم بعض بيانها: المصلي قبل أن يأتي إلى بيت الرب يطهر ثيابه ويغسل بدنه ويزيل الحدث عنه ويمشي إلى بيت الرب، هذا التطهر، هذا الغسل، هذا الوضوء لوجه الله، فهو عبادة، ثم يدخل بيت الرب فيستقبل بيته لا يحرف وجهه لا شرقاً ولا غرباً، ولكن إلى بيت ربه، ويقف بين يديه وقفة الذليل المنكسر ويرفع يديه: الله أكبر، فما يبقى في العالم من هو أكبر من الله يخافه أو يرهبه أو يلتفت إليه أو يفكر في حاله وشأنه.ويقرأ كتاب الله، يتملقه بآياته التي أنزلها، وفجأة ينحني، يركع بين يديه وإن كان فلان بن فلان، ينكسر ويذل ويركع بين يدي الله، ويأخذ في تسبيحه لله: سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم، سبعاً أو تسعاً أو إحدى عشرة أو إحدى وعشرين، ثم يرفع رأسه بين يدي ربه قلاً: سمع الله لمن حمده، اللهم ربنا لك الحمد، ثم يخر إلى الأرض ساجداً على التراب يعفر أعز عضو في أعضائه وأطهرها وأصفاها وهو الوجه، هل بعد الوجه شيء؟ وضعك قدمك على الأرض غير مهم، ووضع كفيك غير مهم، ووضع ركبتيك غير مهم، لكن وضع وجهك على الأرض، يضع جبهته وأنفه الذي يشمخ به علواً وكبرياء، يذل بين يدي الله ويأخذ في هذه العملية الساعة والساعات، أية عبادة أعظم من هذه؟ فلهذا فالذي لا يصلي كافر لا يدخل الجنة أبداً، وليس من أهل الإيمان ولا الإسلام. إذاً: هذه العبادة التي خلقنا من أجلها: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] لا لشيء آخر أبداً، ما هو في حاجة إليهم أبداً، ما خلقهم إلا ليسمع ذكرهم له ويرى شكرهم له عز وجل.وقد عايشنا -والحمد لله- الاستقلالات استقلالاً بعد استقلال، كلما يستقل إقليم نكبر في نادي الترقي: الله أكبر، طلع الإسلام من جديد، وخاصة يوم استقلت إندونيسيا وباكستان، اعتقدنا أن الإسلام طلع كوكبه، والآن سيسود العالم، فكان يستقل الإقليم ويمكنهم من الله، فبدل أن يقيموا الصلاة يقيموا حفلات الرقص وشرب الخمر والصياح، ولا إله إلا الله! كأنهم ما عرفوا الله ولا سمعوا به. وإياكم أن تفهموا أن هذا الشيخ يقول ما لا يعلم أو يكذب عليكم، انزع هذا من ذهنك، لقد أقاموا حفلات استقلال، والله يقول: أقاموا الصلاة. ورحم الله مسعودنا وأخاه، مضيا وسبقانا إلى دار السلام، لما استقلت الجزائر قالا: هيا بنا نمشي نصلي في قباء على أرجلنا شكراً لله تعالى، وفعلا، الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا [الحج:41] ماذا؟ الصَّلاةَ [الحج:41]. وأعطوني علماء النفس والاجتماع والسياسة نتكلم معهم دقيقة، والله العظيم! لو أقيمت الصلاة في بلد في إقليم لساده الأمن الذي لو وضعوا أمام كل باب بوليساً بالرشاش ما حققوه، إذا أقيمت الصلاة بالمعنى الذي يقول الله: أَقَامُوا الصَّلاةَ [الحج:41] على علم وبصيرة، ذلك البلد ينتهي منه الخبث، ذاك الخبث الذي لو تبذل الملايين على إزالته ما يزول إلا بإقامة الصلاة، وما ينفق على إبطال المنكر وما لا يتلاءم مع الأمة ودينها لو يبذلون المستحيل فلا يمكن أن يزول، ولكن يزول بإقام الصلاة. ومن قال: برهن يا شيخ ودلل؛ قلنا: هل دولة الرسول وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي كان عندهم بوليس وشرط؟ لا، هل عرفت الدنيا أمناً وطهراً كما عرفته يومئذ؟ الجواب: لا، لأنهم أقاموا الصلاة، كل مؤمن بوليس، هل تعرفون هذا أم لا؟ أيام أحداث جهيمان خاف بعض أهل القرى إذا أردنا أن نتكلم معهم، فقلت لهم: لا تخافوا أبداً، أتدرون من نحن؟ كل واحد منا هو في المباحث وهو بوليس، هل فينا من يرى منكراً ويسكت؟ يرى باطلاً ويشجع عليه؟ يجوز هذا؟ ما هي مهمة البوليس إذاً؟ أهي مقاومة الفساد أم لا؟ فهيا أروني مؤمناً يشاهد منكراً ويرضى وتطمئن نفسه؟ إذ كل مؤمن باستقلاله آمر بالمعروف ناه عن المنكر، هو سيد البوليس في العالم، ولكن أبوا أن يجعلوا للصلاة شأناً، فمن شاء صلى ومن شاء غنَّى. والبرهنة ما سأقول، وقد يقول لكم إبليس: هذا الشيخ يتملق الحكومة السعودية، عميل، ذنب، فلعنة الله على إبليس، والعجب: كيف يقبل العقلاء هذا الكلام؟ هذا الكلام نقوله ونردده ويا ليتنا أسمعناه كل مسلم في الأرض، هذه براهين أنوار الله في كتابه وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم.

دولة عبد العزيز وتباطؤ الحكام عن ضم الأقاليم المستقلة إليها

لما أقام عبد العزيز باسم الله هذه الدولة فوالله العظيم! لقد ساد هذه البلاد أمن لم تحلم به ولم تره بقعة في العالم، إلا على عهد القرون الذهبية الثلاثة، كان الرجل يمشي من أقصى المملكة إلى أقصاها لا يخاف إلا الله، أبعد هذا يقولون: كيف؟ ما يريدون هذا؟ لأنهم لا يريدون أن تقام الصلاة ويؤمر بالمعروف وينهى عن المنكر، هذا الله واضع هذه القواعد: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ [الحج:41] هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر انتشرت في هذه المملكة انتشاراً عجباً، أريكم منها صوراً وعندي من ينطق.كان رجل الهيئة وهو إمام المسجد يقرأ في صلاة الصبح قائمة: إبراهيم بن عثمان، صالح بن زيد، علي بن فلان، من هو الذي تخلف عن صلاة الصبح؟ فيذهبون إليه، إن كان مريضاً واسوه أو داووه، وإن كان غائباً حرسوا بيته، وإن كان تأخر أدبوه وجروه بعمامته وأدبوه تأديباً كاملاً، فأقيمت الصلاة وجبيت الزكاة، ويجبون ماذا؟ صاع الشعير والعنز، هل هناك غير هذا؟ لا بترول ولا فضة، بل حفنة التمر والشعير والعنز، جبيت الزكاة طاعة لله عز وجل، إذاً: فساد هذه الأرض طهر لم تعرفه إلا أيام الصحابة وأحفادهم وأحفاد أحفاهم، ثلاثة قرون. فلم حين كان يستقل الإقليم من فرنسا أو بريطانيا أو إيطاليا ويمكن الله للعباد البلاد؛ لم لا يأتون عبد العزيز ويقولون: أنت دولتك أول دولة في هذا العهد، أعطنا قضاة يطبقون الشريعة، ونتعاهد معكم؟ وسوف تعرفون هذا يوم القيامة.كان المفروض أنه أول إقليم يستقل -وأظنه سورية من فرنسا- يجب أن يأتي أهله ويضمون سورية إلى السعودية، والله! إنه لواجب، وامتناعهم هو الذي دمرهم وحرمهم الإسلام، لو انضمت سورية وطبق فيها شرع الله فستصبح كالجنة. واستقل الإقليم الآخر فيأتي رجاله: لقد خرجت بريطانيا، فهيا باسم الله تعالى، ابعث والياً وقضاة، وهكذا، فما تمضي ثلاثون سنة أو أربعون إلا وأمة الإسلام دولة واحدة، وشريعة الله تطبق، فلماذا ما فعلنا؟ ما نريد الإسلام ولا شرائعه ولا قواعده ومن ثَمَّ كان البلاء، وأعطانا الله آية عجيبة، فاللهم لك الحمد، الحمد لله، الحمد لله أن أرانا آية من آياته، وهي: أن أوجد تلك الحفنة من اليهود وأذلنا بهم إذلالاً عجباً، لما دخلوا فلسطين وأخرجوا الأردن جمعوا قناصل وسفراء العرب على جدار وبالوا عليهم! فمن أذلنا؟ الله، لا الغرب ولا الشرق ولا أمريكا ولا الهند، هو جل جلاله وعظم سلطانه، هو الذي أرانا آياته ومع هذا أعمينا أنفسنا عنها وأبينا أن ننظر إليها، واستمر العرب والمسلمون على الإلحاد والباطل والزيغ، لا صلاة ولا زكاة ولا أمر بمعروف ولا نهي عن منكر ولا وتطبيق لشرع الله وهكذا، فهذا كفر أم ماذا؟ ما هذه الآية؟ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [البقرة:211] معناه: سيعاقب أشد العقاب وآلمه في الدنيا وفي الآخرة معاً، فهل فهمتم هذه؟ هل يسمعها العرب والمسلمون؟ هل رجال العلم والصحافة يكتبون؟ لا، أمة ميتة حتى يحييها الله عز وجل، اللهم أحينا يا ربنا، اللهم أحينا يا ربنا، يا من يحيي العظام وهي رميم أحي هذه الأمة بعد موتها يا رب العالمين.وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #252  
قديم 17-10-2020, 08:21 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,576
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (132)
الحلقة (139)



تفسير سورة البقرة (97)

إن إبليس عليه لعنة الله أخذ عهداً على نفسه أن يضل العباد، فهو يزين للذين كفروا الحياة الدنيا، ويصور لهم متاعها على أنه المتاع الدائم الذي لا يحول ولا يزول، ويزهدهم في الآخرة فلا يريدون سماع خبرها ولا الكلام عنها، فعاقبهم الله عز وجل بأن وكلهم إليها وجعل متاعها هو جل ما يجنون، وهم في الآخرة محرومون مطرودون، ويرفع المؤمنين فوقهم يوم القيامة بما كانوا يسخرون منهم في الدنيا.

تابع تفسير قوله تعالى: (سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة...)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الأحد من يوم السبت- ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال فداه أبي وأمي والعالم أجمع : ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، فكيف نظفر بهذا الخير لولا توفيق ربنا وهدايته لنا، حيث جمعنا على كتابه في بيته نتلوه ونتدارسه؟ وها نحن مع هذه الآيات المباركات، وهما آيتان من سورة البقرة انتهى الدرس إليهما.أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ * زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ [البقرة:211-212].

الأمر بسؤال بني إسرائيل عما جاءهم من الآيات

معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! من القائل: سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ [البقرة:211]؟ الله جل جلاله وعظم سلطانه، خالق السماوات والأرض وما بينهما وما فيهما، خالقنا ورازقنا، واهبنا عقولنا وطاقاتنا وقدراتنا، هذا الذي يقول لرسوله ومصطفاه: سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ [البقرة:211] عرفتم من الآمر؟ الله جل جلاله، الذي اصطفى محمداً صلى الله عليه وسلم وأرسله رسولاً للعالمين. سَلْ [البقرة:211] أي: اسأل، وحذفت الهمزة -كما قدمنا- مع همزة الوصل للتخفيف، لقوله تعالى: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [القمر:17]؛ فإن قولك: (اسأل) فيه صعوبة، أما (سل) فتخفيف من ربكم، سل يا رسولنا، يا مصطفانا، سل بني إسرائيل أهل الكتاب اليهود، أولاد إسرائيل هم أولاد يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، إذ يعقوب يكنى بإسرائيل واسمه يعقوب.

بشارة سارة بإسحاق عليه السلام

وتذكرون أن سارة امرأة إبراهيم لما بشرت بالولد مع عقمها وكبر سن زوجها قالت: أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ [هود:72]، قالت الملائكة: أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ [هود:73]. سارة التي هاجرت وفارقت ديارها مع زوجها إبراهيم الخليل عليهم السلام، ولما دقت الساعة لتدمير حواضر ما حلمت الدنيا بمثلها -سدوم وعمورة- جاء الوفد الذي يقوم بهذه المهمة وعلى رأسهم جبريل، وهم جبريل وميكائيل وإسرافيل، نزلوا ضيوفاً على إبراهيم، فلما نزلوا عليه ضيوفاً ماذا فعل؟ قال تعالى: فَرَاغَ [الذاريات:26] مال إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ * فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ [الذاريات:26-27] هذا الكرم، ولهذا كني إبراهيم بأبي الضيفان على لسان سيد المرسلين، فجاء بعجل حنيذ، مشوي باللهجة اليمنية، وقربه إليهم، ثم ما قال: كلوا، فما ينبغي أن يكون فوقهم، من آدابه السامية الرفيعة أنه قال: أَلا تَأْكُلُونَ [الذاريات:27] عرضٌ عرضه لا أمرٌ أمرهم به. فقالوا: إنا لا نأكل طعاماً إلا بحقه. قال: كلوه بحقه. قالوا: فما حقه يا إبراهيم؟ قال: أن تسموا الله في أوله وأن تحمدوه في آخره. والحمد لله؛ فنحن نأكل الطعام صباح مساء بحقه، لا نأكل طعاماً ولا نشرب شراباً بدون أن ندفع القيمة، والحمد لله، القيمة أن تقول: باسم الله، فإذا شبعت قل: الحمد لله، فقد أديت الثمن المطلوب. إذاً: فلما قال إبراهيم: كلوه بحقه، وسألوه: ما حقه؟ قال: أن تذكروا اسم الله في أوله وتحمدوه في آخره؛ التفت جبريل إلى ميكائيل وقال: حق للرجل أن يتخذه ربه خليلاً! هو أهلٌ للخلة، حق للرجل أي: ثبت وتعين أن يتخذه ربه خليلاً.إذاً: وعرف أنهم ملائكة، والملائكة لا يأكلون ولا يشربون، فقالوا: جئناك لمهمة، ومع هذا تلطف إبراهيم وقال: إن فيهم لوطاً، قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ [العنكبوت:32] خبيثة منتنة، وأما لوط وبناته فسوف نستلهم استلال الشعرة من العجين، فقلبت تلك العواصم وانقلب ظاهرها باطنها وباطنها ظاهرها، وتحولت بمرور الأيام إلى بحيرة منتنة تسمى الآن بالبحر الميت، هذا البحر ما يوجد فيه حوت ولا ضفادع.

ذكر بعض الآيات التي أريها بنو إسرائيل

إذاً: سل بني إسرائيل يا رسولنا كم آتيناهم من آية بينة، عشرات ومئات الآيات، وهل آمنوا؟ ما آمنوا؛ إذ من الجائز أن الرسول صلى الله عليه وسلم تتوق نفسه للمعجزات أو يطالبه أصحابه أو بعض الناس، لكن المعجزات لن تكون سبباً للإيمان، فكم من معجزات خارقة للعادة يسخر منها الكافرون ويستهزئون. إذاً: فاصبر يا رسولنا وتحمل واثبت، وسل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة كالشمس دالة على أنه لا إله إلا الله وأن موسى رسول الله وأن عيسى عبد الله ورسول الله وما آمنوا. ومن أظهر الآيات -كما عرفتم- العصا، عصا موسى كان يرعى بها الغنم فأمره تعالى أن يلقيها فألقاها فإذا هي حية تسعى تهتز كأنها جان، وابتلعت وأدخلت في جوفها ذلك الوادي المليء بالحبال التي يتصورها ويشاهدها المتفرجون أنها حيات وثعابين، فهذه أعظم آية.وانفلاق البحر، ضربه موسى باسم الله فانفلق اثنتي عشر فلقة، كل طائفة أو قبيل من بني إسرائيل تمشي في طريق واحد خاص بها، فهل أسلموا؟ ما أسلموا، إذاً: فاصبر يا رسولنا وتحمل واثبت.

تخويف المسلمين من تبديل نعمة الله تعالى

ثم قال له: وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ [البقرة:211] هذه الآية لو تتلى على العالم الإسلامي في ساعة واحدة ويسمعونها ويرزقهم الله إيماناً لبكوا منها إلى طلوع النهار، ولتابوا إلى ربهم ورجعوا إليه، لما فيها من الوعيد الذي لا يقادر قدره ولا يطاق، حيث قال تعالى: فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [البقرة:211]، إذ العقوبة لا تستطيعونها. وَمَنْ يُبَدِّلْ [البقرة:211] (من) من ألفاظ العموم يدخل فيه الواحد والواحدة والاثنان والاثنتان والجماعة والأمة، وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ [البقرة:211] وشاهدها؛ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [البقرة:211]. وإن أردتم صورة فماذا حل باليهود؟ ماذا أصابهم؟ ما عرفت أمة من الأمم الذل والهون والدون والصغار والاحتقار في العالم كما عرف اليهود،كان المسيحي لا يفتح عينيه في اليهودي بغضاً له وكرهاً له، ما ينظر إلى وجهه، وكانوا يقلونهم كالسمك في قدور الزيت بدعوى أنهم قتلوا إلههم، وتشردوا وتمزقوا وسلط الله عليهم البابليين فساموهم الخسف وسلطوا عليهم ما لا يطاق، ثم تجدد لهم العهد من جديد وظهرت دولتهم وسادت لما رجعوا إلى الله، ثم ما إن فسقوا وخرجوا عن طاعة الله ولبس نساؤهم الكعب العالي حتى أخذوا يهبطون، فاستباحوا الخلاعة والدعارة والزنا والربا، فضربهم وسلط عليهم الرومان فساموهم الخسف والعذاب، شتتوهم، مزقوهم، أهانوهم، فشردت جماعات منهم إلى هذه المدينة، وما زالوا في الهون والدون حتى هبط العالم الإسلامي فظهروا.هبط العالم الإسلامي وذهبت منه السيادة والقيادة وإرادة الخير للبشرية، ولصق بالأرض وأخلد إليها، حينئذ ظهر اليهود من جديد، وظهروا بالمكر والخديعة، مكروا فوضعوا المذهب الشيوعي، اجتمعوا عليه وفكروا فيه ونظموه وقعدوه وأصلوه وعرضوه، فاجتاح ذلك المذهب أوروبا السامية العالية، فثلاثة أرباعها أصبحوا لا يؤمنون بالله ولا لقائه، يقولون: لا إله والحياة مادة! ومن ثم استولوا على قلوب أوروبا، ذاك العدو الألد الذي لا يفتح عينيه في اليهود أصبح يركع لليهود وينحني لهم، ووضعوا فتنة الربا والبنوك وساسوها وتحكموا فيها وسادوها، فوضعوا العالم تحت أرجلهم.ولا ينقذ العالم من اليهود إلا المسلمون فقط، وهل نحن أولئك المسلمون؟ لا، فنحن كفرنا بنعمة الله: وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ [البقرة:211]، فالعقاب لا يقادر قدره ولا يقوم به شيء؛ لأن الله إذا عاقب فهو شديد العقاب، ها هو ذا قد أذلنا وأهاننا وأفقرنا وشتتنا ورمانا في متاهات لما كفرنا نعمة الإسلام، ما اعتززنا بها ولا التففنا حولها، ولا عشقناها ولا قمنا بها ولا دعونا البشرية إليها، بل أصبحنا نجري وراء الكفر ونتمثله ونعمل ما استطعنا على أن نكون مثلهم، أواقع هذا أو لا؟ والله! إنه لواقع، وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [البقرة:211].إذاً: من يؤدب اليهود؟ هم المسلمون، والله! إن ساعتهم لآتية، لكن هذا الجيل منا ما هو بأهل لذلك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم المتكلم بالغيب المخبر عن الله بما يوحيه إليه، وكم من غيب أعلنه وتحقق كما أخبر بلا زيادة ولا نقصان، فاسمعوه يقول: ( لتقاتلن اليهود )، وهذه الكلمة يقولها في أصحابه، وهل بقي يهود يستحقون القتال؟ بنو قينقاع شردوا عن آخرهم، بنو النضير شردوا إلى الشام، أين اليهود؟ ذهبوا إلى الروم ليذلوهم، فكيف يصبحون أمة ويقاتلهم المسلمون؟ ولكن الغيب لله، ( لتقاتلن ) بلام القسم ( اليهود فتقتلونهم حتى يقول الشجر والحجر: يا مسلم! هذا يهودي ورائي فاقتله، إلا شجر الغرقد فإنه من شجر اليهود )، تعرفون شجر الغرقد؟كان البقيع كله غرقداً أيام الأمطار، شجر ذو شوك، وفي بلد المغرب موجود عندنا الآن، فلم يقدِّس اليهود هذا الشجر؟ لعلمهم أنهم إذا اختبئوا تحت الشجرة وجاء مسلم يطاردهم لا تعترف الشجرة بأن اليهودي عندها، وسلوا إخوانكم الفلسطينيين عندما يحجون ويعتمرون فسيعطونكم فكرة كاملة عن شجر الغرقد والعناية به كالتفاح والعنب بل أشد، هم به أكثر عناية من التفاح والتمر.إذاً: هل الشجر والحجر يكذب؟ يقول: يا مسلم وما هو بمسلم؟ لا يكذب، فلهذا نحن لسنا بأهل لذلك، ليس معنى هذا أن هذا مستحيل وما يمكن، والله العظيم! لو نسلم لله أربعاً وعشرين ساعة فقط نعلن (لا إله إلا الله) ويصير أمرنا واحداً على شرع الله لمات اليهود من الخوف والفزع، فما الذي يمنعنا من أن نسلم؟ لا شيء.ليجتمع حكامنا في الروضة بالطيارة، الذي في أقصى الشرق وأقصى الغرب تأتي به الطائرة في ست ساعات، ويبايعون خليفة لهم ويأخذون الدستور ويطبقونه، فتقام الصلاة.. تجبى الزكاة.. يؤمر بالمعروف .. ينهى عن المنكر، ينتشر ظل الآداب والأخلاق، وبعد أربعين يوماً وأمة محمد هي الأمة الرائدة القائدة، وتأخذ الدول تسقط، تمد أيديها للإسلام وتعتنقه، وهذا اليوم سيأتي أيضاً، ليأتين يوم لا يبقى بيت مدر ولا وبر إلا دخله الإسلام بعز عزيز أو ذل ذليل في الكرة الأرضية بكاملها، والمقدمات موجودة، فهيا نسلم.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #253  
قديم 17-10-2020, 08:21 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,576
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

ضرر تبديل العبد نعمة الله تعالى عليه

إذاً: وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ [البقرة:211] ويبددها، أعطاك الله مالاً فأنفقته في الحشيشة، أنفقته في العهر، أنفقته في أكل الحرام، هذا بدل نعمة الله كفراً أم لا؟ ويعاقبه الله، ويذله ويهينه إلا أن يتوب عليه، أعطاك نعمة السمع والبصر والعقل وأنت البشر المسلم؛ إذا لم تشكر الله على هذه النعمة فإن عقاب الله شديد، وهكذا كل ذي نعمة إذا لم يشكر الله تعالى ولم يعترف بها لله خالقها وواهبها؛ هذا الذي كفر نعمة الله وجحدها وغطاها وسترها يتوقع له عذاب شديد لا يطاق، وأبرز نعمة وأظهرها هي الإسلام، هل هناك نعمة أعظم من الإسلام؟ الكفار حيوانات وبهائم إلى جهنم، فما هذه الحياة؟ والمسلمون بحق سادات الكون في هذه الحياة، طهر وصفاء وآداب وأخلاق وعز وكرامة، قل ما شئت من الكمالات، لا خوف ولا حزن ولا هم ولا كرب، إنه الإسلام.ومع الأسف قد بدل المسلمون نعمة الإسلام بالكفر، من إندونيسيا إلى موريتانيا، باستثناء هذه البقعة، لا يلتفتون إلى الشريعة، القوانين الغربية المستوردة المستوحاة درَّسوها ودرَسوها، بعثوا أولادهم فتعلموا في إيطاليا وأوروبا والإسلام مسكوت عنه، ومن تكلم خافوا منه وقالوا: اسكت لا تزعجنا، اعبد الله إن شئت.

الوعيد بالعذاب لمن بدل نعمة الله تعالى

إذاً: صدق الله العظيم: وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [البقرة:211]، دول الخليج كانوا شحاتين فقراء لاصقين بالأرض، يصيدون السمك في البحر، لا عنب ولا زرع، فأغدق الله علينا نعمة المال، فهل سنشكر أم لا؟ والله! إننا لتحت النظارة، ومن يعش سيرى ومن يمت سيسمع أيضاً ويبلغه، إما أن يشكروا وإما أن تسلب هذه النعمة، ما لهم ميزة على باقي البشرية أبداً، كلهم عبيد الله، من كفر نعمة الله سلبها منه وإن كان ابن الرسول. وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ [البقرة:211] ما هذا العذاب؟ ما يقادر قدره فيطاق، يكفي فيه قوله تعالى: فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [البقرة:211]، والعقاب سمي كذلك لأن الإنسان يؤخذ من عقبه وهو هالك.معاشر المستمعين! من أوتي نعمة فليشكر الله، على الأقل يقول: الحمد لله .. الحمد لله، ربنا لك الحمد، أنعمت وأفضلت وأحسنت، اللهم لك الحمد، فالله يحب هذا، هيا نتملقه، ثلاثة أرباعنا لا يقولون: الحمد لله عند الطعام والشراب ولا اللباس ولا الركوب، كأنهم هم خالقو النعمة وموجدوها، فهذا كفران للنعمة، أينعم الله علينا بهذه النعم ثم ما نذكرها له، ولا نشكره من أجلها، ولا نحاول أن نرد إفضاله بشكر فنصلي بين يديه ركعتين على الأقل شكراً له على نعمته؟آية عجب: وَمَنْ [البقرة:211] من أبيض وأسود، في الأولين وفي الآخرين، في أي جنس، وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ [البقرة:211] وأصبحت بين يديه وأكلها أو شربها، أو لبسها وعمل فيها، فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [البقرة:211].هذه الآية الأولى واضحة، فهل استفدنا شيئاً؟ الآن أصبحنا ننظر إلى العالم بين أيدينا، وأنه يتوقع له الإبادة والدمار.

تفسير قوله تعالى: (زين للذين كفروا الحياة الدنيا ويسخرون من الذين آمنوا ...)

ثم يقول تعالى: زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا [البقرة:212]، من الذي زينها لهم؟ ما قال: زين الشيطان لهم، ولا قال: زينا لهم، قال: (زُيِّن)، من الذي يزين الحياة الدنيا؟ إبليس أبو مرة العدو، يزين للكفار الذين هم كالأموات، الذين يعيشون في الظلماء، الذين فقدوا الحواس وأصبحوا كالبهائم لانقطاع النور عن قلوبهم لكفرهم بالله وكتابه ولقائه، هؤلاء يزين لهم الشيطان الحياة الدنيا، امش إلى إيطاليا.. إلى بلجيكا.. إلى هولندا.. إلى أمريكا.. إلى روسيا، إلى أي بلد كافر وانظر إلى الكفار ماذا يفعلون؟ همه الدنيا، لا هم له سوى أن يأكل ويشرب ويلبس وينكح، لا هم له أبداً إلا كيف يتجمل.. كيف يتحسن.. كيف يحسن لباسه طعامه شرابه منزله فراشه مركوبه، كل طاقاته مسخرة هنا، زينت لهم الحياة الدنيا، فجروا وراءها، يجرون من الساعة السابعة أو الثامنة وهم في العمل النساء والرجال، فإذا انتهى العمل أقبلوا على الأكل والشرب والنكاح واللهو والباطل، وهكذا، من فعل بهم هذا؟ الشيطان؛ لأنهم رضوا به موجهاً وسائساً وقائداً ورائداً، دعاهم فاستجابوا، ناداهم فقالوا: لبيك أبا مرة لبيك، عرض عليهم الإيمان والإسلام وشرائع الله فرفضوها وقبحها لهم الشيطان وحسن لهم الشرك والمعاصي والجرائم.أزيدكم وضوحاً: كل من يأتي كبيرة من كبائر الذنوب فوالله! إن الشيطان هو الذي زين له، وهل الله يزين الفواحش؟ تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، هل الملائكة تحسن اللواط والجرائم؟ والله! ما كان، فهذه الجرائم المنتنة القبيحة من يزينها للناس؟ الشيطان، زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ [آل عمران:14]، من يزين؟ العدو. ‏

نماذج من إقبال الناس على زينة الدنيا ونسيان الآخرة

يقول تعالى: زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا [البقرة:212] لا يرون الآخرة، ولا يريدون أن يسمعوها، ولا أن يتحدثوا عنها، ويشمئزون، ومن يذكر الآخرة أو ما يتم فيها يقولون: أنت تريد أن تنغص علينا معيشتنا أو حياتنا، اترك الآخرة.لعلكم شاهدتم هذا، إذا جرى حديث عن الآخرة في جماعة من هذا النوع يغضبون، يجتمعون على اللعب: الكيرم.. الدمنو، ويضحكون ويدخنون ويكفرون ويسب بعضهم بعضاً وكأنهم ما عرفوا لا إله إلا الله، والله! لهذا هو الواقع، ويجلس الرجل مع بناته وامرأته وشاشة التلفاز أمامه أو الفيديو، وعاهرة ترقص وتلوح بيديها وبرأسها وثديها بارز والحمرة في وجهها وشفتيها وهم يضحكون، كأنهم أموات لا يشعرون، أما يستحي أحدهم؟ لو كان فيه إيمان لذاب بين يدي الله، هل هذا هو الطريق الموصل إلى الله؟ أليس هذا المميت للقلوب والمهيج للشهوات والنزعات؟ آهٍ! وامصيبتاه.ما هي مصيبتنا يا مسلمون؟ أعرضنا عن ذكر الله، أعرضنا عن القرآن، وأصبحنا لا نجتمع عليه إلا ليلة الموت، من منكم يقول: أنا قلت مرة لأخ لي ونحن في العمل وتعبنا وجلسنا لنستريح تحت ظل شجرة أو كذا: اقرأ علي شيئاً من القرآن أتدبره؟ هل حصل هذا؟ أو جلس ثلاثة يتحدثون عن أمور دنياهم أو ينتظرون الأكل فيقول أحدهم: أي فلان! أسمعنا شيئاً من القرآن؟ هذا ما عرفناه إلا عند باز هذه الأمة، عند الشيخ عبد العزيز بن باز ، إذا جلسوا للأكل ينتظرون يقول: من منكم يسمعنا شيئاً من كلام الله؟ وعرفت مؤمناً وأنا صبي أحفظ القرآن قبل البلوغ يأتي يقول: أبا بكر ! أسمعني شيئاً من القرآن. والله! ليعمل هكذا ويصغي وهو أمي ما يفرق بين الباء والتاء، لكنه تلميذ خريج هذه المدينة، يجيء يقول لي: أسمعني، اقرأ علي. أما غيره في ذلك العالم فما واحد يقول: أسمعني شيئاً من كلام ربي أبداً، كل ما في الأمر إذا مات الميت ادعوا طلبة القرآن فيحضرون، فإن كان غنياً فسبع ليال، وإذا كان فقيراً فثلاث ليال، وعندهم الأربعين أيضاً عند الأغنياء.وفي سورية بالذات عملوا نقابة، فبالتلفون تقول: ألو! نريد عشرة من طلبة القرآن، مات عندنا ميت، فيقول النقيب: من فئة المائة ليرة أو الخمسين؟ فإن كان غنياً فمن فئة مائة، وإذا كان فقيراً فمن فئة خمسين، هذا القرآن من إندونيسيا إلى موريتانيا لا يجتمع عليه اثنان ولا يتدبرون ولا يتفكرون فيما خاطبهم الله به ودعاهم إليه أو نهاهم عنه أبداً، ومن كذبني فليقل لي: هل استعمرت بلاد العالم الإسلامي من قبل الكفار أم لا؟ إذاً: انقطع الكلام، لو كانوا أهل قرآن فهل سيستغلون ويستعمرون؟ معاذ الله.

تولي الشيطان تزيين الحياة الدنيا

زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا [البقرة:212]، ولم -ونحن مؤمنون- نقبل تزيين الشيطان لنا ونتنافس فيها؟ وأعظم ما حدث عندنا البنوك، كم من بنك في المدينة يرحمكم الله؟ لتكن عشرة، فهل بالمدينة يهود؟ هل هناك يهود ساكنون هنا؟ هل فيها نصارى أو مجوس؟ كلا أبداً، بل مسلمون، إذاً: مسلمون ويقلدون اليهود ويفتحون البنوك، ومن يعمرها؟ أتظن أنه تأتي الأموال من الخارج وتوضع فيها؟ والله! لمن جيوبنا نحن المواطنين؟ من زين هذا لنا؟ الشيطان، والله! إنه للشيطان، ما جاءنا أبداً عالم من علمائنا ولا سيد من ساداتنا وخطب فينا وقال: اسمعوا: ساهموا، فالبنوك ترفع مقاماتكم وتعزكم، هل فعل هذا أحد؟ إذاً: لم نعمرها؟ الشيطان هو الذي زين. وهو الذي زين اللواط وهو أخبث خبث عرفته البشرية، وأصبحت له أندية في العالم، هو الذي يزين هذه الجرائم والموبقات.وقولوا صدق الله العظيم: زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا [البقرة:212]، ما الذي زين لهم؟ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا [البقرة:212]، عشقوها أحبوها جروا وراءها فنسوا الآخرة نسياناً كاملاً، لم يخطر ببالهم شيء اسمه الدار الآخرة، همهم الدنيا والدرهم؛ لأجل الفحش والإقبال على الشهوات، فقولوا: صدق الله العظيم.

معنى قوله تعالى: (ويسخرون من الذين آمنوا والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة)

زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:212] يستهزئون، رأيناهم بأعيننا، يسخرون من المؤمنين، يقولون: هؤلاء متأخرون متخلفون، أو رجعيون، أو أصوليون! سخرية كاملة، هذا أصولي، هذا رجعي متخلف، هذا من القرون الوسطى. وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:212] في هذه الدنيا ويستهزئون بهم، ويحتقرونهم ويذلونهم ويهينونهم، يرهبون أصحاب المال والسلطان، أصحاب الدنيا يجرون وراءهم، أما المؤمنون فسخرون منهم، لأنهم فقراء ضعفاء معرضون عن الشهوات والأطماع والأهواء.وأخيراً اسمع خاتم الله: وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [البقرة:212] بكم هذه الفوقية تقدرونها؟ كم هي مليون كيلو متر؟ إذا كانت دار السلام الجنة التي ارتادها أبو القاسم صلى الله عليه وسلم بإذن الله وعاش فيها ساعة من الزمن ورأى قصورها وحورها وأنهارها، إذا كانت المسافة إليها سبعة آلاف وخمسمائة عام لو قدر لك أن تعيش سبعة آلاف سنة وخمسمائة عام، فهل هناك من يعيش هذه الفترة؟ مستحيل! ولا عاشها أحد، أطول من عاش عاش ستمائة سنة وسبعمائة وألف سنة، من آدم إلى اليوم، تحتاج إلى سبعة آلاف وخمسمائة عام وأنت طائر حتى تدخل الجنة، والهبوط كذلك: ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ [التين:5] في سجين. إذاً: الذين اتقوا فوق الكافرين يوم القيامة.

حكمة ذكر وصف التقوى في الآية الكريمة

وهنا القرآن كما علمتم -زادكم الله علماً- كتاب هداية، كتاب تربية وإصلاح، كتاب تنمية للمعارف والآداب والأخلاق، فلاحظوا هنا أنه ما قال: والذين آمنوا فوقهم يوم القيامة، كان المفروض هو هذا، اسمع: زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:212] فهل قال: والذين آمنوا فوقهم يوم القيامة؟ كلا. قال: وَالَّذِينَ اتَّقَوْا [البقرة:212] آمنا بالله، ما قال: والذين آمنوا، لو أراد مجرد الإيمان لقال: زين للذين كفروا الحياة الدنيا ويسخرون من الذين آمنوا وهم فوقهم يوم القيامة، ولكن الآية: زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [البقرة:212]، دعوة إلى التقوى أم لا؟ إي ورب الكعبة، فما التقوى هذه؟ التقوى: أن لا سرقة ولا خيانة ولا غش ولا خداع ولا كبر ولا سخرية ولا استهزاء ولا نفاق ولا كفر، إذا اتقى أهل الإقليم أو البلد أو القرية ربهم سموا وأصبحوا كالملائكة في السماء، بخلاف الإيمان.وكل يدعي وصلاً بليلى وليلى لا تقر لهم بذاكا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا [البقرة:212] اتقوا ربهم، بم يتقونه وبيديه كل شيء يقول للشيء:كن فيكون؟ كيف يتقى الجبار الذي يكور الليل على النهار والنهار على الليل؟ كيف يتقى يا عباد الله؟الجواب: يتقى بالخوف منه، خوف من شأنه أن يجعلك ما تفكر في معصيته ولا يخطر ببالك الخروج عن طاعته، فهذا الخائف من جلال الله وسلطانه وجبروته أنه يحيي ويميت، هذا الخائف يبحث طول حياته عما يقربه من الله ويدنيه منه، دلوني عما يحب ربي حتى أفعله له، دلوني على ما يكره مولاي حتى أبتعد عنه وأجتنبه، فيطلب محاب الله ويرحل من إقليم إلى إقليم من قرية إلى قرية من بلد إلى بلد يسأل عن محاب الله ليفعلها تقرباً إليه وتزلفاً، وليعلم مساخط الله ومكارهه ليتجنبها، ليرحل من ساحتها، ليبتعد من دورها وأهلها، هذا هو المتقي، فأين يسكن المتقون؟ إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ [الانفطار:13-14]، تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا [مريم:63]، إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ [القلم:34].

التقوى وسيلة الولاية

المتقون هم الأطهار الأصفياء اليوم، المتقون هم العلماء العارفون الربانيون اليوم، هيهات هيهات أن يكون جاهل ولياً لله يحبه الله ويحب الله.قد تقول: يا شيخ! بالغت في هذا الكلام! فأقول: عندنا كلمة حفظناها عن أهل العلم، وهي: ما اتخذ الله ولياً جاهلاً، إذ لا يتخذه ولياً وهو جاهل، الجاهل بما يحب الله وبما يكره يعاكس أمر الله أم لا؟ الله يحب كذا وهو يكرهه، فهل يغضب الله أو لا يغضبه؟ الله يحب الذكر، وهو يحب الأغاني وكلام العاهرات، هل عاكس مراد الله أم لا؟ كيف يكون ولياً؟ فلهذا من شرط الولاية: الموافقة، وهذه كلمة تزن مليارات الدولارات، ما هي ولاية الله؟ الموافقة، وافقه فأنت وليه وهو وليك، وخالفه فوالله! لأنت عدوه، والموافقة فيما يحب، أي: أحبب ما يحب واكره ما يكره فأنت وليه، فإن كنت لا تعرف ما يحب ولا ما يكره فمستحيل أن تكون وليه.وكيف نعرف ما يحب الله وما يكره؟ اسأل أهل القرآن ليعلموك، اقرع أبواب العلماء كل يوم: علموني مسألة يحبها ربي لأحبها من الآن وأحققها له، علموني ما يكره مولاي وسيدي من الكلام أو الأعمال أو الصفات حتى أتجنبها، فلهذا إياك أن تفهم أن جاهلاً يصبح ولي الله، وليس المقصود من العالم أن يقرأ ويكتب، أكثر الصحابة ما كانوا يقرءون ولا يكتبون، فقط سأل أهل العلم وجالسهم ورحل إليهم فتعلم محاب الله وكيف يفعلها، وتعلم مكاره الله وكيف يتجنبها، فأحب ما أحب الله وكره ما كره الله، وقدم المحبوب لله تقرباً وتزلفاً إليه، وابتعد عن المكروه وأبعده، فهو ولي الله، لو رفع كفيه إلى الله ما ردهما صفراً ولا خائبتين.قال تعالى: وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [البقرة:212]، وهل يستطيعون أن يشاهدوهم؟ أنت في علياء السماء وعدوك مشرك في قعر الجحيم، فهل ممكن أن تتصل به؟ قبل اليوم كان المسلمون يقولون: آمنا بالله، ما يقولون: مستحيل، أما اليوم فالذي ينكر هذا أحمق ومجنون لا قيمة له، لم؟ أنت الآن تشاهد أمريكا في الشاشة أم لا؟ فحافظوا على البقية الباقية من الإيمان، وإلا فسيأتي يوم قريب ما يقبل فيه الإيمان، ما بقي غيباً أبداً.اسمع هذه الصورة العجيبة ما قال فيها تعالى فيها: فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ [الصافات:50]، لما جلسوا على الأرائك والأسرة الحريرية الذهبية في دار السلام إذ الأكل والشرب والنكاح وذكر الله، لا مسحاة ولا آله ولا عمل ولا شغل ولا عرق، عرقك طيب وأطيب من الطيب، لا خرء ولا بول ولا غائط، كله جشاء أطيب من ريح المسك، هذا عالم الخلد ما هو عالم الفناء، اسمع: فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ [الصافات:50-51] أيام كنا في الحزب الشيوعي أو الاشتراكي، في الجامعة البريطانية، كان لي قرين يسخر مني ويستهزئ بي ويقول: أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ [الصافات:52]، جماعة تقول: إنك لمن المصلين، هذا من المصلين، جماعة العلم المطاوعة.وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #254  
قديم 17-10-2020, 08:22 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,576
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (133)
الحلقة (140)



تفسير سورة البقرة (98)


كان الناس ما بين آدم ونوح عليهما السلام فترة طويلة أمة واحدة على دين الإسلام، لم يعبد بينهم إلا الله وحده، حتى زين الشيطان لبعضهم عبادة غير الله فكان الشرك والضلال، فبعث الله نوحاً لهدايتهم فاختلفوا إلى مؤمن وكافر، وموحد ومشرك، ثم توالت الرسل تحمل كتب الله، المتضمنة الحكم في كل ما يختلفون فيه، فكانت سنة الله في المختلفين أن هدى عباده المؤمنين إلى الحق، وحققت الضلالة على من حملهم الحسد وحب الرئاسة فردوا الكتاب.

قراءة في تفسير قوله تعالى: (سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة ...) وما بعدها من كتاب أيسر التفاسير

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل، وها نحن مع قول ربنا تبارك وتعالى من سورة البقرة: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [البقرة:213].لا مانع من أن نذكر أنفسنا بالآيتين السابقتين في ليلة مضت، ثم نذكر هداية الآيتين تعليماً وتذكيراً، أما الآيتان فهما قوله تعالى: سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ * زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ [البقرة:211-212].

هداية الآيات

قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ هداية الآيتين:من هداية الآيتين:أولاً: التحذير من كفر النعم ]، حذرنا الله بهذه الآية من أن نكفر نعمه، أي: نجحدها، ولا نعترف بها لله، ولا نشكره عليها، حذرنا ربنا تعالى من كفر النعم، وما يترتب عليه من سلبها والانتقام من الكافرين بها.[ التحذير من كفر النعم؛ لما يترتب على ذلك من أليم العذاب وشديد العقاب، ومن أجلِّ النعم ] وأفضلها وأعظمها [ نعمة الإسلام ]، نعمة الدين الإسلامي، [ فمن كفر به وأعرض عنه فقد تعرض لأشد العقوبات وأقساها، وما حل ببني إسرائيل من ألوان الهون والدون دهراً طويلاً شاهد قوي ] على أن من أعرض عن دين الله استوجب غضب الله ولعنه الله وأذله وأخزاه، [ وما حل بالمسلمين يوم أعرضوا عن الإسلام واستبدلوا به الخرافات ثم القوانين الوضعية شاهد أكبر أيضاً ]، عسى المستمعون يعون هذه المسائل العلمية.[ ثانياً: التحذير من زينة الحياة الدنيا والرغبة فيها والجمع لها ونسيان الدار الآخرة وترك العمل لها، فإن أبناء الدنيا اليوم يسخرون من أبناء الآخرة، ولكن أبناء الآخرة أهل الإيمان والتقوى يكونون يوم القيامة فوقهم درجات، إذ هم في أعالي الجنان والآخرون في أسافل النيران ].تلك هداية الآيتين الكريمتين، فهيا بنا مع هذه الآية، وهي واحدة ولكنها طويلة.

دلالة الآية القرآنية على وحدانية الله تعالى ونبوة رسوله

معشر المستمعين! هل بينكم من لم يفهم أو يعرف معنى الآية؟ ما معنى آية؟الآية في لغتنا: العلامة، القرآن فيه ستة آلاف ومائتان وست وثلاثون آية، كل آية علامة على وجود الله وربوبيته وإلهيته وصحة شرعه ودينه، وعلى صحة نبوة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم.ووجه ذلك: أن من أنزل هذه الآية هل يكون معدوماً؟ هذه الآية التي تحمل الهداية الكاملة للبشرية هل صاحبها يكون جاهلاً؟ مستحيل، والذي نزلت عليه وقرأها وكتبها أصحابه ألا يكون رسول الله؟ مستحيل! كيف لا يكون رسور الله وقد أوحى إليه بالآيات وأنزلها عليه؟فلهذا كل آية في القرآن تقول: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، ولن يستطيع ذو منطق أو عقل أو فلسفة أن ينقض هذه، والله! لا يقدر، فالآية من أنزلها؟ هل هناك من ادعى نزولها وقال: أبي أو جدي، أو قال: بنو فلان؟ سكتت البشرية وطأطأت رأسها وسلمت أن هذا وحي الله وإنزاله وكتابه، إذاً: فهل يكون منزل الوحي والكتاب غير موجود، أو يكون جاهلاً، أو يكون ضعيفاً؟ مستحيل، ومن نزلت عليه هو رسول الله قطعاً، إذاً: فكل آية تقول: لا إله إلا الله، محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
تفسير قوله تعالى: (كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين ...)

زمن أول تحول في البشرية من التوحيد إلى الشرك

يقول تعالى -واسمع العلوم التي ما وصلت إليها فهوم البشر ولا أدركتها عقولهم-: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً [البقرة:213]، من هم الناس؟ بنو آدم أبيضهم وأصفرهم على حد سواء، كان الناس في وقت ما في ظرف بعيد، هذا الوقت هو ما بين آدم أبي البشر نبي الله عليه السلام ونبي الله نوح عليه السلام، ولكن في هذا تجوُّز؛ إذ ذلك الوقت من آدم إلى قبل نوح بزمن، كان الناس كلهم على ملة الإسلام، ليس فيهم كافر ولا مشرك ولا يهودي ولا نصراني، كلهم على الإسلام أمة واحدة، لا مذهبية ولا فرقة حوالي ألف سنة، ثم مكر بهم الشيطان ودس لهم دسائس الخبث واستطاع أن يحولهم من موحدين إلى مشركين، فلما أشركوا استلزم ذلك وجود وحي وكتاب وتعليم، ثم انقسموا ما بين مؤمن وكافر، أما الفترة من آدم إلى ما قبل نوح بزمن فكانت البشرية كلها أمة واحدة، لا فرقة بينها ولا خلاف.وعلم الله تعالى بداية الفتنة، وهي أن إبليس عدو آدم وبنيه ما أعجبه أن تستمر البشرية دائماً في انتظام وإسلام وطهر لتدخل الجنة كلها، فزين لمن قبل نوح، أي: قبل البعثة، زين لهم أن يضعوا تماثيل لخمسة رجال من الصالحين، هؤلاء الرجال الصالحون زين لهم وضع تماثيل لهم، حتى إذا نظروا إليهم أحبوهم ورغبوا في صلاحهم وما كانوا عليه، ويأخذون في زيارتهم فترة من الزمن، وبعد فترة من الزمن مات من عرفوا هذه القضية، فزين لهم عبادة تلك الأوثان أو تلك التماثيل الخمسة، فعبدوهم بحجة الاستشفاع والتقرب بهم إلى الله، فلما عبدوهم وأشركوا بربهم أرسل الله تعالى إليهم رسوله نوحاً عليه السلام، هؤلاء الصالحون الخمسة جاءوا في سورة نوح بلفظ بين واضح؛ إذ قال تعالى عنهم: وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ [نوح:23] التي تعبدونها، وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا [نوح:23]، قالوا: هذا من باب التوصية والتحذير: إياكم أن تغتروا بهذا الرجل وما يقوله لكم فتتخلوا عن آلهتكم وعن الصالحين من أولياء الله، وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ [نوح:23] أي: لا تتركن آلهتكم، وبخاصة: وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا * وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا [نوح:23-24].

معنى قوله تعالى: (فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه)

إذاً: الآن كان الناس أمة واحدة، في أية فترة؟ ما بين آدم ونوح بإجمال، فلما ظهر فيهم الشرك والكفر واختلفوا قال تعالى: فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ [البقرة:213] نبياً بعد نبي ورسولاً بعد رسول في أوقات مختلفة بحسب حالة الناس وحاجاتهم، مهمتهم: مُبَشِّرِينَ [البقرة:213] المؤمنين المستقيمين برضا الله وجنته، وَمُنذِرِينَ [البقرة:213] الكافرين بغضب الله وعذابه، إذ ليس لهم مهمة إلا هذه، يعلمون الهدى فمن أجاب نجا ومن أعرض خسر وهلك. كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً [البقرة:213] أي: على ملة التوحيد، فلما اختلفوا ودس العدو بينهم الشرك والضلال، فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ [البقرة:213] للمستقيمين، وَمُنذِرِينَ [البقرة:213] للمنحرفين. وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ [البقرة:213] والكتاب هنا اسم جنس، فـ(أل) للجنس، أي: الكتب، فصحف إبراهيم كانت عشر صحف، وصحف موسى، وصحف شيث كانت ستين صحيفة.إذاً: وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ [البقرة:213]، تحمل تلك الكتب من أجل ماذا؟ قال: لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ [البقرة:213].من الذي يحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه من عقائد وشرائع وآداب؟ الله عز وجل منزل الكتاب ومنبئ النبي ومرسل الرسول هو الذي فعل هذا.
معنى قوله تعالى: (وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغياً بينهم)
ثم قال تعالى: وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ [البقرة:213].هنا في الكلام إجمال، وأنزل الكتاب أيضاً على مصطفاه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، أنزله بالحق أيضاً؛ إذ قال تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ.. [النساء:105] الآية.إذاً: أنزل مع الرسل -كموسى عليه السلام- الكتب، لم؟ ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه فيبين صاحب الحق من صاحب الباطل، والمؤمن من الكافر، والسعيد من الشقي.ثم قال تعالى: وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ [البقرة:213] أي: في الكتاب، وهو صالح لأن يكون الإنجيل والقرآن، إذ اليهود اختلفوا في الإنجيل وأنكروه وكذبوا به، وقالوا في عيسى: ساحر وابن زناً، إذاً: فاختلفوا، فمن الذين اختلفوا؟ أهل الكتاب من اليهود، اختلفوا في شأن عيسى والإنجيل، واختلفوا في شأن محمد صلى الله عليه وسلم. وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ [البقرة:213] أي: الكتاب مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ [البقرة:213] والأدلة والمعجزات القاطعة كالشمس تقرر نبوة عيسى ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم، فلم وقف هؤلاء اليهود هذا الموقف؟قال تعالى: بَغْيًا بَيْنَهُمْ [البقرة:213] لأنهم رؤساء ومسئولون ومسيطرون وقادة والبشرية دونهم، فإذا تنازلوا عن مراكزهم الدنيوية التي تحمل شعار الدين والمعرفة والعلم أصبحوا كسائر الناس، فعرفوا هذا فأصروا على البغي والعدوان؛ حتى لا ينزلوا من مراكزهم، ومن مظاهر ذلك أنهم صرحوا غير ما مرة في المدينة بصحة الإسلام وصدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، لكن قالوا: إذا اتبعناه انتهى وجودنا، ما بقي لنا وجود أبداً في العالم، ذبنا في الإسلام، ويشهد لهذا: أنهم كانوا يستفتحون على الذين كفروا من الأوس والخزرج، ويقولون لهم: إن نبياً قد أظل زمانه وسنؤمن به ونتبعه ونقتلكم قتل عاد وإرم، فحين يقع شجار أو نزاع بين الأوس والخزرج واليهود يقولون لهم هذا، قال تعالى: فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ * بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ [البقرة:89-90].إذاً: يقول تعالى: وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ [البقرة:213] في الكتاب الذي أنزلناه على عيسى وعلى محمد صلى الله عليه وسلم إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ [البقرة:213] من هؤلاء؟ اليهود، وذلك بَغْيًا [البقرة:213] أي: من أجل البغي بينهم.

معنى قوله تعالى: (فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم)

فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ [البقرة:213] فهدى الله الذين آمنوا لما اختلف فيه أهل الكتاب اليهود مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ [البقرة:213]، وهنا هذه الآية تحمل أيضاً معنى آخر واضحاً بينه الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو: أن يوم الجمعة، هذا اليوم الذي خلق الله فيه آدم، وأهبطه إلى الأرض فيه، وهو الذي تقوم فيه الساعة، أفضل أيام الأسبوع يوم الجمعة، هذا اليوم عرض على اليهود فرفضوه وردوه على أنبيائهم واختاروا السبت فكان لهم السبت، فكانوا يعبدون الله فيه بعبادات مشروعة مبينة من قبل الشارع، وجاء النصارى من بعد فرفضوا الجمعة ورفضوا السبت ورضوا بالأحد، فعالم النصارى عالم الصليب يقدس الأحد، والكل يعبدون الله بتلك العبادة الباطلة في كنائسهم يوم الأحد، فهذا اليوم الفاضل العظيم اختلفوا فيه فهدى الله أمة الإسلام إليه، قال تعالى: فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ [البقرة:213]، من الذي هدانا؟ الله عز وجل. وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [البقرة:213] والصراط المستقيم هو الذي لا اعوجاج فيه، هو الذي ينتهي بالسالكين إلى دار السلام، إنه الإسلام، والله يهدي من يشاء هدايته إلى أين؟ هل إلى المسيحية أو اليهودية أو المجوسية؟ إلى الإسلام، وسماه الصراط المستقيم، وعلمنا كيف ندعو الله ونقول: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] أي: ثبتنا على سلوكنا ومشيتنا وسيرنا على الإسلام حتى ننتهي إلى دار السلام.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #255  
قديم 17-10-2020, 08:23 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,576
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

ملخص لما جاء في تفسير الآيات

مرة ثانية تأملوا هذه الآية الكريمة قبل أن نأخذ في شرحها من الكتاب.يقول تعالى: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً [البقرة:213] على الإسلام وعلى التوحيد، في بداية أمر الحياة قرابة الألف سنة، فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ [البقرة:213] لم؟ لما اختلفوا وتناحروا وظهر الكفر بعث الله تعالى النبيين، كان الناس أمة فاختلفوا فبعث الله النبيين، أو فضلوا فبعثهم لهدايتهم، إذ ذلك من رحمة الله تعالى بعباده، وهو أرحم بهم من أنفسهم لا يريد لهم البلاء ولا الشقاء ولا الأذى، يريدهم أن يذكروه ويشكروه، وهذه علة خلقه لهم، فلو سئلت: لم خلق الله الجنة والنار؟ لم خلق الله السماوات والأرضين؟ لم خلق الله هذه العوالم؟فالجواب: خلقها للإنسان، والإنسان لم خلقه؟ ليذكره ويشكره، أراد الله عز وجل أن يذكر ويشكر فأوجد هذه العوالم لابن آدم، وأوجد الجنة لأوليائه والنار لأعدائه لعلمه أنهم سيعادونه ويحاربونه، وشرع لهم الذكر والشكر، فقال: خلقتكم لهذه المهمة، وفي القرآن: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، والجن تابعون للإنس لا يستقلون، وفي حديث قدسي: (يا ابن آدم! لقد خلقت كل شيء من أجلك وخلقتك من أجلي)، وماذا يفعل الله بنا؟يريد منا أن نذكره ونشكره، نذكره في قلوبنا وألسنتنا طول الحياة، ونشكره بطاعتنا له، بفعل الأوامر وترك النواهي، وفعل الأوامر من شأنه تزكية نفوسنا وتطهيرها، وترك النواهي من شأنه أن يبقي لنا طهرنا وصفاءنا، فعل الأوامر به تنتظم حياتنا في المأكل والمشرب والملبس والمركب، وترك النواهي من شأنه أن يبقى صلاحنا في حياتنا في طعامنا في لباسنا، ما خلق الله شيئاً عبثاً، تعالى الله علواً كبيراً عن اللهو والعبث: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ * مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ [الدخان:38-39].

نهاية قوم نوح عليه السلام

يقول تعالى: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً [البقرة:213] إذاً فاختلفوا، ظهر الشرك وبدأ بقوم نوح، نوح عاش فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً وهو يدعو إلى الله ويلون الدعوة فمرة يسر ومرة يعلن، مرة يدعوهم مجتمعين ومرة يدعوهم متفرقين، ألف سنة كانت الحصيلة فيها ثلاثة وثمانين امرأة ورجلاً على قدر حمل تلك السفينة، ثلاثة وثمانون رجلاً وامرأة في ألف سنة إلا خمسين عاماً، وعابوه وقالوا فيه وفعلوا العجب، لولا حماية الله لقتلوه، وأما القول فلا تسأل عن أقوالهم، كان إذا تكلم معهم ماذا يفعلون؟ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ [نوح:7]، ما نريد أن نسمع ولا نرى وجهك، يدخلون أصابعهم حتى ما يسمعون، يغطون وجوههم بثيابهم هكذا حتى لا يشاهدوه، ما نريد أن نرى وجهك اذهب عنا، اتركنا، لتسعمائة وخمسين عاماً.ولما دقت الساعة وأراد الله أن ينتقم، والله يملي ويزيد ويفسح المجال للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود:102].إذاً: فما كان منه تعالى إلا أن أمره بأن يصنع فلكاً، وجبريل يساعده أو ميكائيل، وكانوا يمرون عليه ويسخرون به: يا نوح! تأتي بالبحر هنا أو تنقل هذه إلى البحر! كلما مر سخروا منه واستهزءوا: وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ [هود:38].والشاهد عندنا: أنه لما دقت الساعة قال تعالى: احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ [هود:40] وقضاء الله وقدره فيه كابنه كنعان ؛ فإنه هالك، ورست السفينة على جبل الجودي، وقد عثر عليها في قرون متأخرة.والشاهد عندنا: أنه تعالى أملى لهم ألف سنة تقريباً والدعوة بينهم وهم يسخرون ويضحكون ويستهزئون، والرسل الآخرون ما أعطاهم هذه الفترة.

عاقبة قوم عاد

قوم عاد كانوا جبابرة في الأرض، واقرءوا: إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ [الفجر:7-8]، كان طولهم قريباً من ستين ذراع كأبينا آدم عليه السلام؛ لأن آدم لما خلقه الله كان طوله ستين ذراعاً ولا يزال الخلق ينقص إلى اليوم، فنحن بالنسبة إلى آدم أقزام، وفينا من هو مثلي قزم تماماً. فعاد كانوا في القرون الأولى، إذاً: كانوا عجباً، ولكن ما فعل الله بهم؟ عاصفة في سبع ليال وثمانية أيام فقط، والمساحة التي خرجت منها قالوا: كعين الإبرة فقط، فما تركت داراً ولا بناء، تركتهم كالنخيل الخاوية: كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ [الحاقة:7-8]، حتى إن عجوزاً دخلت في غار في الجبل وظنت أنها نجت، فدخلت الريح كاللولب وأخرجتها وصرعتها على الجبل، وما زال المؤرخون يقولون عن بعض الأيام: هذه قرة العجوز، هذه الأيام معروفة عند العرب، القرة من البرد، وقرة العجوز آخر يوم من السبعة الأيام.

عاقبة قوم ثمود

ثم كانت ثمود، وديارهم شمال المدينة على بعد ستمائة كيلو، لما نجا المؤمنون مع هود عليه السلام نزحوا إلى الشمال واستقروا في تلك الأماكن وطالت الحياة وأصبحت أمة كأمة عاد، وحسبك أن تشاهد آثارهم في تحويل الجبال إلى منازل وقصور، أين الآلات التي كانت عندهم؟ فلما أعرضوا عن ذكر الله وتعالوا وتكبروا وسخروا من صالح أيضاً وقالوا: يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ [الأعراف:77]، وقالوا: إن كنت تزعم أنك رسول فاسأل ربك أن يخرج لنا ناقة من هذا الجبل، في تحد واضح، فقام يصلي ويدعو فتصدع الجبل وخرجت منه ناقة عشراء لم تر الدنيا مثلها، هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [الأعراف:73]، وجعل الماء قسمة بينهم لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ [الشعراء:155] حتى لا تختلطوا معها، فيوم الخميس للناقة ويوم الجمعة لكم وهكذا، فما كان منهم إلا أن تمالئوا وتآمروا وعقروها، فلما عقروها دقت الساعة، واقرءوا من سورة الشمس: كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا [الشمس:11]، المال والقوة، فلهذا الفقر دائماً خير من الغنى، كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا * إِذْ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا [الشمس:11-12]، هذا قدار بن سالف ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا [الشمس:13] انتبهوا! ناقة الله احذروها واتركوها واتركوا سقياها معها، فلما أبوا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا [الشمس:14]، حولهم إلى خبر كان بصيحة واحدة أيضاً، ولكن على ثلاثة أيام: فيوم الأربعاء اصفرت وجوههم، ويوم الخميس احمرت وجوههم وهم جاثمون ما بقي من يأكل ولا يشرب ولا يتحرك، جاثمون على الأرض، ويوم الجمعة اسودت وجوههم اسوداداً كاملاً، وفي صباح السبت بعد الفجر مباشرة كانت الصيحة فصعقوا عن آخرهم، بقوا جثثاً على الأرض تأكلها الطيور والحيوانات، أمة كاملة؛ لأن آية صالح الناقة هذه عجب عجاب.والشاهد عندنا: أنه بعث الله النبيين لهداية البشر بعدما ضلوا واختلفوا، ومهمتهم أنهم مبشرون من يستجيب لهم ويمشي وراءهم ويتبع خطاهم فيطيعهم ويطيع ربهم، يبشرونه بالسعادة المطلقة في الدنيا والآخرة، ومنذرون لمن يعرضون ويتكبرون أو يعاندون ويحاربون، وأنزل معهم الكتاب أيضاً بالحق يحمله من أجل ماذا؟ ليحكم بين الناس فيعطي كل ذي حق حقه، قال تعالى: وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ [البقرة:213].اليهود اختلفوا مع النصارى في عيسى عليه السلام، واختلفوا مع المؤمنين في محمد صلى الله عليه وسلم، لم؟ لأن البغي أصبح طبعاً لهم، ما يستريحون إذا لم يظلموا ولم يحسدوا. فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:213] وهم المسلمون، هداهم للذي اختلف فيه اليهود والنصارى، من جملة ذلك الجمعة، الجمعة اختلفوا فيها، عرضت على اليهود على ألسنة رسلهم فرفضوها، عرضت على النصارى فرفضوها، إذاً: ونحن الآخرون السابقون.
قراءة في كتاب أيسر التفاسير

معنى الآية

والآن معنى الآية الكريمة في الشرح. قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ معنى الآية الكريمة:يخبر تعالى أن الناس كانوا ما بين آدم ونوح عليهما السلام في فترة طويلة أمة واحدة على دين الإسلام لم يعبد بينهم إلا الله تعالى، حتى زين الشيطان لبعضهم عبادة غير الله تعالى فكان الشرك والضلال ].والشيطان هذه مهمته، أما زين لقوم لوط -كما علمتم- أفحش فاحشة ما عرفتها الدنيا قط؟ ومع هذا علمهم إياها فكانوا يأتونها في أنديتهم أمام بعضهم والعياذ بالله.قال: [ فبعث الله تعالى لهدايتهم نوحاً عليه السلام فاختلفوا إلى مؤمن وكافر وموحد ومشرك، وتوالت الرسل تحمل كتب الله تعالى المتضمنة الحكم الفصل في كل ما يختلفون فيه.ثم أخبر تعالى عن سننه في الناس ] وطريقته فيهم، [ وهي أن الذين يختلفون في الكتاب -أي: فيما يحويه من الشرائع والأحكام- هم الذين سبق أن أوتوه وجاءتهم البينات، فهؤلاء يحملهم الحسد وحب الرئاسة والإبقاء على مصالحهم على عدم قبول ما جاء به الكتاب ].فاليهود لم رفضوا القرآن ونبيه؟ جاء بالهدى، ولكن معناه: أن يسلبهم مناصبهم ومراكزهم، وينتهي ما كان يعبدون الله به، وهذا لا يريدونه، وقد أفصحوا وتجلت هذه الحقيقة، فهم يعملون على إعادة مجد بني إسرائيل وحكمهم ودولتهم، فالدين مجرد تمسح فقط، وإلا فالاتجاه الحقيقي أن يعود لهم ملكهم ودولتهم، هذا السبب الوحيد الذي رفضوا به قبول الإسلام وإن لم يصرحوا به، قالوا: نحن في غنى عن الإسلام، عندنا دين الله وكتاب الله لسنا في حاجة إلى هذا، لكن الواقع أنهم يريدون أن يعيدوا مملكة بني إسرائيل، وظهر هذا الآن واتضح بعد ألف وأربعمائة سنة حيث ظهرت دولة إسرائيل في أعظم مركز من مراكز العالم الإسلامي في القدس؛ فلهذا لا يسلمون ولا يقبلون الإسلام.قال: [ واليهود هم المثل لهذه السنة، فإنهم أوتوا التوراة فيها حكم الله تعالى وجاءتهم البينات على أيدي العابدين ] الكثيرين [ من أنبيائهم ورسلهم، واختلفوا في كثير من الشرائع والأحكام، وكان الحامل لهم على ذلك البغي والحسد، والعياذ بالله ] تعالى، [ وهدى الله تعالى أمة محمد صلى الله عليه وسلم لما اختلف فيه أهل الكتابين اليهود والنصارى، فقال تعالى: فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:213] ]، أي: من أمة محمد صلى الله عليه وسلم وهم المسلمون، هداهم للإيمان بكل الكتب وسائر الرسل ونجاهم مما اختلف فيه من قبلهم والحمد لله.قال: [ فقال تعالى: فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:213] لما اختلف فيه أولئك المختلفون من الحق، هداهم بإذنه ولطفه وتوفيقه، فله الحمد وله المنة.ومن ذلك الحق الذي اختلف فيه أهل الكتاب من قبلنا وهدانا الله تعالى إليه:أولاً: الإيمان بعيسى ]، فعيسى اختلف فيه اليهود والنصارى، اليهود قالوا: ساحر ودجال وابن زناً، وكفروا به، وعزموا على قتله وقتلوا من شبه لهم به، وجعلوه كما تعرفون، والنصارى قالوا: هو الله وابن الله وثالث ثلاثة مع الله، وتاهوا في متاهات لا حد لها، هذا اختلاف واضح، وهدى الله هذه الأمة فقالوا: عيسى عبد الله ورسوله، والله! إنه لعبد الله ورسوله، ما هو بالله ولا ابن الله ولا بساحر ولا بدجال ولا بكذاب.إذاً: [ الإيمان بعيسى عبد الله ورسوله حيث كفر به اليهود وكذبوه واتهموه بالسحر وحاولوا قتله، وألَّهه النصارى وجعلوه إلهاً مع الله، وقالوا فيه: إنه ابن الله، تعالى الله عن الصاحبة والولد.ثانياً: يوم الجمعة وهو أفضل الأيام، أخذ اليهود السبت والنصارى الأحد، وهدى الله تعالى إليه أمة الإسلام ]، وقد جئنا بعدهم، فالمفروض أنهم الذين يأخذونه.[ ثالثاً: القبلة قبلة أبي الأنبياء إبراهيم ]، ما هي قبلة إبراهيم؟ الكعبة، أليس هو الذي بناها، إذاً: [ استقبل اليهود بيت المقدس، واستقبل النصارى مطلع الشمس ] إلى الآن، [ وهدى الله أمة الإسلام إلى استقبال البيت العتيق قبلة إبراهيم عليه السلام، والله يهدي من شاء إلى صراط مستقيم ].لو شاء الله هدايتهم لهداهم، أي: اليهود والنصارى، لكن لما تمردوا وكفروا واحتالوا ومكروا لم يشأ هدايتهم، ورأى هذه الأمة مقبلة على الله تريد رضاه فهداها إلى القبلة الحق، إذ صلى النبي صلى الله عليه وسلم هنا حوالي سبعة عشر شهراً إلى بيت المقدس، وكان يتطلع إلى قبلة الكعبة، حتى أنزل الله قرآناً واضحاً في هذا: وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ [البقرة:144]، حتى إن بني سلمة في مسجدهم صلوا العصر ركعتين إلى بيت المقدس وجاء من قال لهم: إن القبلة تحولت فصلوا الركعتين الأخيرتين إلى الكعبة.إذاً: عرفنا الأمور التي اختلف فيها أهل الكتاب وفزنا بها نحن: الأمر الأول: عيسى عليه السلام، قال اليهود فيه: ساحر وابن زناً، وحاولوا قتله وقتلوا من شبه به، فحكمه حكم من قتل؛ لأن الذي تمثل به قتلوه وصلبوه.الثاني: الجمعة، اختلفوا في أفضل الأيام وأقدسها وأطيبها، فأخذ اليهود السبت والنصارى والأحد، والمسلمون هداهم الله تعالى إلى الجمعة، أتدرون ما يوم الجمعة؟ فيه ساعة لا يوافقها مؤمن يصلي ويسأل الله شيئاً إلا أعطاه، وهات أكتب لك بذلك صكاً، ساعة لا يوافيها مؤمن يصلي ويدعو الله وسأل الله شيئاً إلا أعطاه، هذه فقدها الفريقان اليهود والنصارى.الثالث: القبلة، اختلفوا فيها، فالنصارى قبلتهم مطلع الشمس واليهود بيت المقدس، وهدى الله المسلمين إلى قبلة أبيهم إبراهيم، فالحمد لله.

هداية الآية

قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ هداية الآيات: من هداية الآيات:أولاً: الأصل هو التوحيد والشرك طارئ على البشرية ]، عبد الله آدم وأولاده وأحفادهم ألف سنة ليس هناك شرك، فالأصل هو التوحيد، والشرك طرأ بوسوسة الشيطان وتزيينه.[ ثانياً: الأصل في مهمة الرسل ] أمران: [ البشارة لمن آمن واتقى، والنذارة لمن كفر وفجر ]، مهمة الرسل ما هي؟ تتجلى في أمرين: البشارة والنذارة، البشارة لمن آمن واتقى، والنذارة لمن كفر وفجر، [ وقد يشرع لهم قتال من يقاتلهم فيقاتلونه كما شرع ذلك لرسوله صلى الله عليه وسلم.ثالثاً: من علامات خذلان الأمة وتعرضها للخسار والدمار: أن تختلف في كتابها ودينها، فيحرفون كلام الله ويبدلون شرائعه طلباً للرئاسة وجرياً وراء الأهواء والعصبيات، وهذا الذي تعاني منه أمة الإسلام اليوم وقبل اليوم، وكان سبب دمار بني إسرائيل ].وهذا واقع أم لا؟ مذاهب متعددة هابطة في الأمة.[ رابعاً: أمة الإسلام التي تعيش على الكتاب والسنة عقيدة وعبادة وقضاء هي المعنية بقوله تعالى: فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ [البقرة:213] ].فأمة الإسلام التي تعيش على الكتاب والسنة، الكتاب القرآن والسنة سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وطريقته، وذلك عقيدة وعبادة وحكم، هذه هي الأمة المعنية بقوله تعالى في هذه الآية: فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [البقرة:213].[ خامساً: الهداية بيد الله، فليطلب العبد دائماً الهداية من الله تعالى بسؤاله المتكرر ] ليل ونهاراً [ أن يهديه دائماً إلى الحق ]، وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [البقرة:213] فمن هو الذي يشاء الله هدايته؟ الطالبون الراغبون الملحون الذين يقرعون باب الله يسألونه الهداية، هم الذي يهديهم، والمعرض والمتكبر لا يهتدي.وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #256  
قديم 21-10-2020, 07:19 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,576
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (134)
الحلقة (141)



تفسير سورة البقرة (99)

إن دخول الجنة واستحقاقها ليس بالأمر السهل الهيّن، فإن من سنة الله في خلقه أن يتعرض عباده المؤمنون لأيام شدة ولأواء، ويمتحنوا في ذات الله، ويبتلوا في أنفسهم وأموالهم، وقد أنكر الله عز وجل على المؤمنين ظنهم أن يدخلوا الجنة دون امتحان وابتلاء، وقبل أن يصيبهم ما أصاب من قبلهم من البأساء والضراء والزلزال، حتى يستبطئ النبي ومن معه نصر الله من شدة ما يلاقون.

مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة البقرة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الأحد من يوم السبت- ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلك الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، حقق اللهم لنا هذا الموعود، اللهم آمين.الآية التي درسناها في الدرس السابق كنا ما وفيناها حقها مما ينبغي أن نعرفه منها ونفهمه، فلهذا أذكركم بها أولاً تلاوة وتأملوا مضمونها، ثم نذكر مضمونها في الشرح.

بعثة الرسل بعد ظهور الشرك في الناس

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [البقرة:213].فعلمنا أن البشرية أو الإنسانية مرت بها فترة طويلة من عهد آدم عليه السلام إلى أن بعث الله تعالى نوحاً، كانت تعيش على التوحيد، لا شرك ولا كفر، فلما اجتالتها الشياطين، ونفخت فيها روح الإلحاد والشرك والكفر، وأصبحوا يشركون بربهم ويكفرون به؛ بعث الله تعالى رسوله نوحاً، فكان أول الرسل يحمل الرسالة للبشارة والنذارة، يبشر المؤمنين المتقين، وينذر الكافرين الفاجرين، دل على هذا قوله تعالى: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً [البقرة:213] أي: على ملة التوحيد، إذ الأصل التوحيد، إذاً: فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ [البقرة:213] بعدما ارتبكت الحالة واختلطت، وأصبح فيها الشرك والفسق والباطل والشر، فحكمة الله تقتضي أن يرسل رسلاً يحملون هدايته إلى عباده، فمن أجاب فآمن واستقام بشروه بوعد الله الصادق بالنجاة من النار ودخول الجنة، ومن أصر على الشرك ومشى وراء الشياطين فإنهم ينذرونه بعذاب الله اللازم له.

إنزال الكتب على المرسلين لهداية الخلق

كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ [البقرة:213] بعدما اختلفوا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ [البقرة:213]، فإبراهيم كان معه ثلاثون صحيفة، وشيث كان معه ستون صحيفة، وموسى معه عشر صحف، وهكذا التوراة والإنجيل والزبور وسائر الكتب، فلفظ الكتاب هنا اسم جنس، يدخل فيه كل ما أنزل الله من الكتب، وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ [البقرة:213] لعلة أن يحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه من شأن التوحيد والشرك، والكفر والإيمان، وطاعة الرحمن عز وجل.

اختلاف أهل الكتاب في الحق

ثم أخبرنا تعالى أن الذين اختلفوا فيه هم الذين أوتوه من قبل، وهذه تنطبق على اليهود انطباقاً كاملاً، هم الذين اختلفوا في رسالة عيسى؛ لأنه كان بين أيديهم التوراة، ويتلونها ويعملون ببعض ما فيها، فالمفروض أن يؤمنوا بالإنجيل، ويدخلوا تحت راية عيسى لينجوا، فاختلفوا، واستمر خلافهم حتى بعث الله النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم، فقالوا: لسنا في حاجة إلى دين جديد ولا إلى كتاب جديد! وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ [البقرة:213] حال كونهم بغاة، من أجل البغي والحسد فقط، وإلا فكتاب الله هو كتاب الله، ورسول الله هو رسول الله، أنزل الله كتاباً ونسخه بآخر، فنأخذ بالناسخ ونترك المنسوخ، لكن البغي النفسي والحسد والبغض هو الذي حملهم على هذا.

هداية المؤمنين لما اختُلِف فيه من الحق

وقوله تعالى: فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ [البقرة:213] قطعاً هم المؤمنون المحمديون، هداهم الله تعالى لما اختلف فيه اليهود والنصارى، فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:213] بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً، وهم المؤمنون الصادقون في إيمانهم، هداهم الله عز وجل للذي اختلف فيه أهل الكتاب، وقد حصرناه في ثلاث مسائل:أولاً: اختلف اليهود والنصارى في عيسى، اليهود قالوا: ابن زناً والعياذ بالله، وقالوا: ساحر، حين كانوا يشاهدون المعجزات يقولون: سحر، والنصارى قالوا فيه: ابن الله، واختلفوا، وقال المؤمنون المسلمون بحق: هو عبد الله ورسوله، عبد الله من سائر عبيده اصطفاه بالرسالة فأرسله، فهو عبد الله ورسوله، ولهذا نشهد أن عيسى ابن مريم عبد الله ورسوله.ثانياً: اختلفوا في يوم الجمعة مع ما له من فضل، هذا اليوم خلق الله فيه آدم، وأنزله فيه إلى الأرض، وهو يوم تقوم فيه الساعة، وهو أفضل الأيام، وحسبنا أن فيه ساعة لا يوافقها مؤمن يصلي ويدعو الله شيئاً إلا أعطاه الله إياه.فاليهود عليهم لعائن الله قالوا: إن الله تعالى خلق السماوات والأرض في ستة أيام، وهي: الأحد والإثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة واستراح يوم السبت، فقالوا: هذا هو اليوم الذي نستريح فيه نحن، وهذا من تزيين الشيطان، وأبطل الله هذه الفرية في آية من سورة (ق)، إذ قال: وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ [ق:38]، أي: نصب أو تعب، فأبطل فريتهم.وجاء النصارى فاختاروا الأحد، وجاء المسلمون بعدهم أتباع النبي الخاتم فهداهم الله إلى يوم الجمعة، فلنا يوم الجمعة ولليهود السبت، وللنصارى الأحد، هدانا الله لما اختلفوا فيه، فالحمد لله.ومما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن فترة الحياة من عهد آدم إلى أن تقوم الساعة هي بمثابة طلوع الشمس إلى غروبها، كيوم واحد، فتلك الأمم توالت وجئنا، فنحن الآخرون الأولون، وقتنا: من صلاة العصر إلى غروب الشمس، هكذا بين الرسول صلى الله عليه وسلم، فنحن الآخرون الأولون.

اختصاص الله تعالى بالهداية

إذاً: فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ [البقرة:213] لا هداية بدون إذن الله، فلهذا من طلب الهداية يطلبها من الله بإلحاح، ولا يفهم أنه في إمكانه أن يهتدي إلى الصراط المستقيم؛ إلى محاب الله فيعملها، وإلى مكاره الله فيتركها، هيهات هيهات إذا لم يكن الله عوناً له وهادياً له، وحسبنا في هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الليل يتهجد ويصلي يقول هذا الدعاء: ( اللهم رب جبريل وميكائيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم )، هذا الرسول حامل راية الهداية، وهو داعيها، ومع هذا كل ليلة يتضرع بين يدي الله ويسأله أن يهديه لما اختلف فيه الأولون من الحق بإذنه.

أهمية ديمومة سؤال الله تعالى الهداية

فمن هنا قول ربنا: وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [البقرة:213] ويحب إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [البقرة:213] يجعلنا نضطر أنفسنا إلى أن نسأل الهداية طول حياتنا، لسنا بأهدى من رسول الله، ومع ذلك يقول: ( اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم ). وكثيراً ما أقول للمستمعين والمستمعات: من هم الذين يشاء الله هدايتهم؟ بنو الأصفر، العرب، بنو كذا؟ من هم؟ الجواب -معشر المستمعين والمستمعات-: هم الذين قرعوا باب الله ولازموه، واستمروا طول حياتهم يدعونه الهداية، هم الذين شاء الله هدايتهم، أما المتنكبون والمعرضون -فضلاً عن الساخرين والكافرين- فهؤلاء لا يشاء الله هدايتهم؛ لأنه عليم حكيم، فالذي أقبل على الله في صدق يتضرع إليه ويسأله الهداية حاشا لله أن يحرمه إياها أو يخيبه في دعائه، والذي يقرع الباب مرة ومرتين ثم يتأخر ما ينتفع، لا بد من ملازمة، وحسبنا هذا الحديث، كلما قام في الليل يتهجد ويبكي يتوسل إلى الله بهذه الوسيلة العظيمة: ( اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم )، فلا بد من سؤال الله الهداية طول الحياة.إذاً: ومما اختلف فيه الأولون وهدى الله إليه المؤمنين: القبلة، كان اليهود يستقبلون بيت المقدس، والنصارى يستقبلون مطلع الشمس ومشرقها، فهدانا الله نحن إلى الكعبة، وهي قبلة إبراهيم وإسماعيل والأنبياء حتى هود وصالح، فاختلفوا في القبلة فاستقبل اليهود بيت المقدس، واستقبل النصارى طلوع الشمس، وهدانا الله نحن إلى كعبته التي بناها لآدم لما هبط إلى الأرض، فاختلفوا وهدانا الله، فالحمد لله.
تابع قراءة في تفسير قوله تعالى: (كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين ...) من كتاب أيسر التفاسير

هداية الآيات

تلك الآية فيها هدايات:قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ هداية الآية:من هداية الآية:أولاً: الأصل هو التوحيد والشرك طارئ على البشرية ] كما قدمنا؛ لأن آدم خلقه الله بيديه ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته، وأخرج من ضلعه الأيسر حواء امرأته وأهبطهما إلى الأرض، فآدم نبي الله، يعلم عن الله ويوحي الله تعالى إليه، وأولاده تناسلوا، كلما يولد مولود يعرف الحق ويعرف التوحيد ويعبد الله، وقد قص الله تعالى علينا قصة قابيل وهابيل، وهما ابنا آدم عليه السلام، وقتل قابيل هابيل حسداً، ولهذا فالحسد أخطر ما يصاب به البشر، قل لأخيه: لم يقبل الله صدقتك ولا يقبل صدقي؟ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ [المائدة:27]، والعلة في قبول الله هذا ورفض هذا أن هابيل قدم خير ماله وأفضل ما يملك لربه، والآخر جمع أشياء فاسدة ما له حاجة إليها، وتقدم بها قربناً لله، وهكذا الصدقة إذا كانت مما فيه رداءة وعدم صلاحية لا قيمة لها، أنت تتقرب إلى الله وتقدم إليه بما لا تريده! كيف يصح هذا؟ كيف تواجه الله عز وجل؟ ( إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً ).إذاً: واستمر التوحيد في أحفاد آدم وأحفاد أحفاده إلى أن حدث الشرك بدعوة إبليس وفتنته، إذاً: لما انتشر الشرك أرسل الله نوحاً، فدعا قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً.[ ثانياً: الأصل في مهمة الرسل البشارة لمن آمن واتقى والنذارة لمن كفر وفجر ]، الأصل في مهمة الرسل ما هي؟ أن يبشروا من آمن واتقى، وينذروا من كفر وفجر، ثم المهام الأخر من العبادات إلى الجهاد تابعة، يقوم بها المؤمنون الصادقون.[ ثالثاً: من علامات خذلان الأمة وتعرضها للخسار والدمار أن تختلف في كتابها ودينها، فيحرفون كلام الله ويبدلون شرائعه طلباً للرياسة وجرياً وراء الأهواء والعصبيات، وهذا الذي تعاني منه أمة الإسلام اليوم وقبل اليوم، وكان سبب دمار بني إسرائيل ]. من علامات الخذلان أن يختلف الناس في دين الله، فلهذا على العلماء أن يعملوا ما استطاعوا على أن لا يفتحوا باب الخلاف للمسلمين، ولو قام بهذا الواجب العلماء لما ظهر الخلاف، الخلاف كله شر لا خير فيه، الأمم التي اختلفت تدمرت وخسرت حياتها.إذاً: فالآية تحمل هذا التنبيه: لا تختلفوا في كتابكم، فإن من اختلفوا في كتابهم هلكوا.[ رابعاً: أمة الإسلام التي تعيش على الكتاب والسنة عقيدة وعبادة وقضاء هي المعنية بقوله تعالى: فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ [البقرة:213] ]، أي: لما اختلف فيه أهل الكتاب: اليهود والنصارى.[ خامساً: الهداية بيد الله، فليطلب العبد دائماً الهداية من الله بسؤاله المتكرر أن يهديه دائماً إلى الحق وإلى الطريق المستقيم ]، وقد قدمنا الحديث الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم كان كل ليلة يسأل الله أن يهديه لما اختلف فيه الناس من الحق، ويهديه إلى صراط مستقيم.

تفسير قوله تعالى: (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم ...)

كانت تلك الآية، والآن معنا آية أخرى، هي قول الله عز وجل: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ [البقرة:214]. قوله تعالى: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ [البقرة:214] هذا الاستفهام معناه: بل أحسبتم أن تدخلوا الجنة أيها المؤمنون. وهذه كانت أيام الشدة، أيام البأساء واللأواء؛ المدينة محاصرة من جهاتها، حرب الخندق، حرب أحد، الجوع، وحسبنا ما علمنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم مات ولم يشبع من خبز الشعير ثلاثة أيام متوالية، حسبنا أن أبا هريرة كان يصرع في المسجد من شدة الجوع، فيأتي أطفال المدينة يركبون على ظهره ويقولون: جن أبو هريرة ! قال: وما فيَّ من جنون، ولكن الجوع.هذه الآية تحملهم على الصبر والثبات والشجاعة، حتى يفرج الله الهم ويزيل الغم ويرفع البلاء، وفعلت هذه الآية ما فعلت فيهم، صبروا ثبتوا، فهو يقول لهم: أحسبتم أن تدخلوا الجنة دار السلام بدون بلاء؟ ما هو بمعقول أبداً. ‏

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #257  
قديم 21-10-2020, 07:20 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,576
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

دخول التكاليف في الابتلاء الممحص لدخول الجنة

والبلاء والابتلاء منه التكليف، فالغسل من الجنابة في الليلة الباردة من هذا، وإخراج زكاة مالك وإعطائها لغيرك من الابتلاء، شهودك بيت الله خمس مرات في الأربع والعشرين ساعة تسجد وتركع بين يديه مع إخوانك المؤمنين هذا ابتلاء، الإمساك عن الطعام والشراب شهر رمضان من الابتلاء، بر الوالدين، طاعة إمام المسلمين.. هذه كلها من الابتلاء، ويجب أن تصبر، وهي عوامل تزكية النفس وتطهيرها، فهل يدخل المرء الجنة ونفسه خبيثة؟ والله! ما كان أبداً، إذا لم يزكها بأدوات التزكية التي وضعها الله لها، ثم مات ونفسه خبيثة كأرواح الشياطين والكافرين فهيهات هيهات أن يدخل الجنة دار السلام. وحسبنا أن لا ننسى حكم الله الصادر علينا، أبيضنا وأسودنا أولنا وآخرنا؛ ذلكم الحكم العظيم الذي أقسم الجبار عليه لتطمئن النفوس وتسكن إليه، إذ قال: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10]، كثيراً ما نقول: هنا تقرير المصير، لا تفهم أن مصيرك تقرره يوم القيامة، لا والله، المصير يتقرر هنا، فمن آمن وحقق إيماناً سليماً صادقاً يقينياً، ثم اتقى الله فلم يفسق عن أمره ويخرج عن طاعته في الفعل والترك فقد زكى نفسه بهذه العبادات وطهرها من تلك الأرجاس والأنجاس، إذ ابتعد عن الشرك والكفر والخبث والفسق والفجور، فإذا جاء ملك الموت وجد نفسه مشرقة، والله! إنه ليحييه ويسلم عليه ويبشره وهو على سرير الموت: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا [فصلت:30]، ما مالوا يميناً ولا شمالاً، أحلوا ما أحل الله وحرموا ما حرم الله، ونهضوا بما أوجب الله من الجهاد والرباط إلى الصيام والصلاة، هؤلاء: تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ [فصلت:30] في ساعة الاحتضار، وفود الملائكة تبشرهم وتهنئهم، اللهم اجعلنا منهم.أما الذين يموتون وأرواحهم خبيثة منتنة بالإلحاد والشرك والكفر والعياذ بالله فقد أعلمنا الله بحكمه فيهم، ما ننسى آية من سورة الأعراف: إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ [الأعراف:40]، وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ [الأعراف:41]، إذ المجرمون أجرموا على أنفسهم، لوثوها وأخبثوها بما أفرغوا عليها من أطنان الذنوب والآثام، ولا توبة ولا تراجع، الظالمون هم المشركون، ظلموا أنفسهم، بدل أن يطيبوها ويطهروها أخبثوها وعفنوها، وبين الرسول هذا بياناً شافياً، عندما يحتضر المؤمن التقي ولي الله، وتأتي الملائكة يسفر وجهه ويستبشر ويبتسم وهو يعالج بقبض روحه، ثم يعرجون بها ويستأذنون من أهل السماوات فيؤذن لهم إلى أن يقفوا بها عند العرش، ويكتب اسمها في عليين، ثم تعود إلى الأرض لفتنة القبر، ثم تعود إلى الجنة دار السلام، وأما الروح الخبيثة فوالله! ما يؤذن لها ولا تعرج إلى السماء ولا تصل إلى دار السلام، وتعود إلى الأرض لفتنة القبر، ثم تعود إلى أسفل سافلين في الدركات التي ما يخطر في البال أين هي. إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا [الأعراف:40]، التكذيب بالآيات هو التكذيب بالوضوء والغسل، هو التكذيب بالصلاة والزكاة، الذي كذب بالآيات كيف يعبد الله؟ الآيات هي حاملة للشرائع والعقائد والآداب والأخلاق والعبادات، والمستكبر كالمكذب، قال: أنا مؤمن، لكن يمنعه الكبر أن يغتسل من جنابة أو يصلي، فهل ينفعه هذا الإيمان؟وضربنا لهذا مثلاً قديماً: مريضان بأشد المرض، زرناهما فقدمنا للأول أدوية وعقاقير للعلاج، فقال: مع الأسف أنا لا أؤمن بهذه الخرافات والضلال، لا أقبل هذا العلاج الذي تقولونه. فهذا كذب به فمات، انتهى، فمشينا إلى الثاني فقلنا: مرحباً، أهلاً وسهلاً، جئناك بعلاج، فقال: جزاكم الله خيراً، نعم أنا مريض والعلاج نافع وأنا مؤمن بنفعه، ولكن مع الأسف ما عندي رغبة في هذا، تركه استكباراً فمات، فما الفرق بين المكذب والمستكبر؟ كلاهما هلك، فالذي يكذب بآيات الله ولا يقول بها ولا يعترف كالذي يقول: آيات الله ودين الله الإسلام حق ولا يريد أن يطبق شيئاً كبرياء، هل بينهما فرق؟ لا فرق. إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ [الأعراف:40]، تعرفون سَم الخياط؟ سَم الخياط: عين الإبرة، التي كنا نخيط بها ثيابنا قبل الآلات، هل تستطيع أن تدخل حبلاً في عين الإبرة؟ فكيف بالجمل؟!إذاً: من أراد أن يدخل الجنة ونفسه خبيثة طلب المستحيل، كالذي يريد أن يدخل حبلاً في عين الإبرة، أو جملاً في عين الإبرة، هذا يقال فيه: التعليق على المستحيل، فهو مستحيل.وهكذا القرآن يخاطب العرب والعجم والعالم والجاهل بألفاظ قريبة جداً، هل من المعقول أن يدخل الجمل في عين الإبرة؟ مستحيل، كذلك النفس الخبيثة بالشرك والجرائم، هذه النفس يستحيل أن تدخل الجنة أو تفتح لها أبواب السماء أبداً، لا تعود إلا إلى الدركات السفلى في الكون في سجين.

معنى قوله تعالى: (ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا ...)

يقول تعالى: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ [البقرة:214] أيها المؤمنون المحاصرون الجائعون، وَلَمَّا [البقرة:214]، (لما) بمعنى:لم، وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:214]، وفيه إشارة إلى أنه سيأتيهم البلاء والامتحان والشدائد؛ لأن (لما) تفيد الوقوع في المستقبل، ولما يأتكم صفة وحال الذين من قبلكم، مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ [البقرة:214]، شدة البأس والبلاء، وَالضَّرَّاءُ [البقرة:214] الأمراض وما إلى ذلك، وَزُلْزِلُوا [البقرة:214] زلزالاً يهز قلوبهم، والخوف من الأعداء يطوقونهم، ولو شاهدنا غزوة أحد فقط كيف كانت أو غزوة الخندق، خاصة غزوة الخندق هذه، أهل المشرق تجمعوا وزحفوا، أهل الجنوب كذلك، وطوقوا المدينة، ما كان من الرسول إلا أن أمر رجاله أن ينزلوا كلهم في سفح جبل سلَّع، وتركوا الأطفال والنساء في المدينة؛ لأن العدو ما جاء للأطفال والنساء، جاء لقتل الرسول وإنهاء وجوده، ومضت خمسة وعشرون يوماً، والبرد الشديد، ولا تسأل عن الطعام والشراب، فلا شيء، إذاً: مسهم مثل ما مس الذين خلوا من قبلهم من الأمم المؤمنة الصالحة، لا بد أن تتعرض لهذا، والمسلمون اليوم في غنى وفي سعادة، في كمال، ومعرضون عن الله، يريدون أن يدخلوا الجنة بالقوة! أَمْ حَسِبْتُمْ [البقرة:214] أحسبتم أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ [البقرة:214] هكذا بالاستراحة الدائمة؛ بالأكل والشرب والركوب والأمن ثم يقال: ادخلوا الجنة! فهذا التساؤل معناه: الإنكار عليهم، انزعوا من آذانكم هذا، لا بد إذاً أن تبتلوا -كما قدمنا- بالصلاة بالزكاة بالصيام بالحج بصلة المعروف، بالبر بالإحسان، بكلمة الحق، بالرحمة بالعدل، هذه التي تزكي النفس، فإذا ما عملتم والنفوس خبيثة فكيف تدخلون الجنة؟ وقد تصابون أياماً بحصار عدو وحرب تدخلون فيها معه، وبجوع، وقحط، ولا يتبدل فيكم شيء، قلوبكم مع الله وألسنتكم ذاكرة، وقلوبكم ذاكرة شاكرة، هذا هو الطريق. أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:214] أي: حالهم وصفتهم، مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا [البقرة:214] زلزالاً، وتزلزلت المدينة في حرب أحد لما انكسر المؤمنون وانهزموا، كل بيت فيه من يصرخ ويبكي، حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ [البقرة:214] هذا مع الرسل السابقين، وحتى مع رسولنا صلى الله عليه وسلم، يقولون: مَتَى نَصْرُ اللَّهِ [البقرة:214]؟ والله يقول لهم: أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ [البقرة:214] لا تستبطئوه.

التربية بالرد النبوي على شكاية المضطهدين في مكة

ولنذكر حديثه صلى الله عليه وسلم عندما كان متكئاً تحت البيت مستظلاً بجدار الكعبة، فجاءه من يبكي ويقول: ألا تدعو الله لنا، ألا تستنصر لنا يا رسول الله؟ من أولئك المضطهدين المعذبين المنكل بهم، يقول: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو الله لنا؟ فيقول له: ( لقد كان من كان قبلكم يؤتى بالرجل فيوضع المنشار على رأسه فيقسم نصفين، ويمشط ما دون لحمه وعظمه بأمشاط الحديد لا يرده ذلك عن دينه، ثم قال: والله! ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه )، وتم هذا، فلم الاستعجال؟ لو تعرفون حياة الصحابة والذين ما عاشوا حتى الفتوحات فسنستحي أن نقول: نحن مؤمنون أمامهم.إذاً: ها نحن الآن مبتلون فقط بالتكاليف، هيا نتخلى عن الربا، لا يراني الله واقفاً أمام بنك ربوي، وصاحب البنك يغلقه أيضاً ويرمي بالمفتاح، ويطلب رزق الله حتى من الحمالة أو من أي شيء، نطهر قلوبنا من النظر إلى غير الله، من التعلق بغير الله، ونجعل قلوبنا خالصة لله، لا نلتفت إلى نبي ولا ولي، ما لنا إلا الله عز وجل، نطهر أنفسنا من اللغو والكلام الباطل، هذه الغيبة والنميمة والأضاحيك، نطهر بيوتنا، عجلوا قبل أن تنزل المصيبة، بيوت المؤمنين فيها عاهرات يغنين، والمؤمن وامرأته وأولاده يشاهدون، أهذا هو الإيمان؟ أين الحجاب؟ وقد بلغنا اليوم خبر من نقمة الله، أحد الغافلين سقط الدش على رأسه فكسر رأسه، هل من معتبر؟ الأحياء يعتبرون والأموات لا يعتبرون، على الأقل نقلل من هذا الإسراف في الطعام والشراب، وإذا توافر ريال أو عشرة نسد به خلة محتاج أو نساعد به مؤمناً، أو نضعه في خير من الخيرات، لم التكالب على هذه الأوساخ مادمنا في أمن ورخاء، لم ما نتنزه عن هذه القاذورات والأوساخ؟ كأننا نسينا أن الله بالمرصاد، ونحن نريد أن ندخل الجنة، هل نحسب أن ندخل الجنة؟ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا [البقرة:214] إلى حد أن يقول الرسول والمؤمنون معه: مَتَى نَصْرُ اللَّهِ [البقرة:214] يستبطئون هذا، والرسول يقول ذلك لأن الأعراض البشرية عامة في الرسل وفي غيرهم، يقولون: متى نصر الله؟ والرسول يقول: اثبتوا واصبروا فستنفرج: أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ [البقرة:214].

صيحة نذير بترك الدخان وإعفاء اللحية

نصرخ بين المؤمنين في التدخين فقط طول أربعين سنة: يا عبد الله يا أمة الله! الذي يذكر الله بفمه وقلبه كيف يخبث فمه برائحة كريهة؟ أسألكم بالله يا علماء: هل الذي يأخذ اسم الله في ورقة ويدسه في عذرة هل تحكمون بكفره أو لا؟ والله! ما بقي له من الإيمان شيء، ارتد وكفر.إذاً: الرسول صلى الله عليه وسلم يسلم عليه أحد أصحابه وهو على غير وضوء، فيعمد إلى جدار من جدران المدينة من لبن وتراب، ويتيمم من أجل أن يرد السلام؛ لأن في الرد اسم الله: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أي: من أجل أن يذكر الله، ما استطاع أن يذكر الله بدون وضوء، وشرع لنا السواك لم؟ قال: ( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة )؛ لأنهم يذكرون الله عز وجل، هذه الأفواه مجاري ذكر الله أو لا؟ كيف تذكر الله بدون فمك وحلقومك ولسانك؟ هذا الموضع حرام أن يتلوث، أما الكافر الذي لا يذكر الله فيجعل في فمه حتى الخرء ما يضره ذلك، أرني مؤمناً تمضي عليه ساعة ما يذكر الله، ما هو بمعقول أبداً، فهو يرد السلام: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ويقال له: كيف حالك، فيقول: الحمد لله، ويقف: باسم الله، ويجلس: باسم الله، دائماً يذكر الله، كيف يلوث فمه؟ وما استجبنا، وما عرفنا، كأننا مشدودون بالأرض. وكذلك اللحية، قلنا: يا عباد الله! أنتم عسكر محمد صلى الله عليه وسلم، أنتم جيش الله، لا بد أن تكون لكم سمات خاصة لا تشتبه بسمات الكفار والمشركين والفاسقين أبداً، ما هي الميزة التي تميزكم؟ هي لحاكم، اليهود والنصارى والكفار لا لحى لهم، وجيش محمد له لحية أو لا؟ يحرم أن يكون مثلهم، وقد قلنا لهم: الجندي في اليابان، في الصين، في الأمم الهابطة، في الراقية، العسكري لا يستطيع مدني أن يلبس لباسه، فإنه يسجن أربع سنوات ويؤدب، كيف تلبس لباس جندي وأنت مدني؟ هذا معروف في العالم أو لا؟ ورجال الإسلام كلهم عسكر محمد صلى الله عليه وسلم، إذاً: فلباسهم يجب أن يتميز عن لباس الكافرين والمشركين، ومن أكبر الميزات الذي وضعها الرسول اللحية، فأعفوا لحاكم، فالمشركون والكافرون يحلقون، وصرخنا في باب الحجاب. المهم أننا -والله- لبالمرصاد، ما ندري متى يغضب الجبار، سئل أحدهم: أين الله؟ فقال: بالمرصاد، أتعرفون المرصاد أو لا؟ ذاك الذي يجلس على جبل ويترقب الغزلان أو الطيور متى تنزل ليضرب. إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ [الفجر:14]، فإما أن يتوب المسلمون فوراً بعجالة، ويظهروا في مظهر إسلامهم الحق، وإلا فسوف تنزل بهم الويلات والنكبات ويخسرون دنياهم وآخرتهم إلا من رحمه الله، هكذا قيل لأصحاب الرسول أو لا؟ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:214] ما هو؟ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ [البقرة:214] من شدة البلاء والكرب، ونحن -والحمد لله- لا كرب ولا بلاء، أحدثنا الكروب والبلاء بأنفسنا، مزقنا صلات الروابط والعلاقات الطيبة علاقات الإيمان، وأخذ الحسد يمزقنا والكبر يشتتنا، وأثارت الشياطين الخلاف بيننا، وتمزقنا بأنفسنا، إلى أين مصيرنا؟ إنا لله وإنا إليه راجعون.
قراءة في كتاب أيسر التفاسير

معنى الآية

والآن مع شرح هذه الآية الكريمة. قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ معنى الآية الكريمة: ينكر تعالى على المؤمنين وهم في أيام شدة ولأواء ] ينكر عليهم [ ظنهم أنهم يدخلون الجنة بدون امتحان ولا ابتلاء في النفس والمال، بل وأن يصيبهم ما أصاب غيرهم من البأساء والضراء والزلزال، وهو الاضطراب والقلق من الأهوال، حتى يقول الرسول والمؤمنون معه استبطاءً للنصر الذي وُعدوا به: مَتَى نَصْرُ اللَّهِ [البقرة:214]؟ فيجيبهم ربهم تعالى بقوله: أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ [البقرة:214]].

هداية الآية

هذه الآية فيها أربع هدايات:قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ هداية الآية الكريمة:من هداية الآية:أولاً: الابتلاء بالتكاليف الشرعية -ومنها الجهاد بالنفس والمال- ضروري لدخول الجنة ]، الابتلاء والله لا بد منه لدخول الجنة، والذي يريد أن لا يبتلى ولا يكلف ويعيش كالحيوان مصيره معروف إلى عالم الشقاء النار والعياذ بالله.[ ثانياً: الترغيب في الائتساء بالصالحين والاقتداء بهم في العمل والصبر ]؛ إذ قال تعالى: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا [البقرة:214] إذاً: ائتسوا واقتدوا أيضاً، فاصبروا كما صبروا، وإن كان زلزالكم وبلاؤكم أقل أو أكثر فلقد سبقكم أمم من الصالحين وصبروا على هذا.[ ثالثاً: جواز الأعراض البشرية على الرسل كالقلق ]، فالرسول رسول، ولكن يقلق، يستبطئ النصر، يتألم، لماذا؟ لأنه بشري ما هو بملك، فيه صفات البشر، والإنسان يحزن، يكرب، يخاف، يجوع، ويعطش، لا بد من هذا، وإن كان نبياً ورسولاً، فهذه الآية دلت على هذه.[ جواز الأعراض البشرية على الرسل كالقلق والاستبطاء للوعد الإلهي انتظاراً له.رابعاً: بيان ما أصاب الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه من شدة وبلاء أيام الجهاد وحصار المشركين لهم ] في مكة، وفي المدينة أعظم، في مكة ابتلوا من المشركين، فهذا يضربونه، وهذا يقتلونه وهذا يفعلون به كذا، وما ننسى أبداً أن سمية وزوجها ياسر قتلا على مرأى ومسمع بين الناس.معاشر المستمعين! هل من توبة إلى الله، هل من رجعة إلى الله قبل فوات الوقت، والله! إننا لتحت النظارة، والبلاء ينتقل من بقعة إلى بقعة، فالمؤمنون إذا ثبتوا وصبروا كان هذا القلق والاضطراب رفعاً لدرجاتهم، وأما العذاب فيمسهم منه ما يمس غيرهم، والذين تهوكوا وهبطوا وأعرضوا عن الله وذكره فمصيرهم معروف، والله تعالى أسأل أن يحسن عاقبتنا وعاقبة كل مؤمن ومؤمنة.ندعو لإخواننا المصابين بالبلاء في الأفغان والديار الجزائرية، إذ ما نملك إلا الدعاء، فنحن ندعو الله عز وجل والله لا يخيب داعياً يدعوه في صدق وإخلاص.فاللهم يا ولي المؤمنين، ويا متولي الصالحين، ويا رب العالمين، إن عباداً لك مؤمنين في الديار الأفغانية والجزائرية قد أصيبوا بكرب عظيم وخلاف شديد، واشتعلت نار الفتنة بينهم فقتل بعضهم بعضاً، ونكل بعضهم ببعض، اللهم فرج ما بهم، اللهم فرج ما بهم، وأطفئ نار الفتنة بينهم، واجمع كلمتهم على الحق والهدى يا رب العالمين، ربنا إنه لا يعجزك شيء في الأرض ولا في السماء وأنت السميع العليم، كما نصرت نبيك ورسولك محمداً والمؤمنين في غزوة الخندق بعد الحصار الشديد، فانصر عبادك المؤمنين على أنفسهم وعلى شياطينهم وأهوائهم؛ ليعودوا إليك ويتوبوا إلى صراطك لينجوا من هذه الإحن والمحن والفتن يا رب العالمين، وق ديارنا هذه من مثلها وديار المؤمنين يا رب العالمين، وتب على الجميع إنك رب الجميع.وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #258  
قديم 21-10-2020, 07:21 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,576
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة آل عمران
تفسير سورة آل عمران تفسير آل عمران تفسير سورة آل عمرانتفسير سورة آل عمران- (1)
الحلقة (142)



تفسير سورة آل عمران (1)

بعث الله عز وجل محمداً صلى الله عليه وسلم بدين الإسلام، وأنزل عليه القرآن مصدقاً لما بين يديه، كما أنزل التوراة والإنجيل من قبل على موسى وعيسى، وهذا القرآن الذي أنزل على محمد أنزل عليه بالحق، لا يفارقه ولا ينفصل عنه، فلو اجتمع علماء الأرض ومثقفوها ليثبتوا ورود خطأ واحد في القرآن، لما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.

بين يدي سورة آل عمران

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي والعالم أجمع، قال: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ) فالحمد لله أن أهلنا الله لهذا الخير!ووراء ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ( من أتى هذا المسجد لا يأتيه إلا لخير يعلمه أو يتعلمه كان كالمجاهد في سبيل الله )، ووراء ذلك: ( لا يزال أحدكم في صلاة ما دام ينتظر التي بعدها، ولا تزال الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مسجده: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، ما لم يحدث ). فهذه غنائم باردة لا تكلفنا شيئاً، ومع هذا أعرضنا عنها وأدبرنا فحرمنا تزكية أنفسنا وطهارة أرواحنا، وحرمنا العلم الذي يرفع تعالى أهله درجات، وساد الجهل وخيم في ديارنا، ولهذا نبكي ونتباكى!لم لا نعود إلى ما كان عليه رسولنا صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأحفادهم وأبناءهم؟أما بلغنا قول الله عز وجل وإبراهيم وإسماعيل يبنيان الكعبة وهما يتقاولان: رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ [البقرة:129]؟أما استجاب الله لهما وبعث في ذرية إسماعيل محمداً صلى الله عليه وسلم، وكان يجلس لأصحابه رجالاً ونساء كباراً وصغاراً يعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم؟!بلى. وقد امتن الله تعالى بهذه النعمة علينا في آيتين من كتابه إذ قال تعالى: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [الجمعة:2]. زكاهم. أي: طيبهم وطهرهم، حتى أصبحوا لا يماثلهم بشري على سطح هذه الأرض مما عدا أنبياء الله ورسله.فكيف زكوا وطابوا وتعلموا؟ هل تنقلوا من جامعة إلى أخرى؟ لا. بل كانوا يجلسون في بيت ربهم ويتعلمون الكتاب والحكمة، وما زالوا يتعلمون حتى أصبحوا علماء ربانيين؛ فاختفى كل مظهر من مظاهر الشر والخبث والفساد والظلم في حياتهم، فهيا نعود إلى ما كان عليه أسلافنا!أما تستطيعون أن تجتمعوا كل ليلة في جامعكم الذي يجمعكم ساعة ونصف بين المغرب والعشاء؟ يا أهل المدن! إن لكم أحياء تعيشون فيها فاجتمعوا في جامع حيكم بنسائكم وأطفالكم ورجالكم كل ليلة وطول الحياة من المغرب إلى العشاء! أتعجزون عن هذا؟ فكيف إذاً تخترقون السبع الطباق وتنزلون بالملكوت الأعلى وتجتازون مسافة سبعة آلاف وخمسمائة عام؟أين يذهب بعقولكم؟نريد ألا نرى مظهراً من مظاهر الظلم والفسق والفجور والخبث، وألا نرى فقراً ولا مرضاً ولا تعاسة ولا ظلماً ولا جوراً، ولكن هذا لا يتأتى بالكلام فحسب، بل لا بد من العمل. ووالله أنه لا سبيل إلى نجاتنا إلا هذا الطريق، وإلا فإننا سنتمزق ونخسر خسراناً أبدياً، فإن لله تعالى سنناً لا تتبدل ولا تتغير: الطعام يشبع، والماء يروي، والنار تحرق، والحديد يقطع، تلك سنن لا تتبدل، الكتاب والحكمة يطهران وينظفان ويعلمان ويرفعان إلى الملكوت الأعلى!خذوها من باب التعليم الواضح! ألسنا نقتدي بالأوروبيين حتى في الزي واللباس، فلم لا نقتدي بهم في هذه القضية؟ هم إذا دقت الساعة السادسة أوقفوا دولاب العمل، فلبسوا أحسن ثيابهم وأخذوا بناتهم ونساءهم وأولادهم إلى الملاهي والمراقص والمقاصف ودور السينما، فلماذا نحن لا نوقف العمل عند أذان المغرب ونذهب إلى بيوت الرب لنتعلم الكتاب والحكمة لتزكو أنفسنا ونأخذ صك الفلاح من ربنا: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا [الشمس:9]؟هذا الكلام يا أهل الدرس مكرر سئمتموه ومللتموه، ولكن هل بلغكم أن أهل قرية قالوا: آمنا واجتمعوا في جامعهم يتعلمون الكتاب والحكمة، النساء وراء ستارة، والأطفال دونهن، والفحول أمامهن، ومعلم الكتاب والحكمة بين أيديهم، ليلة آية، وأخرى حديثاً، طول العام؟تصور إذا دقت الساعة السادسة لم يبق دكاناً مفتوحاً ولا مقهى ولا متجراً ولا فلاحاً بيده مسحاة.. ولا ولا، فجميع أهل القرية في بيت ربهم! الله أكبر! أي شرف هذا؟ فلو يجلسون فقط يبكون بين يديه سبحانه لرحمهم ورفعهم إلى الملكوت الأعلى، فضلاً على أنهم يتعلمون الكتاب والحكمة لتزكية نفوسهم، ثم لتطهير أرواحهم، ثم للتأدب بالآداب التي لا يساويها أدب في هذا العالم.والآن مع سورة آل عمران ثالثة السور القرآنية من الكتاب العظيم القرآن الكريم، فالسورة الأولى الفاتحة وبها افتتح الله كتابه، والثانية البقرة ذات الألف حكم، والثالثة (سورة آل عمران) على الحكاية، و(آل) بمعنى: أهل. (عمران) من أعلام بني إسرائيل.وعدد آيات هذه السورة: مائتا آية بلا خلاف، كل آية كالشمس تضيء الحياة، وكل آية علامة على أنه لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأن لقاء الله حق ثابت لا ينكره إلا أحمق أو مجنون.

تفسير قوله تعالى: (الم)

يقول الله تعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: الم * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ * نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ * مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ * إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ * هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [آل عمران:1-6].فما معنى: الم [آل عمران:1]؟الجواب: هذا من المتشابه الذي امتحن الله به عباده، واستأثر تعالى بعلمه ومعرفته، فقال: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا [آل عمران:7]، آمنا به، فكل من المحكم المتشابه من عند ربنا!وقد قرأنا في البقرة وقلنا: لهذه الحروف فوائد عجيبة عظيمة، فعندما تريد أن تفسرها فقل: الله أعلم بمراده بها، فوض الأمر للعليم الحكيم.

فوائد الحروف المقطعة في أوائل سور القرآن

إن سئلت عن فوائد الحروف المقطعة في أوائل سور القرآن الكريم فقل:أولاً: لما أعرض المشركون في مكة عن سماع القرآن، وأصدروا أوامرهم بمعاقبة من ضبط يسمع القرآن، كما بين ذلك الله تعالى في سورة فصلت فقال: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ [فصلت:26]. أي: إياكم أن تسمعوا، وإذا أخذ يقرأ صيحوا أنتم وضجوا وصفروا حتى لا يسمع أحد! هذا حفاظاً على الوطنية، فأيام الحزبية والوطنيات كان إذا قام رئيس حزب يخطب قام أعداؤه من الحزب الثاني يفعلون كما فعل حزبه فيصيحون ويصفرون حتى يحجبوا كلامه.إذاً: لما منعت قريش سماع القرآن جاءهم الله عز وجل بهذه الحروف التي ما عهدوها، ولا سمعوا بهذا النغم وهذا الصوت، فما عرفوه أبداً طول حياتهم هم وأجدادهم وآبائهم، فكان أحدهم إذا سمع: طسم [الشعراء:1] يضطر اضطراراً إلى أن يستمع ليعلم ما وراء ذلك. وإذا سمع: المر [الرعد:1] سمع نغماً جديداً فيصغي ويسمع، حتى ولو كان من جنودهم وزبانيتهم فلا يبالي، وإن أخذ أجرة وتعهد ألا يسمع. وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يسمعهم القرآن حول الكعبة، فلا يستطيعون أن يحضروا، فما إن يعتم الظلام حتى يتسللون إلى مكان بجوار النبي صلى الله عليه وسلم فيسمعون ترنمه بالقرآن وهو يصلي، حتى إذا التقى بعضهم ببعض لاموا أنفسهم وتعاهدوا أن لا يفعلوا ذلك مرة أخرى، وقد جاء هذا في سورة الإسراء إذ قال تعالى: نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا [الإسراء:47]. وأما نحن فقد صرفنا عن القرآن بالحيلة الأدبية.. بالأغاني، وهذا أسلوب جديد من مكر أعداء الدين، فأصبح أهل البيت المسلم بدل أن يجتمعوا حول كتاب الله قبيل تناول طعام العشاء أو بعد صلاة العشاء فيتلون آية ويبكون وتنشرح صدورهم وتسمو آدابهم، بدل هذا أصبحوا يطربون للأغاني، وهذا أسلوب شيطاني وضعه بنو عمنا اليهود، وانجذبنا ومشينا وراءهم، فما أصبحت تسمع قرآناً في بيت إلا إذا كان فيه ميت فقط، أما أن يجتمعوا على أن يتلوا آياته ويتأدبوا بآدابه ويتعلموا أحكامه فلا يوجد ذلك أبداً، وهذه الحيلة أكثر خطراً من قانون أبي سفيان وزمرته فقد كانوا لا يسمحون للناس بالسماع ومع هذا هم يسترقون السمع ويتسمعون شوقاً ورغبة، أما بيوت المسلمين اليوم فقد تركت للأغاني والمزامير؛ وذلك حتى يعرضوا عن ذكر الله فيهلكوا ويتمزقوا فيتمكن اليهود من أن يسودوا ويحكموا. هذه الفائدة الأولى من الحروف المقطعة في أوائل سور القرآن الكريم.الفائدة الثانية: لما حاج المشركون الرسول صلى الله عليه وسلم وقالوا: هذا ليس بقرآن إنما هو شعر، هم في حقيقة أمرهم يعلمون أنهم يكذبون، فما هو بالشعر، وقالوا سحر وما هو بسحر، وكل ذلك ليدحضوا الحق بالباطل، فتحداهم الحق عز وجل بهذه الحروف، فهذا القرآن مؤلف من هذه الحروف: كهيعص [مريم:1]، يس [يس:1]، طه [طه:1]، ق [ق:1]، فألفوا مثله أو اعترفوا بأنه كلام الله وتوبوا إليه.إذاً: تحداهم الله بهذه الحروف وطالبهم أن يأتوا بسورة فقط، واقرءوا لذلك قول الله تعالى: وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ [البقرة:23] أي: شك مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ [البقرة:23] ممن تعولون عليهم مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [البقرة:23-24]، ما قال: أعدت لكم بل قال: (للكافرين)؛ لأن العبرة بالكفر.قال أهل البصيرة: قوله تعالى: وَلَنْ تَفْعَلُوا [البقرة:24] هذه الكلمة لا يقدر على قولها إلا الله. وقالوا: هيا بنا إلى اليابان أهل الصناعة هل في بإمكان اليابان أن تنتج آلة من الآلات أو مركباً من المراكب أو حتى ملعقة وتقول لك: أتحدى العالم الإنساني سبعين سنة أن يوجدوا مثلها؟ هل يمكن أن تفعل اليابان هذا؟ أمريكا؟ ألمانيا؟ لا، يملكون أن يحتفظوا بهذا النوع من الصناعة إلى بعد سبعين سنة أو مائة سنة ثم يوجد من يصنع مثله، فلا يقولون هذا أبداً. أما الله فقال: (ولن تفعلوا) وقد مضى من السنين ألف وأربعمائة وخمسة عشر سنة فهل استطاع أحد أن يأتي بسورة من مثل هذا القرآن؟ لم يستطيعوا، فدل هذا على أنه كلام الله.

تفسير قوله تعالى: (الله لا إله إلا هو الحي القيوم)

قال تعالى: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [آل عمران:2]. (الله) لفظ الجلالة اسم للرب تبارك وتعالى، يخبر تعالى عن نفسه بأنه: لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [آل عمران:2] وحده لا شريك له.أيها الملاحدة والمبطلون والسحرة هل تستطيعون أن تجدوا إلهاً مثل الله يخلق ويرزق مخلوقه ويدبر حياته من أولها إلى نهايتها؟والله لو تجتمع الدول الصناعية بأكملها على أن يخلقوا من لا شيء حيواناً ولو ذبابة والله ما قدروا، ووالله ما استطاعوا! قد يقول قائل: يا شيخ! صنعوا الطيارة تحمل خمسمائة نسمة، وهذا المسجد يتسع لهذا العدد، فأقول له: هذه صناعة علمهم الله إياها وأقدرهم عليها وأوجد إمكانياتها، فهم ما خلقوا شيئاً، فالطين لله والحجارة والحديد والنار والعمال كلهم خلق الله وتذليله، فماذا فعلوا؟

يتبع‏

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #259  
قديم 21-10-2020, 07:21 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,576
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

معنى قوله تعالى: (لا إله إلا هو)

لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [آل عمران:2] فلا تفهم من (لا إله) هذا أنه لا رب إلا هو، ولكن معناه: لا معبود يستحق أن يعبد إلا هو سبحانه، فلا معبود في الكائنات العلوية أو السفلية يستحق أن يعبد فتوضع الجباه له على الأرض وترفع إليه الأكف ويستغاث به وينادى في ظلمات البر والبحر فيغيث ويجيب إلا هو سبحانه وتعالى، لا يوجد والله إلا الله. هل يوجد من ينقض هذه الحقيقة؟ لا أحد.قلنا: هيا بنا إلى مؤتمر الشيوعية في موسكو، البلشفية الحمراء، أهل الإلحاد ومبدأ: (لا إله والحياة مادة)، انعقد المؤتمر وحضره أتباع الشيوعية من الصين إلى البرازيل وكذا أهل الشيوعية من العرب الذين مازالوا على شيوعيتهم بعد أن هبطت الشيوعية وتمزقت، فما زال المغفلون الأغبياء يتكلمون بالشيوعية! اجتمعوا في مؤتمرهم وقالوا: ( لا إله والحياة مادة). فنقول لهم : اسمعوا بما أوتيتم من البصيرة والعلم والمعرفة في الحياة كلها! اعلموا أنه لا إله إلا الله، وأما أنتم فسفهاء حمقى! قف أنت يا مسيو! حضرت المؤتمر ولكن نريد أن نسألك هذا السؤال البسيط: أنت موجود أو غير موجود؟ يا مسيو هل أنت موجود أم لا؟ فإن قال: أنا غير موجود غير مخلوق قلنا: أخرجوه، فهذا أحمق مجنون. وإن قال: نعم. كيف ذلك، أنا موجود. نقول: من أوجدك؟ من هو موجدك؟ عندها يقول: هاه! يفغر بها فاه! أين معنى: (لا إله والحياة مادة) التي تتشدقون بها وتضللون الناس بها؟ أيها المسحورون! قد سحرتكم اليهودية والمسيحية، وإلا فالبشرية منذ أن كانت تفقد النور تفقد الأنبياء تفقد العلم لا تنكر وجود الله أبداً، بل تثبت وجود الله بالفطرة.المشركون العرب قال الله عنهم: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [الزخرف:87] فلا يقولون: الحياة مادة. من خلق السماوات والأرض؟ العزيز العليم. فالحمد لله أن انطفأت شعلة الشيوعية وتمزقت ببركة جهاد المسلمين في الأفغان.إذاً: كلمة (لا إله) نفي، أي: لا إله بحق، فالإله الحق موجود، وهذه العوالم كلها أوجدها الإله الحق سبحانه.فكيف يأتي هذا الإنسان الضعيف وينفيه؟ أنت لو وجدت كأس حليب أو شاي أو لبن أو ماء على طاولة هل تستطيع أن تقنع الناس بأن هذا وجد من نفسه؟ قد تسحر ألفاً أو ألفين وباقي الناس سيقولون: أين هذا المجنون؟ كيف يوجد هذا الكأس هنا بدون موجد؟ من وضع فيه الماء أو اللبن؟ كيف يوجد هنا تلقائياً؟ مستحيل. فكيف إذاً بالشمس؟ من أوجد هذا الكوكب العظيم والنار الملتهبة التي تكبر الأرض بمليون ونصف مليون مرة كما قرر ذلك علماء الإسلام قبل أن يعرفه العالم الغربي؟ لو أخذت البشرية وجعلت في زاوية من زوايا كوكب الشمس والله لا تسدها، فكيف لهؤلاء أن ينكروا النار وعذاب الآخرة؟! هذه الشمس فقط هذا اتساعها وهذا كبرها، أكبر من الأرض بمليون ونصف مليون وهي كوكب له فلك ويدور، ويوم يأذن الله بهبوطه يتكور ويسقط على الأرض، من خلقه؟ إنه الله خالق كل شيء.أسوأ مخلوق الذي ينفي وجود الله، بل هذا لا يعتبر إنساناً أبداً، والحيوانات لا تنفي وجود الله، وأما الشيوعية ولا إله والحياة مادة فهي من مكر يهود، أرادوا أن يستعجلوا بتحقيق مملكتهم من النيل إلى الفرات ثم العالم أجمع فوضعوا خططاً عجيبة من بينها الشيوعية، حولوا أوروبا الصليبية المسيحية التي كان يوجد فيها الرحمة والعدل.. وو، حولوها إلى بلاشفة، ثلاثة أرباع أوروبا لا يؤمنون بالله، وانتقل ذاك الظلام إلى العالم الإسلامي ففعل ما فعل.إذاً: الله موجود، والصليبيون يقولون بثلاثة آلهة، ولهم مؤتمر في روما يجتمع فيه رؤساء الدين المسيحي فنقول لهم: لا إله إلا الله، هل تستطيعون نقضها؟ إما أن تقولوا: (لا إله) وهو مذهب الشيوعية وقد انهزمت ولله الحمد.أو أنكم تقولون: الآلهة ثلاثة، من هم عيسى. فنقول: كيف يكون عيسى إلهاً وأنتم تزعمون أن اليهود صلبوه وذبحوه وقتلوه؟ هل الإله يقتل؟ من يدير الكون والحياة كلها إذاً ؟ وإن كنا نحن المسلمون قد أعلمنا الله أن عيسى والله ما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم، لكن أنتم أيها المسيحيون تعلقون الصليب في أعناقكم وفي دبر سيارتكم تعبدونه؛ لأن عيسى صلب، فأنتم مجانين. يقتل إلهكم ويصلب وأنتم تسخطون على اليهود وتبغضونهم ولا يفتح النصراني عينيه في اليهودي لأنه يعتقد أنه قتل ربه، فكيف تعبدون من يصلب ويقتل؟ومن آيات الله: منذ حوالي خمسة عشر سنة أعلن بولس الثامن علناً: أن اليهود برآء من دم السيد المسيح. إيه الآن فقط عرفوا ذلك، أما نحن فقد عرفنا هذا من قبل ألف وأربعمائة سنة، إذ قال تعالى: وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ [النساء:157]! كذبتم الإسلام والمسلمين هذه القرون والآن ظهر لكم أن اليهود برآء؛ لأنهم سحروكم! سمعتم هذه الفضيحة! أجيال عبر قرون عديدة تعتقد هذه القضية وبعد تنقضونها لا لشيء إلا لسحر اليهود!إذاً: بطل أن يكون عيسى إله.وأم عيسى ذات الرحم الذي حملت عيسى ببطنها هل تصلح أن تكون إلهاً؟ ماتت مريم أم لا؟ نعم، ماتت. إذاً: مات الإله، مات عيسى وماتت مريم وماتت الأقانيم، فأين الإله؟ ليس هناك أضحوكة ولا سخرية أعظم من اعتقاد النصارى، اعتقاد هابط إلى أبعد حد.وقد جاء وفدهم المكون من ستين فارساً من نجران يجادلون الرسول صلى الله عليه وسلم ويحاجونه في شأن عيسى، فنزلت هذه السورة، نزل أولها وفيه نيف وثمانون آية كلها في إبطال النصرانية، إبطال تأليه عيسى وأمه عليهما السلام، وانهزموا.إذاً: لا معبود يستحق أن يعبد إلا الله، فلا ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا ولي صالح.. ولا ولا ولا يستحق العبادة من دون الله. يا عباد الله! أنتم تذكرون الله بلا إله إلا الله لا إله، ووالله لا ينقضها عاقل؛ لأن نقضها إما أن يكون بدعوى: لا إله وأن الحياة كلها عدم، أو بوجود أكثر من إله، وهذه خرافة باطلة.ولما جهلونا وأبعدونا عن المساجد وكتاب الله وهو الروح وفيه الحياة وهو النور وفيه الهداية أصبح أحدنا المسبحة في يده يذكر: لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، فلما ينام وتسقط السبحة من يده يقول: يا سيدي فلان! فهل هذا صادق أم كاذب؟ أنت تصرخ لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، فلما تعثر دابتك تصرخ: يا سيد عبد القادر! فأين الله؟ذات مرة راكب إلى جواري أحد الناس فخرج السائق بالسيارة عن الطريق فقال هذا الراكب: يا رسول الله! يا رسول الله، ولو مات مات مشركاً. معناه: اعترف بإله غير الله؛ لأن الذي تناديه في الغيب وتعتقد أنه يسمع صوتك ويمد يده لإنقاذك لن يكون هذا إلا الله، فمن دعوت وناديت واستغثت به وصفته بصفات الإلهية، وأعطيته صفات الرب الحق وجعلته إلهاً من دون الله وأنت لا تشعر. فكل ما عبد من الأحجار والأصنام والفروج يسمى إلهاً، والفروع والله تعبد في الهند، الذكر والخصيتين من الحديد أو النحاس ، حتى العرب فيهم عبدة الفروج. والشاهد عندنا: كل من عبد يطلق عليه إله، واسمع كلمة كفار قريش مع ما هم عليه من البصيرة، قالوا: أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ [ص:5]، كيف يجعل الآلهة كلها إلهاً واحداً مع أن في كل بيت صنم يعبد؟ تعجبوا! أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ * وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ [ص:6]، هذه مؤامرة خارجية وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ * مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلاقٌ [ص:5-7]! أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ * سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنَ الْكَذَّابُ الأَشِرُ [القمر:25-26]، لاقوها في بدر، لاقوها في مكة يوم طأطئوا رءوسهم وخنعوا ودخل البدر الإلهي: ( يا معشر قريش ما تظنون أني فاعل بكم! قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم. قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء )، الكمال المحمدي أسوتنا، ولو عقلنا وفهمنا نكون مثله.لما كنا نحارب الاستعمار البريطاني والإيطالي والأسباني لبلادنا كانوا يدعون الناس الجهاد الجهاد، فأخذوا أموال النساء والرجال، فلما كان الاستقلال ذبحوا إخوانهم، فتكوا بهم، فعلوا العجب نقمة منهم بحجة أنهم عملاء. فقلنا لهم: أنتم أتباع محمد صلى الله عليه وسلم ؟! محمد صلى الله عليه وسلم حاربته قريش عشر سنوات ولما حكم وساد ودخل مكة قال: ( اذهبوا فأنتم الطلقاء ). لكن المسلمون العرب أيام الاستعمار كان يقتل بعضهم بعضاً بالمناشير، فلا إله إلا الله! والله العظيم -واشهد يا رب- منذ سنين بلغني عن سجون العرب بالذات والله إن عذاباً يتم في سجونهم لا يتم يوم القيامة، لا يوجد في النار! آه! ما العلة؟إنه الجهل، والله ما عرفوا الله حتى يحبوه، ما عرفوا الله حتى يخافوه، ومن لم يحب الله ولم يخفه فأنى له أن يطيعه فيمتثل أمره ويجتنب نهيه؟ مستحيل! عرف العدو من أين تؤكل الكتف فقال: جهلوهم تسودوا وتحكموا. وجهلونا وسادوا وحكموا وارتفعوا! قد يقول قائل: يا شيخ! عندنا المدارس في كل قرية وفي كل مكان! فأقول له: أين آثار ذلك العلم؟ الكذب موجود، خلف الوعد والخيانة موجود، والزنا موجود، الزنا والله يزني بعض المسلمين بنساء إخوانهم المؤمنين، فما عرفوا الله حق معرفته! وأما إذا نشدوا التغيير فيسلكون طريق الثورة والانقلابات فيحصل الذبح والقتل. فإذا كلموا في ذلك يقولون: ما الحل يا شيخ؟الحل قل: أنا مسلم، وابحث عن محاب ربك، تعلمها وقدمها له، واسأل أهل القرآن والسنة عن مباغض الله ومكارهه فاعرفها واجتنبها، والزم طريقك حتى تلقى ربك، والله لا حل إلا هذا بالنسبة إلى الأفراد، أما بالنسبة إلى الأمة فلا حل لها إلا أن تعود إلى بيوت ربها تبكي بين يديه، وتتعلم الكتاب والحكمة فلا مذهبية ولا عنصرية ولا قبلية ولا وطنية.. ولا ولا، مسلمون طريقنا واحد، صراط الله المستقيم، فلا تقل: حنبلي ولا ولا زيدي ولا أباضي ولا رافضي، بل قال الله، قال رسوله، أسلم قلبك ووجهك لله، واسأل عن محاب ربك فافعلها بإذعان وانقياد وحب فيه، واسأل عن مساخط الله ومكارهه وتجنبها ولو كانت شهوة في نفسك فما هو بصعب، ولا يكلف دماء ولا أموالاً.. ولا ولا! فقط إمام المسجد يوم الجمعة ينادي يا أهل القرية!من الليلة إن شاء الله ما يتخلف منكم واحد، هاتوا نساءكم وأولادكم إلى بيت الله! سيقولون: يا شيخ نساءنا فيهن الحيَّض. فيقول لهم: الحائض تبقى عند جدار الباب ومكبر الصوت يصل إليها. هاتوا أطفالكم فلا يبقى ولد في الشارع، وينظمون جلسة يحضرها الأطفال والرجال ويصلون المغرب في تلك الصفوف الربانية ويسلمون وقلوبهم مع الله، ويجلسون أمام المربي فيتعلمون آية واحدة، ومن الغد حديثاً واحداً، حفظاً وفهماً وإرادة للتطبيق والعمل، ولا يزالون يسمون ويرتفعون، ولو كادهم أهل الأرض كلهم والله ما زحزحوا أقدامهم.فيقول قائل: يا شيخ وأين الصناعات وأين عمل الدنيا ؟ فيقول: وهل هذا مانع؟ عندما يفقهون ويفهمون تصبح نتائجهم الدنيوية والله لا تساويها نتائج أخرى في الشرق والغرب، فقد عمهم الصدق والعزم، فما بقي لهو ولا باطل ولا عبث ولا سخرية، ارتفعت هممهم إلى الله عز وجل يرشدهم ويهديهم إلى ما يكملهم ويعزهم. لم ما نفعل؟ ما ندري! مسحورون! من سحرنا؟ بنو عمنا اليهود، أعظم شعب عرفته الدنيا بالسحر! لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [آل عمران:2] أي: لا معبود بحق إلا هو سبحانه.

معنى قوله تعالى: (الحي القيوم)

قال الله: الْحَيُّ الْقَيُّومُ [آل عمران:2] الحي بلا بداية وبلا نهاية، حي لا يموت، ولن يسبقه عدم، كان الله ولم يكن شيء قبله هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الحديد:3]، الحي الكامل الحياة، مستلزمة كل القدرات والطاقات: السمع والبصر واليد والقدم، كل ذلك من صفات الأحياء، ولكن تعالى الله أن يشبه مخلوقاته لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11]، فإذا قال الرسول الكريم: ( يبسط الله يده ) فلا تفهم أنها يد كيد المخلوقات! انتبه! أيخلقها وتكون مثل يده؟ هل يد النجار مثل يد الكرسي؟ هل يقاس النجار بالكرسي؟ النجار له سمع وبصر وعقل والكرسي أصم أبكم، فآمنوا بصفات الله كما هي، وهي مستحيلة أن تشبه صفات المخلوقات؛ لأن المخلوق مربوب. الْحَيُّ الْقَيُّومُ [آل عمران:2] الذي أمر السماء والأرض قائم عليه، والله لولا قيوميته لسقطت الشمس من آلاف السنين، ما تبقى هكذا. من يضبطها في هذا الكون؟ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [آل عمران:2].

تفسير قوله تعالى: (نزل عليك الكتاب بالحق ...)

قال تعالى: نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ [آل عمران:3]. أي: القرآن العظيم. من نزله؟ إنه الله! هل هناك من يقول غير الله؟ مائة وأربعة عشر سورة فائت أيها الملحد بسورة فقط كأصغر سورة، ثلاث آيات: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ [الكوثر:1-3].لا يستطيعون! فالقرآن كلام الله، حوى علوم الأولين والآخرين، تعرض للذرة والمجرة، للآداب والأخلاق، للقوانين، فلا إله إلا الله! ينطق به أمي لا يعرف الياء ولا الباء، لم يجلس بين يدي معلم أبداً، فلا إله إلا الله!والعجيب كيف يكفر بهذا الكلام؟ يكفر به للحفاظ على المنصب وعلى الشهوة والهوى، أما عقلاً فمستحيل أن تفهم أن هذا الكتاب العظيم الذي عجزت البشرية عن محاكاته في أقصر سوره يأتي من أمي ما قرأ وما كتب، مستحيل هذا، هذا أنزل عليه، تلقاه آية وآية وسورة في ظرف ثلاثة وعشرين عاماً حتى اكتمل نزوله. (نزل عليك) أي: نزل عليك يا رسول الله. إذاً: محمد رسول الله؟ إي والله. نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ [آل عمران:3] نزل عليك القرآن لتبلغه للناس لهدايتهم وإصلاحهم وإرشادهم، فالكتاب هنا هو القرآن العظيم، و(أل) هنا للعهد وللتفخيم والتعظيم.بِالْحَقِّ نزل القرآن مصحوباً بالحق لا يفارقه في كل كلمة. اقرأ القرآن والله لو يجتمع علماء الدنيا على أن يثبتوا أن آية فيها باطل والله ما كان، وإذا ضلت العقول وفهموا أن فيه آية من الباطل يأتي أرباب العقول فيبينوا فيردوهم إلى الصواب، أين ذهبت عقولكم؟ ستة آلاف ومائتين وأربعين آية، كل آية تقرر مبدأ لا إله إلا الله محمد رسول الله، كل آية من أنزلها؟ الله، على من نزلت؟ على محمد. إذاً: الله موجود، ومحمد رسول الله، وهذه كلمة التوحيد: (لا إله إلا الله، محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم). نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ [آل عمران:3] فالحق مصاحب له لا يفارقه، فلا يستطيع أحد أن يثبت آية فيها باطل، بل ولا كلمة واحدة، نزل بالحق، لإحقاق الحق وإبطال الباطل.

تصديق القرآن بالكتب السماوية السابقة

قال تعالى: مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ [آل عمران:3]. أي: للكتب الذي تقدمته كالتوراة والإنجيل والزبور وصحف موسى وإبراهيم، وصحف شيث، فكل الكتب السابقة القرآن مصدق لها. هل كذب القرآن بالتوراة أو بالزبور لأنها عند اليهود؟ هل كذب بالإنجيل لأنه كتاب النصارى؟ والله ما كذب بكتاب من كتب الله، بل صدق وقرر أنها كتب الله عز وجل، بل فضح ما فيها من الزيغ والزيد والنقص والبطلان والتقديم والتأخير واتباع الأهواء والشهوات والأطماع، أما أن ينفيها فيقول: لا. ما نزلت، فهذا لم يرد في القرآن أبداً.وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ * مِنْ قَبْلُ [آل عمران:3-4].من الذي أنزل التوراة والإنجيل؟ إنه الله رب العالمين، الله الذي أرسل محمداً صلى الله عليه وسلم والنبيين من قبله، والتوراة في لسان العبريين معناها الشريعة، والإنجيل بلسان النصارى معناه التعليم، أي: كتاب التعليم، وهذا غير مهم، فهو علم لا ينفع والجهالة به لا تضر، أما الذي ينفع فالعلم بأن التوراة كتاب الله، وأن الإنجيل كتاب الله، ولكن اليهود عمدوا إلى تحريفهما والزيادة والنقص فيهما، فهذا عبد الله بن سلام لما حضر اليهود بالتوراة إلى النبي صلى الله عليه وسلم جعل اليهود يغطي على الكلمة المرادة فيضع يده عليها فقال عبد الله بن سلام : مره يا رسول الله يرفع يده، فالتوراة فيها آيات كالشمس تشهد أن محمداً رسول الله، والإنجيل والله كذلك، ولكن الأحبار والرهبان حرفوا وبدلوا تكبراً وعناداً للحفاظ على رئاستهم ومكانتهم.وصلى الله على نبينا محمد.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #260  
قديم 21-10-2020, 07:22 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,576
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير آل عمران- (2)
الحلقة (143)



تفسير سورة آل عمران (10)



بعث الله رسله ليبلغوا دينه، ويقيموا الحجة على عباده، وأيدهم بالآيات والمعجزات، فكان من الناس من آمن بالله وصدق برسالاته، ومنهم من كفر بآيات الله وكذب رسله وآذاهم، حتى بلغ ببعضهم أن قتلوا رسل الله صلوات الله وسلامه عليهم، وقتلوا أتباعهم ممن يأمرون بالقسط من الناس، فتوعدهم الله عز وجل بالعذاب الأليم والخزي يوم القيامة.

قراءة في تفسير قوله تعالى: (شهد الله أنه لا إله إلا هو ...) وما بعدها من كتاب أيسر التفاسير

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه اليوم ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله في من عنده )، فالحمد لله الذي أهلنا لهذا الخير، وربنا على كل شيء قدير.أذكركم معشر المستمعين والمستمعات بالآيات الثلاث السابقة، إذ لها نتائج وعبر نريد أن نمر بها إن شاء الله لنجتني عبرها ونعود بنورها في قلوبنا وأبصارنا، اللهم حقق لنا ذلك.الثلاث الآيات التي سبقت دراستها قبل اليوم تلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ * فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ [آل عمران:18-20].

هداية الآيات

هذه الآيات الثلاث نتائجها كما قال المصنف: [ هداية الآيات: من هداية الآيات: أولاً: اعتبار الشهادة والأخذ بها إن كانت قائمة على العلم وكان الشاهد أهلاً لذلك بأن كان مسلماً عدلاً ]. الشهادة تعتبر شهادة ويحتفل بها وتقبل إذا كانت قائمة على العلم، وكل شهادة لم تقم على مبدأ العلم وكون الشاهد عدلاً مسلماً فإنها لا تقبل شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ [آل عمران:18]، شهادة الله لأنه العليم بكل الكائنات وهو خالقها، فلم ير من هو أهل لأن يعبد معه فأعلن عن شهادته، شهد الله أنه لا معبود إلا هو، والملائكة يشهدون؛ لأنهم يطوفون بالعوالم كلها، فلو كان هناك من يستحق أن يؤله فيعبد مع الله لعرفوا، فشهدوا والله أنه لا إله إلا الله، وأولوا العلم وعلى رأسهم الرسل والأنبياء والعلماء شهدوا أيضاً، ومن فضيلة شهادتهم أن عطفها الله على شهادته وشهادة ملائكته.قال: (أولوا العلم) والذي لا علم لا قيمة لشهادته، تشهد بأن فلان قال أو فعل وأنت لا تعلم شهادتك باطلة، تشهد وأنت غير عدل ولا مستقيم منحرف معوج لا يوثق في شهادتك.هل تذكرون تلك اللطيفة؟ وهي: أن العلماء اختلفوا هل تقبل شهادة المقلد أو لا تقبل؟قال: سمعت الناس يقولون: لا إله إلا الله فقلت: لا إله إلا الله، ما عندي علم، قد يوجد إله آخر، فهل هذه الشهادة شهادة المقلد تنفع؟ ما تنفع، لا بد وأن يكون بنى شهادته على علم يقيني، وأقل ما يكون: أن نظر إلى الخليقة فوجدها كلها كانت في عدم وأصبحت موجودة، كيف يوجد فيها إله مع الله؟ ينظر فقط إلى المخلوقات العلوية والسفلية هل هناك من خلق سوى الله؟ لا أحد، لا خالق إلا الله، فلا بد إذاً من أن نخرج بشهادتنا من دائرة التقليد الأعمى.ثم ماذا أعطانا الله؟ أن تقول يا عبد الله: أنا لا أقرأ ولا أكتب ولا أستطيع أن أفكر أو أستنتج وأعتبر، أنا حسبي أن ربي شهد فأنا أشهد بشهادة الله، وأن الملائكة شهدوا فأنا أشهد بشهادتهم إذ يستحيل أن يكذبوا، وأن أولوا العلم شهدوا فأنا أشهد بشهادتهم، فهذه في صورة تقليد وفي الواقع والله على علم، فأيما مؤمن يقول: ما دام الله قد شهد أنه لا إله إلا هو والملائكة كذلك وأولوا العلم ومنهم الأنبياء والرسل الكل شهدوا فأنا أشهد بشهادة الله وملائكته وأولي العلم. هذه تنهي التقليد.هل تذكرون تلك اللطيفة؟ أن من أخذ يقرأ سورة آل عمران وانتهى إلى هذه الآيات الثلاث، وقال: وأنا أشهد بما شهد الله به وأستودعك اللهم هذه الشهادة فهي لي عندك وديعة ردها إلي يا ربي يوم القيامة، هذا يجاء يوم القيامة به ويقول: إن عبدي كذا وأنا أحق من يفي أدخلوه الجنة.إذاً: إذا كنت تقرأ سورة آل عمران وانتهيت بالتلاوة إلى قول الله تعالى: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [آل عمران:18] فقل: وأنا أيضاً وأنا أشهد بما شهد الله به، وأستودعك اللهم هذه الشهادة فهي لي عندك يا ربي وديعة؛ يردها الله تعالى إليك يوم القيامة وتدخل الجنة.وقد ذكرت لكم ما روي: أن أحد الطلبة نزل على عالم وسمعه يتلوا هذه الآية ويقول ذلك، فقال: علمني وأطلعني على سرك. فقال: لا أطلعك حتى تمضي عليك سنة وأنت معنا تتعلم، وحبس نفسه عاماً كاملاً، ونحن نعطاها هكذا ولا نبالي؛ لأننا هبطنا، كانوا في علياء السماء ونزلنا إلى الأرض. [ ثانياً: شهادة الله ] تعالى [ أعظم شهادة تثبت بها الشرائع والأحكام وتليها شهادة الملائكة وأولي العلم. ثالثاً: بطلان كل دين بعد الإسلام وكل ملة غير ملته ] وذلك [ لشهادة الله تعالى بذلك في قوله: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ [آل عمران:85] ] أي: ومن يطلب غير الإسلام ديناً يدين به يجزيه به ويثيبه على عبادته فهو باطل. وإن قلت: كيف كان الأولون يدينون به لله ويكرمهم وينعم عليهم ويدخلهم الجنة؟الجواب: أولاً: تلك الأديان وهي اليهودية والنصرانية.. وما إلى ذلك داخلها الفساد بالزيد والنقصان والتقديم والتأخير فبطل مفعولها فلا تنفع.ثانياً: الذي نسخها بهذه الشريعة وأبطل مفعولها وتأثيرها هو الله عز وجل، أوجد في المادة الفلانية فائدة كذا ثم بعد قرون سلبها فأصبحت لا تنفع.وأوضح من هذا: أن الحكومة تسن قانوناً للمواطنين فيلتزمونه ويعملون به، ومن يخطئ يعاقب عليه، ثم تمضي سنوات وتنسخه، ويبقى من يعمل به سوى مجنون أو أحمق. مادة كانت تعمل بها الدولة وبعد عشرين سنة رأت عدم صلاحيتها فنسختها وأبطلتها، فلا يحتج المواطن ويقول: هذا كان دين، كان شرع في الماضي إلا أن يكون مجنوناً إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ [آل عمران:19]، وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85]. [ رابعاً: الخلاف بين أهل العلم والدين يتم عندما يؤثرون الحياة الدنيا على الآخرة فيتورطون في المطاعم والمشارب، ويتشوقون إلى الكراسي والمناصب، ويرغبون في الشرف، يومئذ يختلفون بغياً بينهم وحسداً لبعضهم بعضاً ].سنة الله: الخلاف يقع بين أهل العلم وسببه: البغي والحسد، الطمع في الدنيا، التكالب عليها، يختلفون، هذا يحلل وهذا يحرم، هذه سنة الله عز وجل في خلقه وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ [آل عمران:19]، ففي اليهود من آمن أنه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ومنهم من كفر فاختلفوا، فالذين كفروا كفروا حفاظاً على مناصبهم ومكانتهم بين مواطنيهم وإخوانهم. والنصارى دخل في الإسلام مئات الآلاف من علمائهم واستمر آخرون على النصرانية لأجل المناصب والدنيا.[ خامساً: من أسلم قلبه لله وجوارحه وأصبح وقفاً في حياته على الله فقد اهتدى إلى سبيل النجاة والسلام ].من أسلم وجهه وجوارحه لله، الكل لله، (وأصبح وقفاً في حياته على الله) كلامه لله.. سكوته لله.. أكله لله.. بناءه لله.. هدمه لله، كل حياته لله وقف، من وقف هذا الموقف نجا وسلك سبيل السلام.[ سادساً: من علق قلبه بالحياة الدنيا وأعرض عما يصرفه عنها من العبادات ] لأن العبادات من شأنها أن تصرف عن كثير من أمور الدنيا[ ضل في حياته وسعيه وحسابه على الله وسيلقى جزاءه ] دل على هذا قول الله عز وجل: وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ [آل عمران:20]، تولوا عن دعوة الحق وأعرضوا عنها يريدون الدنيا وما فيها.

تفسير قوله تعالى: (إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين...)

معنا هاتان الآيتان الكريمتان تلاوتهما بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ [آل عمران:21-22]. تأملوا هاتين الآيتين: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ [آل عمران:21] وهم الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر، فبشرهم يا رسولنا بعذاب أليم. والتعقيب: أُوْلَئِكَ [آل عمران:22] البعداء في الخسران والضلال حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ [آل عمران:22] فلم ينتفعوا بها ولم يستفيدوا منها شيئاً وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ [آل عمران:22]، فمن أذله الله من ينصره؟ ومن هزمه الله من ينصره؟تأملوا آيات الله نتدارسها: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ [آل عمران:21] هؤلاء فَبَشِّرْهُمْ [آل عمران:21] يا رسولنا، فَبَشِّرْهُمْ [آل عمران:21] أيها السامع، بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ [آل عمران:21-22] لم ينتفعوا بها وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ [آل عمران:22] لا يوجد لهم من ينصرهم إذا كان الله قد هزمهم وخذلهم وأذلهم. ‏

رواية ابن جرير الطبري في تفسير قوله تعالى: (إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين...)

لكي يتضح معنى الآيتين إليكم الرواية الآتية: أخرجها ابن جرير الطبري في تفسيره فتأملوها يتضح لكم هذا المعنى.قال: [ روى ابن أبي حاتم وابن جرير عن أبي عبيدة رضي الله عنه ] أحد العشرة [ قال أبو عبيدة : قلت: ( يا رسول الله! أي الناس أشد عذاباً يوم القيامة؟ ) ] أبو عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه أحد العشرة المبشرين بالجنة قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا رضي الله عنهم يسألونه، بل كان صلى الله عليه وسلم يفتح لهم المجال للسؤال، قال: قلت: ( يا رسول الله! أي الناس أشد عذاباً يوم القيامة؟ ) لأن العذاب فهم وهو أنه بحسب الجرائم، وهو كذلك، فيعظم ويسهل بحسب الإثم، قال: قلت: ( يا رسول الله! أي الناس أشد عذاباً يوم القيامة؟ ) نستمع إلى جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يتلقاه غضاً طرياً وحياً من الملكوت الأعلى، ماذا أجابه [ قال صلى الله عليه وسلم: ( رجل قتل نبياً ) ] رجل قتل نبياً من الأنبياء، والنبي ذكر من بني آدم أوحي إليه من الله عز وجل، فمن قتل نبياً فهو أشد الناس عذاباً يوم القيامة [ ( أو رجلاً أمر بمعروف ونهى عن منكر وقتل ) ] سواء بين من يقتل نبياً وبين من يقتل غير نبي ولكنه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر [ ( ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية وهي قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [آل عمران:21] ) ] والقسط هو العدل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هو الخير، ثم قال: [ ( يا أبا عبيدة ) ] وجه هذا النداء رسول الله إلى أبي عبيدة [ ( يا أبا عبيدة قتلت بنو إسرائيل ثلاثة وأربعين نبياً أول النهار في ساعة واحدة ) ] بنو إسرائيل في عهد من عهودهم لما هبطوا وآثروا الدنيا عن الآخرة قتلوا ثلاثة وأربعين نبياً في أول النهار في ساعة واحدة، قطعوا رقابهم [ ( فقام مائة وسبعون رجلاً من عباد بني إسرائيل فأمروا من قتلهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر فقتلوا جميعاً من آخر النهار من ذلك اليوم، فهم الذين ذكر الله تعالى ) ].في هذه الآية، أن المائة والسبعون قاموا وقالوا للذين قتلوا الأنبياء: لم تقتلوهم؟ أمروهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر، فقتلوهم عن آخرهم، فتجاوز القتل في ذلك اليوم مائتي نبي وولي من أولياء الله، فلهذا فالآية منطبقة عليهم تمام الانطباق: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [آل عمران:21].

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 291.92 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 285.86 كيلو بايت... تم توفير 6.06 كيلو بايت...بمعدل (2.07%)]