تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) - الصفحة 28 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4412 - عددالزوار : 849962 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3942 - عددالزوار : 386164 )           »          الجوانب الأخلاقية في المعاملات التجارية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 55 )           »          حتّى يكون ابنك متميّزا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 52 )           »          كيف يستثمر الأبناء فراغ الصيف؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 50 )           »          غربة الدين في ممالك المادة والهوى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 59 )           »          أهمية الوقت والتخطيط في حياة الشاب المسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 57 )           »          الإسلام والغرب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 57 )           »          من أساليب تربية الأبناء: تعليمهم مراقبة الله تعالى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 48 )           »          همسة في أذن الآباء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 49 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #271  
قديم 27-10-2020, 09:31 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

سر جلب اتباع رسول الله محبة الله تعالى للعبد
كيف كان اتباع رسول الله يجلب حب الله ويحققه للعبد؟ ما السر في هذه القضية؟إن متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه العقائد والعبادات والآداب والأخلاق من شأنها أن تزكي نفس العبد وتطهر روحه، فإذا زكت روح العبد وطابت وطهرت أحبه الله؛ لأن الله طيب لا يقبل إلا الطيبين، وقد أصدر حكمه على الخليقة كلها بقوله: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا [الشمس:9] أي: نفسه. وتزكية النفس تتم بماذا؟ هل بالماء والصابون؟! يا عبد الله! بم تزكي نفسك؟ زكها بهذه العبادات التي بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم، أدها كما بينها فتنتج بحمد الله زكاة نفسك، وتطيب روحك، وتصبح بين الصالحين طاهر النفس، ويدل على ذلك أنه لا خبث ولا تلوث ولا ظلم، ولا شر ولا فساد؛ لأن النفس طابت وطهرت، فكل ظلم وخبث وشر ناتج عن خبث النفس أولاً. وقد رمز إلى هذا الحبيب صلى الله عليه وسلم إذ قال: ( ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب )، فمحط الطهر والزكاة في القلب والقلب مقر النفس.إذاً: متابعة الحبيب صلى الله عليه وسلم في كل شيء حتى في الخراءة، تبول كما كان يبول رسول الله، تتابعه في كل شيء، فهذه المتابعة تنتج للعبد المتابع بصدق زكاة روحه وطهارتها، ويومها يحبه الله عز وجل، ويصبح من أحباء الله، ومن أحبه الله أسعده والله وما أشقاه؛ إذ كيف يشقي أولياءه؟!
قراءة في تفسير قوله تعالى: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ...) وما بعدها من كتاب أيسر التفاسير

هداية الآيات
قال المؤلف غفر الله لنا وله: [ هداية الآيات] أي: نتائج هاتين الآيتين [ من هداية الآيات: أولاً: محبة العبد للرب تعالى واجبة وإيمان ]، محبتنا نحن لله واجبة علينا، وإنسان لا يحب سيده ملعون يقطع رأسه، فمولاك وسيدك لا تحبه! كيف ذلك وهو يغدق عليك نعمه الليل والنهار؟! فحب الله فريضة على كل مؤمن ومؤمنة. [ محبة العبد للرب تعالى واجبة وإيمان؛ وذلك لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( أحبوا الله لما يغذوكم به من النعم، وأحبوني بحب الله ) ]، أحبوا الله أيها المؤمنون لما يغدق عليكم من الطعام والشراب والأمن والصحة والعافية، وكيف تنسى هذا الإنعام ولا تحب صاحبه؟وقد قلت لكم غير مرة: إذا خلوت بنفسك فضع رأسك بين ركبتيك وتذكر ما أنعم الله به عليك، فلا تلبث لحظات إلا وعيناك تذرفان الدموع وجسدك يرتعد وأنت في شوق إلى الله وحب له، والذي يعيش السنين العديدة ما يذكر لله نعمة كيف يحبه؟ مع أن طبعك يا ابن آدم أنك تعطى كأس اللبن أو الماء فقط وأنت في حاجة إليه فتحب من أعطاك وتثني عليه وتذكره بخير، والذي يغدق عليك نعمه كل لحظة تنساه ولا تحبه؟!والعلة هي الجهل، ما عرفنا الطريق إلى الله، أبعدونا عنه، وإلا فهذا الحديث الصحيح كافٍ شافٍ، يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( أحبوا الله لما يغذوكم به من النعم، وأحبوني أنا بحب الله )، ألستُ رسوله؟ ألست نبيه؟ ألست المبلغ عنه؟ فكيف لا تحبونني؟ أحبوني بحب الله عز وجل، إذا أحببتم سيدكم ومولاكم فأحبوا من يحبه هو، وهذا هو الحب الصحيح: أن نحب ما يحب ربنا ونكره ما يكره.قال: [ ثانياً: محبة الله تعالى للعبد هي غاية ما يسعى إليه أولو العلم في هذه الحياة ]، حب الله غاية نعمل الليل والنهار من أجل أن نفوز بها، أن نصبح من أحباء الله. وقد ادعى اليهود هذه وادعاها النصارى وما فازوا بها، إذ قال تعالى عنهم: وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ [المائدة:18]، العبرة بما قبل هذه الدعوى؛ إذ محبة الله تنتج طاعة الله الكاملة، ومن ادعى حب الله وهو لا يطيعه فهو كاذب لا تصدقوه في دعواه، وقديماً قال الحكيم:تعصي الإله وأنت تزعم حبههذا لعمري في القياس بديعلو كان حبك صادقاً لأطعتهإن المحب لمن يحب مطيعفهيا نعمل على أن نمسي أحباء لله بالنية، عزمنا على ألا نعصي ربنا، فنحن أولياؤه، ونمتحن بأوليائه، إياك أن يراك الله الليل أو غداً تؤذي مؤمناً أو مؤمنة ولو بكلمة! انتبه! أولياء الله يحميهم الله، وأولياؤه يحمونهم أيضاً. [ ثالثاً: طريق الحصول على محبة الله تعالى للعبد هو اتباع النبي محمد صلى الله عليه وسلم بالإيمان بما جاء به، وباتباع شرعه وطاعته في المنشط والمكره، لقول الله تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران:31]، إذ ليس الشأن أن تُحِب وإنما الشأن أن تُحَب ].وقصة مجنون ليلى معروفة، فـمجنون ليلى تائه في الصحاري والأودية والجبال من حب ليلى وهي تكرهه، فماذا استفاد؟ الفائدة: أنك تُحَب لا أن تُحِب فقط، فمن أراد منا أن يحبه الرحمن فليطهر نفسه فقط من أدران الذنوب وأوضارها بالبكاء والتوبة بين يديه فيصبح محبوباً لله.وبقيت زهرة اقتطفناها، وقلنا: هي خير من خمسين ألف ريالاً، حيث قلنا: من منا يعرف أنه محبوب لله؟ لو يجتمع أهل الدنيا والسماء غير الله لا يستطيعون أن يعطوك الجواب، فكيف تعرف أنك محبوب؟ لكن الله عز وجل علمنا، فمن أراد أن يعرف أنه محبوب لله فإنه يعرف، كما في حديث أبي هريرة : ( من عادى لي ولياً )، فقد قال فيه: ( وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل ) بعد الفرائض قطعاً، وما يزال يوماً بعد يوم وعاماً بعد عام ( حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها ). قلت: إذا أصبحت يا أمة الله لا تطيقي أن تسمعي كلمة سوء فاعلمي أنك قبلتِ! وأنت يا عبد الله إذا أصبحت لا تستطيع أن تسمع كلمة من كلمات السوء فكذلك، ابدأ بالأغاني وانته بالغيبة وسب الناس، إذا أصبحت لا تستطيع ولا تقدر على ذلك فاعلم أن سمعك قد ملكه الله فهو لا يستخدمه ضده أبداً، ولا يستخدمه إلا في رضاه.ثانياً: إذا أصبحت لا تستطيع أن تملأ عينيك نظراً إلى ما حرم الله عليك فاعلم أنك قبلت وأنك محبوب، فإن أصحبت تملأ عينيك وتنظر إلى النساء غاديات رائحات مكشوفات ومستورات وتجد لذاذة في ذلك فوالله ما قبلت، وبصرك يستخدمه الشيطان لا الرحمن، فما هو ملك لك الآن! إن أصبحت تشعر كأن اللهب والنار في وجهك لا تقوى على أن تنظر فاعلم أن بصرك مملوك لله، ولا يستخدمه إلا فيما يرضيه ويحبه.أيضاً: يدك التي تبطش بها بطشاً، تختطف الرجل من على صهوة جواده، هذه اليد إذا أصبحت لا تستطيع أن تمدها لتأخذ إبرة من مال مؤمن حرمه الله عليك فاعلم أنها مملوكة لله، ما تقدر أن تلطم بها جسم المؤمن؛ لأنه ولي الله وأنت وليه، فلا تقدر أبداً أن تؤذي بها مؤمناً أو مؤمنة.إذاً: أصبحت اليد ليست لك بل ملكها الله، فهو لا يستخدمها إلا في رضاه، فتستطيع أن تستخدمها وتصفع عدو الله من الكافرين أو الفساق أو الفجار وأنت كالأسد، لكن كونك تنال بها سوءاً من مؤمن أو مؤمنة لا تستطيع، كأنك ألين الناس وأرقهم وأجبنهم.وكذلك رجلك، تستطيع أن تمشي إلى مكة بها حافياً، تمشي بها إلى أبعد المساجد، تمشي بها إلى أبعد المزارات كالأقرباء والمرضى ومن إليهم، وتعجز أن تخطو خطوة واحدة في معصية الله، لا تقدر أبداً، فهنا اعلم أنك ولي الله محبوب له، فزت بحب الله.والمرحلة الثانية: إن سألته أعطاك، والله لا يخيبك، اللهم إلا أن تسأل شيئاً ليس لك فيه خير، فيصرفه عنك ولا يعطيكه ويعطيك عوضه فوق ما تتصور: ( ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض روح عبدي المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته )، آمنا بالله! العبد يكره الموت والله يكره إن يسيء إلى عبده، ولكن لابد منه! هذا هو الحبيب، هذا الرحمن الرحيم، أحبوه بما يغذوكم من النعم يحببكم.قال: [ رابعاً: دعوى محبة الله ورسوله مع مخالفة أمرهما ونهيهما دعوى باطلة، وصاحبها خاسر لا محالة ].

تفسير قوله تعالى: (إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين)
الآن مع هذه الآية العجيبة العظيمة، واسمعوا هذا الإعلان وهذا الخبر، وأنتم تعرفون الأخبار وأخبار لندن تهتزون لها، ولكن هذه أخبار الله التي كلها صدق ومحال أن يصاحبها غير الصدق. اسمع هذا الإعلان: قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ [آل عمران:33]، من أخبر بهذا الخبر؟ إنه الله. وكيف وصلنا هذا؟ من طريق كتابه ورسوله، كتابه الذي أنزله، ورسوله بينه لنا وعلمناه. ‏

بيان ما يسلكه المنحرفون من تحريف الألفاظ القرآنية عن مواضعها
إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ [آل عمران:33]، ومن هو آدم؟ يقول بعضهم: هو السيد أحمد التجاني ! كيف تقول هذا؟ يقول: لأي فائدة يذكر آدم، المراد سيدي أحمد التجاني ! يقول بعضهم مثل هذا لما أعلمناكم من أنهم يحرفون كلام الله، وسبقهم إلى هذا اليهود والنصارى، لا يتركون صفة على حقيقتها أبداً إلا ويؤولون ويحرفون ليبقى الظلام وتبقى الأمة في جهالتها ويسودونها.وها هو السيد واقف يجادلني، قال: كيف تقول في قوله تعالى: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ [الأنعام:74]: إنه أبوه، هذا عمه! قلت: الله يقول: أبوه، وأنت تقول: عمه! قال: نعم. وشاعت عند المفسرين من السيوطي إلى البوطي ، فلِم هذا؟ ما حملني على هذا؟ الله يقول: أبوه، وتقول: لا، قل: عمه! كيف هذا؟ قالوا: هذا جار على لسان لغة العرب، يطلقون العم على الأب، والأب على العم!قلنا له: يا بني! هذه القضية درسناها وعرفناها، من أراد أن يظهر في مظهر عال ويسمو في درجة ليكون الناس دونه فإنه يفتري الكذب ليقبل الناس عليه، لقد قال مفسر: الناس غالطون؛ ليس هذا بأبيه، هذا عمه، إذ كيف يدخل أبوه النار! فيفوز هذا العالم بهذه الشطحات يلتقطها، يأتي بغرائب الألفاظ والمعاني ليظهر في المجتمع، وأحدثكم حديث علم: إن رغبة الآدمي في التفوق والعلو تحمله إذا انفصل عن ولاية الله على أن يفتري ويكذب على الله.

تحريف الشيعة ومخالفتهم النصوص الثابتة
والروافض الشيعة تعرفون عنهم، قالوا: أبو طالب في الجنة، فهو عم الرسول، فكيف يدخل النار؟ ويعلمون هذا نساءهم وأطفالهم: أبو طالب في الجنة! أبو الرسول في الجنة، أم الرسول في الجنة، لِم؟ لأن أهل الحق أهل السنة والجماعة المؤمنون بعلم يعرفون أن أبا الرسول في النار، الرسول أخبر بهذا، قال للرجل: ( أبي وأبوك في النار ) ، وأن أبا طالب في النار، أخبر رسول الله عنه، قال: ( إنه في ضحضاح من نار يغلي منه دماغه )، إذ عرض عليه كلمة التوحيد وهو على سرير الموت فرفض، وقال: هو على ملة عبد المطلب ، فمات على الكفر.إذاً: لكي يفارقون جماعة المسلمين ليعملوا على إعادة مملكة الساسانيين ومجدهم وتاجهم لا بد أن يضعوا في كل مسألة فاصلاً بيننا أهل السنة وبينهم، تتبعناهم فوجدنا كل عبادة فيها فاصل، حتى النكاح، فهم يتناكحون بنكاح المتعة، وأهل السنة والجماعة أعلمهم رسول الله بحرمة هذا النكاح وأعلن هذا في مكة، وأعلنه عمر ، إذاً: لكي ينفصلوا ويتكتلوا وحدهم تزوجوا بنكاح في المتعة حتى في المدينة.فلا توجد عبادة بدون فاصل، يقولون: حتى نخرج من دائرة أهل السنة والجماعة علنا نعود من جديد إلى مملكتنا ودولتنا، هذه هي السياسة، فالوضوء يسمح فيه على رجله، وهل فيكم من يمسح في الوضوء على رجله ويعتبره غسلها، وأنه أطاع الله؟فلا توجد عبادة إلا ووضع أئمتهم فاصلاً لها، هل خوفاً من الله؟ والله ما هو من ذلك، هل رغبة في الجنة؟ العلة: أن توجد تلك الأمة التي هدم عرشها عمر .إذاً: ما عساي أن أقول؟! إن العلماء من النصارى واليهود والمجوس والمسلمين عندما يتورطون في حب الجاه والمنصب يخترعون ويبتدعون ليتفوقوا ويظهروا، ومن جملة هذا اعتقادهم أن آزر هذا عم إبراهيم وليس بأبيه، مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم تحدث بهذا عشرات المرات في القيامة وفي الدنيا، وقال: أبوه، فقالوا: لا. لا، أنت قل: عمه، ما السر؟ حتى لا نقول: أبوه في النار، نقول: في الجنة.

العمل الصالح طريق الفوز والعمل السيئ سبيل الهلاك
والنسب لا قيمة له بالمرة، كن ابن من شئت أو أباً لمن شئت، أو من قبيل أو عشيرة من شئت، فوالله لا عبرة عند الله بالنسب، أما قال تعالى: فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ [المؤمنون:101]، نكذب الله لنؤمن بقول فلان؟!وفي القرآن الكريم أن امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين صالحين فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ [التحريم:10].فأبو إبراهيم آزر كابن نوح كنعان ، هل نفعتهم الأبوة أو البنوة أو النسب؟ ما نفعت، ونحن عندنا الآن علم وبصيرة، فقد عرفنا أن دخول الجنة بزكاة أنفسنا وطهارة أرواحنا، لقد أقسم الجبار بأعظم إقسام: وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا [الشمس:1-8] كم يميناً هذه؟ ثمانية. يقسم تعالى على النفس فيقول: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ [الشمس:9-10] وخسر مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:10]، فهل بقي الآن كلام، هل بقي جدال أو خصومة؟ أيحلف الله ويقسم بأعظم أيمان وإقسامات ويقول: حكمنا بكذا، وتقول: لا! من يقول هذا القول؟ والله ما هي إلا رحمة الله، إن زكيت نفسك يا عبد الله بهذه المواد الطيبة الطاهرة المزكية فزت وإن كنت ابن فرعون، وإن أنت لوثتها وغفلت عنها وشغلتك الدنيا وشهواتها ومت وهي خبيثة فلن تفلح وإن دفنت في البقيع؛ لأن حكم الله صدر: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10]، فمن يراجع؟ هل بلغكم أن الله إذا حكم يعقب على حكمه في هيئة استئناف؟! لقد قال تعالى من سورة الرعد: وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ [الرعد:41]، انتهى الأمر.

ذكر ما فضل الله تعالى به آدم عليه السلام وحسد إبليس له
ونعود إلى آدم عليه السلام، فآدم سمي آدم من الأدمة، والأدمة هو لون بين البياض الصقلبي الروسي وبين السواد، هذه الأدمة، هذا آدم، وهو مخلوق خلقه الله عز وجل من الطين، من التربة، وتخمرت فأصبحت حمأة، ثم يبست فأصبحت صلصالاً، ومن كرامات آدم: أن الله عز وجل خلقه بيديه عز وجل، لا صانع ولا ماء، وهل نعرف يدي الله؟ والله ما نعرفهما، ومستحيل أن نعرفهما، ومن نحن حتى نعرف ذات الله؟!نبينا موسى ما إن تجلى الله تعالى للجبل حتى أغمي عليه وصعق، فكيف تستطيع أن تنظر إلى الله وتعرف ذاته؟! فالله تعالى خلق آدم بيديه ونفخ فيه من روحه، أول روح هي روح آدم من الله عز وجل.وتعرفون كيف أكرمه في دار السلام، وأوجد له عروسه، فزوجه ليست من طين، بل من لحمه ودمه، حواء جدتنا من أين خُلقت؟ من ضلع آدم الأيسر، خرجت وأحبها آدم، وسكن إليها وسكنت إليه، وهما في دار السلام ينعمان بالنعيم الدائم، وإذا بالعدو إبليس، والله ما زنى زانٍ ولا فجر فاجر، ولا كذب كاذب ولا سرق سارق، ولا قتل قاتل، ولا قال سوءاً قائل إلا بنزغته، فكل الشر الذي تشاهده هو علامة وجود إبليس، بعد هذا أيبقى عاقل يقول: أين هو؟ هذا الذي يتشحط في دمه من قتله؟ إنه إبليس، هذا العدو الأصيل.اغتم وكرب وحزن عندما قال تعالى للملائكة بعد أن خلق آدم: اسْجُدُوا لِآدَمَ [البقرة:34]، أي: حيوه بتحية السجود، والركوع والسجود بمعنى واحد، فما كان منهم إلا أن قالوا: الله أكبر وسجدوا. وإبليس كنيته هي أبو مرة، فكل مرارة هو والدها! فحينئذ قال: أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا [الإسراء:61]؟ قال الله تعالى له: اسجد، فقال: لا أسجد؛ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ [ص:76]، قالت العلماء: أساء إبليس في القياس، فقياسه فاسد، ادعى أن النار خير من الطين وهذا خطأ، الطين ينبت البقلاوة والحلاوة والبر والنار ولا تنبت، تحرق كل شيء، فهذا القياس باطل، فلما أبى أبلسه الله وطرده فأخرج من دار السلام.إبليس هذا هو من عالم الجن، والعوالم الأربعة التي أصبحت معرفتها من الضروريات عندنا: عالم الجن، وعالم الملائكة، وعالم الإنس، وعالم الحيوانات، إذاً: إبليس من عالم الجن، وكان يعبد الله مع الملائكة، إذ الاتصال بين الجن والملائكة ثابت، فالجن مخلوقون من النار والملائكة من النور، وما الفرق بين النار والنور إلا أن هذه تحرق وهذه لا تحرق.

مكر إبليس لإخراج آدم وحواء عليهما السلام من الجنة
إذاً: أخبر تعالى عن هذه الحقيقة بقوله: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ [الكهف:50] أطاع، فأبلسه عز وجل وأيأسه.وازداد الكرب بعد الإبلاس والهم، وأراد الإغواء قبل وجود اللاسلكي، فالمؤمنون المحمديون يقولون: أخبر الله تعالى فقط، فلا بد أنه وقع، والجاهلون والمتخبطون قالوا: إبليس دخل في صورة أفعى، ومن يسمح لها أن تدخل الجنة؟ قالوا: بعدما أبلس وأخرج دخل بحيلة. ما هذه الحيلة، قالوا: دخل في صورة أفعى! ويقبل هذا المفسرون والعلماء!لأنهم أبوا أن يقولوا: آمنا بالله، حيث أخبر تعالى أنه اتصل بآدم وحواء في الجنة اتصالاً أراده الله، ولما عجزوا قالوا: دخل في صورة حية، فهل الجنة فيها حيات!والآن يوسوس باللاسلكي، خلق الله في قلب كل مؤمن محطة صالحة للتلقي والإرسال، واقرءوا: مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ [الناس:4-5]، المحطة الموجودة في صدر آدم وحواء، اتصل بهما إبليس بمحطته وراسلهما، وقال: هل أدلكما على شجرة في الجنة إذا أكلتما منها لن تموتا وستخلدا. فآدم تحرج وتردد، وحواء قالت: ها أنا آكل، فالنساء شجاعات إذا كنّ يدلين إلى الهاوية، قالت: ما بي شيء فكل أنت.ولهذا أنصح لكم ألا تستجيبوا لنسائكم إلا إذا كنّ ربانيات صالحات طاهرات، أول امرأة خانت في الدنيا حواء خانت أبانا آدم، أخبر بهذا أبو القاسم صلى الله عليه وسلم.فلما أكلا من الشجرة انكشفت سوأتهما، وقبل كانا مستورين بأنوار الله، ما يخطر ببالهما شيء اسمه فرج ولا شهوة ولا جسم أبداً، سبحان الله! كالطفل الرضيع، طفلك الرضيع هل يعرف شهوة أو لذة أو عورة؟ لا أبداً، غافل تماماً.فكذلك هما كانا في دار الخلد لا يشعران بشيء أبداً، ما إن زلت القدم وسقط الحجاب حتى تاها، أخذا يضعان ورق الشجر على فرجيهما بالفطرة: وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى [طه:121-122].قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ [آل عمران:33] متى؟ بعد أن تاب عليه وهدى، اجتباه، فنبأه وأضفى عليه من الكمالات، ليحمل رسالة الله ويبلغها إلى أبنائه وأبناء أبنائه وأحفاده، فكان ممن اصطفى الله آدم، مع أنه سبقت له زلة لكن تاب، و( التائب من الذنب كمن لا ذنب له ) ، خذوا هذه القاعدة: من تاب من ذنبه أصبح كمن لا ذنب له، والتوبة: هي الإقلاع الفوري عن الزلة والاستغفار والبكاء والعزم على أن لا عود أبداً، فيمحى ذلك الأثر بإذن الله.وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #272  
قديم 27-10-2020, 09:32 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة آل عمران - (8)
الحلقة (149)




تفسير سورة آل عمران (16)

إن الله عز وجل يتفضل على من يشاء من عباده، وينعم على من يشاء من خلقه، ويختص بعض خلقه بالكرامات كما اختص آل عمران وفضلهم واصطفاهم على العالمين، وأكرم مريم بنت عمران فجعل لها ولداً من غير زوج، واختص هذا الولد بالرسالة والنبوة، كما أكرم زكريا عليه السلام بأن وهبه على الكبر يحيى، وجعله سيداً وحصوراً ونبياً كأبيه، فضلاً منه ونعمة والله ذو الفضل العظيم.

تابع تفسير قوله تعالى: (إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران ...)
الحمد لله، نحمده تعالى، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).حقق اللهم رجاءنا، إنك ولينا ولا ولي لنا سواك. آمين.وها نحن مع سورة آل عمران ومع هذه الآيات المباركات الكريمات، والتي سبق أن تلوناها ولنتلها الآن ولنتأمل ولنتدبر ولنتفكر، ولنتذكر بما حملته من أنوار الهداية الإلهية عسى الله أن يهدينا إليه صراطاً مستقيماً.أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ [آل عمران:33-37].

ذكر حادثة نزول آيات خبر عيسى وأمه وبيان عظيم دلالتها
أعيد إلى أذهانكم -معاشر المستمعين والمستمعات- أن وفد نجران المكون من ستين فارساً جاء ليحاج رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن عيسى.ونبينا لا يعرف عن عيسى شيئاً ولا عن أمه ولا عن جدته، عربي في هذه الديار ما تنصر ولا تمجس ولا تهود، ولا قرأ ولا كتب، عاش في مكة.إذاً: هنا أنتم تجادلونني في شأن عيسى، اسمعوا أحدثكم عن جدة عيسى، لا عن عيسى بالذات وأمه، أحدثكم عن جدة عيسى، وبذلك أنا أعلم منكم، وما تحملونه من علوم علوم باطلة مزيفة كلها افتراءات وكذب، استحوا خيراً لكم واخجلوا. وبالفعل ذابوا، من أين لمحمد العربي الأمي أن يحدثهم عن جدة عيسى لا عن عيسى، وعن ولادتها وكفالة ابنتها؟ ومن ثم يقول الله تعالى له: وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ [آل عمران:44]. ما يسعنا يا عقلاء إلا أن نقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.

مكانة آدم عليه السلام في اصطفاء الله تعالى له
اسمعوا هذا الخبر الإلهي العظيم، يقول تعالى مخبراً معلماً: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ [آل عمران:33]. وقد عرفنا الاصطفاء: الاختيار، الاجتباء، الانتقاء، أخذ الصفوة، آدم أبو البشر اصطفاه الله بإفضالات وإنعامات لا يقادر قدرها، وكيف وقد خلقه تعالى بيديه من طين لازب، من حمأ مسنون، ونفخ فيه من روحه عز وجل، ثم أسجد له ملائكته، الملائكة النورانيون، يصدر أمر الله خالقهم إليهم بأن يسجدوا لآدم فيسجدون، ومن تمرد ورفض لم يكن إلا فردا واحدا، ألا وهو إبليس، فقد أبلسه الله من رحمته وأيأسه من الخير، ومسحه مسحاً من كل كمال من كمال الإنس أو الجن. اصطفى آدم، وقد عرفتم كيف فتنه إبليس، وكيف اتصل به، وكان سبب إخراجه من دار السلام وهبوطه إلى الأرض دار البلاء والشقاء: فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ [الأعراف:20]، وقد أخبرنا أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: أن حواء هي التي غررت بزوجها، هي التي بادرت بالأكل من الشجرة، وقالت: انظر آدم ما أصابني شيء. ولنترك هذا، وحسبنا أننا من ذريتهما نعاني الآلام والأتعاب والمحن في دار البلاء والشقاء، آه لو بقينا هناك.وتذكرون حجاج موسى مع آدم، قال موسى الكليم: ( يا آدم! أنت أخرجتنا من الجنة -يلومه- فقال له آدم: أتلومني على شيء كتب عليّ قبل أن أخلق بخمسين ألف سنة؟! فحج آدم موسى ) شاء الله هذا، وقد درسنا وعرفنا يا أهل العلم: أن سر الحياة وعلة الوجود كله أن يذكر الله ويشكر، علة الوجود، سر الحياة بكاملها، بعبارة أوضح: ما علة وجود النار والجنة والسماوات والأرضين، وما أوجد الله فيهما، ما السر؟ أراد الله أن يذكر ويشكر، فخلق هذا الكون وأوجدنا ليسمع ذكرنا ويرى شكرنا، وإلا فإنه يغضب علينا ويسخط ويردينا ويخسرنا في عالم لا نرى فيه طعم الحياة أبداً.

إفضال الله تعالى على نوح عليه السلام وآل إبراهيم وآل عمران باصطفائهم
إذاً: تدبير الله عز وجل، اصطفى آدم واصطفى نوحاً، ونوح من آيات الاصطفاء له: أنه بعثه وأرسله في أمة لا تعرف الله، يعيشون على عبادة الأوثان والأصنام، ومن آلهتهم التي عرفناها ما جاء في سورته عليه السلام، إذ قالوا: لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا [نوح:23]، اثبتوا على عبادة آلهتكم، ولا تسمعوا لهذا الرجل ما يقول.ومن آيات إفضال الله عليه: أن استجاب دعوته في الكافرين فأغرقهم أجمعين: رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا [نوح:26-27]، فأغرق الله البشرية كلها إلا نوحاً ونيفاً وثمانين رجلاً وامرأة، وهم المؤمنون، حملهم في سفينة كان جبريل يعلمه صنعها، فلما نزلت السماء وفاضت الأرض فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ [القمر:12]؛ حمل نوح أهله في السفينة، وابنه وامرأته هلكا معاً.نوح عاش ألف سنة، هذا اجتباء الله واختياره أم لا؟ عمر تسعمائة وخمسين وهو يدعو إلى الله، ونبئ في الأربعين، وحسبه أن من جاء من الأنبياء والرسل من بعده من ذريته، هذا اجتباء واصطفاء الله لنوح، واصطفى آل إبراهيم. من أين لأمي لا يقرأ ولا يكتب أن يحدث علماء النصارى بهذه العلوم والمعارف؟ وآل إبراهيم: ذريته وأتباعه على التوحيد إلى اليوم، أول ذريته إسماعيل، ثم إسحاق ثم أولاده إلى خاتمهم وسيدهم محمد صلى الله عليه وسلم.محمد من آل إبراهيم أم لا؟ من آل إبراهيم، فمنهم الأنبياء والرسل بالألوف، اجتباء الله واختياره لهم، واجتبى آل عمران، وعمران هذا رجل صالح من صلحاء بني إسرائيل، وذريته أهله، حنة امرأته، مريم ابنته، عيسى حفيده، وكل مؤمن صالح من آل عمران في ذلك الزمن.

معنى قوله تعالى: (ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم )
ثم قال تعالى بعدما أخبر عمن اصطفاهم واجتباهم واختارهم، وأهلهم للكمالات الروحية، قال: ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ [آل عمران:34]، يطلق لفظ (الذرية) على الآباء والأولاد، نحن ذرية آدم أم لا؟ وهكذا.هؤلاء الذين اجتباهم ذرية بعضهم من بعض على سمت واحد، على نمط واحد في الإيمان وسلامة القلوب وزكاة الأرواح والعمل الصالح كأنهم جسم واحد: ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ [آل عمران:34]. وَاللَّهُ سَمِيعٌ [آل عمران:34] لأقوال من يقولون، بل لحركات ما تحرك في الكون، الله عز وجل يسمع كل شيء حتى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء.(سميع) وإن أردت أن تعرف سمع الله؛ فهذه الأسماع من خلقها؟ من وهبها؟ من أعطاها؟ أيهبها ويخلقها ويكون أقل منها أو دونها؟ يجب أن يكون لا شبيه لسمعه أبداً، أسماع الخلائق محدودة، سواء أسماع الملائكة أو الجن أو البشر، أما الله عز وجل فسميع لكل حركة في العالمين. عَلِيمٌ [آل عمران:34] لا يجهل شيئاً، لا يخفى عنه شيء من الذرة إلى المجرة، من حملة العرش إلى ملك الموت إلى هذه الخليقة والبشرية: سَمِيعٌ عَلِيمٌ [آل عمران:34] سميع بـحنة ، وعليم بحالها.

تفسير قوله تعالى: (إذ قالت امرأة عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محرراً فتقبل مني ...)
ولنبدأ القصة: قال تعالى: قال تعالى: إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [آل عمران:35].

ذكر قصة امرأة عمران ورغبتها في الولد ودلالتها على عظيم قدرة الله تعالى
قوله: إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ [آل عمران:35] وهي حنة بنت رجل من بني إسرائيل تزوجها عمران ، وكانت لا تلد، والآن يوجد بيننا من يقول: يا شيخ ادع الله لنا أن يرزقنا ولداً. امرأته عقيم وعاقر ما تلد.وحنت إلى الولد وتاقت نفسها واشتاقت والتهب ذاك الشوق لما رأت عصفوراً يزق أفراخه في حديقتها، عصفور يأتي بالطعام أو الماء إلى عش ووكر أولاده أفراخه، ويفتح الفرخ فاه، ويصب فيه العصفور الطعام والشراب، من علم الطير هذا؟ إنه الله تعالى.فليتكلم البلاشفة الحمر والملاحدة الشيوعيون، أهي الطبيعة؟! يا عميان ما هي الطبيعة؟ الطبيعة ذات عقل، ذات إرادة، ذات قدرات، ذات معارف؟! لا.. لا، ما هي؟ تفاعلات كيماوية، هذه هي الطبيعة! وفضحهم الله، انعقد مؤتمر للبلاشفة وحضره علماء الحق، وناقشوهم، وهذه ما بلغت العرب الذين ما زالوا يحبون الشيوعية.ناقشوهم، وأخيراً لما هزموهم قالوا: اسمعوا: إذا لم نقل الطبيعة نقول: الله؟ إذا قلنا: الله قلتم: صلوا، فلن نقولها إذاً، وانكشفت عوراتهم، وتمزقت أوصالهم، والله ما جحدوا وجود الله إلا هروباً من أن يستقيموا على منهج الله، على أن يحلوا ما أحل الله ويحرموا ما حرم الله، أعرفتم هذه الحقيقة أو تشكون فيها؟إن الشمس أكبر من الأرض بمليون ونصف مليون مرة، فهل الطبيعة تكوكب هذا الكوكب النهاري، وتحشوه بالنار الملتهبة، ويعيش القرون العديدة؟ هل الطبيعة تفعل هذا؟ أية طبيعة هذه؟ عمياء، صماء، بكماء، لا عقل لها كيف تبدع وتتفنن؟! وعباد الهوى والشهوات والفروج يجرون وراء هذا حتى لا يعبدوا الله فقط.وإلا فنقول له وهو في بهو جامعة موسكو منبت الإلحاد: قف. يقف، نقول: أنت موجود أو غير موجود؟ فإن قال: غير موجود وأنكر وجوده قلنا: أخرجوه، هذا مجنون، وإن قال: موجود - اسم مفعول - قلنا: من أوجدك؟ هاه لا أدري، إذاً: أوجدك الله يا هذا، أنت ما تعرف؟ تعلم، أوجدك موجد الكون كله، الله جل جلاله، أنت تعرف هذا ولكن تنكر لا تريد أن تعبد الله.

منشأ رغبة امرأة عمران والسبب الداعي لتمني حصول الولد
إذاً: إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ [آل عمران:35] هذه المرأة الصالحة كانت لا تلد وتاقت نفسها وجاش صدرها، لما شاهدت العصفور يغذي أفراخه، رفعت يديها إلى ربها، وقالت: ربّ هب لي من لدنك ذرية، هب لي من لدنك ولداً وأجعله لك، حتى أشعر بالغبطة والسرور والفرح وأنا لا أنتفع به أبداً، نذرته لك يعبدك ولا أستأنس به ولا يخدمني أبداً، المهم أن تطيب نفسي، وأن أحمل ولداً وألد. واستجاب الله لها، وحملت، وقبل أن تلد مات بعلها رحمة الله عليه، وتركها حبلى، مات زوجها، وتمت أيام الحمل وجاء الطلق ووضعت، وإذا بها تضع أنثى، فتتألم لذلك وتتحسر، الأنثى كيف تخدم ربها؟ تريد أن هذا الولد يخدم بيت المقدس، يحرس، يدعو، يربي، ينظف.. كذا، ويعبد الله عز وجل، الأنثى ما تستطيع، محجوبة، هي قالت: رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا [آل عمران:35] خالصاً لك، لا يعمل معي شيئاً، من ساعة ولادته أعطيه غيري، حتى لا أستأنس حتى الأنس به.إذاً: وضعتها أنثى فقالت متحسرة متألمة: رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ [آل عمران:36]، لا أنها تخبره وإنما تتحسر، تتأسف أنها فقدت تلك الأمنية، كانت تريد ذكراً يقوم بالعبادة في المسجد الأقصى، يعلم، يربي، يقوم، يحرس، أما الأنثى فما تستطيع. إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ [آل عمران:35] أي: يا ربّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا [آل عمران:35] أي: خالصاً فَتَقَبَّلْ مِنِّي [آل عمران:35] هذا النذر إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [آل عمران:35]، السميع لقولي العليم بحالي، إذاً: فتقبل مني.

تفسير قوله تعالى: (فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى...)
قال تعالى: فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [آل عمران:36]. ‏

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #273  
قديم 27-10-2020, 09:33 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

ذكر ما ورد على امرأة عمران بظهور المولود أنثى مع قصدها كونه ذكراً لخدمة بيت المقدس
قوله: فَلَمَّا وَضَعَتْهَا [آل عمران:36] ولدت، فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ [آل عمران:36] أي: يا ربّ، إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى [آل عمران:36] فات الغرض، ما وصلت إلى الهدف، كنت أريده ولداً ذكراً يقوم بما يقوم به الرجال، أما المرأة ففي بيتها مقصورة على شغل المنزل، كيف تخدم الله في بيته؟ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى [آل عمران:36]، وهذا من قولها، وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى [آل عمران:36]؛ لأن الأنثى -كما عرفتم- يغمرها الحياء ويسترها، وتعيش في بيتها تنجب البنين والبنات وتربي الأولاد وتعبد الله عز وجل، ما هي بأهل لأن تجاهد ولا لأن تغرس ولا تحصد ولا تزرع ولا تبني، هكذا أوجدها الله لمهمة يعجز الرجال عنها، أم لا يعجزون؟ لو يجتمع الرجال كلهم والله ما أنجبوا ولداً ولا بنتاً، أو يستطيعون؟إذاً: فهذه الكثرة الكاثرة من أين تأتي؟ من بطون الأمهات أم لا؟ أي وظيفة أعظم من هذه؟ وأخرجوها للمصانع والمقاهي والملاعب، يستخدمونها ويقولون: هذا تشريف للمرأة! هم أذلوها وخانوها وأفقدوها كمالها، قالوا: هذه مساواة، ووالله إنها لمكرة اليهود وخديعتهم، وهم يعرفون هذا.إذاً: وليس الذكر كالأنثى فيما تقوم به هي وما يقوم به هو؟ وحنة تريد ولداً يخدم الله في بيت المقدس بيت الله: وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ [آل عمران:36]، ومعنى مريم باللغة العربية الفصيحة: خادمة الله.مريم معناها: خادمة الله، كعبد الله، عبد الله ما هو خادم الله، ويقولون: ماري، يقولون ما شاءوا من لغات مضطربة وداخلها الزيادة والنقص، وحسبنا أن ينطق الله بهذا، لو جاءوا بألف كلمة ما نقبلها، عيسى جاءوا له بأسماء يتخبطون فيها، والله خالق عيسى وأمه قال: وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ [الصف:6]، أقول: هذا يوجد في الأناجيل وعند اليهود، هذه الأسماء محرفة وفيها التقديم والتأخير والسين شين.. وما إلى ذلك، ولا قيمة لهذا، أم له قيمة؟ أيقول الله ونقبل قول فلان وفلانة، أين يُذهب بعقولنا.

تسمية امرأة عمران ابنتها وتعويذها وذريتها بالله من الشيطان الرجيم
قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [آل عمران:36]، تذكرون الحكاية هذه؟ درسناها أربعين سنة، نساؤنا، أمهاتنا، جداتنا، عرفنا هذا وتعرفونه وتجحدون، بمجرد ما يخرج الولد من بطن المرأة: هات الحديدة وضعيها عند رأسه حتى تعوذه من الجن! ما إن يوضع الولد حتى يقال: هات السكينة. ضعوها عند رأسه. هذه المحمدية المسلمة، وهذه اليهودية المؤمنة! انظر الفرق بين هؤلاء وهؤلاء، هذه قالت: وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [آل عمران:36]، والمسلمة الجاهلة: هات الحديدة.. هات السكين ضعيه عند رأسه.إنه الجهل، فلِم نبقى جهالاً؟ أما عندنا نور الله، أما عندنا هداية رسول الله؟ نحن الذين رضينا بهذا الجهل. ويعلقون في عنق الولد خيطاً وفي رأسه حرزاً، وكأن الله لا يعرفونه، ما يسألون الله ولا يتوسلون إليه، لا إله إلا الله، صحيح هذا أو كذب؟ومن قال: ما ندري؛ نقول: هل حكمنا الشرق والغرب واستعمرونا أم لا؟ تنكرون هذا، كيف يستعمروننا ويستغلوننا ويستذلوننا؟ لو كنا كما أراد الله لنا فمستحيل ذلك، وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا [النساء:141] ، لكن هبطنا وأشركنا بالله، عبدنا كل شيء سوى الله عز وجل، عرفنا الكثير ولم نعرف الله، هذا وضع العالم الإسلامي في قرون الظلام من الثامن إلى أمس، ما ننكر هذه الحقائق. هذه الإسرائيلية امرأة رجل صالح، عالمة هذه، هذه نذرت ما في بطنها بعد الشوق والاحتراق إلى الحمل، لما حصل جعلته لله: رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [آل عمران:35]، لما حان الحين ووضعتها ووجدتها أنثى تأسفت وتحسرت؛ لأن الأمل فقد في كونها بنتا وليست بولد، ومع هذا لجأت إلى الله وقالت: ربّ إني أحصنها بك وأحصن ذريتها من الشيطان الرجيم، حتى لا يعبث بها الشيطان أو بولدها فيعبد سواك يا رب العالمين، عرفتم هذه التعويذة؟ واستجاب الله لـحنة فتقبلها ربها، استجاب الله لـحنة فحفظ ابنتها مريم ، وحفظ ابنها عيسى، إذ قالت: وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا [آل عمران:36] هي ما تدري، قالت: ممكن أن تلد بنتي هذه. وولدت عيسى.

أثر تعويذ امرأة عمران ابنتها وذريتها على عيسى عليه السلام
هذا أبو القاسم فداه أبي وأمي والعالم أجمع، يقول صلى الله عليه وسلم: ( ما من مولود ) بصيغة العموم: ( ما من مولود يولد إلا نخس الشيطان في خاصرته فيشهق، إلا ما كان من ابن مريم ) ، عيسى عليه السلام، ما من مولود بمجرد ما يسقط من فرج أمه قبل أن يقع على الأرض، يعلمه ليكون من أتباعه أو من تلامذته، كأنه طابع، ينخسه نخسة، فيشهق الولد، سمعتم هذا أو لا تعرفونه؟ اذهبوا إلى مستشفى الولادة ليعلموكم، ما إن يخرج حتى فيشهق ، لماذا ما زهق أيام كان في بطن أمه؟استجاب الله لهذه المؤمنة الربانية المرأة الصالحة حنة امرأة عمران : ( ما من مولود يولد إلا ينخس الشيطان في خاصرته فيشهق إلا عيسى بن مريم ).

خبر طلب الخليقة من الأنبياء الشفاعة إلى الله تعالى لفصل القضاء ودلالته على امتناع ذرية مريم على الشيطان
وإليكم برهنة أخرى ودليل قاطع من أبي القاسم، ما يقال هذا بالرأي ولا بالهوى:ساعة ما تكون البشرية كلها على صعيد واحد، تنتظر حكم الله فيها إما بالإنعام أو الإشقاء في عرصات القيامة وساحتها، ويطول الموقف، ويطول الزمان، واليوم طويل: فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ [المعارج:4] والله العظيم خمسون ألف سنة! اليوم عند الله في أيامنا هذه بألف سنة، ألف سنة من أيامنا بيوم واحد فقط.الآن نحن أمة محمد لنا يوم ونصف عند الله، من يوم ما وجد نبينا ووجدنا معه إلى الآن يوم ونصف تقريباً فقط، ما كمل يوم ونصف: وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ [الحج:47]، نحن نعد بحساب هذا الكوكب الموجود في هذه القريبة منا.إذاً: فتأتي البشرية إلى آدم: يا آدم! أنت أبو البشر خلقك الله بيديه، ونفخ فيك من روحه، وأسجد لك ملائكته، اشفع لنا عند الله، يفصل بيننا وينهي هذا الموقوف، طال الوقوف. فيعتذر آدم، ويبعثهم إلى نوح فيعتذر نوح، يبعثهم نوح إلى إبراهيم فيعتذر، يبعثهم إلى موسى فيعتذر، يبعثهم إلى عيسى.محل الشاهد: أن آدم يقول: كيف أكلم ربي وقد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله ولا بعده مثله، وأنا نهاني عن أكل شجرة فأكلت، ما عندي وجه أقابل به ربي.نوح يعتذر بهذه الدعوة العامة: أنا دعوت على البشرية كلها بالهلاك، وهذا عيب ما ينبغي، ما أستطيع أن أكلم ربي، أما قال: لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا [نوح:26]؟اذهبوا إلى إبراهيم، إبراهيم قال: أنا كذبت ثلاث كذبات، كيف أكلم ربي؟ كم كذب إبراهيم؟ ثلاثا، نفضح أنفسنا أم لا؟ كم كذب شيخكم؟ والله ما أذكر أني كذبت كذبة، لكن لا شك أنني كذبت، هذه دهور، لكن على علم ما عندي، إذاً: ثلاث كذبات، استحى أن يخاطب الله عز وجل، وكذبات إبراهيم خير من صدقنا نحن، عرفتم أم لا؟ كذباته الثلاث خير من صدقنا؛ لأنه كذب لله لا لهواه ولا لدنياه، ولا لشهوة، كذب من أجل الله. قال لـسارة لما أمر الملك الظالم بإدخالها عليه: إن سألك فقولي أخي. حقاً هو أخوها، وقال: لا يوجد على الأرض إلا أنا وأنت، ولكن اعتبرها كذبة لأنها زوجته.الثانية: لما كاد لجماعة الأصنام وجلس، هيا لتخرج معنا عيد الفصح، نظر نظرة في النجوم وقال: إني سقيم، أنا مريض، تركوه، لما ذهبوا مال إلى أصنامهم وحطمها، هذه الكذبة لمن؟ لله أم لا؟الكذبة الثالثة: لما حاكموه وجاءوا به: قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ * قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا [الأنبياء:62-63]، يشير إلى أصبعه الكبيرة.إذاً: كسر بهواً كاملاً من الأصنام: فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ [الأنبياء:58]، ترك هذا الكبير الإله الأكبر عندهم! فلما جاء التحقيق قال: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنطِقُونَ [الأنبياء:63]، قالوا: لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنطِقُونَ [الأنبياء:65]، إذاً: كيف تعبدونهم وهم لا ينطقون؟والشاهد عندنا: أن إبراهيم قال: ما أستطيع أن أكلم ربي وقد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله ولا بعده مثله، وقد كذبت، عليكم بموسى.يأتون موسى، وما ندري أيأتون في ساعة، في عام، في ألف سنة، يا موسى! أنت كليم الله، أنت رسول الله، اشفع لنا عند الله يقضي بيننا ويحكم فينا، ما أطاقوا الموقف حفاة عراة تغلي أدمغتهم، العرق إلى أفواههم، فيقول: وكيف أخاطب ربي وقد غضب، وأنا قتلت نفساً؟ هل قتله عمدا؟ لا أبداً، لا يؤاخذ عليه، مر باثنين يتقاتلان قبطي وإسرائيلي، فاستغاثه الإسرائيلي: تعال يا موسى. فجاء فضرب بجمع كفه فمات، وأعلن عن توبته: رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [القصص:16]، ولكن يقول: عليكم بعيسى روح الله وكلمته، فيأتون عيسى فلا يذكر سيئة، ما يذكر خطيئة، ما عمل خطيئة، كيف؟ ما عاش ثلاثا وثلاثين سنة، بل عاش ستين سنة، سوف يكمل أيضاً ثلاثين أخرى هذه الأيام، تعرفون أم لا؟ والله ليأتين عيسى ويتمم عمره، يعيش كنبينا ثلاثا وستين سنة؟من أخبرنا بهذا الكلام يا أبناء الإسلام؟ رسول الله، ما هي بأحاديث حسان ولا ضعاف، أحاديث كالمتواترة من أنكرها يكفر، من أخبر رسولنا بهذا؟ لقد تلقاه من علم الله ووحيه، عيسى ما يذكر ذنباً قط، استجابة الله لجدته، انظر إلى هذه البركة، هذه المرأة الصالحة دعت دعوة استجابها الله في بنتها وفي ذريتها، عيسى عليه السلام ما أذنب ذنباً قط، محفوظ بحفظ الله؛ لأن الشيطان لا مجال له أبداً عنده؟ ما يقربه، وكيف حالنا نحن مع الشيطان، كل كذبة، كل سرقة، كل عمل سيء هو منه، لا يمكن أن يوجد عمل باطل على الأرض إلا بدعوة إبليس ودفعه، فمن قاومه ولجأ إلى الله في صدق واستعاذ به ولم يترك ذكر الله أبداً لا يقوى الشيطان عليه، وقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا سلك فجاً سلك الشيطان فجاً غير فجه، تعرفون الفج أم لا؟ الشارع الواسع، أما الضيق فلا يمكن، الواسع لا يمشي معه فيه، يحترق، كيف حصل عمر على هذا؟ بطهارة روحه، ما أصبح الشيطان يجد مكاناً لأن يدخل فيه، تحرقه أنوار قلبه.إذاً: قالت عليها السلام: وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [آل عمران:36]، استجاب الله لها أم لا؟عيسى ما ذكر ذنباً، قال: ( عليكم بمحمد صلى الله عليه وسلم، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أنا لها، أنا لها ) عندي موعد سابق، ما ذكر ذنباً ولا غيره، قال: أنا لها؛ لأن الله أعطاه هذا وعلمه: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا [الإسراء:79]، هذا هو، يحمده عليه أهل الموقف أجمعون، (أنا لها)، قال: ( وآتي فأخر ساجداً تحت العرش فيلهمني ربي محامد أحمد الله بها، وأثني عليه بها، ولا أزال كذلك حتى يقول لي: يامحمد! ارفع رأسك، وسل تعط واشفع تشفع )، فصلوا عليه وسلموا تسليماً.اسمع الصديقة ، تقول لك: في ليلة شاتية من ليالي البرد في المدينة، أيام كان البرد له معناه، ما هناك مكيفات ومدفآت، قالت: ( التمست رسول الله في فراشه فلم أجده -في تلك الليلة الباردة المظلمة- فبحثت عنه فوجدته قد اغتسل بالماء البارد، وهو يصلي ويبكي ودموعه تسيل على الحصير، فقلت: أي رسول الله! وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال: يا عائشة ! أفلا أكون عبداً شكوراً )، اسمع: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفِيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ * وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ [هود:114-115] الآية، حتى قال له: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ [الإسراء:79]، التهجد إزالة الهجود وهو النوم والسكون، نافلة، عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا [الإسراء:79]، بعثه أم لا؟ هو هذا المقام يحمده عليه أهل الموقف كلهم، ثم يأخذ الله عز وجل في فصل القضاء فيكون الميزان والصحف تتطاير وأهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار.

ذكر بعض ما يعاذ به الأطفال من التعويذات النبوية
قالت: وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [آل عمران:36].عرفتم بم نعوذ أطفالنا أم لا؟ بالصالحين؟ بتراب مولاي فلان؟ اسمعوا هذه التعويذة، عوَّذ بها إبراهيم إسماعيل وهو صغير، ووصلت إلى أبي القاسم صلى الله عليه وسلم فعوَّذ بها الحسن والحسين ، ووصلتنا الآن فنعوذ بها أولاد المؤمنين، لكن لا أفتح الباب لكل واحد يأتي بابنه يقول: يا شيخ عوُّذه لي، نعم الآن كل واحد يأتي بالماء والشيخ يرقي، احفظوها وعوذوا بها أولادكم وأولاد المؤمنين: ( أعيذك بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة )، ضع يدك على رأس الغلام أو الفتاة: ( أعيذك بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة ) ثلاث مرات، يحفظ بإذن الله، (أعيذك بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة) الهامة الحيوانات القاتلة، (ومن كل عين لامة)، أي عين هذه؟ عين الحسود التي تدخل الجمل القدر والرجل القبر.( أعيذك بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة ) قال: هذه عوذ بها إبراهيم إسماعيل، وهو يعوذ بها الحسن والحسين ، وعوذوا بها أنتم أولادكم وأولاد المؤمنين.هكذا ضع يدك اليمنى على رأس الغلام وقل: ( أعيذكَ بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة )، وإن كانت بنتاً: ( أعيذكِ بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة )؛ لأنك تخاطب أنثى: (أعيذكِ)، والولد: (أعيذكَ).وأما جمع مجموعة ليرقيهم مرة واحدة فلا، بل كل واحد تضع يدك وترقيه، هذه فكرة جديدة، بعض الطلبة يأتي بكذا إناء ويقرأ عليها مرة واحدة وينفث، أنا ما تطيب نفسي لهذه، كل واحد ترقيه على حدة.

تفسير قوله تعالى: (فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتاً حسناً وكفلها زكريا...)
قال تعالى: فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ [آل عمران:37].قوله: فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ [آل عمران:37] تقبل مريم بِقَبُولٍ حَسَنٍ [آل عمران:37].أولاً: لما ولدتها لفتها في القماطة، والقماطة خرقة بيضاء نظيفة يلف فيها الولد قبلما يكون له ثوب ولا سروال، لفتها في قماطتها وبعثت بها إلى مجتمع صلحاء بني إسرائيل، قالت: هذه نذيرة الله ليس لي فيها شيء، وتنافس الصلحاء من يكفلها لا لأنها تدر عليه الرزق ويحصل على المال بل لإنها يتيمة أبوها مات ما ترك لها شيئاً، فمن يكفلها، تنازعوا كل يقول: أنا، يريد أن يظفر بهذه النذيرة؛ لأنها نذيرة الله لتتربى في بيته، فلما أخذها زكريا استأجر لها ظئراً سنتين على حسابه، استأجر لها مرضعاً عامين كاملين، هكذا يقول ابن عباس ، فلما أراد كل أن يأخذها قالوا: الحل الوحيد القرعة، والقرعة العوام يعرفونها في البدو والحضر وطلبة العلم يعرفونها، وهي: الاستهام، هاتوا أقلامكم، هات يا زكريا قلمك الذي تكتب به. هات يا فلان قلمك، هذه الأقلام ما هي أقلام أدبائنا اليوم ولا أقلام رجالات الصحافة.وقد عثرت اليوم على ورقة على قدر كفي في البيت، ووجدت فيها كاتباً صحافياً جزائرياً يقول: الشيخ الجزائري أثبتوا له التابعية وطرد.وذلك لأنهم لما قال الهابطون الروافض: يا سعودي يا يهودي، ركبنا السيارة، فطلع في السيارة مداح بالدف ومنشد يجمعون الفلوس بالأغاني، وهذه عادة قديمة ما زالت في بلاد العرب.. من مظاهر الهبوط عرفناها يتغنون بسب الملك سعود رحمة الله عليه بنسبته لليهود. أهذه أقلام الإيمان والإسلام؟ أهذه الأقلام لها قيمة؟ لا والله بل أقلام تكتب الباطل والكذب، ونحن أتباع محمد كما تعرفون لا نقول الكلمة حتى نزنها ونقدرها ونعرف أتنفع أم تضر، فإن كانت حقاً تنفع قلناها، وإن كانت تضر والله ما نقولها: ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت )، حدثت بهذه الكلمة ففهموها على العكس وقالوا: الشيخ الجزائري طرد من المملكة وسحبت منه التابعية.. وجدتها في صحيفة. فأين يذهب بنا؟ صلحاء بني إسرائيل علماء ربانيون يتنازعون أيهم يكفل مريم؟ من يفوز بها؟ فلما تنازعوا فيها وكل رغب في أن تكون في بيته ألجأتهم الحال إلى الاقتراع، هاتوا أقلامكم.. وهل أقلامهم كانت تكتب الباطل.. تكتب الشر.. تدعو إلى الفجور إلى الكذب إلى الفتن؟ لا والله، صلحاء، ومن هنا جمعوها وقالوا: نطلقها قلماً بعد قلم، والقلم الذي يقف في الماء ولا يغرقه الماء ذاك الذي يفوز بها صاحبه. أخذوا الأقلام: ارم القلم يدحرجه الماء، ارم القلم يعبث به الماء في النهر، رموا بقلم زكريا فوقف، الله أكبر! خذها يا زكريا. من الذي كفله إياها؟ الله: وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا [آل عمران:37]، قراءة سبعية: (وكفَلَها زكريا) أيضاً؛ لأن زكريا تحته خالتها أخت أمها، زكريا امرأته أخت حنة ، وهذا تدبير الله.

معنى قوله تعالى: (كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً...)
قال تعالى: فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا [آل عمران:37].كبرت وارتفعت وأصبحت تأكل وتشرب وأصبحت تستطيع أن تعبد الله، بعد أربع أو خمس سنين ماذا يصنع زكريا وهي نذيرة لله، فما كان منه إلا أن وضعها في المحراب، المحراب عبارة عن مقصورة لاصقة بالمسجد وبابها مفتوح إلى المسجد ويصعدون إليها بدرجتين أو ثلاث، يتعدد فيها العباد، وضعها هناك تعبد الله عز وجل إذ هي لله لا يحل لها أن تكنس ولا أن تطبخ ولا أن تعطي، مهمتها أن تعبد الله عز وجل.فكان عليه السلام يأتيها بالطعام والشراب من بيته، يدخل عليها فيجد عندها فاكهة الصيف والشتاء، عجب، الآن اختلط الأمر وأصبحت الفواكه في كل وقت، هيأ الله أسبابها، قبل سبعين سنة لا يمكن أن تجد طعام الشتاء في الصيف.المهم: كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا [آل عمران:37] تجيبه قائلة: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [آل عمران:37]، كيف لك هذا؟ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [آل عمران:37]، وتعلل فتقول: إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ [آل عمران:37].رأيت اليوم أحد المفسرين يحاول أن ينكر هذه الحقيقة، قلنا: هذا خبيب مسجون في مكة في بيت امرأة ينتظرون إعدامه خارج الحرم، فكانت المرأة تحلف بالله أنها كانت تجد عنده العنب في الشتاء يأكله، من أين هذا؟ ما هو بنبي، هذا خبيب .ويدل لهذا أن زكريا لما شاهد العجب قال: رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً [آل عمران:38].كان يظن أن سنة الله ما تنخرق، ما دام شيخًا كبيرًا وامرأته عقيم وهو عاقر فما هناك ولد، ولما شاهد العجب: هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ [آل عمران:38].لما شاهد قال: إذاً لله تعالى أن يعطي ما يشاء، لا قيمة للسنن أبداً عند الله، يخرقها ويبطلها.ونترك هذا للدرس القادم إذا عشنا إن شاء الله.وصل اللهم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #274  
قديم 27-10-2020, 09:34 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة آل عمران - (9)
الحلقة (150)




تفسير سورة آل عمران (17)

كان زكريا نبياً من أنبياء الله امتد به العمر ولم يرزقه الله الذرية، وقد كان كفل مريم بنت عمران عليهما السلام ورباها في كنفه، ولما كان يرى الكرامات التي يحف بها الله مريم علم أنه ما من شيء يمنعه من سؤال الله أن يهبه ذرية صالحة، فقام في المحراب متوسلاً إلى الله رافعاً أكف الضراعة، فما برح أن بشرته الملائكة بأن الله وهبه يحيى وجعله سيداً وحصوراً ونبياً من الصالحين.

قراءة في تفسير قوله تعالى: (إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ...) وما بعدها من كتاب أيسر التفاسير
الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سابق عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، حقق اللهم لنا رجاءنا إنك ولينا ولا ولي لنا سواك.أولاً: نسمعكم الآيات التي درسناها ثم نذكر هدايتها، وبعد ذلك ننتقل إلى درس اليوم.لنصغ ونستمع وسوف تلوح لكم أنوار تلك الهداية وتعرفون مصادرها من هذه الآيات التي هي كالكواكب النورانية، تلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ [آل عمران:33-37].درسنا هذا، وعرفنا كيف اصطفى الله آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين، وعرفنا عن حنة أم مريم وكيف تاقت نفسها للولد وكانت لا تلد، فنذرت لربها أن يرزقها ولداً وتجعله له لا تأنس به ولا يخدمها، فتهبه لله يعبد الله، كل ما في الأمر أن تلد ولداً، واستجاب الله، وحملت بـمريم، ومات بعلها عليه السلام وولدت مريم، وسمتها مريم أي: خادمة الله، ما إن وضعتها لفتها في قماطها، ثم بعثت بها إلى صلحاء بني إسرائيل، فأيهم يظفر بأن تتربى هذه النذيرة في بيته، فاختلفوا وتنازعوا كل يريدها، ثم ألهمهم الله رشداً وهو القرعة، ففاز بها زكريا بالقرعة، تدبير الله؛ لأن زكريا تحته خالتها أخت حنة، ففاز بها زكريا، قال تعالى: وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا [آل عمران:37]، زكريا عليه السلام سيأتي ما منَّ الله به عليه.

هداية الآيات
قال المصنف غفر الله لنا وله: [هداية الآيات: من هداية الآيات] أي: التي سمعنا تلاوتها.

إفضال الله تعالى على من يشاء من عباده
قال: [ أولاً: بيان إفضال الله تعالى وإنعامه على من يشاء ] من عباده، فالله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين إفضال وإنعام وإحسان منه، وقد أنعم علينا وأحسن إلينا وآتانا ما لم يؤت غيرنا، إلا أننا ناسون أو غافلون. اذكر ما أفضل الله عليك من الآلاء والنعم لتشكره وتحمده وتقول: الحمد لله.

إثبات عبودية عيسى لله تعالى وحده
قال: [ ثانياً: بيان أن عيسى عليه السلام ليس بابن لله، ولا هو الله، ولا هو ثالث ثلاثة ] كما يعتقد النصارى [ بل هو عبد الله ورسوله، أمه مريم ] عليها السلام [وجدته حنة وجده عمران من بيت شرف وصلاح في بني إسرائيل ].أين فهوم النصارى وعقولهم؟ يسخر منهم اليهود ويستهزئون بهم ويصورون لهم هذا التصوير الباطل؟! عيسى عرفنا أمه، مريم أمه عرفنا أباها وأمها، فكيف يكون ابن الله؟ الذي يقول للشيء: كن فيكون يحتاج إلى ولد؟! أين زوجة الله؟! والتزوج يكون بالتجانس بالجنس، والله ليس كمثله شيء، فكيف تكون له زوجة من البشر؟ أين عقول البشر؟ أين يهبطون؟ الحيوانات تفوقهم وتعلو فوقهم، يسخر منهم اليهود، انتقموا منهم فحولوهم إلى وثنيين مشركين يعيشون على عقيدة يسخر منها الإنس والجن.

استجابة الله تعالى لدعاء أوليائه
قال: [ ثالثاً: استجابة الله تعالى لدعاء أوليائه ] أولياء الله إذا رفعوا أكفهم إليه والله لا يردها صفرًا خائبة أبداً[ استجابة الله تعالى لدعاء أوليائه كما استجاب لـحنة ورزقها الولد، وأعاذ بنتها وولدها من الشيطان الرجيم ].أما قالت: أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [آل عمران:36]؟! فحفظ الله مريم حفظاً لا نظير له.واذكروا لما جاء جبريل يريد أن ينفخ في كمها: قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنتَ تَقِيًّا * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا * قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا [مريم:18-20]، هذه العذراء البتول، هذه مريم خادمة الله حفظها الله من أن تذنب ذنباً بدعوة حنة أمها، وولدها عيسى كما علمتم لم يقارف ذنباً قط، حفظ من؟ حفظ الله، وفي هذا يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: ( ما من مولود يلد أو يولد إلا ينخس الشيطان في خاصرته إلا ما كان من ابن مريم )، استجابة الله لها.

مشروعية النذر واختصاصه بالله تعالى
قال: [رابعاً: مشروعية النذر لله تعالى، وهو التزام المؤمن الطاعة تقرباً إلى الله تعالى ].النذر مشروع لكن لمن؟ ليس لسيدي عبد القادر .. مولاي إدريس.. رجال البلاد.. سيدي إبراهيم، لمن النذر؟ لله، إخوانكم وآباؤكم وأجدادكم طيلة خمسة قرون أو ستة ما يعرفون النذر لله، ينذرون للأولياء والصالحين، يا سيدي فلان إذا ولدت امرأتي ولداً أفعل لك كذا وكذا، كأنهم لا يعرفون الله، إيه ما يعرفون، من عرفهم بالله؟ سلوهم، هل جلسوا جلسة كهذه؟ والله ما كان، من أين يتعلمون؟ أيوحى إليهم؟ أهملهم الحكام والمسئولون وأضاعهم العلماء فتاهوا في أودية الضلال، فهم ينذرون لغير الله، لمن نذرت حنة لله وإلا لسيدها إبراهيم أو جدها إسحاق أو يعقوب؟ لمن نذرت؟ لله، إني نذرت لله، النذر أصله تملق وتزلف إلى الله عز وجل، لله علي أن أصوم هذا الشهر بكامله، لم؟ ليحبني ليرضى عني ليقضي حاجتي، لله علي ألا أنام بعد هذه الليلة أسبوعاً كاملاً أعبد الله في الليل، لم أتيت بهذا النذر يا عبد الله؟ أتزلف إلى الله، أتقرب إليه ليحبني ويرضى عني ويحقق ولايتي، أما أن ينذروا لسيدي فلان وفلان يشركون بالله غيره في عبادته وتتعلق قلوبهم بغير ربهم؛ فما السبب؟الجهل، ما درسنا كتاب الله، نقرؤه على الموتى فقط، ما درسنا سنة رسول الله، نقرؤها للتبرك بها لا للعلم ولا للعمل، طيلة ثمانمائة سنة تقريباً، كيف نعلم؟ وإلى الآن هل أفقنا؟ هل صحونا؟ مررنا الآن بقرب المسجد والأولاد يلعبون والأطفال والصياح بالألاعيب كأننا في لندن أو في تشيكوسلوفاكيا؛ لأن أولئك أولادهم ونساؤهم وأطفالهم لا يعرفون الله، آيسون قانطون، إذا فرغوا من العمل أو جاء يوم الراحة ماذا يصنعون؟ يذكرون الله؟ ما عرفوه، ماذا يصنعون؟ يلعبون على البغال والحمير والصياح والضجيج، هذه حالهم، فهل نكون نحن مثلهم؟نحن ننادي بأعلى أصواتنا: أيها المسلمون إذا دقت الساعة السادسة ائتوا بنسائكم وأطفالكم إلى بيوت ربكم، وتعلموا الكتاب والحكمة؛ لأنكم أمة ممتازة تتأهلون إلى السماء واختراقها للنزول بدار السلام، لستم كاليهود ولا النصارى ولا المشركين، ولكن كما قال الشاعر:لقد أسمعت لو ناديت حياًولكن لا حياة لمن تنادينحن ربانيون أولياء الله، إذا فرغنا من العمل الدنيوي الضروري للإبقاء على حياتنا نفزع إلى بيوت ربنا نناجيه نتملقه نتعلم الهدى والسير إليه، فيقل الشر والشره والطمع والتكالب على الدنيا والأوساخ والقاذورات والجرائم والموبقات، قالوا بلسان الحال: لا لا. دعنا نلعب ونفرفش.أنا أبكي من هذه البربرية، والله الذي لا إله غيره لن يستقيم أمر هذه الأمة إلا أن تعود إلى هذا المنهج المحمدي، يوم ملكت كل شيء، لن تطيب ولن تطهر ولن تصفو ولن تكمل ولن تسود ولن تسعد إلا أن تعود إلى منهج الله عز وجل، تملك ما تملك وتزداد بعداً عن الله وهبوطاً إلى الحضيض، هل سنة الله تتبدل؟ هل أصبح الطعام لا يشبع، تغيرت السنة؟ لا والله، أصبحت النار ما تحرق؟ تبدلت سنة الله؟ أصبح الحديد لا يقطع؟ مستحيل، إذاً: فلن تصفو النفوس ولن تزكو الأرواح إلا على الكتاب والحكمة، كيف نتلقى هذا؟ نتلقاه في بيوت الله من أولياء الله، إعراض هكذا هيهات هيهات أن تكمل هذه الأمة أو تسعد وهي كل يوم تهبط إلى الحضيض، والفتن تغشاها وتحل ديارها في الشرق والغرب، متى نفيق؟

فضل الذكر على الأنثى في النهوض بالأعمال والواجبات
قال: [ خامساً: بيان فضل الذكر على الأنثى في باب النهوض بالأعمال والواجبات ]. تأسفت وتحسرت حنة : رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ [آل عمران:36] هي لا تخبر الله، والله أعلم بما وضعت، ولكن متحسرة: وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى [آل عمران:36] ماذا تشغل هذه البنت؟ أرادت رجلاً يجاهد يؤم الناس يهدي البشرية، على الأقل يصلح المسجد المقدس، لكن البنت ماذا تصنع؟ تتكلم مع الرجال حرام، كيف تعمل؟ عرفت الحقيقة أم لا؟ ليس الذكر كالأنثى في باب التكاليف والنهوض بالواجبات والقيام بالدعوة إلى الله، هذا وجه تحسرها؛ فلهذا في هذه الآية بيان فضل الذكر على الأنثى في باب النهوض بالأعمال والتكاليف والواجبات.

جواز التأسف على فوات الخير
قال: [ سادساً: جواز التحسر والتأسف ] كما تشاهدون نتأسف ونتحسر ونبكي، جائز [ جواز التحسر والتأسف لما يفوت العبد من الخير الذي كان يأمله ].ويرجوه ويريد أن يحققه، تأسفت حنة وتحسرت أم لا؟ كانت ترجو أن يكون في بطنها ذكر فإذا به أنثى.

إثبات كرامات الأولياء
قال: [ سابعاً: ثبوت كرامات الأولياء كما تم لـمريم في محرابها ].كرامات الأولياء من يكرمهم بها؟ الله وليهم ومولاهم يعطيهم العجائب، مريم في المقصورة في المحراب في المسجد يدخل زكريا بطعامها يجد الملائكة سبقته فبين يديها الطعام والشراب، أَنَّى لَكِ هَذَا [آل عمران:37] يا مريم، هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [آل عمران:37].جيش محمد صلى الله عليه وسلم في سرية سيف البحر خرجوا بمائة من التمر فأصبح قائدهم يوزع عليهم تمرة تمرة في كل يوم، يلوكونها ساعة يمتصونها وتبقى النواة في أفواههم، ورفعوا أيديهم فرمى الله تعالى إليهم بحوت لم تر الدنيا مثله على ساحل البحر، أخذوا يأكلون اللحم ويستظلون تحت عظامه، آية الله وكرامته.و خبيب مسجون في بيت بمكة أيامًا، المشركون حكموا عليه بالموت، قالوا لامرأة: اتركيه عندك حتى نأخذه يوم يجتمع الناس، تدخل على خبيب فتجده يأكل العنب في الشتاء، عجب هذا، خبيب استشهد أم لا؟ صلبوه، قتلوه على الأعواد خارج الحرم، لما وضعوه على الأعواد جاءه رئيس مكة أبو سفيان رضي الله عنه في ذلك الوقت فقال: اذكر محمدًا فقط هنا بسوء، سبه الآن نطلقك، اذكر آلهتنا فقط والناس يتفرجون ويسمعون، اذكرها بخير الآن نطلقك لتعود إلى أهلك، قال: لا أحب أن يشاك محمد بشوكة وتطلقونني، قال: إذاً اسمحوا لي أن أصلي ركعتين أودع الحياة، فقالوا صل، لو كان جماعتكم اليوم أيها العرب والله ما يسمحون له، إلا من رحم الله، نعم في ديارنا هذه، بل يطلبون منه أن يصلي أولاً والحمد لله. صلى ركعتين وما أطال، خفف، لم؟ قال: خشيت أن تقولوا: خوفاً من الموت يطول في الصلاة، ولولا هذا القول لكنت مددتها؛ لأني أناجي ربي.إذاً: [ثبوت كرامات الأولياء كما تم ] ذلك [ لمريم عليها السلام في محرابها].

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #275  
قديم 27-10-2020, 09:34 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

تقرير نبوة محمد صلى الله عليه وسلم
قال: [ ثامناً: تقرير نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ] إثباتها وتقريرها [ إذ مثل هذه القصص لا يتأتى لأمي أن يقصه إلا أن يكون رسولاً يوحى إليه ].مستحيل أن يتكلم عربي في مكة أو في يثرب أو في أي مكان عن تاريخ بني إسرائيل قبل سبعمائة سنة، ثم لا يستطيع يهودي ولا نصراني أن يرد كلمة، كيف يتم هذا؟ ممكن؟ مستحيل، إلا أن يكون وحي الله ينزل عليه، أو ما فهمتم هذا؟كيف عرفت أن محمداً رسول الله؟ كيف شهدت على أنه رسول الله؟ بماذا؟ كيف يتحدث بهذه الأنباء، بهذه الأخبار الصادقة؟ من أين تأتيه؟ لولا أنه وحي الله يوحى إليه، أكبر آية على نبوته صلى الله عليه وسلم، والله قال: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ [يوسف:3]، وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ [هود:120]؛ فلهذا قلنا: تقرير نبوة محمد صلى الله عليه وسلم؛ إذ مثل هذا القصص لا يتأتى لأمي لا يقرأ ولا يكتب أن يقصه إلا أن يكون رسولاً يوحى إليه. [ ولهذا ختمه بقوله: ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ [آل عمران: 44]. ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ [آل عمران:44] أخبار الغيب العظيمة، نُوحِيهِ إِلَيْكَ [آل عمران:44]، قولوا: آمنا بالله.

تفسير قوله تعالى: (هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة...)
الآن مع هذه الآيات الأربع التي نريد دراستها إن شاء الله، إليكم تلاوتها وتأملوا؛ لأنكم تدرسون كتاب الله والرحمة قد غشيتكم، يقول تعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ * فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ * قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ * قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ [آل عمران:38-41].قوله: هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ [آل عمران:38]، بعض طلبة العلم يقولون: الشيخ لا يأتي بالتجويد، والتجويد لا يدع العوام يفهمون وهو ليس بفريضة. ومقولة: (من لم يجود القرآن آثم) ما قالها رسول الله ولا مالك بن أنس، ولكن معناها: اللحن في كلام الله حرام، (سبحانه) يقول: سبحان، حرام عليه، لكن إذا نطق بالآيات كما هي على لغة العرب واضحة بينة فلا حرج أبداً؛ لأن بعض الطلاب قد يقولون: الشيخ لا يجود القرآن، فقطعنا عليهم الطريق فنحن نريد البيان والإفهام والتعليم.

ذكر سبب دعوة زكريا وطلبه من الله الولد
هُنَالِكَ [آل عمران:38] أين هذا؟ الله أكبر! لما وجد زكريا مريم تأكل فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء: أين الفواكه في هذا الصيف؟ قالت: من عند الله، قال: إذاً: ما هناك مستحيل على الله، أنا كبير السن وامرأتي عاقر يعطيني إذاً، أليس قادرًا على أن يوقف السنن أم لا؟أما أوقف النار على إبراهيم، نار أججت أكثر من أربعين يوماً حتى علت السماء، ومع هذا لما صدر أمر الله: يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ [الأنبياء:69]، لولا قوله: وَسَلامًا [الأنبياء:69] لمات بالثلج، لتحولت إلى ثلج كامل، أبطل هذه السنة أم لا؟ الحديد يقطع، وضع على عنق إسماعيل فهل قطع؟ ما قطع، أوقفه الله عز وجل.إذاً: هنالك تنبه زكريا وهو رسول الله ونبيه، عرف أنه كبر سنه وامرأته عقيم وهو عاقر، لكن لما شاهد أن السنن أوقفها الذي وضعها هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ [آل عمران:38] سأله: رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ [آل عمران:38].

توسل زكريا عليه السلام بأسماء الله تعالى وصفاته
توسل إلى الله بماذا؟ بسيدي يعقوب.. بنبي الله إسحاق؟ توسل بماذا؟ توسل بأسماء الله وصفاته إذ قال: إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ [آل عمران:38]، تملقه بذكر هذه الصفة له، ما قال: رب هب لي من لدنك ذرية طيبة بجاه نبيك وخليلك إبراهيم وهو جده.ونحن من أين جاءنا بجاه السيد فلان؟ من الثالوث؛ ليصرفونا عن التوسل النافع ويحملونا على توسلات باطلة، لو تبقى طول حياتك: اللهم إني أسألك بجاه فلان، أعطني بحق فلان، الملائكة تسخر منك، بهلول أنت؟! تطالب بماذا؟ ما تعطى بهذه التوسلات، تعلم كيف تتوسل إلى الله، قم في آخر الليل واغتسل والجو بارد وابك بين يدي الله وصل واطلب تعط، أما أن تقول: أعطني بحق فلان فبمن تستهزئ؟يروى عن أبي حنيفة النعمان رحمه الله: أن هذا من الكفر، والذي يتأمل وكل واع يفهم، بدل أن تقول: اللهم إني أسألك من فضلك.. من جودك.. من كرمك، يا أكرم الأكرمين يا أرحم الراحمين يا رب العالمين أعطني كذا؛ تقول: أعطني بحق فلان عليك! أعوذ بالله، من هذا الذي له حق على الله؟ في الملكوت الأعلى وفي الأرض هل هناك من له حق على الله، وما تستحي أن تقول له: إذا لم تعطني أنت أعطني من حق فلان؟ أعوذ بالله، فهمتم هذا أم لا؟ علماء في هذه الأمة لما هبطت يعتقدون هذا الاعتقاد، أعطني بحق فلان، أوما فهمتم؟أليس من الأدب أن تقول: أعطني من فضلك أم لا؟ من إحسانك يا رب.. من جودك.. من كرمك، أما أن تقول: أسألك بحق فلان؛ فالمعنى باللغة العامية: إذا لم تعطني من عندك أعطني من حق فلان عليك، هذا يواجه به الله؟! يمسخ العبد ويكفر، ومع هذا يفعل ذلك الناس، إلى الآن ما زالوا غافلين ونائمين.بم توسل زكريا؟ بقوله: إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ [آل عمران:38] وقد دعوتك وأنت السميع فأعطني.

تفسير قوله تعالى: (فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى ...)
قال تعالى: فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ [آل عمران:39] نادته الملائكة بصوتها وسمعه وفهمه؛ لأنهم نادوه بلغته التي يعيش عليها بين أمه وأبيه، الملائكة نادته وهو أين؟ في المقهى.. على سرير النوم؟ وهو قائم يفعل ماذا؟ يصلي، أين؟ أمام الناس؟ لا، في المقصورة؛ لأن المحراب في لغة بني إسرائيل البيت الملتصق بالمسجد، انتبهتم؟ غرفة يصعد إليها بدرجتين عند المسجد تابعة له، يتعبد فيها المتعبدون. فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ [آل عمران:39]، ماذا قالت له؟ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى [آل عمران:39].أول اسم وضع في الدنيا، لم تسمع البشرية باسم يحيى هذا الأول وسموا أنتم بعده، يحيا لا يموت، فيه معنى الحياة، أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى [آل عمران:39] والبشارة الكلمة السارة المفرحة التي يتهلل لها البشر بالوجه والطلاقة. ‏

معنى قوله تعالى: (مصدقاً بكلمة من الله)
يبشر بماذا؟ بيحيى، ما وصفه؟ مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ [آل عمران:39]مصدقاً، هو يصدق بكلمة من الله قد أنكرها غيره وهي عيسى عليه السلام، عيسى من أسمائه: كلمة الله، لم سمي: كلمة الله؟ لأنه وجد على غير سنن الولادة في البشر، وجد بكلمة الله: (كن) فكان، فسمي عيسى بكلمة الله، يحيى يكبر إن شاء الله ويولد عيسى من مريم وينكر اليهود كلهم ويكذبون ويقولون: زانية، وهو يصدق به، بشارة قبل أن تقع الأسباب كلها.

معنى قوله تعالى: (وسيداً)
قوله: أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا [آل عمران:39] ويكون سيد الناس. هل سيد يملك الناس؟ ما معنى سيد؟ (سيداً) معناها: أنه يدعو إلى الله، يهدي البشرية، يزكي أرواحها، يهذب أخلاقها، يساعد على طيبة الحياة وسعادتها بدعوته وكماله، إذ علمنا رسولنا صلى الله عليه وسلم بأن من خدمك فقد ساد عليك فقال: ( خادم القوم سيدهم )، من سيدنا؟ خادمنا، لم؟ لأننا احتجنا إليه وافتقرناه وعجزنا وهو يسقينا ويطعمنا، ويوقف السيارة لنا عند بابنا، أصبح سيدنا أم لا؟ أحببنا أم كرهنا.ومن هنا قيل لأحد الأعراب في قبيلة من القبائل: بم ساد فيكم فلان يا بني عوف.. يا بني خالد.. بم ساد فيكم فلان وأصبح سيدكم؟ قال: احتجنا إليه واستغنى عنا. وهذا هو السيد، أليس الله هو السيد؟ ( إنما السيد الله )، ما وجه ذلك؟ الخليقة كلها مفتقرة إليه وهو مستغن عنها غنى مطلقاً، ساد أم لا؟ سيد القوم خادمهم، من وضع هذه القاعدة؟ رسول الله، سيد الحكماء وأستاذهم، أوما فهمتم هذه؟الذي يخدمك هو سيدك، فلهذا تطلق على العبد: سيدي خادمي، الله أكبر! إذاً: كيف ساد بني إسرائيل؟ بالدعوة والإصلاح والخدمة لوجه الله تعالى، ما هو كسول ولا جهول ولا ظالم ولا طماع يأكل أموال الناس، عرفتم؟ بشره بأنه سيد.

معنى قوله تعالى: (وحصوراً)
قوله: وَسَيِّدًا وَحَصُورًا [آل عمران:39] عازفاً عن شهوات النساء والقاذورات وأوساخها، وليس معناه أنه لا يأتي النساء، بل معصوماً ما يتلقاه ويقع فيه عامة الناس. ولهذا قال المفسرون في الحصور أقوالاً كثيرة: منها: أنه كان معصوماً من الفواحش والقاذورات، وهو كذلك، وليس معنى ذلك أنه ممنوع من تزوج النساء للإنجاب والزواج الحلال. وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ [آل عمران:39]نبياً ينبئه الله وهو نبي ورسول أيضاً.وهل تسمعون عن عجائب بني عمكم اليهود؟ قتلوا زكريا وقتلوا يحيى، شهيدان، والعرب والحمد لله ما قتلوا نبياً، والله ما قتلوا نبياً، وأما اليهود فورد أن زكريا ويحيى قتلوهما وعيسى ادعوا أنهم صلبوه. لما حاصرته الشرطة ليخرجوه ما خرج، دخل قائد الشرطة فألقى الله تعالى عليه شبه عيسى كأنه هو، فاقتحموا وأخذوه وقيدوه باليدين وخرجوا به، وعيسى رفعه الله من الروزنة، وصلبوا رئيس شرطتهم، والذي يشك يسأل النصارى: الصليب في أعناقهم لماذا؟ وهذه من المهازل! إله رب يصلب ويقتل ويعلق صليبه في عنقه، مجانين هؤلاء، عميان هؤلاء، ماذا أصابهم؟ الناس يعبدون حجرة لينتفعوا بها مثلاً، أما هذا فمصلوب مقتول ويعطيك ويمنعك من الشر؟ أين يذهب بعقلك؟ من فعل هذا بالنصارى؟ بنو عمنا اليهود، حولوهم إلى وثنيين، ما إن انتشرت دعوة عيسى في الحواريين وخرجت من فلسطين إلى ضفاف شرق أوروبا ودخلت في بلاد الروم، سبعين سنة فقط عبد النصارى الله عبادة شرعية ربانية، ما إن انتهت السبعين حتى جاء أكبر قس شيطاني يهودي وادعى النصرانية ودخل معهم وأفسد عليهم دينهم، وفعلوا هذا بنا، بدل ما كنا على مذهب رسول الله وأصحابه أصبحنا مذاهب، كنا جماعة واحدة فأصبحنا جماعات، كنا دولة واحدة فأصبحنا دويلات، من فعل هذا؟ اليهود، لم تعملون هذا يا بني عمنا؟ لأنكم سلبتمونا السيادة والقيادة وفزتم بها، لن نسمح بها، هذا لنا ليس لكم، نجحوا أم لا؟ أما أوجدوا دولة بني إسرائيل وها نحن نعترف بها أم لا؟ نجحوا أم لا؟ نجحوا، ولولا حماية الله لكنا الآن تحت أرجلهم، وهم قادرون على هذا لأننا نحن مرضنا وهبطنا، نسينا الله وما عرفناه، أما ننزل إلى الأولياء والقبور؟ يكفي، لا إله إلا الله، من حول القرآن عن هذه المجالس الربانية إلى الموتى؟ أصابعهم وتخطيطاتهم.

معنى قوله تعالى: (ونبياً من الصالحين)
قال: وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ [آل عمران:39].نبي ومن الصالحين أيضاً، هذه بشرى لكم، من هم الصالحون؟ موكب من أربعة مواكب هو الأخير في آية من سورة النساء، يقول تعالى: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا [النساء:69]، كم موكبًا؟ أربعة، هناك موكب خامس؟ لا، نبي صديق شهيد صالح، قال أهل العلم: أتدرون من الصالح؟ الصالح من أدى حقوق الله كاملة لم يبخس منها حقا ولم ينقصه، وأدى حقوق العباد كذلك كاملة لم يبخس ولم ينقص، ذلكم العبد الصالح، والذي ينقص حقوق الله ويسرقها ويعبث بها لن يكون صالحاً، والذي يأخذ حقوق الناس ولا يعترف بها لن يكون صالحاً، الصالح: من أدى حقوق الله وحقوق عباده، ما نقص منها ولا بخس، ذلكم العبد الصالح، اللهم اجعلنا منهم.

تفسير قوله تعالى: (قال رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر...)
قال تعالى: قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ [آل عمران:40] تجاوز الثمانين أو المائة. وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ [آل عمران:40] والعقر هو القطع، عقر الناقة، كأن التي ما تلد قطعت رحمها، أصبحت عاقرًا، عقرته فهي عاقر، عقر الناقة: قطع عنقها.إذاً: كيف قال زكريا هذا؟تقول الأخبار السليمة الصحيحة: لما بشرته الملائكة وهو يصلي جاءه أبو مرة، تعرفونه؟ إبليس: إيه يا زكريا! هذا الشيطان يضحك عليك، ويبشرك بغلام كذا وكذا وأنت شيخ كبير وامرأتك عاقر، أين يذهب بعقلك يا زكريا؟ يفعل إبليس هذا أم لا؟ أو ما يستطيع؟ أما فعله مع الخليل أبي الأنبياء إبراهيم؟ لم ترمون الجمرات الثلاث؟ تلك مواقفه، لما رأى إبراهيم الرؤيا بأن يذبح إسماعيل تقرباً إلى الله وتزلفاً، وخرج به استقبله في جمرة العقبة: أين تذهب يا إبراهيم؟ تذهب بهذا الطفل تذبحه! حاشا لله أن يأمرك بهذا، ما حاجة الله بذبح هذا الطفل أو الغلام، أمه تتحسر في بيتها، كيف هذا؟ وعرف إبراهيم فرجم الشيطان، ثم مشى كيلو متر: يا إبراهيم! أين يذهب بعقلك؟ تذبح ولدك؟ الله بحاجة إليه؟ راجع نفسك، هذه رؤيا منامية من الشيطان. فرجمه، حتى الجمرة الثالثة تعرفونها أم لا؟ ثم آيس إبليس قنط، وعرف أن إبراهيم صَلْب، وبالفعل تله للجبين ليذبحه، وإذا بنداء الله: يا إبراهيم قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ [الصافات:105]، وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ [الصافات:107]، كبش لم تر الدنيا نظيره، اترك هذا وخذ هذا.فلا عجب أن الشيطان جاء لزكريا يفتنه: هذا الذي ناداك شيطان فقط، أو جان من الجن، أبداً ما هو بملك، من أين الملك؟ كيف هذا؟إذاً: هنا قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ [آل عمران:40]، هو راجع ربه في ندائه ومناجاته.

تفسير قوله تعالى: (قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزاً...)
قال تعالى: قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً [آل عمران:41] أعطني آية وعلامة كالشمس حتى أحرج العدو الذي يكذبني اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ [آل عمران:41]، لن تستطيع أن تتكلم، ثلاثة أيام وهو يرمز، وذكر الله على لسانه أعلى من صوته، لا إله إلا الله! يذكر الله: سبحان الله، الحمد لله، لا إله إلا الله، الله أكبر، رب اغفر لي، رب ارحمني، ويعجز أن يقول: يا أم فلان أعطيني الماء، والله ما يقدر، سبحان الله! ليس هناك علامة وآية أكثر من هذه آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ [آل عمران:41] سوياً، في آية مريم: ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا [مريم:10]، انتبهتم؟ إِلَّا رَمْزًا [آل عمران:41] يرمز بيده وبرأسه كذا كذا فيفهمون عنه، وذكر الله ما ينساه؛ ولهذا قال العلماء: ذكر الله غذاء الأرواح، ما يستغني عنه ذو إيمان أبداً، ولو كان الله يرخص في شيء لرخص فيه لزكريا، وأعظم من هذا عندما تلتقي الصفوف وتقتحم خيل الله جيوش العدو في نفس الوقت الذكر لا يجوز السكوت عنه؛ فلهذا لا يجوز السكوت عن ذكر الله إلا في حالة واحدة والعبد على كرسي المرحاض يتغوط فقط، أما حين يمشي في السوق.. في الطيارة.. يسوق السيارة.. يأكل دائماً يذكر الله، إلا في حال التبرز والتغوط يسكت، وانظر كيف أذن له أن يذكر الله ليكون علامة على أنه قد وهبه الله هذا الولد. قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ [آل عمران:41] هي: أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ [آل عمران:41].بالصباح والمساء، (بالعشي والإبكار) عندكم أنتم في هذا شيء؟ اسمعوا الجائزة المحمدية: ( من صلى البردين دخل الجنة )، ( من صلى البردين ) أي: صلاة الصبح وصلاة العصر، ( دخل الجنة ) جائزة محمدية.(وسبح بالعشي) العصر، (والإبكار) الصبح.معاشر المستمعين! نترك هذا إلى غد إن شاء الله، وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #276  
قديم 01-11-2020, 04:59 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة آل عمران - (10)
الحلقة (151)




تفسير سورة آل عمران (18)




اختار الله عز وجل مريم بنت عمران واصطفاها من بين نساء العالمين لتكون آية للناس، وتحمل في جوفها آية أخرى ألا وهي عيسى عليه السلام الذي أوجده الله دون أب، وقد بعث الله ملائكته إلى مريم ليبشروها بهذا الاصطفاء، ويرشدونها إلى ما يؤهلها لاستحقاق هذا الاصطفاء، من الاطراح بين يدي الله، وتعفير الوجه على عتبات فضله ورحمته، والانكسار بين يديه سبحانه وتعالى.

أهمية الارتباط بالمسجد والجلوس فيه للذكر وسماع العلم
الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سابق عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ فداه أبي وأمي والعالم أجمع قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، حقق اللهم لنا هذا الخير واجعلنا من أهله يا رب العالمين.وأزيدكم: يقول صلى الله عليه وسلم: ( من أتى هذا المسجد لا يأتيه إلا لخير يعلمه أو يتعلمه كان كالمجاهد في سبيل الله ).كيف نعتزل بيوت الله؟ كيف نشرد إلى المقاهي والملاهي والأباطيل؟( وما من مؤمن يصلي الفريضة ويجلس في مسجده ينتظر الفريضة الثانية إلا والملائكة تصلي عليه: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، ما لم يحدث )، فإن انتقض وضوؤه خرج إلى خارج المسجد فتقف الملائكة عن الصلاة عليه.هل أنتم معي في هذا الفهم أو تظنونه شبه خرافات؟ والله لو يرزق أحدنا اليقين لما استطاع أن يفارق بيت الله بين المغرب والعشاء حتى الموت؛ لأن الوقت ما هو وقت تجارة، ما هو وقت سياحة، ما هو وقت وظيفة، إذا كان الكفار أهل النار يذهبون إلى المقاهي والملاهي والمراقص والمقاصف ودور الباطل والسينما أين يذهب أولياء الله، دلوني؟ يذهبون إلى بيوت ربهم، يجلسون بين يديه، يستمطرون رحماته، يطلبون رضاه.وشيء آخر: يتعلمون الكتاب والحكمة ويزكون أنفسهم؛ لأنهم يريدون أن ينزلوا منازل الأبرار، والمسافة بعيدة حتى تصل إلى دار السلام. كيف تخترق هذه المسافة؟ بأن تربط نفسك في بيت الله ساعة ونصفًا، ولكنك يا عبد الله تأبى ذلك.

عاقبة الإعراض عن القرآن الكريم والانسلاخ من آياته
لا يجدينا البكاء ولا ينفعنا، هذه آثار الجهل الذي أصابنا، والذي جر إلينا هذه الظلمة وساقنا إليها، وصبها علينا أعداء الله ورسوله والمؤمنين: المجوس واليهود والنصارى، حولونا من طلب السماء إلى طلب الأرض، وأصبحت حالنا كذلكم المثل الذي ذكر ربنا من سورة الأعراف، اسمعوا تأملوا، يقول تعالى: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا [الأعراف:175]، ما أعطانا الله آياته، ها هي هذه بين أيدينا في سطورنا وصدورنا، آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا [الأعراف:175]، كيف ينسلخ منها؟ يتركها في الرفوف.. في المساجد، ويخرج يعيش بدون نورها وهدايتها، فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ [الأعراف:175]؛ لأن المناعة والحصانة والحفظ في ولاية الله التي يحصل عليها العبد بالإيمان والتقوى، ولا بد للإيمان والتقوى من معرفة ما يتقي الله فيه وكيف يتقيه؟ ومصدر هذا الكتاب والحكمة، فلما انسلخ من الآيات أتبعه الشيطان وأدركه، فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ [الأعراف:175] الفاسدين. وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا [الأعراف:176] إذا كانت لديكم روافع ترفع الحجارة والصخور وأطنان الإسمنت إلى شاهق العمارات، ترفع الأطنان من ظهر السفينة إلى البر والشاطئ، فما هي الرافعة التي ترفع هذا الإنسان إلى الملكوت الأعلى؟قولوا: القرآن، وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ [الأعراف:176] لا وحي الله ولا هدي رسول الله، وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ [الأعراف:176] وها هم المسلمون عرباً وعجماً يلهثون ولن ينتهي لهثهم أبداً، هذا قرآن أم ماذا؟ هذا القرآن الذي يقرأ على الموتى يا عباد الله، أسألكم بالله يوبخ به الميت هذا أم يقرأ على الحي؟ والله يقول وقوله الحق: وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ [يس:69] ماذا؟ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ * لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا [يس:69-70] وقراءة سبعية: (لتنذر من كان حياً)، أين الميت؟ من ثمانمائة سنة والقرآن لا يقرأ إلا على الموتى، لا يجتمع اثنان في ظل شجر أو حائط أو في بيته يقول له: أسمعني شيئاً من كلام ربي، اقرأ علي شيئاً من القرآن ،أبداً، ومن قال: كيف؟ يرفع يده، هل مر بكم أحد وقال: تعالوا أسمعوني كلام الله؟ حصل هذا؟ يقرأ على الموتى، أي نعم، أليس هذا الواقع؟ما هي الرافعة التي ترفع البشرية إلى مستويات الكمال البشري؟ القرآن والحكمة المحمدية، الحكمة تبين القرآن وتظهر مراد الله منه، لا بد من رسول الله، والقرآن هو مصدر الهداية الإلهية.إذاً: واحر قلباه ممن قلبه شبم. بعد هذا البكاء نعود إلى درسنا وتلاوة كتاب ربنا.

مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة آل عمران
الآيات التي درسناها بالأمس ما استخرجنا منها هداياتها، فهيا نعيد تلاوة الآيات الثلاث واسمعوا، وإذا أخذنا في استنتاج الهداية تذكرون من أين أخذت فكونوا بصراء. ‏

التوسل بين اتباع الشرع ومخالفة المتوسلين
يقول تعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ [آل عمران:38]. هذه هي الوسيلة، ما قال: رب هب لي من لدنك ذرية طيبة بجاه خليلك إبراهيم، قال: إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ [آل عمران:38]، توسل إلى الله بأسمائه وصفاته، وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف:180]، وقضت أمتنا قرابة ألف سنة وهم لا يعرفون من الوسيلة إلا ما يغضب المتوسل إليه: أعطني بحق فلان، وأعطني بجاه فلان، عرفتم هذا؟ وما زلنا نائمين، أعطني بحق فلان، أسألك بحق فلان، أصبح الله بهذه المثابة: إن لم تعطني أنت أعطني بحق فلان عليك، أليس هذا هو الكفر؟! إي والله، قاله الإمام الأعظم أبو حنيفة النعمان ، بدل أن تتملق الله وتتزلف إليه تناديه بأسمائه: يا رب، يا رحيم، يا ولي المؤمنين، يا سميع، تقول: أعطني بحق فلان عليك، سمعتم أوما سمعتم؟ أعطني بجاه فلان، بدل أن يقوم وهو صاحب حاجة والآلام في نفسه والدموع على خديه ولا يقضيها إلا الله فيقوم فيصلي ويبكي ويسأل الله؛ يقول: أعطني بحق فلان، أسألك بحق فاطمة ، من علمنا هذه الوسيلة؟المجوس واليهود والنصارى الثالوث الأسود، أبعدونا عن روح الحياة، يا أيها الزائرون هل بلغكم أن القرآن بمثابة الروح أم لا؟ قالوا: ما بلغنا ما سمعنا، إيه ما بلغهم، أما قال تعالى في سورة الشورى: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا [الشورى:52]؟ سماه روحاً أم لا؟ وهل يحيا مخلوق كائن بدون روح؟ ولا بعوضة، القرآن روح لا حياة بدونه أبداً.نظر العدو إلى حياة تلك الأمة الطاهرة النقية في قرونها الذهبية الثلاثة فعرف أنها والله ما حييت إلا بالقرآن، ولا اهتدت إلى كمالها إلا بالقرآن؛ لأن القرآن روح ونور، نحلف لكم بالله العظيم إنه لنور، خالق النور وواهبه يقول: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا [التغابن:8]، وفي هذه الآية: وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا [الشورى:52].قالوا: أبعدوهم عن القرآن فيموتون ويعيشون في الظلام، وفعلوا ونجحوا، كيف تقول يا شيخ: نجحوا؟ أنا أسألكم: استعمرونا أم لا؟ أين ممالك الهند الإسلامية؟ أصبحت مستعمرات بريطانية أم لا؟ أين جزر جاوى الإسلامية؟ أصبحت مستعمرات بلجيكية أم لا؟ أين الشرق الأنور الأوسط؟ أصبح مستعمرة بريطانيا أم لا؟ أين شمال العروبة والأفريقية والإسلام؟ أصبح مستعمرات إيطالية وفرنسية وأسبانية، هل هناك من يرد علي؟ لو كانوا أحياء مهتدين أيستعمرهم كافرون ميتون؟ والله ما كان ولن يكون.وما زلنا على حالنا ما أفقنا أبداً، القرآن نجتمع عليه في الموت فقط، والآن حتى العرس لا بأس أيضاً؛ لأنهم يفرفشون، لا ليتدبروا فتلوح الأنوار ويمشون وراءها لهدايتهم وكمالهم.هيا نتلو هذه الآيات لنقف على ثمارها الناضجة، وهدايتها القرآنية؛ لأن القرآن كل آية منه تحمل هداية إلهية، ستة آلاف ومائتان وأربعون آية، كل آية علامة كالشمس تدل على وجود الرب وعلمه وحكمته وقدرته ورحمته.

ذكر ما كان من زكريا عليه السلام في طلب الولد وما كان منه بعد بشارة الملائكة له بيحيى
قال: هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ [آل عمران:38] ماذا قال؟ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً [آل عمران:38] طيبة أم خبيثة؟ تسرق وتسلب وتنهب؟ طيبة، ما نريد غير الطيبين: ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ [آل عمران:38] . فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ [آل عمران:39] أين؟ يصلي أم يرقص؟ أين نادته الملائكة؟ أين كان؟ في المحراب: وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ * قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ [آل عمران:39-40] كيف يقول زكريا؟ لأن العدو ما إن سمع البشرى حتى قال: إيه يا زكريا! هذا الشيطان يضحك عليك. كيف هذا؟ أنت رجل كبير وامرأتك عاقر ويقول لك ويبشرك؟ ما هو من الملائكة، هذا الشيطان. فاضطرب نبي الله زكريا، وطلب من ربه أن يعطيه آية. قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا [آل عمران:41] لا تقل: كيف جاء الشيطان ليفتن نبي الله؟ هل عرفت أنه جاء لإبراهيم أم لا؟ من أجَلُّ: زكريا أو إبراهيم؟ إبراهيم. لما رأى في منامه أن يذبح إسماعيل تقرباً إلى ربه وطيبته هاجر وغسلته ونظفته وخرج به إلى منى؛ ما إن وصل إلى العقبة الفاصلة بين منى ومكة حتى وقف العدو: أي إبراهيم! ماذا يفعل ربك بهذا الغلام؟ أين يذهب بعقلك يا إبراهيم؟ إن الله في غنى عن أن تذبح هذا الطفل، ارجع، رجمه بالحصا، عرف أنه عدو الله، وتقدم فاعترضه في المرة الثانية، تعرفون هذا أم لا؟ ماذا ترمون في الحج؟ الأماكن التي وقف فيها العدو أم لا؟ ذكرى خالدة إلى يوم القيامة، فلعنه ورماه وتقدم إبراهيم حتى الجمرة الأخيرة، أيس العدو، فلا عجب أن يقف الآن هذا العدو على زكريا ويقول: كيف تفهم هذا الفهم وتقول: الملائكة بشرتني؟ هذا الشيطان يضحك عليك. هنا: قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً [آل عمران:41] علامة. قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ [آل عمران:41]هل المعنى: حرمت عليك الكلام؟ لا، لن تستطيع أن تنطق، مع كمال فصاحته ورجولته وبشريته، ثلاثة أيام والله ما يقدر على أن يقول: قف أو اجلس، ولا يطلب حاجات إلا بالرمز، وفي نفس الوقت لسانه من الذاكرين إلى عنان السماء، يذكر الله، يمجده، يسبحه، يهلل كأفصح ما يكون، ولا يقدر أن يقول: أعطني يا فلان الماء .. أين ذهب فلان؟ من يقوى على إعطائه هذه الآية؟ والله لو تجتمع البشرية كلها ما استطاعت أن تعطيها لرجل، نعم. يقطعون لسانه وما يتكلم، هذا يذكر الله بأعلى صوته، أما أن يقول: فلان ذهب، والمرأة عند الباب، والماء موجود فلا.قال: آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ [آل عمران:41] واضح هذا القرآن أم لا؟ هذا يقرأ على الموتى، أيقومون يتوضئون ويصلون، أو يتوبون من ذنوبهم ويستغفرون؟ انتهى أمرهم. هذا يقرأ على الأحياء فقط.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #277  
قديم 01-11-2020, 05:00 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

قراءة في كتاب أيسر التفاسير

هداية الآيات
هذه الآية درسناها واستنارت قلوبنا بها، فهيا نذكر ما فيها من أنواع الهداية كالامتحان للدارسين والسامعين، قال المؤلف غفر الله لنا وله: [ هداية الآيات: من هداية الآيات:]
الاعتبار بالغير وما يحصل له من الخير والشر
قال: [ أولاً: الاعتبار بالغير ] مشروع أم لا؟ أن تعتبر بغيرك، غيرك رمى بنفسه، رمى في بنك بأمواله فاحترق، ما تعتبر أنت؟ غيرك قال كلمة سوء فسجن ما تعتبر أنت فتسكت عن هذه الكلمة؟ العقلاء يعتبرون، تعرفون العَبَّارات أم لا؟ يعبرون بها الأنهار والبحار، كلمة وحدها تعبر بها أخطأت فيها، ونحن مأمورون بالاعتبار إن كان لنا قلوب.قال: [ الاعتبار بالغير؛ إذ زكريا دعا بالولد لما رأى كرامة الله تعالى لـمريم ] زكريا في عمر ثمانين سنة أو تسعين ما يلد، امرأته عاقر، قطعت رحمها ما هناك شيء، ولما سمع مريم، من مريم هذه؟ خادمة الله. بنت من؟ عمران، أمها ما اسمها؟ حنة. مريم نذيرة الله، خادمة الله، أمها نذرتها لله. رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا [آل عمران:35] لا أستأنس به ولا يخدمني ولا يبيت ولا يظل معي، هو لك يا رب، فقط أكرمني بوجود ولد، واستجاب الله وأعطاها الولد، أعطاها مريم، ومعنى مريم: خادمة الله، فلما ولدتها لفتها في القماطة في لفافة من قطن أو كتان وخرجت بها إلى المسجد تعرضها على صلحاء بني إسرائيل، من يأخذ هذه النذيرة؟ واشرأبت النفوس وتطاولت الأعناق وكل يريد أن تكون في بيته لأنها نذيرة الله، مستواهم كان عالياً رفيعاً، فاضطروا إلى القرعة، من يظفر بهذه النذيرة وتعيش في بيته وهي لله، فاقترعوا ففاز بها زكريا، وتدبير الله أن امرأة زكريا خالة مريم لتعيش في بيت خالتها، والخالة بمنزلة الأم، يقول هذا أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: ( الخالة بمنزلة الأم ) فهي أولى القريبات بالحضانة بعد الجدة والأم، الخالة بمنزلة الأم. واستأجر لها زكريا ضئراً مرضعاً سنتين كاملتين، لما أصبحت تعقل وضعها في المسجد؛ لأنها منذورة لله، أين في المسجد؟ غرفة ملتصقة به وبابها مفتوح إلى المسجد وهي فيها تعبد الله.إذاً: فكان عليه السلام وهو نبي الله ورسوله إذا أتاها بالغداء أو العشاء أو تأخر يجد عندها فاكهة الجنة، فاكهة في الصيف لا توجد في الصيف وأخرى في الشتاء لا توجد في الشتاء، فسألها قال: أنى لك هذا يا مريم؟ كيف؟ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [آل عمران:37] هنالك دعا زكريا ربه، ما دامت السنن يتجاوز الله عنها ويتركها إذاً سيعطيني ولداً وإن كنت كبير السن وامرأتي عاقراً. هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ [آل عمران:38] ماذا قال؟ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً [آل عمران:38] هنا اعتبر زكريا بمريم أم لا؟ هذا الاعتبار، ما دام رأى أن الله قادر على أن يبطل السنن بكاملها، أتاها بفواكه الشتاء في الصيف والصيف في الشتاء؛ فكذلك يعطيه الولد وإن كان كبير السن وكانت امرأته عاقراً. هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ [آل عمران:38] هذا هو الاعتبار أم لا؟

مشروعية الدعاء والتزام آدابه
قال: [ ثانياً: مشروعية الدعاء ] الدعاء مشروع أم لا؟ مأمور به، مدعو إليه، مرغب فيه؛ لأن الدعاء هو العبادة، ومن دعا غير الله أشرك وكفر ومات وانتهى وجوده، قطع عنقه؛ لأنه جعل مثل الله مخلوقاً من مخلوقاته يسمع نداءه ويعرف حاله ويقدر على إعطائه ما طلب، سلب صفات الله ووضعها إلى مخلوق فهو كافر مشرك، أحب أم كره. ( الدعاء هو العبادة ) ومضت على أمتنا قرون لا يدعون الله إلا مع الصالحين، الله وحده، يا الله، يا رجال البلاد، يا رب، يا رسول الله، ما هناك دعاء لله وحده. وربما يقول البعض: لعل الشيخ واهم، خرّف! اسألوا أهليكم عن: يا رسول الله يا رسول الله، يا مولاي فلان، أين الله؟ حتى في السيارات: يا فاطمة، يا حسين ، أما الله فلا.الدعاء مخ العبادة، وقد مثلنا غير ما مرة للعبرة، حيث نقول لشخص: ارفع يديك على هيئة الدعاء وتمسكن، فسنرى أن هذا العبد -والله- لفقير، والله يقول: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ [فاطر:15] هذا والله فقير، ما الدليل؟ ها هو يشحت، هل رفع أكفه أم لا؟ أعلن عن فقره؟ ثانياً: ربه فوق أم عن يمينه أو شماله؟ فوق، ذلك أنه رفع يديه هكذا إلى السماء.ثالثاً: هذا مؤمن بأن الله تعالى يسمع كلامه وهو على عرشه بائن من خلقه، والمسافة لا تقادر والله يسمعه، مؤمن بسماع دعائه. رابعاً: شعور كامل بأن الله غني وقدير على أن يعطيه حاجته، لو لم يعرف هذا والله ما رفع كفيه إليه ولا سأله. عرفتم هذا؟ إذاً: الدعاء هو العبادة، ولهذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( الدعاء هو العبادة ) ( من لم يسأل الله يغضب عليه )، ألحوا في الدعاء.إذاً: [ مشروعية الدعاء وكونه سراً أقرب إلى الإجابة ] وزكريا إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا [مريم:3] ما معنى خفي؟ سر لا يطلع عليه أحد حتى في بيته، فالدعاء كونه سراً أقرب إلى الإجابة من كونه علناً. إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا * قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا [مريم:3-4]، فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا [مريم:5].فيستحب أن يكون الدعاء سراً كالذكر، نحن لا نعرف نذكر الله سراً، بل نرفع أصواتنا: الله، الله، الله، هو هو هو. لا إله إلا الله. هكذا كان آباؤنا وأمهاتنا، قروناً ما نعرف كيف نعبد الله. من فعل بنا هذا؟ الثالوث الأسود، صرفنا عن كل سلم يرقى بنا إلى الكمال، أبعدنا عن كل طريق تصل بنا إلى الفوز والفلاح؛ لأنه عدو ونحن له عدو، ولكن ما أفقنا ولا عرفنا.قال: [ مشروعية الدعاء، وكونه سراً أقرب إلى الإجابة، وكونه في الصلاة كذلك ]، الدعاء في الصلاة أقرب إلى الإجابة منه خارج الصلاة، كونك تصلي وتدعو أفضل، والدليل: لما قنت أبو القاسم شهرين كان يقنت في الصلاة أو خارجها؟ لم ما طلع المنبر ودعا بالناس؟ يدعو وهو في الصلاة، وقال: ( أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ) والله يقول: وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ [العلق:19]. من أين أخذنا هذا؟ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ [آل عمران:39].

إمكان حصول تلبيس إبليس على المؤمن
قال: [ ثالثاً: جواز تلبيس إبليس على المؤمن، ولكن الله تعالى يذهب كيده ووسوسته ]، لا بد أن يمكر بنا، لكن الله يحمي أولياءه. من أين عرفنا هذا؟ لأن الملائكة بشرت زكريا أم لا؟ ومع هذا يقول: أعطني دليلاً. اجعل لي آية، علامة تدل على ما أعلمت به.

ثبوت كرامة الأولياء باستجابة دعوتهم
قال: [ خامساً: كرامات الله تعالى لأوليائه باستجابة دعائهم ] كرامة هذه أم لا؟ أكرمه الله فأعطاه يحيى كما طلب.

فضل الإكثار من الذكر
قال: [ سادساً: فضل الإكثار من الذكر ] من أين أخذناه؟ وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ [آل عمران:41]، فلو لم يكن الإكثار محمودًا مطلوبًا لله محبوبًا أيقول له: وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ [آل عمران:41]؟
فضل صلاتي الصبح والعصر
قال: [ سابعاً: فيه فضيلة صلاتي الصبح والعصر ] الإبكار أليس هو الصبح؟ والعشي أليس هو بعد العصر؟ إذاً: فضيلة صلاة الصبح والعصر، ويبين هذا أبو القاسم صلى الله عليه وسلم فيقول: ( من صلى البردين دخل الجنة ) أي: لازم هذه الصلاة حتى مات، صلاة البرد الأولى: الصبح، والبرد الثاني: العصر.ما نحفظ هذا الحديث: ( من صلى البردين دخل الجنة ) قلها يا بني: ( من صلى البردين دخل الجنة ) لم لا نحفظه حتى ندعو الناس إلى صلاة الصبح وصلاة العصر؟ لأن الصبح وقت نوم والعصر وقت راحة.( من صلى البردين دخل الجنة ) والله يقول: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ [غافر:55].إذاً: في هذه الآيات هدايات عظيمة أم لا؟ أنوار تلوح لأولي الأبصار، للذين يقرءون القرآن للهداية، لطلب المعرفة والسير في طريق الله الموصل إلى رضاه.

تفسير قوله تعالى: (وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك ...)
بعد هذا معنا الآن هذه الآيات الكريمة، والسورة هي سورة آل عمران، والسورة أولها نزل بعد آخرها، آخرها نزل قبل أولها. الأول نزل فيم؟ في غزوة أحد ومعركتها، والثاني في وفد نجران، هذه الآيات أوحاها الله إلى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ليبين لنصارى نجران الذين وفدوا عليهم من نجران إلى المدينة في ستين فارساً من أغنياء وأعيان تلك البلاد، وكانوا يأخذون أموالهم من بلاد الروم؛ لأنهم ينشرون الصليبية في ديار العرب.ستون فارساً جاءوا للجدال، للمحاجة، تريدون خبرًا عن عيسى؟ أنا أعلمكم بجدته إن كنتم لا تعرفون، كيف حملت جدته بأمه وأنتم لا علم لكم، ما سبق: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ [آل عمران:33-36] إيه! تحاجون محمدًا؟ أنتم جهال ما تعرفون عن عيسى شيئاً، محمد الأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب اسألوه يقص عليكم تاريخ عيسى من عهد جدته، أفحمهم، قطعهم، ورضوا بدفع الجزية وانهزموا.وما زال السياق الكريم، قال تعالى: وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ [آل عمران:42] اذكر يا رسولنا لهذا الوفد الطائش. وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ [آل عمران:42] يا خادمة الله. إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ [آل عمران:42] اختاركِ من بين نساء العالم عالم زمانها. إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ [آل عمران:42] لا ذنب تقارفه أبداً، لا إثم ولا ذنب، من أين يأتيها؟ أليست هي محبوسة في المحراب ملازمة للمسجد تذكر الله طول الليل والنهار، طهرها أم لا؟ بهذه الأسباب العجيبة. وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ [آل عمران:42] اختارها اختيارًا على علم لأن تظهر آيات الله فيها، فينفخ جبريل في كم درعها فتسير النفخة إلى بطنها، فإذا عيسى عبد الله ورسوله يهتز في بطنها، فألجأها الطلق إلى جذع النخلة في ساعة، هل لنساء العالم أن يفزن بهذا؟ مستحيل. مختارة هذه: وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ [آل عمران:42].

طريق تحصيل الاصطفاء
ما تقولون إذاً في خديجة وفاطمة وعائشة وآسية بنت مزاحم ؟ أخبرنا أبو القاسم قال: ( كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا أربع: مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد ، وفضل عائشة على سائر النساء كفضل الثريد على سائر الطعام ) خمس الآن زد عليهن أمك وزوجتك وأختك وبنتك إذا والت الله بعد أن عرفته فلم يتقلب قلبها إلا في طلب حبه ورضاه، وزكت نفسها بالعبادات وطهرتها بالبعد من الذنوب والآثام هي في هذا الكمال، واقرأ: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ... [الأحزاب:35] إلى آخر الآية. فقط قلبك تعطيه لله، لا لـسلمى يا رجل، ولا لـفريد الأطرش يا امرأة، قلبك لله لا يتقلب إلا في طلب رضا الله، ووجهك لا تقبل به إلا على الله، والجوارح تابعة تؤدي الواجب وتبتعد عن الحرام، وتعيش على ذكر الله حتى يوافيك الأجل فتحتفل بموتك الملائكة في حفل عظيم، واقرءوا قول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ [فصلت:30-31].آه! ما للمسلمين ما عرفوا هذا؟ لأنهم هجروا كتاب الله وبيوت الله، سحروهم فأبعدوهم، وملئوا قلوبهم بحب أوساخ الدنيا وقاذوراتها فنسوا هذا كله وهجروه.
تفسير قوله تعالى: (يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين)
قال تعالى: يَا مَرْيَمُ [آل عمران:43] يا خادمة الله اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ [آل عمران:43] هذا هو الشكر، هذا هو طريقه، ما دمتِ قد أهلتِ لهذا الخير وهذا الكمال اشكري الله عز وجل، ماذا أصنع يا رب؟ قال: اقْنُتِي لِرَبِّكِ [آل عمران:43] والقنوت الخضوع والخشوع والعبادة. اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ [آل عمران:43] فكانت تصلي مع الرجال في بيت المقدس. وأبو القاسم أذن للنساء منا كذلك فقال صلى الله عليه وسلم: ( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله )، وكان عمر يمنع عروسه وهو فحل، يا عمر ! نصلي العشاء؟ فيغضب، يا عمر ! نصلي الصبح في الظلام؟ فلا يجيب، قالت: أما والله قد أمر رسوله أن يقول: (لا تمنعوا) فلأصلين حتى تقول: لا تخرجي، وما استطاع أن يقول لها: لا تخرجي. قالت: إذاً سوف أصلي الصبح والعشاء في المسجد. وقد كانت نساء الصحابة يحضرن الصبح في الظلام والعشاء في الظلام، وأما في النهار فلا، لماذا؟ حتى لا يفتن الفحول من الرجال، وحتى لا يفتتن هن بالرجال. وهنا قد يسأل سائل: يا شيخ! كيف تقع هذه الفتنة؟والجواب: إذا نظر إليها فتن، وإذا نظرت إليه فتنت، وإذا مسها بأي شيء .. يصافحها أو يقدمها بعلها هذه مدام فلان. لا تعجبن بني فإن القوم جهال، ما عرفوا أن النظرة هكذا تلقيها عمداً ينعكس دخانها ونتنها على روحك وأنت لا تشعر؛ لأننا نحافظ أشد المحافظة على طهارة أرواحنا وزكاتها، فكل ما يلوث تلك الطهارة أو يصيبها بدخن حرام نبتعد عنه؛ لأن سعادتنا موقوفة على زكاة نفوسنا، ما سمعتم حكم الله الصادر علينا؟ أما قال تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10]؟ فالنظرة الأولى معفو عنها، ما ينعكس دخانها؛ لأنك غير قاصد، التفت فوجدت امرأة فنظرت، والثانية سهم من سهام إبليس مسموم أيضاً. فلهذا إما أن نحجب الرجال عن الشوارع والأسواق وإما أن نحجب النساء، لا محالة، خيروا. ماذا ترون؟ نحجب الرجال؟ يا رجال! غطوا وجوهكم ودعوا النساء يكشفن وجوههن، هذا مخالف للفطرة أم لا؟ لأننا نحن الفحول لنا مجالات: المزرعة والمتجر والبناء والشوارع، والمؤمنات لهن البيوتات لتربية البنين والبنات، مصادر البشرية، ما هن في حاجة إلى أن يخرجن إلى الشوارع، هذه هي الفطرة البشرية أم لا؟ هذا دين الله، والماسونية الخبيثة قلبت أوضاع الحياة من أجل أن يكونوا دولة بني إسرائيل وكونوها.وبعض الناس يشبك يديه مع امرأته في الشارع ، فهذا يحملها على ظهره أحسن! المرأة ظل الرجل تمشي وراءه في ظله، لا إلى جنبه ولا أمامه، فإن قدمها أمامه أصبح ديوثاً، تقوده إلى حيث تشاء، وإلى جنبه أصبحت مساوية له، أين تمشي المرأة؟ وراء الرجل، هو حاميها، هو الأسد وهي كاللبؤة وراءه، هو الذي يدفع عنها، أما إذا كانت هي أمامه وهو وراءها فلا يستقيم ذلك، فآه مما فعل بنا اليهود! يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ [آل عمران:43] هذه هي الصلاة أم لا؟ ما قال: صل، بل ذكر ما هو أعظم، وهو الاطراح بين يدي الله، تعفير الوجه على التربة في الأرض، والانكسار بين يدي الله، وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ [آل عمران:43].

تفسير قوله تعالى: (ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك ...)
قال تعالى بعد نهاية القصة: ذَلِكَ مِنْ أنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ [آل عمران:44] القائل هو الله تعالى والمخاطب هو رسول الله: ذَلِكَ مِنْ أنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ [آل عمران:44] هل كان العرب يعرفونها؟ والله ما يعرفون شيئاً لا عبد المطلب ولا عدنان، إذاً: من أين جاء هذا العلم؟ من الله. كيف ينكر الله إذاً؟ كيف يكفر أهل القرآن بالله؟ عرف هذا العدو عن القرآن حتى نكفر، وإلا فعندنا مناعة نحلف بالله أن صاحبها لن يكفر ولو مات جوعاً، ولو قتل وصلب ما يكفر، مناعة وهي فقط أن نعيش على كتاب الله وسنة رسول الله، لا نفارقهما ليلاً ولا نهاراً. ما الدليل يا شيخ؟ أهل الحلقة يعرفون هذا حتى المؤمنات، لكن زوارنا ما جلسوا هذا المجلس قط. يقول تعالى في هذه السورة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [آل عمران:100] لبيك اللهم لبيك. اسمعوا: إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ [آل عمران:100]. إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ [آل عمران:100] من هم أهل الكتاب؟ اليهود والنصارى، أساتذتنا ومعلمونا. أكثر من درسوا عليهم وتخرجوا على أيديهم وأصبحوا وزراء وفنيين في العالم الإسلامي من هذا النوع، هبطوا. ويقول تعالى: وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ [آل عمران:101] مستحيل.وصلى الله على نبينا محمد.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #278  
قديم 01-11-2020, 05:01 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة آل عمران - (11)
الحلقة (152)




تفسير سورة آل عمران (19)


فضّل الله عز وجل مريم على نساء العالمين، وجعلها صديقة وكلمتها الملائكة، إلا أنها لم تكن نبية كما يدعيه البعض، وإنما جعل الله من ذريتها نبياً وهو عيسى عليه السلام، فهي كانت من أهل القرب من الله لطاعتها له وقنوتها بين يديه وتضرعها إليه، واتصالها بربها بالوسيلة المتاحة لكل عباد الله الصالحين وهي الصلاة.

مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة آل عمران
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً، أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، اللهم حقق لنا هذا الرجاء، إنك ولينا ولا ولي لنا سواك.وقد انتهى بنا الدرس إلى هذه الآيات، وقد درسنا بعضها في الليلة الماضية.تلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ * يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ * ذَلِكَ مِنْ أنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ * إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ [آل عمران:42-46].

مجادلة نصارى نجران في شأن عيسى عليه السلام
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! أعيد إلى أذهانكم أن هذه الآيات النورانية القرآنية نزلت في وفد نجران، ذلكم الوفد المكون من ستين فارساً، قدموا من مدينة نجران جنوب مكة المكرمة ليحاوروا الرسول ويجادلوه في شأن عيسى بن مريم عليه السلام، إذ النصارى من ذلك العهد وإلى اليوم يؤلهون عيسى ويعبدونه مع الله، واختلفت عقيدتهم فيه، فمنهم من يقول: عيسى ابن الله، ومنهم من يقول: إنه ثالث ثلاثة مع الله، ومنهم من يقول: هو في حد ذاته إله، وهذا شأن من ضلوا الطريق، وهم والله ضالون، وشهادة الله كافية، إذ قال تعالى لنا: سلوني، قولوا: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:6-7]، فالمغضوب عليهم هم اليهود والله العظيم، والضالون منهم: النصارى، ضلوا الطريق وتاهوا في متاهات عرفنا منها: أن عيسى عبد الله ورسول الله فألهوه وجعلوه إلهاً، ومن عجيب فهمهم: أنهم يعتقدون أن اليهود صلبوا عيسى عليه السلام، وهل الرب الخالق المدبر يصلب ويقتل؟ ويكرهون اليهود كرهاً عجباً لأنهم قتلوا وصلبوا عيسى، والله يقول: وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ [النساء:157].على كل حال جاء الوفد يجادل وإذا بالحق جل جلاله وعظم سلطانه ينزل نيفاً وثمانين آية على رسوله الأمي محمد صلى الله عليه وسلم، فتقوم الحجة لله ورسوله على هؤلاء المشركين الكافرين الضالين.

بشارة الملائكة لمريم عليها السلام بالاصطفاء وحثها على العبادة والقنوت لله تعالى
يقول الله: وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ [آل عمران:42] اذكر يا رسولنا لهذا الوفد. وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ [آل عمران:42] من أين للنبي محمد صلى الله عليه وسلم هذا العلم؟ وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب، وعاش في مكة أربعين سنة لم يعرف ما الكتاب ولا الإيمان، من علمه هذا؟ الملائكة تقول لـمريم البتول العذراء أم عيسى، مريم بنت من؟ عمران، أمها من هي؟ حنة. مريم تخاطبها الملائكة، مَن مِن الملائكة؟ هذا جبريل: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ [آل عمران:42] واختاركِ واجتباكِ لأمر عظيم، وهو أن يخرج منكِ عيسى عليه السلام، وطهركِ من سائر الذنوب، فلن تقارف ذنباً أبداً كولدها استجابة لدعوة أمها، أمها لما نذرت لله ما في بطنها ما كانت تدري أنه مريم، لكن قالت لما وضعتها متحسرة متأسفة: رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ [آل عمران:36] أي: خادمة الله. وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [آل عمران:36] فـمريم لم تقارف ذنباً، طهرها الله، وولدها عيسى أيضاً لم يقارف ذنباً، طهره الله؛ لأن جدته قالت: وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا [آل عمران:36] وعيسى أحد ذريتها. وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ [آل عمران:42] أي: عالمي زمانها، فلم توجد امرأة أفضل من مريم في ذلك الزمان أبداً، اختيار الله واصطفاؤه لها.وقالت الملائكة لها: اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ [آل عمران:43] لأن والدتها نذرتها لله، لا ترى منها شيئاً ولا تنتفع منها بشيء، فلهذا أخذها زكريا الكفيل بحق عليه السلام وتركها في المحراب في مقصورة في المسجد تعبد الله فقط، لا هم لها إلا ذاك، والملائكة تشجعها وتقول: يا مريم! اقنتي، اعبدي ربكِ واسجدي واركعي مع الراكعين، فكانت تصلي مع المؤمنين في بيت المقدس وهي في محرابها.
تفسير قوله تعالى: (ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك...)
قال تعالى هنا: ذَلِكَ مِنْ أنْبَاءِ الْغَيْبِ [آل عمران:44] ذلك الذي سمعتم من أمر حنة ونذرها وولادتها مريم وكفالة مريم ذَلِكَ مِنْ أنْبَاءِ الْغَيْبِ [آل عمران:44] الذي لا يعلمه إلا الله. نُوحِيهِ إِلَيْكَ [آل عمران:44] فأنت رسول الله، أنت نبي الله، كيف يوحي إليه بهذا الغيب من العلوم والمعارف ولا يكون رسوله؟ مستحيل، هذا تقرير للنبوة المحمدية، ولا ينكرها إلا كافر أحمق ضال أشبه بالمجانين؛ إذ نبوته أكثر من الشمس سطوعاً وظهوراً، فكيف تنكر؟ والله ما ينكرها إلا ذو غرض هابط مادي يريد البقاء على سلطانه أو مادته، آيات النبوة أكثر من ألف آية، كيف؟ يكفي هذا: ذَلِكَ مِنْ أنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ [آل عمران:44] أي: بين يديهم حاضرًا في مجلسهم وهم يقترعون أيهم يكفل مريم، والزمن أكثر من حوالي سبعمائة سنة أو ستمائة سنة بين هذه الأحداث وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم. ‏

معنى قوله تعالى: (وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم...)
يقول تعالى له: وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ [آل عمران:44]، سبق أن عرفتم أن حنة عليها السلام لما وضعت مريم لفتها في القماطة وبعثت بها إلى علماء وصلحاء بني إسرائيل في المسجد ليكفلوا هذه النذيرة؛ لأنه لا حق لأمها فيها، نذرتها لله، ما إن رآها أولياء الله صلحاء بني إسرائيل وعلماؤهم حتى تاقت نفس كل واحد منهم وهشت روحه لأن تكون في بيته، فهذه نذيرة الله، إذاً: فاختلفوا أيهم يظفر بها ويفوز. هل كنت يا محمد بن عبد الله - صلى الله عليك وسلم - حاضراً معهم؟ من علمك إذاً؟ كيف عرفت هذا؟ إذاً: أنت رسول الله يوحي إليك بهذه الأنباء والأخبار. وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ [آل عمران:44] كيف يلقونها؟ قالوا: نستهم ونقترع، الذي تخرج قرعته يأخذ هذه الفتاة، هذه النذيرة، فجمعوا أقلامهم التي يكتبون بها التوراة، هذه الأقلام ليست كأقلامكم أيها الصحفيون والدجالون، هذه أقلام ما تكتب إلا الحق ولا تكتب إلا ما هو رضا الله عز وجل، فهي صالحة إذاً لأن تتحقق بها المعجزة، جمعوا أقلامهم ولا أدري كم هي بحسب عددهم، أقلام كانوا يكتبون بها الحق، يكتبون أحكام الله، يأخذون من التوراة.إذاً: جمعوها وألقوها قلماً بعد قلم في نهر الأردن والماء يسير، من وقف قلمه هو الذي يأخذ مريم، باسم الله يلقي القلم، يدحرجه الماء ويمشي، ثم قلم ثان، وثالث .. حتى رموا قلم زكريا فوقف في الماء، خذها يا زكريا، هل كان الرسول محمد صلى الله عليه وسلم حاضراً في هذه الحادثة؟ لم يكن حاضرًا هو ولا أبوه ولا جده ولا عمه، فكيف عرف هذا؟ بالوحي الإلهي، إذاً: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذه آيات النبوة: وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ [آل عمران:44].

مشروعية القرعة
ومن هنا كانت القرعة في شرع من قبلنا ونقلها الله إلينا، فإذا اختلف اثنان في قسمة شيء قابل للقسمة يقترعونها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد الخروج إلى الغزو والجهاد يقرع بين نسائه، فمن خرجت قرعتها أخذها معه، والتي ما لها قرعة تبقى في بيتها مطمئنة. وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ [آل عمران:44].
تفسير قوله تعالى: (إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح ...)
ثم قال تعالى وقوله الحق: إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ [آل عمران:45] أي: اذكر لهذا الوفد الغافل الجاهل الضائع الضال، اذكر لهم: إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ [آل عمران:45] جبريل عليه السلام هو الذي خاطبها، وجاء هذا من سورة مريم، مريم لها سورة كاملة؟ إي والله، ما بين الكهف وطه سورة مريم: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا * فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا * قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنتَ تَقِيًّا * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا * قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا * قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا * فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا * فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا * فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا * فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيْنَ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا * فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا * يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا * فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا * قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ ‎وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا * وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا [مريم:16-33] قال تعالى: ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ [مريم:34] أو يشكون. هذه من سورتها عليها السلام، ونحن الآن في سورة آل عمران.قال تعالى: إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ [آل عمران:45] يا خادمة الله إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ [آل عمران:45] بكلمة؟! ما هذه الكلمة؟ الجواب: هي قوله تعالى: (كن) فكان. كان بكلمة التكوين أم لا؟ يسمى كلمة إذاً، هو كلمة. بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ [آل عمران:45] المسيح كـالصديق، ومن معاني المسيح: الصديق أيضاً، عيسى هكذا سمته أمه، بل سماه الله لها.

ذكر ما حبا الله تعالى به عيسى من فضل الوجاهة والقرب
قال تعالى: وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا [آل عمران:45] أي: ذو جاه في الدنيا حقاً في العرب والعجم، وفي الآخرة أيضاً ذو جاه. وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ [آل عمران:45] إلى الله تعالى، والمقربون هم الطبقة العالية الممتازة، ومن أراد أن يقف على ذلك فليستعرض سورة الواقعة؛ إذ قال تعالى: إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ * خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ [الواقعة:1-3] متى؟ إِذَا رُجَّتِ الأَرْضُ رَجًّا * وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا * فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا * وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً * فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ [الواقعة:4-11] عيسى من المقربين، الطبقة الممتازة، أما أصحاب اليمين فعليهم السلام، ولكن المقربين فوق أصحاب اليمين، عيسى من أي طبقة؟ من المقربين، بشرى لمريم بالولد وبجاهه العظيم العريض الطويل في الدنيا والآخرة، وبمنزلته في دار السلام أنه من المقربين.

بيان ما أكرم الله تعالى به عيسى عليه السلام من تكليم الناس في المهد
ثانياً: وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ [آل عمران:46]، كيف يكلم الناس في المهد؟ ما المهد؟ المهد: سرير الطفل، سلوا النساء يعلمنكم المهد ما هو، فراش يمهد للطفل، قد يكون من خشب، قد يكون من حديد، قد يكون فقط من كتان وقماش، تمهده المرأة لطفلها وتهيئه قبل أن تولد، أليس كذلك؟ تهيئه وتمهده قبل أن يكون مهداً. وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ [آل عمران:46]، هل جرت سنة الله أن الأطفال يتكلمون؟ الطفل يزعق كما هو معروف، أما أن يتكلم فهذا يحتاج إلى سنتين أو ثلاث، وهذا يكلم الناس في المهد كلامًا ما هو بخاص بالأولياء، بالعلماء، بالأنبياء، بل يكلم عامة الناس.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #279  
قديم 01-11-2020, 05:01 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

المعنى البلاغي في الاحتراس بذكر تكليم عيسى للناس في الكهولة
وَكَهْلًا [آل عمران:46] أي: ويكلمهم وهو كهل. لم هذا الاحتراس؟ لو لم يقل: وَكَهْلًا [آل عمران:46] لفهموا أن عيسى يموت وهو صغير، لولا قوله تعالى: وَكَهْلًا [آل عمران:46] أيضاً لفهم أن عيسى يموت وهو صغير، فقط يكلم الناس وهو في المهد وبعد ذلك يموت.إذاً: فلكي يطيب خاطرها وتطمئن نفسها على أنه لا يموت وهو صبي، بل يكبر حتى يكتمل ويكلم، وهنا اعلموا أن عيسى عليه السلام عاش ثلاثًا وثلاثين سنة، لما أكملها ودخل في سن الكهولة رفع إلى الملكوت الأعلى، وهو والله هناك؛ لأن الصبا ينتهي بالخامسة عشرة بالبلوغ ويدخل سن الشبيبة، يستمر سن الشبيبة إلى الثالثة والثلاثين، فيدخل في الكهولة حتى يتجاوز الأربعين ويدخل في سن الشيخوخة، أو تستمر الكهولة إلى الستين ويدخل سن الشيخوخة والكبر ثم الهرم ثم الوداع، انتهت الحياة. فعيسى عليه السلام والله لينزلن من السماء، ويعيش فترة الكهولة كاملة، ولما يصل إلى الشيخوخة ويكون صاحب ثلاث وستين سنة يموت كما كان عمر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وأين يدفن؟ غالب الظن أنه في الحجرة الشريفة، الرسول ما أخبر بذلك، ولكن قال: ( كأني بابن مريم في فجاج الروحاء يلبي: لبيك اللهم لبيك حجاً أو عمرة )، فإن مات فأي مكان يكون أفضل مكان؟ هنا، ودليل آخر: الحجرة الآن بقي فيها قبر فقط، فيها القبور الثلاثة الطاهرة: قبر الحبيب صلى الله عليه وسلم وقبر أبي بكر وقبر عمر ، وبقي مكان قدر قبر فقط، لن يتأهل له غير عيسى، لا يتأهل له الملوك، ولا الأولياء.. العلماء.. الأشراف، محفوظ بحفظ الله مدخر لعيسى عليه السلام. هذا الكلام ما هو سياسة، هذا قاله أهل العلم من السلف، ونحن ما نجزم ولكن نقول: ما دام أنه يحج ويعتمر ويأتي المدينة ويزور مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلو مات فأين يدفن؟ في البقيع؟ لا، لا ندفنه إلا في الحجرة، فهذا المكان أليق به.إذاً: فهمتم سبب الاحتراس: وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا [آل عمران:46]؟ يكلمهم وهو طفل، ويكبر ويشب ويكلمهم وهو كهل.

فضيلة عيسى عليه السلام بدخوله في عباد الله الصالحين
قوله: وَمِنَ الصَّالِحِينَ [آل عمران:46] عرفنا نحن الصالحين، ولكن ملايين من المسلمين ما عرفوا، لا يعرفون الصالح إلا الولي الذي يدعى ويستغاث به ويذبح له ويعكف حول قبره وينقل إليه المريض، هؤلاء هم الصالحون. تذكرون هذا أم لا تذكرون؟ من هم الصالحون؟ موكب من أربعة مواكب في دار السلام، جاء بيان ذلك في القرآن العظيم، وبين تعالى الطريق الموصلة إلى أن تكون مع مواكب الصالحين وهو في كلمة واحدة، اسمع عبد الله! اسمعي أمة الله! يا من يرغب أن يكون مع الصالحين أطع الله والرسول فقط، إذ قال تعالى في سورة النساء: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ [النساء:69] أي: المطيعون فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ [النساء:69] أما أن تكون نبياً فهذا لا يطمع فيه أحد، أغلق الباب وختمت النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم، مهما بلغت من الكمال لا تطمعن في النبوة، لكن تريد أن تكون في المواكب الثلاثة؟ نعم. ما هو الموكب الثاني؟ الصديقون، مريم والله منهم، أما قال تعالى: وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ [المائدة:75]؟ شهادة الله هذه أم لا؟ وأبو بكر الصديق من الصديقين أم لا؟

طريق تحقيق الصلاح ورتبة الصديقية
من منكم يرغب أن يكون منهم؟ إن باب الله مفتوح فتحه الرسول على مصراعيه؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( عليكم بالصدق ) الزموه، لا تفرطوا فيه، لا تتخلوا عنه، عليكم بالصدق في القول والعمل والتفكير والحياة كلها، ( عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر، والبر يهدي إلى الجنة )، أما قال تعالى: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران:92]؟أعيد الكلام: يقول النبي صلى الله عليه وسلم معلماً مربياً مزكياً للنفوس: ( عليكم بالصدق ) يا عباد الله! الزموه، لا تفارقوا الصدق أبداً، إذا قلت أو عملت أو اعتقدت أو فكرت - حتى التفكير - فالزم الصدق.( فإن الصدق يهدي إلى البر ) والله العظيم. ( والبر يهدي ) إلى أين؟ ( إلى الجنة، ولا يزال الرجل -والمرأة كذلك- يصدق ويتحرى الصدق -بعناية يطلبه- حتى يكتب عند الله صديقاً ) .الآن تفضلوا، باب الله مفتوح، من الليلة اصدق إذا قلت، اصدق إذا عملت، لا كذب ولا غش ولا تضليل ولا خداع، واطلب الصدق بعناية، وتحراه طول كلامك وطول أعمالك، ولا تزال تصدق وتتحرى الصدق حتى يكتبك الله مع الصديقين، فلان صديق من الصديقين، أما مريم فقد شهد الله لها بذلك.وقول الله تعالى: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ [الزمر:32] من سورة الزمر حتى قال: وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [الزمر:33] قال العلماء: هذه الآية تشير إلى أبي بكر الصديق . فالذي جاء بالصدق من هو؟ رسول الله، والذي صدق به أول واحد؟ أبو بكر الصديق ، إذ ثبت باليقينيات أن أول من أسلم من الفحول من الرجال هو أبو بكر الصديق ، وأول من أسلم من نساء العالم هي خديجة بنت خويلد ، وأول من أسلم من العبيد الأرقاء بلال بن رباح ، وأول من أسلم من الأطفال الصغار علي بن أبي طالب ، ففازوا بالأولية والأسبقية.إذاً: أنتم الآن مخيرون، قولوا: إن شاء الله نكون كلنا من الصديقين، فقط لا تكذب أبداً لا في قولك ولا عملك، ليكن الصدق طبعك، لا تزال تطلب الصدق وتتحراه في حياتك حتى يسجل اسمك في ديوان الصديقين، إذ هذا الحديث من أصح الأحاديث. ( عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل ) وكلمة (الرجل) ليس معناها أن النساء لا يدخلن، فهذه مريم صديقة، وإنما لعلم الرسول صلى الله عليه وسلم بآداب الفحول وأخلاقهم لا يذكر النساء بينهم، عرفتم؟ والدليل: هل بيننا امرأة جالسة؟ أبداً، النساء وراء الستار، تلك منازلهن، والفحول هذا هو منزلهم، فمن هنا يراعي الله عز وجل ورسوله آداب وأخلاق المؤمنين، ما يقحم النساء في كل ميدان من الميادين؛ لأن الرجال لا يرضون بهذا، لم؟ لشرفهن.إذاً: قال: ( ولا يزال الرجل ) والمرأة كذلك.( يصدق ) في قوله وعمله ( ويتحرى الصدق -ويطلبه- حتى يكتب عند الله صديقاً ) حتى يفوز بالجائزة المسماة بالصديقية ويصبح فلان صديقاً. إذاً: وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ [آل عمران:46] هل عرفتم من هم الصالحون؟ بينا هذا وعرفه السامعون والسامعات، لكن إخوان لنا زائرون ما عرفوا، من يرغب أن يكون من الصالحين؟ كلنا، يا راغبًا في أن تكون من الصالحين! أد حقوق الله كاملة، لا تبخس ولا تنقص منها حقاً وأنت قادر على أدائه، وأد حقوق الناس أبيضهم وأسودهم، كافرهم ومؤمنهم، أد حقوقهم وافية، لا تنقص حقاً من حقوقهم يسجل اسمك في ديوان الصالحين، كـعبد القادر الجيلاني ومولاي إدريس وسيدي العيدروس . عرفتم؟ أد حقوق الله التي أوجبها عليك وأنت قادر على أدائها، وإذا عجزت فقل: رب عجزت سامحني، ما استطعت، والله يسامحك ويعفو عنك. أد حقوق الناس، امرأتك، أولادك، جيرانك، إخوانك، أي إنسان له حق عليك أعطه حقه، لا تستهن به ولا تحتقره ولا تحتل عليه، أد حقوقه، وبذلك لا تزال هكذا حتى يأتيك القبول وتصبح في عداد الصالحين، فالأولياء والأنبياء صالحون والله العظيم، والشهداء صالحون، والصديقون صالحون، إذ كل المواكب تعود إلى أنهم من الصالحين، وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ [النمل:19].
قراءة في كتاب أيسر التفاسير هداية الآيات
قال المؤلف غفر الله لنا وله: [ هداية الآيات: من هداية الآيات:]

أولاً: فضل مريم عليها السلام وكونها ولية صديقة
قال: [أولاً: فضل مريم عليها السلام وأنها ولية صديقة ]، ولكن هل هناك من يقول: مريم نبية؟ أي نعم. منهم من يقول: نبية؛ لأن جبريل أرسل إليها والله يوحي إليها ويكلمها، فكيف لا تكون نبية؟ والجمهور من أئمة الإسلام أن المرأة لا تنبأ؛ لأن النبي مأمور بإبلاغ الرسالة والنبوة، والمرأة ليست متأهلة لأن تخاطب الرجال وتدخل في صفوفهم حتى تعلم وتبلغ.إذاً: فهي ولية صديقة ولكن ليست نبية، وإن كلمها ملك وهتف بها الملائكة كأم موسى، أما قال تعالى: وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي [القصص:7]؟لتبقى النبوة والرسالة محصورة في الذين يستطيعون البلاغ والبيان والتعليم، فيكفيها أن تكون صديقة ولية، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا أربع ) من هن؟ آسية بنت مزاحم امرأة فرعون. سبحان الله! امرأة فرعون ولية؟ أي نعم. وحسبها أنه قتلها في المشنقة، آسية بنت مزاحم ، مريم بنت عمران ، خديجة بنت خويلد ، رابعاً: فاطمة الزهراء بنت محمد صلى الله عليه وسلم. ( وفضل عائشة على سائر النساء كفضل الثريد على سائر الطعام )، سمت لأن رسول الله يحبها، هذه بنت الصديق ، هذه أعلم نساء العالمين، أخذت معارف رسول الله وكانت تفتي وراء الستار، ويأتي كبار الصحابة يسألونها وتعلمهم، من لم يحب عائشة ما أحب رسول الله، ومن لم يحب رسول الله كافر عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. تعرفون من عائشة هذه؟ هذه بنت أبي بكر الصديق .إذاً: من هداية الآيات كما سمعتم: [ فضل مريم عليها السلام وأنها ولية صديقة، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها من كمل النساء، ففي الصحيح: ( كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام ) ].وفي رواية أخرى: ( وخير نساء العالمين أربع: مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ) أما أمي وأمك فإن شاء الله صديقة ولية، أمهاتنا وليات أم لا؟ كل مؤمن تقي هو لله ولي، وإذا لم يكن وليًا الله ماذا يكون؟ يكون عدوًا لله؟ إذاً: هل يوجد من المؤمنين عدو لله؟ لا أبداً، كل مؤمن تقي فهو لله ولي، ولو لم تظهر الكرامات على يديه، المهم أن يكون مؤمناً صادق الإيمان تقياً لم يفجر ولم يفسق ولم يخرج عن طاعة الله ورسوله، وإن زلت قدمه وفجر يوماً أو فسق عاد وغسل وطاب وطهر بتوبته.

ثانياً: أهل القرب هم المطيعون القانتون
قال: [ ثانياً: أهل القرب من الله هم أهل طاعته القانتون له ] من هم أهل القرب من الله القريبون من الله؟ أهل الطاعة القانتون له؛ لأن هذا مأخوذ من قوله تعالى: يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ [آل عمران:43]، فمن أراد أن يقرب من الله فالله يقول: ( من تقرب إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً ) أليس كذلك؟ تقرب إلى الله ولو بخفض صوتك، لا ترفع صوتك على المؤمنين، تقرب إلى الله ولو بشوكة تجدها في طريق المؤمنين، أبعدها عنهم، تقرب إلى الله ولو بلقمة تضعها في في جائع من المؤمنين، القرب إلى الله سهل جداً، قم صل ركعتين وابك، تقرب إلى الله عز وجل، واقرءوا لذلك أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم: ( ولا يزال المرء يتقرب إلى الله حتى يحبه ) فإذا أحبك نم فالمخاوف أمان.

علامات معرفة حصول الولاية ومحبة الله تعالى للعبد
أهل الحلقة يعرفون من هم أولياء الله؟ من هم؟ هم المؤمنون المتقون، كل مؤمن تقي هو لله ولي.وأخرى أيضاً: من منكم يعرف أن الله يحبه أو لا يحبه؟ من يرغب في أن يعرف أن الله يحبه؟ كلنا يرغب. وهل يوجد بينكم من يحبه الله؟ أي نعم. وكيف لا؟ إذاً لماذا نصوم ونصلي؟ لماذا نحن عاكفون هنا؟ نريد أن يحبنا أم لا؟ من لم يحبه الله خسر خسراناً أبدياً.إذاً: العلامة هي أن تنظر: فإذا ما كنت تستطيع أن تسمع السوء والباطل والمنكر والكذب والحرام فهذه خطوة إلى حب الله.ثانياً: إذا أصبحت لا تستطيع أن تنظر إلى ما حرم الله عليك فهذه علامة أن الله قد أحبك، إذا أصبحت لا تستطيع أن تنطق بكلمة مما يغضب الله؛ فهذه علامة أنك محبوب، إذا أصبحت لا تستطيع أن تتناول بيدك أو تعمل بها أي شيء يغضب الله؛ فهذه علامة أنك محبوب، إذا أصبحت لا تستطيع أن تمشي خطوة ولا خطوتين ولا عشرًا في طريق غضب الله اعلم أنك محبوب، واسمعوا الخبر الصادق، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في رواية البخاري عن أبي هريرة -والحديث قدسي شريف-: ( يقول الله تعالى: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب ) الذي يعادي ولياً من أولياء الله أعلن الله الحرب عليه، فليحمل سلاحه.( وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ) التقرب إلى الله أي: طلب القرب من الله بفعل الفرائض أعظم شيء، بنص كلامه تعالى، ( وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال العبد يتقرب إلي ) أي: يطلب القرب مني بالعبادات والصالحات( حتى أحبه ).إذا كنت عسكريًا فهل تكون عقيداً أو عميداً في يوم واحد؟لا بد من التأخر، تعمل وتعمل في مراحل حتى تصبح عميداً أو جنرالاً، فبعض الرجال يصل إلى هذا في أربع سنوات، وبعضهم في سبع سنين، وبعضهم يمكث عشرين عامًا وهو عُسكري ما تقدم، عشرين سنة ما تقدم، فكذلك الولاية، فبعض الناس من سنة واحدة وهو ولي لله، أقرب الناس إلى الله منا؛ لأن الله قال: ( وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه )، فما ندري: في عام أو عامين أو عشرة أو خمسين سنة؟ المهم أن تتقرب إلى أن يحبك الله، فإذا أحبك فما علامة حبه لك؟ هو هذا: ( فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنّه، ولئن استنصرني لأنصرنّه، وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض روح عبدي؛ يكره الموت وأكره مساءته ) .الآن عرفنا المحبوبين لله، إذا صدقك صديقك وقال: والله ما نستطيع أن نسمع الباطل، إذا تحدث الناس أقوم أنا، ما نستطيع أن ننظر إلى ما حرم الله، كأنما لهب النار في وجهي، ما نقوى على أن ننظر إلى امرأة لا تحل لنا، ما نقدر على أن نلطم مؤمنًا بكف، يدي ملكها الله، ما نستطيع أن نمشي خطوة واحدة إلى منكر أو إلى باطل، ما نقوى، ما نستطيع سماع الحرام، لم؟ لأن الله ملك هذه الآذان: ( كنت سمعه الذين يسمع به ) ، وهل الله يستخدم سمعه في ضده؟! حاشا لله، يستعمل الله هذا البصر الذي ملكه ليشيع الباطل والزنا؟! لا، وهكذا أيما واحد منا - معشر المستمعين والمستمعات - أصبح لا يقدر على أن يسمع باطلاً ولا أن ينظر إلى حرام ولا أن يتناول منكراً أو حراما، ولا يمشي إلى باطل؛ فليعلم أن الله قد أحبه، هل هناك أوضح من هذا الطريق؟

ثالثاً: الصلاة سلم العروج إلى الملكوت الأعلى
قال: [ثالثاً: الصلاة سلم العروج إلى الملكوت الأعلى]، كيف هذا؟سبحان الله! توضأ وتطيب وقف بين يدي الله، الله أكبر! أنت مع الله، اخترقت الملكوت كاملاً وأنت تتكلم مع الله.والله تعالى أسأل أن يحقق لنا ذلك؛ إنه وليه والقادر عليه.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #280  
قديم 01-11-2020, 05:02 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة آل عمران - (12)
الحلقة (153)




تفسير سورة آل عمران (2)

الله عز وجل هو خالق الخلق، لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، ولا يخفى عليه شيء في كونه الفسيح، فهو يصور عباده في أرحام أمهاتهم كيف يشاء، ويعلم ما سيكسبه كل واحد من عباده طيلة حياته، وما ستئول إليه نهايته، ومصيره في الآخرة، فهو العليم بعباده، ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير.

مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة آل عمران
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل القرآن الكريم رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، اللهم حقق لنا هذا الرجاء إنك ولينا! ها نحن في فاتحة سورة آل عمران، وهي السورة الثالثة من كتاب الله، سبقتها البقرة والفاتحة، وهذه السورة مدنية، والسور المكية ما نزلت في مكة والمدنية ما نزلت بالمدينة. وهناك ضابط آخر: ما نزل بعد الهجرة فهو مدني، وما نزل قبل الهجرة فهو مكي.والذي أرى هنا: أن السورة المكية تعالج العقيدة وتضع لها قواعدها وأسسها، وأما السورة المدنية فإنها بالإضافة إلى العقيدة تقرر الأحكام الشرعية، وتبين الحلال والحرام، وتبين الواجبات والمتطلبات لهذه الحياة. من عجيب هذه السورة المدنية: أن آخرها نزل قبل أولها. كيف ذلك؟ القرآن مكتوب في اللوح المحفوظ في الإمام المبين وينزل بحسب الأحداث والمتطلبات، فينزل آيات.. أحياناً تنزل آية واحدة ويقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لكتبة الوحي: ضعوها عند كذا في مكان كذا فيكتبونها، حتى إذا انتهت السورة ختمت، وقد يبدو لهم أن السورة قد كملت وتأتي آيات فيؤمرون بكتابتها بين كذا وكذا. ومن هذا: أن حوالي ثمانين آية من سورة آل عمران نزلت في وفد نجران كما علمنا، ووفد نجران وفد في سنة الوفود في السنة التاسعة للهجرة، وآخر آل عمران نزل في أحد، وأحد كانت في السنة الرابعة أو الثالثة. إذاً: أول هذه السورة متأخر النزول وأولها متقدم. ولا تحفلوا بهذا كثيراً فإنما هو مزيد علم فقط.

معنى قوله تعالى: (الم)
هذه السورة مفتتحة بقول الله عز وجل بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: الم [آل عمران:1]. فماذا عرفنا وعلمنا عن فواتح السور؟ الجواب: علمنا أن هذا من المتشابه، فيفوض أمر فهمه إلى الله، فقل: الله أعلم بمراده به، الله أعلم بمراده من هذا اللفظ، وستأتي الآية التي انتهينا إليها في الدرس الماضي وهي: أن القرآن الكريم منه المحكم ومنه المتشابه، والمتشابه لا يعلمه إلا الله، وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا [آل عمران:7]، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم)، يبتغون تأويله من أجل الفتنة فاحذروه.

فوائد الحروف المقطعة في فواتح السور
هناك لطيفة ثانية وهي أن لهذه الحروف حكمتين ذكرناهما ولكن لا بأس أن نذكرهما مرة ثانية:الأولى: أن هذه الحروف بهذه الصيغة وهذا واللحن هذا الجرس ما كان معروفاً عند العرب، وهم أهل اللسان، أهل اللغة، أهل البيان، والقرآن نزل بلسانهم لكنهم لم يكونوا يسمعون: كهيعص [مريم:1] أبداً، هذا الصوت ما سمعوه أبداً، المر [الرعد:1]، طسم [الشعراء:1].إذاً: لما كانوا معرضين عن سماع القرآن وكانوا يسدون آذانهم حتى لا يسمعون، بل صدر أمر حكومي في مكة من رئيس مكة أبي سفيان : ممنوع على المواطن أن يسمع قراءة القرآن. لم؟ حفاظاً على معتقد الشعب، حفاظاً على وحدته، هذه الدعوة تريد أن تزلزله وتزعزعه. إذاً: ممنوع سماع القرآن، وإذا قدر لك وقرأ رسول الله أو فلان فاصرخ بأعلى صوتك حتى لا يتسرب صوته إلى سمعك.ذكر الله عنهم هذا في سورة فصلت إذ قال: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ [فصلت:26]، وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ [فصلت:26] باللغو والكلام الباطل، عندما يقرأ أبو بكر أو فلان أو فلان الغوا فيه؛ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ [فصلت:26] فتبقى لكم عقيدة الشرك والباطل. من زين هذا لهم؟ إنه أبو مرة عدو الإنسانية إبليس، هو الذي يخترع هذه الاختراعات ويوسوس بهذه الوساوس!فلما كانوا معرضين عن سماعه شاء الله أن ينزل فواتح بعض سور القرآن بهذه الحروف، فإذا سمع الذي لا يريد أن يسمع: حم * عسق [الشورى:1-2]، اضطر إلى أن يصبر، فلا بد يسمع ليعلم ما بعد هذا، فهذا شيء جديد، ونغم لم يسمعه، فلما يسمع يتسرب النور إلى قلبه. هذه فائدة جليلة وعظيمة من فواتح السور عرفها المؤمنون.ثاني فائدة:: لقد عقد أهل مؤتمراتهم في دار ندوتهم وقالوا وقالوا، قالوا: هذا سحر، وقالوا في صاحبه: مجنون، وقالوا: هذا كلام الكهنة، وغير ذلك مما قالوه ظلماً وعدواناً؛ حتى لا يقتنع مواطن بأن هذا وحي الله وكلامه، فيؤمن ويدخل في رحمة الله، فرد الله عليهم بقوله تعالى: هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ * وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ [الشعراء:221-224]، فأبطل دعوى: أن محمد شاعر. أين الشعر؟ وأبطل أنه كاهن تتنزل عليه الشياطين، فأبطل الله هذه بالمرة، فقال لهم: هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ [الشعراء:221] الجواب: تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ [الشعراء:222]، ذاك الكذاب الذي يقلب الحقائق ويبطل الحق ويحق الباطل. (الأثيم): المغموس في الإثم من الخمر.. القمار.. الباطل.. الكذب، هذا الذي تهيأ لأن تنزل عليه الشياطين؛ لأنه أصبح مثيلاً لهم، أخاً من إخوانهم، أما صاحب القلب الطيب والروح الزكية فلا تستطيع الشياطين أن تستقر فيها، فهم ينزلون في المراحيض والمزابل والقمائم والحشش، فإذا كان القلب خبيثاً يستقر إبليس وينزل فيه وكأنه قصر، وأما إذا كان القلب طيب ورائحته زكية فلا يستطيع. افتتح الله نيفاً وعشرين سورة بهذه الحروف وكأنما يقول لهم: إن هذا القرآن المعجز الذي تحداكم منزله على الإتيان بمثله.. بعشر سور.. بسورة واحدة، فحزنتم وبكيتم وما استطعتم، هذا الكلام الإلهي مؤلف من هذه الحروف: حم [الشورى:1]، ق [ق:1]، يس [يس:1]، طه [طه:1]، ص [ص:1]، ن [القلم:1]، فألفوا مثله أنتم! إن كنتم تدعون أن هذا ليس كلام الله فأتوا بمثله، فهذه ليست بحروف أعجمية، وإنما هي حروف لغتكم: الم [البقرة:1]، ص [ص:1]، فألفوا من هذه الحروف كلاماً آخر وحادوا الله به إن استطعتم! ويشهد لهذه اللطيفة في الغالب: أنه ما ذكرت الحروف إلا ذكر القرآن بعدها : ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ [ص:1]، ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ [ق:1]، المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ [الرعد:1]، الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ [البقرة:1-2]، من هذه الحروف يتألف هذا القرآن، فألفوا مثله، أو اسكتوا وطأطئوا رءوسكم وقولوا: آمنا بالله!والآن أتباع هؤلاء يحاربون الدعوات الإسلامية ويقفون في وجهها، وما حوربت دعوة أكثر من دعوة محمد بن عبد الوهاب ، فقد حوربت في الشرق والغرب بالأباطيل والتراهات، مع أنه رحمه الله ما زاد على أن قال: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له). ولكم كل من كان يرأس جماعة أو يأكل على حسابهم لا يسمح لهذا الدين الصحيح أن يتغلغل في جماعته، ورجال الكنيسة من النصارى أكثرهم يعرف أن هذا هو دين الله وأنهم كفار، ولكن المنصب الذي نصب عليه يجعله لا يتخلى عن هذا الدين الباطل ولا يتنازل عنه أبداً.

معنى قوله تعالى: (الله لا إله إلا هو)
يقول الله: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [آل عمران:2]. (الله) لفظ الجلالة مبتدأ أخبر عنه: لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [آل عمران:2]. (الله) هذا الاسم العلم على ذات الرب تبارك وتعالى، هذا الاسم اسم الله إذا ذكر الله عرفت ذات الله التي أوجدت كل موجود ودبرت كل أمر في السماء والأرض منذ أن أوجد الله الكائنات! الله الذي خلقك في رحم أمك! الله الذي جاءك بالشمس لتكتسب الحرارة والدفء منها! الله الذي به نطقنا وبه نظرنا وبه قمنا وقعدنا، ولولاه ما كنا فلا إله إلا هو!ما معنى: لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [آل عمران:2] في لغة العرب؟أولاً: الإله هو المعبود، فكل ما عبد يطلق عليه اسم إله في لسان العرب، سواء كان في لغة الحجاز أو تميم، فكلمة (إله) معناها: معبود، سواء كان كوكباً أو كان حجراً أو كان إنساناً أو حيواناً، فلفظة (إله) معناها: معبود، فلما تقول: (لا إله) أي: لا معبود (إلا الله).أين جاء ذكر (إله) بمعنى معبود في لسان العرب من القرآن الكريم؟ جاء من سورة (ص) إذ قالوا في اعتراضهم: أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ [ص:5]، هذه قولة رجالات قريش وصناديدها قبل أن يهلكوا في بدر، قالوا: أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ * وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ [ص:5-6]! إي والله عجب! دفاع قوي وحماس! علام يدافعون؟ على باطل ألفوه، عاشوا عليه ورضعوه من ثدي الأم، فلا يستطيعون أن يتخلوا عنه أبداً! هذا هو العجب! أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا [ص:5]، كلها صبغها بصبغة واحدة؟ جعل الإله واحداً! فهنا أسمع الله وفد نجران الصليبي النصراني قوله: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [آل عمران:2]، لا عيسى ولا مريم ولا روح القدس.. ولا أحد غيره سبحانه، فزلزلت أقدامهم، إذا جاءوا يجادلون رسول الله ويحاورونه يريدون أن يقنعوه أن عيسى إله مع الله. هذا الوفد كان يتألف من ستين فارساً نزلوا بالمدينة، ولم يمن بالمدينة فنادق ولا شقق، ولكن وزعهم الحبيب صلى الله عليه وسلم على أصحابه واحداً واحداً، وهم من كبار علماء النصارى ورجالهم، جاءوا يجادلون الرسول ليقنعوه أن عيسى ابن الله! من أعظم الخرافات أن يكون الإله خلق في بطن امرأة اسمها مريم ويصبح هو الله أو ابن الله! فهذا المعتقد انتهى، ولكنهم الآن يتغنون ويبذلون المليارات في سبيل نشر هذا الباطل! كيف يعقل أن يكون الرب مخلوقاً أمه مريم، وخرج من بطنها ومات أو يموت وكان عدماً ويصبح هو الرب؟ ولكن النصارى يزعمون ذلك، ويقولون: الأقانيم ثلاثة: الأب، والابن، وروح القدس، ويسمعون ذلك ويقبلونه؛ لأنهم مسحورون بالمادة، مع عرفوا معنى لا إله إلا الله ولم يخالط التوحيد قلوبهم!

معنى قوله تعالى: (الحي القيوم)
قال الله: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ [آل عمران:2] الحياة الأبدية الأزلية، كان ولم يكن شيئاً! يقول الإمام البخاري في كتاب الأنبياء: (باب: كان الله ولم يكن شيء غيره) فهو سبحانه الحي الحياة الأزلية التي لم تسبق بعدم، والأبدية التي لا يلحقها عدم. هذا هو الحي.والحياة تستلزم السمع والبصر والقدرة.. وغير ذلك من الصفات، ويدلك على ذلك: قوله: الْقَيُّومُ [آل عمران:2]، فالقيوم أعظم من القائم، فالقائم على الأسرة فلان، والقائم على البلاد فلان، ولكن الله هو القيوم على كل ذرات الكون وموجوداته، الله هو القائم عليها، ولولا قيوميته لتصادمت الكواكب واحترقت وانتهى الكون، فلو تقترب الشمس من الأرض درجة واحدة أو تهبط لاحترق الكون كله! فمن هو القائم عليها؟ إنه القيوم سبحانه! وقد جاء في سورة الكرسي: لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ [البقرة:255]! وقد قيل لموسى أو أحد الأنبياء: كيف لا ينام الله؟ فقال: خذ هذا الكوب وضعه بين يديك ولا تنم طول الليل. فسهر حتى أخذ النوم يراوده والكوب في يديه فسقط الكوب وتحطم. فقال له: لو كان الله ينام لخرب العالم منذ الآلاف السنين!

التحدي العظيم بإنزال القرآن الكريم
يقول الله تعالى: نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ [آل عمران:3]. نزل عليك يا رسولنا يا محمد صلى الله عليه وسلم، نزل عليك الكتاب الفخم العظيم الجليل. القرآن عظيم جليل؟ إي والله، يدلك على جلالته وعظمته أن الله تحدى البشرية من الجن والإنس على الإتيان بكتاب مثله فطأطئوا رءوسهم وفشلوا: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا [الإسراء:88] أي: ناصراً ومعيناً. وأما العرب فتحداهم بسورة فقط، والله ما استطاعوا! وإلى اليوم أيضاً باب التحدي مفتوح! ‏

الفرق بين (نزّل) و (أنزل)
لم قال الله (نزّل) ولم يقل: (أنزل) عليك الكتاب؟ هل هناك فرق بين (نزَّل) و(أنزل)؟ نعم، هناك فرق. (أنزله)، أي: جملة واحدة. و(نزله). أي: تدريجاً آية بعد آية وسورة بعد سورة وحكماً بعد حكم في ظرف ثلاثة وعشرين سنة، أما (أنزله) فجملة واحدة كما أنزل التوراة والإنجيل، أما القرآن فقد نزله تنزيلاً.قال: نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ [آل عمران:3]. فقرر التوحيد، وقرر نبوة محمد ورسالته، وكأنما الآية تقول: (لا إله إلا الله، محمد رسول الله)، يا معشر النصارى اكفروا بصليبكم وآمنوا بالإسلام، فهذا نبيه ورسوله، فأبطل دعواهم. نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ [آل عمران:3] فلا يفارقه أبداً، وكله حق، ليحق به الحق ويبطل الباطل.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 310.71 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 304.61 كيلو بايت... تم توفير 6.10 كيلو بايت...بمعدل (1.96%)]