الحث على التجارة وبيان بركتها وحلول لمشكلة البطالة - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         شرح كتاب فضائل القرآن من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 187 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 117 - عددالزوار : 28425 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 175 - عددالزوار : 60031 )           »          خطورة الوسوسة.. وعلاجها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          إني مهاجرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          الضوابط الشرعية لعمل المرأة في المجال الطبي.. والآمال المعقودة على ذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 30 - عددالزوار : 819 )           »          صناعة الإعلام وصياغة الرأي العام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          من تستشير في مشكلاتك الزوجية؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          فن إيقاظ الطفل للذهاب إلى المدرسة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العام > الملتقى العام

الملتقى العام ملتقى عام يهتم بكافة المواضيع

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 13-02-2019, 09:38 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي الحث على التجارة وبيان بركتها وحلول لمشكلة البطالة

الحث على التجارة وبيان بركتها وحلول لمشكلة البطالة
أمين بن عبدالله الشقاوي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعد:
فقد وردت النصوص من الكتاب والسنة تحث على التجارة، وتبين فضلها وبركتها، والاستغناء بها عما في أيدي الناس، قال تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) [الملك: 15].
وقال تعالى: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [الجمعة: 10].
قال البغوي: "أي إذا فرغ من الصلاة فانتشروا في الأرض للتجارة، والتصرف في حوائجكم"[1].
كان عراك بن مالك -رضي الله عنه-: إذا صلى الجمعة انصرف فوقف على باب المسجد، فقال: "اللهم أجبت دعوتك، وصليت فريضتك، وانتشرت كما أمرتني، فارزقني من فضلك وأنت خير الرازقين"[2].
وقد قرن الله تعالى ذكر الضاربين في الأرض للتجارة بالمجاهدين في سبيل الله؛ قال تعالى: (وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) [المزمل: 20].
قال ابن كثير: "مسافرون في الأرض يبتغون من فضل الله في المكاسب والمتاجر"[3]. قال السيوطي: "هذه الآية أصل في التجارة"[4].
روى الإمام أحمد في مسنده من حديث رافع بن خديج قال: قيل يا رسول الله، أي الكسب أطيب؟ قال: "عَمَلُ الرَّجُلِ بِيَدِهِ وَكُلُّ بَيْعٍ مَبْرُورٍ"[5].
وروى البخاري في صحيحه من حديث المقدام بن معد يكرب -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَاَ أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًَا قَطُّ خَيرًا مِنْ أَنْ يَأكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِه، وَإِنَّ نَبيَّ الله دَاودَ -عليه السلام- كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِه"[6]، وفي رواية: "إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلْتُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ"[7].
وروى البخاري في صحيحه من حديث الزبير بن العوام -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةِ حَطَبٍ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَبِيعَهَا، فيَكفَّ اللّهُ بها وجهَهُ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ))[8].
وكما تقدم أن نبي الله داود -عليه السلام- كان يأكل من عمل يده، فكذلك كان غيره من الأنبياء، روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "كَانَ زَكَرِيَّا -عليه السلام- نَجَّارًا"[9]، وموسى - عليه السلام - عمل عند شعيب عشر سنوات يرعى الغنم، ونبينا محمد -عليه الصلاة والسلام- رعى الغنم، روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما بَعثَ اللهُ نبيًّا إِلاّ رَعَى الغَنمَ، فَقَالَ أَصْحَابهُ: وَأَنْتَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لأَهْلِ مَكةَ"[10] والقراريط دراهم يسيرة.
وخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- في بدء أمره يريد الشام للتجارة[11].
ومن الأدلة على فضل التجارة وبركتها ما ورد في الصحيحين من حديث أنس أن عَبْدالرَّحْمَنِ بْن عَوْفٍ قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَآخَى النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ الْأَنْصَارِيِّ، وَكَانَ سَعْدٌ ذَا غِنًى، فَقَالَ لِعَبْدِالرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: "أُقَاسِمُكَ مَالِي نِصْفَيْنِ وَأُزَوِّجُكَ، قَالَ: بَارَكَ اللَّه لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ، دُلُّونِي عَلَى السُّوقِ، فَمَا رَجَعَ حَتَّى اسْتَفْضَلَ أَقِطًا وَسَمْنًا.. الحديث"[12].
فعبدالرحمن بن عوف -رضي الله عنه- تعفف عن مال أخيه، ثم سعى في التجارة، فبارك الله له، وفتح عليه بها، فتزوج بعد ذلك ثم أصبح من تجار المدينة، قال أيوب السختياني: "قال لي أبو قلابة: الزم السوق فإن الغنى من العافية" [13]، يعني الغنى عن الناس.
قال علي بن الفضيل: سمعت أبي وهو يقول لابن المبارك: "أنت تأمرنا بالزهد، والتقلل، والبلغة، ونراك تأتي بالبضائع من بلاد خراسان إلى البلد الحرام، كيف ذا؟ "، فقال ابن المبارك: "يا أبا علي إنما أفعل ذا، لأصون به وجهي، وأكرم به عرضي، وأستعين به على طاعة ربي"[14].
سئل الإمام أحمد بن حنبل: ما تقول فيمن جلس في بيته، أو مسجده وقال لا أعمل شيئًا حتى يأتيني رزقي؟ فقال أحمد: هذا رجل جهل العلم، أما سمع قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((وَجُعِلَ رِزْقي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي)) [15] [16].
وقوله -عليه السلام- حين ذكر الطير: "تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا"[17] فذكر أنها تغدو في طلب الرزق[18].
وكان زيد بن مسلمة يغرس في أرضه فقال له عمر -رضي الله عنه-: أصبت، استغن عن الناس يكن أصون لدينك، وأكرم لك عليهم.
وكان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتجرون في البر والبحر، ويعملون في نخيلهم، والقدوة بهم.
قالت عائشة: "كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عمال أنفسهم"[19] فالأنصار أهل نخيل وزرع، والمهاجرون التجارة والصفق بالأسواق، وكبار الصحابة كانوا يمارسون التجارة.
قال أبو بكر الصديق لما ولي الخلافة: لقد علم قومي أن حرفتي لمن تكن تَعجِز عن مؤونة أهلي، وشُغلت بأمر المسلمين، فسيأكل آل أبي بكر من هذا المال، ويحترف للمسلمين فيه[20].
وقال عمر -رضي الله عنه-: ألهاني الصفق بالأسواق يعني الخروج إلى التجارة[21] وعثمان كذلك كان من تجار المدينة، وغيرهم من الصحابة.
قال أبو قلابة [البصري] لرجل: لأن أراك تطلب معاشك أحب إلي من أن أراك في زاوية المسجد.
وقال أبو سليمان الداراني: ليس العبادة عندنا أن تصف قدميك، وغيرك يقوت لك، ولكن ابدأ برغيفيك فأحرزهما ثم تعبد.
قال الغزالي: "فهذه مذمة الشرع للسؤال، والاتكال على كفاية الأغيار[22]، ومن ليس له مال موروث فلا ينجيه من ذلك بعد الله إلا الكسب والتجارة"[23].
وكما وردت النصوص الكثيرة في فضل التجارة والاستغناء عما في أيدي الناس، فقد وردت نصوص وآثار تذم البطالة وتحذر منها، فمن ذلك ما رواه مسلم في صحيحه من حديث عياض بن حمار -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ، وفيهِ وَأَهْلُ النَّارِ خَمْسَةٌ: الضَّعِيفُ الَّذِي لاَ زَبْرَ لَهُ[24]، الَّذِينَ هُمْ فِيكُمْ تَبَعًَا، لاَ يَبْتَغُونَ أَهْلًا وَلاَ مَالًا..)) الحديث"[25].
ومن ذلك قول عمر بن الخطاب: "لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق ويقول: اللهم ارزقني، فقد علمتم أن السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة"[26].
وقال ابن مسعود: "إني لأكره أن أرى الرجل فارغًا لا في أمر دنياه، ولا في أمر آخرته" [27].
ومما تقدم من النصوص والآثار السابقة يتبين لنا الآتي:
1- أن الإنسان يسعى لرزقه ويبذل الأسباب المشروعة كما أُمر، والله تعالى يبارك في هذا السعي، قال تعالى: (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) وقال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) [الذاريات: 56 - 58].
2- أن الرزق ليس مرتبطًا بالشهادات الدراسية، أو الذكاء، أو الحصول على وظيفة حكومية، فكم من رجل أُمي لا يقرأ ولا يكتب، ومع ذلك يملك الأموال الطائلة.
3- أن المجالات والفرص المتاحة كثيرة، ولكن يحتاج الإنسان لتشغيل الذهن، والتفكير المثمر، والعمل الجاد بعد الاستعانة بالله.
وإليك بعض الأسباب التي تعين على نجاح التجارة أُخذت من النصوص الشرعية، وسؤال المختصين في ذلك:
1- حسن النية في التجارة، وأن يقصد الاستعفاف، والاستغناء عن سؤال الناس، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي سعيد الخدري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((مَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللّه، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللّهُ))[28].
روى الحاكم في المستدرك من حديث سهل بن سعد -رضي الله عنه- قال: جاء جبريل -عليه السلام- إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "يَا مُحَمَّدُ، عِشْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ، وَأَحْبِبْ مَنْ أَحْبَبْتَ فَإِنَّكَ مَفَارِقُهُ، وَاعْمَلْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَجْزِيٌّ بِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، شَرَفُ الْمُؤْمِنِ قِيَامُ اللَّيْلِ، وَعِزُّهُ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنِ النَّاسِ"[29].
2- الجرأة في الإقدام على العمل التجاري، قال ابن خلدون: "وأما من كان فاقدًا للجرأة والإقدام من نفسه، فينبغي أن يجتنب الاحتراف بالتجارة"[30].
3- الوعي والإدراك لما يقدم عليه من أمور التجارة وتفاصيلها الدقيقة، فالبعض يقدم على التجارة، ولكنه لا يتابع أمورها، وإنما يكل الأمور للآخرين من موظفين أو عمال فتحصل الخسارة.
4- بذل الأسباب الشرعية من الاستخارة التي علمها النبي -صلى الله عليه وسلم- أمته، روى البخاري، والترمذي، والنسائي من حديث جابر -رضي الله عنه- قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعلَّمنا الاستخارة في الأمور كلها، كما يعلّمنا السورة من القرآن ويقول: ((إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالْأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ، ثُمَّ يَقُول: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ هَذَا الْأَمْرَ يُسَمِّيهِ بِاسْمِهِ، خَيْرًا لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي، وَعَاقِبَةِ أَمْرِي، أَوْ قَالَ عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ، فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي، ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ، وَيَذْكُر الأَمْرَ وَيُسَمِيهِ، شَرٌّ لِي فِي دِينِي، وَمَعَاشِي، وَعَاقِبَةِ أَمْرِي، أَوْ قَالَ فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ فَاصْرِفْهُ عَنِّي، وَاصْرِفْنِي عَنْهُ، وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ)) [31] والتوكل على الله، والاعتماد عليه، وكذلك الاستشارة للمختصين في هذا المجال قبل البدء في العمل التجاري، ودراسة المشروع والجدوى الاقتصادية منه، وحاجة السوق إليه، والاستمرار في الاستشارة حتى يصل المشروع إلى تحقيق أهدافه.
5- تقوى الله ومراقبته في هذه التجارة، فما اتقى الله امرؤ في أي أمر من أموره إلا بارك الله له فيه؛ قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [الأعراف: 96] وقال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا) [الطلاق: 2]، والبعد عن بيع أو شراء ما فيه مخالفات شرعية، أو محرمات، والتورع عن الشبهات، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي سعيد الخدري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "فَمَنْ يَأْخُذْ مَالًا بِحَقِّهِ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَخَذَ مَالًا بِغَيْرِ حَقِّهِ، فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ"[32] قال ابن حجر: "وفيه أن المكتسب للمال من غير حله لا يبارك له فيه لتشبيهه بالذي يأكل ولا يشبع"[33].
وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث النعمان بن بشير -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ، وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ، اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ، وَقَعَ فِي الْحَرَامِ)) [34].
قال عبدالله بن المبارك: "لإن أرد درهمًا واحدًا من شبهة، أحب إلي من أن أتصدق بمئة ألف، وفي الحديث: مَنْ تَرَكَ شَيْئًا للَّه عَوَّضَهُ اللَّهُ خَيْرًا مِنْهُ"[35].
6- الاكتفاء بالربح المناسب، وعدم النظر إلى الغير من التجار والاستعجال للحاق بهم، فمن استعجل شيئًا قبل أوانه عوقب بحرمانه، وقد قيل: قليل دائم خير من كثير منقطع.
روى أبو يعلى في مسنده من حديث أنس بن مالك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((التَّأَنِّي مِنَ اللَّه، وَالْعَجَلَةُ مِنَ الشَّيْطَانِ))[36] قال الشاعر:
قَدْ يُدْرِكُ المُتَأَنِّي بَعْضَ حَاجِتِه *** وَقَد يَكُوُنُ مَعَ المُستَعجِل الزَّلَلُ
7- الترتيب المالي للعمل التجاري فيعرف ما له، وما عليه، وكم سينفق على هذا المشروع من مال؟ وما هي الثمرة المتوقعة منه؟ وما مقدار هذه الأرباح وغير ذلك من التفاصيل الدقيقة التي توضح له الأمور، وتساعده على تجاوز العقبات، ونجاح المشروع.
8- أن بعض المشاريع الصغيرة، أو غير المعروفة فائدتها لدى الناس، قد يتأخر جني الأرباح منها، فتحتاج إلى الصبر بعض الوقت.
9- الصدق في المعاملة من بيع، وشراء، وشراكة، والنصح للمشتري، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث حكيم بن حزام أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((البيِّعانِ بالخِيارِ مالم يَتفرَّقا، فإن صَدَقا وبَيَّنا بُورِكَ لهما في بَيعِهما، وإِن كَتَما وكَذَبا مُحِقَتْ بَرَكةُ بَيعِهما)) [37].
روى الإمام أحمد في مسنده من حديث عبدالرحمن بن شبل -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إِنَّ التُّجَّارَ هُمْ الْفُجَّارُ، قَالَ: قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّه، أَوَلَيْسَ قَدْ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ؟ قَالَ: بَلَى، وَلَكِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَ فَيَكْذِبُونَ، وَيَحْلِفُونَ وَيَأْثَمُونَ))[38].
وروى البخاري ومسلم من حديث جرير بن عبدالله قال: "بَايَعْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى إِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ"[39] فَكَانَ جَرِيرٌ بِنْ عَبْدُ الله إِِذَا اشْتَرَى شَيْئًا أَوْ بَاعَ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ: "اعْلَمْ أَنَّ مَا أَخَذْنَا مِنْكَ أَحَبُّ إِِلَيْنَا مِمَّا أَعْطَيْنَاكَهُ فَاخْتَرْ" وروى الطبراني في ترجمته أن غلامه اشترى له فرسًا بثلاث مائة، فلما رآه جاء إلى صاحبه فقال: إن فرسك خير من ثلاث مئة، فلم يزل يزيده حتى أعطاه ثماني مئة درهم"[40].
10- التبكير في البيع، والشراء، روى أبو داود في سننه من حديث صخر الغامدي -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((اللَّهُمَّ بَارِكْ لأمَّتِي فِي بُكُورِهَا)) وكان النبي -صلى الله عليه وسلم - إذا بعث سرية بعثهم من أول النهار، وكان صخر رجلًا تاجرًا وكان يبعث تجارته من أول النهار، فأثرى وكثر ماله[41].
11- أن يرضى التاجر بما قسم الله له من رزق، روى الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي العلاء بن الشخير قال: حدثني أَحَدُ بني سليم ولا أحسبه إلا قد رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إِنَّ اللَّهَ يَبْتَلِي عَبْدَهُ بِمَا أَعْطَاهُ، فَمَنْ رَضِيَ بِمَا قَسَمَ اللَّه لَهُ، بَارَكَ اللَّهُ لَهُ فِيهِ، وَوَسَّعَهُ، وَمَنْ لَمْ يَرْضَ لَمْ يُبَارِكْ لَهُ))[42].
12- أداء الزكاة في وقتها، ووضعها في مواضعها الشرعية، فهي الركن الثالث من أركان الدين، قال تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) [التوبة: 103]. فالزكاة طهرة ونماء للمال.
13- ألا يبدأ تجارته بالديون الضخمة، فقد يتعرض للخسارة، فيعيش مهمومًا حزينًا وقتًا طويلًا وذمته مشغولة بهذا الدين، وما حوادث الأسهم الماضية عنا ببعيد، فقد حصل فيها من المآسي ما لا يخفى على أحد، كل ذلك بسبب ضعف الدين، وترك التمسك بالتوجيهات النبوية في مثل قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلَّا الدَّيْنَ)) [43].
14- ينبغي حال المشاركة أو المداينة تقييد ذلك كله وتوثيقه حفظًا للحقوق، وأمانًا من النسيان، من أجل ذلك أمر الله بكتابة الحقوق، والإشهاد عليها، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ) [البقرة: 282].
روى الحاكم في المستدرك من حديث أبي موسى الأشعري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ثَلاثَةٌ يَدْعُونَ اللَّه فَلا يُسْتَجَابُ لَهُمْ: رَجُلٌ كَانَتْ تَحْتَهُ امْرَأَةٌ سَيِّئَةَ الْخُلُقِ فَلَمْ يُطَلِّقْهَا، وَرَجُلٌ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ مَالٌ فَلَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ آتَى سَفِيهًا مَالَهُ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ -عز وجل-: (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ)) [44].
15- الحرص على البعد عن التعاملات المحرمة أو المشبوهة أيًّا كانت، ومن ذلك الربوية بشتى صورها وأشكالها لقوله تعالى: (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) [البقرة: 276] ولقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ نَبَتَ لَحْمُهُ مِنْ سُحْتٍ، النَّارُ أَوْلَى بِهِ)) [45].
16- وضع جزء من الربح للصدقة، وهذا من أسباب البركة ونماء المال، روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((بَيْنَا رَجُلٌ بِفَلاَةٍ مِنَ الأَرْضِ، فَسَمِعَ صَوْتًا فِي سَحَابَةٍ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلاَنٍ، فَتَنَحَّى ذلِكَ السَّحَابُ، فَأَفْرَغَ مَاءَهُ فِي حَرَّةٍ، فَإِذَا شَرْجَةٌ مِنْ تِلْكَ الشِّرَاجِ قَدِ اسْتَوْعَبَتْ ذلِكَ الْمَاءَ كُلَّهُ، فَتَتَبَّعَ الْمَاءَ، فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ فِي حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ الْمَاءَ بِمِسْحَاتِهِ، فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ اللّه مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: فُلاَنٌ، لِلاسْمِ الَّذِي سَمِعَ فِي السَّحَابَةِ، فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ اللّهِ لِمَ تَسْأَلُنِي عَنِ اسْمِي؟ فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ صَوْتًا فِي السَّحَابِ الَّذِي هَـذَا مَاؤُهُ يَقُولُ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلاَنٍ، لاِسْمِكَ، فَمَا تَصْنَعُ فِيهَا؟ قَالَ: أَمَّا إِذْ قُلْتَ هَـذَا، فَإِنِّي أَنْظُرُ إِلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، فَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ، وَآكُلُ أَنَا وَعِيَالِي ثُلُثًا، وَأَرُدُّ فِيهَا ثُلُثَهُ)) [46].
روى الترمذي في سننه من حديث قيس بن أبي غرزة قال: خرج علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن نسمى السماسرة، فقال: ((يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ، إِنَّ الشَّيْطَانَ وَالْإِثْمَ يَحْضُرَانِ الْبَيْعَ، فَشُوبُوا بَيْعَكُمْ بِالصَّدَقَةِ)) [47].
17- إعطاء العاملين، والموظفين وغيرهم ممن يتعامل معهم في تجارته حقوقهم كاملة من غير ظلم ولا إساءة، فهذا ركن أساس في التوفيق في التجارة، وحلول البركة فيها، روى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((قَالَ اللَّه تعالى: ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ)) [48].
18- الاستعانة على قضاء تجارته ورعايتها بالكتمان حفظًا له من العين، والحسد من قِبل ضعاف النفوس، فليس من الحكمة أن يجعل تجارته وعمله حديث المجالس، وقد ورد في الأثر: ((استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان)) [49] فهذا الحديث وإن كان ضعفه بعض أهل العلم إلا أن معناه صحيح.
19- ألا يبيع بيته الذي يسكن فيه، أو مزرعته التي يقتات منها ثم يضعها في مشروع تجاري قد يربح أو يخسر، روى الإمام أحمد في مسنده من حديث سعيد بن حريت قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((مَنْ بَاعَ دَارًا أَوْ عَقَارًا فَلَمْ يَجْعَلْ ثَمَنَها فِي مِثْلِهِ، كَانَ قَمِنًا أَلَا يُبَارَكَ فِيهِ)) [50] قال الشيخ أحمد البنا: "لما كانت الدار كثيرة المنافع، قليلة الآفة، لا يسرقها سارق، ولا يصيبها ما يصيب المنقولات، كره الشارع بيعها؛ لأن مصيره إلى التلف إلا إذا اشترى به غيرها فلا كراهة"[51].
20- استخدام وسائل التقنية الحديثة في مجال البيع والشراء، وأمور التجارة، فهي تسهل على التاجر كثيرًا من الأمور، وتساعده في سرعة البيع والشراء، وحفظ الحقوق...، وغير ذلك.
21- أن يتعلم أحكام التجارة، وما يحل فيها، وما يحرم، قال عمر بن الخطاب: "لا يبع في سوقنا إلا من قد تفقه في الدين"[52].
22- الدعاء، فيكثر من الدعاء بأن الله يبارك له في تجارته، ويوسع له فيها، قال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة: 186] وفي الحديث: ((الدُّعَاءُ هُوَ العِبَادَة)) [53].
وهذه بعض القصص في التجارة:
1- روى الإمام أحمد في مسنده من حديث عروة بن أبي الجعد البارقي قال: عُرِضَ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- جَلْبٌ[54]، فَأَعْطَانِي دِينَارًا، وَقَالَ: "أَيْ عُرْوَةُ، ائْتِ الجلب، فَاشْتَرِ لَنَا شَاةً"، فَأَتَيْتُ الْجَلَبَ، فَسَاوَمْتُ صَاحِبَهُ، فَاشْتَرَيْتُ مِنْهُ شَاتَيْنِ بِدِينَارٍ، فَجِئْتُ أَسُوقُهُمَا -أو قال: أقودهما- فَلَقِيَنِي رَجُلٌ، فَسَاوَمَنِي، فَبِعْتُهُ شَاةً بِدِينَارٍ فَجِئْتُ بِالدِّينَارِ وَجِئتُهُ بالشَّاةِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّه، هَذَا دِينَارُكُمْ، وَهَذِهِ شَاتُكُمْ، قَالَ: "وَصَنَعْتَ كَيْفَ؟ " فَحَدَّثْتُهُ الْحَدِيثَ، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُ فِي صَفْقَةِ يَمِينِهِ" فلقد رأيتني أقف بكناسة[55] الكوفة، فأربح أربعين ألفًا قبل أن أصل إلى أهلي، وكان يشتري الجواري ويبيع[56].
2- روى البخاري ومسلم والنسائي من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إِنَّ رَجُلًا لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ وَكَانَ يُدَايِنُ النَّاسَ، فَيَقُولُ لِرَسُولِهِ: خُذْ مَا تَيَسَّرَ، وَاتْرُكْ مَا عَسُرَ، وَتَجَاوَزْ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا فَلَمَّا هَلَكَ. قَالَ لَهُ اللَّه -عز وجل-: هَلْ عَمِلْتَ خَيْرًا قَطُّ؟، قَالَ: لَا، إِلَّا أَنَّهُ كَانَ لِي غُلَامٌ وَكُنْتُ أُدَايِنُ النَّاسَ، فَإِذَا بَعَثْتُهُ لِيَتَقَاضَى، قُلْتُ لَهُ: خُذْ مَا تَيَسَّرَ وَاتْرُكْ مَا عَسُرَ وَتَجَاوَزْ لَعَلَّ اللَّهَ يَتَجَاوَزُ عَنَّا. قَالَ اللَّه تعالى: قَدْ تَجَاوَزْتُ عَنْكَ)) [57].
وكان حكيم بن حزام -رضي الله عنه- من مشاهير الصحابة، وكان تاجرًا في الجاهلية والإسلام، وكان له حظ عظيم في التجارة لكثرة إنفاقه، وحرصه على الخير، روى الزبير بن بكار عنه أنه قال: وكنت رجلًا مجدودًا[58] في التجارة، ما بعت شيئًا قط إلا ربحت فيه، ولقد كانت قريش تبعث بالأموال وأبعث بمالي، فلربما دعاني بعضهم إلى أن يخالطني بنفقته، يريد بذلك الجد في مالي، وذلك أني كنت كل ما ربحت تحنثت به أو بعامته، أريد بذلك ثراء المال والمحبة في العشيرة[59].
3- روى الزبير بن بكار عن مصعب بن عبدالله قال: سمعت أبي يقول: قال عبدالله بن الزبير: قُتل أبي وترك دينًا كثيرًا، فأتيت حكيم بن حزام أستعين برأيه وأستشيره، فوجدته في سوق الظهر، معه بعير آخذًا بخطامه يدور به في نواحي السوق، فسلمت عليه وأخبرته ما جئت له، فقال: البث علي حتى أبيع بعيري هذا، فطاف وطفت معه، حتى إني لأضع ردائي على رأسي من الشمس، ثم أتاه رجل فأربحه فيه درهمًا، فقال: هو لك، وأخذ منه الدرهم، فلم أملك أن قلت له: حبستني ونفسك ندور في الشمس من اليوم من أجل درهم! فوددت أني غرمت دراهم كثيرة ولم تبلغ هذا من نفسك! فلم يكلمني، وخرجت معه نحو منزله، حتى انتهى إلى هدم بالزوراء فيه عُجيز من العرب، فدنا إليها فأعطاها ذلك الدرهم، ثم أقبل علي فقال: يا ابن أخي، إني غدوت اليوم إلى السوق، فرأيت مكان هذه العجوز، فجعلت لله عليّ أن لا أربح اليوم شيئًا إلا أعطيتها إياه، فلو ربحت كذا وكذا لدفعته إليها، وكرهت أن أنصرف حتى أصيب لها شيئًا، فكان هذا الدرهم الذي رُزقت[60].
4- روى هشام بن عروة عن أبيه عن عاصم بن عمر، قال: زوجني أبي، وأنفق علي شهرًا، ثم أرسل إلي بعدما صلى الظهر، فدخلت عليه، فحمد الله - عز وجل - وأثنى عليه ثم قال: إني ما كنت أرى هذا المال يحل لي، وهو أمانة عندي إلا بحقه، وما كان قط أحرم علي منه حين وليته، فعاد أمانتي، وقد أنفقت عليك شهرًا من مال الله، ولست زائدك عليه، وقد أغنيتك بثمن مالي، فبعه، ثم قم في السوق إلى جنب رجل من قومك، فإذا صفق سلعة، فاستشركه ثم بع، فكل وانفق على أهلك[61].
والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ـــــــــــــــــ
[1] تفسير البغوي (2/945).
[2] تفسير ابن كثير (13/563).
[3] تفسير ابن كثير (14/172).
[4] تفسير القاسمي (9/346).
[5] (28/502) برقم (17265)، وقال محققوه حسن لغيره.
[6] برقم (2072).
[7] سنن الترمذي برقم (1358)، وقال: حديث حسن صحيح.
[8] برقم (1471).
[9] صحيح مسلم برقم (2379).
[10] برقم (2262).
[11] السيرة النبوية لابن هشام (2/234-235).
[12] صحيح البخاري برقم (3780)، وصحيح مسلم برقم (1427).
[13] إحياء علوم الدين (2/943).
[14] تاريخ بغداد (10/160).
[15] إحياء علوم الدين (2/943).
[16] مسند الإمام أحمد (2/92)، وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء (15/509): إسناده صالح.
[17] أي أنها تذهب في أول النهار جائعة، وترجع في آخر النهار وقد امتلأت بطونها بالطعام.
[18] سنن الترمذي برقم (2344) وقال: حديث حسن صحيح، ومسند الإمام أحمد (1/332) برقم (205)، وقال محققوه: إسناده قوي.
[19] صحيح البخاري برقم (2071).
[20] صحيح البخاري برقم (2070).
[21] صحيح البخاري برقم (2062)، وصحيح مسلم برقم (2153).
[22] الأغيار: جمع غير، والمراد الغير من الناس.
[23] إحياء علوم الدين (2/942-944) بتصرف.
[24] قيل الذي لا مال له.
[25] برقم (2865) شرح صحيح مسلم للنووي (17/196).
[26] إحياء علوم الدين (2/942).
[27] المصدر السابق نفسه.
[28] صحيح البخاري برقم (1469) وصحيح مسلم برقم (1053).
[29] مستدرك الحاكم (5/463)، برقم (7991)، وقال المنذري في كتابه: الترغيب والترهيب (1/485)، رواه الطبراني في الأوسط، وإسناده حسن، وصححه الشيخ الألباني - رحمه الله - في صحيح الجامع الصغير برقم (73).
[30] مقدمة ابن خلدون (ص410).
[31] صحيح البخاري برقم (6382)، وسنن الترمذي برقم (480)، وسنن النسائي برقم (3253).
[32] برقم (6427) وصحيح مسلم برقم (1054) واللفظ له.
[33] فتح الباري (11/249).
[34] صحيح البخاري برقم (52)، وصحيح مسلم برقم (1599)، واللفظ له.
[35] مسند الإمام أحمد (38/170)، برقم (23074)، وقال محققوه: إسناده صحيح.
[36] مسند أبي يعلى (7/247)، برقم (4256)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (4/404)، برقم (1795).
[37] برقم (2110)، وصحيح مسلم برقم (1532).
[38] (24/290) برقم (15530)، وقال محققوه: حديث صحيح.
[39] صحيح البخاري برقم (57)، وصحيح مسلم برقم (56).
[40] فتح الباري (1/139).
[41] سنن أبي داود برقم (2606)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (2/494) برقم (2270).
[42] (33/403) برقم (20279)، وقال محققوه: إسناده صحيح.
[43] صحيح مسلم برقم (1886).
[44] مستدرك الحاكم (3/23) برقم (3235)، وصححه الشيخ ناصر الدين الألباني كما في السلسلة الصحيحة برقم (1805)، ورجح بعضهم وقفه.
[45] قطعة من حديث في مسند الإمام أحمد (23/425) برقم (15284)، وقال محققوه: إسناده قوي على شرط مسلم.
[46] برقم (2984).
[47] برقم (1208)، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
[48] برقم (2270).
[49] رواه الطبراني وضعفه العجلوني في كشف الخفاء ومزيل الإلباس (ص135).
[50] (31/36) برقم (18739)، وقال محققوه: حديث حسن بمتابعاته وشواهده.
[51] الفتح الرباني (15/26).
[52] سنن الترمذي برقم (487)، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (1/151) برقم (404).
[53] سنن أبي داود برقم (1479)، وسنن الترمذي برقم (3247)، وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح.
[54] الجلب: البضاعة التي تجلب إلى السوق.
[55] الكناسة بالضم: اسم موضع بالكوفة.
[56] (32/110) برقم (19367)، وقال محققوه: مرفوعه صحيح وهذا إسناد حسن.
[57] صحيح البخاري (2078)، وصحيح مسلم برقم (1562)، وسنن النسائي برقم (4694)، واللفظ له.
[58] أي: محظوظًا.
[59] جمهرة أنساب قريش للزبير بن بكار (ص371).
[60] جمهرة أنساب قريش للزبير بن بكار (641).
[61] جمهرة أنساب قريش للزبير بن بكار (2280).
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 83.08 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 81.16 كيلو بايت... تم توفير 1.93 كيلو بايت...بمعدل (2.32%)]