وكان لأبي رأي آخر··· - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         الاكتفاء بسماع أذكار الصباح والمساء عند قولها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          الفرق بين صلاة التراويح وصلاة القيام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          قراءة القرآن بصوت مرتفع في المسجد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          الفرصة الأخيرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          ترزقوا وتنصروا وتجبروا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          لا سمَرَ إلَّا لِمُصَلٍّ ، أوْ مُسافِرٍ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          على أبواب العشر الأواخر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          رمضان شهر الإقبال على مجالس العلم والعبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          التغيير الشامل في رمضان .. هل هو ممكن؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          تاريخ غزوة بدر .. الميلاد الثاني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى الشعر والخواطر > من بوح قلمي

من بوح قلمي ملتقى يختص بهمسات الاعضاء ليبوحوا عن ابداعاتهم وخواطرهم الشعرية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 09-06-2020, 11:20 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,505
الدولة : Egypt
افتراضي وكان لأبي رأي آخر···

وكان لأبي رأي آخر···
محمد مكين صافي




كان لأبي رأي آخر·· وكان يقترب مني ويقول: >يا بني دعك منهم··· إنهم قوم لا يتقنون غير الكلام ويبيعونه لكل من يستمع من البسطاء والخاملين··· وحاشاك أن تكون منهم!<·
ولكنني أحبهم··· حديث الشيخ >بسام< يدخل قلبي·· ويشعرني كم أنا مهم ولي دور أكثر من الدراسة وامتحانات آخر العام·· ثم إنهم يحبونني·· يحبونني كأنني واحد منهم أو كأنهم يعرفونني من زمن·· وما طلبت مساعدتهم في شيء إلا فعلوه مبتسمين·· وقد صرت معهم أحفظ القرآن وأتقن تجويده·· وهذا ما يسعدني ويشعرني بالرضا عن نفسي·
وأبي مثقف كبير ومتكلم بليغ لا يشق له غبار·· ولا أدري كيف أنشأ أخيراً علاقة طيبة بتجار >المنطقة التاسعة< رغم أنه لا يرضى عن جشعهم·· وهو يحب أن يحيا كما يهوى·· ويردد دائماً >أنا حر·· إذاً أنا إنسان!··<·· وعندما اصطحبنا في الصيف الماضي في إحدى رحلاته البعيدة أدهشتني هناك الألوان الباهرة التي مرت بنا·· وأدركني العجب وكاد عقلي يُسلب مني·· وتسليت واستمتعت كثيراً··· ولكنني مع هذا أبديت له من الضيق الشيء الكثير··· أزعجني جداً أن أنزل بلداً لا أسمع فيه صوت الأذان·· كيف يعيش هؤلاء الناس دون أن يسمعوا كلمات التوحيد؟!·· كيف يهنأون بالعيش في مكان لا يزوره الملائكة ولا الرحمة التي تنزل بها الملائكة؟!
كنت في حاجة إلى شيء آخر·· فاغتنمت فرصة انشغاله بأعماله واقترحت على أخوتي أن يزور مكاناً مختلفاً·· فقد سمعت كثيراً عن شلال شهير·· أنعم الله به على أهل هذه البلاد·· فقصدناه·· وهناك·· أدركنا روعة المشهد الآسر·· وأخذنا بجلال الخالق وهو يتجلى في التيار الهادر يتدفق من حيث لا ندري ويمضي حيث قدَّر له مولاه العليم البصير!·· هناك·· كنا نقف وجهاً لوجه أمام بديع صنع الله·· الله المعجز في كل شيء·· وأحسست ـ دون أن أدري كيف ـ كأن المشهد يخاطبني أنا·· ويهمس لي بأن الله يحبني·· وقد خلق لي كل هذا الجمال ليؤنسني ويخفف عني إذا صادفت دربي العقبات·· فأحسست بشلال مماثل من الحبور يتدفق ويروي كياني·· وينسيني كل الأضواء الباهرة التي كادت تسلب عقلي منذ حين!·
لكن أبي استاء كثيراً حين عاد·· صاح فينا: >كيف؟!·· ألم تذهبوا إلى >الريفيرا<؟!·· لقد تكلفت الكثير حتى حجزت لكم في الصفوف الأولى!·· ما هذا السفه!·· إنها فكرتك أليس كذلك؟!·· كيف فعلت هذا بإخوتك؟!·· كيف أمكنك أن تضيع عليهم وعلى نفسك هذه المتعة؟!<·· ومنعني ما بي من الحبور أن أشرح لأبي كيف!·
وأبي لا يزور المسجد ولا حتى في يوم الجمعة·· يقول: إن رائحة المسجد وازدحام المصلين يثيران نفوره·· ثم إن الإيمان بالقلب فليس به حاجة لأن يصلي·· وفوق هذا يردد: >وماذا في المسجد؟!·· هل تصدق أنهم يركعون هناك فقط ويتعبدون·· لا·· إن تحت العباءة ما تحتها·· ثم ما هذه الفوضى الفكرية؟!·· أي أحد يصعد المنبر ويصرخ بما يشاء·· ويحشو عقول العامة بما تمتلئ به نفسه على الدنيا وأهلها دون رقيب ولا حسيب؟!<·
وأنا بدأت أعرفهم وأعجب بهم، وأسمع من كلامهم ما لا تأباه فطرتي التي أثق بها·· ويأبى أبي هذا·· >احذر فإنك غرير!·· سيستغلون جهلك بنواياهم ثم يملئونك بالتوافه ويشغلونك بها ومن بعدها تأتي الطامة!<··· ولكنني كنت أفكر في مستقبلي الأبعد·· وأتوق لأن أفوز بالسبق هناك··· ولاسيما أن نصائح الشيخ >بسام< لم تعطلني عن شيء كما تخوّف أبي!··
وأنا أعترف بأن يكون له رأي آخر··· كما أنني أحبه ولا أجد رغبة أو دافعاً لأن أعصيه·· كل ما أتمناه هو ألا يقف بيني وبين المسجد!··· لهذا وافقته عندما دعاني لاصطحابه إلى تلك الخيمة الرمضانية كما سماها·· قال: >مهم جداً أن تصاحبني يا بني·· مهم جداً لتتذوق معي منتجات الحضارة كما أبدعها العباقرة والنابغون!·· دع روحك تتشرَّب بعضاً من الجمال·· لعل شيئاً من نضارة الحياة يتسرب إلى داخلك فتجلو منه العتمة!<·· ومضينا وهو يتابع حديثه عن الموسيقا وأثرها على النفس وما تفعله في تهذيب الروح وصقل المشاعر والارتقاع بها إلى أعلى: >الموسيقا يا ولدي هي غذاء الروح·· وأداة الناس في التعبير عن ذاتهم·· عن آلامهم·· عن آمالهم·· عن الحياة كما يرونها·· ألا تلاحظ اختلاف الألحان باختلاف الشعوب·· ما من أمة إلا ولها موسيقاها وألحانها الخاصة بها!·· والفنون الراقية هي جزء من تراث الشعوب·· لا ينفصل عنها أبداً·· ولا تتخلى هي عنه ما دامت حرة تتحرك على هواها·· إلا أن يستولي على قرارها ظلاميون يكرهون الحياة ومسراتها فيطفئونها بدعوى محاربتهم للمنكرات·· والمشكلة يا ولدي أن كل جديد لديهم منكر·· وكل جميل وراق في حياتنا هو في نظرهم منكر·· وشعارهم الذي لا يفنى: >من رأى منكراً فليغيِّره بيده!<·
ولم يكن لديَّ إلمام بالفنون التي أحبها أبي كثيراً ومدحها وأفاض·· ولكنني أفهم أن يكون للأمة >ذات< أو لا، ثم تبحث ثانياً عن الأداة التي تعبر بها عن هذه الذات!··· أما أن تضطرب ذاتها ثم تهرول لتسمع كيف يعبر >الأقوياء< عن ذاتهم·· فهذا ما لا أستطيع استيعابه·· تماماً كم كنت لم أستطع أن أستوعب هذا الخليط من الصخب والهياج والضوضاء التي قال أبي إنها غذاء الروح!·· كانت جرعة الزعيق الذي انطلق من مكبِّر الصوت أقوى كثيراً مما تحتمله روحي الجائعة فعلاً إلى غذاء ما··· ويبدو أنها تعودت على ترتيل القرآن وشجوه·· لهذا أصابني صداع شديد دفعني لأن أقترح على أبي العودة ولو وحدي·· فغضب وأطلق مكنون قذائفه: >لا فائدة·· غسلوا دماغك·· وقدري أن يعيش في بيتي ولد محروم من كل مفردات الحضارة··· يرضى بالانغلاق وعيش في الكهوف المظلمة!···<، ولم أملك من الدوار أن أتابعه··· كما لم أفهم لم صب جام غضبه على الشيخ >بسام< نفسه حين تناهى إليه أنه تم منع إحدى الحفلات من تلك التي أصابتني بالدوار!··· أو لماذا انفعل بحدة وعنف وكأنه قد دفع أجر المطربة الممنوعة من جيبه!·
على أنه خاصمني يوم نويت أن أدرس في كلية الشريعة·· خاصمني بجد كما لم يفعل من قبل وكما لم يخاصم أحداً من أخوتي·· دون أن أفهم لماذا؟·· مع أنه كثيراً ما علمنا كيف نكون أحراراً في قراراتنا·· لقد انتفض بكل ما أعرف فيه من قوة وصاح: >مستحيل أن أسمح بهذا·· أبعد الجهد والعلامات الطيبة أتركك تتعلم أحكام الحيض والنفاس؟!·· مستحيل!··<·
وكان جاداً فيما قال ومصراً عليه·· وعرض عليَّ في مقابل العدول عن اختياري كل ما أشاء: >تستطيع أن تسافر·· سافر إلى هناك·· إلى البلاد الباردة لتر الدنيا التي يجدر بك أن تعيشها·· ستجد هناك الإمكانات التي تفتح لك أبواب المستقبل الباهر!···<·· ورفض أن يسمعني لأشرح له لماذا أكره بردهم!·· لم يسمعني·· وقطع كل حوار ممكن بيننا·· وأمسك بناصيته وهو يردد >يا خجلي من الناس·· يا خجلى من الرّبع!···<·
حتى كادت تصل بيننا إلى أزمة·· هو يكره لي أن أصير ظلامياً كما قال·· لئلا أشينه بين أصحابه روَّاد >الرابطة<·· وأنا لا رغبة لي في السفر إلى حيث أشار بعد ما شاهدت في >بيت جنين< نماذج >المن والسلوى< التي يعدوننا بها!···
وأستاء أبي كثيراً بسبب ما قررت لمستقبلي·· وركبه الهمّ من أجلي·· ونادى في الملأ: >من السبب في أن يكون ولدي هكذا؟!·· كل أولادي منفتحون عقلاء يطيعونني ويتبعون ما أشير به عليهم·· إلا هذا الولد·· لقد خرَّبوه كما خرَّبوا العشرات قبله!··<·
وقرر ألا أدخل بيتنا رغم توسلات أمي··· وهذا ما أثار حزني·· لا منه بل عليه·· فأنا ما زلت أحبه!·· ويهون عليَّ أن أبيت في المسجد وأعيش على ما تسربه لي أمي من نفقات·· ولكن غضبه عليَّ شديد·· مثلما أن حزني شديد على صورته التي كانت سامية في نفسي فمحاها بالطريقة التي عالج بها قراري!·
وحتى لـمَّا تدخل >خالي< وعرض عليه أن يحتويني ريثما تزول الأزمة·· رفض داعياً إلى إقصائي إلى بعيد·· وصاح بشدة لم يستعملها من قبل مع أخي الفاشل في دراسته: >هذا الولد مرض هو ولحيته الطويلة·· ولابد من نفيه بعيداً لئلا يصيب بعدواه باقي الأولاد·· ولو تركته فليس غريباً أن يحيل بيتي هذا إلى حلقة للذكر أو وكر للظلام!···<·
وخفت عليه·· خفت عليه هو قبل أي أحد سواه·· عندما يصدق أب مثل هذا الافتراء عن ابنه دون تحقيق وإرضاء >للغرباء< فهذا أمر مخيف بحق·· بل هو انقلاب!··· أجل انقلاب على كل ما توارثته ديرتنا من حسن تربيتها لأبنائها·· وعلى ثقتها المطلقة بهذه التربية·· ولقد انقلب أبي فعلاً إنساناً مختلفاً تماماً عن ذلك الذي كنت أسمعه في المنتديات يدعو عبر مكبر الصوت: >اسمعوا أيها الرفاق أقول لكم: إنما هي معادلة بسيطة وخطيرة في آن معاً·· حرية المواطن تساوي حرية الوطن·· كرامة المواطن مثلها كرامة الوطن·· سيادة المواطن على نفسه تعادل سيادة الوطن على أرضه وضمن حدوده<·· وكنت أهتز طرباً وتيهاً وأنا أسمع التصفيق والهتافات ترجّ الصالة لتصل إلى عنان السماء!!·· من أجل هذا خفت عليه وعلى كل القيم الجميلة التي كانت يهتف بها!!·
ولكنه مريض··· أبلغوني أن مسألتي معه ما انتهت بطردي·· وأنه أحس بالأرض تهتز من تحته لأنني كبرت وصرت أقول ما أفكر فيه كما قال >لخالي<··· ولهذا أصابه المرض·· بل أقعده في فراشه··· فأحسست بالحنين إليه وإلى أخوتي·· وأدركتني الشفقة عليه·· إنه أبي على كل حال ويحزنني جداً أن يمرض بسببي أو أن أكون سبباً في أي أذى يصيبه·· لأن ديني يمنعني وربي أمرني بالإحسان إليه وإلى أمي!·
لذلك عزمت أن أعود إلى البيت الكبير مهما كنت أتوقع هناك من السوء·· وقلت أقف على خدمته كما أمرني ربي حتى يشفى ثم يفعل الله ما يشاء·· ولكنه أشاح بوجهه عني أول ما دخلت·· فلم أتراجع·· منظره وهو ضعيف أثار شفقتي وحجب عني أي تفكير سوى أن أخدمه لعله يشفى!·· ولكن يبدو أن الحال بلغت ذروتها معه·· فقد أخبرني الطبيب إن إفراطه في التدخين أثَّر على الشريان الأكبر مما يصعب شفاؤه·· ولم أتعجب وإن كنت حزنت أكثر·· ومع هذا فقد كان يقيني بالله وقدرته أقوى مما أرى وأسمع·· لذلك قلت لهم وأنا أدري ما أقول: >إذا حل القضاء فليس إلا الدعاء يرفعه!<·
وسهرت إلى جانبه ليال معدودة·· وقرأت فوق رأسه القرآن وما أحفظ من أدعية رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم رغم أنه أبي··· وصمدت أمام التعب كما لم يصمد أخوتي المتشاغلون، وكانت حاله الذابلة أمام نظري تزيدني صبراً على طلباته وعلى سهر الليالي··· وكنت طوع يديه·· وكلما سمعت أنَّته قلت: لبيك ليتني كنت فداءك·· ولساني قبل كل حبة دواء يلهج: (وإذا مرضت فهو يشفين)·· وهو ينظر إليَّ ويطيل النظر دون أن يتكلم كأنه يراني للمرة الأولى·
وأدركته مرة حال من اليقظة غريبة·· فتح عينيه بعد إغفاءة طويلة ونظر صوب النافذة وقال: >في أي وقت نحن؟!<·· وقبل أن أجيب بأنه وقت الشروق قال: >أيما كان الوقت فإنه يبدو جميلاً·· بل أرى الدنيا كلها جميلة·· لم يسبق لي أن تأملتها في مثل هذه اللحظة أو شاهدتها بمثل هذا الجمال·· يا للعجب!·· أين كنت أحيا إذا·· شعاع الشمس جميل·· الصبح وهو يتنفس جميل·· الربيع·· أصوات الطيور·· هواء الصبح البارد الندي·· كلها صور من الجمال شغلتني دنياي الضيقة عن اكتشافها·· يا للكارثة·· هل كان يمكن أن تنقضي حياتي بهذا المرض دون أن أتنعم بما حولي من شلال الجمال هذا·· أي غباء كنت فيه وأنا غافل عن هذا كله؟!···<·
وأدركتني نحوه عاطفة من الحب أقوى مما كان·· فاقتربت منه وأمسكت بيده فلم يسحبها··· وقعدت إلى جواره أفسح لي·· وشجعني هذا أن أقول: >أيمكن أن ينشأ هذا من نفسه يا أبي·· أيمكن أن يوجد من غير موجد؟!·· أيمكن أن يكون هذا الموجد غير الله الذي أوجدنا وأوجد الكون بأسره لنا ومن أجلنا؟!·· أيمكن أن يكون هذا الإبداع كله من أجل لا شيء·· أو من أجل أن نعيش سويعات أو أياماً أو سنين حتى···، ثم يدركنا المرض·· ثم·· لا شيء؟!<·
ولم أستطع أن أكمل بشيء·· عيناه الممتلئتان بالدموع أوعزتا إلى أن كفى·· فتوقفت·· وأنا أحس كأن كلمات الحق التي ألهمني مولاي قد أخذت تسري في كيان أبي حتى كأني أراها تسري ظاهرة في جوارحه وملامحه وقسمات وجهه تماماً مثل جريان الدم في عروقه!·
ومرت أيام قبل أن يبشرنا الطبيب بأن أبي قد تجاوز الحال الخطرة من مرضه وأن استمراره بالراحة التي مضت عليها سوف يسرّع في شفائه التام·· فبقيت على ما أنا عليه أياماً آخر زدته فيها قرآناً يُتلى وأحاديث كريمة رجوت بها أن أقرب من نفسه مصادر عقيدتنا بعدما ابتعد عن صفائها لأسباب لا أعرفها·
حتى أتى اليوم الذي طلب فيه بعض الطعام بنفسه·· فأحسست بأن الخيط الأبيض من شفائه قد تبين·· وأنه قد بدأ يستردُّ بفضل الله شيئاً من عافيته·· ويومها·· يومها نظر نحوي نظرة طالت وكأنه يراني للمرة الأولى·· بينما طيف دمع تمتلئ به عيناه!·
وغصَّ البيت على سعته بأشتال الورود·· وامتلأ بالرفاق ونساء الرفاق المهنئين·· وأقسموا أن يجعلوا مناسبة شفائه حفلة عظيمة·· وكانت ليلة عامرة بحق·· ولكنها كما همس بعض الرفاق في أذن أبي وهو ينظر نحوي: >لو صرفته إلى المسجد لكان الحال تغيَّر·· لقد حرمنا من أكثر الفقرات تشويقاً···<·
وتوقعت أن يصادق أبي على رأيه وأن يشير إليَّ بالمغادرة·· أو يبتسم له أو يهزّ رأسه أسفاً على الأقل·· أو ينظر نحوي نظرة تجرحني أمام >الرَّبع<·· وهممت أن أغادر··· ولكنني حين نظرت في وجهه لم أفعل··· بل لم أستطع أن أفعل··· فقد كان لأبي رأي آخر!·

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 59.99 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 58.10 كيلو بايت... تم توفير 1.88 كيلو بايت...بمعدل (3.14%)]