أدلة ثبوت النسب: الفراش - القيافة - الإقرار - البينة - حكم القاضي - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         شرح النووي لحديث: ليت رجلا صالحا من أصحابي يحرسني الليلة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          أنسيت بأنك في غزة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4418 - عددالزوار : 855332 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3949 - عددالزوار : 390143 )           »          معنى قوله تعالى: {ليبلوكم أيُّكم أحسنُ عملاً} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 61 )           »          تخصيص رمضان بالعبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »          ذكر الله دواء لضيق الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          بيان فضل صيام الست من شوال وصحة الحديث بذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 49 )           »          صيام الست من شوال قبل صيام الواجب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > فتاوى وأحكام منوعة

فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 29-03-2020, 03:51 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,931
الدولة : Egypt
افتراضي أدلة ثبوت النسب: الفراش - القيافة - الإقرار - البينة - حكم القاضي

أدلة ثبوت النسب: الفراش - القيافة - الإقرار - البينة - حكم القاضي
أ. د. محمد جبر الألفي


أولاً: الفراش:
سبق أن بينا معنى الفراش لغة واصطلاحاً، كما أشرنا إلى مراتبه التي أوردها فقهاء المذهب الحنفي. وقد اتفق الفقهاء من مختلف المذاهب على ثبوت النسب بالفراش، لما أخرجه الشيخان [1] عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: اختصم سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة [2] في غلام، فقال سعد: هذا يا رسول الله ابن أخي عتبة بن أبي وقاص، عهد إلي أنه ابنه، انظر إلى شبهه. وقال عبد بن زمعة: هذا أخي يا رسول الله، ولد على فراش أبي من وليدته. فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شبهه فرأى شبهاً بيّناً بعتبة، فقال: "هو لك يا عبد بن زمعة، الولد للفراش وللعاهر الحجر، واحتجبي منه يا سودة بنت زمعة". قالت: فلم ير سودة قط. فأثبت النبي صلى الله عليه وسلم نسب الغلام لصاحب الفراش، على الرغم من الشبه البين بمن ادعاه.


وفي حديث آخر رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الولد للفراش، وللعاهر الحجر" [3].


فإذا تعينت المرأة للولادة لشخص واحد ثبت الفراش، والنسب فيه لا ينتفي إلا باللعان متى توافرت شروط ثبوت النسب التي أوردناها فيما سبق.


وقد ذكرنا - عند الحديث عن النكاح - أن الفقهاء ألحقوا بالنكاح الصحيح - في ثبوت النسب - كلاً من النكاح الفاسد والوطء بشبهة، متى توافرت شروط ثبوت النسب.

ثانياً: القيافة:
سبق أن بيّنا معنى القيافة في اللغة وفي الاصطلاح، كذلك أوردنا ما اشترطه الفقهاء الذين ذهبوا إلى إثبات النسب بالقيافة.


وقد اختلف الفقهاء في اعتماد القيافة كواحد من أدلة إثبات النسب على قولين:
1- فذهب الجمهور من المالكية [4] والشافعية [5] والحنابلة [6] إلى اعتماد القيافة في إثبات النسب عند التنازع وعدم وجود دليل أقوى منها، أو عند تعارض الأدلة الأقوى منها. واستدلوا بما روي عن السيدة عائشة < قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل علي مسروراً تبرق أسارير وجهه، فقال: "ألم تري أن مجززاً نظر آنفاً إلى زيد بن حارثة وأسامة ابن زيد فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض" [7]. وفي سنن أبي داود أنهم كانوا في الجاهلية يقدحون في نسب أسامة لأنه كان أسود شديد السواد مثل القار، وكان زيد أبيض مثل القطن [8]. فسرور النبي صلى الله عليه وسلم بقول القائف إقرار منه بجواز العمل به في إثبات النسب [9]. وأصول الشرع وقواعده والقياس الصحيح يقتضي اعتبار الشبه في لحوق النسب، والشارع متشوف إلى اتصال الأنساب وعدم انقطاعها، فلا يستبعد أن يكون الشبه الخالي عن سبب مقاوم له كافياً في ثبوته [10].


واعتماد القيافة كدليل لإثبات النسب يعمل به - عند الشافعية والحنابلة - في إثبات نسب ولد الزوجة أو الأمة [11].


وهو رواية ابن وهب عن مالك [12]، والمشهور من مذهب مالك أن القيافة إنما يقضى بها في ملك اليمين فقط، لا في النكاح [13].


2- وذهب الحنفية إلى أن النسب لا يثبت بقول القافة؛ لأن الشرع حصر دليل النسب في الفراش، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الولد للفراش"، وغاية القيافة إثبات المخلوقية من الماء لا إثبات الفراش، فلا تكون حجة لإثبات النسب، وقد شرع الله عز وجل حكم اللعان بين الزوجين عند نفي النسب، ولم يأمر بالرجوع إلى قول القائف لأن مجرد الشبه غير معتبر، فلا يثبت النسب إلا بالنكاح أو ملك اليمين [14].


ثالثاً: الإقرار:
من معاني الإقرار في اللغة: الاعتراف، يقال: أقر فلان بحق، إذا اعترف به [15]. وفي اصطلاح الفقهاء: الإقرار هو الإخبار عن ثبوت حق للغير على المخبر [16]. وذهب بعض الحنفية إلى أن الإقرار إنشاء، وذهب آخرون منهم إلى أنه إخبار من وجه وإنشاء من وجه[17].


والإقرار بالحق مشروع بالكتاب والسنة والإجماع والمعقول، فمن الكتاب قوله تعالى: ﴿ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ ﴾ [البقرة: 282] [18]، وهو دليل على قبول إقراره. ومن السنة: ما روي من أنه صلى الله عليه وسلم رجم ماعزاً بإقراره [19]، فإذا وجب الحد بإقراره على نفسه، فالإقرار بالنسب أولى. وقد أجمعت الأمة على أن الإقرار حجة قاصرة على المقر، وذلك منذ عهد الرسالة إلى يومنا هذا، دون استثناء أو إنكار أحد له [20]. أما المعقول: فلأن العاقل لا يقر على نفسه كاذباً بما فيه ضرر على نفسه أو ماله، فترجحت جهة الصدق في حق نفسه، لعدم التهمة وكمال الولاية[21]. وقد اتفق الفقهاء على أن الإقرار بالنسب حجة، ويثبت به النسب [22] إذا توافرت الشروط الآتية [23]:
1- أن يكون المقر بالنسب مكلفاً (بالغاً، عاقلاً).
2- ألا يكذبه الحس، بأن يولد مثله لمثله.
3- ألا يكذبه الشرع، بأن يكون مجهول النسب، ولا يدعيه شخص آخر.
4- أن يصدقه المقر له على إقراره إذا كان مميزاً.


وكان الإقرار معمولاً به - غالباً - في استلحاق أولاد الإماء، ولكن يمكن الأخذ به الآن بعد أن تعددت أسباب النكاح الصحيح - غير الموثق - ونتج عنه ما لا يحصى من الأولاد.


ومع ذلك: فالفقهاء يعتبرون أن الإقرار لا يؤكد ثبوت النسب إذا عارضه دليل أقوى منه؛ فلو أقر رجل بأن هذا الولد ابنه وثبت نسبه منه، ثم ادعاه رجل آخر وأقام البينة على أنه ابنه [24]، فإنه يقضى بثبوت نسب الولد ممن أقام البينة ويبطل نسبه من المقر [25].


5- يشترط جمهور الفقهاء لصحة الإقرار بالنسب ألا يذكر المقر أن هذا الولد هو ابنه من الزنى [26]، لقوله صلى الله عليه وسلم: "الولد للفراش، وللعاهر الحجر"، ولقوله صلى الله عليه وسلم: "من ادعى ولداً من غير رِشْدَةٍ فلا يرث ولا يورث" [27]. يقول ابن رشد [28]: "واتفق الجمهور على أن أولاد الزنى لا يلحقون بآبائهم إلا في الجاهلية.. وشذ قوم فقالوا: يلحق ولد الزنى في الإسلام، أعني: الذي كان عن زنى في الإسلام". من هؤلاء: إسحاق بن راهويه، والحسن البصري، وعروة بن الزبير، وسليمان بن يسار، وابن تيمية، ويرى ابن القيم أن القياس الصحيح يقتضيه؛ لأن الأب أحد الزانيين، والولد يلحق بأمه وينسب إليها ويرثها وترثه.. وقد وجد الولد من ماء الزانيين واشتركا فيه واتفقا على أنه ابنهما، فما المانع من لحوقه بالأب إذا لم يدعه غيره؟ فهذا محض القياس [29].


ونحن نتفق مع ما ذهب إليه الجمهور؛ فقوله صلى الله عليه وسلم: "من ادعى ولداً من غير رِشْدَة فلا يرث ولا يورث" صريح في نفي نسب الولد؛ لأن قولهم: هو لرِشْدة، معناه: أنه صحيح النسب [30]، وقولهم: هو لرِشْدة، ضد قولهم: لزِنْية [31]. وقوله صلى الله عليه وسلم: "الولد للفراش وللعاهر الحجر" معناه: أن الزاني ليس له إلا الخيبة والحد؛ ذلك أن النسب نعمة، والزنى نقمة، والنقمة لا تكون سبباً للنعمة، ومع هذين الحديثين لا يجوز إجراء قياس صحيح. ويؤيد ما اخترناه حديث أخرجه أبو داود والنسائي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى فيمن استلحقه الورثة بعد موت المورث: أنه إن كان من أمة كان يملكها المورث حين أصابها فإنه يلحقه من وقت الاستلحاق، ما لم يكن المورث قد أنكره قبل موته، وإن كان من أمة لم تكن مملوكة له، أو من حرة عاهر بها، فإنه لا يلحقه ولو كان هو الذي ادعاه في حياته [32].


الإقرار بنسب محمول على الغير:
أجمعت الأمة على أن الإقرار حجة قاصرة على المقر وحده، لقصور ولاية المقر عن غيره، فيقتصر عليه [33]. وعلى ذلك: إذا ادعت زوجة أو معتدة، أن هذا المولود ابنها ثبتت نسبته إليها، ولا يثبت نسبه من زوجها إلا إذا صدقها؛ لأنها تقتضي تحميل النسب على الغير، فإن كذبها الزوج لم يصح إقرارها إلا إذا قامت البينة على ولادتها له، وحينئذ يثبت نسبه بالفراش متى توافرت شروطه التي تقدمت.


وإذا أقر أحد الورثة بوارث ثالث مشارك لهما في الميراث لم يثبت نسبه - بالإجماع - لأن النسب لا يتبعض، فلا يمكن إثباته في حق المقر دون المنكر، ولا يمكن إثباته في حقهما لأن أحدهما منكر ولم توجد بيّنة يثبت بها النسب [34]. أما إذا أقر جميع الورثة بنسب من يشاركهم في الميراث، ثبت نسبه، سواء أكان الورثة واحداً أو أكثر، ذكوراً أم إناثاً؛ لأنه حق يثبت بالإقرار فلم يعتبر فيه العدد، ولأنه قول لا تعتبر فيه العدالة فلم يعتبر فيه العدد [35]، وعند أبي حنيفة لا يثبت النسب إلا بإقرار رجلين أو رجل وامرأتين [36]. وقال مالك: لا يثبت إلا بإقرار رجلين؛ لأن فيه تحميلاً للنسب على الغير فاعتبر فيه العدد كالشهادة [37].


الرجوع عن الإقرار بالنسب:
إذا ثبت النسب بالإقرار ثم أنكر المقر لم يقبل إنكاره، لأنه نسب ثبت بحجة شرعية فلم يزل بإنكاره، كما لو ثبت ببيّنة أو بالفراش، وعند الشافعية والحنابلة وجه: أنه إن أقر بالغ عاقل بالنسب، ثم رجع عن الإقرار وصدقه المقر له أنه يسقط النسب؛ لأنه ثبت باتفاقهما فزال برجوعهما، كالمال. والأصح - عند الجميع -: أن النسب إذا ثبت لا يسقط بالاتفاق على نفيه، كالنسب الثابت بالفراش. وفارق المال؛ لأن النسب يحتاط لإثباته [38].

رابعاً: البيّنة:
البيّنة -في اللغة - الحجة القوية والدليل، وعرفها الراغب بأنها الدلالة الواضحة عقلية أو محسوسة، وجمعها: بينات [39].


تعريف البينة عند الفقهاء:
1- قال ابن القيم: البينة في الشرع اسم لما يبين الحق ويظهره [40]، ووافقه على هذا التعريف ابن تيمية وابن فرحون [41].


2- وقال ابن حزم: إن البينة تشمل الشهود وعلم القاضي؛ لأن الحق يتبين بهما حقيقة[42].


3- وذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة إلى أن البينة معناها: الشهادة والشهود؛ لأن الأغلب في البينات الشهادة، لوقوع البيان بقول الشهود وارتفاع الإشكال بشهادتهم [43]. والمقصود بالبينة في هذا الموضع يقتصر على الشهادة؛ لما بيناه من قبل: أن النسب يثبت بالفراش، وبالقيافة، وبالإقرار.


وقد ثبتت مشروعية الشهادة - كدليل إثبات - بالكتاب والسنة والإجماع والمعقول.
فمن الكتاب: قوله تعالى: ﴿ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ﴾ [الطلاق: 2][44].


ومن السنة: قوله صلى الله عليه وسلم: "شاهداك أو يمينه" [45].


وقد انعقد الإجماع على مشروعية الشهادة لإثبات الدعاوى [46].


أما المعقول: فلأن الحاجة داعية إليها لحصول التجاحد بين الناس، فوجب الرجوع إليها حتى لا تضيع الحقوق وتنتهك الأعراض [47].


وقد اشترط الفقهاء لقبول الشهادة شروطاً، بعضها يرجع إلى الشاهد، وبعضها يرجع إلى الشهادة نفسها، ومنها ما يرجع إلى المشهود به، ومنها ما يرجع إلى نصاب الشهادة، وتفصيل هذه الشروط مبسوط في كتب الفقه [48].


والشهادة حجة شرعية تظهر الحق ولا توجبه، ولكن توجب على الحاكم أن يحكم بمقتضاها؛ لأنها إذا استوفت شروطها مظهرة للحق، والقاضي مأمور بالقضاء بالحق [49].


وقد اختلف الفقهاء في البيّنة التي يثبت بها النسب:
1- فعند أبي حنيفة ومحمد: هي شهادة رجلين أو رجل وامرأتين [50].


2- وعند المالكية: هي شهادة رجلين فقط [51].


3- وعند الشافعية والحنابلة، وأبي يوسف من الحنفية: هي شهادة جميع الورثة بالنسب، وذلك بمعاينة المشهود به أو سماعه [52].


واتفق الفقهاء على جواز إثبات النسب بشهادة السماع [53]؛ إذ لا سبيل إلى معرفته قطعاً بغيره، ولا تمكن المشاهدة فيه. غير أن الفقهاء مختلفون في شروطهم لقبول الشهادة بالتسامع لإثبات النسب:
فاشترط الحنفية أن يكون النسب مشهوراً؛ فلا يقبل من أحد أن يشهد به إلا إذا أخبره به من يثق الشاهد به من خبر جماعة لا يتصور تواطؤهم على الكذب، بلا شرط عدالة أو شهادة عدلين [54].


وكذلك المالكية: يجيزون الشهادة على السماع في النسب المشهور "مثل: نافع مولى ابن عمر" [55].


وعند الشافعية: يشترط العدد أو الاستفاضة بالنسبة للنسب؛ لأن النسب أمر لا مدخل للرؤية فيه، فدعت الحاجة إلى اعتماد الاستفاضة، إلا إذا عارضها ما يورث تهمة أو ريبة، بأن يسمعه من جمع كثير يقع العلم أو الظن القوي بخبرهم ويؤمن تواطؤهم على الكذب، ولا يشترط الحرية ولا الذكورة ولا العدالة [56].


وعند الحنابلة: ما تظاهرت به الأخبار واستقرت معرفته في قلبه شهد به، وهو ما يعلمه بالاستفاضة، وأجمع أهل العلم على صحة الشهادة بها في النسب والولادة [57].


وبهذا أخذت محكمة النقض المصرية حين قضت بأن: "النسب كما يثبت بالفراش والإقرار، يثبت بالبيّنة، بل البيّنة في هذا المجال أقوى من مجرد الدعوى والإقرار. ولا يشترط لقبولها معاينة واقعة الولادة أو حضور مجلس العقد - إن كان -، وإنما يكفي أن تدل على توافر الزواج والفراش بمعناه الشرعي" [58].

خامساً: حكم القاضي:
ذهب الحنفية والحنابلة، والشافعية في وجه: إلى أن الشهادة على النسب لا تقبل من غير دعوى؛ لأن النسب حق لآدمي، وحقه لا تقبل فيه شهادة الحسبة [59]. وذهب الشافعية - في الصحيح [60]- إلى أن شهادة الحسبة تقبل في حقوق الله تعالى، ومنها النسب؛ لأن في وصله حقاً لله تعالى.


وحكم القاضي بالنسب يعد دليلاً مستقلاً؛ لأنه قد لا يذكر فيه مستند الحكم، ولأن مستنده قد يكون مختلفاً في اعتباره مستنداً، فإذا حكم بمقتضاه ارتفع الخلاف فيه، وكان الحكم طريق الثبوت [61].


وحكم القاضي بثبوت النسب ينفذ على المحكوم عليه وعلى غيره ممن لم يدخل في الخصومة؛ لأن الحكم على الحاضر حكم على الغائب في مسائل منها النسب [62].


ودعوى النسب يغتفر فيها التناقض [63] متى كانت دعوى مباشرة، وفي هذا يقول الكاساني: "يثبت النسب وإن كان منهما تناقض؛ لأن التناقض ساقط الاعتبار شرعاً في باب النسب" [64]. وقد جاء في حكم لمحكمة النقض المصرية: من المقرر في قضاء هذه المحكمة: أن التناقض لا يمنع سماع الدعوى إذا وجد ما يرفعه بإمكان حمل أحد الكلامين على الآخر.. وإذ تبين من الأوراق: أن دعوى الطاعنة على المطعون عليه بثبوت نسب ابنتها منه أنه تزوجها بعقد صحيح عرفي، وعاشرها معاشرة الأزواج، ورزقت منه على فراش الزوجية بابنتها، وكان ما أثبتته الطاعنة في الشهادة الإدارية التي قدمتها مع طلب الحج من أنها لم تتزوج بعد طلاقها من زوجها الأول، هذا القول لا ينفي لزوماً أنها زوجة للمطعون عليه بعقد عرفي، وإنما ينصرف إلى نفي زواجها بوثيقة رسمية.. لما كان ذلك فلا يكون هناك تناقض بين الكلامين يمنع سماع الدعوى [65].


[1] البخاري: 4/ 87 حديث رقم 2001. مسلم بشرح النووي: 10/ 32 حديث رقم 1457.

[2] أخو أم المؤمنين سودة بنت زمعة - رضي الله عنه -.

[3] البخاري: 7/ 18 حديث رقم 3745. مسلم: 2/ 1281 حديث رقم 11458.

[4] الفروق للقرافي: 4/ 99. بداية المجتهد: 2/ 328. مواهب الجليل: 5/ 247.

[5] مغني المحتاج: 4/ 489. نهاية المحتاج: 8/ 375.

[6] المغني: 7/ 483. منتهى الإرادات: 3/ 224. المبدع: 8/ 136.

[7] أخرجه البخاري، فتح الباري: 12/ 57. وأخرجه مسلم: 2/ 1082.

[8] سنن أبي داود: 2/ 700، من قول أحمد بن صالح.

[9] نيل الأوطار للشوكاني: 7/ 81.

[10] الطرق الحكمية لابن القيم: ص222.

[11] نهاية المحتاج: 8/ 375. منتهى الإرادات: 3/ 224.

[12] بداية المجتهد: 2/ 328. الفروق للقرافي: 4/ 99. مواهب الجليل: 5/ 247.

[13] المراجع السابقة، وتبصرة الحكام: 2/ 109.

[14] المبسوط للسرخسي: 17/ 70. بدائع الصنائع: 6/ 242.

[15] لسان العرب – المصباح المنير قرر.

[16] تبيين الحقائق: 5/ 2. مواهب الجليل: 5/ 216. نهاية المحتاج: 5/ 64-65. كشاف القناع: 6/ 452.

[17] حاشية ابن عابدين: 4/ 448.

[18] سورة البقرة: 282.

[19] أخرجه مسلم: 3/ 1312. وأبو داود: 4/ 576.

[20] مغني المحتاج: 2/ 238. مراتب الإجماع لابن حزم: ص94. الإفصاح لابن هبيرة: 2/ 11. أحكام القرآن للرازي الجصاص: 1/ 515.

[21] تبيين الحقائق: 5/ 3. تفسير القرطبي: 3/ 385. كشاف القناع: 6/ 453. الطرق الحكمية لابن القيم: 194.

[22] المبسوط للسرخسي: 8/ 119. حاشية الدسوقي: 3/ 412. مغني المحتاج: 2/ 259. المغني لابن قدامة: 5/ 119.

[23] بدائع الصنائع: 7/ 228. حاشية الدسوقي: 3/ 412. نهاية المحتاج: 5/ 106 وما بعدها. كشاف القناع: 4/ 486. مجموع الفتاوى: 3/ 116.

[24] البينة عند الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة: شهادة رجلين عدلين، وعند الحنفية: شهادة رجلين أو رجل وامرأتين.

[25] المبسوط: 16/ 115. تبصرة الحكام: 1/ 253. نهاية المحتاج: 8/ 395. كشاف القناع: 6/ 434.

[26] حاشية ابن عابدين: 2/ 633. بداية المجتهد: 5/ 438. نهاية المحتاج: 5/ 108. المغني لابن قدامة: 7/ 345.

[27] أخرجه أبو داود عن ابن عباس - رضي الله عنه -: 2/ 279 حديث 2264.

[28] في بداية المجتهد: 5/ 438.

[29] زاد المعاد: 4/ 178. مجموع فتاوى شيخ الإسلام: 32/ 112.

[30] المصباح المنير: رشد.

[31] مختار الصحاح: رشد.

[32] سنن أبي داود: 2/ 280 حديث 2265. ابن ماجه: 2/ 917-918 حديث رقم 2746.

[33] تبيين الحقائق: 5/ 3. بداية المجتهد: 2/ 393. نهاية المحتاج: 5/ 65. الطرق الحكمية: ص 194.

[34] حاشية ابن عابدين: 4/ 466. حاشية الدسوقي: 3/ 415. نهاية المحتاج: 5/ 106. كشاف القناع: 6/ 460 وما بعدها.

[35] المغني لابن قدامة: 5/ 199-200.

[36] فتح القدير: 6/ 13-19.

[37] الشرح الصغير: 3/ 540-542.

[38] المهذب للشيرازي: 2/ 352-353. المغني لابن قدامة: 5/ 206.

[39] المصباح المنير: بين. المفردات في غريب القرآن: ص68.

[40] الطرق الحكمية: ص24.

[41] تبصرة الحكام: 1/ 202.

[42] المحلى: 9/ 426.

[43] فتح القدير: 6/ 907. حاشية الدسوقي: 5/ 117. مغني المحتاج: 4/ 461. المغني: 12/ 6.

[44] سورة الطلاق: 2.

[45] أخرجه مسلم من حديث وائل بن حجر - رضي الله عنه -: 1/ 122 ط. الحلبي.

[46] مغني المحتاج: 4/ 426. كشاف القناع: 4/ 242.

[47] المبسوط للسرخسي: 16/ 116. الفروق للقرافي: 4/ 34. مغني المحتاج 4/ 426. المغني: 12/ 3.

[48] تراجع مادة شهادة في: شرح أدب القاضي للخصاف، للصدر الشهيد: 3/ 97 وما بعدها. تبصرة الحكام لابن فرحون: 1/ 216. مغني المحتاج: 4/ 427. المغني والشرح الكبير: 12/ 60 وما بعدها.

[49] بدائع الصنائع: 6/ 282. منح الجليل شرح مختصر خليل: 4/ 215. روضة الطالبين: 12/ 260. منتهى الإرادات: 2/ 647.

[50] البناية شرح الهداية: 7/ 531.

[51] البيان والتحصيل: 14/ 279.

[52] حاشيتا قليوبي وعميرة: 3/ 15. المغني والشرح الكبير: 5/ 335. المبسوط: 16/ 111.

[53] الفتاوى الهندية: 3/ 458. مواهب الجليل: 6/ 194. روضة الطالبين: 11/ 266. المغني والشرح الكبير: 12/ 24.

[54] حاشية ابن عابدين: 4/ 375.

[55] التاج والإكليل: 6/ 194.

[56] روضة الطالبين: 11/ 266 وما بعدها.

[57] المغني والشرح الكبير: 12/ 23.

[58] الطعن رقم 38 لسنة 74ق أحوال شخصية، جلسة: 5/ 3/ 1980.

[59] بدائع الصنائع: 4/ 111. أسنى المطالب: 4/ 367. المغني: 9/ 215.

[60] حاشيتا قليوبي وعميرة: 4/ 322-323.

[61] التاج والإكليل بهامش مواهب الجليل: 6/ 132-133.

[62] حاشية ابن عابدين: 4/ 337. والمراد بالغائب: من لم يخاصم في النازلة المقضي فيها أصلاً، أو لم يحضر عند صدور الحكم المرجع نفسه: 4/ 335.

[63] من المقرر فقهاً: أن التناقض مانع من سماع الدعوى؛ لاستحالة ثبوت الشيء وضده البناية في شرح الهداية: 7/ 517.

[64] بدائع الصنائع: 6/ 243.

[65] الطعن رقم 19 لسنة 39ق جلسة: 25/ 4/ 1973.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 88.83 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 86.94 كيلو بايت... تم توفير 1.90 كيلو بايت...بمعدل (2.14%)]