اقترب الحج !

[ابوالوليد المسلم]

اقترب الحج !
إبراهيم بخاري



بسم الله والحمد لله، وصلى الله على المبعوث رحمة للعالمين، وبعد:
بدأت رائحة زهور تفوح من قبل أم القرى مكة مهبط الوحي ومهبط الرسالة، فيها بدأ المصطفى دعوته سراً، ومنها تخرج أبرز صحبه - عليه الصلاة والسلام -، والمؤمن الحق يبدأ بتفقد حاجاته الإيمانية، فيسعى للتزود بالتفقه في أحكام العبادة قبل مجيئها.
ومن فضل الله على هذه الأمة أن جعل لها مواسم للخيرات عديدة تتضاعف فيها الحسنات، ومن أبرز تلك المواسم: موسم الحج، وفيه عبادة الركن الخامس من أركان الإسلام، تنافس على أدائها الصالحون وقبلهم النبيون.
ومن الغريب أن نجد جمعاً من أهل هذه البلاد المباركة يقاطع الحج كمقاطعته للحلوى إذا منعه منها الطبيب لضررها عليه، فهذا أحد المقتدرين يبلغ من العمر الأربعين ويحرص سنوياً على أن يسافر كل صيف خارج البلاد للسياحة، ولم يعتمر إلى الآن عمرة واحدة، فتركه الحج من باب أولى! وفي مكة -حرسها الله- تجد من منَّ الله عليه بجوار بيته العتيق ولا يحج أبدا متعللا بأعذار وسْواسية واهية، فإلى متى هذا الهجران؟! والنبي - عليه الصلاة والسلام - يقول: ((تعجلوا إلى الحج، فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له))[رواه أحمد وصححه الألباني].
بينما ترى الحاج من أقصى أطراف الأرض يجمع ماله سنين عديدة ليحج بيت الله، ويمن الله على بعضهم بانقطاع أجله حاجاً، فهنيئا له، وشتان بين هذا وذاك.
وهذا الحاج القادم لهذه البلاد لا ريب أن عند فئة كبيرة منهم قصورا كبيرا في العقيدة، وقد رأيت ذلك بنفسي عند شاخص جبل الرحمة بعرفات، فتجد هذا يتمسح به، وهذه تصلي إليه، وآخر يكتب دعاء له عليه!.
ولا ريب أن هذا الخلل العقدي حصل لهم من أمرين:
الأول: جهل بسبب عدم تمكنهم من تعلم العقيدة الصحيحة.
الثاني: بعض الدعاة المبتدعة الذين زينوا لهم الباطل، بل أوجبوا عليهم زيارة تلك الأماكن وجعلوها من المناسك!.
فالواجب على الدعاة في موسم الحج قبله وبعده وأثناءه أن يحرصوا على تعليم الحجيج العقيدة السليمة والاحتساب عليهم، فلا تدري أخي الداعية هل تلتقي هذا الجمع مرة أخرى؟! قال شجاع بن الوليد عن سفيان الثوري - رحمهما الله تعالى -: حججت معه فلم يفتر لسانه عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
كما أوجه مناشدتي لسمو أمير منطقة مكة لوضع حد للفساد العقدي عند تلك الآثار، ومن الحلول المقترحة: وضع سياج حول جبل النور وجبل ثور مع إزالة شاخص جبل الرحمة بالكلية.
ومن الطريف في الأمر مع الحزن بعده أن من أبرز الصور التي انتشرت عالميا العام الماضي صورةَ حاج يسجد على ذلك الشاخص المشين والذي يطلى كل فترة بطلاء أبيض، ثم ما يلبث أن يعود أسود اللون بسبب تمسح الناس به، ولا أدري هل هذا مظهر حضاري عند أمانة العاصمة التي ظلت مكتوفة الأيدي عن المنع!! وهل يتقبل منا الغرب المتحضر هذا المظهر؟!
بين يدي بعض الأخبار عن قضايا أخلاقية عند أحد تلك المزارات يزعم فاعلوها بأنهم يتبركون بالمكان!! وأتوقع بأن جهد رجال الهيئة ووزارة الأوقاف هو جهد مشكور وينفع الله به، ولكنه لا يكفي في ظل تزايد عدد الحجيج كل عام.
هذه رسالة يسيرة كتبتها عن قرب موسم الحج وما يحصل عند الآثار المشهورة بمكة؛ عل الله أن يسخر من يقرأها فيعمل بخير ما فيها، فرب مبلغ أوعى من سامع.
اللهم سخر لنا حج بيتك العتيق واجعلنا ممن يعود منه كيوم ولدته أمه!.