تحذير قبل أي تذكير - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12547 - عددالزوار : 216130 )           »          معارج البيان القرآني ـــــــــــــ متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 7834 )           »          انشودة يا أهل غزة كبروا لفريق الوعد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 62 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4421 - عددالزوار : 859673 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3953 - عددالزوار : 394003 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 87 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 66 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 64 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 69 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 62 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 06-11-2023, 07:46 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي تحذير قبل أي تذكير

تحذير قبل أي تذكير
الشيخ حسن حفني

الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على أشرف عباده الذين اصطفى، سيدنا ونبينا محمد، سيد المرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
لقد وجدنا بعض الجَهَلة ممن يتصدرون للكلام في قضايا الدين وأحكامه ومسائله، ومنهم من يتستر تحت ستار بعض الشعارات المزيفة المضللة، مثل: (الطبقة المثقفة – النخبة - العلمانية – الليبرالية – التحررية – المجددين – تجديد الخطاب الديني - الفن.... إلخ)، ومنهم مع الأسف خطباء ووعَّاظ، بل ومنهم حملة درجة الدكتوراه في العلوم الشرعية.


ومن أجل كل هذا أردت التنبيه العام قبل الحديث عن أي موضوع يخص الشرع والدين وأحكامه وقضاياه، وقبل التصدُّر لتعليم الناس الأمور الدينية الشرعية، لا بُدَّ أن يعرف كل متكلم هذا التحذير، وذلك للأهمية القصوى، فأقول لكم أيها العقلاء المحبُّون لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم:
اعلموا أن الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم بنسبة أحاديث إليه لم يقلها ولم تصح عنه، هذه جريمة خطيرة، وكبيرة عظيمة، ولقد حذَّرَنا صلى الله عليه وسلم من ذلك، فاسمع إلى بعض هذه الأحاديث[1]واقرأها جيدًا، وباهتمام بالغ:
1- عن عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: «لا تَكْذِبُوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ فَلْيَلِجِ النَّارَ»[2].


2- عَنْ الزُّبَيْرِ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ»[3].


3- عن أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: إِنَّهُ لَيَمْنَعُنِي أَنْ أُحَدِّثَكُمْ حَدِيثًا كَثِيرًا أَنَّ النَّبِيَ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ تَعَمَّدَ عَلَيَّ كَذِبًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ»[4].


4- عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ يَقُلْ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ»[5].


5- عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ»[6].


قال الشيخ مقبل بن هادي الوادعي في الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين (1/ 31): هذا، والذي يترتب عليه هذا الوعيد هو التعمُّد، وأما غير المتعمد فإذا لم يَتَحرَّ يكون آثمًا، والله أعلم. ا هـ.


وقال الإمام النووي في شرح مسلم (1 / 104): وفي الأحاديث فوائد:
1- تقرير هذه القاعدة لأهل السنة، أن الكذب يتناول إخبار العامد والساهي عن الشيء بخلاف ما هو عليه.


2- تعظيم تحريم الكذب عليه صلى الله عليه وسلم، وأنه فاحشة وموبقة كبيرة ولكن لا يكفر بهذا الكذب إلا أن يستحله، وهذا هو المشهور من مذاهب العلماء من الطوائف؛ ا هـ.


فانتبه لهذه الجريمة أيها المسلم الحبيب رحمك الله وأكرمك وجعل الجنة مثواك.


6- ومن الأحاديث: عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه قَالَ: مَا يَمْنَعُنِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَلَّا أَكُونَ أَوْعَى أَصْحَابِهِ عَنْهُ، وَلَكِنِّي أَشْهَدُ لَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «مَنْ قَالَ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ»[7].


7- عَنْ عَلِيٍّ بنِ أبي طَالب رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حَدَّثَ عَنِّي حَدِيثًا يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَذَّابِينَ»[8].


شرح مختصر للأحاديث:
قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تَكْذِبُوا عَلَيَّ): هو عام في كل كاذب، مطلق في كل نوع من الكذب، ومعناه: لا تنسبوا الكذب إليَّ.


ولا مفهوم لقوله: (عَلَيَّ)؛ لأنه لا يتصور أن (يكذب له) لنهيه عن مطلق الكذب.


وقد اغترَّ قوم من الجهلة فوضعوا أحاديث في الترغيب والترهيب وقالوا: نحن لم نكذب عليه بل فعلنا ذلك لتأييد شريعته، وما دروا أن تقويله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل يقتضي الكذب على الله تعالى؛ لأنه إثبات حكم من الأحكام الشرعية سواء كان في الإيجاب أو الندب، وكَذَبَ مقابلها وهو الحرام والمكروه.


قوله: «فَلْيَلِجِ النَّارَ»: جعل الأمر بالولوج مسبَّبًا عن الكذب؛ لأن لازم الأمر الإلزام، والإلزام بولوج النار سببه الكذب عليه، أو هو بلفظ الأمر ومعناه الخبر، ويؤيده رواية مسلم بلفظ «مَنْ يَكَذِب عَلَيَّ يَلِج النَّارَ»، وفي رواية ابن ماجه قال: «الكَذِبُ عَلَيَّ يُولِجُ -أي يُدخِلُ- النَّارَ».


قوله: «فَلْيَتَبَوَّأْ»: أي فليتخذ لنفسه منزلًا، يُقال: تبوأ الرجل المكان إذا اتخذه سكنًا، وهو أمر بمعنى الخبر أيضًا، أو بمعنى التهديد، أو بمعنى التهكم، أو دعاء على فاعل ذلك؛ أي: بوَّأه الله ذلك، وهذا يدل على طول الإقامة في النار لمدة أطول.


قوله: «مَا لَمْ أَقُلْ»: أي شيئًا لم أقله، وذكر القول؛ لأنه الأكثر، وحكم الفعل كذلك لاشتراكهما في علة الامتناع، فلا فرق في ذلك بين أن يقول الإنسان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وفعل كذا إذا لم يكن قاله أو فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم.


تحذير للخطباء والوعَّاظ من النبي صلى الله عليه وسلم:
1- أخرج أبو يعلى في مسنده (7 / 118) عن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي، رَأَيْتُ قومًا تُقرض أَلْسِنَتُهُمْ بِمَقَارِيضَ مِنْ نَارٍ»، أو قال: «من حديد»، قُلْتُ: «مَن هَؤُلاءِ يَا جِبْرِيلُ؟»، قَالَ: خُطَبَاءُ أُمَّتِكَ.


2- وعند أبي يعلى (7 / 180) عن أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَتَيْتُ عَلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي، فَرَأَيْتُ فيهَا رِجَالًا تُقْطَعُ أَلْسِنَتُهُمْ وِشِفَاهُهُمْ بِمَقَارِيضَ مِنْ نَارٍ، فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ، مَا هَؤُلاءِ؟ قَالَ: هَؤُلاءِ خُطَبَاءُ مِنْ أُمَّتِكَ»، وهذا حديث صحيح، وفي لفظ عن أنس: «أَتَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي، على قومٍ تُقرض شِفَاهُهُمْ بِمَقَارِيضَ مِنْ نَارٍ -(بِمَقَارِيْضَ): مفردها: مِقْرَاض: وهو المقص- كُلَّمَا قُرِضَت وفَتْ - (أي: تمت وطالت؛ أي: رجعت كما كانت بعد قصِّها وقطعها)- قُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ، مَن هَؤُلاءِ؟ قَالَ: خُطَبَاءُ أُمَّتِكَ الذين يقولون ما لا يفعلون، ويقرءون كتاب الله ولا يعملون به»؛ حديث حسن: (انظر صحيح الجامع 129، والصحيحة 291).


3- وعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي كُلُّ مُنَافِقٍ عَلِيمُ اللِّسَانِ»؛ (حديث صحيح، صحيح الجامع 239، 1554).


4- عَنْ عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ رضي الله عنه، قَالَ: (حَذَّرَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم كُلَّ مُنَافِقٍ عَلِيمِ اللِّسَانِ)؛ (حديث صحيح، صحيح الجامع 1556).


تنبيه هام جدًّا:
ذكرت هذه الأحاديث كما أشرت في البداية؛ ليحذر كل متكلم قبل أن يتكلم وخاصة في أمور الدين؛ لأن هناك أحاديث كثيرة يذكرها بعض العامة والخطباء في بعض المواسم والأيام على المنابر، وهي إمَّا موضوعة أو منكرة أو باطلة أو ضعيفة، يعني أنها لا تصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن نستغني بالصحيح عن الضعيف ولو عملنا بالأحاديث الصحيحة فلن نجد وقتًا للعمل بالأحاديث الضعيفة؛ لكثرة الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يقولن أحدكم: سمعنا وقرأنا أنه يجوز العمل بالأحاديث الضعيفة في فضائل الأعمال.


وأنا أقول لكم أيها الأحباب في هذه المسألة كلامًا واضحًا لا لبس فيه إن شاء الله تعالى؛ وذلك لأننا نعتقد أن بيان الأحاديث الضعيفة والموضوعة واجب ديني، وخاصة في هذا العصر؛ لغلبة الجهل، وانتشار البدع، واتباع الأهواء، وغربة الإسلام، وفقدان الوازع الديني، ومن أكبر أسباب انتشار البدع هذه الأحاديث التي لا تصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.


والعلماء قد ذكروا أن هناك شروطًا ثلاثة للعمل بالحديث الضعيف، وهي:
الأول: متفق عليه، وهو أن يكون الضعف غير شديد، فيخرج من انفرد من الكذَّابين، والمتهمين بالكذب، ومن فحش غلطه.


الثاني: أن يكون مندرجًا تحت أصل عام، فيخرج ما يُخترع بحيث لا يكون له أصل أصلًا.


الثالث: ألَّا يُعتقَد عند العمل به ثبوته؛ لئلا يُنسَب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يقله.


والشرط الأول نقل الإمام العلائي الاتفاق عليه، والشرط الثاني والثالث عن ابن عبدالسلام، وعن صاحبه ابن دقيق العيد.


قال الشيخ الألباني رحمه الله في مقدمة صحيح الجامع: وهذه شروط دقيقة وهامة جدًّا، لو التزمها العاملون بالأحاديث الضعيفة، لكانت النتيجة أن تضيق دائرة العمل بها، أو تُلغى من أصلها، وبيانه من ثلاثة وجوه:
أولًا: يدل الشرط الأول على وجوب معرفة حال الحديث الذي يريد أحدهم أن يعمل به؛ لكي يتجنب العمل به إذا كان شديد الضعف.


وهذه المعرفة مما يصعب الوقوف عليها من جماهير الناس، وفي كل حديث ضعيف يريدون العمل به، لقلة العلماء بالحديث، لا سِيَّما في العصر الحاضر، وأعني بهم أهل التحقيق الذين لا يحدثون الناس إلا بما ثبت من الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وينبهونهم على الأحاديث الضعيفة، ويحذرونهم منها؛ بل إن هؤلاء هم من أقل القليل، فالله المستعان.


من أجل ذلك تجد هؤلاء المبتلين بالعمل بالأحاديث الضعيفة، قد خالفوا هذا الشرط مخالفة صريحة، فإن أحدهم -ولو كان من أهل العلم بغير الحديث- لا يكاد يقف على حديث في فضائل الأعمال، إلا ويبادر إلى العمل به دون أن يعرف سلامته من «الضعف الشديد» فإن قُيِّض له من ينبهه إلى ضعفه، رَكَنَ فورًا إلى هذه القاعدة المزعومة عندهم: «يعمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال» فإذا ذُكِّر بهذا الشرط، سكت ولم ينبس ببنت شفة! ا هـ.


«يعني لا يتفوَّه بكلمة ولا بنصف كلمة لعدم درايته بذلك».


وقال الشيخ العلامة أحمد شاكر رحمه الله في الباعث الحثيث بعد أن ذكر الشروط الثلاثة المتقدمة: «والذي أراه أن بيان الضعف في الحديث واجب في كل حال؛ لأن ترك البيان يوهم المُطّلِع عليه أنه حديث صحيح، خصوصًا إذا كان الناقل له من علماء الحديث الذين يُرجَع إلى قولهم في ذلك، وأنه لا فرق بين الأحكام، وبين فضائل الأعمال ونحوها، في عدم الأخذ بالرواية الضعيفة، بل لا حجَّة لأحد إلا بما صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، من حديث صحيح أو حسن»؛ ا هـ.


وقال الغزالي في إحياء علوم الدين «3 / 44»: «وقد ظن ظانون أنه يجوز وضع الأحاديث في فضائل الأعمال، وفي التشديد في المعاصي، وزعموا أن القصد منه صحيح، وهو خطأ محض، إذ قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ»... إلى أن قال: والكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكبائر التي لا يقاومها شيء؛ ا هـ.


وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وكذلك ما عليه العلماء من العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال ليس معناه إثبات الاستحباب بالحديث الذي لا يُحتجُّ به، فإن الاستحباب حكم شرعي فلا يثبت إلا بدليل شرعي، ومن أخبر عن الله أنه يحب عملًا من غير دليل شرعي فقد شرع من الدين ما لم يأذن به الله كما لو أثبت الإيجاب أو التحريم، ولهذا يختلف العلماء في الاستحباب كما يختلفون في غيره؛ بل هو أصل الدين المشروع؛ ا هـ.


وقد بيَّن ذلك شيخ الإسلام رحمة الله وردَّ على من زعم أن الإمام أحمد رحمه الله أخذ بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال، «انظر: كتاب قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة لشيخ الإسلام رحمه الله 85».


قال العلامة الألباني رحمه الله وهو يستكمل الكلام المذكور عنه سابقًا:
«والخلاصة أن التزام هذا الشرط يؤدي عمليًّا إلى ترك العمل بما لم يثبت من الحديث؛ لصعوبة معرفة الضعف الشديد على جماهير الناس، فهو في النتيجة يجعل القول بهذا الشرط «أي: الشرط الأول للعمل بالحديث الضعيف» يكاد يلتقي مع القول الذي اخترناه.


ثانيًا: أنه يلزم من الشرط الثاني (أن يكون الحديث الضعيف مندرجًا تحت أصل عام...) أن العمل في الحقيقة ليس بالحديث الضعيف، وإنما بالأصل العام، والعمل به وارد، وُجِدَ الحديث الضعيف أو لم يوجد، ولا عكس، أعني العمل بالحديث الضعيف إذا لم يوجد الأصل العام، فثبت أن العمل بالحديث الضعيف بهذا الشرط، شكلي، غير حقيقي وهو المراد[9].


ثالثًا: إن الشرط الثالث يلتقي مع الشرط الأول في ضرورة معرفة ضعف الحديث، لكي لا يعتقد ثبوته، وقد عرفت أن الجماهير الذين يعملون في الفضائل بالأحاديث الضعيفة لا يعرفون ضعفها، وهذا خلاف المراد.


ـ وجمله القول: إننا ننصح إخواننا المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، أن يَدَعُوا العمل بالأحاديث الضعيفة مطلقًا، وأن يوجهوا همتهم إلى العمل بما ثبت منها عن النبي صلى الله عليه وسلم، ففيها ما يغني عن الضعيفة، وفي ذلك منجاة من الوقوع في الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأننا نعرف بالتجربة أن الذين يخالفون في هذا قد وقعوا فيما ذكرنا من الكذب؛ لأنهم يعملون بكل ما هبَّ ودبَّ من الحديث، وقد أشار صلى الله عليه وسلم إلى هذا بقوله: «كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ»[10] «رواه مسلم في مقدمة صحيحه».


وقد قال ابن حجر رحمه الله: «ولكن اشتهر أن أهل العلم يسمحون في إيراد الأحاديث في الفضائل، وإن كان فيها ضعف ما لم تكن موضوعة أو شديدة الضعف».


وينبغي مع ذلك اشتراط أن يعتقد العامل كون ذلك الحديث ضعيفًا، وألَّا يُشهر ذلك؛ لئلا يعمل المرء بحديث ضعيف فيشرِّع ما ليس بشرع، أو يراه بعض الجُهَّال فيظن أنه سنة صحيحة.


وقد صرح بذلك أبو محمد بن عبدالسلام وغيره، وليحذر المرء من دخوله تحت قوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حَدَّثَ عَنِّي حَدِيثًا يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَذَّابِينَ».


فكيف بمن عمل به؟ ولا فرق بين العمل بالحديث في الأحكام أو في الفضائل، إذ الكل شرع؛ ا هـ [11].


وأظن أن هذا الذي ذكرته في هذه المسألة كافٍ ﴿ لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ [ق: 37] ولولا خشية الملل من الإطالة الزائدة في هذا المقام لذكرت كلامًا كثيرًا لأهل العلم في هذه المسألة.


أيها الإخوة والأخوات الأعِزَّاء، والقُرَّاء الكرام، أعتذر إن كنت قد أطلت عليكم في الكلام السابق، ولكنَّ المنصف العاقل يرى أنه مهم جدًّا، وكلنا في أَمَسِّ الحاجة إليه خاصة في هذا الزمان، والحمد لله رب العالمين، فأرجو أن تلتمسوا لي العذر بارك الله فيكم أجمعين.

[1] وهذا الحديث بلغ حدَّ التواتر؛ فهو مرويٌّ عن جَمْع كبير من الصحابة رضي الله عنهم جميعًا.

[2] رواه البخاري (106) ومسلم (1).

[3] رواه البخاري (107).

[4] رواه البخاري (108)، ومسلم (2).

[5] رواه البخاري (109).

[6] رواه البخاري (110) ومسلم (3) .

[7] رواه أحمد فى المسند (469) وهو حديث صحيح .

[8] رواه عبدالله بن أحمد في زوائد المسند وإسناده حسن، وأخرجه ابن ماجه (1/ 15).

[9] قال صاحب مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح فى باب المسح على الخفين: والظاهر أن العمل بالحديث الضعيف محله إذا لم يكن مخالفًا للحديث الصحيح أو الحسن ... وأيضًا إنما يُعمل بالحديث الضعيف فى فضائل الأعمال الثابتة بأدلة أخرى؛ ا هـ. وهذا الكلام يؤكد ما ذكره العلامة الألباني رحمه الله؛ إذ العمل سيكون بالأدلة الأخرى الثابتة وليس بالضعيف الذي لم يثبت.

[10] انظر مقدمة صحيح الجامع للشيخ الألباني رحمه الله صـ 52 : 56، طـ المكتب الإسلامي الثالثة.

[11] هامش المرجع السابق، ص 53.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 66.27 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 64.56 كيلو بايت... تم توفير 1.71 كيلو بايت...بمعدل (2.58%)]