|
|
روضة أطفال الشفاء كل ما يختص ببراءة الأطفال من صور ومسابقات وقصص والعاب ترفيهية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
طبقية الرضَّع
طبقية الرضَّع جود الشريف لم يكن حديثًا باللسان، بل كان بلغة العيون والحال، فكلاهما لم يُتمَّ السنتَين، الأول طفل بين لعبه المتعدِّدة الشكل واللون، متوسِّد وسادات فاخرة بألوان مُتلائمة مع لون الفرشةِ الجميلة التي يجلس عليها. وذاك الطفل جالسٌ على الأرض بعيدًا عنه، يعبث بطرف السجاد الأعجمي الذي يُغطِّيها. يرفع الأول رجليه المنعَّمتَين، فيُمسك حذاءه الفاخر الجديد بزهو، ينظر للآخر فيرى أصابع يديه تمتدُّ بعشوائية لتُلامس أطراف أصابع قدمه الباردة. يتبادلان الابتسام، ويبدأ الحديث بلغة يفهمانِها جيدًا، هما فقط. تعبث أنامل الأول المعطرة بشعره المصفَّف بمُشطِه الناعم، فيجيبه ذلك بأن شعره مُغبرٌّ لأن والدته تمر من طريق غير معبَّدة في الوصول للمنزل لمعاونة أهله في تنظيفه وترتيبه. يخبر الأول بمناغاة طفولية أن ثيابه الجميلة التي يرتديها جلبتها جدته من سفرها إلى بلاد بعيدة، فيُجيب الآخر أن أجمل الثياب التي لديه هي ما يَستغني عنه أمثالك من ثياب، ولم يعودوا بحاجة لها. ينقلب الأول إلى جانبه الأيسر فتمتد يده الصغيرة لدمية لطيفة، يرفعها لينظر إليها شريك الحوار؛ ليُجيب بأن لُعَبه هي قطع تصنعها والدته بالأقمشة الممزّقة، وأنها بلا شكٍّ هي الأجمل. كأن الأول شعر بالجوع، ومن أول طرف سُمع من أنشودة بكائه جاءته المُربّيَة مُسرِعة، فأعطته زجاجة الحليب المعقَّمة النظيفة، المملوءة بالحليب المدعم؛ ليُمسكها بكلتا يديه، تضعه على سريره الناعم الوثير، مناغاته وصوته وهو يُمسكها متزامنٌ مع صوت الموسيقا الهادئة التي تَصدر من لعبته المعلقة فوقه، يبدأ بامتصاص الحليب اللذيذ بنَهَمٍ، يَنظر إليه رفيقه متأملاً بعد أن أصدر نغمة بكاء خفيفة - أحيانًا نشعر بالجوع لمجرد أننا نرى الطعام - لا أحد يستجيب لبكائه! عيون المستلقي المتعجبة تسأل عن مربيته، لمَ لمْ تأتِ لترعاك، وتقدم لك وجبتك؟! يتوقَّف الباكي عن البكاء قليلاً؛ فهذه أمور ليست في قاموسه. ينشغل قليلاً بملاحقة نملة تدبّ بجانبه، يتبعها ببصره ويُحاول أن يمسكها. يتعجب رفيقه منه، وما أن يُبصر النملة حتى يعاود الصراخ ثانية، تأتيه المربية قلقةً، ما الأمر؟ يشير بيده بخوف لذلك المخلوق الصغير.... نملة! مِن أين أتت للمكان؟! تريد أن أتخلَّص منها؟! يواصل تناول الحليب، في الوقت الذي كان فيه رفيقه استطاع بالزحف الوصول لصندوق الألعاب، ينظر إليه متوجِّسًا، ويسأله عن مقصده من ذلك، أتريد أن تأخذَ ألعابي؟! ينظر إليه ببراءة ويُجيب: أريد فقط أن أراها وألعب بها! يتحرَّك قليلاً في سريره، قبل أن يُجيب: نعم، ولكن لا تكسرها، سأختار لك ما ستلعب به! كأن الرفيق انشغل ونسيَ معدته الجائعة أو لعلَّه اعتاد ذلك. استمر الحوار مع الألعاب - لا تلمس هذه؛ فهي من عمتي - انظر لجمال هذه، كم أحبها! بانتهاء الحليب في الزجاجة، كان النعاس قد غلب على المستلقي على فراشه، جاءته المربية، نظَّفت أسنانه من بقايا الحليب، واطمأنت إلى غطائه المُحكَم، واستسلم للنوم. رفيقه يَنظر بعجب، إنه جائع حقًّا، بكى، جاءت المربية مجددًا، أتريد أن تطعمَني مربيتُه كما النائم؟ لا.. تريده أن يصمت لكيلا يَستيقِظَ النائم! لم يفهم ما قالته، أو لعله لا يريد، استمرَّ بالبكاء.... بغضب بالغ، أمسكتْه بحذَر، توجَّهت لأمِّه المُنغمِسة في تلميع نوافذ وتُحف غرفة الضيافة الكبيرة: ابنكِ مُزعجٌ جدًّا، أخاف على الصغير أن يستيقظ من صوت بكائه! نظرت إليه أمه بحنان حقيقي، احتضنتْه، اشتقت لك يا صغيري... آه... أنت جائع! لا تقلق؛ سأنهي ترتيب هذه الغرفة وأُطعمك! جرعة الحنان أسعدته، صمت وتوقف عن البكاء، ينظر لأمه التي تتحرَّك بنشاط كالنَّحلة. تأتي صاحبة المنزل التي استيقظَت لتوِّها مُمسكة بفنجان قهوتها، فتسأل عما تبقَّى من أعمال؟ فتُجيب بأن الباقي هو غرفتُها وغرفة الصغير، والصغير نائم الآن، ثم تستأذِن بخجل بالغ بنصف ساعة استراحة - بعد ثلاث ساعات عمل - لإرضاع طفلها الجائع، فتُجيبها بالموافَقة، بشرط أن تنهي باقي العمل قبل موعد قدوم ضيوفِهم على الغداء. تهزُّ رأسها مُوافِقةً، وتعود لعملها بجدٍّ، يَرقبها صغيرها تعمل بتفانٍ، يُناجيها ببراءته ليَمنحَها القوة والدفْء، ويتشاغل بالعبث بما حوله ليَنسى صوت معدته التي تطلب الطعام.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |